تلخيص كتاب " شروط النهضة" لللمفكر مالك ابن نبي

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

تلخيص كتاب " شروط النهضة" لللمفكر مالك ابن نبي

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

تلخيص كتاب "شروط النهضة" مالك ابن نبي
جاهد أبطال التحرير الاستعمار، لا لشيء سوى استجابة لشرفهم الديني والإنساني الذي يأبى عليهم الانصياع لمستعمر حاقد، ولم يجاهدوا لحل المشكلات التي أدت إلى هذا الاستعمار، مع أن المشكلة في الأساس هي مشكلة حضارتنا المغيبة، التي أراد الفارس " عبد القادر الجزائري" استرداد حريته تجاهها، والانتماء القبلي، يساعده على ذلك، لكنه غير كافي لبناء واستعادة حضارة عريقة، ومثله فعل في المغرب " المجاهد عبد الكريم الخطابي" لا لشيء سوى كتابة صفحة الخلود، وأين دور قبائل أمريكا من الهنود الحمر؟ مع المستعمر الإنجليزي لأمريكا؟ ليس لديهم حضارة خالدة تدفعهم للمطالبة بها أو استردادها، كما يردد جمال الدين الأفغاني مع كل أذان فجر لإيقاظ أمة نائمة لكنها لا تموت.
1): دور السياسة والفكرة: الكلمة الحية من روح القدس، تدخل القلوب فتحيي فيها إرادة التغيير والعودة، كما فعل جمال الدين الأفغاني في الشعوب العربية، وكانت الجزائر إلى سنة 1918م تحفة تاريخية في المتحف الفرنسي، إلى أن قام بعض المشايخ (صالح بن مهنة) و(عبد القادر المجاوي) بصرخة لقيت صداها في قلوب الناس، وتبعهم (ابن باديس) فاستيقظ الشعب الجزائري وبدأ الغليان ضد المستعمر الفرنسي، لكن بأساليب متنوعة، تأثر به (المنادين بالفرنسة) والمعادين لها (المنادين بالإسلامية) والسلف الصالح، لكن مسير العلماء في قافلة السفر إلى باريس للمطالبة بالحقوق، كان أول انحراف في بوصلة التغيير، لأن بوصلته في قلوب الرجال، وعقيدة الأمة، وليس في مكان آخر.
2): دور الوثنية السياسية: بفصل السياسة عن الإيمان والدين، قال غاندي: " إذا فصلت السياسة عن الدين فقدت معناها...لحاجتها إلى ضوء الإيمان الديني" والقرآن الكريم اطلق اسم الجاهلية على ما سبقه، ولم يشفع للعرب شعرهم الرائع وديباجتهم المشرقة، لأنها خالية من الفكر الخلاق الهادف، الذي يغرس أفكاراً لا أصناماً، وعندما تغرب الفكرة، يبزغ الصنم، والعكس، وهكذا كانت الجزائر بدروشتها في زوايا الدراويش، وخرافاتهم، إلى أن سطع نور الفكرة الإصلاحية والتحررية، بيوم افتتاح المؤتمر الجزائري عام 1936م، لكن العلماء – مع الأسف- مالؤا السياسيين، الذين ردوهم إلى لعبة الانتخابات بعد لعبة الصنميات والخرافات، فكانت زلة من العلماء مرة أخرى، بالسير وراء موكب السياسيين، بدل أن يسيروا أمامهم، في قيادة الجماهير، بنوايا ساذجة، فلم يتحقق لهم سوى ما يشبه السراب، وحقيقة استعمار بلادنا ليس هو من الألاعيب السياسية، وإنما هو من قابلية نفوس الناس له دون نكير، قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) قبول النفس للانحراف من عدمه، هو أساس التحرر أو الاستعمار، وقد يستبدل العدو الحروز والتمائم بوسائل مشابهة من الفن والسينما والوعود الكاذبة بالرفاه الموهوم، لتمرير الوقت، وتنويم الأفكار والناس، فالدروشة السياسية شبيهة بالدروشة الدينية، مع أن القرآن أوضحها صارخة: "غير نفسك يتغير التاريخ" ولو بوضع قشة في عش العصفور يبنيه ويقي فراخه، وتحول التغني بربيع الفكرة، لا ربيع الصنم، إلى صدى أذان تردده الحناجر في كل المآذن، في القرى والأرياف والمدن، وبدأ ذلك بإزالة المنكرات ومحاربتها، والرجوع إلى الأصالة والجدية والأخلاق، وحركة التعليم المدرسي، واستبدال منابر الحقوق بمنابر ومنصات الواجبات، هو الذي يصنع مستقبل أي أمة تريد النهوض، لكن مع الأسف عكس هذا الخيار بقول أحد الطلاب في مؤتمر: " إننا نريد حقوقنا ولو مع جهلنا وعرينا ووسخنا" فصفق الحاضرون لغبائه وغبائهم، فأصبحت الوثنية الجديدة بديلاً عن الوثنية الرجعية القديمة، فمشكلتنا عقلية، السير والرؤوس للأسفل.
