غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

11): تلخيص كتاب "على صهوة الكلمة" د. عبد الله النفيسي
عناية الحركات الإسلامية بالتربية، كان على حساب إهمالها الحركة الفكرية، التي تتضمن المنهج السياسي والاجتماعي للحياة المعاصرة، فجعل ثقافتها حزبية مما سارع في خسارتها الجماهير المقبلة على تأييدها، لفشل التيارات الأخرى.
مقدمة: الثقافة التربوية الحزبية الإسلامية، لا تؤهل التيارات الإسلامية لإحداث التغيير الاجتماعي المطلوب، وفوزها في الانتخابات وشعبيتها ليست دليل مؤهلات ونجاح، مثال: (فلسطين- ومصر)، وتصدر هذا التيار في عدد من البلدان، دون تحضير وإرشاد سياسي – فكري، قد يورطهم في فشل مماثل لفشل من سبقهم من التيارات الأخرى، 1950-2000م.
توطئة: المسلم المعاصر بحاجة لمنطق سياسي – فكري للتعامل مع الظواهر السياسي والفكرية التي يموج بها العالم.
البناء السياسي للحركة الإسلامية: لم يعد ممكناً تجاهل السياسة في واقعنا، لأن القرار الذي تفرضه اليوم يحدد كافة مناحي حياتنا اليومية، في نوع التعليم، ونوع الإعلام، ونوع الصحة، ونوع الطعام، ونوع البيت الذي نسكنه، وقدر الدخل الذي نحصله، ومن الجهل إنكار هذه الحقيقة.
فما تصدره مطابعنا اليوم من كتب إسلامية تركز على العبادة والتعبد أكثر من غيرها من مواضيع الحياة، هي التي تبين مقدار التوازن أو الخلل الحاصل في أذهاننا وعقولنا، فغياب التأصيل السياسي لقضية الحرية والنظام السياسي المطلوب، والتعامل مع الآخر، يشكل عقبة أمام النهضة المطلوبة.
حضارة بلا معنى ولا مذاق ولا هدف: هي حضارة الغرب، (توفلر)، لأن الحياة المتكاملة للفرد، تحتاج منه: 1- الشعور بالانتماء، 2- وضوح المعايير. 3- تحديد معنى الحياة ومآلها. ولهذا لا وجود لهذه الأمور في الحياة الغربية، لأن صراعها مع الماركسية حاربت الانتماء الجماعي، (بالفردية)، وانعكس على المقاييس الفردية فجعلها نسبية (مصلحية)، فأنتجت حياةً بلا هدف.
يدل عليها الأفلام الغربية التي تؤكد على الجنس، والعنف، والشذوذ، والفردية، وتمجد المجرمين والقتلة، والخارج على القانون، لقد نجح الغرب مادياً، وفشل إنسانياً، واجتماعياً، بينما إسلامنا أعطانا من النظم والقيم، ما نحقق به معنى الحياة الحقيقية.
أزمة المسلم المعاصر: يواجه المسلم المعاصر تناقض بين ما يعتقده ويقرؤه في كتابه المقدس، وبين ما تحكم حياته من قوانين وتدابير بعيدة كل البعد عن شريعته، فالوحدانية لله، والاتباع لغيره من البشر، حتى في حياة والديه، ومدير مدرسته، ورب أسرته، تدفعه لخيارات: 1- الانسحاب من مسرح الحياة الحقيقية، إلى مسرح ضيق منزوي في المسجد وتوابعه، لا علاقة له بعمران العالم والتأثير فيه، 2- رفض الواقع ومناهضته دون أدوات متكافئة، تحرض القوى المضادة على وأده وإنهاء وجوده. 3- خيار تحقيق الممكنات إذا سمحت النظم من خلال المشاركة المحدودة، وتذبذب الشعور النفسي بين الانتماء واللاإنتماء.
فهم الغرب وليس الذوبان فيه: كما فعلت اليابان، قال " يا سومازا كورودا الأستاذ في جامعة هاواي: " اليابان مزجت بين الروح اليابانية والتكنولوجية الغربية، لم نتقمص الغرب، بل فهمناه، لنكسب بأقل قدر من التمزق الاجتماعي" فهو بلد وثني، خزعبلاته تملأ مجلدات، والمرأة اليابانية تعتبر بمقاييس الغربيين، متخلفة اجتماعياً، وهذا هو السر الذي حفظ لليابان خصوصيته ونموذجه الذي اختار التعامل من خلاله، وهذا عكس ما يدعو إليه علمانيي العرب، بأخذ الصفقة الغربية بالجملة، دون تجزئة، والتجربة اليابانية تؤكد خطأ تجربتنا العربية في التعامل مع الغرب وخطورتها، ويشير " منير شفيق" إلى إدراك القادة الغربيين، أن تعاملهم معنا ينبغي أن يقوم على تحطيم مقوماتنا الفكرية العقدية، ليتسنى لهم السيطرة الدائمة، وهذا ما قفزت اليابان عليه وأبقت على خصوصياتها الثقافية، فحصلت على ما تريد بأقل الخسائر.
اهتمام المسلمين ببناء المساجد، أكثر من المستشفيات والمدارس: الصلاة نستطيع أن نؤديها في أي مكان، لكن تنفيذ عملية جراحية واستشفاء، لا بد له من مكان وأدوات مناسبة، وعمل الخير ببناء مستشفى أو مدرسة، أجره اليوم أكثر من أجر بناء مسجد، وإهمال المرافق العامة ناتج عن سوء فهم للإسلام، وكيفية فهم قراءة القرآن، ولقضية عمارة الأرض، كل ما ييسر حياة المسلمين فيه أجر عظيم، أول عمل بدأ به رسول الله والحرب مستعرة، هي الاستفادة من العدو في التعلم، ولو تداعى المهنيون في بلادنا لفتح مراكز تعليمية وورشات عمل، لتغيرت حياتنا الاجتماعية رأساً على عقب.
التعذيب آفة العصر: لا يمكن أن ينال المسلم حقوقه في مجتمع يُقبَل فيه قيام السلطات بتعذيب المساجين، والمعتقلين، لا بالضرب ولا بالكهرباء، ولا بأي وسيلة تحط من كرامته، مع المطالبة بحق الدفاع القانوني عن نفسه، والمحاكمات العادلة.
نحيا عصر الأزمة اليوم: أزمة المجتمع الاستهلاكي المتغرب، الذي أجدبه الحصار الثقافي الغربي، فنزع منه خلق الاكتفاء النفسي، فاتجه في استهلاكه إلى الإدمان الميسر، فلم يشبعه شيء لا مادي ولا معنوي، فأصبحت مرارة حياته هي الأزمة، وتفاعلت أربعة تيارات في مواجهتها: الإسلامي، والليبرالي، والقومي، والماركسي، التيارات الثلاث الأخيرة، عجزت عن تقديم تغيير جوهري جذري لهذه الأزمة، مع أن التحدي الأعظم للمسلم اليوم، هو التحدي الغربي الثقافي والاقتصادي والسياسي، والغرب يريد من المسلم أن يقف منه موقف التلميذ الذي لا يستطيع مجاراة أستاذه في شيء، حاجتنا إلى العدالة الاجتماعية، لا تحوجنا إلى الماركسية، وحاجتنا إلى الحرية لا تحوجنا إلى العلمانية، لأن تراثنا يكفينا للتزود بكل أنواع الطاقة والوقود في معركتنا مع أعدائنا ومشكلاتنا، شرط أن نتحرر من عقدة النقص والخواجة، إذا قرأنا التراث قراءة نقدية استثمارية صادقة.
قضية الإسلام: جزيرة نائية في المحيط الهندي سكانها لا يتعدى مائة ألف نسمة، تعلن استقلالها، وتنال مقعدها في الهيئات الدولية، وتعلن تقرير مصيرها، وترفع علمها، وتحيا كما يقرر أبناؤها في لغتهم ومعتقدهم وثقافتهم، في مقابل أكثر من مليار مسلم، ليس لهم استقلالية أن يعيشوا بدستور من صنعهم، وبثقافة من تراثهم، وتتوقف غالبية مؤسساتهم على موافقة الاستعمار المبطن، للقوانين التي تحكمهم، والثقافة التي تدرسها مدارسهم وجامعاتهم، - حتى أسماء ومصطلحات المراحل التعليمية واختبارات الجامعات والمدارس، ترجمت حرفياً من مؤسسة اليونسكو وبإشرافها – فضلاً عن طريقة إدارة المؤسسات الإعلامية والصناعية والعسكرية، والجماعات الإسلامية تحاول كسر هذا الطوق، من خلال فرع دعوي إسلامي، تنشره بين الناس، لكن ينبغي أن يدرك هؤلاء، أن التنسيق أكثر من ضروري اليوم، لأن القوى الكبرى الغربية المسيطرة اليوم، لا تستغني عن هذا التنسيق فيما بينها، فكيف بنا ونحن أحوج ما نكون إليه، سابقاً ولاحقاً، وهو من صلب ديننا الحنيف.
نحن والعمل السياسي: أهم عوامل سقوط الأمة الإسلامية، تركيز الاهتمام على الأمور النظرية في العقيدة والكلام والشعر والفقه، وإهمال الأمور العملية المتعلقة بالحكم والصناعة وعلوم التسلح، وتركوا ذلك لمن يستخدم القهر والتزوير والمداورة والنفاق، فابتعد الفضلاء عن هذه الأمور فكانت الخسارة على الأمة كبيرة جداً، فإذا كانت الحياة الفطرية هي السائدة في تاريخ أمتنا، بحيث تتحكم الشريعة والأخلاق في الناس، دون تدخل من الدولة، فاليوم الدولة تتدخل في تفاصيل حياتنا البيتية، وحتى تعليم أبنائنا في المدارس على ما يريد أصحاب الشأن، والتأثير علينا من المولد إلى الوفاة، ولهذا لا يصح الاعتزال عن صياغة حياتنا كما نريد، طبقاً لشريعة ربنا سبحانه وتعالى.
الإرشاد الثقافي والحضاري للإسلاميين: كثرت مؤخراً الكتابات الإسلامية الداعية للنهضوية، لكن كثير منها يفتقد المنهجية التحليلية المتماسكة، وتفتقد كذلك الأفق الحضاري العالمي، الداعي إلى حوار الحضارات، كما يطالب المفكر المسلم الفرنسي " رجاء غارودي" لكن لا ينبغي علينا أن نلج هذا الباب من بوابة " اعرف عدوك" أو " لتستبين سبيل المجرمين" بل من باب فهم العصر واستيعاب استثمار منجزاته الإيجابية، وعدم النكوص الرهابي في الخوف من الآخر، فنهدر طاقة استشراف المستقبل لإعادة تجديد الإسلام والدين كما أخبر المصطفى في الحديث المشهور بهذا الخصوص.
الموجة الثالثة: كتب "توفلر" كتابه " صدمة المستقبل" وأتبعه بكتاب "الموجة الثالثة" يقول في: " العالم مر بالمرحلة الأولى الزراعية، وتشكلت علاقات الناس والمجتمعات على معطياتها، ثمر مر بالمرحلة الثانية الصناعية، وتشكل العالم والعلاقات على حسب نتائجها، واليوم يمر العالم بالمرحلة الثالثة ما بعد الصناعة [ الرقمية والمعلوماتية] وهذه أصابت الناس بطاعون العزلة والوحدة والفردية والانطواء، الذي تساعد عليه السيارة، والتلفزيون، والانترنت، مما أدى إلى انتشار الأمراض النفسية والمصحات نتيجة لافتقاد الدور الاجتماعي والأسرة، فاقتنصت الجمعيات السرية المشبوهة هؤلاء الناس، فزادت من مآسيهم، وأن العالم الغربي في طريق سقوط نموذجه الإنساني، ولا نستطيع التكهن بما سيحصل في المستقبل القريب.
ضرورة غرس القناعة العامة بحقوق الإنسان: والتعذيب اليوم في السجون، سرطان الانحطاط الإنساني، كان يحدث مثله نموذجاً للمتعة السادية في مدرجات روما وبيزنطة، واليوم ليس للمتعة، وإنما لإرهاب الناس وتطويعهم للرضوخ والسكوت عن مظالم الفساد والحكام، والسيطرة على الشعوب، وأكد عدد من الحقوقيين، أن تدريس حقوق الإنسان ترسخ المطالبة بها والدفاع عنها، وطنياً وإسلامياً، لقوله تعالى: (قل أمر ربي بالقسط)29/الأعراف.
شعبية التيار الإسلامي: لا ينكرها ذو عينين، لكن هذا لا يعني أنهم خلو من الأخطاء والشوائب، التي هي بحاجة ماسة إلى مدارستها، والعمل على تلافيها عملياً وليس نظرياً فحسب، على أن يستمسكوا بالحرية السياسية من المنظور الإسلامي، وليس الغربي، وعلى العلمانيين العرب أن يدرسوا هذه الظاهرة بانفتاح، وليس عبر مسطرة اليسار العربي، بل عبر مسطرة التاريخ المشرف للجميع في منطقتنا والعالم، بإنصاف وموضوعية لاستثمار هذا التيار في تحقيق الأهداف المشتركة للطرفين، إذا حسنت النوايا، وخلصت الوطنية والانتماء التاريخي والجغرافي.
