صفحة 1 من 1

الأسرة والأزمات المالية

مرسل: الثلاثاء سبتمبر 15, 2009 3:51 pm
بواسطة محمد نبيل كاظم
بالتخطيط والتفكير الإيجابي لمواجهة الأزمة المالية العائليةكما عند كل متغيرات طارئة تتعرّض لها الأسرة، كان لوقع الأزمة المالية العالمية آثارها السلبية على طبيعة حياة كل فرد من أفرادها. بعض من هؤلاء نجح في التأقلم مع هذه المستجدات الاقتصادية، فيما كان مصير الآخرين عدم القدرة على المواجهة وانتهت بهم الطريق في بعض الأحيان إلى الانتحار. وفي هذا الإطار تتوالى يوماً بعد يوم الدراسات التي تلقي الضوء على نواحٍ عدة من آثار هذه الأزمة على المجتمع بشكل عام، وعلى العلاقات العائلية بشكل خاص وكيفية تقبّل الأبناء لهذا الوضع الجديد، وقد أشار عدد كبير من هذه الدراسات إلى ضرورة بذل الجهود لمواجهة التغيرات الاقتصادية، التي قد تؤدي إضافة إلى المشكلات النفسية والصحية إلى مشكلات عائلية تصل إلى الطلاق. - مشكلات الأزمة على الصعيد العائلي والصحي: في دراسة اجتماعية برازيلية أطلقت في بداية هذا العام، تم تحديد بعض الإرشادات الهامة التي تساعد الأزواج على تجنب تأثير الديون المالية على علاقاتهم الزوجية. في البداية أشارت الدراسة إلى أن توفير المال لدفع فواتير الحسابات، في نهاية كل شهر، يمكن أن يتحول إلى مغامرة حقيقية قد تؤدي إلى التوتر، الذي يضعف الروابط العاطفية بين الزوجين، ويحوّل الاهتمام من العلاقة العاطفية إلى الأمور المادية، ويزداد الأمر سوءا في حالة فقدان العمل بشكل نهائي، وليس الخسارة المادية فقط، لاسيما أن فقدان الوظيفة يعتبر من أخطر المشكلات التي قد تُثقل كاهل أي عائلة، باستثناء الأغنياء طبعاً. - سبل مواجهة المشكلات: * أبعاد المشكلات المادية عن العلاقة الزوجية: من أهم الحلول الفعالة التي أشارت إليها الدراسة البرازيلية لمواجهة أزمة الديون هو إتحاد الزوجين في مواجهة الأزمة بشجاعة، والعمل معا للخروج منها، وفي هذا الإتحاد، ينبغي على الزوجين التفكير في المضي قدما إلى الأمام، وعدم الاستسلام للأزمة. وأول ما ينبغي أن يركز عليه الزوجان، هو الإيمان بالقدرة على مواجهة الأزمة، وعدم الخلط بين أزمة الديون والعلاقة الزوجية، لاسيما أن العاطفة يجب أن تظل بعيدة كل البعد عن الأوضاع المادية، حتى لو تأثرت وتراجعت، لأن تجنب الشعور بالضعف أمام الأزمة، يساهم في إتحاد الزوجين لمواجهتها. والحب هو قوة أساسية تساهم في دفع جهود الزوجين لمواجهة الأزمات، وضعفه يعني الإستسلام للأزمة، وإن كانت صغيرة ويمكن التغلب عليها. * النقاش وتبادل الأفكار والتخطيط: وفي هذا الصدد، قالت الدراسة إن النقاش بين الزوجين يقدِّم المزيد من الأفكار والآراء، التي تساعد على مواجهة الصعاب المالية، وعلى رأسلها تأثير الديون، والتشاور حول طرق مواجتها مع شرط التمتع بالمرونة في تقبُّل الرأي الآخر، للوصول في نهاية المطاف إلى حلول سليمة لتخطي الصعاب. في الإطار نفسه، تعطي المتخصصة في التدريب على الحياة، ماريا خليفة، اقتراحات من شأنها أن تساعد الأشخاص على تخطي مشكلات الأزمة المالية، وأهمها الثقة بالنفس والشجاعة والقدرة على التأقلم مع أي متغيرات والتفاعل معها، والأهم هو التخطيط وترشيد الانفاق، ويعني ذلك وضع مخطط كامل يعطي الأولوية للأمور المهمة وتجاهل أو الاستغناء عن الأمور الثانوية، التي كانت قد تحوّلت في فترة من الفترات إلى أساسية ذات كلفة عالية. * التضامن في "السراء والضراء": كذلك أشارت الدراسة البرازيلية إلى أن سر عدم الوقوع في فخ آثار الأزمات المالية، هو الرجوع إلى ما تعهد به الزوجان عند الزواج، وهو العيش معا في السراء والضرّاء. وتذكّر هذا العهد في وقت الأزمات وتطبيقه، يُقوِّيان الإرادة للتغلب على الصعاب، وقد ثبت. من خلال استطلاع آراء بعض الأزواج. أن التفكير بهذه الطريقة، ساعدت المئات من الأزواج الذين تعرضوا في مراحل سابقة إلى أزمات مالية، على تخطي جميع العقبات بإرادة صلبة. * تحول التفكير من الشعور بالخسارة إلى