عسكرة التعليم في إسرائيل

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

عسكرة التعليم في إسرائيل

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

القاهرة : د . محمود خليل
في الوقت الذي تطول فيه الأيدي المخربة مناهج التعليم في سائر البلاد العربية والإسلامية؛ يلاحظ المتابع للشأن التعليمي الصهيوني أنه يقوم على أساس أيديولوجي، ويتضمن نسقًا خاصًا بعرض المسألة اليهودية، ويرتكز على عدة منطلقات أساسية، يتم تطبيقها بدقة متناهية، لإقامة مزرعة موسعة للشيطان، على النحو التالي: 1- الدمج الكامل بين التاريخ والتوراة، وجعل الموروث اليهودي مصدرًا أساسيًا لدراسة التاريخ. 2- الربط الأساسي بين عودة الصهاينة بعد «الأسر البابلي»، وعودة «صهيون» في العصر الحديث، وبين «وعد قورش» و«وعد بلفور»، والتمييز الحاسم بين «الإسرائيليين» الصالحين، والفلسطينيين «الأشرار». 3- نظرًا لأن الوطن «المنتظر» مأهول بالأغيار، فثمة ضرورة للقيام بعدة اقتحامات في وقت واحد، أبرزها: اقتحام الأرض واقتحام العمل والإنتاج، واقتحام الآخرين... إلخ. 4- تكريس العملية التعليمية، لتأهيل الناشئة لاستيعاب الخطاب التعليمي الصهيوني، وامتزاجه بالشخصية اليهودية عبر الأجيال المتعاقبة. 5- الحق المطلق لشعب «إسرائيل» في أرضه، أما الأغيار فليس لهم إلا الموت. على هذا الأساس، يتم شحن التلاميذ، وتعبئتهم دراسيًا، على أنهم «أبناء النور ضد أبناء الظلام»!! وأنهم الأقلية ذات الحق المطلق، في مواجهة الأغلبية المعتدية، وتحويل الأساطير والادعاءات الصهيونية، إلى مادة خام لبناء الذاكرة الجمعية للمجتمع «الإسرائيلي». ففي عام 1982م، أصدر طاقم اللغة والآداب في قسم برامج التعليم التابع لوزارة التعليم الصهيونية.. كتابًا من ثلاثة مجلدات يدرس النصوص الأدبية العبرية الحديثة، لتلاميذ من أعمار مختلفة، بعنوان «عن الأرض الطيبة»، وخلاصة هذه المجلدات الثلاث، أن الحق الأوحد، إنما هو لشعب «إسرائيل» كما جاء في التوراة، وأن الله قد اختار هذا الشعب من بين شعوب الأرض لإعطائه «أرض إسرائيل» كما ورد بالفقرة الأولى من سفر التكوين، بما فيها «يهوذا» و«السامرة» (الضفة الغربية)، وتغذية هؤلاء التلاميذ بهذه المنظومة، عبر الأشعار والأناشيد والقصص، والأفكار المنهجية بصورة جنونية.. وإزالة أي باعث قد يظهر جرّاء الشعور بالذنب لدى هؤلاء الناشئة.. فليس ثمة خيار.. إنما هو الواقع المفروض.. فإما أن نعيش بالقوة.. وإما أن نعود إلى «الدياسبورا».. عصر الشتات. مخازن مدرسية مسلحة وقد تغلغل الجيش الصهيوني في العملية التعليمية بكل أبعادها، فمنذ عام 1914م قرر الدكتور «آرتور بيرام» مؤسس ومدير مدرسة «هرئيلي» في حيفا، أن التعليم العبري ينبغي أن يكون منغمسًا في تشجيع الشباب على تحمل عبء الأمن، فاشترى الأسلحة، وخبأها في مكامن خفية في مدرسته، وقام بتدريب التلاميذ على استخدامها، ثم قام بتجريب نظريته بوضوح عام 1940م. كما انتهت النقاشات الداخلية داخل «الهاجاناه» في فبراير عام 1940م إلى أنه لابد أن يقوم النظام التعليمي بتنشئة «رجال منضبطين، شجعان، صارمين، قادرين على تحمل وأداء المطالب الصعبة». فالجيش الصهيوني - حاليًا - يقوم بتبني أطفال وتلاميذ وطلاب، يئست الهيئات التعليمية منهم، ويقوم بدمجهم في أطر مشاريع خاصة، في إطار ما يعرف باسم مشروع «شباب رافول»، و«رافول» هو اسم التدليل لرئيس أركان الجيش الصهيوني «رفائيل إيتان» خلال غزو لبنان عام 1982م، والذي كان يكنّ عداءً شديدًا للعرب، حتى إنه شبههم بالحشرات المسممة بداخل زجاجة المبيد الحشري، وأصدر أمرًا «بإخصاء»!! المقاومين الفلسطينيين خلال الانتفاضة الأولى (1987 - 1993م). وبعد أن كان الجيش الصهيوني يقوم على توطين المهاجرين، واستيعابهم، وتعليمهم اللغة العربية، ومحو أمية بعضهم.. أصبح لا يكتفي بكونه قوة للدفاع أو ذراعاً للأمن، إنما العنصر الأساسي المنخرط في كل ميادين العمل الميداني المدني، خاصة القطاع التعليمي. لهذا يعسكرون التعليم وتقول «رينا بركول» عام 1996م، (المشرفة على المشروع الذي يؤهل ضباط الجيش لمناصب التدريس والإدارة في التعليم): هناك ستة مبررات أساسية لدمج قادة وعسكريين مخضرمين في هيئة التعليم، هي: 1- قادة الجيش اكتسبوا خبرات هائلة في القدرة على إنجاز وإحراز أهداف قومية لـ «إسرائيل». 