الميكانيكي والديناميكي: في رمضان تظهر تماما اهتمام عامة الناس والجماهير المسلمة من خلال أسئلتها للعلماء وإجاباتهم، بفروع الدين، والفتاوى الشخصية، والعبادات، بحيث ينبئ أن تصورهم عن الإسلام، أنه مجرد دين، وليس هو منهج عمران وحركة وحياة، بينما هو في أسئلتهم، نظام ميكانيكي: أحكام، وطقوس، ومظاهر، مع غياب شبه تام عن عمق مقاصدها الشرعية (المناط والعلل)، ولو استمر هذا الفهم المحدود له، سيأتي زمن يصاب فيه المسلم بالملل، نتيجة روتين الآليات والمفاهيم، إذا لم يطرأ عليها تجديد الفهم والتطبيق، لتحقيق العدل والترابط الاجتماعي، بالشورى السياسية وإعادة صور التكافل الاقتصادي، والاجتماعي، لتحقيق مشاريع النهوض بالإسلام، لتحقيق النهضة والعمران به، لأنه مشروع كبير لتنظيم الحياة، على ضوء تعاليم القرآن وتوجيهاته، ودور العلماء نقل الناس من الأسئلة الروتينية الميكانيكية، إلى الأسئلة الإبداعية الديناميكية، لعصرنة الإجابات والحلول والمشروع المستقبلي للإسلام.
التحليل الماركسي للتاريخ الإسلامي: عندما شعر الماركسيون بالهوة الكبيرة بينهم وبين الجماهير العربية الإسلامية، بدؤا يكتبوا عن الدين من منظورهم الماركسي، فكتب: (طيب تيزيني) "من التراث إلى الثورة" وكتب د. (عابد الجابري) " نحو رؤية تقدمية" ، وكتب (د. عبد الله العروي) " العرب والفكر التاريخي)، وكتب (د. حسين مروة) " النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" وكلها بتفسير مادي ماركسي للدين.
مع د. حسين مرّوة في كتابه: ومع أساتذته الماركسيين ماركس ولينين، فهم لا يؤمنون بوجود الله، ولا الآخرة، ولا أي غيبية دينية من جنة ونار وملائكة ورسل، وهدفهم الأكبر إشاعة الإلحاد، في أوساط الشباب المسلم، ولهذا هو والماركسيون، لا يؤمنون بالوحي الإلهي، ثم يعتبرون الإسلام مجرد صراع بين من يملك أدوات الانتاج والمال والتجارة والفقراء المحرومين، وكلا الأمرين لا يفسران شيئاً من عظمة الإسلام وقدرته على الخلود والإقناع وتغيير العالم.
إذا أنكر الماركسيون العدالة الأخروية، فإنهم بمنطوق فكرهم، أن العدالة الدنيوية لا تتحقق إلا بالشيوعية، لأن الدولة الاشتراكية هي دولة طبقية يسيطر عليها العمال، والدولة هي شكل من اشكال القهر البرجوازي، لا يتحرر الناس منها، إلا في حال اندثرت الدولة وحلت الشيوعية المشاعية، فيأخذ كلٌ ما يحتاجه، ويقدم كلٌ ما يستطيعه، في هذه الحال لا ظالم ولا مظلوم، ونحن نعلم ان النظرية سقطت وتحللت دولها، قبل الوصول إلى هذا الغرض، فمعنى ذلك ما عابوه على الآخرين، هم منغمسون فيه إلى آذانهم.
من وصم عقيدة الإيمان بالآخرة، أنها لتيسير اضطهاد الجماهير، من القوى الاضطهادية، فإننا نقول ما دليلك على ذلك أولاً، مع اقرارنا بوجود هذا بدرجة ما، ولكن الأحزاب الماركسية في البلاد التي وصلت بها إلى الحكم، ألم تضهد طبقات الجماهير باسم الحزب ودكتاتورية البروليتاريا كذلك، ومارست كل أنواع الاضطهاد الاجتماعي والتعسف السياسي، وقد قتل ستالين في محاكمات (1936-1938) بضعة ملايين من الشعب الروسي، وحتى من رفاقه في الحزب، وما مارسه الحزب الشيوعي العراقي في شوارع بغداد والموصل، من قتل وسحل أيام عبد الكريم قاسم، ومثل ذلك في كل الدول التي استولى الشيوعيون فيها على الحكم.
الإسلام هو التشريع الوحيد الذي شرع كل ما يكفل الفقير والمحتاج، مهما كانت الأحوال والظروف، بحيث يسع مال القادرين غير القادرين، بقوة القانون والقضاء والشرع.
إفراغ الماركسيين العرب الفتوحات الإسلامية من مضامينها الإنسانية: تبعاً لما ذكره المستشرقون الغربيون قبلهم عن هذه الأمور بدافع الحقد الصليبين وليس الإنصاف، وما يدندنوه عن الجزية، غير صحيح، وهي مقدار رمزي جداً عن الفرد القادر لا تتجاوز الدينار أو الدينارين في السنة، مقابل أضعافها مما يجب على المسلم في أمواله من الزكاة.
مالك سيف في كتابيه: يلاحظ الدور الكبير الذي لعبه اليهود في بلادنا في تأسيس الأحزاب الشيوعية وتدريب قادتها العرب، بإشراف (منظمة الأحزاب الشيوعية العالمية) منهم: " حاييم أورباخ سكرتير الحزب الشيوعي الفلسطيني" و " جوزيف روزنثال" المصري مؤسسه في مصر، مع " هنري كورييل" صاحب مكتبة في الزمالك، وتتلمذ عليه "عبد الخالق محجوب" السوداني سكرتير الحزب الشيوعي السوداني، عندما كان يدرس في القاهرة، ومثل ذلك يهود العراق مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي، ولقد وقف هذا بشكل واضح مع تبعيته للاتحاد السوفييتي المؤيد لحق اليهود في فلسطين، ورفض تأييد ثورة الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه، وكان هم الحزب تأييد الاتحاد السوفييتي، في مواقفه ولو عارضت مصلحة العراق والعرب، وأغلب قيادات وعناصر الأحزاب الشيوعية العربية من فئة المثقفين، وليس من فئة العمال، وهذا يبطل الزعم الذي يروج له الحزب فكرياً، فقط مهمته تسويق أفكار بعيدة كل البعد عن ثقافة الأمة وعمالها وفقرائها، كما يزعم.
وكان خالد بكداش رئيس الحزب الشيوعي السوري حريص على عدم ترجمة الكتب الماركسية التي تتضمن الإلحاد، لعدم الاصطدام بالإسلام المتجذر في الشام والأردن ولبنان ومصر، كما كان يعترض على كثرة انضمام اليهود والنصارى للحزب في العراق، لأن هذا يعيق انتشاره.
كيف يفهم الشيوعيون الإسلام: أن ظهوره لأسباب اقتصادية اجتماعية، لا علاقة له بالوحي والنبوة والدين، هذا كلام: "بندلي صليبا جوزي" الشيوعي الفلسطيني، وأن القرآن من وضع محمد وتأليفه، مستشهداً ببعض أقوال المستشرقين، ولهذا ضحك منها شيوعيو العرب ما بعد الاسماعليون والقرامطة، وهذا يبرز مدى سذاجة هؤلاء كعملاء ببغاويون للغرب في منطقتنا العربية.
ولهذا تجدهم يثنون على تمرد البابكية والاسماعيلية والقرامطة في تاريخنا، واعتبارها أول حركات اشتراكية في الإسلام انتشرت في خلافة المعتصم في العراق وإيران وأذربيجان بين الفلاحين، (833-842م) مع أن غرضهم كان هدم الإسلام للعودة إلى الديانة الوثنية الزرداشتية، - كزواج الأخت من أخته – وشرب الخمر – والتحلل من العبادات، مع أن زعيمهم السري – الإمام- أخذ مقام فوق النبوة لديهم، وأعلن غرضه، هدم الإسلام وشرائعه، وأن هذه الشرائع هي تصلح للعميان والحمير في زعمه، وأن أتباعه لا حاجة لهم بها، وساهموا في وضع رسائل " إخوان الصفا " وهم من ساهم في نشر الفلسفة الإلحادية، والتصوف المنحرف.
ويمدح بندلي صليبا الماركسي أبو طاهر الجنابي الذي احتل مكة وقتل الحجيج، ووقوفه على باب الكعبة قائلاً: أنا بالله وبالله أنا .......................يخلق الخلق وأفنيهم أنا ص: 182.
من كتابه (تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام) فكانت دولته أول جمهورية شيوعية في البحرين، في القرن الرابع الهجري، والعاشر الميلادي، وشبه حكمهم في البحرين بحكم الجمهورية الروسية البلشفية، وانهم حققوا العدالة الاجتماعية ولم يبق فقير في البلاد، ثم خرج عليهم السكان والعامة سنة 998م وأخذوا يقتلون بهؤلاء القرامطة، - لو كان كما يزعم هناك عدالة منهم – لما قتلوا فيهم.
التكتيك الشيوعي تجاه الإسلام: 1- يقوم على مقولة ماركس وإنجلز " أن الدين أفيون الشعوب" وأنه زفرة المظلومين نتيجة الإحباط والجهل والفقر، ولما وصل لينين إلى الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، وجد عدد كبير من المسلمين من رعاياه، وحتى لا يدخل في صراع مباشر معهم، طلب من عدد من المفكرين الملمين بالتاريخ الإسلامي، دراسته لتنقيح ما يتعارض مع الاشتراكية والماركسية بزعمه، حتى يتسنى له القضاء عليه بالتدريج، واعتبر ذلك تدبير مؤقت.
2- كما ذكر في مجلة كومونيست الروسية عددها لأول يناير 1964م، وحذرت المجلة من القول بأن الإسلام دين الاشتراكية، لأننا لا نقبل ذلك إلا بتحطيم كل قاعدة يمكن بها بعث التضامن الإسلامي، لأن ذلك تحدي للاشتراكية، واسسوا مجلة خاصة بعنوان: " العلم والدين" وتحذر المجلة من الإسلام خاصة، لما له من مقدرة عجيبة على التطور والصمود، بدليل بقائه هذا الزمن المتطاول، وان رجالاته وأتباعه يتمتعون بنشاط وقناعة وجدانية عميقة تعادل أو تفوق قناعتنا الاشتراكية، وأن السبيل إلى ذلك ليس تحطيم المعابد بالفؤوس، بل تحطيم ما في الضمير بالإلحاد، والعلم المادي، وليس من الضروري الاستهزاء من قصص القرآن والإنجيل، وإنما نعيد تفسيرها بقوالب اشتراكية، فإذا قلنا أن يسوع ثائر يطلب حق الفقراء، بمثل هذا نقول عن محمد وغيره.
3- عملاً بتوصية لينين في مؤتمر باكو 1922م شرع خبراؤهم في تفسير الإسلام على أنه ثورة على قطاع الطرق لحماية تجارة قريش ومن بينها تجارة محمد وقبيلته، " دبروليوبسكي" صحيفة " نوفي فو ستوك" كصراع بين الحضر والبدو، ولاحظ الحزب الشيوعي، أن هذا التفسير سيستفز المسلمين في الاتحاد السوفييتي، فأصدر أمراً بعدم تبني هذا التفسير رسمياً، فخرج " مورزوف 1946 بنظرية أن محمداً ص شخصية وهمية، والقرآن ظهر بعده في القرن 11م فتحرك الحزب ثانية وأوقف هذا التفسير خوفاً من ردة فعل المسلمين، - وكانوا حوالي أربعين مليوناً – وتبنوا بعدها نظرية " تولستوف" أن الإسلام مرحلة من مراحل الصراع الطبقي لإنصاف الطبقة الكادحة، وأن الحاجة إلى الاستعاضة عنه بالفكر الوضعي اللاديني. ص97.
4- وصية لينين كانت لتهيئة الأرضية بين المسلمين للتغلغل الشيوعي، وعدم الاصطدام مع عقائد المسلمين، من خلال ما سماه " الوعي المادي" ليحل مكان " الوعي الروحي" بالتركيز على المنجزات الصناعية والزراعية والعسكرية والعلمية، بالدعاية والإعلان، بحيث تمدح إنجازاتهم ولو لم يكن ثمة إنجاز، ونحن كمسلمين لا نرفض الإنجازات المادية، ولكن نحققها من خلال التصور الإسلامي للحياة السوية المتوازنة، لا كما تفعل الشيوعية.
5- تلقفت المجموعات العربية الشيوعية فكرة لينين لتنقيح الدين لتطبقها على الإسلام، وأمثلها في ذلك ما قامت به " أمانة الدعوة والفكر الاشتراكي في الحزب الوحيد المرخص (الاتحاد الاشتراكي) المصري، وأصدروا " الملحق الديني " لجريدة الجمهورية، في الستينات، من خلال الخطة التالية: أ- احتكروا تفسير الإسلام بالتركيز على عبارة " الدين الصحيح" آلاف المرات، لإيهام الناس أن الفهم المناسب للدين هو التفسير الاشتراكي. ب- الربط بين كلمة الدين والثورة، وهذا ما كان يؤكده الكاتب: عبد الحميد الدواخلي – وجمال الدين الرمادي – ومصطفى بهجت، وأن الثورة قام بها الضباط الأحرار، وهذا هو لب الدين، وأن على الأمة أن ترجع إلى دينها من خلال الالتفاف حول الضباط الأحرار الثوريون بحق، وأنهم هم علماء الأمة الذين فهموا الإسلام بحق، فإنشئ مكتب للشؤون الدينية في الاتحاد الاشتراكي، لربط العلماء بالحزب ومن ثم بالجماهير من خلاله، وكان المسؤول عن ذلك الماركسي الشيوعي " كمال الدين رفعت".
6- سيطر الشيوعيون في مصر على" أمانة الدعوة والفكر" في الاتحاد الاشتراكي –الستينات- لأن المؤسسات الإسلامية من أوقاف ومدارس وجامعات ومساجد تتبع لها، ورئيسها الشيوعي الماركسي "كمال رفعت" ورفاقه وضعوا خطة توظيف الدين نحو الاشتراكية، فقال أحد كبار مسؤولي الأوقاف في الملحق الديني لجريدة الجمهورية 15/7/1966م: " وزارة الأوقاف جامعة مهمتها التطبيق الاشتراكي السليم، وأن رسالة الوزارة ومهمتها اشتراكية بحتة، لتعميق جذور الاشتراكية في مجتمعنا العربي، ليقوم المسجد ببناء الفرد الصالح ليشارك ببناء النهضة الثورية التقدمية الجديدة" وعملت أمانة الدعوة على وضع إدارات للمساجد من بينهم عدد كبير من الشيوعيين لتحقيق هذا الغرض، والغرض النهائي البعيد نشر الإلحاد، وهدم الإسلام.
