المفكر الهندي أبو الكلام آزاد

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

المفكر الهندي أبو الكلام آزاد

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

الوسطية الإسلامية على الطريقة الهندية حمد حلمي عبد الوهاب/ 02-12-2009 أبو الكلام آزاد
تعد فكرة "الجامعة الإسلامية" التي نادى بها كل من جمال الدين الأفغاني والشيخ السنوسي من بين الأفكار الرئيسة في فكر أبي الكلام آزاد (1888م-1958م )، والذي ولد في مكة المكرمة سنة 1888م ثم رجع والده إلى الهند وهو لا يزال طفلا فتلقى تعليمه وتربيته الأولى بها وقام برحلة ما بين عامي 1908 و 1912 إلى جميع بلاد الشرق الأوسط الإسلامية التي كانت تابعة يومذاك للدولة العثمانية فقضى جميع العام 1908 ببغداد مترددا على مجلس الشيخ علي الآلوسي والتقى بلويس ماسينيون هناك.
بين أبي الكلام ومحمد عبده وحقيقة كانت هذه الفترة عامرة بالثورات السياسية في شتى بقاع العالم الإسلامي. فمن جهة، كانت ثورة "تركيا الفتاة" في أوج اشتعالها، كما اندلعت أيضا ثورة الإصلاح الدستوري في إمبراطورية القاجار بإيران وقد اتصل أبو الكلام آزاد ببعض المنتمين إليها فيما هو ببغداد. ومن جهة ثانية، وعلى الصعيد العالمي، اندلعت في الحقبة ذاتها الثورة الليبرالية ذات الاتجاه الدستوري التي هزت امبراطورية أسرة رومانوف سنة 1905 عقب الهزيمة البحرية التي أوقعتها اليابان بروسيا. كانت القاهرة المحطة التالية لبغداد في رحلة أبي الكلام آزاد وقت أن أنشأ الشيخ محمد عبده بها دار العلوم كرد فعل على النزعة المحافظة المتشددة التي نمت بقوة داخل الأزهر الشريف. في هذه الأثناء بدأ آزاد يجري اتصالاته الموسعة مع أعضاء ثورة "تركيا الفتاة" الموجودين بالقاهرة للإشراف على مجلتي "الميزان" و "الترك" لسان الحركة في مصر وقتذاك. ثم ارتحل آزاد إلى كل من تركيا وسوريا وباريس وفيما هو عازم السفر إلى لندن توفي أباه عام 1912 فعاد إلى الهند مرة أخرى. وبعد عودته أسس مجلة "الهلال" والتي لاقت نجاحا باهرا بحيث صارت أحد أهم المجلات الأوردية من الناحية السياسية وأكثرها حيازة لثقة القراء هناك. وفي الواقع، كان اتجاه مجلة الهلال إصلاحيا ليبراليا دستوريا كما كانت تدعو إلى إحياء فكرة الجامعة الإسلامية في النفوس والواقع معا. وبطبيعة الحال، كانت فكرة "الجامعة الإسلامية" التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر بمثابة رد فعل تلقائي على سوء الأوضاع السياسية في العالم الإسلامي. لكنها سرعان ما تحولت في شبه القارة الهندية إلى مذهب سياسي قوي ومتماسك أو بعبارة أخرى إلى "برنامج حركة" حيث وعت أمة الإسلام هناك الفكرة كدعوة أو رسالة سياسية على النحو الذي تشكلت به في ذهن أبي الكلام آزاد. ففيما كان الغرب ينظر إلى تركيا باعتبارها تجسيدا للتهديد الإسلامي للحضارة الأوربية، كان أنصار الجامعة الإسلامية في شبه القارة الهندية ينظرون إلى تركيا باعتبارها المعقل الرئيس/الأخير للحضارة الإسلامية في مواجهة التهديد الغربي. ومن ثم كانوا ينظرون إلى الخلافة العثمانية باعتبارها رمزا للأمة الإسلامية المهددة بالأخطار من كل جانب. وفي السياق نفسه، كانت ثورة تركيا الفتاة في ذاك الوقت تبعث الأمل في إمكانية توحد الأمة والوقوف ضد الأخطار الغربية التي تتهدد العالم الإسلامي. ويمكننا بهذا أن نفهم العديد من الكتابات التي خص بها أبو الكلام آزاد الإصلاحات التركية حيث كان يبدي إعجابه بكل من: حركة علي باشا وحركة "التنظيمات" التي ارتبط اسمها باسم سعد الله باشا في عهدي السلطانين محمود وعبد المجيد.غير أنه كان أكثر إعجابا بالمصلحين الذين اُضطهدوا إبان عهدي عبد العزيز وعبد الحميد بصفة خاصة. وعلى رأس هؤلاء: مصطفى فاضل باشا، ومدحت باشا الذي دفع حياته ثمنا لإخلاصه في تحقيق العمل الإصلاحي الليبرالي. وفي المحصلة، كانت ثورة تركيا الفتاة بنظر مسلمي الهند بمثابة ثورة تجديدية ليبرالية إصلاحية تعمل على تحقيق وحدة الأمة الإسلامية.