صفحة 1 من 1

تقسيم السودان الغرض والنتائج

مرسل: الجمعة يناير 14, 2011 8:06 pm
بواسطة محمد نبيل كاظم
أحمد حسين الشيميمؤامرات دولية بأيدي صهيونية خبيثة.. رياح التفتيت والتقسيم التي لم يكتب لها الهدوء حتى تهب ثانية، فتارة الجنوب، وتارة أخرى كردفان، وثالثة دارفور.. توقيف الرئيس بزعم ارتكابه جرائم حرب.. دعم صهيوأمريكي للمقاتلين والمتمردين في دارفور؛ لإشاعة الفوضى، وتنفيذ المخططات المشبوهة..
بين كل هذه المتغيرات وغيرها يقف السودان العربي الشقيق على مفترق طرق يهدد حاضره ومستقبله، خاصة بعد الاتفاق بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان عام 2005م في "نيفاشا بكينيا" على إجراء استفتاء تقرير المصير في الجنوب عام 2011م؛ لتحديد إما البقاء تحت سلطة الحكومة المركزية في الخرطوم، أو الانفصال، وإعلانه دولة مستقلة بذاتها.
مركز للتنصير إن الخطر الداهم في هذا الاتفاق هو اعتبار "علمنة" نظم الحكم والإدارة والمؤسسات من رئيسيات الحكم في الجنوب الذي يمثل فيه المسلمون ما يقرب من 25% من السكان، إضافة إلى أن الميراث العدائي للمسلمين هو السمة الواضحة لمعتنقي الدين الحنيف في الجنوب، حيث يتعرضون يوميًّا لعمليات سلب ونهب للممتلكات وهدم للمساجد، في الوقت الذي تؤكد فيه المنظمات التبشيرية الغربية على أن المسيحيين في الجنوب يتعرضون للاضطهاد على يد حكومة الشمال الإسلامية.

ومن أبرز تلك المنظمات "سامرتين بيرس" التبشيرية الأمريكية الشهيرة، الكائن مقرها بولاية كارولينا الشمالية، والتي يتزعمها القس جرهام فرانكلين، التي بدأت حملات إعلانية كبيرة حول العالم من أجل جمع التبرعات لحماية المسيحيين في جنوب السودان، وإعادة بناء كنائسهم.
واستطاعت حسب التقارير الصادرة منها بناء 80 كنيسة في عام 2007م وحده, وحذت العديد من المنظمات التبشيرية حذو "سامرتين بيرس" حتى تحول الجنوب السوداني إلى مركز تنصير لا يستهدف الجنوب فحسب، بل هدفه ضرب العمق الإفريقي.
إن ضعف التواجد الإسلامي في الجنوب جعل منه تربه خصبة، وبيئة مناسبة لنمو ونشاط حركات التنصير التي تشهد دعمًا حكوميًّا (الحركة الشعبية لتحرير السودان)؛ والتي تهدف من ورائه إلى خلق "سودان جديد" يرتكز بصورة رئيسية على طمس الهوية العربية والإسلامية في كل مناحي الحياة، سواء سياسية أو اجتماعية.
ويعمل قياديو الجنوب منذ فترة بعيدة على تحقيق الهدف السابق، بل وتعد فكرة الزعيم الجنوبي الراحل "جون قارنق" القائلة بطرد العرب والمسلمين من الجنوب، أحد ثوابت النظام الحاكم الحالي في جنوب السودان، والذي لم يترك فرصة سانحة لتحقيقه؛ لذا فإنه في حال تصويت الجنوبيين على الانفصال عن الشمال في يناير 2011م سيكون الهدف سهل المنال، لا سيما في ظل الأحقاد الصليبية والمسيحية الدفينة تجاه العرب والمسلمين في الجنوب.
