خلاصة كتاب" مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" ل. مالك بن نبي

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

خلاصة كتاب" مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" ل. مالك بن نبي

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

بسم الله الرحمن الرحيم
تلخيص كتاب" مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" ل. مالك بن نبي
الفصل الأول: الإجابتان عن الفراغ الكوني
موقف الإنسان من تفسير وجوده الكوني، إما ينظر حول وتحت قدميه، باتجاه (الأرض)، وإما ينظر ما فوق رأسه باتجاه (السماء)، الثقافة الأولى نفعية مادية، والثانية فكرية روحية، وهذه مصدرها الرسول، والرسالة، والأنبياء، وأوروبا خارج منظومة الرسالات السماوية، والمنطقة السامية (الشرق) مهد الرسالات السماوية، واليونان شغله الإحساس بالجمال والشكل، بينما الشرق الإسلامي ثقافته مزيج الحقيقة والخير، ويمثل الغرب قصة " روبنسون كروز" ويمثل الشرق قصة "حي بن يقظان"، فروبنسون كروز يتغلب على وحدته بالعمل، والتفكير في شيء يصنعه، وحي بن يقظان يستعين على وحدته بخدمة الظبية التي رعته، ولما ماتت بدأ يبحث عن علة الموت في جسدها، فلم يجد ما يدل عليه سوى تخيل روح غير مرئية رحلت من جسدها، وبالتفكير توصل إلى الخالق الذي خلقها وخلق جميع الخلائق، وهو تفكير حول الأفكار، بينما عند كروز تفكير حول الأشياء، بين عالم الاجتماع " سيكار" قال: أن الزمن الصناعي المتتابع في الدول الغربية، لا يدع للإنسان فرصة التفكير في الذات، على غرار الزمن غير المتواصل في دول التخلف، التي تفسح للإنسان فرصة التأمل بالذات والحياة، بينما هو في الغرب يدور حول الوزن والكم والمادية، بينما يدور الفكر الإسلامي حول فكرة الخير واجتناب الشر، وممارسة الأمور المادية في حياة المسلم، ترفق بالفكرة الطيبة، واللفتة الحسنة، مراعاة للروابط الاجتماعية التي تفتقدها الثقافة الغربية.
الفصل الثاني: الطفل والأفكار
الإنسان يتعايش مع ثلاثة عوالم: الأشياء، والأشخاص، والأفكار، بداية الطفل شعوره أنه جزء من أمه، في فترة الرضاعة، ثم التمييز بعدها بين الأشياء، والتجريد الفكري يكون بعدهما، والنمط الثقافي الاجتماعي هو الذي يحدد للشخص نوع عالمه المؤثر، والفرد يدفع ضريبة اندماجه في مجتمعه، بتأخير عالمه من أجل تقديم عالم الجماعة، لكنه لا يتخلى عن تفرده وتميزه بنمطه في النهاية، لأنه يمثل هويته الشخصية، وكل صاحب حرفة يمارسها في إطار فكر المجتمع الذي ينتمي إليه، ووضع قواعده في ذهنه، والطفل يبدأ متميزاً، ثم ينتهي مندمجاً في بيئته ومجتمعه، من خلال المدرسة والعائلة، وعندما يبدأ بالتساؤل في سن التمييز، يبدأ تعرفه على عالم الأفكار، التي تساعده على فهم مجتمعه، والاندماج فيه، سلباً أو إيجابا، وتعلم الحروف والكتابة والقراءة يساعدانه على اختصار العالم في جمل قصيرة، أو كلمات، ويظهر أثر ذلك على ملامح الوجه، وبريق العينين، ولغة الجسد، وحتى من طريقة لباسه، ومشيته.
