المبادئ الأساسية للعلاج بالمعنى

المشرف: محمد نبيل كاظم

أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

المبادئ الأساسية للعلاج بالمعنى

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص كتاب "الإنسان يبحث عن المعنى" ل د. فيكتور فرانكل: نزيل السجون النازية في الحرب العالمية، ترجمة: د. طلعت منصور. مراجعة وتقديم: أ. د. عبد العزيز القوصي. طبع دار القلم/ القاهرة.
اذا كان يرى فرويد أن معاناة الإنسان: في الإحباط في الحياة الجنسية، (ومكمنها اضطرابات الطفولة) فإن أدلر يرى أن معاناة الإنسان: الإحباط في التعبير عن القوة، (ومكمنها اضطرابات فترة المراهقة)، بينما يرى فرانكل أن معاناة الإنسان الإحباط في إرادة المعنى واكتشافه، (ومكمنه في اضطرابات مرحلة الرشد)، وذلك يجعل اهتمامه بالمستقبل أكثر من الماضي، وعلى المعالج النفسي- حسبه - أن يساعد المريض لتجميع قواه وتعميقها لتكون مصدر الفاعلية والحيوية والاستمرارية، في تحقيق معنى وجوده المرتبط بهدف ما في حياته، ويربط بين معاناة الحياة وآلامها وهدفه فيها، مستعملاً عبارة نيتشه:" أن من يجد سبباً يحيا به، فإن في مقدوره غالباً أن يتحمل في سبيله كل الصعاب" ودور المعالج عنده: أن يوقظ في المريض الشعور بأنه مسؤول أمام الحياة، مهما بدت ظروفه قاسية" ولم يكن مفكراً متشائماً، ولا معادياً للدين.
عن: جوردن أولبورت.
والكتاب ينقسم إلى قسمين، الأول كان وصفاً وتصويراً لوضعه ومن معه من سجناء في المحرقة النازية، والثاني نظريته التي دونها بعد خروجه من السجن، وهي التي تهمنا في هذا الجانب من العلاج النفسي، وكيفية التعاطي مع أصحاب الاضطرابات النفسية.