الباب الثاني: المستقبل
1): من التكديس إلى البناء: ظل العالم الإسلامي دهراً خارج التاريخ، مستكينا متكيفاً مع أمراضه وأوجاعه، حتى ذكَّرَه بها المخلصون الجدد في بداية هذا العصر، وأن الاستشفاء طريق إلى نهضته، لكن يحتاج إلى تشخيص دقيق، ووصف للدواء المناسب بدقة عالية، لكن أغلب من تصدى لذلك، من العلماء، تصدوا إليه بمزاجهم، وليس بعلم، لمعالجة قبولنا للاستعمار، والكساح العقلي، والأمية المتنوعة الأشكال، والناس تعالج أمراضها عند الصيدلي، وليس عند الطبيب، وهذا ليس سوى معالجة لبعض الأعراض، وليس جذر المرض وأسبابه، وبعضهم يطلب علاجه من صيدلية الغرب المستعمر، ولنا في اليابان والصين وغيرهما ممن حسموا أمر نهضتهم المادية، فوصلوا إلى نجاحات باهرة فيها، خلال فترة وجيزة، ونحن (مكانك راوح)، باستعمال المسكنات، والتمائم، وإذا استورد الآخرون حضارتهم من الغرب، فإننا لا يمكننا ذلك، لأننا نريد استعادة حضارتنا الضاربة الجذور في قلوبنا وترابنا، لكن دون أن نبني سد ذو القرنين بيننا وبين الآخرين، وإنما نحسن الاختيار، ونصنع نموذجنا الخاص بحضارتنا الإسلامية.
الكيف الحضاري المستورد، جسد لا روح فيه، لأن ذوق الاستعمال خاص بالمستهلك وليس بالمصنع، والكم الحضاري المستورد، يصنع لنا تكديس الشيئية، ولا يصنع لنا حضارة مستقلة، لأن هذا هدف خاص إذا خططنا له بعناية، وبالتحليل كل ناتج حضاري= إنسان+ تراب+ وقت، وهذا التحليل يعطينا بيان للمشكلة الحضارية، وهي أنها: معالجة مشكلة الإنسان، ومشكلة التراب، ومشكلة الوقت.
2): الدورة الخالدة: أن يعيد التاريخ نفسه، لأن له دورة تسلسلية، في النهوض ثم الانحطاط، ولكل من هاتين المرحلتين عوالهما وسننهما، وهذه وتلك تخص كل أمة على حدة، ولا تستورد، ولا تصدر، مشاكلنا تنبع من عام 1367هـ ، وليس من عام 1948م، ففي كل سفر، لا بد من تحديد الوجهة، وتحديد الزاد، والوصول بتحقيق شرطين:
الأول: مطابقة التاريخ للمبدأ القرآني: كدورة الشمس الدائمة، وعوامل الحضارة الثلاث: الإنسان+ التراب+ الوقت، والدين يمزج بين هذه العناصر بتوازن وانسجام، لأن الحضارة لا تنبعث من غير دين، بشكل من الاشكال، لأنه ينقل المسلم إلا ما وراء حياته الأرضية، وبدأ هذا بوحي كلمة اقرأ في الإسلام، وفي غيره مع " في البدء كانت الكلمة، أو الروح" وهذا لم يحوِج العرب حينها إلى فلاسفة وسياسيين ليظهر شأنهم على مسرح التاريخ، وهذه الانطلاقة كانت في صفاء كامل إلى سنة 38هـ يوم صفين، حيث تحولت الحياة القائمة على الروح والإيمان، إلى حياة قائمة على العقل والسيطرة، وبعد سطوعها بفضل الروح المخزونة، بدا الأفول فيها بذبول عالم الروح، وبروز عالم المادة والغرائز، في إطار سياسة الغلبة والملك والسيطرة، وحتى الشيوعية كانت صورة من أزمة العالم المسيحي، فالإيمان مهد السبيل لقيام الحضارات، وهذا حدث مع أوروبا من استلهام الإيمان المسيحي، إلى التوسع الفكري العقلي مع ديكارت، ثم اكتشاف أمريكا مع (كرستوف كولمب)، ومشاكل الحضارات واحدة في التحول من الإيمان إلى العقل، ومن العقل إلى الغرائز والانهيار.