الفصل الثالث: المجتمع والأفكار
الذي يميز مجتمع عن آخر اهتماماته بالأشياء، أو الأشخاص، أو الأفكار، ونوعية كل منها وقيمته وأهميته، والمجتمع الإسلامي مر بهذه العوالم قبل وأثناء وبعد قيام حضارته وتوقفها، والحالة الجنينية للإنسان تنطوي على الثلاث مراحل، الشيئية، والشخصانية، والفكرية، وبروزها تدريجياً بعوامل النمو والتربية والمجتمع فيما بعد، ومرور الإنسان والمجتمع بهذه العوالم، متشابك متناوب حسب المرحلة وزاوية النظر، ودرجة التطور، والمجتمع المتخلف مفتقر إلى الأفكار، مع عجز عن صناعة أدوات مواجهة ما يحتاج منها، فالأرض (التراب) يعجز المجتمع المتخلف عن استثمارها لينهض ويقلع، مثال: العراق، وأندونيسيا، والسودان، وكأنهم في مرحلة الوثنية الشيئية لعصر الجاهلية ما قبل الإسلام، تركيز التفكير فيها على الأشياء والأشخاص، (التطير- الأزلام- الأصنام- الأنساب- النوء) و (السيف- الرمح- القوس- السهام- الجمل- الحصان- والخيمة) وكل ما يملكه من أفكار، هو التغني بشعر أيام العرب، وحروبها- وذكرى الحبيبة- وتخليد بطولات فارس هوى- أو كرم حاتم الطائي)، لكن فكرة (اقرأ باسم ربك) في غار حراء، أضاءت للعرب والعالم نور أفكار لا تنضب، غيرت مجرى التاريخ الإنساني بأسره، جمع أيدي المهاجرين والأنصار وغيرهم لبناء مجتمع ودولة وحضارة لا مثيل لها في التاريخ، وتوقف ذلك بعد غلق باب الاجتهاد، وانغماس المسلمين في عالم الأشياء وأدوات الطرب واقتناء الجواري، بديلاً عن اقتناء السيف، والقلم، وسرج حصان، فتحولت الأمة الإسلامية من صناعة الحياة، إلى استهلاك ما يصنعه الآخرون منها، ومن فاتحين، إلى مستعمَرين.
الفصل الرابع: الحضارة والأفكار
مبتدأ الحضارة: فكرة جوهرية متقدة، تحملها للعالم عوالم الروح، ثم تنكفئ على عوالم العقل، ثم تنغمس في عوالم الغرائز، والفكرة المسيحية (للإيمان بالله) أخرجت أوروبا إلى مسرح التاريخ، فتعرفت على عالم أفكار سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وحين تلقفت أثر الحضارة الإسلامية، أنتجت نهضة صناعية واجتماعية متممة لما اكتشفه المسلمون من علومها، والمهمة الرئيسة للحضارة اتاحة الفرصة لكل فرد في المجتمع أن يشارك في انجازاتها، ويندمج مع نهوضها وإبداعاتها، من خلال الانخراط في أفكارها وتشريعاتها وقوانينها، اجتماعياً وأخلاقياً، وقمة صفاء الإنجاز الحضاري، بسيطرة عالم الروح على عالم العقل، ويبدأ الهبوط التدريجي بذبول عالم الروح، وتحكم العقل، ثم السقوط في عالم تحكم الغرائز، (غياب عالم الروح والعقل).
الفصل الخامس: الطاقة الحيوية والأفكار
ضرورة تلبية الفرد لحاجاته الحيوية، ليبقى حياً، وتلبية متطلبات الالتزام بضوابط المجتمع ليرقى به وبنفسه، وانعدام الأولى يفني المجتمع، وغياب الثانية يهدمه، والسلطة التي تنظم هاذين الأمرين، تحتاج إلى غاية وهدف للانتقال بالمجتمع من البدائية إلى التحضر، والسبب في الغالب هو فكرة سامية للرقي الإنساني، والمجتمع المسيحي الغى اشباع الغريزة (طاقة حيوية) بالرهبنة، التي تولد عدد قليل من القديسين، وعدد كبير من الفاسقين، ومثلها في تحريم الخمر أيام الإسلام الأولى، وتحريمها في عام 1919م في أمريكا، نجح الإسلام لأنه يعتمد على الأفكار والعقيدة، وفشل القانون الأمريكي، لأنه اعتمد على السلطة المادية أكثر من ارتباطه بفكرة سامية، فاستمر الإسلام بالتحريم، وتراجعت أمريكا عن التحريم، وأباحت المخدرات للاستعمال الشخصي، وحين تذبل الأفكار وتتراجع القيم، تتفكك روابط المجتمع في الالتزام بقيمه العليا.
