أحمد خان (الهند) وتجديد التربية

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

أحمد خان (الهند) وتجديد التربية

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

في الهند.. أحمد خان وتجديد التربية محمد حلمي عبد الوهاب/ 03-11-2009يتربع على عرش التيار التحديثي- الليبرالي في الهند السيد أحمد خان (1817م- 1898م)() الذي ولد وترعرع في ظل أسرة أرستقراطية تمتاز بأصولها العريقة؛ حيث رحل أجداده الأوائل من بلاد الغرب إلى مدينة "هراة"، ثم منها إلى العاصمة "دلهي" في عهد الملك "أكبر شاه".لد أحمد خان في السابع عشر من أكتوبر عام 1817، وتوفي والده عام 1254هـ- 1838م وهو لا يزال في التاسعة عشرة من عمره، وعلى عكس أسرته التي كانت تتحرج كثيرا من إبداء صلتها بالإنجليز، التحق السيد أحمد خان بخدمة الحكومة أمينا للسجلات في القلم الجنائي بمدينة دلهي، ثم سرعان ما عُيِّن منصفا، أي قاضيا مدنيا في مقاطعة "فاتح بور" الواقعة ضمن إقليم "أكرا" لينتقل بعد ذلك بنفس مسماه الوظيفي إلى مدينة "بنجور" قبيل وقوع الثورة الهندية بقليل عام 1274هـ- 1857م.وواقع الأمر أنه كان يمكن لحياة السيد خان أن تسير على نفس طريقتها فيترقى في سلك القضاء لولا وقوع الثورة الهندية التي كانت الحدث الفصل في حياته وتحولاته الفكرية؛ حيث لم يعرف عنه اهتمامه بقضايا الإصلاح والتجديد قبلها، وإنما كان مهتما فقط ببحث آثار دلهي القديمة، حيث ألف في هذا السياق كتابه "آثار الصناديد" عام 1264هـ-1847م، وما أن اندلعت الثورة الهندية حتى انتهت بالفشل كآخر محاولة عسكرية قامت بها سلطات المغول الإسلامية في وجه الغزو الأوروبي.لكن ما حدث لاحقا بعد انتهاء الثورة هو الذي غير مجرى المياه الراكدة في الحياة السياسية الهندية؛ حيث امتدت مرحلتا الاضطهاد والقمع لدرجة أن عمد ضابط بريطاني اسمه الكابتن هدسون إلى جميع أفراد الأسرة المالكة فذبحها على بكرة أبيها، ولم يستثن منها إلا الإمبراطور الطاعن في السن بهادر شاه الثاني والذي توفي بمنفاه في مدينة رانجون بعد ذلك.في هذه الأثناء أبيحت المدينة للجيش الذي انطلق جنوده لنهب المساكن وذبح المواطنين، فإذا بأحمد خان يجير أسرة بريطانية من محاولة الاعتداء عليها وينقذها من الموت، ومن ثم نظرت إليه السلطات الإنجليزية بعين الرضا، وكافأته على ذلك بترقيته وظيفيا.
ولم يكتف السيد خان بذلك، وإنما أعلن عن رأيه في مناهضة الإنجليز، فألف كتابا بعنوان "أسباب بغاوت هند"، أي "أسباب الثورة الهندية" حلل فيها جميع الأوضاع الاجتماعية والسياسية في شبه القارة الهندية، مؤكدا أن المواجهة العسكرية مع البريطانيين لم تكن في موضعها، وأن الفرصة لا تزال برغم ذلك مواتية للمسلمين للدخول في مناقشة ذات مضمون علمي وثقافي أكبر لمواجهة القوة الأوروبية المتنامية.كما سعى أحمد خان إلى تقديم تفسير جديد لنظرية الجهاد بعد أن ساد في هذه الفترة أن الهند أصبحت دار حرب، ووجب الجهاد المسلح على أبنائها المسلمين دفاعا عن دينهم، ففي سنة 1804م قام الحاج شريعة الله بتأسيس حزب إصلاحي يقوم على عدم صحة صلاة الجمعة في الهند بحجة أنها ليست دار إسلام! ولذا سمي حزبه هذا بـ"جماعة اللاجمعة".