الشرط الثاني: إمكانية تطبيق المبادئ القرآنية: في مقولة والد محمد إقبال لابنه: " اقرأ القرآن يا بني كأنه يتنزل عليك"، وجوهر الدين هو إقامة الحضارة، بالسمو الروحي الدافع للرقي الإنساني، وهو وحده يشحن الطاقة الوجدانية فيه للبذل والعطاء.
3): العدة الدائمة: هي الإنسان الفطري الطموح بروح الإيمان، فيحول التراب والوقت إلى حضارة، أما منتجات الحضارة هي آثارها وليست هي عدتها، لأن العدة هي الإنسان وقيمه.
4): أثر الفكرة الدينية في تكوين الحضارة: أخطأ التفسير الماركسي حينما ربط بين الحتمية المادية ونشوء الحضارة، وهذا وحده غير صحيح، لأن بعض الحضارات تسقط وتنهار بسبب هذا التراكم المادي غير المرشَّد، والرُّشْد لا يقوم إلا على القيم والأخلاق والدين، إذا أحسن التطبيق لها، فتبدأ بطور الانطلاقة، ثم الأوج والتوقف، ثم الأفول النازل، في المرحلة الأولى يصعَّد دور الروح، وفي الثانية دور العقل، وفي الثالثة الغرائز، وهذه الأخيرة تبطل مفعول فاعلية الفكرة الدينية، ومن ثم تهبط بمستوى العقل في التحكم والسيطرة على الجوارح والغرائز، وبهذا تفقد الحضارة معطياتها المنطقية، وتتحول إلى ما بعد الحضارة، ويمكن تشبيه الإنسان بهذه الأدوار، بقطرات الماء المتجهة إلى السد، فهي قبله (فطرة) وطاقة كامنة، وحين دخول توربينة التحول في جسم السد، تولد الكهرباء (الحضارة) وبعد عبورها بعيداً عن السد والتوربين، تعود بجريان غير مؤثر، حتى تصل أرض زراعية فتثمر، أو سد آخر فتنتج كهرباء مرة أخرى.
العنصر الأول: الإنسان
مشاكل العالم مختلفة حسب كل بيئة وطورها الحضاري، فالتسارع الانتاجي مشكلة أوروبية، بينما التباطؤ الانتاجي مشكلة عربية وإسلامية، هم بحاجة إلى مؤسسات وجدانية، ونحن بحاجة إلى رجال يتحولون من الركود إلى الانتاج والفاعلية، ففي الجزائر مشكلة أهل المدن عالة على الدولة، يعيش بالقليل، وأبن البادية متأقلم مع العدم، الأول منهزم نفسياً، لا يملك سوى نصف فكرة، ونصف تطور، ونصف هدف، لا يوصله لشيء، ولا يتحمس لانطلاق حضاري، بفكره أو عمله أو ماله.
1): فكرة التوجيه: هي توافق في السير، ووحدة في الهدف، وتوفير في الجهد والوقت، لحشد آلاف وملايين العقول والسواعد باتجاه انتاجية معينة ومناسبة لهؤلاء جميعاً، بدوافع دينية، تجعل منهم جماعة وأمة تمثل معنى الكفاح (الجهاد)، في سبيل الهدف المنشود.
2): تعريف الثقافة: في المنعطف التاريخي لنهضة العالم الإسلامي، في ضوء حالتنا الراهنة، ومصيرنا المنشود، لتجاوز التخلف والتدهور، إلى النهضة، والمستقبل، وذلك بتصفية عاداتنا وتقاليدنا المعيقة، لإحياء المفيد والداعي إلى الحياة والنهوض، بالتخلي عن السلبي من الماضي، وتحريك الإيجابي النافع للحاضر والمستقبل، واختصر تحديدها القرآن الكريم، ب (تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر)، من خلال: 1- الدستور الأخلاقي، 2- الذوق الجمالي، 3- المنطق العملي، 4- الصناعة. فالثقافة في الغرب ما يتعلق بفلسفة الإنسان، وفي الماركسية هي: فلسفة المجتمع، والحقيقة اختلاف سلوك الناس نابع من الثقافة وليس من العلم، ولهذا تكون الثقافة: " المحيط والبيئة التي يشكل فيها الفرد طباعه"، وهي تشمل فلسفة الإنسان وفلسفة الجماعة معاً في المفهوم الحضاري.
