كيف يتم إرباك العقل المسلم؟

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

كيف يتم إرباك العقل المسلم؟

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

كيف يتم إرباك العقل المسلم؟بالطبع إن حصانة العقل المسلم تكون باجتنابه المؤثرات السلبية في تغذيته بالمعلومات المشوشة، أو الاطمئنان إلى مصادر غير موثوقة في التعلم والمعرفة، ولهذا تكفل الله بتعليم أول إنسان خلقه (آدم عليه السلام) بالأسماء كلها، ولم يتركه يتعلم من نفسه ولا من أحد غيره أول الأمر على الأقل، ليكسبه الحصانة اللازمة لمعرفة الحق والصواب، وحتى معرفة الخطأ والسلوك الذميم، لكن آدم لأن له حرية تعليم نفسه بنفسه فيما بعد؛ شاء الله أن يحرره من قيود الجبر والإكراه، بعد أن تلمذه على الاستقامة والحرية وتحمل المسؤولية، فأرخى له العنان في نعيمه الكبير الجنة وخيراتها هو وزوجه حواء.
هنا جاء دور إبليس عدو آدم الأول، فحسده على ذلك، وقرر أن يضله ويغويه باسم الصحبة والنصيحة، وبأسلوب الترغيب والفائدة، أخبره أن الشجرة التي منعه الله من الأكل منها فيها ميزات ليست في غيرها، وهذه الميزات تجعل له الخلود في الجنة، وأن يكون ملكاً من الملائكة، وهم أقرب الخلق إلى الله وطاعة الله والحظوة برضاه،(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)) الأعراف.
كيف صدق آدم عدوه؟ السبب في ذلك البيئة الملائكية في السماء، فما كان يتصور أحداً يكذب على الله وباسمه، والأمر الثاني: لأن آدم مخلوق بشري يتعرض للنسيان، تخفيفاً عليه من كثرة ما يمكن أن يحفظه، أو يتعرض له، أو يتعلمه،والأمر الثالث: حلف له عدوه باسم الله (وقاسمهما) ، والأمر الرابع: جاء من مدخل النصيحة، وزيادة معلومة لا يعرفها من قبل، وهي الترغيب في فوائد الأكل من هذه الشجرة على الخصوص، فصدق آدم كلامه، والأمر الخامس: من تعليم الله لأدم أن التجربة وسيلة تعلم، فأراد أن يجرب كذلك، ليطبق ما تعلمه من ربه، ونسي خطورة هذه التجربة لا بالمنهج، ولكن بالموضوع الممنوع، والأمر السادس: لما علمه آدم من صفات الله الكريم، الكرم، وأن الكريم يحب أن ينال المكرَّم (ضيف – زائر – حبيب) من خيراته، والأمر السابع: وهو زوجه حواء، لا ندري إن كان لها تأثير عليه ولو من الناحية النفسية، بأن يكون مقداماً أو مغامراً أمامها ليهبها شيئاً لم تجده في سائر نعيم الجنة، (وإن كان لا دليل ثابت على هذه النقطة )، وإن كان هذا الأمر في الدنيا كما نراه أحد أسباب زلل كثير من الناس وانزلاقهم، ( زوجات وأولاد وأسرة) فانطلت الحيلة والمكر والدهاء، على آدم، فعصى عن غير قصد، وأدرك خطأه وتاب منه وعلمه الله كيف يتوب، وتاب عليه، والجزاء الأكبر كان الهبوط إلى عالم الامتحان والاختبار الأكبر في الدنيا.
وبقيت عداوة إبليس لآدم وذريته إلى الأبد، وحلف أن يعلن الحرب على من كان سبباً في لعنه وطرده من رحمة الله، مع أن جزاءه النار خالداً مخلداً فيها هو ومن اتبعه من ذرية آدم، ولهذا خطط الملعون لاستراتيجيات متعددة لتحقيق نصره على خصمه، - منكراً وجاهلاً أن كبره وتكبره هو الذي أرداه، وهذا ما يصنعه أتباعه اليوم لإضلال المسلمين الموحدين عن دينهم وقرآنهم ونبيهم وإسلامهم.
لا يعترفون مباشرة بكبرهم ولا تكبرهم، ولا يعترفون بجهلهم وجاهليتهم، ولا يقرون بأنهم لا يقدرون الله حق قدره - كما يفعل الملحدون - فيستخدموا المناورة والنفاق، ويَّدعون الكياسة والتعقل، ويصفون أنفسهم بأنهم خلق يختلفوا عن الآخرين الذين هم في نظرهم متخلفون سذج يتطهرون من غير داعٍ ولا فائدة، سوى الحرمان، والتشدد، والتخلف.