المبادئ الأساسية للعلاج بالمعنى
يصعب اختصار نظريتي هذه التي حواها أربعة عشر مجلداً في صفحات، ولهذا أقول أن العلاج بالمعنى (الهدف من الحياة) أقل استرجاعية وأقل استبطانية، لأنه يركز على المستقبل، بحيث يعاد توجيهه وتوجهه نحو معنى هذه الحياة بالنسبة له، وإذا استطعنا أن نجعله واعياً بمهامه في الحياة، وأيقظنا فيه هذا الوعي، فإنه يمكنه التغلب على عصابه، (وإرادة المعنى) خلافاً (لمبدأ إرادة اللذة) عند فرويد، وخلافاً (لإرادة القوة) عند آدلر.
إرادة المعنى: بعض العلماء يرى أن القيم والمعاني ردود أفعال دفاعية، لكنني أرى أنها أكبر من ذلك، حيث أجريت استبانة في فرنسا وفي عيادتي، فأظهرتا أن 89% و 87% من الناس يحتاج إلى ( شيء ما) لكي يعيش من أجله، وفي هذا الإطار علينا أن نكشف عن (القيم الكاذبة)، فإذا كان عند سارتر أن الإنسان يخترع وجوده وقيمته، فإني أرى أن الإنسان يكتشف وجوده ولا يخترعه، وهذا المعنى هو القوة الدافعة في الإنسان، والحافز المعنوي أو الديني لا يسوق الإنسان سوقاً، بل يكون سبباً لشيء آخر يوطن نفسه عليه، وهذا السبب (المعنى) هو شخصاً يحبه أو الله، وإذا كانت المقولة الألمانية " الضمير السليم أفضل وسادة"، إلا أن الأخلاق أكثر من حبة منوم أو عقار مهدئ.
الاحباط الوجودي: قد تتعرض إرادة المعنى عند الإنسان للإحباط، من خلال:
1-ضعف تقديره لذاته.
2-غموض فهمه لمعنى وجوده.
3-إرادة هذا المعنى سلباً.
وهذا كله يتعلق بالمحور العقلي والروحي لوجوده بالمعنى الإنساني، ولا يتولد العصاب المعنوي من الصراعات بين الحوافز والغرائز، وإنما يتولد من الصراعات بين القيم أو المشكلات الروحية المتعلقة بوجوده، وفي هذه الحالة لا يحتاج إلى علاج نفسي، وإنما يحتاج إلى تحديد المعنى الحقيقي من وجوده، حتى في حال كان عمله عائقاً أمام ذلك، وقلق الإنسان
من جدارة حياته ويأسه منها، لا يستدعي سوى إزاحة ما يعيق هذه الجدارة، ويحقق المعنى المطلوب لوجوده.
الديناميات المعنوية: ص139
الإنسان لا يحتاج إلى التخلص من التوتر، لكنه يحتاج إلى السعي في سبيل هدف يستحق أن يعيش من أجله، وهو المعنى اللازم تحقيقه في الإنسان وللإنسان، أما الفراغ الوجودي الداخلي للنفس هو المشكلة التي تستدعي ملؤها بالمعنى، والذي شاع في القرن العشرين، لغياب الطمأنينة، وضعف التقاليد، وتحكم الناس ببعضها فيصبح الإنسان فريسة للمسايرة والامتثال، وأبانت استبانة مسحية على مرضى وممرضين فوجد 55% منهم شعوراً بالفراغ الوجودي، وفقدان الشعور بالمعنى لحياتهم، ويعبر عن ذلك حالات الانتحار، والملل، والإدمان، وجنوح الأحداث، ويأس المسنين في شيخوختهم، وأحياناً يُعوَّض هذا الفراغ بإرادة القوة والعنف والمال واللذة الجنسية (كتعويض)، والعلاج يكون بالبحث عن إرادة المعنى، بجعل المريض يعايش إرادة المعنى ويجد في الوصول إليها.
معنى الحياة: ليس بالمعنى العام، إنما هو بالمعنى الخاص للشخص، في وقت معين، وتعتبر مهمة فريدة له وحده، وهو ليس جواباً للآخرين، وإنما هو التزام بالمسؤولية لوجوده الإنساني، والعلاج بالمعنى يحاول أن يجعل المريض (المعاني) واعياً كل الوعي بالتزامه بمسؤوليته، وله وحده حرية اتخاذ القرار بذلك، أمام ضميره، وأمام مجتمعه، وأمام الله، لدى الغالبية العظمى من الناس، ومهمة المُعَالِج مدُّ المجال البصري للمُعَالَج، وهو ليس تحقيقاً للذات، بل تسامٍ وتجاوزٍ للذات، ويكون ذلك بثلاث طرق:
1-الإنجاز. 2- القيمة. 3- المعاناة. والمعنى بالقيمة (كالحب)، لكن ليس كأثر جنسي لأنه في هذه الحال؛ يكون نتيجة وليس أصلاً.
والمعنى بالمعاناة تقتضي التضحية والصبر، وليس هو الحصول على اللذة، أو تجنب الألم، وإنما أن يكون للمعاناة معنىً، وإذا تقبلنا تحدي المعاناة بشجاعة كان للحياة معنىً، على رغم الظروف.
المشكلات الكلينيكية الكبرى: ص154
يواجه الطبيب النفسي اليوم مشكلات فلسفية، أكثر منها انفعالية، وبالحوار والأسئلة نمكن المريض من إدراك قيمة حياته، وأنه لحياته معنى جوهري، ينبغي أن يستمر في النضال فيه وتحقيقه، سواء كان هدف يتعلق: بولد، أو زوج، أو أب، أو محتاج، أو عناية بطفل، أو إنجاز، أو رفعة وطن.
المعنى الغائي من الحياة: يتجاوز المقدرة العقلية للإنسان، ولكنه يتحمل أن يكون رشيداً منطقياً في إدراك ما في الحياة من معاني أعمق من المنطق، والأرض الصلبة للعلاج بالاعتقاد الديني مؤثرة، وهذا يتعلق كذلك بمعنى الحياة ومعنى الموت، فزوال وجودنا لا يحتم أن يجعل وجودنا بلا معنى، ولهذا أقول: الوجود الواقعي هو النوع الأرسخ للوجود، كما أن المسن عليه أن لا يحسد الشباب على المستقبل الذي ينتظرهم، وعليه أن لا يفقد اعتزازه بماضيه الذي حققه كذلك سابقاً، وهم سيحققوه لاحقاً.
العلاج بالمعنى كأسلوب: ص161
لعلاج امراض نفسية متعددة يجمعها سبب (القلق التوقعي) يستدعي (نية مفرطة) في المخاوف، تشل قدرة المرأ على التصرف الطبيعي، فإن فرط التفكير بنتيجة معينة يستدعي تحققها، ولهذا يكون العلاج (بطريقة القصد العكسي) كما يقول: جوردون أولبورت " الفرد ودينه"، عالج بهذه الطريقة: كاتب، ومحاسب، وعاجزة جنسياً، ومتلعثم، ومصاب بالوساوس القهرية، وخائف من الأرق، وعدم النوم، وقد تكون النتائج للعلاج وقتية، لكنها لا تغيب، ومع الاستمرار تنجح، وفي كثير من الأمراض النفسية يكون السبب: التغذية الراجعة، ولهذا علينا أن نحدث فعل مضاد لهذه التغذية، وهو ما سميته القصد العكسي، ومنه خفض التفكير بالعلة ومسبباتها، إلى إعادة توجيه المريض نحو عمله أو رسالته في الحياة، ويكون الشفاء عن طريق الالتزام الذاتي واضطلاع الفرد بمسؤولية نفسه.
على رغم أن حرية الإنسان مقيدة بالظروف، لكنه قادر على اتخاذ موقف من هذه الظروف، وهذا يعني أن لدى الإنسان قدراً من الحرية، ويمكنه أن يقرر نوع وجوده، وقادر على تجاوز الظروف، أو السمو بذاته عنها، كما أن الإنسان يصعب التنبؤ بما يحدث له، لأنه ليس آلة، وهذا يدحض الحتمية الشمولية للأفكار والدين والإيديولوجيات، لأن حرية الإنسان هي الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه هذه الأفكار، لأنه ليس بالضرورة أن يكون ابن السكير سكِّيراً، ولذا لا ينبغي أن نأله علم النفس كذلك فنجعله كدين.
فلسفة الطب النفسي ص175
تبدل وضع الطب النفسي أخيراً؛ من كونه اختصاص فني، إلى كونه علاج إنساني، ولهذا وجدت في معسكرات الاعتقال أناس كالخنازير، وآخرين كالملائكة، لكن في كل إنسان يقبع داخله الصورتان، والتي تطفو هي التي يتخذ الشخص قراراً بإبرازها، ولا يتوقف على الظروف، وأن لا نحكم على إنسان مهما كان وضعه، بأن تسلبه الحكم عليه كإنسان، لأنه قادر في لحظة ما؛ مهما كانت الظروف، أن يسترد ضبطه لنفسه (لذاته)، والاحتفاظ بعزته وكرامته وقيمته كإنسان.