الفصل السادس: عالم الأفكار
في المرحلة البدائية توجد أفكار موجهة متوارثة تقليدياً، نجدها في المخزون الأخلاقي، والعملي منها هي وسائله المادية لتطبيقها، وفي حالات التحول الكبرى يتبدل تفكير الإنسان بناء على فكرة محركة، تسمى الكائن الأعلى، والذي يستطيع تحريك المجتمع بها يصبح البطل الإله، (نابليون)، هذا ما ملك "بلالاً الحبشي" طاقة التحدي للظلم والجاهلية، والفشل يتم حال التناقض بين منطقية الأفكار، وفساد علاقات الأشخاص، وتخلف تقنية التطبيق، أو أي من هذه العوامل الثلاث، فيضطرب التقدم باتجاه التحضر، والحضارة، وفي مثل هذه الأحوال يتحول المجتمع إلى ظاهرة صوتية، أو مكب نفايات، أو كلمات كبيرة فارغة المضمون، ليس لها حدود مضبوطة، سوى الهيام في عالم أشبه بالسراب، فتلتبس الأفكار مع الأشياء مع الأشخاص، بخليط غير قابل للفرز أو الدمج.
الفصل السابع: الأفكار المطبوعة والأفكار الموضوعة
الأفكار المطبوعة المتوارثة، يضاف إليها وينميها الأفكار الموضوعة من قبل الأجيال في طريقها، وتختفي هذه الأفكار بالتدريج بخفوت وذبول الأفكار المطبوعة والرئيسة، البداية كانت كالعاصفة التي يعقبها مطر منبت ومعشب، ذابت فيها الموارد القبلية والفردية، واختلطت بأفكار الأخوة الواحدة، وفي سبيل الله الواحد الحد، وأصبحت طاقة المجتمع الجديد خلاقة مبدعة، حتى كان نشيد الصحابة والجزيرة العربية بأسرها تحاصرهم في الخندق:
نجن الذين بايعوا محمدا...........على الإسلام ما بقينا أبداً (البخاري عن أنس)
لم تغير الأفكار الجديدة (الإسلام) الناس من الخارج فحسب، بل غيرتهم في العمق داخل نفوسهم وضمائرهم، يا رسول الله فعلت....يا رسول الله طهرني.......يا رسول الله احملني.......الخ.
وبعد أن جفت أوراق وأغصان الأفكار الرئيسة، لم يعد شيئاً منها موجوداً ذا أثر سوى الجذور المدفونة في الأرض والأعماق، وأصبح جسد الأمة ما سمي (الرجل المريض) المستسلم لمبضع الجراح العدو اللئيم (المستعمر)، الذي نقل إليه أعضاء مزروعة (غريبة عنه لإنعاشه بالوهم والمسكنات) غير قابلة للحياة.
الفصل الثامن: جدلية العالم الثقافي
إن من أسباب ومعوقات إقلاع المجتمع الإسلامي، جدلية العلاقة بين عالم الأشياء، والأشخاص، والأفكار، والماديون يرون أن تعديل البنية التحتية، ينعكس على تعديل البنية الفوقية، والنشاط الإنساني عادة حصيلة تفاعل العوامل الثلاث المذكورة سابقاً، وغلبة عنصر من الثلاثة، إفراط أو تفريط، لخلل في التوازن، بسبب التخلف الحاصل، لكن النقد البناء هو الذي يحدد مسيرة التخطيط الاستراتيجي الذي ينبغي اعتماده للنهوض والإقلاع، وغالب التأخر فيه عن طغيان الرضوخ للأشياء أو الأشخاص، وحتى الأفكار تكون تبع لهذين الأمرين وبطريقة ساذجة، أو مخادعة.
أ- على الصعيد النفسي والأخلاقي: تحتل الأشياء المساحة الأكبر من الفكر والاهتمام، فمثل عبارة: ( الحكومة وشعبها)، أصبح الشعب شيء تملكه الحكومة، بديل عن أن الشعب لديه حكومة، وهذا من الفكر الشيئ.