ولو تُرِك هؤلاء لأنفسهم وضلالاتهم، لما سمع بهم أحد، ولكانوا أقل من أن يُسمع لهم صوتاً أو حساً، لكن مع الأسف يتلقفهم أعداء الله الصرحاء - من يهود ونصارى ومستشرقين وفرق باطنية قديمة أو حديثة – بالدعم والمساندة والإرشاد والتوجيه، والمال والشهرة والمناصب، وخدمات الإعلام والقنوات والصحافة، والدول الغربية، فيخططون لتسويق ضلالاتهم عبر حجج واهية: بإشهار سيف حقوق الإنسان في حرية التعبير، وحق الإنسان في انتقاد ما لا يعجبه، أو لا يتناسب مع مصالحه، في إطار ما يعرف بالمصطلح اليوم: ( البراغماتية) المصلحية، فيدفعون أمثال هؤلاء في كل بلد إلى لون من ألوان الحرب على الإسلام بأشكال مختلفة، منهم من يعلن الإلحاد، وعدم الإيمان بأن لهذا الكون إله خالق، وهذا أقل الناس شراً على الناس.
ولكن الأخطر منه، الذين لا يعلنون هذا الإلحاد علانية، لأن سوقه غير رائج، ولا يقبله حتى الفاجر، فضلاً عن المؤمن، فيعمدون إلى ادعاء الإسلام والإيمان، ثم يتخصص كل ضال مضل من هؤلاء بردة عن الإسلام ملونة بطلاء يخفي حقيقة كفره وإلحاده، عن عامة الناس قليلي البضاعة من العلم والتمكن وحسن الكياسة، فيتبعه ويصدقه من لديه مشكلة مع طاعة الله ورسوله، فيحرره - كما زعم بعض المضلين – من عقدة الذنب، فيحلل له الحرام، ويتذاكى بأن هذا هو الفهم الصحيح في القرآن، بتأويلات ما أنزل الله بها من سلطان ولا برهان.
وحزب الشيطان هذا وأتباعه، ليس جديداً في أمة الإسلام، بعد أن اكتسح الإيمان والإسلام الوثنية والجاهلية في جزيرة العرب، ومشارق الأرض ومغاربها، فأنبت النفاق في صدر الإسلام نابتته الأولى –على يد أبي بن سلول- بالخداع والمكر والكذب، معلناً الإسلام ومبطناً للكفر والضلال، فانفض أتباعه عنه، بعد انكشاف حقيقة أمره، ولم يبق معه ما يزيد عن أصابع اليد الواحدة، وتصدى له ولده المؤمن المخلص عبد الله.
ثم نبتت نابتة ثانية من هذا اللون من النفاق، والحرب على الإسلام والقرآن والرسول، على يد اليهودي اليمني: عبد الله ابن سبأ، عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما، فأحدث فتنة كبيرة بالزعم أن علياً وصي النبي بأمر إلهي شرعي، وتأول آيات قرآنية، واخترع أحاديث نبوية مكذوبة، لتسويق هذه الفتنة، حتى كاد أن يحرقه الإمام علي رضي الله عنه أو يقتله، وطرده من صفوف المسلمين.
فتلقف هذا الضال المضل الموتورون من الإسلام، الذين أسقط الإسلام ملكهم الظالم الوثني كسرى فارس، وأطفأ نيران مجوسيتهم، فاتبعوهم الموتورون، وشكلوا حزب التشيع متاجرة بحب آل البيت، وكان ما كان من الشيعة على تفاوت ضلالاتهم وجهلهم، في المروق من الإسلام بدرجات.
ثم تلقف العداء للإسلام غير هؤلاء ممن غيَّر الأسلوب، بادعاء الفطنة والذكاء عبر الفلسفة والثقافة الإغريقية الوثنية، فأنكر بعضهم النبوة، وانها مجرد حالة نفسية من الخيالات أنتجتها الظروف والاحتكاك باليهود والنصارى، فكان منهم الفرق الباطنية كالإسماعيلية ثم انقسمت إلى دروز ونصيرية، خليط من الوثنيات الهندوكية والنصرانية والإغريقية والتشيع، وتنوع هؤلاء وانقسموا انقسام تلو الانقسام حتى غدو عشرات ومئات الفرق، واستطاعوا إقامة دولة فاطمية في مصر، وعبيدية في المغرب، وحمدانية في حلب، والطاهرية في خراسان، لكن الله أرسل عليهم الأيوبيين والسلاجقة السنة، فقضوا عليهم.
وتلقف هذا الضلال بعض صعاليك العرب من القبائل التي لم تتربى في حواضن الإسلام الكبرى، مكة والمدينة، وحسدوا قريشاً على الملك أيام عثمان رضي الله عنه، وأيام العهد الأموي، وبتحريض خفي من الشيطان الأكبر ابن سبا اليهودي، فنبتت فيهم نابتة الخروج على الحكام العدول، فتشكل منهم حزب الخوارج، وإن كان هؤلاء لم يخرجوا من الإسلام كالسابقين، إلا أنهم أحدثوا شروخاً في دولة الإسلام ومفاهيمه –بجهلهم- كانت حجة للضالين المضلين في فتح فرجة في جدار الإسلام المتين، ليدخل منها أصحاب الأهواء والضلالات فيضلوا الناس تحت شعارات شتى من التكفير والهرج والمرج والقتل، أضعف الأمة ومكن أعداءها من التتار والمغول والصليبيين فيما بعد من الولوج إلى عواصم الإسلام وتدميرها.