وتحظى المخططات الشيطانية التي تنتظر مسلمي الجنوب بدعم أمريكي ملحوظ، فلنا أن نعرف أن الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة بوش الابن قد مارست ضغوطًا هائلة على حكومة البشير لإتمام اتفاق نيفاشا بعدما فشل مرات عديدة، كما أن استراتيجية الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما الجديدة حيال السودان، والتي أعلن عنها أكتوبر الماضي، تضع مسألة تنفيذ الاتفاق السابق كأحد أهم أولويات واشنطن في المنطقة.
ودائمًا ما تعبر الدوائر الإعلامية الغربية والأمريكية على وجه الخصوص (الموجهة صهيونيًّا) عن اضطهاد المسيحيين في الجنوب؛ لكسب تأييد الرأي العام، والضغط على صناع القرار من أجل مساعدتهم، وذلك في إطار التعاون الوثيق بين اليهود والمسيحيين في الجنوب، وفي ذلك بطبيعة الحال تحقيق أهداف الصهاينة الخاصة بحلم إسرائيل الكبرى، والسيطرة على منابع النيل، والتحكم في الظهير الجنوبي للأمن القومي العربي.
أوضاع اقتصادية بائسة وتستغل المنظمات التبشيرية حالة الفقر المدقع والظروف الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها سكان جنوب السودان، إضافة إلى الأوضاع الأمنية غير المستقرة؛ لتقديم العديد من الخدمات ومختلف أنواع الرعاية، ليسهل عليها نشر مبادئها، وتنصير السكان تحت مبادئ مثل العمل الإنساني ومساعدة الفقراء.
إن ملامح الوضع الإنساني المتردي في جنوب السودان، عبرت عنه نائبة منسق الأمم المتحدة المقيم للشئون الإنسانية في جنوب السودان "ليز جراند" مؤخرًا بقولها: "إن مداخيل حكومة الإقليم لا تصرف على التنمية بل بدرجة كبيرة على التسلح؛ ونظرًا لأن هذه الأموال ليست كافية لعمليات تنمية واسعة، فإنه يوجد 1.5 مليون شخص في جنوب السودان يحصلون على تغذية ضئيلة جدًّا تشمل وجبة طعام كل يومين، وذكرت أن الوضع منتشر في خمس من ولايات الجنوب العشر".
وأضافت جراند: "إن برنامج الأمم المتحدة للمساعدة الإنسانية هناك يحتاج إلى 57 مليون دولار؛ لكي يؤمن القوت والغذاء لهؤلاء، وإلا انتشرت المجاعة".
إن الوضع المتردي في الجنوب، واعتماد قادتها على الإعانات من الدول المانحة، جعل المنظمات الإنسانية الدولية (التي تقود التنصير غير المباشر) ذات اليد الطولى هناك، إذ يبلغ عددها130 منظمة، وسبق أن قام الرئيس السوداني عمر البشير بطرد العشرات منهم من منطقة دارفور؛ لنشاطهم التنصيري الملحوظ.
إن الجنوب يعد من أغنى المناطق السودانية بالنفط، إذ يمثل 80% من عائدات النفط السودانية الكلية، كما يتمتع بموارد مائية هائلة، إلا أن الرغبة الداخلية والخارجية في بقاء الأوضاع على ما هي عليه، حتى يتمكن من الانفصال عن الشمال، هي المشكلة الرئيسية, كما أن غياب أي دعم إسلامي لمسلمي الجنوب جعلتهم فرادى في خندق المؤامرات الخبيثة.
رياح الانفصال قادمة وبالرغم من وجود ما يربو على 60 منظمة إسلامية في الجنوب، تعمل على تسيير أمور المسلمين، وتسليم وإدارة ممتلكاتهم التي كانت تخضع للحركة الشعبية لتحرير السودان، إلا أن قادة الجنوب يريدون بقاء هذه الممتلكات تحت تصرفهم؛ لذا يضعون العديد من العراقيل أمام ممارسة تلك المؤسسات لعملها، بل والتضييق على أنشطتها الخيرية، وأيضًا وضع قيود على ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية.