ب- وعلى الصعيد الاجتماعي: الشيئية تجعل للأثاث أهمية كبيرة في دوائر المؤسسات، إلى درجة نفوق بعضها دون أن يستعمل، لأن الغاية التي اشتريت منها لا وجود لها، سوى الأبهة الفارغة، والدائرة التي تحتاج موظف تجد فيها خمسة، والعمل يكفيه واحد، فالهدر سمة الشيئية.
ج- على الصعيد الفكري: تتحول الأفكار إلى كم وليس إلى نوع، بعدد صفحات الكتاب الذي يحويها، والمضمون لا يسأل عنه، بمقدار ما يسأل عن الشهادات وسني الدراسة، وصفحات التقرير، تتحول الأفكار إلى أشياء وكميات، دون التطرق إلى النوع والإبداع والجوهر.
د- على الصعيد السياسي: يطغى طغيان الأشخاص على الخطط والقيم، ونجعل الحلول في استبدال الأشخاص بآخرين، وبين القرآن هذا بقوله: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل..)144/آل عمران، وتتحول الأفكار بإسنادها إلى أشخاص، إلى شخصانية الفكرة، فتموت بعدم أهليته، واتخاذ الأشخاص، مهما كانت مكانتهم أبطالاً (اصناماً) يدمر الأفكار، ولهذا تنسب الهزائم إلى أشخاص، مع أنها بأسباب غير الأشخاص، ولهذا يراوغنا الاستعمار باستبدال شخص بآخر من صنعه، لأننا شخصانيين، ولسنا أفكاريين، والطغيان مرض يتقمصه حتى المثقفين، ولهذا يغرق مثقفونا في الكتب، بدل أن يغرقوا في الواقع من خلال صناعته.
الفصل التاسع: جدلية الفكرة والشيء
الطغيان قد يكون في الأشياء، أو الأشخاص، أو الأفكار، لندرته أو كثرته، في البلد المتخلف أو المتقدم على السواء، وهو ما يولد انعدام التوازن، بالحيازة الزائدة أو القناعة الزاهدة، وكلاهما يصرفان العاقل عن الحلول السليمة للإشباع والاستغلال، في ذهن الشبعان، أو الجائع، (يذكر المؤلف تقرير جزائري، عن تعطل وحدات تقنية طب أسنان بنسبة: 57/60 أدوات وثروات لا تعمل بسبب الإهمال، ووضعها في أيدي طلاب السنة الأولى، )، لأن الكلية قامت على فكرة تخريج قالعي أضراس وليس أطباء بالمعنى الدقيق، وأسند إلى أ. د أسنان إعطاء دروس في الأمراض البولية.
وفي الانتخابات العمالية الأوربية كثيراً ما يكون وعد المرشح للعمال بعلاوات وأشياء تحسن معيشته، وليس تطبيق أفكار، لهذا يصوت العامل للأشياء وليس للأفكار، ونشرت دراسة عن (العالم الروحي لإنسان اليوم) في جريدة البرافدا السوفييتية، عام 1959م، بآراء الشباب، فقالوا إذا كان غرض الحياة الرفاهية فتكون السويد هي النموذج والمثال، وإذا كان الهدف الانصراف كلية إلى العمل والإنجاز، فتكون أمريكا هي النموذج، وهذا ظهر في الماركسية بعد سنوات من تطبيقها، الذي لم يشبع أعماق الإنسان السوي، فبدأ يبحث عن أفكار أخرى في صورة أشياء، نتيجة التخبط النفسي والفكري، وصراع الفكرة والشيء كما في البلاد العربية الثورية، يأخذ منحى دغدغة العواطف القومية والانتصارات الوهمية، بخطف طائرة، أو معركة مصطنعة مصغرة مع عدو، (تضخم إعلامياً إلى أبعد حدود صناعة الأحلام الوهمية بنشيد شعري وطني فارغ)، وقد فصل عقيل بن أبي طال بين الفكرة والشيء، بدقة قائلاً: " إن صلاتي مع علي أقوم، وطعامي عند معاوية أدسم" هذه كانت البداية، حتى حصل الانحدار أخيراً فأتى على كل معالم المجتمع والدولة الإسلامية، بغزو التتار، أو الصليبيين، أو الأوربيين العالم الإسلامي، بسبب فقدان التوازن بين الشيء والفكرة.
