صفحة 1 من 1

توبة عجيبة من السرقة

مرسل: الأحد أكتوبر 23, 2016 2:31 pm
بواسطة محمد نبيل كاظم
مرض السرقة وإقامة الحد عليه
قال تعالى: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا، نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ؛ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )

لاشك أن السرقة مذمومة في كل الأعراف والقوانين في العالم، ومنها الشرائع الدينية، وعلى الأخص في الشريعة الإسلامية، في القرآن كما في الآية أعلاه، والحديث النبوي الشريف، كما في حديث المرأة المخزومية.
تعريف السرقة: " اخذ مال الغير المعتبر المحترم المحرز في مثله خفية دون اضطرار أو شبهة الاشتراك في ملكيته".
وبهذا التعريف لا يعاقب عليها بإقامة الحد، إذا توفر أو غاب أحد عناصر هذا التعريف، وهي تصل بالتحليل إلى أكثر من 60 عذراً في امتناع إقامة الحد عليها، ولا يعني ذلك البراءة التامة، وإنما يعاقب تعذيراً بما يراه القاضي الفطن الرحيم، بأنواع من العقوبات غير قطع اليد، لكن إذا تأصلت السرقة في نفس السارق، ولم يكن له أي شبهة في الحاجة أو الاضرار أو الاشتراك بها، فهذا يعني أنها أصبحت مرضاً، ومرض السرقة نفسي، يعالج ببتر جذوره تماماً لتخليص السارق من هذا المرض.
وأين جذور السرقة؟ قد يقول قائل: " أنها في نفسية السارق فنعالجه عند طبيب نفسي، وهذا لا مانع منه في الإسلام، وقد يقول قائل: " جذورها في البيئة الاجتماعية، ونعالجه بتغيير البيئة، سكناً وأصدقاءً وفريق عمل...وربما تغيير مدينتة بالتغريب، كما في تغريب المخنث، ولا مانع من ذلك لينشأ في بيئة محترمة لا تغريه بالسرقة، وقد يقول قائل: " نغير طريقة تعامل أسرته معه، فربما كان الأهل سبباً في إثبات ذاته بهذه الطريقة، فنعلم الآباء والأمهات على طريقة تربوية أبوية في التعامل مع الأبناء، ليتوبوا عن هذا الخلق الذميم، وكل ذلك قبل أن يصل العاقل الراشد إلى قبضة العدالة والقاضي، والسبب في ذلك للإبقاء على هيبة الدولة والمجتمع والقانون والشريعة في حس الناس وعقولهم، وإلا لكان هذا في مهب الريح والفوضى والاستهانة، ولا معنى بعد ذلك لحكم أو قضاء. وهذا لا يعني جواز أن يقيم الإنسان الحد والعقوبة على نفسه، لئلا يحدث ما لا تحمد عقباه بالتصرف الفردي، والأخطاء الموهومة التي قد تقع في مثل هذه الحال.

