شعور الأبناء مع العقاب بالضرب

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

شعور الأبناء مع العقاب بالضرب

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

نشره الإدارة يوم يونيو 26, 2009 - 05:04.
سحر محمد يسري
أبو حنين : لا داعي للتدخل في شئون الآخرين، أم تؤدب أبناءها.. فما وجه تدخلك بينهم؟
لكنّ "أم حنين" كانت قد استخارت الله عز وجل وقررت أن تبادر بزيارة جارتها..لتسدي إليها النصيحة وتذكرها بالله في أبنائها.
إنَّ صراخهم تحت يديها وهي تضربهم يمزق القلب، فضلا عمَّا كانت تسمعه من توسلات الأبناء للأم كي تتركهم وما من مجيب.. !
والعجيب أنَّ هذا الموقف التأديبي الخاطئ كان يتكرر بشكل شبه يومي بلا ملل من الأم أو الأب الذي كان يتبادل معها الدور للقيام بهذه المهمة، ومع جميع الأبناء من الابنة الكبيرة "14 عام" إلى الابن الصغير "2.5عام" مرورًا بولدين في المرحلة الابتدائية، إلى أن وصل الأمر لمحاولة أحد الأبناء الهروب من المنزل.. فلم يعد هناك ما يبرر السكوت.
عزيزي المربي..
على الرغم من أن الفقهاء قد أجازوا للمربي التأديب بالعقوبة البدنية "الضرب" في حالة التهاون في أداء الصلاة، أو الصيام، أو غيرها من الحالات التي تتطلب تأديب الطفل وتعليمه مكارم الأخلاق ..إلا أن تلك الإباحة عندهم ليست على إطلاقها، بل انهم قد أحاطوها بسياج قوي من القيود والضمانات الكفيلة بجعلها تؤدي دورها في الإصلاح والتهذيب، وألا تكون غاية في حد ذاتها أو وسيلة لتنفيس الغضب والانتقام من الطفل.
يضع ابن خلدون - رحمه الله تعالى- القاعدة في ضبط هذا الأمر، يقول:
"إذا كان التأديب يعطي حقًا في ضرب أو زجٍّ، إلا أن لذلك حدودًا سنَّها الإسلام، لأن شدة الصرامة تكسب الطفل سوء الخلق".
وحذر من عواقب المغالاة في العقوبة: "من كان مُربّاه بالعنف والقهر، سطا به القهر، وضيق على النفس انبساطها، وذهب بنشاطها، ودُفع إلى الكسل، وحمله على الكذب والخبث؛ خوفًا من انبساط الأيدي عليه، وعلمه المكر والخديعة، وفسدت معاني الإنسانية لديه"
لماذا أضرب طفلي؟
الطفل ينمو بسرعة كبيرة وتنمو معه العديد من السلوكيات التي تقتضيها مراحل النمو، وتبدو هذه السلوكيات- غالبًا- مزعجة للوالدين، مثل العناد وكثرة الحركة والصراخ والضجيج.
ولو تأملنا هذه السلوكيات من منظور علمي لوجدناها سلوكيات إيجابية طبيعية تتشكل منها شخصية الطفل النامية..فهل تحتاج منا إلى تدخل عنيف وعقاب بالضرب؟؟ هل يرتكب الطفل - حقًا - ما هو ضار في خلقه أو دينه؟ أم فقط ما هو مزعج لراحتنا وهدوئنا؟
يأخذ الانفعال لدينا طابع الهيجان الذي يضر بالقضية مصدر الانفعال، فيكون الشأن كحال سيارة مضت في منحدر دون أن يكون ثمة سائق يوجهها..
إننا حين نغضب من سلوكيات أبنائنا، نتحول إلى أناس يتحركون بلا إرادة، ومن ثمّ لا نحصل من أبنائنا إلا على علاقات مقطعة، وسلوكيات مشوهة. .
ذكريات طفولتنا المؤلمة..هل نربي بها أبناءنا؟