الفصل العاشر: صراع الفكرة – الوثن
حين تتجسد الفكرة في شخص تصنع له هالة من القدسية والكمال المزيف، تموت الفكرة في أذهان الناس والشعب، قبل ن تموت في أحضان الزعيم البطل، وتصبح الفكرة وثناً، في شخص وثن، غير قابلة للتطوير، ولا قابلة للنقد عبر التطبيق السيء، كما في شخصية هتلر ، وشخصية موسوليني، ومثل ذلك في الشعر الجاهلي، ووثنية العرب قبل الإسلام، ومثل ذلك في الإسلام القباب التي تصنع لأولياء صالحين أو مزعومين، فتتخذ سيرتهم صورة الوثن أو الخرافة، وتصبح سيرتهم وأقوالهم هي الشرع، ففي غياب الفكر يحضر الأوثان، ولهذا بدأ الزلزال الذي يخسف هذه الأضرحة بعد المؤتمر الإسلامي 1936م ، لكن علماء المؤتمر نتيجة الشعور الانهزامي والإنسحابي في عصرهم، سلموا قيادهم للسياسيين أصحاب (الكرافيتا – واللباس الإفرنجي) فأصبح هؤلاء أولياء بديلاً عن أولياء الأضرحة، أوثاناً جديدة، مرضية عند أسيادهم المستعمر الأوروبي، بقليل من الدعاية الإعلامية المخادعة، صنعوا منهم أبطالاً، وهم خواء من كل فكر حر ووطني حقيقي، لأنهم أدوات للاستعمار عندها قابلية أن تأكل في كل المعالف، وتبيع الوهم للشعب الغلبان، لكن العز بن عبد السلام بصدقه ومصداقيته، استطاع أن يبيع الوثن (الأمراء المماليك) في السوق، ليحرر الشعب من عبوديتهم لهذه الأصنام، فتحقق نصر موقعة عين جالوت ضد المغول، لأن الشعب وأمرائه أصبحوا أحراراً.
الفصل الحادي عشر: أصالة الأفكار وفعاليتها
الأفكار الأصلية تحتفظ بأصالتها أبد الدهر، لأنها حقيقة مستقلة عن التاريخ، وذات طبيعة قدسية، لكن فعاليتها مرتبط بتاريخ وظروف، وقد تكون أفكار ذات فعالية، لكنها ليست أصيلة، بل هي باطلة، تنشأ وتكون ذات فعالية بظروف معينة، تكون فعاليتها نتيجة، لكن ليس لها الدوام الأبدي، بعكس الأصيلة، فمثل فكرة العلم والتقدم والحضارة بالمفهوم الغربي، كان لها فعالية سمحت لها بالسيطرة على العالم، ولكن قوالب التطبيق ليس شرطاً أن تجعل منها حقائق صحيحة، كما صنعت الحروب المدمرة، والفكرة الإسلامية وأصالتها كان لها فعالية عالية أول انطلاقتها، حتى عصر المأمون، الجدل الهرطقي شكك في أصالتها، لكنه لم يشكك في فعاليتها، إلى أن انحسرت فعاليتها، فانقسم الناس تجاه أصالتها مؤمن وجاحد، أما فعاليتها فهي منسية عملياً، دون أن تكون منسية نظرياً، في عصرنا هذا، وفلسفة الغرب ترجيح الفعالية على الأصالة، طالما أن الفعالية مسيطرة، (نوع من الواقعية)، ولهذا تخرجت أجيال من الدارسين المسلمين في جامعات أوربية، لا يفكرون بالأصالة، بمقدار تفكيرهم بالفعالية، وهي غير موجودة، فتاهت عقولهم بأشياء الغرب، فتشيؤا، وتناسى هؤلاء الاتباع المقلدين، أن أساتذتهم نسخوا الفعالية ونسلوها من أصالة الشرق وأفكاره وحضارته، وحولوها إلى فلسفة مادية ماركسية، انتهت بعد أن أدت دورها في فترة زمنية من التاريخ، وعلى العالم الإسلامي ليثبت أصالة فكره، عليه أن يستعيد فعاليتها، وإلا فإنها تصبح ساحة مصارعة غير متكافئة.
