شروط الإمام للمسجد الجامع

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

شروط الإمام للمسجد الجامع

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »


بقلم: سالم الفلاحات
قرأت ما بهرني وأعجبني وأثار شجوني في آن، قرأت ما يستدعي التوقف والتأمل والتدقيق والمراجعة، وليس اليأس والتحسر والولولة، أهكذا كنا إلى عهد قريب؟ فلماذا نحن الآن على هذه الحالة؟ قرأت عن شروط الإمام للمسجد الجامع في إسطنبول التي وضعها السلطان العاشر «سليمان القانوني» لمن يريد الدخول في مسابقة لنيل هذه الوظيفة، جاء فيها:
1- أن يجيد اللغات العربية والفارسية واللاتينية والتركية، (والشرط الإجادة وليس المعرفة والحديث بها).
2- معرفة علوم القرآن الكريم والتوراة والإنجيل.
3- أن تكون لديه القدرة على الإفتاء في القضايا المعاصرة.
4- أن يعرف فنون الجهاد القائمة في عصره.
5- أن يجيد الرياضيات والفيزياء لتدريسهما في المسجد
. 6- أن يكون حسن المظهر.
7- أن يكون ندي الصوت
. تأمل معي في كل شرط من هذه الشروط، واقرأ في ثناياها ما تبدى لك من نضج ووعي وحضارة. فالإمام إمام في الصلاة ضامن للمصلين فيما يفعلون، يجب أن يتقن كل ما يلزم داخل الصلاة، لكن إمام المسجد الجامع الذي يؤمه الناس من أطراف المعمورة، وهو أهم نقطة مقدرة جديرة بالاحترام، وإعطاء صورة عن الدولة والأمة؛ له مواصفات ضرورية أخرى.. ما رأيتها تجلت بصورة أعظم من هذه الصورة. - إن عليه أن يعرف الكتب السابقة، التوراة والإنجيل، فهاتان ديانتان موجودتان في الأرض، ولهما أتباع يعيش بعضهم في كنف هذه الدولة، ومنهم من يعجب بالإسلام ومنهم من يجادله ويعارضه ويشوش عليه أذهان العامة، وحتى لا يغالي أحد من المسلمين بمدحهم أو ذمهم والتعرض لأصل ديانتهم، ولا بد أن يصدر هذا عن علم ودراية لا عن ثقافة سطحية عامة تخطئ وهي تظن أنها تحسن وتصيب وتستطيع إقناع الآخر بمنهج علمي دقيق. «فلما ظن عدي بن حاتم أنه على دين عظيم، وتوهم أن هذه المعرفة حكر عليه وعلى أبناء دينه، قال له الرسول [ الخبير بالنفوس واختلاجاتها - بعلم الله -: «ألست من الركوسية وتأكل مرباعاً؟»، فبهر عدياً بعلمه ومعرفته، ثم زاد على علم: «ويتخذ بعضكم بعضاً أرباباًً؟» قال: ما عبدناهم، قال: «ألم يحلّوا لكم الحرام ويحرموا عليكم الحلال؟ فتلك عبادتكم إياهم..». أفرأيتم إلى هذا الشرط والدولة قوية البنيان راسخة الأركان يخطب الأوروبيون ودها وهي في إقبال.. فكيف عندما يكون الإسلام مهيض الجناح والأمة ضعيفة في كل شيء فيصبح هذا العلم أوجب وأولى.. - وشرط القدرة على الفتيا في القضايا المعاصرة المستجدة التي لم ترد في المذاهب السالفة يتم عن وعي وفطنة، فقضايا الناس متجددة والجمود موت وحرام، فلا بد من امتلاك القدرة العلمية على البت فيما يستجد من مسائل وقضايا، وهذا شرط لازم لإمام المسجد الجامع في الدولة، وبالتأكيد هو شرط بدهي لمن هو أكثر مسؤولية وأقرب للمسألة من علماء وقضاة ومفتيين.. وإلا حكم على الإسلام الصالح لكل زمان ومكان وأمة بالموت والتخلف وحاشاه ذلك. - وأما شرط معرفة فنون الجهاد وعلوم الرياضيات والفيزياء التي هي أصول العلم وأساسياته؛ فأمر يستحق التحية والتقدير والإعجاب بهذا الإمام، وبمن وضع الشروط الذهبية العظيمة، وللعقل النير المنطلق الذي يرسم هذه السياسات. فالمسجد الجامع مركز إشعاع حضاري شامل بكل ما يحتمله هذا المصطلح، والأمة أمة جهاد نظيف نافع لا غنى لأمة مسلمة عنه وهي مستهدفة دائماً، وعلوم الرياضيات والفيزياء خلفهما العمارة والبناء والصناعات المتطورة، وتفتيق الوعي لمزيد من الاختراعات التي تخدم الإنسانية إن انطلقت من قواعد سليمة وقيم راقية. وسيصلي في المسجد أو يزوره الجاهل