7- صرح د. محمد وصفي في الملحق الديني لجريدة الجمهورية، بأنه تقرر عقد اجتماعات دورية اسبوعية للعلماء وأئمة المساجد بمكتبه لتمكينهم من التفاعل الثوري مع الاتحاد الاشتراكي، ولهذا كان يطلب من كل واحد منهم أن يحمل كتاب الله في يد، والميثاق الثوري الاشتراكي في يد أخرى، وأعدوا دورات تثقيفية في النظم والمبادئ الاشتراكية للوعاظ، وفرزوا من خلالها المتحمس لها من المعرض، فقربوا الأول وأبعدوا الثاني في الوظائف، وعملوا دورات في الإذاعة المصرية بنفس الموضوعات، وحرضوا علماء الأزهر على للانتساب إلى المعهد العالي للدراسات الاشتراكية، بغرض تطوير وتبديل الدين لخدمة الاشتراكية والماركسية والإلحاد، وزودوا المساجد بكتب لنشر الاشتراكية.
8- أدرك الشيوعيون أهمية وثقل الأزهر في حياة المصريين، على مدى التاريخ، فتصدى لهم الإسلاميون فيه، إلى أن جاءت مرحلة الستينات فتحقق لهم الاختراق فيه من خلال إدخال التخصصات غير الشرعية، فمكن لهم من إدخال الدراسات الماركسية في فرع أصول الدين، باسم التحويل الاشتراكي للأزهر، حتى بدأ شيخ الأزهر يتكلم عن فيتنام ويستنكرها، ولا يتكلم عن حرب اليمن، ولا عن حرب قبرص ضد المسلمين، ولا عن مسلمي كشمير، وكان قلبه مع بوذيي فيتنام، وليس مع مسلمي اليمن وقبرص وكشمير، وذلك بتحالف الشيوعيين مع الحكم المصري.
9- من خلال التزام الشيوعيين بتفسير كل من: " تولستوف و تومار" للإسلام على أنه صراع طبقي، بين الأغنياء والفقراء، ظهر جلياً في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، عثمان ومروان بن الحكم وابن عون ومعاوية حزب اليمين، ويمثل علي، وأبو ذر، وعمار وابن مسعود حزب اليسار، لاختلافهم حول (المال العام والملكية الفردية) واعتبروا الفتنة ثورة اليسار على اليمين، ولهذا أخذوا التركيز على هذه الفكرة اليوم لإنشاء تيار أسموه اليسار الإسلامي، بعد أن فشلوا في احتواء الفكر الإسلامي لدى الشعوب العربية والإسلامية.
10- كتب خالد محي الدين الماركسي المصري في مجلة روز اليوسف عدد1 فبراير 1975م : " هل يتعارض إيمان المسلم بالله، إذا اقتنع بصحة بعض الاكتشافات الماركسية، لتطوير مجتمعه، لتحقيق الكفاءة والعدالة " ويقرر إمكانية المزج بين الإسلام والماركسية لتحقيق هذا الغرض النبيل، في حق الإنسان بالعمل، وحقه في عائد عمله، دون أن يستغله أحد، لأن الإنسان أثمن ما في الوجود" متجاهلاً هذا الماركسي، الاختلافات الكبيرة بين شريعة السماء وتجارب البلهاء، وأن من حقنا رفض إيديولوجيتهم المادية السخيفة، كما هم رفضوا ديننا الحنيف، ألسنا بشراً من أثمن ما في الوجود على زعمهم، أتكون الحرية لهم، والعبودية الفكرية لنا حسب زعمهم؟!!
والأمر الثاني: أن العدالة الاجتماعية في الإسلام، تختلف مع الماركسية في: المنطلقات، والوسائل، والأهداف، نحن نريد سلطة تطبيق شريعة الله من الكتاب والسنة، وهم يريدون إقامة سلطة العمال والقضاء على الطبقات الأخرى، ونحن نرى إنسانيتهم المتوحشة في قتل المسلمين في كل البلاد التي حكمتها الشيوعية، فهل ينطلي علينا خداعهم، ونحن نراه ونسمعه ونعيشه.
التكتيك الإسلامي المضاد:
أولاً- بينت من خلال عشرة أعداد من مجلة المجتمع، تكتيكات الشيوعية من ماركس ولينين إلى أعمدة مؤسسي الأحزاب الشيوعية في عالمنا العربي، وتبين لنا ما يلي:
1- أن الإسلام كان ولا يزال العقبة الكبرى أمام الشيوعية العالمية، وأنه المرشح الوحيد فكرياً وجماهيرياً لمواجهة ودحض مخططاتها في عالمنا العربي والإسلامي، وأن كل الأحزاب التي تنتمي إليها، تكفر بالإسلام عقيدة وشريعة، وأنها لم تيأس من مواجهة ومحاربة الإسلام إلى يومنا هذا على رغم كل هزائمها المتكررة، وأن مشروعها لا زال يلقى الدعم من أعداء الإسلام شرقاً وغرباً.
2- إن الحركة الشيوعية منذ لينين إلى يومنا هذا وظفت طاقات ومجلات ومفكرين، بشكل كبير جداً لتفريغ الإسلام من محتواه، ولم تحقق شيئاً ذا بال إلى يومنا هذا، وشباب العالم الإسلامي وجماهيره لا زالوا متمسكين بإسلامهم، ولهذا تحولت الأحزاب الشيوعية لنشر فكرها بين الأقليات، كالأرمن والنصارى واليهود والآشوريين وغيرهم، بالإضافة إلى مرونتهم في التعامل مع الإسلام، من النفي الكلي، إلى محاولة الاختراق ببعض مفاهيم التكافل الاجتماعي والعدالة الاقتصادية.
ثانياً- التكتيك الإسلامي المضاد:
1- قبل أن نبين موقف الإسلام من الشيوعية، كعمل تكتيكي لصدها، ينبغي الاعتراف بغياب " نظرية متكاملة" إسلامية في العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا بسبب إهمال التنظير الفكري المعاصر لتأصيل العقائد والشرائع والاجتهادات، لأن أغلب الخطاب الإسلامي يتناول نظام القيم، خلال الخمسين سنة الماضية، مع أن حاجتنا الملحة اليوم تحديد نظام المفاهيم بشكل علمي وموضوعي، لأن الإسلام دين متكامل هدفه تغيير الحياة الاجتماعية نحو عبادة الله وتطبيق شريعته، وهذا يحتاج اليوم – مع التطور العلمي والمعرفي عالمياً – أن يقوم مجموعة علماء وكفاءات لصياغة النظرية الإسلامية لتوضيح الرؤية الإسلامية في جميع جوانب الحياة، لأن ضباب الرؤية يؤدي إلى تصادم المشتغلون بالعمل الإسلامي وهدر طاقات ودماء وأرواح من غير مردود يذكر يعود على إعلاء كلمة الله بالخير والتقدم خطوة خطوة.
2- الثغرة الثانية: غياب ظاهرة الحوار ضمن إطارات العمل الإسلامي، ومع من هم خارجه كذلك، لأن الكتب والبحوث الكثيرة التي كتبت عن الشورى الإسلامية، لا تؤتي ثمارها دون الحوار مع الداخل الإسلامي، والخارج غير الإسلامي، ولقد سارعت كل الحركات العالمية فيما بينها عبر المؤتمرات العالمية لهذه المسألة، لعرض ما لديهم، والتعرف على ما عند الآخرين، كفكر إنساني عالمي، ونحن أحوج لعرض بضاعتنا على الآخرين ومعرفة طريقة تفكيرهم.
3- غياب ظاهرة النقد الذاتي والتقويم الموضوعي والعلمي للأداء الإسلامي في كافة المجالات، ويكاد أن لا يوجد كتاب واحد في هذا الموضوع لأي حركة إسلامية، مع ان الحركات العلمانية وغير الدينية وظفت جهود نقدية كبيرة لفكرها وكفاحها، مما نقل دعاة الإسلام من وعاظ إلى حالة التقديس، وهي معارضة تماماً للمفاهيم الإسلامية، وخاصة أن القرآن علمنا من ذلك الشيء الكثير ولم نطبقه على دعوتنا المباركة، وإذا أردنا أن نتصدى للتيار الشيوعي والعلماني، علينا أن نتصدى لهذه الثغرات في أدائنا الدعوي ( للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بمعروف.
4- وكذلك التخلص من الرهاب الثقافي: الذي هو الخوف من الآخر والجديد في عالم الحضارة، لأنه يحول دون أن نشعر من فهم العالم واستيعابه، فيتحول الإسلام بهذا الخوف من البرنامج الديناميكي الحيوي، إلى البرنامج الميكانيكي الرتيب، وهذا يدفع بالشباب إلى الرغبة في النكوص والانكفاء على الذات، دون التخطيط والعمل لمستقبل الإسلام، نتيجة تراكمات طويلة من التخلف والاضطهاد، ولهذا لا بد من الخروج من هذه العزلة، إلى الاحتكاك بالناس، ومن يقرأ أدبيات الشيوعية يدرك كم بذلوا من جهود في سبيل اختراق الجماهير والسيطرة والتأثير عليها، مع أن هذا من صلب ديننا، " من يخالط الناس ويتحمل أذاهم، خير ممن لا يخالط الناس، ولا يتحمل أذاهم" والتجاوب مع مصالح الجماهير ومطالبهم، يغني عن مئات المجلدات والخطب الرنانة الوعظية فحسب، لئلا يتحول المسلمون إلى الانعزال في جزر مقطوعة عن حياة الناس وعصرهم، لأن حادثة أهل الكهف فردية وليست مبرراً لتحويل الشعب كله إلى حياة أهل الكهف، وكذلك ثقافة المسلم المعاصر ماضوية فحسب منبتة عن ثقافة العصر، تعجز عن مواجهة العالم بثقافة يفهمها الآخرون، لكن من منظورنا الإسلامي، ولهذا نجد ثقافة جميع الأنبياء كانت تفاعلية مع ثقافة أقوامهم.
5- المسلم مثقل بالأهداف الكبيرة التي يريد تحقيقها في أسرته، ومجتمعه، وسياسة بلده، لكنه قلما ينجح فيما بعد أسرته، إن نجح فيها بسبب كثرة الضغوط عليه وعلى الناس، في طريق الذوبان مع التيار، لكنه إما أن يستمر بإيجابية من خلال تغيير وسائله، أو أن ينكفئ بسلبية وينسحب، أو يتحول إلى العدوانية على المجتمع أو الانفصام عنه، أو الركون إلى التبريرات التآمرية من قبل كل العالم على الإسلام فنستسلم، ونظرية المؤامرة لا تقدم ولا تؤخر، إذا استطعنا إثبات وجودنا على أرض الواقع بالكفاءة المطلوبة.
6- معظم الثغرات في العمل الإسلامي نابعة من التخلف الثقافي الفكري، لأن ضبابية الفكر وعدم وضوح الرؤية الآنية، ينعكس سلباً على الأداء الذي يهدر الطاقات الهائلة في معارك جانبية في غير ساحة الصراع مع الأعداء والمناوئين، ومن يظن أن الثقافة العقائدية وحدها تحصن المسلم، دون وجود ثقافة موضوعية واهم، لأنه سوف يحاصر نفسه بنفسه، وهذا انهزام بحد ذاته، حتى تنفرد به وسائل الاتصال الأخرى فتقتنص الروح الحيوية ثم العقائدية بشكل ناهم بهدوء وتدرج، له أو لأسرته فرداً فرداً، ويصبح الشارع يتحكم به الآخرون الذين فهموا اللعبة وأركانها، من خلال الانفتاح الثقافي، فيصبح المسلم جندي من جنود الآخرين بحكم السيطرة الموضوعية للمقتحم على المنكفئ، شاء أم أبى.
7- تيار في خدمة الناس: تفيد الدراسات في علم الاجتماع، أن الجمهور لا يتحمس لمساندة تيار إلا بشرطين: الأول: أن يفهم مقاصد الدعوة وأهدافها، والثاني: أن يجد لديها حلاً لمشكلاته الحقيقية، وتخفيف معاناته، وهذه مهمة الدعاة مساعدة الجماهير من خلال تحريك المجتمع، على حل مشكلاتهم، وهذا ضروري لتفهيم الجماهير بشكل لطيف وغير معقد أهداف الدعاة، التي تستوعب كل الجماهير، وإفهامه أنه تيار خرج من رحم الأمة الإسلامية، وليس مستورداً، وأنه في خدمة الناس، فإذا لمست الجماهير صدق الدعوة والتنفيذ، فإن دعاية أعدائهم الشيوعيون والعلمانيون ترتد إلى نحورهم، وينبغي أن تكون القضايا المطروحة واضحة ومعاصرة، وتحاشي الخلافات الماضوية والفقهية، لأن إصلاح الحاضر والمستقبل لا يقوم على ما مضى من خلافات، لأن الحاضر مشكلاته مختلفة عن مشكلات الماضي بشكل كبير جداً، من مثل الحديث عن: التموين – والمواصلات – والمدارس – والمستشفيات – والفقر – لأنها مفاتيح دخول قلوب العامة والجماهير، والتأثير فيهم.