إنَّ حوادث العنف التي يرتكبها الكبار ضد الأطفال مهما كانت صغيرة فإنها تترك جرحًا نفسيًا عميقًا، ويصير هذا الجرح تراكميًا مع استمرار الاعتداء بالضرب على الطفل، ويمكننا أن نؤكد ذلك إذا نظر كل منا إلى ذكريات طفولته؛ لنجد أن أسوأ ذكريات الطفولة هي تلك التي تعرضنا فيها للضرب من أبوينا، وهناك نسبة ليست قليلة ممن عانوا اضطهادًا طفوليًا من آبائهم وأمهاتهم، يحاولون بشكل أو بآخر نقل هذا الاضطهاد إلى أبنائهم وعيًا منهم بذلك أو دون وعي..على طريقة: "ضربوني وها أنا ذا اليوم أضرب ".
الضرب على الوجه وأثره على الأبناء:
نظرًا لشيوع هذا اللون من الضرب على الرغم من مخالفته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو المربي الأعظم، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذاضرب أحدكم فليجتنب الوجه) .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا قال: ‏‏قال رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم‏:‏ (‏إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجه) .
قال النووي في تعليقه على هذا الحديث: (قال العلماء إنما نهي عن ضرب الوجه لأنه لطيف يجمع المحاسن، وأكثر ما يقع الإِدراك بأعضائه، فيخشى من ضربه أن تبطل أو تتشوه كلها أو بعضها، والشين فيها فاحش لظهورها وبروزها، بل لا يسلم إذا ضربه غالبًا من شين). .
و"الصفع على الوجه" يعد أكثر صور العنف ضد الأطفال، ومع ذلك يرفض البعض اعتباره عنفًا ضد الأطفال معتقدين أنه ليس له تأثير على الصغار.. !
ولهؤلاء, ولكل مربي نقول:
إنَّ خطورة الضرب على الوجه كبيرة جدًا إذ يدخل الأطفال في حالة غضب عاطفي هائل يجعلهم غير قادرين على تعلم توجيهات الكبار.نعم قد يشفي هذا الضرب غليل الكبار ولكن على حساب إحداث غضب هائل في نفس الصغار، وبينما يكون غضب الكبار مؤقت فإن ضرب الطفل على وجهه يستمر أثره لفترات طويلة، كما يعطي هذا الضرب الأطفال إحساسًا بأن الكبار خطرين عليهم فيبتعدون عنهم طلبًا للسلامة.
ولكن ما هو شعور الطفل عندما يضرب؟
إننا نريد اليوم أن ندخل إلى عقول الأبناء لنرى بأعينهم وندرك بإحساسهم ماذا تمثل لحظة العقوبة البدنية بالنسبة لهم؟
في دراسة كويتية تبين أن 39% من العينة يشعرون بالكراهية تجاه آبائهم بسبب الضرب، و40% يشعرون بالخوف منهم، بينما يشعر 21% فقط بالود والاحترام تجاه والديهم رغم ضربهم لهم، وصرّح 39% منهم بأن الأب كان هو الطرف الذي يقوم بالضرب، أما الأم فكانت الطرف الممارس للضرب بنسبة 57%. .
حين يقع الضرب على الطفل تنتابه مشاعر صعبة بائسة مثل:
- يشعر بالفزع وانعدام الطمأنينة تجاه الطرف الضارب له - الأب أو الأم-، حيث يرى الشخص الذي من المفترض أن يحميه ويحقق له الطمأنينة قد فقد صوابه وضبطه لنفسه، وأصبح مصدرًا لأذاه وإهانته.
- يزداد اقتناعًا أن أباه لا يحبه بل يكرهه ويعاديه.
- يستشعر أنه قد تم التخلي عنه، وأنه قد سُجل في لائحة الأشقياء ولا يعرف كيف يمكنه العودة على قائمة الأبناء الطيبين ؟