والقاضي يبحث عن أي شبهة تمنع إقامة الحد عن السارق، ليستبدله بعقوبة تعذيرية، حسب حالة الشخص والمجتمع، إلا إذا كانت السرقة كاملة العناصر في السارق، ولا شبهة من بعيد ولا قريب فيها، فإن الحد أعظم علاج، وهو بالكاد ينطبق على 1/في الملايين من الناس، ولا علاج في مثل هذه الحالة، لا نفسية ولا اجتماعية ولا طبية ولا اقتصادية، ولا وعظية، كما يظن بعض الناس، سطحيي التفكير، وهذا بالضبط ما حدث مع الشاب علي عفيفي المصري من قرية ”ميت حبيشط” القبلية بمدينة طنطا في محافظة الغربية ” دلتا مصر، حيث أدمن السرقة، منذ صغره، ولم يستطع والده أن يعالجه، كما لم يستطع أحد أن يضبطه بالجرم المشهود،
قال عفيفي: والدي كان يحاول جاهدا إبعادي عن السرقة وكان يعطيني يوميا “10″ جنيهات حتى انه حاول ان يدخلني مستشفى للعلاج النفسي من مرض السرقة، الا انني قررت منذ اربع سنوات ان اقيم الحد على نفسي، فقمت بقطع يدي اليسرى تحت عجلات القطار، ومع ذلك بقي الشيطان يوسوس لي بالسرقة مرة اخرى فعدت إليها، فقررت عندئذٍ ان اقطع يدي اليمنى أيضاً بنفس الطريقة، وتوجهت الى القطار، ووضعت يدي تحت قضبانه حتى قطع يدي اليمنى، من اجل التوبة الى الله عز وجل، وهذا يدل على انى كنت ارفض السرقة من داخلي، ولكن النفس الأمارة بالسوء كانت أقوى مني، وبالتالي اقمت الحد على نفسي ونفذت شرع الله، فتغلبت على الشيطان والحمد لله، ولم أعد أفكر في السرقة، والآن احصل على معاشي “130″ جنيها من الضمان الاجتماعي بالاضافة الى “10″ جنيهات يوميا من والدي.
س: وماذا عن شعورك الآن وانت بدون يدين ؟
ج: التوبة طعمها حلو اوي، وانا الحمد لله اعتمد على نفسي في استخدام التليفون وفي انجاز احتياجاتي الهامة، والأهم أني ابتعدت تماماً عن السرقة.
وتحدثت عن هذه الحادثة مواقع وصحف كثيرة، وهي الأولى من نوعها في العالم المعاصر، وتحدث لـ"العربية.نت" شارحا تفاصيل الواقعة المثيرة.
يقول العفيفي: "أنا شاب من أسرة ميسورة الحال، لكني كنت أسرق، لا بسبب الاحتياج، بل لإدماني لتلك العادة التي بدأت معي منذ صغري ومنذ أن كنت طالبا في المدرسة الابتدائية، حيث كنت أسرق ساندوتشات زملائي وأقلامهم وكراساتهم، وعندما كبرت تطورت السرقة معي فأصبحت أسرق ذهبا ومجوهرات وهواتف نقالة وأموالا سائلة، وكنت أنفق حصيلة ما أسرقه على الفقراء والمحتاجين، وأشتري للأطفال الفقراء ألعابا وهدايا لهم. واكتشفت أن أسرتي مستاءة من إدماني للسرقة، فأشقائي في مراكز مرموقة، ووالدي يعمل مؤذنا لمسجد في قريتنا ميت حبيش التابعة لمدينة طنطا محافظة الغربية، لذا قررت أن أتوقف عن السرقة وأن أعاقب نفسي".
ويضيف: "ذهبت لمحطة القطار وانتظرت القطار القادم ووضعت يدي اليسرى أمام عجلاته، فدهسها القطار وقطع كفي الأيسر، وذهبت على الفور لأستخرج شهادة دفن ودفنتها وتبت إلى الله، لكن إدماني تغلب علي، وعاودت السرقة مرة أخرى لمدة عام ونصف، فقررت التوقف نهائيا، واتجهت هذه المرة ليدي اليمنى، وقطعتها حتى أتوقف كلية عن السرقة، وفعلت ذلك دون أن أستعين بمخدر، وأعلنت أمام المواطنين الذين التفوا وتجمهروا حولي مذعورين، إنني كنت سارقا وأردت التوبة إلى الله".
وأوضح أنه يستعد للدخول في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، حيث ارتكب 3000 جريمة سرقة، ولم يتم اعتقاله أو توقيفه أو تحرير محضر له، مشيرا إلى أنه ليس له صحيفة جنائية، وأنه فخور لأنه أول من طبق حد السرقة على نفسه في مصر وفي العالم، وأصبح الجميع ينادونه باللص التائب إلى الله.
ولا يظن أحد أن الإسلام دين قطع الأيدي والرؤوس، كما يظن الجهلة والمغفلون، لكن الإسلام دين الله، وهو المشرع الذي يعرف أعماق أعماق الإنسان، ويرتب على ذلك العلاجات المناسبة لها، وفي التاريخ الإسلامي لم نجد حد السرقة أقيم على أكثر من عدد أصابع اليد أو اليدين في تاريخ الأمة الطويل 1400سنة.
وعفيفي ليس أول من يطالب بإقامة الحد ليطهر نفسه ويعالجها به، ففي زمن الصحابة قصة ماعز والغامدية اللذان طالبا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطهيرهما من جريمة الزنا، والقصة معروفة مشهورة في السير وكتب الحديث، وفي عصرنا لها نماذج قريبة، في ماليزيا امرأة مسلمة قبض عليها الشرطة في حالة السكر، فطلبت تطبيق الحد الشرعي عليها بالجلد وليس بالسجن كما هو معمول به في القوانين الوضعية، وأصرت على ذلك قائلة: " ليعلم الشباب أن الخمر حرام بأمر الله وعقوبته من الله، ليكون أدعى للتوبة أمام الله وليس أمام الناس.