8- تطوير الطرح الإسلامي: يموت سنوياً ما لا يقل عن خمسين مليون نسمة جراء الجوع والجفاف والأمراض، غالبيتهم من المسلمين، (منظمة الفاو)، ويولد مئات الملايين من الأطفال في أفريقيا وآسيا، سنوياً، دون أن يكون لهم أمل في مدرسة، أو رعاية صحية، أو طعام مناسب، والدول الكبرى الصناعية تصنع من السلاح سنوياً ما يعادل قيمته (450 مليار دولار) ويتربص بنا العالم الليبرالي (الأوربي الأمريكي) و (الروسي والصيني والهندوكي) باتجاه العالم النامي وغالبه (إسلامي)، والجميع يروننا سوقاً استهلاكية لبضائعهم، ومواد الخام التي لدينا، ولهذا يمولون الحروب المحلية لاستنزافنا، وإبقائنا على ما نحن عليه، وهناك جيوش من الباحثين لدى الغرب والشرق لتحقيق هذه المهمة في ديارنا وعقولنا، ولهذا لا ينبغي أن نبقى في خطابنا الإسلامي على منهج الوعظ القيمي والأخلاقي والعقائدي المذهبي، لأن تأثير الأخلاق على السجين المحاصر محدودة، ومن هنا ينبغي أن نأخذ العبرة من الحربين العالميتين، فنجدد خطابنا لتحديد هويتنا أولاً، ومنهجيتنا ثانياً، وأساليبنا ثالثاً، بحيث يستوعب آمال الجماهير الإسلامية في الاستقلال الحقيقي، وتحقيق الحياة الكريمة لشعوبنا المسلمة، من خلال فهم الطروحات التي يحتاج المسلم إيضاحها حتى يتفاعل معها بفاعلية وقناعة تامة، بدل اجترار صراعات مذهبية لا نهاية لها، قبل قليل كنت مع فيديو شيخ ينتقد ويضلل سلطان العلماء العز بن عبد السلام، وأنت الآن تهاجم شيوخ آخرين خدموا الإسلام اجتهاداً خاطئاً أو مصيباً، فلهم أجر أو أجرين، ولكن البقاء على هذا المنوال، يحطم قلوبنا التي بحاجة إلى مشاريع دعوية تجمع وتحقق المقاصد الشرعية، والمطالب الشعبية، لأمة منهكة من التخلف والخلاف.
9- لماذا يثور الناس؟ عنوان كتاب د. تيد روبرت غور في جامعة برنستون، 1970م وهو دراسة عن ظاهرة العنف السياسي، الفصل الأول: يبين قابلية الناس موجودة للعنف السياسي، والفصل2 أن الحرمان النسبي باعث له، والفصل3 يبين حدوده، والفصل4 الجذور الاجتماعية للحرمان، والفصل5 محددات العنف، والفصل6 آفاقه السياسية، الفصل7 إيديولوجية العنف، الفصل8 ميزان ضغط وكبح العنف، الفصل9 معالجة العنف، الفصل10 أنسقة العنف.
10- لماذا يثور الناس؟: بسبب فشل الأنظمة الاجتماعية المعاصرة في تلبية حاجات المجتمعات الأدبية والمادية، ويدعو غور إلى دراسة موضوعية لمسببات ودوافع العنف، بأقيسة رقمية، وأن طموحات ورغبات الناس المشروعة والممكنة إذا حرموا منها وكبتوا عنها، وأهمها حرمانه من العمل الشريف، والكسب الشريف، والدور الاجتماعي الشريف، ويقول: يتم علاجه بالارتقاء إلى تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص والبعد عن التظالم، والمجتمع المليء بالتظالم هو بيئة باعثة على ظاهرة العنف، ويزيدها الشعور باليأس والجهل.
ثالثاً- بين ما هو سياسي وما هو ديني:
1- ليس هناك فصل تام بين جوانب الحياة الإنسانية: بل التداخل بيت هذه الجوانب وتأثيرها في بعضها كبير، وروعة الحياة في تشابك جوانبها تلك، وهذا ما قرره وأدركه قديماً أفلاطون، في العلاقات المتبادلة بين شرائح المجتمع ومنافعها، ونظرة المتدين الخاصة بالعالم الأخروي فقط، فهم قاصر لا ينطبق على الإسلام، وهذا ما أدركه الصحابة، فأبدع كلٌ في مجال خدم به المجالات الحياتية الأخرى، التاجر عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، والسياسي المحنك، كعمرو بن العاص والفاروق عمر، والزاهد الفقيه كعلي بن أبي طالب، ومصعب بن عمير، والسفراء المحنكون والكتبة، وكلهم تخرجوا من مدرسة واحدة، مدرسة النبوة، ولم يحجروا على الإسلام في مسجد، أو كتَّاب.
2- التغريب مدخل مناسب للقضية الإسلامية: العدوان على شخصيتنا التاريخية الإسلامية اليوم بفعل الاستعمار الغربي شملت جميع الجوانب الحياتية لأمتنا، ومن يظن أن قضيتنا الإسلامية واضحة كالشمس في رابعة النهار، واهم لأن شمسنا تحجبها غيوم ورياح وغبار تكاد تطمس حقنا في هذه الشمس المغيبة، بحيث نحتاج إلى محام بارع لبيان أحقيتنا في إسلامنا ومنافعه، فإذا كان المحامي فاشلاً أو غير متحمس للدفاع عنه بذكاء وكياسة، فقضيتنا ستكون خاسرة في الميزان السنني الكوني، وهذه تحتاج إلى عمليتي رفع الحجر عن أسلمة مجتمعاتنا، وإزالة العدوان عن أوطاننا، سياسياً، واقتصادياً، وتعليمياً، وعسكرياً، وإعلامياً، ليتم بذلك البناء السليم للحقوق المسلوبة، كل أنواع الحقوق، من خلال هدم النموذج الغربي في عقول أبنائنا، وفسح المجال لنموذجنا الإسلامي، مثال: الحجاب لا يعد مسألة فقهية محدودة (بالفقه القديم) بل يطرح ضمن مفهومنا الكامل عن المرأة المسلمة وحقوقها كاملة، وأحدها الحجاب، في مقابل تعرية النموذج الغربي التسويقي الاستهلاكي للمرأة، وما يجره عليها من مظاهر الظلم والهوان والاحتقار، وقس على ذلك طرح القضايا التغريبية الأخرى بنفس المنوال، للتحرر من الهيمنة الغربية الاستعمارية.
3- ظاهرة التمييز ضد المرأة: في الصين عمل المرأة يتجاوز 60% في بعض القطاعات، و%36 في قطاعات أخرى، ولا يوجد وزيرة أو نائبة وزير أكثر من 11 امرأة في مقابل 200 وزير في الحكومة الصينية، وهذا التمييز ضد المرأة ظاهرة عالمية في كل دول العالم، المتقدم والمتخلف على حد سواء، مع فروق في نوع ودرجة هذا التمييز، ولا علاقة لهذا في بلادنا بموروثات القيم العربية أو الإسلامية.
4-دور المرأة رؤية إسلامية: أن لا تقع في خطأ مفهوم (رجال ضد النساء)، وهذا ما تطرحه المتغربات، كنوال السعداوي وأمثالها، وتزعم أن أحكام الإسلام تظلم المرأة، مع أن الطرح السليم، هو العمل على التكامل بين المرأة والرجل في التحرر والتنمية والمشاركة، لأن منهجها يصدم المرأة والرجل والمجتمع، فتصبح الأنثى ضد الأنوثة، وهذا ليس لصالح المجتمع ولا المرأة.
5-هل التعليم وحده كافٍ ليحل قضية المرأة؟ التعليم الذي يحل إشكاليات الحياة، هو التعليم من منظور إسلامي، بينما تعليم اليوم غربي في مدخلاته ومخرجاته، يركز على الفردية والمنفعية الذاتية، ولا يخدم النهوض الحقيقي للمرأة، والتركيز على الابتعاث إلى أمريكا فقط، لا يخدم المنطقة العربية، ويكرس التبعية للنموذج الأحادي الأمريكي.
6- دور المرأة الفاعل لا ينحصر خارج البيت: ومن خطأ الإحصائيات العربية في القوى العاملة، استثناء ربة البيت التي تقوم بدور فاعل هائل في تربية الابناء ونجاح الزوج، ثم لا يحسب عملها شيء، أمام من يعتبر راقصة من القوى العاملة في المجتمع، لأن العائد الاجتماعي للأم عائد إيجابي، بينما عائد الراقصة الاجتماعي سلبي، بالمقياس الشرعي، والسبب اتباعنا النموذج الغربي في المقاييس والاعتبار، مع أنه لا يحقق للإنسان متطلبات الفطرة السوية.
7- اتجاهات جديدة لعمل المرأة الغربية: بدأ في أمريكا بعد أن انخرطت ما نسبته 55% من النساء في العمل خرج البيت لأكثر من 100سنة، واليوم بدأ التراجع عنه من كبريات دعاة تحرر المرأة، والرجوع إلى العمل المنزلي، كربة بيت سعيدة، مثال: (ديبورا فالوز) تنازلت عن مديرة جامعة، لتكون مديرة منزل، في كتابها " عمل أم" لخدمة زوجها وأطفالها الأربعة، ونفسها، والثانية: (سيلفيا هوليت) في كتابها " أسطورة تحرير النساء في أمريكا" والثالثة: (باتريشيا ماكبروم) في كتابها " الجنس الثلث" تقول: عمل المرأة أفرز جنساً ثالثاً، شكله الخارجي امرأة، وتكوينها وتصرفاتها ومزاجها أصبح عدوانياً وشبيه بالذكور والذكورية، فهل المرأة العربية تجرؤ على طرح مثل هذه الأمور، التي تهم المرأة والرجل والمجتمع العربي.
8- تقييم تجربة المرأة الكويتية: التصرف الطبيعي الحكيم هو أن يراجع الإنسان تصرفاته وأفكاره بين مرحلة وأخرى من عمره، وما ينطبق على الفرد ينطبق على الجماعة والمجتمع، لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها هو أحق بها، ولقد كان من أثر ظهور البترول في بلدنا وكثرة الوافدين الأجانب (الأوربيون) وبعض المبتعثات للدراسة في الغرب، أن رجعن وهن يحملن فكراً مناهضاً للتراث، وخاصة الإسلامي، فقمن بمظاهرة في الخمسينات خلعن العباءات وحرقن الحجاب، وظنن أن هذا هو التحرر الصحيح، [ لكن بعد خمسين سنة من هذه التحولات، وخروج المرأة إلى العمل، ما أثر ذلك على أبنائهن وبناتهن وازواجهن، وأنفسهن، وهن يرون أن قدواتهن الغربيات رجعن إلى بيوتهن، وكفرن بهذه الحرية التي خسرن بها أزواجهن وأولادهن وأنفسهن] وأصبحت الخادمة هي الأم الحقيقية في البيت لدى الأبناء، فهل المرأة العربية أو الكويتية قادرة على مواجهة آثار التنازل عن دور أمومتها وتغيير سلوكها وطريقة حياتها بما يصحح الأوضاع النشاز في حياتها وحياتنا؟
9- ما كو مهر بس هالشهر والقاضي نذبه بالنهر: هذه الهتافات التي هتفت بها مظاهرة نسائية شيوعية في شوارع الرشيد ببغداد، بعد سيطرة الحزب الشيوعي على الحكم في العراق، ولا نحتاج إلى ذكاء خارق لمعرفة المراد من الشعار الذي رددنه النساء الشيوعيات، ( وهو أن من أراد الزواج أو النكاح فلا حاجة إلى قاضي وشهود وإجراءات، وعقد) كل شيء ببلاش، وهذا ما صرح به البيان الشيوعي 1848م ومختارات ماركس وانجلز طبعة موسكو 1970م " بأن المرأة الزوجة هي قن دائم كعاملة (بروليتاريا) ، من قبل الرجل الزوج (البرجوازي) ولا فرق بين العاهرة بالتقسيط والمياومة، وبين الزوجة العاهرة بالجملة على التأبيد، ولهذا الشيوعية تحرر المرأة لتكون كما تريد ليس مع رجل واحد، وإنما مع من تشاء في أي وقت تشاء، والرجل له ذلك، والأبناء تربيهم الدولة والمجتمع المشاعي الاشتراكي كما كان في الحياة البدائية.
10- الغلو والتطرف الشيوعي مع المرأة: كتب أوغست بيبل (1840-1913م) شيوعي ألماني، اعتبره لينين من الرواد، يقول: " كما أنه لا أحد يتدخل في طعامي وشرابي ولباسي، فإن مضاجعتي لأي امرأة لا يحق لأحد التدخل فيه، لأنه شأن خاص.
11- فشل مقولة الشيوعية حول المرأة: أصدر الحزب الشيوعي عام 1917م قراراً بعدم اعتراف الدولة بعقد الزواج في الكنيسة والمسجد (وكان عدد المسلمين يومها لا يقل عن 40 مليون مسلم)، فظهرت نتائج مدمرة على مستوى المجتمع مثل جرائم الأحداث، والعزوف عن الإنجاب، - لو استمر سيؤدي إلى الانقراض – وكثرة الإجهاض، وقل الزواج، فتدخلت الدولة ووضعت شروطاً للطلاق أشبه بالطلاق الكاثوليكي، وأصدرت قوانين عام 1936م مخالفة للنظرية الشيوعية، مثل مسؤولية الأسرة عن احتياجاتها، وعدل عام 1944م بلزوم تدوين العلاقة الزوجية في جواز السفر، وعللت ذلك بالقول: " بات ملحاً إعطاء احتفال الزواج هيبته المعنوية" وهذا يعتبر ردة عن التفسير المادي للعلاقات الإنسانية، التي كانت تعتبرها علاقات اقتصادية.