استغلال الفرص: وتعتبر خليفة أن تجاهل كل ما يؤدي إلى التوتر والقلق والتركيز على الأمور الإيجابية في الحياة العملية والعائلية والشخصية يمنح الإنسان قوة، وبالتالي اتخاذ قرار التغيير والعمل على الاستقرار من جديد. وتشير إلى أن العمل على تخفيف وطأة المشكلة وعدم تضخيمها ومحاولة إراحة البال هي أمور مهمة في الحد من المعاناة النفسية، وعدم الشعور بالندم أو تأنيب الذات أو حتى لوم الآخرين. لأن الاستسلام يحدّ من قدرة الإنسان على الإنتاج والتقدّم، وبالتالي يجب التفكير بطريقة إيجابية وإقناع النفس بأن الأوضاع ستتحسّن في وقت قريب، وأن الأيام المقبلة ستكون أفضل مع البحث الدائم عن سبل جديدة لزيادة المدخول، عبر مضاعفة ساعات العمل أو إيجاد عمل آخر. وتعتبر خليفة أن الأزمات قد تكون فرصة بإمكان المرء استغلالها، لاسيما في ما يتعلق بتخفيض أسعار المنتوجات والسلع على اختلاف أنواعها من الشركات الكبرى أو من الأشخاص، الذين يضطرون لبيع ممتلكاتهم بأسعار متدنية بعد تعرضهم لخسارة مادية، إذ بالإمكان في هذه الحالة الاستفادة من فرصة الشراء بأسعار منخفضة والبيع في ما بعد بأرباح كبيرة. * تجنّب محاسبة الآخر: أظهرت الدراسة البرازيلية أن المعاناة من مشكلات مادية، تؤدي إلى المحاسبة بين الزوج والزوجة، إذ قد يحاسب كل منهما الآخر، بسبب صرف ما لم يكن من الضروري صرفه. ومحاسبة الآخر بسبب الديون والمصاريف، هي من أولى علامات دخول العلاقة الزوجية في أزمة خارجة عن نطاق السيطرة، فإن لم يكن الزوجان واعيين لهذا الأمر، فقد تصل العلاقة إلى الطلاق. لاسيما أن وجود الوظيفة والراتب الثابت، يمنحان العلاقة الزوجية نوعاً من الاستقرار، وفقدان أحد الزوجين للوظيفة، قد يؤدي إلى الطلاق الذي هو تهرّب من تحمل المسؤولية. وفي السياق نفسه توقعت دراسة، نشرت نتائجها صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، أن تسجل حالات الطلاق معدلات قياسية في بريطانيا خلال عام 2009، وأنه سيقدم نحو مليوني متزوج على الانفصال بسبب ضغوط الأزمة المالية. * الحد من متابعة الأخبار الاقتصادية: تنصح خليفة الأشخاص الذين تأثروا سلباً بالأزمة المالية عدم متابعة الأخبار الاقتصادية، التي قد تصبح هاجساً يلاحقهم أينما كانوا، بل محاولة تجاهلها قدر الإمكان والتركيز على كل ما من شأنه أن يشكّل لهم دعماً إيجابياً؛ للانطلاق من جديد والتركيز على النواحي المفرحة في الحياة مثل الصحة والعائلة والأولاد والتخطيط للمستقبل. * الأبناء والأزمة المالية: يعتبر الدكتور ملحم شاوول، المتخصص في علم الاجتماع، أن تفاعل الأبناء مع تغيّرات مستوى المعيشة، التي تفرضها الأزمة المالية على طبيعة حياتهم يرتبط بشكل أساسي بطريقة التربية المعتمدة في "أيام العز"، فإذا كانوا اعتادوا العيش حياة غير منضبطّة اقتصاديا وغير مسئولة، فعندها سيجد أولياء الأمور صعابا في تأقلم أولادهم مع الوضع الجديد، أما من كان قد اعتمد أسلوباً عاقلاً في التربية، اعتاد فيه الأولاد على تحمّل المسؤولية ومواجهة المشكلات الطارئة، فعندها سيكون الحل أسهل، بل وعلى العكس سيشكلون دعماً إيجابياً لأهلهم في الأوقات الحرجة. لكن وفي كلتا الحالتين، يؤكّد شاوول على ضرورة التفكير بعقلانية ووضع مخطط جديد يساهم فيه كل أفراد العائلة؛ كي تسير حياتهم بشكل سليم وتتأقلم مع الوضع الطارئ. بعيداً عن الانعكاسات التي قد تؤدي إلى تفكّك وحدتهم. "على صعيد الصحة الجسدية والعقلية، فقد حذّر باحثون كنديون من أن الأزمة المالية يمكن أن تساهم في ظهور مرض الأكزيما الجلدي المزمن، وقد أظهرت الدراسة أن العوامل النفسية بما فيها التوتر، تعتبر من أكثر الأسباب شيوعاً لظهور الأكزيما لدى 75 في المائة من المصابين. وستؤدي هذه الأزمة كذلك إلى زيادة مشكلات الصحة العقلية وحتى حالات الانتحار، خصوصاً أن الفقر والتوتر بما في ذلك العنف والعزلة الاجتماعية والشعور الدائم بانعدام الأمن تعتبر أموراً مرتبطة بظهور الاضطرابات العقلية".
منقول