الفصل الثاني عشر: الأفكار وديناميكا المجتمع
نجاح الفكرة يمنحها قوة مصداقية، مشاكلنا هي مشاكل منهجية وليس سلوكية فحسب، النجاح مرتبط بالفعالية، أكثر من ارتباطه بالوفرة، إثبات صحة الأفكار اليوم مرتبط بالعمل والنجاح، وليس بالقناعات الوجدانية فقط، إعلان قدسية قيمنا الإسلامية، لا يكفي بديلاً عن تزويدها بالقدرة على المواجهة والنجاح، أعلن الرسول صلى الله عليه وسلـم عقب غزوة من الغزوات الرمضانية، أن أجر صاحب الفعالية (المفطر) يفوق أجر المتمسك بالأصالة (الصائم)، وعليه فإن إشباع المسلمين أبناءهم وجياعهم يفوق في الأجر أداء النوافل من الصلاة والصوم، لأن المسئولية التكافلية فرض (عيني أو كفائي) أما المسؤولية الفردية التنفلية سنة، انطلقت اليابان بأفقر الإمكانيات ونجحت، وانطلقت إندونيسيا بأوسع الإمكانات ففشلت، لاختلاف منهج الانطلاق في كلا البلدين، والنجاح مرتبط برأسمال الأفكار، وليس برأسمال الأموال، هذه الأفكار التي كانت تعشعش في أذهان جميع أفراد الشعب الألماني، والصين أقلعت بظروف صفرية، لكن رأسمال الأفكار كان كبيراً، وظروفها شبيهة بظروف العالم الإسلامي، وهي تنقسم إلى قسمين:
أ- مرحلة اقتصاد الكفاف. (الاكتفاء).
ب- مرحلة اقتصاد التطور. (الإقلاع).
وللعلم فإن مفجر طاقات المجتمع الإسلامي غيره في البلاد الأوربية، ويمكننا تأطير القاعدة القائلة: 1- كل الأفواه يجب أن تجد قوتها، 2- وجميع الأيدي يجب أن تعمل. ولهذا لسنا بحاجة إلى الدفاع عن أصالة الإسلام، بل حاجتنا إلى إعادة فعالية قيمه المجتمعية.
الفصل الثالث عشر: الأفكار والاطراد الثوري
الثورة ليست كل شيء في عالمنا العربي والإسلامي أو غيره، لأن المتسلقين أو الراكبين موجتها
ليسوا على فهم واحد، أو ضمير واحد لخدمة أهدافها، فيسهل اختراقها وإفشالها، خاصة من الاستعمار
أو أذنابه، الحاكمين باسمه، (الدولة العميقة ) بمصطلح العصر، وهؤلاء لأنهم ممارسين يعلمون ردة
فعلنا، ونفسيتنا، ويتبعهم الاتباع المخدوعون بحسن نية أو بسوء نية، لكن المشكلة في عالمنا الإسلامي
اتباع الأشخاص وليس الأفكار، وشخصية الرئيس في بلادنا تصنع على عين المستعمر، أدرك هو ذلك أو لم يدرك، خاصة مع اغلاق نوافذ النقد البناء، والمحاسبة المقننة، ويستبدل انتصار الشعب بأفكاره، بانتصار شخص ما يجعل رمزاً للتسليم والاستسلام والركود، (جميلة بوحيرد – عبان رمضان- ياسر عرفات...)، تقديس الأشخاص بديل عن تقديس الأفكار والمبادئ.