- في هذه اللحظات لا يمكن أن يستوعب الطفل أي توجيه، أو يفهم أية رسالة أو يفكر بهدوء وتعقل بسبب أن إفراز مادة الأدرينالين في جسده يرتفع عن معدله الطبيعي .
- هذه المشاعر قد تنقلب فيما بعد إلى سلوكيات أخرى منها التبول اللإرادي والمخاوف المرضية أو الإنطواء على الذات والخجل المرضي.
- كذلك فإن الأثر النفسي السلبي، ينعكس على سلوك الأبناء في قضايا أخرى غير التي عوقب من أجلها، فتسوء معاملته للآخرين، ويهمل واجباته الأخرى.
وفيما بعد:
يؤدي العقاب بالضرب إلى زعزعة شعور الطفل بالاحترام والكرامة، ويهدم اعتزاز الطفل بالقيم، خاصة أنها قيم أولئك الذين جلبوا له الألم والأذى.
- يفهم الطفل أن الأصل هو الشدة والغلظة في التعامل مع الآخرين، فيطبق ذلك تلقائيًا مع زملائه وأقرانه.
- قد يلجأ الطفل الذي يتعرض للعقاب البدني القاسي إلى التملق، حيث يجد فيه خلاصه الوحيد، فيأخذ في التودد إلى والديه، بينما في أعماقه سخط، وحنق، وألم..وهذا الموقف السلبي يدمر ثقة الطفل بنفسه ويبعث بداخله شعورًا كبيرًا بالنقص.
- قد يتخذ الطفل مواقف عدائية تجاه كل من حوله تدفعه للجنوح أو الهروب من المنزل.
- وقد يستكين للقوة ويطيع طاعة مليئة بالحقد والكراهية ومشاعر النقمة، ويضطر إلى ارتكاب الخطأ نفسه الذي عوقب من اجله، ليس حبًا فيه ولكن انتقامًا لنفسه.
ومع ذلك فالبعض يصرّ على تكرار الضرب..!
الأصل أن تتوقف العقوبة إذا لم تحقق مقصدها..وهو تقويم السلوك وتصحيح الأخطاء تربويًا، ويعدل عنها إلى عقوبة أخرى تؤدي الغرض في تأديب الولد.
ولكن الإصرار على العقوبة بالضرب يؤدي إلى تعود الأبناء عليه، وعدم تأثرهم به إلى درجة إصابتهم بالتبلد وبالتالي لا يصدر عنهم إلا الجفاء والخشونة و تكرار الأخطاء.
هل نترك العقوبة بالضرب مطلقًا ؟
قد لا نبالغ إذا شبهنا العقاب بالسم يضاف أحيانًا إلى الدواء، ولكن بمقدار، ومن يد مدربة، بعد تشخيص سليم للداء، ومراعاة لكل ما يحيط بالمريض من اعتبارات، وبذلك وحده يمكن أن يصير السم عنصرًا مفيدًا من عناصر الشفاء، وإلا غدا سُمًا فحسب..وواضعه قاتلًا.. وليس قتل الشخصية مع بقاء الجسد حيًا بأقل خطرًا من عودة الروح إلى بارئها بموت الجسد وحده. .
وأخيرًا تذكر عزيزي المربي
أنّ الصواب هو الحزم بلا قسوة، مع وضع حدود وضوابط واضحة تعين الطفل على تعلم القيم الراشدة، وتحقق له التوازن والأمان النفسي.
فالعقاب الأشد ليس هو الأفضل... إنما العقاب العادل اللطيف هو الذي يعلم الأبناء أكثر.
المراجع:
- اللمسة الإنسانية: د.محمد بدري
- التربية الخاطئة وعواقبها: زهرة عاطف زكريا
- كيف نؤدب أبناءنا بغير ضرب؟ محمد نبيل كاظم
- موسوعة التربية العملية للطفل: هداية الله أحمد شاش
- التربية الإيجابية من خلال إشباع الحاجات النفسية للطفل: د.مصطفى أبو سعد
- كيف تكون أبا ناجحًا؟ عبد الله محمد عبد المعطي
- كيف نربي أولادنا؟ القاضي حسن عشماوي
مفكرة الإسلام


أضف رد جديد

العودة إلى ”التربية والتعليم“