الجزء الثالث
التسامي بالذات كظاهرة إنسانية
تحرر الذات، والتسامي بها، ظاهرتين إنسانيتين، فإنسانية الإنسان تشعره بأن عالماً آخر خارجه، وهذا ما يدحض نظرية فرويد في إحداث التوازن الداخلي من خلال الحصول على اللذة، ويعترض أولبورت 1955 على هذه النظرية بالقول: " المطلوب إبقاء التوتر وليس إزاحته"، ويعترض ابراهام ماسلو 1954 وبيهلر 1959 على فرويد كذلك بالهدف الغائي، والقيمي، والقصدية،أو الغرضية في السلوك الإنساني.
واعتراضي على مبدأ اللذة أبعد من ذلك، لأن مؤداه في التحليل النهائي يهزم نفسه، كما أن السعي الحثيث وراء السعادة يحول دون تحقيقها، لأن القصد الزائد والتفكير الزائد يخلقان نماذج عصابية للسلوك، لأنه بالتحليل النهائي فإن الدافع للذة، أو إرادة القوة، ليسا سوى نتيجة لتحقيق المعنى، فالقوة المالية أو الاجتماعية تبقى من أجل تحقيق معنى، سواءً تحققت أو لم تتحقق، فوجود المعنى هو الأصل، (رغبة أو هدف) وهو تحقيق معنى، وليس تحقيق للذات، فتحقيق الذات ليس هو الغاية القصوى عند الإنسان، لأن الذات لا تتحقق إلا من خلال تحقيق معنى، وأن الاهتمام الزائد بتحقيق الذات يمكن إرجاعه إلى إحباط إرادة المعنى، فالإنسان مدفوع بالحوافز والدوافع، لكنه منجذب بالمعنى، ويحتاج إلى قرار من أجله.
يقول أولبورت:" إن عقل الإنسان في كل لحظة يكون موجهاً بواسطة قصد أو غرض معين" 1960 ص60، "فالخبرة الانسانية غرضية، وكل ظاهرة نفسية تشير إلى مضمون" برنتانو1924ص125، فكثير من توجهاتنا وسلوكياتنا نتائج لتحقيق معنى ذاتي شخصي، ووفقاً لألرز 1961: " أن كينونة الإنسان تعني توجهه نحو شيء آخر غير شخصه، وهو ما يسمى ما وراء الذاتية، وأن نقص التوتر يزداد بواسطة ضياع المعنى في هذا العصر، وقال فرويد مرة 1940 ص113: " أن الإنسان قوي طالما أنه يتمسك بفكرة قوية".
فالمُثل هي الزاد الحقيقي للبقاء، فإذا توفر قدر معقول من التوتر، بين ما أنا عليه؛ وما ينبغي أن أكون عليه، فإن الواجب يقتضي حماية المعنى، ولذا فإن (معنى المعنى) هو الذي يحدد سرعة تقدم الوجود، ولهذا أن تكون إنساناً فإن هذا يعني أن تكون مطالباً بمعنى تنجزه وبقيم تحققها، ولا يكون الوجود الإنساني جديراً بالثقة، إلا إذا عاشه الإنسان على أساس التسامي بالذات وتجاوزها، يقول أنشتاين: " أن الإنسان الذي يعتبر حياته جوفاء من المعنى، فهو ليس غير سعيد فحسب، ولكنه يكاد يكون غير صالح لأن يعيش".
.
تعليقات ابراهام ماسلو
على التسامي بالذات ل فيكتور فرانكل
اتفق مع فرانكل بأن الاهتمام الأولي الأسمى للإنسان عندي: هو إرادة المعنى عنده، ولكن قد لا يختلف كثيراً عن المفاهيم التي قدمتها بيهلر 1962 أو جولد شتين أو روجرز: الذين يستخدمون بدلاً من المعنى مصطلحات القيمة – والأغراض- اوالغايات- أو فلسفة الحياة، فسواءً قلنا: تحقيق المعنى او تحقيق الذات، أو التسامي بها، أو اكتشاف الذات- أو الحياة المتكاملة، فهذا يعطي أهمية للموضوع.
اللذات الهابطة لا تعتبر تحقيقاً للذات، والمحركات الدافعية للأشخاص تتوحد مع موضوعاتها لتصير جزءً من الذات، وأن عملية اكتشاف مهنتنا ومهمتنا هي جزء من عملية اكتشاف هويتنا.
تلخيص محمد نبيل كاظم.


أضف رد جديد

العودة إلى ”الصحة النفسية“