12- المشروع الإسلامي للمرأة: من وحي الكتاب والسنة وصدر الإسلام، أن المرأة كائن مستقل كالرجل، وليس تابعاً لأحد، وتعطي البيعة على الإسلام كما يعطيها الرجل، في النص القرآني: (...فبايعهن واستغفر لهن الله...)12/الممتحنة، ولهذا أسلمت فاطمة بنت الخطاب، وأخوها عمر كان كافراً، وأسلمت حبيبة بنت أبي سفيان، وأبوها كان كافراً، وأسلمت زينب بنت محمد، وزوجها أبو العاص بن الربيع كان كافراً، وأول شهيدة في الإسلام سمية بنت الخياط، قتلها أبو جهل، والفروض الركنية يتساوى التكليف بها بين الرجل والمرأة على السواء، وذكر ابن حجر: " للمرأة أهلية مثل ما للرجل، فلها أن تخطب الرجال مشافهة وكتابة، ومن ذلك ما كتبته أمامة بنت أبي العاص، وأرسلته إلى المغيرة بن نوفل: " إن كان لك بنا حاجة فأقبل" (الإصابة لابن حجر)، وفي البداية والنهاية لابن كثير: " ثم نهض عبد الرحمن بن عوف يستشير الناس فيهما – أي عثمان وعلي – مثنى وفرادى ومجتمعين سراً وجهراً، حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن"
13-عدم الخلط بين الإسلام والتقاليد في شأن المرأة: لأن المرأة في صدر الإسلام تحررت من التقاليد التي تتعارض مع استقلاليتها كإنسان حر مكلف، فاصبح لها تصرفها المستقل ورأيها المستقل، ضمن الضوابط التي تحكم الرجل والمرأة على السواء، ولما بدأت حرية المسلم تخضع للضغوط، باسم طاعة الحاكم، أصبحت حرية المرأة تخضع للضغوط باسم احترام التقاليد، وينبغي أن لا نخاف من إرجاع الأمور إلى نصابها، بحجة الخوف من الانحلال الغربي وتقليده، فذاك شأن، ولنا في تحرير المرأة المسلمة، من مخاوفها - لتكون أكثر فاعلية في نهضة الأمة على نهج قرآنها – شأن آخر.
14- ما يكتب ويقال عن التيار الإسلامي: في مراكز البحوث والصحافة العالمية شيء كثير، ومن منطلقات بحثية أو عدائية، ونحن لا نقرؤه، ولا نطلع عليه، لنستفيد منه، أو نحذر، أو نشارك.
15- المسألة الثقافية عند المسلم المعاصر: لا تعني مجرد الانتماء للدين، وإنما هي معرفة فلسفة الدين في كل مسألة معاصرة، وهذه تشكل نظرية إسلامية معاصرة تجاه موضوع معين، ليكون له القدرة على تحليل الأوضاع والأحداث المعاصرة المرتبطة به، على أن لا يكون لديه رهاب ثقافي من الضغوطات الممارسة ضده في ظروف معينة، وبعضٌ منها يحتاج إلى جهود جماعية تشاركية وتخصصية، لانتشال المسلم المعاصر من حيرته الناجمة عن تشابك خيوط ووسائل الهجوم الجماعي على الإسلام وقيمه.
16- الرؤية الفكرية عند المسلم المعاصر: لا بد للمفكرين من المختصين المنتمين للإسلام، من طرح رؤاهم العلمية البحثية على الجمهور لتوعيته بدينه، وتقديم وسائل له ليحلل موقف الواقع والأحداث من فكرته وعقيدته الإسلامية، تحليلاً مناسباً، يقول "هيرمان كان" : إن رسم صورة مقنعة للمستقبل، أمر في غاية الأهمية لروح معنوية عالية، ودينامية في العمل وحركة المجتمع للدوران بسلاسة نحو غاياته وأهدافه" وهذا يفرض على المسلم الدخول في معتركه من أجل تلمس موضع قدمه فيه، ولا يمكنه الوقوف متفرجاً على حركة الحياة والتطور، ولا ينبغي الخوف من هذه المعمعة، طالما أنه يعرف قيمة نفسه وهدفه في الحياة، وواجباته فيها، من خلال مزاحمة الآخرين بالحجة والبرهان والحوار، شرط أن لا يقف منه موقفاً خطابياً عاطفياً، بل متسلحاً بالمعرفة والعلم ومناهج الإقناع والبرهنة.
17- اغتراب المسلم المعاصر: عرَّف (غرودزن) الاغتراب: " الحالة التي لا يشعر فيها الفرد بالانتماء إلى المجتمع" بسبب العزلة وفقدان الهوية، وغياب الأهداف المعنوية، وأن تكون الحماسة صفراً، لا معنى للحياة ولا طعم ولا مذاق، وحتى يتحقق لها المعنى لا بد من توافر: 1- الانتماء لجماعة، 2- وضوح معايير هذا الانتماء، 3- وجود أهداف تستحق هذا الانتماء، ولهذا فقد الإنسان الغربي هذه الأمور الثلاثة، كما ذكرت سابقاً، وهذا ينسحب على البلاد العربية في وقتنا الحاضر، لكن ليس بنفس الدرجة، لاختلاف ثقافة المجتمع العربي الإسلامي عن الغربي، وهنا يحضر المواطن العربي والمسلم، هل هذا هو المجتمع الذي ناضل من أجله صحابة رسول الله وعظماء الأمة؟
وتزداد الهوة يوماً بعد يوم بين المجتمع الذي نحلم به، وبين واقع مجتمعنا اليوم، هذا نابع من السيطرة المفرطة على الفرد المواطن، بحيث يفقد حريته، والقدرة على المشاركة، ومن فقدان السيطرة، بحيث يتحلل من قيم هذا المجتمع بصورة من الصور، فيصبح بين مطرقة الاتهام ( المسلم إرهابي)، وبين مطرقة الاعتزال (وهجر النقد الذاتي)، كرد فعل على سلبية الآخرين، لكن بسلبية معاكسة كذلك، فتقوقع المسلم المعاصر في حالة الدفاع بالحق أو الباطل، فالإنسان لا يحكم عليه من موقف واحد، وكذلك لا يخلو من خير وصواب، وهو ينطبق على الجميع.
18- اغتراب وردة الفعل: لجأ المسلم المعاصر لحماية نفسه ومعتقداته، إلى حالة تقديس ما يحمله، أكثر من حالة استلهام ما ينتمي إليه، وبدأ هذا مع الاستعمار الغربي، لمواجهة التغريب والغزو الفكري، لكن ينبغي أن نفرق بين مقاومة التغريب، ومطلب التحديث، أما الأول فهو خندق الدفاع، وأما الثاني فهو خندق الهجوم، ودعاة التغريب هم وكلاء المستعمر في منطقتنا، ودعاة الاستمساك بالتراث، هم وكلاء حماية ما وصلنا إليه من تخلف، لأن ديدنهم الاعتزاز بالبطل والماضي، دون القدرة على صناعة البطولة وتجديد الحاضر، فكلا الزمرتين يفتخرون، بمن لا يقدم لنا شيئاً ذا بال، لانتشالنا من واقعنا المأزوم، لأننا بحاجة إلى الالتزام الموضوعي وليس الوجداني فقط.


محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(12): خلاصة كتاب " الإسلام الديمقراطي المدني: شيريل بينار:
مؤسسة راند: تشكل العقل الاستراتيجي الأمريكي، وهذا الكتاب صدر بعد أحداث 11 سبتمبر، بغية محاربة الأصولية الإسلامية، ودعم الحداثيين الإسلاميين، وهي تسعى لتشكيل العقل المسلم والمنطقة الإسلامية، بما يلائم مصالح الغرب ومنظومته القيمية والسياسية.
والكاتبة نمساوية مهتمة بالشرق الأوسط، وأفغانستان، وتمكين المرأة وعلمنة الإسلام، وهي زوجة زلماي خليل زادة، السفير الأمريكي في أفغانستان والعراق، ودرست في الجامعة الأمريكية في بيروت، وأكملت دكتوراة في جامعة فينا، وقامت بهذه الدراسة لحساب المؤسسة المذكورة أعلاه.
توطئة
ما هو دور العالم في تحديد الشكل الذي ينبغي على الإسلام الحديث أن يظهر به، لتكون آثاره على العالم إيجابية؟
وأهداف الولايات المتحدة لتحقيق هذا الأمر ثلاثة:
1- منع انتشار التطرف والعنف.
2- تحاشي ظهور انطباع أن أمريكا تعادي الإسلام.
3- إيجاد سبل للتحكم بمظاهر التحول الديمقراطي في الإسلام.
تصنيف العناصر والجماعات الفاعلة في تحقيق هذا التحول؛ لمعرفة من هو المتوافق منهم مع قيمنا الغربية، ومن هو المعادي لها جذرياً.
والإسلام المعاصر يعيش صراعات داخلية وخارجية لتحديد هويته، وموقعه من العالم المعاصر، وعلى الغرب فهم هذه الصراعات والتأثير عليها، والعالم الصناعي متوافق مع أمريكا في تفضيل إسلام متناغم مع النظام العالمي الديمقراطي الحديث، خوفاً من تصاعد النزعة الجهادية فيه، ومن الحكمة التعاون مع العناصر الحداثية في الإسلام، وأزمة الإسلام اليوم: هي الفشل في تحقيق النمو، والبعد عن الثقافة المعاصرة، والمسلمون تجاه هذا أربعة اتجاهات:
1- الأصوليون: المتزمتون، يرغبون بإقامة دولة سلطوية تطبق الشريعة بشكل متطرف.
2- التقليديون: يرغبون بإقامة دولة محافظة بعيدة عن الحداثة.
3- الحداثيون: يرغبون بتحديث الإسلام ليكون جزءًا من الحداثة العالمية.
4- العلمانيون: يرغبون بدولة ديمقراطية منفصلة عن الدين.
وكل مجموعة من هذه المجموعات وقفت من قضايا الحريات السياسية، والشخصية، والتعليم، والمرأة، والحدود، والابتداع، والموقف من الغرب، موقف مختلف.
فالأصوليون يعادون أمريكا، والتقليديون أكثر اعتدالاً، والحداثيون والعلمانيون أقرب إلى الغرب، والعلمانيون خاصة غير مرحب بهم لدى الجماهير المسلمة.
ينبغي البدء بدعم الحداثيين:
1- نشر أعمالهم ودعمها.
2- تشجيع الكتابة الحداثية للشباب.
3- دمج آرائهم في مناهج التعليم.
4- منحهم منابر إعلامية عامة لنشر أفكارهم.
5- طرح العلمانية والحداثة كخيار ثقافي للشباب المسلم الساخط.
6- تعبيد الطريق للوعي بالتاريخ والثقافة الجاهلية قبل الإسلام في المناهج الدراسية.
7- مساعدة منظمات المجتمع المدني المستقلة والثقافة المدنية العامة.
ينبغي دعم التقليديين ضد الأصوليين:
1- نشر انتقادات التقليديين للعنف والتطرف بشكل واسع.
2- تشجيع الخلاف بين التقليديين والأصوليين.
3- إحباط أية تحالفات بين الأصوليين والتقليديين.
4- تدريب التقليديين وهم يدينون بإسلام شعبي، لمناظرة الأصوليين الأكثر فصاحة، ليعرضوا (صحيح الإسلام).
5- زيادة وجود الحداثيين داخل المؤسسات التقليدية.
6- التمييز بين التقليديين وتحريضهم ضد بعضهم، الوهابية والحنبلية، ضد الحنفية.
7- تشجيع انتشار التصوف، والعمل على تقبل المجتمعات له.
مواجهة الأصوليين ومخالفتهم:
1- الاعتراض على تفسيرهم للإسلام وإبراز أخطائهم.
2- الكشف عن صلاتهم بالجماعات غير القانونية.
3- فضح ما يرتكبونه من أعمال عنف على الملأ.
4- إثبات عجزهم عن مباشرة الحكم أو أي تطوير إيجابي لبلادهم.
5- نشر هذه المعلومات بين الشباب والنساء والمتدينين التقليديين.
6- تجنب إظهار الاحترام أو الإعجاب بالأصوليين والمتطرفين.
7- تشجيع الصحفيين على التحري عن حالات الفساد في أوساط الأصوليين والإرهابيين.
8- تشجيع الانقسام بين الأصوليين.
دعم العلمانيين على نحو انتقائي:
1- التعامل مع الأصوليين كعدو مشترك للعلمانيين والغرب.
2- منع أي تحالف علماني ضد الغرب أو على أساس يساري.
3- تأييد فكرة فصل الدين عن الدولة.
4- وأخيراً لا بد من دقة اختيار القرار حتى لا تتضرر مصالحنا، أو مصالح من نؤيده وندعمه.
الفصل الأول: تحديد القضايا
مدخل لنطاق الأفكار داخل الإسلام المعاصر:
سعي العالم لدعم الإسلام الديمقراطي صار أمراً ملحاً بعد أحداث 11سبتمبر، لما لهذا الدين من نفوذ يلهم مجموعات أيديولوجية تهدد الاستقرار العالمي، فمن الحكمة دعم الاتجاهات السلمية الحداثية منها، والسؤال: ما افضل طريقة لهذا الأمر؟ سنبحثه في ثلاثة فصول:
بعد أحداث 11 سبتمبر، صرح صانعوا القرار في الغرب: ببراءة الإسلام مما حدث، وأنه دين التسامح، واستشهدوا بآيات قرآنية في خطبهم، - ومنهم الرئيس بوش - وأنه دين يجلب الطمأنينة لمليار إنسان، والحب لا البغض، وهذا ما صرح به ساسة أوروبيون، فسخر الإعلام منهم بالقول: " أنهم حصلوا على درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية، تؤهلهم لبيان حقيقة الإسلام"، وكان الغرض في حقيقته؛ تجنيب الأقليات المسلمة في الغرب، العنف ضدهم، ومساعدة الحكومات الإسلامية في حربها على الإرهاب، والأمر الآخر، السعي لدمج الدول الإسلامية وساستها في النظام العالمي المعاصر، والتحق الأكاديميون بالركب من خلال كتاباتهم عن الجذور الإسلامية في الديمقراطية، وقال د. (ساخيدينا) القرآن أكد على كرامة الفرد، وحرية الوعي، وحب الله لكل البشر، وآخرون أكدوا توافق الإسلام مع السلم العالمي.