3): الحِرَفيَّة في الثقافة: ارتبطت بعالم القلة دون تعلق بالهدف الأسمى للأمة، كنا نعاني من الأمية، واليوم نعاني من التعالم، بامتلاك الشهادات المبروظة، في مقابل صاحب المرقعات من الدراويش، لأن علمه اقتناه ليكون آلة للعيش، وسلماً للمناصب، وهذا جهل حجَّرَتْه الحروف الأبجدية المزيفة، ولهذا غدت مشكلة الثقافة في مجتمعنا عويصة الحل، لأنها مرتبطة بمجتمع نائم غافل عن التحضر والحضارة الحافظة لكرامته ودينه وأمته.
4): معنى الثقافة في التاريخ: فقدان الثقافة يعني فقدان التاريخ، وهو فكرة دينية أنزلت مع الإنسان الأول آدم عليه السلام، لترافق كل أبنائه بدأً من الراعي والمزارع والصياد والحداد والمعلم والمفكر والقائد والفنان والشاعر والمؤرخ، والطبيب والمهندس، وهي تتضمن ما يعطي الحضارة سمتها، على يد ابن خلدون أو حجة الإسلام الغزالي، أو الناشط ابن تيمية، أو الصادع بالحق العز بن عبد السلام.
5): معنى الثقافة في التربية: هي دستور قيم وتوجهات تتطلبها الحياة العامة للمجتمع بكل شرائحه، وهي جسره المعنوي للعبور إلى التمدن والنهضة والحضارة، وهي تجمع فيها راعي الغنم وراعي الأمم، وهي تمس توجيه القيادة، وتوجيه الجماهير في المجتمع، وهي كالدم في شرايين الإنسان تغذي كل أعضائه بما يناسبه، وهي ذات مركب اجتماعي من هذه الناحية تتضمن:
1- عنصر الأخلاق والعلاقات الاجتماعية.
2- عنصر الجمال المكون للذوق العام.
3- أنظمة تحديد أشكال النشاط العام.
4- الفنون والصناعات التطبيقية لكل المهن.
6): التوجيه الأخلاقي: من الناحية الاجتماعية، الذي يحدد قوة التماسك بين أفراده، لتكون جماعة وأمة، بعد أن كانت عشيرة وقبيلة ومدينة وشعب، وهي روح الدِّين الموَّلِد للحضارة، قال تعالى: (وألف بين قلوبهم...) ومعنى الدين باللاتينية (الربط والجمع)، ومن أغلاط المثقفين عندنا نظرتهم إلى الغرب على أنه شيء جديد، مع أنه تاريخهم القديم بصورة مختلفة، ومخترعاتهم هي تعاون مفكرين ومبدعين ذوي خلفية مسيحية غربية واحدة.
وروح الإسلام هي التي وحدت الأوس والخزرج (الأنصار) مع(المهاجرين) من قريش وغيرها، ثم وحدت جميع القبائل العربية، ومعها من دخل في الدين من الأمم الأخرى، وحد بينهم قيم وروح أخلاقية اجتماعية (عقيدة التوحيد) واحدة.
7): التوجيه الجمالي: المجتمع الذي ينطوي على صور قبيحة، يظهر أثرها في أفكاره، وأعماله، ومساعيه، وأدرك علماء الأخلاق أمثال الغزالي، ضمانة مرتبة الإحسان للصور النفسية والسلوكية للجمال، فالذوق الجميل يطبِّع الفرد والجماعة على الإحسان وكريم العادات والأخلاق، والطفل المتسخ في ثيابه وبدنه، يعبر عن بؤس وفاقة جمالية، قبل أن يعبر عن قبح ما فرطنا في حقوقه في مجتمع غير متكافل، يقتله بصمته، عن أسماله المجرثمة الوسخة، وهو ينسحب على كل تصرفاتنا مع ألبستنا وأحذيتنا وبيوتنا وشوارعنا، وقد صدر في موسكو بتاريخ 3/8/1957م مرسوم يلزم السكان بالنظافة، مع غرامة البصق على الأرض (25- 100) روبل، أو يلقي أعقاب سجاير على الرصيف، أو يعلق ملابسه بإطلالة على الشارع، أو يلصق إعلانات في الشوارع، ومن يركب السيارات العامة بملابس متسخة، وجواب العمدة سيكون: النظام، والطبيب: الصحة، والفنان: جمال المدينة، والإطار الحضاري ينحو باتجاه الجمال في أي عمل، والجمال وجه الوطن المطل على نفوسنا والعالم، فلنحفظ وجوهنا وكرامتنا.