وعلى عكس هذا الفهم تماما، أكد السيد خان أن الجهاد ليس مباحا إلا في حالة وقوع القهر البالغ، أو الحيلولة بين المسلمين وأداء شعائرهم الدينية، وتبعا لذلك فإنه لما كان الأمر الأخير غير متحقق في الواقع؛ نظرًا لأن الإنجليز يكفلون الحرية الدينية، فإن ذلك لا يبرر الجهاد ضدهم بحال من الأحوال.وبطبيعة الحال، لاقت آراء السيد خان اعتراضا شديدا من قبل الأوساط الجهادية، خاصة أن عدد المسلمين في الهند وقتها كان قد جاوز السبعين مليون، فإذا بأغلبهم يعيشون في حالة من الجهل والفقر وبؤس العيش، وحتى من تعلم منهم لم يتجاوز تعليمه الإطار التقليدي (التعليم الديني).رأى السيد خان أن أغلبية الشعب خاضع لسلطة رجال الدين الذين لا يفهمون من الإسلام إلا رَسْمَه، ويرون "أن المدنية الحديثة بعلمها ونظمها ووسائلها ومقاصدها مدنية كفر لا يصح للمسلم أن يستمد منها، ولا أن يتعاون مع أهلها، وإنهم إذا فتحوا صدورهم لها أحاطت عقائدهم، ونالت من دينهم" ().بين خان ومحمد عبدهوتبعا لرأي السيد خان المتعلق بضرورة البدء بإصلاح العقول من خلال التثقيف والتهذيب، يبدو أنه بذلك أقرب شبها بالشيخ الإمام محمد عبده بعد مفارقته جمال الدين الأفغاني وعودته إلى الوطن من نفيه؛ فكلاهما يؤمن أنه لا وجود لاستقلال مع الجهل وسيادة الخرافة، وأن عماد الدولة الحرة الأبية إنما يقوم على العلم بالدين والدنيا معا، وأن الإسلام إذا ما تم فهمه على حقيقته فإنه ليس فيه ما يمنع الإنسان من أن يصل إلى أعلى الدرجات في العلوم ونظم الدنيا إلى غايتها، بل على العكس تماما فإن في الإسلام ما يشجع على التدبر في آيات الله وملكوته.جانب آخر يشترك فيه المجددان، محمد عبده وأحمد خان، ألا وهو الجانب الواقعي، وقراءة المشهد السياسي لكلا البلدين في ضوء الحاصل فعلا وليس بهدي من بواعث الأمل أو التمني؛ فقد أقر كلاهما بأن مرد السلطة في بلديهما إلى الإنجليز وحدهم، وأن هؤلاء يملكون ناصية الأمور من ناحية العتاد والقوة وإحكام السيطرة على البلاد، وهو ما ليس بإمكان البلدين، مصر والهند، مواجهته أو مقاومته مرحليا، لكنهما بالرغم من ذلك أقرا بأن اتحاد قوى الشعب من خلال المقاومة كفيل بردع ودحر القوات الإنجليزية، لكن التساؤل الذي قفز أمامهما إزاء هذا الافتراض هو: كيف يكون اتحادهم مع واقع جهلهم وضعف خلقهم؟ أضف إلى ذلك فساد أمرائهم؟!إلى هذا الحد من المقاربة تأكد للمجدديْن أنه لا مناص من البدء أولا بتثقيف الشعب، وحتى يتم ذلك يتوجب على النخبة الثقافية والسياسية أن تجلس إلى مائدة المفاوضات مع الإنجليز في كلا البلدين للاستفادة بأكبر قدر ممكن في هذا السياق، فما لا يدرك كله لا يترك كله.ومن النواحي الأخرى التي اشترك فيها الإمامان أن كليهما قد ناله من الاتهامات بسبب آرائه الشيء الكثير، ولعل ذلك ما يفسر سبب رحيل السيد خان إلى أوروبا عقب انتهاء الثورة مباشرة ليسجل إعجابه بالتيارات الفكرية الأوروبية وقتذاك في كتابه "سفر نامه" والذي جاء فيه:"إن الذين يريدون إصلاح الهند الحقيقي يجب أن يجعلوا نصب أعينهم نقل العلوم والفنون والآداب الأوروبية إلى لغة البلاد الأصلية.. إن تقدم الغربيين إنما جاء من أنهم عالجوا الآداب والعلوم بلغتهم، ولو كانت العلوم والفنون تعلَّم في إنجلترا باللغة اللاتينية أو اليونانية أو العربية أو الفارسية لظلوا جاهلين جهل الهند، فإذا لم نهضم العلوم والفنون ونتمثلها بلغتنا فسنظل في حالتنا السيئة ().