لكن بعد مضي سنة على أحداث سبتمبر كان هناك مجموعة من الأصوليين في لندن تؤيد الإرهاب، واعتبرت في مؤتمر صحفي أن ما حدث كان قصاصاً عادلاً، وأنه عمل إسلامي موفق( ) ، ويرى الزعماء الغربيون: تعرية تفسيرات الأصوليين (الراديكاليين) للإسلام، لمواجهة الإرهاب، ودعم الاتجاهات المعتدلة داخل الإسلام، لكن ليس من السهل تغيير دين عالمي كبير، لأن بناء الأمم أمراً شاقاً، فكيف ببناء أديان؟
قضايا مشتركة وإجابات متباينة:
ازمة الإسلام اليوم، التخلف والعجز عن التنمية، مع فشل كل المحاولات القطرية والقومية والاشتراكية والإسلامية، وكذلك التخلف عن ركب الثقافة العالمية المعاصرة، واختلافات أتباعه باتجاهات أربعة:
1- الأصوليون: يقدمون نسخة عدوانية توسعية للإسلام، لتطبيقه بشكل صارم عالمياً، وبإطار أممي وليس قطري، وهم (النصوصيون) من الراديكاليين الشيعة، والوهابية السعودية السنية، وجماعة كابلان التركية، وآخرون (أصوليون متطرفون) كالقاعدة، وطالبان، وحزب التحرير، وآخرون اهتمامهم بالنصوص انتقائي لتبرير توجهاتهم، وهم غير مؤسسين علمياً، وهؤلاء يتجاوزون ما كان من تسامح ومساواة في القرآن والسنة في صدر الإسلام، وكثير من الأصوليين، لا يدعمون الإرهاب الأعمى، لكنهم لا يتوافقون مع قيم المجتمع المدني، والنظام الغربي والعلماني.
2- التقليديون: وهم قسمان:
أ- التقليديون المحافظون: يلتزمون بالتطبيق الحرفي للشريعة، وأنها من مهام الدولة، وهي لا تحبذ العنف ومعتدلون، وتنخرط في الحياة العامة، للحفاظ على قواعد وقيم الدين، ويعتبرون إغراءات الحياة الحديثة خطراً، ويقاومون التغيير، وثقافتهم محافظة، متكيفون مع الممارسات التقليدية، وهم أقل تعليماً، بينما الذين يعيشون في الغرب منهم، فهم أكثر تعليماً، ومتكيفون مع الخطاب العالمي، والآراء العصرية الاجتماعية.
ب- التقليديون الاصلاحيون: يتجاوزون التطبيق الحرفي للنصوص، ويتقبلون التغيير الحذر، ولديهم مرونة لتجاوز ظاهر النصوص إلى روحها (مقاصدها)، ومستعدون للمناقشة لإعادة تفسير النصوص.
3- الحداثيون: يسعون لفصل المناسبات التاريخية لتطبيق الإسلام في عهده الأول، والبحث عن الحقائق الأبدية لجوهر الإسلام، المتوافق مع الضمير الفردي، والمسئولية الاجتماعية، والقيم العصرية التي تنادي بها الديمقراطية الحديثة.
4- العلمانيون: يرون أن الدين أمر شخصي، لا علاقة له بالسياسة، وأن لا تتدخل الدولة فيه، رعاية لحقوق الإنسان، ونموذجها الكمالية التركية (أممت الدين لحساب الدولة).
والحدود الفاصلة بين هذه الفئات ليست دائماً واضحة، وأدلة كل فريق متباينة، ونمط الحياة هو ميدان سجال الجميع، إيديولوجياً وسياسياً، وأكثر ما يميز الفرقاء هو موقفهم من العقيدة ونمط الحياة، ولو أخفوا موقفهم من العنف حذراً من الملاحقة القضائية.
مواقف الفرق [من الشعائر الإشكالية]:
يعتقد التقليديون المحافظون: بصحة الممارسات الإسلامية في الماضي، وإن تصادمت مع أعراف الحاضر، لأن المجتمع الأول هو النموذج الواجب احتذاؤه، وإن لم يحاولوا تطبيقها( ) وأدلتهم: القرآن، والسنة، والفقه، واجتهادات كبار الفقهاء.
أما التقليديون الإصلاحيون: يعيدون تأويل الممارسات التي تبدو مشكلة اليوم، أو يتجنبوها، وحجتهم نفس مصادر الشريعة الأصلية، لكنهم أميل للاجتهاد لجعل الإسلام صالحاً في عيون العالم لكل زمان.
أما الحداثيون: فيعتبرون أن الممارسات جزء من السياق التاريخي دائم التغير والإنتاج بصورة جديدة.
أما العلمانيون: فيحظرون الممارسات التي تتعارض مع الحداثة، ويعتبرون الأمور الدينية الخاصة تصرفات شخصية، والمعتدلون منهم يرون ضمان الدولة للحرية الدينية الشخصية، والمتطرفون منهم كالشيوعية (واللائكية) ( ) يعادون الدين كلية، عكس ( الانغلوسكسونية) ( ) ، التي توظف الدين ولا تعاديه بالضرورة.
وتوجد تشابهات تبعث على السخرية في رؤى كل من الأصوليين والحداثيين، لقضية التغيير، وبنفس المصادر التشريعية، فيجعل ذلك لهم قدرة على المناورة.
فالأصوليون: يهدفون إلى إقامة مجتمع هرمي مستمسك بالإسلام كله، والفصل بين الجنسين، وإكراه الدولة للناس على الإسلام، ولكل أهل الأرض، ويستدعي المتطرفون منهم (الاجتهاد) أو (المقاصد الشرعية) للنصوص.
ويتطلع الحداثيون: إلى مجتمع منفتح يدين بما يروق لهم من تعايش مع الأنظمة العالمية والأديان الأخرى، مع استعداد لمراجعة الثوابت، لمصلحة المجتمع، ولو بتغييرات جذرية.
كيفية تفسير الخلافات؟
الانقسامات بين الفرق الإسلامية (كصراع) قد تقوم على فوارق تافهة تشغلهم، مثل: الولاء والبراء – الحجاب – وإن قوانين الولايات المتحدة التي تعتبر الحجاب أمراً شخصياً، تصطف إلى جانب المتطرفين في أقصى اليمين المحافظ، في مواجهة الحداثيين.
المواقف من القضايا الأساسية
1): الديمقراطية وحقوق الإنسان: الموقف الأصولي من الديمقراطية والبرلمانات، أنها شرك: لأنها تسند سلطة التشريع للشعب لا لله، وأن هدف الإسلام هيمنة نظامه على ما سواه، وأن إقامة الخلافة هدف لتحكيم الشريعة (حزب التحرير).
2): تعدد الزوجات: منهج الأصوليين (طالبان) والتقليديون الذين يعيشون في الغرب، لا يشجعون عليه، وإن كانوا لا يعارضونه، ويدافعون عنه بذكر أن الأصل في الزواج الواحدة، بينما التعدد له أسبابه السياسية والاجتماعية، ويتفق الأصوليون والتقليديون على أن تعدد الزوجات أفضل من التعدد الغربي التسلسلي، القائم على (طلاق ثم زواج، ثم طلاق ثم زواج...) بينما في الإسلام لا يتخلى عن الزوجة، إن دعت الظروف لأخرى.
3): الحدود الجنائية الإسلامية: يدافع الأصوليون والتقليديون عن العقوبات الشديدة في الحدود، لكن الإصلاحيون يعتبرون المخرج هو درء الحدود بالشبهات، فالسرقة بدافع الفقر والحاجة، تمنع إقامة الحد، والشبهة تمنعه في الزنا، لكن الأصوليون (طالبان) لا يلتزمون النص حرفياً، فقد يقتلون بالرصاص، وغيره، لكن الإصلاحيون (رقية مقصود) ( ) تقول: عقوبة الجلد تأديبية لها ضوابط تمنع أن تكون انتقامية، وشروط إقامتها محفوفة بالإنسانية والرحمة، مع منع التجسس على الناس، وتقول (شيريل): لم يعد الجلد مقبولاً كعقوبة متحضرة في الغرب.
4): الأقليات غير الإسلامية: القرآن يحوي آيات تحريضية على اليهود والنصارى، كما يحوي آيات تصالحية معهم، وكان هؤلاء محظوظين نسبياً – حماية وحرية - في الإمبراطورية الإسلامية، لكن بعض الأصوليين في باكستان هاجموا الكنائس، وفي السعودية محرومين من بنائها، وطالبان شددت على منع نساء المنظمات الدولية من قيادة السيارة، والتقليديون أميل للعالمية والدعوة بالحسنى، ووزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لطالبان، كانت الهيئة السعودية تدرب عناصرها.
5): ملبس المرأة المسلمة: القرآن لا يفرض الحجاب إلا على زوجات النبي( ) ، ومع ذلك فالاهتمام شديد به، بينما القرآن يؤكد على اللباس المحتشم، والسلوك الحيي للرجال والنساء، أما الحداثيون والتقليديون الإصلاحيون، يؤكدون أن لا حجاب في القرآن، لأنه يعرضها للانتباه والتمييز في البلاد التي لا حجاب فيها ( في الغرب)، أما الأصوليون والتقليديون النصوصيون فدرسوا المسألة مطولاً، أما الأصوليون المتطرفون، فالحجاب فريضة، وحشمة الرجال كذلك مطلوبة، والقدوة رسول الله ص، واستشهدت الكاتبة بحديث أبو سعيد الخدري: " الرسول ص كان أشد حياءً من العذراء في خدرها" ر. البخاري، وهو أمر سيس بدرجة كبيرة، ووظفته الجماعات التقليدية والأصولية المعادية للغرب، وعلى أمريكا التوقف عن تأييد الحق الديمقراطي بلبس الحجاب، لأن الرسالة الكامنة خلف الحجاب شديدة الخطورة( ).
6): ضرب الزوجات: لا يرى الأصوليون بأساً في ضرب الزوجات، والنصوصيون والمتطرفون منهم يرون ذلك متسقاً مع الشرطة الدينية المسلحة بالعصي والسياط، لضبط شعر الرجال وذهابهم للصلاة، وحشمة النساء ومنع طلاء أظافرهن، والتقليديون المحافظون، يرفضون ضرب نسائهم، والإصلاحيون لا يقبلونه مع تأويل النص القرآني، الذي لم يحدد فيه السلوك المعاقب عليه، وإن فسره البعض بأنه أقرب لحالة التمرد، ولعله إشارة للردة، أو النشاط السياسي الهدام للزوجة، ويرى القرضاوي جواز اللطم بعيداً عن الوجه، وقالت إحدى المجلات أنه بمثل الوخز بالسواك، أما الحداثيون فإنهم يرفضوه جملة وتفصيلاً، لأنه مخالف لأخلاق الرسول ص، ووصية الرسول ص قبيل وفاته بالنساء خيراً مشهورة، [ وزعمت الكاتبة ] أن تدوين القرآن كان بعد وفاة رسول الله ص وضاعت منه سورتان على الأقل، لأن التدوين كان من الذاكرة، والتقليديون يؤمنون بأنه حفظ ودون حرفاً حرفاً، وادعاء نقصه كفر.
الفصل الثاني
إيجاد شركاء لترويج الإسلام الديمقراطي
العمل على تطوير الإسلام، من خلال كل الأطياف المذكورة، على أن تكون الأمور بدقة ومن غير تداعيات غير مقصودة، وبالتدريج.
1): العلمانيون: هم حلفاؤنا الطبيعيون في العالم الإسلامي، لكن مع الأسف أغلب هؤلاء عدائيون تجاه الولايات المتحدة، بسبب أيديولوجياتهم اليسارية، والقومية، والاستبدادية، ويدرك الساسة الغربيون: أن الإسلام لا تلائمه العلمانية، مثل الثقافات الأخرى، لأنه دين سياسي ودنيوي معاً، والمراهنة على ذلك غير مجدية، لكن النموذج التركي يعطي الأمل بنجاح نموذجه العلماني في العالم الإسلامي، فعلينا أن نوظف ردة فعل الناس ضد الأصوليين المتطرفين، حال وصولهم إلى الحكم، بتغذية قبول الناس للتخلص من خشونتهم بالحداثة والعلمانية، وهذا ما يحدث لدى شباب إيران (وشباب السعودية كذلك) ولهذا لم تنجح إيران في مشروعها، فزاد فيها تعاطي المخدرات إلى الذروة، وشكل البغاء أزمة، فكرت الحكومة بفتح مواخير رسمية يشرف عليها الملالي، وتعتبر إيران نموذج لفشل التطبيق الإسلامي في السيطرة على مشكلات الحياة المعاصرة.
2): الأصوليون: (المتطرفون): يعادون الديمقراطية وأمريكا وقيمها الغربية، ونحن نعارضهم، وهم يعارضوننا، ولهذا لا يمكننا الالتقاء معهم، أما الأصوليون (النصوصيون): كالسعوديين( )، فالتحالف معها مؤقت، وتعاملنا معها تكتيكي جيوسياسي، واقتصادي، وأصبح لدى الأصوليين؛ الغزو العسكري لا يقارن بخطورة السيطرة الاجتماعية على حياة الناس، والتأثير عليها على غرار النمط الغربي.