والعالم والمبتدئ والقائد العسكري وخريج الجامعات الإسلامية والغربية وعالم الشريعة، وسيقتدون بهذا الإمام؛ فإن وجد كل منهم في إمام الدين (إمام الصلاة) إمامة في العلم الشرعي وعلوم الدنيا وفنون الجهاد ومعرفة لغات الأمم؛ يومذاك ارتبطوا بأهل هذه الحضارة وأسسها، وانطلقوا من المسجد لمزيد من تخصصاتهم الفرعية، متحللين مما وقعت فيه أوروبا من الصراع بين الدين والعلم، وما بين الدين والدنيا، وكل هذه المعارف والمهارات والمواصفات السامية السابقة العلية يجب أن تقدم على جلالها بصورة تليق بها وبالمسجد الجامع، لذا كان شرط حُسن مظهر الإمام وهذا من لباسه وعطره.. وكذلك جمال صوته الذي لا يكتمل إلا بحسن الأداء وتجويد الحروف ونداوة الصوت. - ولا شك أن اشتراط هذه المواصفات الشاملة والدقيقة مؤشر على أنها كانت متوافرة في أعداد كبيرة من الناس يومذاك، ولولا وجودها لما كانت هذه المسابقة ليفاضل بين أحسنهم.. - صحيح أنني لا أدري ماذا بقي اليوم من هذه المواصفات، بالإضافة إلى حسن المظهر ونداوة الصوت، والتي ما زالت باقية في معظم مساجد إسطنبول، لكن تراجعها منسجم مع تراجع الأمة عن حضارتها وتبعيتها وذيليتها. - وفي بلادنا بلاد الإسلام من مهبط الوحي إلى مسرى الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام وما حولها.. أين مساجدنا الجامعة حتى من بعض هذه المواصفات؟ وما شروط الإمامة في بلادنا الإسلامية؟ فهل يجيد الأئمة لغة غير العربية من لغات العالم الحية؟ بل هل يجيدون العربية نفسها إن خطبوا ووعظوا ونصحوا؟! - وهل يعرف الإمام علوم التوراة والإنجيل، أم هو عالم برفضها واستبعادها وأنها محرفة.. وكفى الله المؤمنين القتال؟ بل هل هو عالم بالقرآن الكريم وحتى ببعض علومه؟ وهل يتقن تلاوته وتجويده؟ إنهم اليوم في الناس قليل إلا من رحم ربك. - أليس شرط معرفة الإمام الرياضيات والفيزياء ترفاً وتنطّعاً في نظر الناس اليوم وزيادة وتعجيزاً؟ أما معرفة فنون الجهاد فهي خطيئة يجب أن يبعد صاحبها عن الصلاة؛ لأنها تؤسس للإرهاب. - فحدود العلم المطلوبة أن يتخرج من كلية شريعة مهما كانت مخرجاتها، وأن يخرج منها بمعرفة عدد ركعات الصلاة وسجود السهو، مع أنه له معرفة في الخلافات الفقهية فيها، ويعرف صلاة الجنازة والوضوء والغسل ومفطرات الصيام، وأن يكون قادراً على منع من تسوّل له نفسه إلقاء موعظة للمصلين بحزم ورجولة، وأن يعرف فاتورة الماء والكهرباء وحال المتوضئ!! وأن يحفظ من القرآن الفاتحة وبعض السور القصيرة، وسيجتاز المقابلة والاختبار بخبرة من سبقوه وبواسطة أهل الخير!! وأما صلاة التراويح وما يلزمها فقد شرعت لها أبواب القراءة من المصحف ومن شاشات العرض، وإن خجل الإمام وخشي أن يُرمى بالضعف وعدم الحفظ؛ خبأ مصحفاً صغيراً في كمّه يتناوله بحركة سريعة وبخفة يد، بحيث لا يراه أحد إلا الواحد الأحد وبعض أولي الأحلام والنهى خلفه. - قلت: هذه شروط إمامة الدنيا والدين وليست شروط إمامة المسجد الجامع في الدولة قبل مئات السنين، وأظن أن في ثنايا هذه الشروط السبعة المعرفة بفنون القيادة والسياسة والإمارة. نظرت إلى شروط حفيد محمد الفاتح لإمامة المسجد، كما نظرت إلى الأقصى وحاله، ومساجد قرطبة والزيتونة، والأموي ومساجد الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948م، وإلى حال أمتنا المنكوبة شرقاً وغرباً، وإلى حرياتنا وكرامتنا وعزنا.. إنها آثار باقية لكنها بحاجة لمن ينفض عنه وعنها الغبار لتعود عزيزة عظيمة عالية كما كانت، وما ذلك على الله بعزيز. إن لهذا الفلك الحضاري دورة ودورات وستعود بإذن الله، ولكن على يد من يستحقها. وإن مع اليوم غداً، وإن مع العسر يسراً.


أضف رد جديد

العودة إلى ”تجديد الخطاب الإسلامي“