لكنه في المقابل صدم مرة أخرى إزاء جهل الأوروبيين بالإسلام ونبيه، فكتب بدافع هذه التجربة، وهو في إنجلترا، كتابا بعنوان" "خطبة أحمد" تحدث فيها عن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، وفكره، مدللا على ذلك بالأحاديث النبوية.وعندما عاد السيد خان من رحلته الأوروبية سارع بإنشاء "الجمعية الإسلامية العلمية"، ثم أسس لاحقا (عام 1860م) "كلية عليكرة الإنجليزية الإسلامية" والتي أصبحت فيما بعد "جامعة عليكرة الإسلامية".وفي كل الأحوال، فإن من شأن الآراء التي قال بها الإمامان، عبده وخان، أن تجر عليهما ويلات لا قبل لهما بها، ومن ثم كان يتوجب على صاحب هذه الآراء أن يحارب في وقت واحد على جبهات ثلاث:الجبهة الأولى: تتمثل في رجال الدين الذين يرون في الدعوة لاقتباس العلوم الحديثة مفسدة تضر بالدين، وأن القول بقيام كل شيء على السببية كفر بالقضاء والقدر، إلى جانب القول بزندقة من ينكر على المشايخ والأولياء سلطتهم الروحية.الجبهة الثانية: تتمثل في دعاة الوطنية والاستقلال، وهؤلاء يرون في الدعوة لمهادنة الإنجليز خيانة للقضية الوطنية، وأنه لا تفاوض ولا مسالمة إلا بعد الجلاء، وكل من يطلب دون ذلك يُتهم بالعمالة، خاصة إذا انضوى تحت لواء الحكومات اللاشرعية، وترقى ضمن وظائف الدولة المحتلة.الجبهة الثالثة: تتمثل في قوى الاستعمار، وهؤلاء سرعان ما يضيقون ذرعا بمطالب المصلحين، فيعمدون إلى نفيهم خارج البلاد، أو مصادرة كتبهم سعيا وراء الحد من نفوذهم، وخوفا من سلطانهم، على حد سواء.إنما الأمم الأخلاقوقد ربط السيد خان في دعوته التحديثية بين تقدم الأمم ورقيها الأخلاقي، يقول في ذلك: "انظروا إلى إنجلترا، لقد كانت ثروتها تتماشى يوما فيوما مع تربيتها، فكلما زادت تربيتها زادت ثروتها، وقد كانت منذ قرون وأمامها من العقبات والصعاب التي تعوق التربية أكثر مما عندنا.. ولو أن الهند سنة 1856 كانت تعرف العالم وتعرف قوتها وقوة خصمها من الإنجليز، وتزن الأمور بميزان صحيح، وتدرك نتائج الأمور ما حدثت الحوادث الأليمة التي حدثت سنة 1858، إلا أن الجهل سبب لكل شر" ().ثم سافر السيد خان إلى مكة سنة 1870 ليعرض مخططه للإصلاح التربوي والفكري والاجتماعي على زعماء العالم الإسلامي، الذين تتبعوا باهتمام بالغ شتى تجاربه في مجال التعليم، كما كان له الفضل في إقناع علماء المسلمين بنظريته القائلة بأن باب الاجتهاد مفتوح، وبأن الإسلام بحاجة إلى إصلاح، على الرغم من معارضة أقلية متشددة من علماء المدرسة القديمة.وإلى جانب أنشطته هذه، أسس السيد خان عددا من المجلات الدورية لنشر فكره الإصلاحي من بينها: "تهذيب الأخلاق"، وكانت تصدر باللغتين الإنجليزية والأوردية، ومجلة "عليكرة" Aligarh Gazette ، وغيرها.لكن على العكس تماما من قبول المجتمع الهندي آراء السيد خان الإصلاحية في المجالين الاجتماعي والتثقيفي-التعليمي، أثارت مواقفه السياسية استياء متزايدا بين المسلمين آنذاك؛ فقد كان يحذر دائما من مغبة الاصطدام بالإنجليز، وذهب أيضا إلى حد النصح بإجراء تعاون بين المسلمين والسلطات البريطانية، أضف إلى ذلك أن الأخيرة منحته لقبا فخريا هو لقب "سير"، ومن ثم أصبح عضوا في مجلس نائب الملك.