8): المنطق العملي: هو العقل التطبيقي، وهو جوهر الإرادة المعبر عن تصرفاتنا في 24 ساعة من اليوم، وفي بلادنا نتكلم باسم القرآن، ولكن لا نعمل طبقاً لنموذجه، لغياب المنطق العملي الإسلامي، فالمسلم لا ينقصه الفكرة، بل ينقصه منطق العمل والمبادرة، فنحن حالمون كثيراً، لغزارة مفردات حضارتنا، لكن من أكسل الناس في تطبيقها عملياً، وتربية أبنائنا بين الصرامة والتفلت، مع غياب الحزم الحكيم.
9): الصناعة: لا نعني مفهومها المعروف، وإنما إنتاج كل الفنون، والمهن، والقدرات، والسلوكيات، ففي فرنسا مدرسة لتخريج الرعاة، والمقارنة لدينا تكشف الفرق، من هذه الناحية، والصناعة في جوهرها الحفاظ على كيان المجتمع واستمرار نموه، وهي لتكوين الفرد ليحمل رسالة الوطن والأمة في أي عمل يمارسه.
10): المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في بناء الحضارة: حوار المرأة مع الرجل لإظهار شارة الجمال، وحوار الرجل معها لإظهار شارة القوة، وكلاهما جمال خاص بكل منهما، والفنون جميعاً تعبير عن تذوق جمالي، والمرأة في أدغال أفريقيا، أو الصين، تتجمل بشق شفتيها، أو بتصغير قدميها، وعلاقة الرجل بالمرأة، تعبير عن علاقة أخلاقية جمالية، وكل ذلك يظهر بعادات وتقاليد وثقافة المجتمع والأمم، في عصر أو مرحلة، والرابط قوي بين القيم الأخلاقية والجمالية، وكلما ساد الترابط أكثر بين قيم الأخلاق والجماليات، اتجه المجتمع باتجاه الحضارة، والاختلاف بين الحضارات هو تقديم الأخلاق على الجمال، كما في الإسلام، أو العكس لدى الغرب اليوناني، حيث سطر هؤلاء ذلك في الرسوم والنحت والموسيقى، أما الإسلام فقد سطر جمالياته الأنبياء، عبر الصدق والتعاون والرحمة والتآخي الإنساني، ومن قدَّم الجماليات من الأمم، انتهى بتدمير إنسانية الإنسان، ومن قدم الأخلاق، انتهى بأن تحجر وشذ وغلا في سلوكه، ومن جمع بينهما معاً نحا باتجاه التوازن والسعادة والانسجام كما في الإسلام.
11): توجيه العمل: حل مشاكل الإنسان بتكامل ثلاثة عناصر: توجيه الثقافة، وتوجيه العمل، وتوجيه رأس المال، ونحن نتحدث عن توجيه العمل في بلاد الإسلام، وهو غير موجود أصلاً، لأن التسكع سمة تخلفه وتقهقره، وغيابه ناتج عن غياب ثقافة العمل في مجتمعاتنا، والعمل نتاج عناصر الحضارة الثلاث: الإنسان + التراب + الوقت، وبدأ العمل أول يوم للدولة الإسلامية، ببناء المسجد، وهو يشمل كل سلوكياتنا الهادفة والعفوية، من التبسم في وجه الآخر، وغرس فسيلة، وإزالة غصن من الطريق، وإزاحة أذى منه، ومن ذلك (كسب العيش)، وعمل اليد ينتج حضارة، لطعامنا ولباسنا وصحتنا ودوائنا وسلاحنا.
12): توجيه رأس المال: بأن يكون آلة اجتماعية، أو آلة سياسية، والفرق بين الثروة، ورأس المال، واضح في أثر كل منهما في حياة المجتمع والدورة الاقتصادية، فرأس المال متحرك، وكان سبباً لظهور طبقة العمال، وحملات الاستعمار، فالمشكلة الرئيسة كيفية تحريك رأس المال لينتج؟ ويقارب بين الفقراء والأغنياء، ويعمل على تحويل الثروة إلى رأس مال متحرك، من خلال الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، بتوجيه الثقافة والعمل.