لجنة الخلافة في هذه الأجواء دخلت تركيا الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا وانطلقت الصحف والمجلات الهندية لتأييد هذا الموقف فتم منعها واحدة تلو الأخرى (تم أولا منع صحيفة Comrade إثر افتتاحية كتبها محمد علي بعنوان "اختيار الأتراك"، ثم تبعتها مجلة الهلال التي وضعت مطبعتها تحت الحراسة مما دفع أبو الكلام آزاد لأن يؤسس جريدة أخرى هي "البلاغ" والتي منعت بعد ظهورها بعدة أشهر وتم طرد مؤسسها آزاد من إقليم البنغال مثلما مُنع من الإقامة بعدة مقاطعات هندية أخرى وتم اعتقاله في رانجي بمقاطعة بهار إلى أن وضعت الحرب أوزارها). وقد سعى أبو الكلام آزاد، إلى جانب كل من محمد علي وشوكت علي بعد الإفراج عنهم، إلى تكوين ما عرف بـ "لجنة الخلافة" لدراسة الآثار المترتبة على هزيمة امبراطوريتي وسط أوربا (ألمانيا والنمسا) وحليفتهما تركيا في الخلافة العثمانية وسلامة أراضي تركيا واستقلالها ككيان سياسي. لكن سرعان ما أسفرت معاهدة "سيفر" عن نتائج خطيرة مما أثار أكبر عصيان مدني شهدته الهند في تاريخها لصالح استقلالها واستقلال الأقاليم الإسلامية الأخرى التابعة للخلافة العثمانية. ففي هذه الأثناء اجتمع كل من آزاد ومولوي عبد الباري من المعهد الإسلامي بفرنجي محل، المؤَسَس في القرن السابع عشر، والمهاتما غاندي لوضع خارطة لأسس العصيان المدني في البلاد. وعلى المستوى الفكري، تعد فكرتا الخلافة والأمر بالمعروف من الأفكار الرئيسة في كتابات آزاد الذي ينطلق من القول بأن الخلافة الإسلامية نظام جمهوري حيث انتخبت الأمة خلفائها كما أن مجتمع المدينة السياسي برأيه كان عبارة عن ديمقراطية مباشرة يستطيع فيها كل مواطن أن يدخل على الخليفة مباشرة ويناقش معه الشؤون العامة وسبل الإصلاح...إلخ. وفي مناقشته مسألة الخلافة الإسلامية أعرب أبو الكلام عن أن "الجمهورية" تمثل الشكل السوي للخلافة أما "الملكية"، فتمثل على العكس من ذلك الشكل الفاسد للخلافة. لكنه أكد في المقابل أن الخلافة تبقى مع ذلك نظاما مشروعا حتى تحت الحكم الملكي!! ما دامت برأيه تضمن وحدة الأمة الإسلامية وتعمل لأجل صالح الأمة وأنه لا يحق للمسلم ساعتئذ أن يخرج عليها!!. وهنا يتابع أبو الكلام آزاد المدونة الفقهية التي تحرم الخروج على الحاكم حتى ولو كان جائرا!!. فضلا عن التذرع بوحدة الأمة، وفي الحقيقة لم تكن هذه الوحدة إلا أمرا صوريا فقط إذ كانت تمثل وحدة القهر السياسي لا التناغم والانسجام بين قوى الحكم والمعارضة. نقول إن تلك الحجج قد تحولت بدورها، ومع الوقت، إلى ذريعة لتبرير أشد الممارسات السلطوية في تاريخ الإسلام. صحيح أن آزاد لم يتردد قط في وصف الأمويين بالطغاة ولا حتى في إطلاق هذه الصفة أيضا على السلطانين عبد العزيز وعبد الحميد رغم أنهما بويعا بالخلافة التي يعترف آزاد بشرعيتها؛ لكن يبقى القول إنه إن لم يحقق نظام كهذا الهدف من وراء إقامته فلا فائدة منه فضلا عن عدم ملائمته لظروف العصر الحالية. وفي دراسة لآزاد بعنوان "شهيد أعظم" يحلل فيها الأحداث الجسام التي وقعت في كربلاء يؤكد آزاد أن الإمام الحسين لم يكن له طموح سياسي شخصي وأنه لم يكن ينوي الاعتراض على خلافة يزيد وإنما كان عازما على العودة إلى المدينة المنورة. لكنه إزاء الطغيان المتنامي ليزيد أيقن أن تضحيته بحياته ستضرب أروع المثل للشهادة في سبيل المحافظة الدقيقة على المبادئ. وبالعودة إلى الحديث عن لجنة الخلافة التي ترأسها إمام المسلمين في الهند أبو الكلام آزاد، يمكن القول إنها استطاعت في حقبة ما بين الحربين العالميتين أن تحقق أغلب أهدافها، فأيدت بحماس مصطفى كمال للدفاع عن تركيا، وساهمت في حملة جمع أموال لأنقرة تحت عنوان "Ankara Fund "، كما استقبلت بحماس أشد النصر العسكري الحاسم الذي أدى إلى إلغاء معاهدة "سيفر" وإبرام معاهدة "لوزان" واسترجاع اسطنبول مرة أخرى.


أضف رد جديد

العودة إلى ”العلم والعلماء“