3): التقليديون: شركاء محتملين لنا (للغرب) لأن شريحتهم كبيرة، وهم يتصفون بالاعتدال، بمقابل التزمت الأصولي، ويسعون لحوار الأديان، ولا يدافعون عن العنف، ولو تعاون بعضهم مع (الجهاديين) ويشكلون شرائح أسرية، ومسنين ونساء، وتلاميذ مدارس، وهم منظمون في قيادات، ولديهم منابر لترويج معتقداتهم، وبعضهم يؤيد قيم الديمقراطية، والإصلاح، ويمكننا (الغرب) التعامل معهم لتسويق الإسلام الديمقراطي.
التمييز بين التقليديين والأصوليين: يصعب حين نرى تقاربهم في موضوع تطبيق الشريعة، والموقف من الغرب، والعلاقة بين الجنسين والمرأة، والنظام السياسي المطلوب للطرفين، وقضايا فقهية أخرى، والتقليديون الإصلاحيون أقرب إلى السياسة الدولية منهم إلى الغرب، أدان (التقليدي المحافظ) شيخ الأزهر طنطاوي، قتل الأبرياء في إسرائيل، بينما ذكر (التقليدي الإصلاحي) يوسف القرضاوي: وهو – راديكالي – أن السياسة الخارجية الإسلامية، والحركة الإسلامية، ينبغي أن تناصر أية استغاثة إسلامية في: أريتريا المسلمة ضد نظام مسيحي ماركسي، وتناصر السودان ضد تمرد مسيحيي الجنوب، ومسلمي الفلبين ضد التعصب المسيحي الذي يبيدهم، ومسلمي كشمير ضد الهندوس، فضلاً عن مناصرة فلسطين، وأمسى الالتقاء بين التقليديين والأصوليين على أرض الواقع خطيراً، لاتحادهما في ضغينة الغرب المعاصر، وكتب " محمد العاصي" إمام مركز واشنطن الإسلامي، أن التعريف الغربي للسياسة ملوث وفاسد، ويسمي الاستغلال الاقتصادي سوق حرة، ورأسمالية، وهو يعادي الغرب في ثقافته وسياسته، وحين يلتقي التقليديون الأمريكيون يعبرون عن نفورهم من الغرب، ويحكمهم نزعة الخوف والشعور بالاضطهاد، والجهد الاستخباراتي يكشف بسهولة تعاون الفريقين، وهناك مواقع الكترونية يلجأ إليها المغتربون، حسب جالياتهم طلباً للإجابة عن أسئلتهم الدينية، وكانت (مؤسسة الحرمين) الإلكترونية قبل إغلاقها بعد أحداث 11سبتمبر، مرتبطة بجماعات إرهابية في باكستان، وأفغانستان، والبوسنة، والشيشان.
العناصر الديمقراطية الكامنة والتي يمكن توظيفها:
تحتوي منظومة التقليديين على عناصر ديمقراطية يمكنها دعم الإصلاح، وبعضهم يرى أن الإسلام سبق الغرب في دعاواه في الحرية والديمقراطية، لكن هؤلاء يستندون إلى قيم مغايرة للحداثة الغربية، كالتفكير النقدي، وابتكار الحلول، والحرية الفردية، مع تمسكهم بتطبيق الشريعة التي يرفضها الغرب.
والتقليديون مؤمنون بحتمية اتباع القرآن والسنة، كلياً وحرفياً، أو الاجتهاد فيهما، وبعضهم متردد حيالها كالقرضاوي، في اجتهاداته حيال بعض هذه الأمور.
والاتجاه التقليدي مرتبط بالتخلف والرجعية، وهو خيار أفضل، أما خيار الأصوليين فإنه سيؤدي إلى فقر وتخلف وعجز عن إيجاد مخرج للمسلمين، وأصدر برنامج الأمم المتحدة الإغاثي دراسة تبين: 1- أن غياب الديمقراطية، 2- وتدني وضع المرأة، 3- وإهمال التعليم، أسباب تخلف العالم العربي، وحكم التقليديين في أكثر من بلد إسلامي، فرَّخ اضطرابات يسرت ظهور التطرف.
خطر حدوث رد فعل احتجاجي في الغرب:
ظهر انتقاد حاد من التقليديين للثقافة الغربية في الغرب، وعلى العلمانيين تحمل ذلك وضبط النفس، لكن هذا لا يعني التسامح والسكوت عن تبني آراء بعض هؤلاء التقليديين، الذين أصبح لهم صوت مرتفع في الغرب، يقودون به التيار الإسلامي، بحيث أصبحت أوروبا قاعدة لبعض الإرهابيين، من خلال إدارة شبكة مساجد ومراكز إسلامية راديكالية، ولقد رأت الولايات المتحدة، أن إظهار شيء من الاحترام للإسلام ليتم احتواؤه، بينما وقف الساسة الغربيون موقف الاهتمام بالسياسة الخارجية التي تهم المسلمين.
إمكان الطعن في مصداقيتنا على الإقناع:
إفساح المجال أمام التقليديين؛ وتجنب انتقادهم يمكن إساءة فهمه، قال (عبد الرحيم جرين): " الغرب لا يؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان إلا إذا وافقت مصلحته فقط" ولقد تسرب إلى نظام الأمم المتحدة، بضغط من المؤتمر الإسلامي، وضع استثنائي – تجريم تدنيس المقدسات – دون أساس قانوني، وهذا يعرض القيم الغربية للخطر، وينبغي عدم التسامح فيها.
احتمال تقويض الاتجاهات الإصلاحية: دعم التقليديين يقوض جهود الإصلاحيين، وإعاقة أنصارنا من الحداثيين.
4): الحداثيون: فئة شديدة الاتساق مع قيم مجتمعنا الديمقراطي الحديث، وهذا يقتضي تجاوز الاعتقاد الديني الأصلي، أو تعديله، والعهد القديم لا يختلف عن القرآن في دعم بعض المعايير الشاذة، ولا مشكلة في هذا مع تصورنا لليهودية والمسيحية أنها مجرد تاريخ خرافي أسطوري، وهذا ما يتبناه الحداثيون المسلمون، ويلجؤون عادة إلى تجاوز النص من خلال مفهوم المصلحة، الذي طرحه الفقهاء الإصلاحيون في القرن الثالث عشر، لتجاوز القرآن به( )، وهناك مؤشرات على أن التغيير في الإسلام أمر مستطاع، وقد وقع فعلاً، مثل إلغاء الاسترقاق، مع ان القرآن يؤكده، والتقليديون يقرون بهذا الإلغاء، عدا المتطرفين الذين يدَّعون إمكانية ممارسته، مع أن هذا الإلغاء أقر بإجماع صامت.
الحداثة تحترم المثقفين والقيادات:
للحداثيين في الإسلام قادة محتملين، مؤهلين بالتعليم الشرعي والأكاديمي، ومنهم البين بين، كمفتي البوسنة " مصطفى سيريتش" والبروفسور " خالد أبو الفضل" أستاذ الشريعة بجامعة كاليفورنيا بأمريكا، وهو ينتقد النهج التبريري عند التقليديين، والنهج السلطوي المتزمت عند الأصوليين، ويدعو إلى النقد الذاتي، والتخلص من فكرة الصراع الحضاري مع الغرب، ولدينا "محمد شحرور" مؤلف كتاب (مشروع ميثاق العمل الإسلامي) للتعامل مع قيم الحرية والديمقراطية، و" شريف ماردين" يحاول كذلك في هذا الموضوع، و " فتح الله كولن" يطرح نسخة من الحداثة الإسلامية، المتصوفة والمتسامحة، وكذلك يدعو " بسام طيبي" الحداثي، إلى تشرب قيم الدول الغربية، وأفرزت إيران المعاصرة مجموعة من "الخوارج" الحداثيين، يمكن تلميعهم، كمثل عليا وأبطال ملهمين للحقوق المدنية، تعرضوا لاضطهاد الحكومة الإيرانية، وينبغي نشر أفكارهم.
ضعف الحداثيين:
الحداثيون أجدر الفئات لتطوير الإسلام، ولكن ينقصهم التمويل، لأن الأصوليين لديهم دعم وموارد مالية ضخمة وإعلام قوي، وكذلك التقليديون لديهم مصادر دعم وتبرعات المريدين، من المساجد والمدارس ودور النشر وقنوات تلفازية، بخلاف الحداثيين الفقراء في هذا، والعائق الثاني سياسي: تلفظهم بيئات الأصوليين والتقليديين، وقد تجرهم إلى محاكمات وأحكام بالإعدام، على أفكارهم، كما في مصر وباكستان، (نوال السعداوي)، أما الحداثيون في الغرب فإنهم يكتفون بالكتابة الرفيعة المستوى التي لا تصل إلى الشباب، والفئات الأخرى، وهم في الغالب أساتذة جامعات، ومنعزلين عن الأدوار الاجتماعية للمسلمين.
حالتان خاصتان للحداثة:
أولاً- الإسلام الغربي: للمسلمين الذين يعيشون في الاغتراب بهوية خاصة أو هوية مدمجة:
1): الإسلام الأوربي: طور مسلمو البلقان إسلاماً محافظاً مندمجاً مع الحداثة العلمانية الغربية، وهذا ما حدى بتدخل الغرب لمصلحة مسلمي البوسنة وألبانيا المضطهدين، واستضافت الأسر الأوربية مشردي الاضطهاد المسلمين، وقد جرمت المحاكم الجنائية الدولية، مجرمي الحرب ضد مسلمي البوسنة ( ).
وبعد أحداث 11 سبتمبر تبين المعلومات أن غالبية مسلمي أوروبا حداثيون أو علمانيون، بينما الحكومات الأوربية تحابي التيار التقليدي، لأنه حليف مريح، وحاولت فرنسا إنشاء كنيست إسلامي، للسيطرة عليه، فسيطر عليه الأصوليون والتقليديون( ).
2): الإسلام الأمريكي: كذلك واجهته العامة عناصر تقليدية، ولهذا يجب دعم الجمعيات الثقافية الإسلامية المدنية، داخل الجاليات، والأسلمة الظاهرية لهؤلاء يمكن تقويمها بالموسيقى والثقافة والمحاضرات في التاريخ، بينما التقليديون منهم يمتلكون المساجد والمنظمات، ويتلقون تمويلاً كبيراً ومطبوعات رخيصة، كما تعرض البقالات الأمريكية، كتابات المودودي في مطويات رخيصة، ومطبوعات غير مكلفة، وبعض المكتبات العامة تعرض منها كتاب " أنا مسلم" لشرح الإسلام، وهو يعرض مفاهيم إسلامية غير صحيحة، لأن النبي (ص) اعترض على كثير مما يعرضوه عن الإسلام. وتحاول المواقع الإلكترونية الإسلامية الباكستانية أو الأفغانية إبراز الفروض الإسلامية بشكل تقاليد محلية أو قومية متشددة، كلبس البرقع، وتفعل دور الأزياء الإسلامية نفس الشيء لإبراز مفهوم أن الفتيات المسلمات بحشمتهن "جواهر ثمينة".
ثانياً- ثقافة الشباب والثقافة المضادة:
نجح الأصوليون المتطرفون في تعبئة الشباب، فالحرس الثوري الإيراني، وطالبان، وحماس، والجهاد الإسلامي، والقاعدة، دعمت الشباب، وتستغل هذه الحركات سخط الشباب، وترغيبهم في تحقيق العدالة، ونصرة المستضعفين (خاصة بفلسطين)، وفي الشرق الأوسط، ويعتبر ذلك التطرف أداة تحدي الأنظمة الفاشلة المرتبطة بالغرب، للتنفيس عن المشاعر، وغموض إيديولوجية الأصوليين سهل عليهم إلحاق الأجندات الخاصة بالمظالم والفساد لغرض احترام الإسلام، ولذا يعتبر ذلك مظلة عاجلة لأسئلة تحقيق الكرامة والهوية والانتماء، ولا يعتمد ذلك على دراسة معمقة سوى تكاليف المحرمات، واللحية، والحجاب، ويمكن اعتبار الحجاب في الغرب، نوع من التحدي للآخر، واختبار شجاعة، وليس صعباً على الشباب اكتشاف ما يخدعهم به الأصوليون، حين يحشدوهم كانتحاريين، وترغيبهم بالموت والشهادة، وحين يحفزون الشباب ضد رغباتهم الجسدية، فيحثوهم على كبت مراهقتهم، وسيكتشف الشباب المسلم الخداع الذي يقوم به قلة من ذوي السيطرة يتحكموا فيهم، لجعلهم وقوداً لمعاركهم الخاسرة ( ).
والرؤية التقليدية للإسلام هادئة، لكن الأصولية هي مصدر إلهام الشباب، والحداثة هي التي تصطف مع مصالح الشباب والنساء الموضوعية.
5): الصوفية: لا ينتمون لأي فريق سوى القرب من الحداثيين، ولهذا ينبغي دعم تفسيرهم للإسلام، في المدارس والمجتمع، خاصة في العراق وأفغانستان، من خلال الشعر والموسيقى والفلسفة، لأن ممارستهم تحقق القيام بدور الجسر الذي ينقل مجتمعاتهم خارج التأثيرات الدينية.
الفصل الثالث: استراتيجيات مقترحة
التطرف الإسلامي بتجلياته، وانخراطه في الحراك المتنوع، يجعل الأمر أصعب من أن يعالج بطريقة واحدة، ولهذا فإن التعاون مع المتزمتين من كل فرقة يصعب استثماره، ولهذا لا بد من مراعاة الظروف المتنوعة لكل فئة وبلد من خلال:
أولاً- دعم الحداثيين بالآتي:
1- تكريس رؤيتهم للإسلام محل الرؤية التقليدية، بتمكينهم من المنابر الإعلامية، وتدريبهم.
2- دعم العلمانيين بشكل فردي.
3- دعم المؤسسات والثقافة العلمانية.