13): مشكلة المرأة: لا تنفصل عن مشكلة الفرد في المجتمع بغض النظر عن جنسه، وكثير من المقارنات بينهما محض افتراء وافتئات، وكلا المناصرين لها أو المعارضين، يصدرون عن دوافع جنسية، وهذا ما استبعده الرسول الكريم من تفكير الطرفين بقوله: " النساء شقائق الرجال" والقرآن بين: (خلقكم من نفس واحدة) فهما قطبا الإنسانية، وصانعي حضارتها، وإشراكهما في بنائه واجب عليهما معاً، حسب مؤهلات كل منهما، ووظائفه في الحياة، لخدمة المجتمع، المكون منهما معاً، والمرأة الغربية بمشكلاتها المعاصرة ليست النموذج المفيد لمجتمعها، حتى تقلَّد وتفيد مجتمع آخر، كانت المرأة الأوربية محتشمة وخجولة، وبعد فقدانها ذلك بالتعري، فقدت أنوثتها، وفقدت معها احترامها، فهي الآن بتحررها المزعوم غدت سلعة وأداة تسلية وتفريغ شهوات لا أكثر، وفي بلادنا غلو معاكس بتسترها وعزلها المغالى فيه (الزائد عن مفهوم الحجاب) الذي يفقدها التذوق الجمالي والسلوك الطبيعي، فتبدو مرتبكة في معركة الحياة التي كانت تمارسها الصحابيات أيام الرسول صلى الله عليه وسلـم، والمرأة المسلمة اليوم ينبغي أن تناقش وتبحث عن دورها الطبيعي للرقي بالمجتمع، وكيفية مشاركتها في صنع الحضارة والنهضة والتغيير، ونحن لا نريد انعزال المرأة المسلمة، الذي يساعد المرأة الأجنبية على ملئ فراغه لدى شبابنا، لا نريد لمجتمعاتنا ولا لنسائنا الانسياق وراء الآخرين في اتباع حل مشكلاتهم الخاصة بهم.
14): مشكلة الزي: كانت العباءة لباس الجميع فيما مضى، الأمير والغفير، لكن اليوم ظهر عامل جديد لا تلائمه، وهو نوع العمل وصرامته، في المصانع والمزارع والمناجم والجيوش، وكما تخلى- الياباني بعد خسارته الحرب أمام الأمريكي – عن (الكيمونو) لصالح لباس المصانع الأزرق، وقد قيل: " القميص لا يصنع القسيس" ولكني أرى عكس ذلك، فإن القميص يصنعه، لأنه يضفي عليه طابع الأعمال والتصرفات التي تليق به، ولهذا للرياضي لباسه، وللجندي لباسه، وهذا ما أدركه أحد المستشرقين بقوله: " إن العرب كانوا يحبون إظهار عمائمهم في كل مكان.." لكن هذا كان في مرحلة قد تغيرت متطلباتها، ولا غرابة في تغيير لباسنا لصناعة مرحلة جديدة نحن بحاجة إليها، على أن لا نقلد أحداً، وإنما نختار بقيمنا الجمالية والأخلاقية ما يناسبنا، والعمل الذي يتطلبه الواجب منا اليوم.
15): الفنون الجميلة: إما داع إلى فضيلة، أو داع إلى رذيلة، فإذا ما حددت الأخلاق مثُلَها، فهي تحدد وسائلها لتحقيق أغراضها، للتأثير في النفس، أو التعبير عنها، والرقص عند اليونان خلط بالشعر، ويعبر عن التقرب من المرأة، لكنه اليوم يعبر عن الغريزة الجنسية، وسفاحها، وليس التقرب، وكثير من الاتيكيت تعبيرات جمالية للسلوك اللائق في المجتمع، أما الفنون العربية (المصرية) اليوم فهي لا تعبر عن شيء من المشاعر أو الأحاسيس، سوى مشاعر العدمية والفراغ، وقيم الهبوط، لغل الناس بقيود الانحلال ليس إلا! حتى صور الكتب المدرسية، وراءها قيم جدية أو عبثية لأطفالنا، ليس في فننا المعاصر أية مسحة عبقرية نقدمها للعالم عنا وعن حضارتنا، لأننا نعيش حياة الذل والقلة والكسل، الذي نضحك له، كأننا نضحك على أنفسنا، ويجب صقل المواهب بجهد صبور، وأهداف عليا للتوفيق بينهما، ولا ينبغي السماح لفنانينا بالابتذال لئلا يشوهوا الفن باسمه، وهو منهم براء.