وفي نفس السياق، يؤكد الباحث السوداني أبو بكر دينق على وجود ممارسات عنصرية تجاه المسلمين في الجنوب، تتجلى هذه النشاطات في اعتقال مسلمين لاستخدامهم مكبر صوت في الأذان، إضافة إلى منع الأذان في عدد من ولايات الجنوب العشرة، وتحويل بعض أماكن تعليم القرآن إلى خمارات، فضلاً عن غلق للجامعات والكليات والمصارف الإسلامية، وسعي لاستبدال المنهج السوداني العربي بالمناهج الكينية والأوغندية، واعتقال شماليين مسلمين بصورة متكررة.
إن المثير للدهشة هنا هو موافقة حكومة الخرطوم على إنشاء مفوضية لرعاية مصالح المسيحيين في شمال السودان، في الوقت الذي رفضت فيه حكومة الجنوب على إنشاء أخرى للمسلمين بدعوى أنها حكومة غير دينية، وأن المسلمين يمارسون شعائرهم وطقوسهم الدينية بحرية كاملة دون تضييق.
إن الوضع المخزي لمسلمي الجنوب سيزداد سوءًا إذا اختار الجنوبيون الانفصال.. الانفصال الذي تريده القوى الاستعمارية الكبرى، ليس انفصال سياسي لتكوين دولة مستقلة في الجنوب فقط، بل دحر وتدمير الهوية العربية والإسلامية لمسلمي الجنوب، في ظل الحرب الشعواء ضد الإسلام في كل مكان.
وها هي رياح الانفصال قادمة لا محالة وسط دعم أمريكي ملحوظ، وهو ما أكده "ايزيكيل لول جاتكوث" رئيس بعثة حكومة جنوب السودان في واشنطن بقوله: "إن الولايات المتحدة تقدم مساعدات في الوقت الراهن لجنوب السودان لإعداده للانفصال عن الشمال"، وتابع بقوله: "إن جانبًا كبيرًا من المساعدات الأمريكية للسودان التي تبلغ نحو مليار دولار سنويًّا توجه إلى بناء الطرق، وتدريب الشرطة، وزيادة الكفاءة الاحترافية لجيش مستقل في الجنوب‏".
ولم تكن واشنطن هي الدولة الكبرى المؤيدة لانفصال الجنوب فقط، بل نجد أيضًا الصين، فقامت مؤخرًا بفتح قنصلية لها في عاصمة الجنوب "جوبا"، وهناك مشاورات حالية لرسم علاقات الجانبين بعد 2011م.
إن الدعم الأمريكي والصيني أو حتى البريطاني غير المعلن لانفصال الجنوب أمر طبيعي في ظل الاستراتيجيات الغربية الرامية إلى تقسيم الدول العربية واحدة تلو الأخرى، وفي ظل التنافس العالمي على بترول الجنوب، أما أن يظهر زعيم عربي هو معمر القذافي ويؤيد الانفصال، فهذا أمر مختلف تمامًا لا يمكن تبريره.
وأخيرًا يمكن التأكيد على أن السودان يمر بمرحلة خطيرة من تاريخه السياسي، تتشكل على أساسها واقعه الحالي ومستقبله، فقطار التفتيت وتقسيم السودان إلى دويلات صغيرة لن يتوقف عند الجنوب، بل سيشمل أيضًا دارفور التي يلعب فيها التحالف الصهيو أمريكي دورًا بارزًا في إثارة النزاعات والصراعات؛ مما تستدعي الحاجة إلى ضرورة وقفة عربية جادة وفعالة مع السودان في وجه تلك المخططات، التي ستقلب واقع المنطقة رأسًا على عقب، وفي هذه الحالة سيصبح الحديث عن الأمن القومي العربي كلام مرسل لا يسمن ولا يغني من جوع.