2- ضباط الجيش ينظرون بعيون نقدية ثاقبة إلى هيئة التعليم، التي يعرفونها باسم «ورشة الصهيونيين». 3- ضباط الجيش يمثلون مصدرًا متجددًا للقوى التعليمية، وهو مصدر لم يتعرض للترهل والتآكل، ولديهم القدرة السريعة على اكتساب خبرات التعامل مع الأطفال. 4- القادة العسكريون مسلحون بخبرات إدارية، ومزودون بمهارات الرؤية الشاملة. 5- القادة العسكريون الرجال، يعيدون التوازن المفقود للعملية التعليمية «الإسرائيلية» التي تهيمن عليها أغلبية نسائية. 6- الانتقال بالعملية التعليمية من كونها وسيلة للارتزاق والتكسب، إلى وسيلة لتحقيق «الأنا» الرجولية الخاصة بضباط الجيش. وهكذا.. فإنهم ينظرون إلى إدارة مدرسة ما، كما لو كانت إدارة «لمدمرة حربية» ويتحركون بالفصل الدراسي كما يتحركون بالجرافة أو الدبابة. ومن خلال فحص المناهج الدراسية، نرى أن اللقاء الرئيس للتلميذ مع المنهجية المدرسية، يتم من خلال خلق مقابلة بين «أرض إسرائيل الكاملة» منذ فترة «يشوع» وحتى الوقت الحالي.. على أنها الأرض الموعودة، وأن أرض «إسرائيل» الحالية جزء من الأرض التوراتية التي تضم فلسطين والأردن وأجزاء من لبنان والعراق وسيناء. درع داود الأحمـر ويتم الخط التكميلي لهذا التأسيس (التوراتي - التلمودي) الصهيوني، من خلال الرحلات المدرسية، التي تتبع حروب «يشوع بن نون»... وتوظيف هذا الموروث المتعصب وغير المتسامح في تحقيق الرؤيا المسيحية التي ترمز إليها دولة «إسرائيل»، والمتعلقة بأساطير الخلاص في الأيام الأخيرة، حسب التصوير الديني اليهودي، والتفعيل الانتهازي الإجرامي لتطوير علاقة مستمرة وموروثة - بغض النظر عن شرعيتها - لرسم مثلث اليهودية، والصهيونية، و«إسرائيل». ولذلك كان «بن جوريون» كثيرًا ما يكرر، «لدينا دولة ولكن ليس لدينا أمة»... بمعنى حتمية دمج وصياغة هذه الكتل المتعارضة والمتضاربة من البشر، في كيان قومي ديني، ينتمي إلى المكان والزمان والتوراة والتلمود.. من خلال جعل التعليم متحفًا للذاكرة التوراتية، ومحاولة حل كل إشكاليات التاريخ والسياسة والحرب على هذا المذبح!! ومثل هذا التثقيف الذي يخضع له الأطفال بشكل عسكري ممنهج، يخلق لديهم ثقافة متحفزة، شعارها «الحرب دائمًا على الأبواب». ومن هنا.. فإنه من المألوف جدًا في «إسرائيل» أن يكون طفل الروضة مدربًا على ارتداء القناع الواقي من الأسلحة الجرثومية والكيميائية. ومن خلال هذه الممارسات التي تؤسس بشكل غير منظور لرسالة العسكرة والبطولة، إلى الحد الذي يتبارى فيه أطفال الروضة في تعليق أعلام الأسلحة كزينة، «الاحتفاء البالغ» بدرع داود الأحمر. أصحاب الأخدود الجدد ومن ثم فإن كتاب «أسطورة التشريد الصهيوني» الخاص بتأهيل المعلمين قد صنع خصيصًا لتزويدهم علميًا وتاريخيًا بكل ما من شأنه مواجهة «المزاعم الفلسطينية» بالانتماء إلى أرض فلسطين،. وقد أصدرته وزارة المعارف والثقافة «الإسرائيلية» عام 1975م، ويجدد طبعه كل عام، وهو يمثل الوثيقة الأساسية المؤكدة للحق المطلق لشعب «إسرائيل» في أرض آبائه وأجداده... ويوازي هذا الكتاب في الأهمية ، كتاب «موضوعات مركزية في تاريخ الشعب والدولة إبان الأجيال المتأخرة» الذي وضعه الخبير «أمنون حيفر» وأوصت وزارة المعارف الصهيونية باعتماده مــرجعًا للمعلمين،.. والذي يقول فيه بالنص: «إننا لم نجد مع مجيئنا إلى هنا أي شعب، والعرب لم يقيموا هنا البتة في أرض أجدادنا.. إلاّ ليأكلوا من خيراتها... أو يقوموا بخدمتنا فيها، ولم يقيموا البتة حكمًا محليًا، ولم يبنوا ثقافة أو لغة أو قومية متميزة... فليس ثمة ما يسمى بالشعب الفلسطيني جملة وتفصيلاً.. ولا هو أساسًا من المخلوقات»... أخيرًا... وليس آخرًا... تطالعنا قصيدة «بن شالوم» المقررة على المدارس الصهيونية إجباريًا، والتي أسماها صلاة لمضيفي «إسرائيل» وفيها يقول: «اجعل قلبنا من حجر، دعه لا ينبض أو يلين، عندما تتقدم راياتنا فوق دمهم المسفوك». ومن هنا.. فإن هذا النهج التعليمي يعتمد سياسة «الحقن بالأضاليل»، وتفخيخ المعنويات والعقول، وتحويل المقاعد الدراسية إلى مقاعد جديدة لأصحاب الأخدود.


أضف رد جديد

العودة إلى ”اعرف عدوك“