العنصر الثاني: التراب
التراب من ناحية قيمته الاجتماعية في الأمة، وقيمة مالكيه (السكان)، وعلى قدر انحطاطهم تكون قيمة وطنهم وترابه، فبتراجع التقدم يتقدم التصحر، وتخلف الزراعة، ويتبعها تخلف المواشي، وهذه مأساة قبل أن تكون مشكلة، تؤدي إلى هجرة ابن الأرض، لأنه لم يعد له عمل يعمله، سوى الفرار، وقد مات فيه النبات والحيوان، واليوم أصبح بإمكاننا تفجير الذرة، لاستخدامها في تبخير مياه البحر، واستعمالها في حل مشكلة المياه والزراعة والسكان معاً، وزراعة وغرس الأشجار يعيد الحياة والقيمة إلى تراب أوطاننا، وقد صنعت شبيه ذلك فرنسا في منطقة مدينتي (بوردو- و- بياريتز)، وأصبح أغنى بلد لانتاج زيت (التريبنتين) ومثلها صنعت روسيا وهولندا، وأن نجعل من الشجرة رمزاً لبلادنا وما يستحقه ترابها، الذي تمشي عليه وتحارب للدفاع عنه شعوبنا، تحارب العدو والجهل والفقر والتخلف والكسل والقناعة الزائفة.
العنصر الثالث: الوقت
أثر عن الحسن البصري التابعي قوله: " ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنم مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.." ، الزمن يمر على كل مخلوقات الله في الكون، وعلى الإنسان، فيتحول إلى ثروة فيما ينجزه فيه من أعمال، أو موت وعدم إذا كان لتيسير نومه أو كسله، وفي حالات لا يقدَّر الوقت بثمن، مثل " ليلة القدر" إذا أحييت بصدق التغيير للتوبة والاتجاه نحو قرار الإقبال على الله، والعزم على تصحيح ما تبقى من العمر والعمل، (ليلة القدر خير من ألف شهر) وكذلك انتفاضة شعب في لحظة صحوة، باتجاه النهضة وتصحيح مسار وطن وأمة، لا يقدر بثمن كذلك، وتصبح الساعات القادمة من الزمن عملة ذهبية، ومنجزات بطولية للفرد أو الجماعة، ومع حالة التخلف لا قيمة للوقت في حسابات الأفراد والجماعات، وعلاقة الزمن بتولد الأفكار والمعاني الصائبة علاقة وثيقة، في حياتها أو موتها، ما نفعُ ماءٍ متسرب من ساقية خربة مخرومة، لزرع ينتظر أن يروي عطش أزهاره، لتنمو ثماره؟ والتربية الصحيحة النبوية والراشدية هي السبيل لمعرفة وإدراك قيمة الوقت، وقد فهما التابعي الجليل الحسن البصري، والأذكار النبوية تعلمنا لكل حدث يتعلق بزمن ذكره الخاص، لئلا يضيع الوقت وما ينجز فيه سدى، (أذكار الصباح والمساء)، وتدريب (نصف ساعة) لإنجاز عمل يناسب كل فرد من الأسرة، وتقييمه، يشعرهم بقيمة الوقت، قبل قيمة ما أنجزوه فيه، وعلاقة ذلك بالصلوات الخمس، جد كبيرة في هذا التعليم، والألمان الذين خربت ودمرت بلدهم، عام 1948م واستعمروا من أربع دول، خلال عشر سنوات صنعوا المعجزات بفكرة قيمة الساعة من الزمن، فشاركوا بمعرض القاهرة عام 1957م، وفرضت الحكومة لتحقيق ذلك على كل ألماني العمل تطوعاً لساعتين مجاناً لخدمة الوطن، بالإضافة إلى العمل اليومي، من أجل الصالح العام، ولم يكونوا يملكون سوى: الإنسان + التراب+ الزمن.