وفي كل الأحوال، كان السيد خان يرى أن الغرض الذي يجب أن يرمي إليه السياسي هو العمل على تحقيق وحدة الهند ككل، وأن الإسلام والهندوكية والنصرانية يجب أن تكون عقائد دينية محلها نفوس معتنقيها فقط؛ وبالتالي لا تؤثر هذه العقائد في الوطنية التي ينبغي أن تظل عامة تشترك فيها جميع الطوائف.وفي السياق ذاته، شجع السيد خان القائمين على حزب المؤتمر الهندي الذي تكون من ليبراليين بقصد المطالبة بإجراء إصلاحات سياسية ودستورية ليبرالية، لكنه ما لبث أن امتنع عن حضور إحدى جلساته برئاسة بدر الدين طيّاجي بحجة خوفه من أن تتحرك إنجلترا مرة ثانية ضد المسلمين على النحو الذي حدث بعد قمع الثورة الهندية.القرآن والعقلأيضا لم تسلم آراء السيد خان الدينية من توجيه النقد اللاذع لها؛ حيث أثار كتابه "تفسير القرآن" سخط العديد من رجال الدين بصفة خاصة، وبحسبه فإن القرآن إذا ما فهم فهما صحيحا لا يتعارض مع العقل، وأن النظر الصحيح فيه إنما يوجب الاعتماد على روحه أكثر من الاعتماد على حرفيته، ومن ثم يجب أن يفسّر القرآن على ضوء العقل والضمير ليس إلا!بل إنه تطرَّف في نظريته هذه إلى الحد الذي قال فيه: إن الوحي قد نزل بمعناه دون لفظه! متابعا في ذلك مذهب بعض علماء المسلمين المتقدمين الذين حكى قولهم السيوطي في «الإتقان»، حين قال: "وذكر بعضهم أن جبريل إنما نزل بالمعاني خاصة، وأنه صلى الله عليه وسلم عَلِمَ تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب" ().ولا ننسى أيضا ما كتبه جمال الدين الأفغاني بالفارسية في رسالته "الرد على الدهريين" التي هاجم فيها أحمد خان ومذهبه، أضف إلى ذلك الجهود التي قامت بها حركة "ديوبند" أو دار العلوم التي أسسها النانوتاوي في ديوبند عام 1860 لمواجهة تيار التغريب في البلاد والعودة إلى العلم الإسلامي والمعرفة الحقيقية بروح الإسلام للخروج من حقبة الانهيار والاضمحلال.ففي الوقت الذي كان يولي فيه السيد خان قدرا كبيرا من الاهتمام في كلية عليكرة لتدريس اللغات والعلوم الغربية، كانت العناية موجهة في ديوبند على العكس من ذلك نحو العلم والتربية الإسلامية، وفيما كان طلبة عليكرة لا يتعاطون السياسة من قريب أو من بعيد، كان معهد ديوبند يصر على الالتزام بالمعارضة السياسية ومقاومة المحتل بجميع الطرق والوسائل المسلحة وغير المسلحة.ونتيجة لآراء السيد خان الدينية والسياسية، ذهب مولوي علي بخش إلى مكة بقصد الحج ورجع بفتوى من علماء مكة تكفر السيد خان، فما كان منه سوى أن كتب في دورية "تهذيب الأخلاق": "ما أعجب إلحادي! لقد جعل مني كافرا وجعل منه حاجا مؤمنا!.. إن إلحادي كالأمطار تُخْرِجُ أحسن الورود في البستان، وأخس الكلأ في الوديان".حاصل على دكتوراه في الفلسفة الإسلامية
لمزيد من التفاصيل حول حياة السيد خان راجع ما كتبه عنه الدكتور جلال السعيد الحفناوي ضمن موسوعة أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، دار الجيل، المجلد الثامن، الطبعة الأولى، 1426 هـ- 2005م، الصفحات 99-106.
أحمد أمين: زعماء الإصلاح في العصر الحديث، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1965، ص 125.
زعماء الإصلاح في العصر الحديث، ص 128.
زعماء الإصلاح في العصر الحديث، مصدر سابق، ص 126-127
نقلا عن: زعماء الإصلاح في العصر الحديث، ص 131
( يُقرأ أحمد خان في سياق عصره وأحوال المسلمين في عصره، ويأخذ منه ويرد عليه )


أضف رد جديد

العودة إلى ”الجامعات والنخبة“