الفصل الرابع: الأفكار والسياسة
الحرب سياسة في أعلى مستويات الأفكار السياسية، شرط أن تكون الثقة متبادلة بين العسكريين والسياسيين، وتصرف أبي بكر الصديق بعد وفاة رسول الله وارتداد بعض العرب، وردع هؤلاء عسكرياً كان قمة في الوعي السياسي، وبعد انتصاره، لم يتوقف عن تسيير الجيوش إلى فارس والروم، لإشغال العرب عن التفكير في التمرد، إلى إشغاله بالطاعة والجهاد، فكان مصيباً وحازماً وذكياً معاً، والثقة أعلى مصادر وعوامل النجاح والتقدم، والكفاءة مقدمة على النزاهة حين التعارض، والثقة بين الحاكم والمحكومة لحمة هذه الثقة والكفاءة، والسياسة تحتاج: الأخلاقية، والجمالية، والعلمية، وحرمان السياسة الإسلامية الحوار والنقد، جعلها قواقع مغلقة على أي تصويب، مع نظام الحسبة الإسلامي، هو نظام تصحيحي بمفهومي: (التوبة- والحنيفية) لا مثيل له لو فعل بصدق وأمانة.
الفصل الخامس عشر: الأفكار وازدواجية اللغة
تأثير اللغة الأجنبية في البلاد المستعمرة وغير المستعمرة، تأثير سلبي في موارده الثقافية، وخاصة السياسية، ويصل إلى عمق الثقافة الفكرية، بما فيها الدينية، على رغم تمسك الملتزمين باللغة الفصحى والأصيلة، لكن التأثير المر أكثر مع المنخلعين من الالتزام، المضادين له، كالكماليين في تركيا، والمصالية، والبربرية، والتقدميين، والماركسيين، كل هؤلاء رموا بأفكار متناقضة غير قادرة على توحيد الشعب الجزائري، فلا أصالة، ولا فاعلية، فأنى لشعب هذا حاله أن ينهض؟
وفي هذه الحالة انقسم الشعب الجزائري إلى جماعة الأصالة، ودون أي تجديد سوى بالعادات والتقاليد، ومجتمع الحداثة، الذي يسترسل في استيراد التقدم الغربي شكلاً استهلاكياً ليس غير، وكبار الكتاب العرب " توفيق الحكيم" نموذج، تأثر مع استرجاعه الأصالة بالغرب في مناقشته شجاعة " العز بن عبد السلام" وأخطأ الأديب الحكيم حين ترجم كلمة الشريعة وما لها من دلالات إلى كلمة القانون وهو مصطلح غربي، معدوم الظلال في ثقافتنا، وهذا يعتبر خيانة وطنية، أن تقدم لغة المستعمر، والأجنبي، على لغتك الأم التي لا مثيل لها في كل لغات العالم، كتعبير عن الانهزام الداخلي، والازدواج الثقافي القاتل.
الفصل السادس عشر: الأفكار الميِّتة والأفكار المُمِيتة
هواة الأصولية في عالمنا العربي متنطعين بالشكل دون المضمون، ويحسبون أن غلق نوافذ عقولهم عن الغرب أو الشرق يحصنهم من الانحطاط الذي هم غارقون فيه أصلاً، وكأنه جهبذ زمانه في التحذير من الأفكار الغربية المميتة على حد زعمه، متناسياً أنه يحمل كذلك أفكاراً ميتة حنطها التخلف، منذ فقدت مجتمعاتنا الفاعلية، ويحسب أنه في جنة الخلد، مع أنه جائع، وعار، وشقي، ومتعب، بينما جنة الخلد لا جوع فيها ولا يعرى، ولا يظمأ فيها ولا يشقى، فأي جنة يريد هذا إدخال أمة الإسلام فيها؟
إن ثورة مصدق الإيراني للتخلص من الاستعمار واحتكاراته القاتلة، لم يقض عليها سوى اخوانه من علماء الدين المحنطين في إيران، بتهمة الشيوعية، وحيلة أمريكية، والشعب المغيب المستعمَر فكرياً لا عسكرياً، قضى على مخلصه الصادق " مصدق" واستبداله بالكذوب " الكاشاني" عميل الغرب في بلاد فارس، وباسم الله والدين، مع الأفكار المميتة، يوجد لدينا منها الكثير، بالتمحيص الدقيق، وعدونا (الغرب) لا زال حياً ومتفوقاً، فلماذا نركز على أخلاقه الميتة، ولا نركز على أخلاقه الحية، التي لا زالت تقدم للبشرية نظماً واختراعات وحرية متقنة، كأننا الغراب الذي على شكله يقع، الخاوي، يتجه إلى الخاوي إما ليستورده ويقتنيه، وإما ليحاربه ويفنيه، وهو غير قادر بالنهاية على تجارة رابحة في كلا الأمرين، والسبب أنه لا يملك المصفاة الدقيقة والميزان الحساس للوزن السليم، كما فعل الفيلسوف الهندي الشاعر المسلم محمد إقبال.