الاستعمار والشعوب المستعمرة
1): المُعَاِمل الاستعماري: إن للفرد- لكونه العامل الأولي للحضارة- قيمتان: الأول: (الفرد الخام)، والثاني: (الفرد الصناعي)، بمعنى: الفرد الطبيعي، والفرد الاجتماعي، فالمسلم يملك كل المؤهلات الفطرية لنهضته، كما فعل في مرات عديدة، لكن المجتمع عليه أن يمده بما ينمي مواهبه الطبيعية، ليكون على مستوى متطلبات مجتمعه وعصره وأمته، وفي مثل هذه الحالة يكون الاستعمار المعيق الأكبر لعدم تحقيق الفرد لشخصيته الوطنية أو الإنسانية، فيغدو بتفكيك أوصاله، إلى ماسح أحذية للجندي المستعمر، أو وظيفة مهينة لخدمة المستبد لقاء لقمة العيش ليس أكثر، مما دفع أبناء الإسلام إلى التفكير بالخلاص من جور الاستعمار، عن طريق استعادة حضارتنا الإسلامية، التي أنعمت على ناكري الجميل الغربيين الذين حولتهم من قطاع طرق إلى بناة نهضة عالمية، لنا الفضل الأول في صناعتها، ولهذا نستحق المطالبة بحقوق النشر والاستعادة، لإعادة ملكيتنا الشرعية لها من جديد، لكن بالعمل والإبداع وليس بالتوارث، وعلى الفرد أن يفتش في أعماقه وأعماق تاريخ أمته، عن عناصر كرامته وقيمته الإنسانية الحقة، لاستعادة الدور المفقود، والنهار المنشود بعد طول نوم ورقاد.
2): مُعَاِمل القابلية للاستعمار: لدى الفرد المسلم، بعدمية تفعيل قواه التي وهبها الله له بالفطرة، أو وضعها في أضيق نطاق؛ لا يخدم فيها سوى مصالح المستعمر أو المستبد، فيطلق الغرب علينا تسميات بعيدة عن حقيقتنا ( الإنسان الشرقي) و ( إنسان شرق المتوسط) و ( العربي) و ( التركي)و (الإنسان الأسمر) و(البلاد النامية) للخداع ....الخ، فيجعل قياسنا جغرافي ضيق، لأنه يريد منا أن نكون مجرد يد عاملة لتحقيق أغراضه، فيحارب جمعيات علماء الإسلام، بشتى التهم، لينفر منهم في السينما والإعلام، ويشيع الرذيلة ويحارب فينا الفضيلة، ويزرع الأحقاد والفرقة والطائفية لنكون مزقاً أمام وحدته ومصالحه، ولنا درس في يهود الجزائر لما حرمتهم فرنسا من التعليم، تطوع كل مثقفيهم لتعليم أبنائهم في البيوت سراً بالمجان، وساندوا بعضهم في تجاراتهم، وقد علموا أن القيام بالواجبات أقصر طريق للحصول على الحقوق، وعلينا معرفة الاستعمار أكثر مما هو يعرف عنا، حتى نتغلب عليه، وعلينا أن نتغلب عليه من داخل نفوسنا أولاً، كما علمنا القرآن.
3): مشكلة التكيف: تخضع لقوانين (رد الفعل) كما في الميكانيكا، و(التشبه بالقوى) في علم الاجتماع، وهذا نراه واضحاً في شبابنا وفتياتنا، في لباسهم وقصات شعورهم، ورطنهم باللغة الأجنبية، وغيرها من تقليد المستعمر، حتى في أغانيه ومأكولاته، ومشروباته، وذلك بسبب فقدان مجتمعنا لتوازنه التراثي، أو توازنه الحداثي الخاص، وردة فعل المتشبهين يقابلها ردة فعل سلفية للماضويين، دون النظر إلى أننا في عصر مختلف، وليس كل ماضي نافع اليوم، وهناك من يقيس النجاح بتحرر المرأة، وتحرره جنسياً، وهناك من لا يأبه بماضي ولا بحاضر، يأكل ويشرب ويدفع ضرائب ويغني ويرقص وينام، وهذا جعلنا ننزلق في تناقضات لا انسجام بينها ولا اتجاه، والطامة الأكبر فينا البحث عن الرجل البطل والقائد المخلِّص الخالد، وهذه وثنية جديدة قديمة، والتركيز على شيء وحيد من خدع سرك الإعلام والمستبد، وللعلم فإن السير إلى الحضارة الأصيلة، لا تصلح له الفوضى، ولا المظاهر الخادعة، والتناقضات المختلفة، لأن التوازن والانسجام والتنوع المرتب المحكم يحقق لنا الصورة الناجحة لصناعة الحاضر والمستقبل المنشود، الذي نستحق العيش من أجله، والعبور إلى مرضاة الله وجنته عن طريقه.

انتهى: بتاريخ 19/12/2020م


أضف رد جديد

العودة إلى ”كتب وكتَّاب“