وفي عصر الاستعمار الأخير، شعر النصارى والمستعمرون أنهم لن يطول بقاؤهم في بلاد الاسلام، فاختاروا أشخاصاً ضعيفي الإيمان كانوا موظفين لديهم، فأغروهم بادعاء النبوة، وأن الرسالة الإسلامية ليست الخاتمة، وكان هذا على يد ميرزا غلام أحمد القادياني من مسلمي الهند: ( 1835-1908م)، الذي أعلن أنه مهدي الأمة، ثم نبيها الجديد، وكتب كتباً كثيرة، بدَّل وغيَّر في أحكام الإسلام، وأنكر الجهاد وحرَّمه، واليوم أتباعه بعشرات الآلاف، وزعيمهم الحالي صديق إسرائيل يعيش في لندن.
ثم زُرِعَ عددٌ من هؤلاء في أكثر من بلد إسلامي، منهم من ينكر العمل بالقرآن المدني والعبادات، ومنهم من ينكر السنة وحجيتها، ومنهم من يؤوِّل آيات القرآن على مزاجه، ومزاج من وظَّفه لهدم شريعة الحجاب، وإشاعة الفواحش بين المسلمين، أو تحليل الخمر والربا، أو لإباحة الزنا، على زعمه أنه يريد تخليص المسلمين من عقدة الذنب، وهو في حقيقته لا يريد سوى هدم الإسلام وإضلال الناس، لأن أعداء الإسلام يتخوفون من شدة استمساك المسلمين بإسلامهم، فإن كلمة الله أكبر تهز عروش أعداء الله، فظن هؤلاء أنهم إذا خفَّضوا سماعات المسجد بالأذان، ثم حصروه – أي الأذان- داخله، أمكنهم إشغال الشباب التائه عن تذكر الصلاة، بالأغاني والأفلام والرقص والغناء، وكل وسائل اللهو المحرم، حتى يتمكنوا من بلاد المسلمين وخيراتها، حين يعم الجهل، والمرض، والفقر، والشك، والميوعة، والذل، والهوان.
وأحدهم يقول: لو وصلني أمر الرسول صوت وصورة ما اتبعته، ويزعم أنه يؤمن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، لكن يزعم أنه رسول لقومه في عهده، أما بعد موته، فلا علاقة لنا به، وعندنا القرآن أفسره بعيوني لا بعيون الإمام الشافعي، ثم يقول الطامة أن يكون الإسلام هو الأركان الخمسة، وأن الحج والوقوف بعرفة يجوز في أي يوم من أيام الأشهر الحرم الأربعة، وليس في التاسع من ذي الحجة، أخزاه الله.
وهؤلاء وأمثالهم لن ينتهي تضليلهم واستئجارهم من قبل أعداء الإسلام لهدمه من الداخل بأقل التكاليف بحجة التطوير والتجديد والحداثة، لكن هؤلاء العبيد للغرب نسوا أن الإسلام أقوى مما يتصور هؤلاء البُلَهَاء، المحرومين من الإيمان والتقوى والاستقامة على منهج الواحد الأحد الفرد الصمد، والإسلام اليوم يغزوهم وينتشر في عقر ديارهم، وهم يتناقصون، والمسلمون يتزايدون، والله غالب على أمره ولو كره المشركون، ولو كره المنافقون، ولو كره الكافرون، ولو كره الضالون المضلون، الله أكبر ولله الحمد والمنة.
مع العلم بأن الإسلام لا يرفض التجديد، بل يحث عليه، في أحاديث نبوية صحيحة كثيرة، لكن على أن يكون للبناء وأخذ المفيد، واسترداد ما قدمته الحضارة الإسلامية للعالم بأسره من علوم وأخلاق وقيم وإنسانية ومدنية وتوحيد الباري، وحقوق الإنسان، وتكريم وصون للمرأة وعفتها وأمومتها وإنسانيتها وأخلاقها.
والحل لا يعسر على الدعاة المصلحين، ولا يعسر على المؤمنين المخلصين، إذا أحسنوا فقه كتاب الله وفهمه، وأحسنوا قراءة ما يحتاجه شباب اليوم من معرفة ميسرة واضحة، مدللة بالدليل والبرهان المنضبط، والحوار الأبوي البنَّاء، والخطاب الموضوعي العصري، فإن لكل عصر مستلزماته وأدواته، كتب مطبوعة مبسطة، ودورات تنمية، وقنوات ملتزمة، ودروس مشوقة، وتعاطف ومساندة للعصاة المصلين، والعصاة المبتدئين، فإن هؤلاء هم صيود الضالين المضلين، فإذا مددنا إليهم يد الحب والحنان، والعطف والسلوان، والكلمة الطيبة من القرآن، والنصيحة المخلصة بحلو اللسان، فإن الله مع الحق المبين وصرحه المتين، من المحجة البيضاء التي تركنا عليها النبي العدنان، صلى الله عليه وسلم، ليلها كنهارها، والحمد لله رب العالمين.
بقلم: محمد نبيل كاظم.


أضف رد جديد

العودة إلى ”تجديد الخطاب الإسلامي“