اليابان والعالم الإسلامي احتكا بالغرب بعد الحرب العالمية، لكن الأولى صارت إلى ما صارت إليه، لم يوقفها شيء، ونحن لم نستفد من الغرب سوى مزيداً من التشرذم والانحطاط، والسبب نوع العلاقة التي ارادها كل من اليابان والعالم الإسلامي مع الغرب، الأولى علاقة تحرر، ونحن اخترنا علاقة التبعية، والذنبية، لأننا جعلنا على عيوننا كمامات تمنع الرؤية الهادفة المثمرة.
الفصل السابع عشر: انتقام الأفكار المخذولة
الفكرة الميتة: هي التي خذلت أصولها، فأصبحت شكلاً من غير مضمون عملي.
الفكرة المميتة: التي فقدت هويتها الأصلية بالترحيل والاستيراد، فكانت براقة من غير جذور.
والأمراض الاجتماعية، شبيهة بالأمراض العضوية، وجميع التغيرات الخارجية تسبقها تغيرات داخلية، وما حدث بعد مرحلة الراشدية كان نتيجة لبعض ما سبقها من تغييرات لم تستوعبها المرحلة، فجاء جيل جديد، على غير ما سبقه من جيل الصحابة، ونشأت مدرسة جديدة بعد المدرسة النبوية الراشدية، وهذا ما أدركه ابن عباس فقال للحسين، يثنيه عن خروجه: " هؤلاء الناس سيخذلونك كما خذلوا أباك، لا تصدقهم، فإن قلوبهم معك، وسيوفهم مع يزيد" ، إن خذلان الأفكار الأصيلة لن يمر دون انتقام من استقرار المجتمع الذي يدين لها، وكذلك الأفكار السيئة التي تشكل نفايات الغرب، كذلك لها انتقامها الخاص، بأسوأ النتائج لأنها في بيئة أخرى لا تصلح مكب نفايات الآخرين، وحشرات بيئتنا لا تحسن التعامل معها كذلك.
الخاتمة
العالم الإسلامي اليوم تتقاذفه منذ مائة سنة بعد الحرب العالمية، أفكار متناقضة، ولم تؤصل فيه المواجهة بالنموذج السلفي أو غيره، مع وجود عدد لا بأس به من المصلحين، الذين أدلوا بدلائهم في مسيرته القرنية، وفشلت محاولات جره إلى الشيوعية أو الرأسمالية، لأن هذه أفلست كذلك في عقر دارها، ولهذا نحن بحاجة إلى توليد طرق وأفكار تنبع من أصالتنا، وتطبيقها بلغة عصرية، ووسائل عصرية، وأدوات عصرية، لأن ما تجاوزه العصر يعتبر تحفة في متحف التاريخ، لا ينبغي أن نحسبه مائدة السماء لكل العصور، لكن مصدر هذه المائدة لكل العصور، لأنه تشريع صالح لكل زمان ومكان، ولكن هذه الأزمنة والأمكنة ظروف متغيرة، نختار ما يلائم مائدة السماء منها ليكون الإناء الجديد لطعام قديم، عليه مسحة من بهارات اليوم وزخرفاته، وروح المعاني الخلاقة السامية لا يختلف، ولكن الدعوة إلى إنزالها على أرض واقع الناس وظروفهم هو الذي يختلف، لأن الله جعل شرعته هكذا قابلة للتجدد والمحتوى واحد لا يتغير.


أضف رد جديد

العودة إلى ”كتب وكتَّاب“