الخيار للعمل أم للأمل؟

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

الخيار للعمل أم للأمل؟

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

عقيدة الانتظار
بين أدعياء التدين وأدعياء التمدن
هل هي حالة قدرية مضروبة على شعوبنا، أن تنأى بذاتها عن دائرة العمل إلى دائرة الأمل. لتتربص دهوراً وقروناً في محطات الانتظار. انتظار البطل الذي يحقق الحلم أو الفارس الذي يطير بأصحابه وصويحباته على الحصان الأبيض؟!
أو انتظار (المهدي) السني أو الشيعي الذي يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً؟! أو انتظار المخلص الأوروـ أمريكي، أو المحكمة الدولية التي أصبحت منذ الإعلان عنها أفيون المتخاذلين والمتقاعسين؟!

يظن البعض على المستوى الثقافي أن عقيدة (الانتظار) هذه، إنما هي عقيدة دينية عبرية مسيحية وإسلامية !! وربما يذهب آخرون إلى أنها مجرد نظرية شيعية؛ بينما يفجؤك الواقع السياسي أن الكثيرين ممن يلبسون (السترة والبنطلون) وهذا كان عنوان التفرنج والتمدن في عصر ما، مازالوا سادرين في طوباويات الحلم القادم بين ساعدي مارد ( فانوس علاء الدين). أشباه قادة، ومدّعوو زعامة ومختالون على طريق السياسية، وإن شئت أهمل حرف الخاء من مختالون، ليبراليون وعلمانيون، متأمركون، ومتغربون يمارسون عقيدة (الانتظار) أو يروجونها، كما يروج المتمسك بخرقة الولي الفقيه من الأميين وأنصافهم نظرية (المهدي) الذي سيريحنا من عناء الجهد والجهاد!! ويعفينا من التضحية والبذل...

أقلام شيعية تنويرية كثيرة بدأت بنقد عقيدة الغائب أو المغيّب في سرداب سامراء، والذي يقال فيه عادة (عجل الله فرجه وسهل مخرجه) وهو نفس الدعاء الذي يدعو به البعض اليوم بشأن المحكمة الدولية الأمل الموعود أو الموؤود.
نظرية الإمام المهدي تلك، سبق للإمام الخميني هو الآخر أن التف عليها عندما دعا الشيعة إلى العودة إلى صلاة الجمعة بعد أن توقفوا عن أدائها قروناً طوالاً بحجة ألا جمعة بدون إمام. ثم جاءت نظرية (الولي الفقيه) التفافاً محمودا آخر على عقيدة (الانتظار) التي شلت الحياة الإسلامية العامة لأمد طويل.

وعلى الجانب السني من المجتمعات المسلمة لم تغب نظرية المهدي المنتظر عن فهوم ورؤى الكثيرين، الذين آمنوا بنظرية فساد الزمان، وأنه لا بد من الانتظار حتى مجيء المهدي، الذي سيحقق النُّصرة بالخوارق والمعجزات.
وكان قد سبق سيد قطب، رحمه الله تعالى، أن دفع حياته ثمناً ليعلم المسلمين عامتهم وخاصتهم أن هذا الدين لم ينتصر ولن ينتصر بالمعجزات، وأن طريق نصره كان الجهد الإيجابي الفاعل والصبر والمصابرة والثبات على الطريق والتضحية والألم وهكذا سيبقى إلى يوم الدين.. (راجع إذا شئت كتاب: هذا الدين ـ منهج البشر).

لسنا نناقش في هذا المقام الحقيقة الشرعية في عقيدة المهدي، وصحة الآثار الواردة ، وأقوال العلماء الأثبات فيه؛ وإنما نناقش الانعكاس السلبي لمفهوم عقيدة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسوغ القعود و تزين السلبية. كلام كنا نسمعه في عهد الصبا من شيوخ وهو يشرحون نظريتهم عن فساد الزمان بعد قرون الخيرية الأولى مما يوجه أبناء الأمة إلى أن يستقيلوا من الفعل العقلي، ومن الفعل الحركي، وأن يستقيلوا حتى من الدفع عن أنفسهم أو التدافع مع الآخرين بانتظار (المهدي) الذي يتصور البعض أنه سيفعل كل شيء بالمعجزة الربانية المباشرة. وبكلمة (كن) التي تضمر الأمر والفعل بين الكاف والنون.
ولقد استُغلت عقيدة المهدي هذه طويلاً في تاريخ الإسلام، السني والشيعي، على السواء، وأريق تحت رايتها الكثير من الدماء، ولعل آخر ما شهدناه حدث الفتنة في الحرم المكي في ثمانينات القرن الماضي على يد أصحاب جهيمان.

عقيدة أو عقدة الانتظار بكل قدريتها الغيبية التاريخية تتقمص اليوم بطوباويتها نخبة متقدمة من السياسيين المتمدنين والعلمانيين وأشباه القادة ومدعي الزعامة، حيث يتحول لفيف غير قليل من هؤلاء إلى عقيدة الانتظار هذه المقعدة عن الفعل، المهوّمة وراء سمادير الحلم..
ومهدي هؤلاء هو الحلم الأمريكي القادم على ظهر دبابة أطلسية، أو مطرقة قاضي في طيلسان أسود يضرب بمطرقته على سندان العدالة الدولية!! تتلمس هؤلاء فتراهم هائمين على وجوههم في مواقع الأخبار يتلمسون إثارة من دعاية تشبب الحلم الأحمر في رؤوسهم أو تهدئ من روع أتباعهم ومريديهم الذين أكلهم الملل والانتظار.

في الفيزياء قانون للنهوض، يؤكد أن رفع أي ثقل عن الأرض يحتاج إلى (عمل) هذا إذا لم يكن لك مقاوم غير عامل الجاذبية التي تعني في الحالة الإنسانية (الإثقال) إلى الأرض حسب تعبير القرآن (ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض..؟!)

المتنبي شرح الطريق لطالبي السؤدد يوم قال:

لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال...
والفتى دراوس قال لهشام عبد الملك.. بعد أن نبهه إلى ضرورة البذل لدوام السؤدد:

وفي أيديكم فضول أموال..

فإن كانت لله فأنفقوها على عباده.. وإن كانت للمسلمين فردوها عليهم..

وإن كانت لكم فإن الله يحب المحسنين ..

عقيدة الانتظار تردد على لسان جرير للفرزدق
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا
أبشر بطول سلامة يا مربع..

زهير سالم


أضف رد جديد

العودة إلى ”الحوار والفكر التنويري“