4- دعم التقليديين (متى وحيثما كانوا من اختيارنا) لمنافسة الأصوليين، وحيلولة أي تحالف بينهم، وخاصة بعض مذاهب الفقه المطواعة مع مفهوم العدالة( ) وحقوق الإنسان.
5- وأخيراً ملاحقة الأصوليين، وضرب نقاط ضعفهم، وإبراز فشلهم في تطبيق الإسلام وقيادة الحكم.
ثانياً- أنشطة إضافية لدعم هذا الاتجاه وهي:
1- إنهاء احتكار الأصوليين والتقليديين لتفسير الإسلام.
2- توظيف علماء حداثيين لإدارة مواقع الكترونية بفتاوى حداثية.
3- تشجيع العلماء الحداثيين الأكاديميين لتطوير المناهج الإسلامية والبحوث.
4- نشر كتب تمهيدية عن الحداثة في الإسلام، بأسعار مدعومة.
5- استخدام وسائل الإعلام المحلية المشهورة لإبراز هذه الأفكار.
الملاحق
الملحق الأول: " دروب الحديث"
إصلاح الإسلام اليوم يرتكز على جدل في بعض الممارسات من صحيح الإسلام، المستندة على ما يمكن تسميته "
حروب الحديث" ويمكننا استخدام الحديث للدفاع عن قيم المجتمع الغربي، كوسيلة تكتيكية ثانوية، لأن الأحاديث
تتسع لآراء متباينة متساوية الشرعية.
يرى "ابن وراق( )": أن مناقشة المتعصبين حول النصوص لا جدوى منها، لأن علم الحديث علم معقد وشديد الضبط، ولذا المناقشة في تدجين الإسلام، بلطف يحقق نتائج أفضل، وذكرت – الكاتبة – أكثر من عشرين سؤالاً عن درجة ومصداقية الحديث [ رواية ودراية]، وقالت أن قاعدة واحدة من قواعده قد يحتاج إلى سبعة صفحات مليئة بالكتابة، وحللت طريقة انتشار الحديث بين الناس على المواقع (الإلكترونية)، بأنه يسري كمقولة شعبية ، وقليل من الناس من يعرف مصدر الحديث ودرجته وتوثيقه، وتناقش وتشكك بقدرة البخاري على تمحيص كتابه الجامع من ستمائة ألف حديث، ثم تطرح مشكلة تحريم الموسيقى عند التقليديين وطالبان، وتستشهد بإباحة النبي [صلى الله عليه وسلـم] الغناء في عرس، وتلبس بقصة لعب الأحباش بالحراب في الشارع وأن النبي أمرهم بحفلة غناء في المسجد، وبحضور [أم المؤمنين] عائشة وان هذا دليل على الاختلاط في الحفلات الغنائية، وتسأل: هل سماع الغناء بنية الاسترخاء الحلال مباح؟ إذا كان حكمه لاستدعاء مجوني للخمر والمحرمات حرام؟ وتستشهد بكلام عن التجديد في الإسلام لمحمد إقبال، إستناداً إلى ترجمة له مليئة بالأغلاط وعدم الدقة (كما يقول المترجم الناشر)، وتقول هذا النقاش لن ينتهي، لكن هناك أمور أخرى، يستشهد بها الليبراليون قوله تعالى: ( لست عليهم بمسيطر) ......و(أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) .....و( لا إكراه في الدين) ....وتذكر أن الأحاديث عرضة لسوء الاستخدام، وأن غالبية المسلمين أميون لا يحسنون قراءة القرآن أو فهمه، وهناك تعدد في المذاهب الفقهية الخمسة، واختلافات في الأحكام فيما بينها، وتنقل عن كتاب " خالد أبو الفضل" فتاوى مضحكة عن علماء وقضاة سعوديون، مثل: حكم الكعب العالي للنساء، ومشد الصدر، وسفر المرأة بالطائرة، دون الاستناد إلى حديث صحيح، أو نزعه من سياقه، ليلائم التفسير الوهابي للإسلام، الذي يخضع له الكثيرون، وتذكر استفتاء امرأة المؤسسة الدينية السعودية عن حكم زيارتها لقبر زوجها، فكان الحكم بالمنع، لا لأنه محرم بنص، ولكن خشية أن يتحول إلى تجمع نساء، يتبعه تجمع رجال فيؤدي إلى انحراف أخلاقي.
بناء الإسلام الديمقراطي يتطلب ثلاثة أمور فيما يخص الحديث وتأثيره في الفقه:
1- تعليم الجمهور بشكل أفضل أدلة الأحكام وشروحها لرفع سويتهم الدينية المعرفية.
2- تشكيل لجنة "نقض الحديث" لبناء مجتمع أكثر تسامحاً، وهذا لا يحتاج إلا إلى دزينة من الكتب والنشرات لدعم الإصلاح الليبرالي.
3- حدث حراك مؤخراً في ميدان دمج الشريعة برؤى حداثية وقانونية، غير متقيدة بمذهب معين، لكن ينبغي جمعها في مكان واحد لاتساقها، حتى يطلع عليها الفقهاء والدارسون والجماهير.
الملحق الثاني: الحجاب كحالة للدراسة
بعض القضايا الإسلامية تتضمن معاني رمزية إيديولوجية تحشيدية، مثال منها لدى الساسة الغربيين الحجاب، باعتباره أمر لا ضرر منه، دون معرفة جذورها ومؤداها، فيرسل رسائل تشجيعية للنشطاء الإسلاميين، وإضعاف للقوى الحداثية، ولهذا يعد ارتداء الحجاب في أمريكا " فوزاً في المعركة ضد الثقافة الأمريكية" وتسييس له، كأنه حقل ألغام، مع أن أقلية من المسلمين تلتزم به.
وفي جريدة الواشنطن بوست، تناولت أستاذة في جامعة ميريلاند الأمريكية، موضوع الحجاب، بأسلوب غير نقدي – فاعتبرته طريقة صحية تعبر بها المرأة المسلمة عن ذاتها، وتخلط فيه ثقافتها الأمريكية بالعزة الإسلامية" بينما هو في أوروبا يعبر عن تحذير الليبراليين من كونه "يرمز إلى نيات المجاهدين العدوانية والقتالية" ويمكن اعتباره راية الحرب الإسلامية المقدسة، وموقع " مسلم لايف ان أمريكا" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية يحتوي في ربيع 2003م على 32 صورة نساء وفتيات وطفلات مسلمات محجبات، في مقابل 13 صورة لحاسرات عن رؤوسهن، وهذا دعم واضح للحجاب من جانب الحكومة الأمريكية.
الملحق الثالث: استراتيجية تفصيلية
1): بناء قيادة حداثية:
- بخلق زعامات حداثيون، وجعل بعضهم أبطال الحقوق المدنية، من خلال تعرضهم لاضطهاد الأصوليين، مثال: (نوال السعداوي)، و (سيما سمر) الوزيرة الأفغانية لشئون المرأة، وضم الحداثيين إلى الحراك السياسي في بلدانهم، وقصر الإسلام على أنه مكون واحد من مكونات الهوية والمجتمع.
- دعم المجتمع المدني في العالم الإسلامي، خاصة عند الأزمات والحروب، لإبراز وتدريب قيادات حداثية معتدلة.
- تطوير الإسلام الغربي بأشكاله المتعددة: إسلام ألماني- إسلام أمريكي – إسلام فرنسي...الخ، من خلال الأقليات والجاليات، وتطوير ممارساتهم المتنوعة على أرض الواقع.
2): استمرار الحملة الهجومية ضد الأصوليين:
- نزع شرعية جمعيات الإسلام المتطرف، وفضح أعمال علمائهم، وأنهم أنفسهم لا حصانة لهم ضد الفساد.
- تشجيع الصحفيين العرب في وسائل الإعلام الواسعة الانتشار، لنشر تقاريرهم عن زعماء الأصولية وفسادهم، وعن أعمال هيئة الأمر بالمعروف السعودية، ومخالفاتهم الإنسانية لحقوق الإنسان.
3): تعزيز قيم الحداثة الغربية بشكل حاسم:
- خلق نموذج لإسلام معتدل عصري وترويجه، مثل: " إعلان بيروت" 1999م، وميثاق العمل الوطني في البحرين.
- نقد عيوب الرؤية التقليدية للإسلام، وإظهار علاقتها بالتخلف، وعلاقة الحداثيين بالتقدم، ونشر تقرير التنمية العربية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وعلاقة التخلف واضطهاد المرأة وتدني التعليم بالأنظمة الاجتماعية التقليدية.
- تعزيز مكانة التصوف: وزيادة الاهتمام به، وبثه في المقررات الدراسية، ونصيحتي: " أولوا الإسلام الصوفي مزيداً من الاهتمام" .
4): التركيز على التعليم والناشئة:
من المستبعد أن يغير الشباب الإسلامي الراديكالي آراءه بسهولة، أما الجيل التالي، فيمكن التأثير عليه وتشكيل وعيه بإدماج الحداثة في المقررات الدراسية، ووسائل الإعلام في الدول ذات الصلة، لقد بذل المتطرفون جهوداً جبارة في التعليم، لا يمكن إزاحتها دون معارك ضروس.
الملحق الرابع:
رسالة بخصوص الصورة التي تروجها الخارجية الأمريكية عن الإسلام
- أرسل عضو الكونجرس الأمريكي عن ولاية كاليفورنيا " توم لانتوس" خطاباً إلى وزير الخارجية "كولن باول" يوافق على سياسة الخارجية في كسب عقول وقلوب الآخرين حول العالم، لتأييد السياسة الأمريكية ضد الإرهاب، لكن يعترض على ذكر كلمة للشيخ يوسف القرضاوي، في البيان على موقع الوزارة، ويعترض على ذكر الشيخ عبد الرحمن السديس، باعتبارهما أعداء لأمريكا، وليسوا أصدقاء لها، ويعترض على نشر الموقع الإلكتروني للإسلام في أمريكا التابع للوزارة، كتاباً يعرف بالإسلام في أمريكا، قائلاً: هل نحن ننشر تعريف لليهودية في أمريكا، والبوذية كذلك؟ إن هذا ليس من مهمة الخارجية الأمريكية،
- إن موقع " حياة المسلمين في أمريكا الإلكتروني، التابع للخارجية الأمريكية، يروج للإسلام المتشدد والحجاب، وهذه ليست مهمة دبلوماسية له، لأنها توصل رسالة مغلوطة إلى نساء الأفغان والإيرانيات اللواتي يرغبون في نزع حجابهن، لأن الحرب التي خضناها مع الاتحاد السوفييتي فانتصرنا فيها، نخوضها اليوم مع الإرهاب، الذي لا ينبغي تملقه، ولا التذلل له، فأرجوا تصحيح الوضع. " التوقيع " توماس لانتوس" .
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(13): خلاصة كتاب: " السنن الإلهية في المستقبل الإنساني" أ: خضر ابراهيم أسعد
الفصل الأول- السنن الإلهية:
1) تعريف السنن الإلهية: اقتضت حكمة الله أن يكون الكون وفق إرادة الله، التي جعلت لكل شيء سبباً، ليوجه عباده إلى طريق الهداية بها، والانتفاع بالطاعة المطلوبة لاتباع مجرياتها، أو العقاب في مخالفتها قال تعالى: (اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) ، وقوله:( سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً)، وقوله: ( قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُكَذِّبِينَ).
فالسنة لغة: مأخوذة من " سن " ولها أصل واحد مطرد، وهو جريان الشيء واطراده في سهولة ويسر"، والأَصل فيه الطريقة والسِّيرَة " . وجاء في التعريفات أن السنة في اللغة هي: الطريقة، مرضية كانت أو غير مرضية " .
فيما يرى الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد ، أن السنن الإلهية هي: " الطريقة المتبعة في معاملة الله تعالى للبشر بناء على سلوكهم وأفعالهم وموقفهم من شرع الله وأنبيائه، وما يترتب على ذلك من نتائج في الدنيا والآخرة " .
2) أهمية دراسة السنن الإلهية: لهدايتنا الطريق السليم للحياة ومرضاة الله، وتحقيق الطمأنينة والوضوح في نفوس أتباع هذا الدين، ولمعرفة تقلبات الحياة والاستعداد لمواجهتها بالمنهج القرآني للتغيير، لنخرج الناس من الاضطراب والحيرة والضلال، إلى الهداية والاستقامة والسعادة والرشاد.
3) خصائص السنن الإلهية: 1-الخاصية الأولى: عدم التبدل أو التحول ( الثبات )، 2-الخاصية الثانية: حتمية الوقوع والنفاذ، 3- الخاصية الثالثة: الشمولية، قال تعالى: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً ) 123/النساء.
4) العلاقة بين السنن الإلهية واستشراف المستقبل: والسنن الإلهية بما تتصف به من خصائص مر بيانها ، تمثل مادة غنية وأدوات لا بد منها لاستشراف المستقبل ، فالمسلم إنما يستمد علمه من هذا القرآن الكريم ، وهو بهذا المصدر، كما ذكرنا ،الوحيد الذي يمتلك المصداقية في علومه ومعارفه، لأنه يستمدها من كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو بالتالي الأقدر والأصدق في التعبير عن استشراف المستقبل وفق ذلك كله دون ادعاء أو افتراء .
5) أمثلة من السنن الإلهية:
1- سنة الله تعالى في الأسباب والمسببات: والسبب: الحبل والطريق لأنك تصل به إلى ما تريد، وهو عند الزمخشري " ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة "، قال تعالى: ( إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) 98/الكهف، وقوله تعالى: (...وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)2/الطلاق، قال تعالى: (وَهُزِّي إليك بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا )25/مريم، وهذا في حق العباد ظاهر ولازم في أن يبذلوا الأسباب للوصول إلى النتائج، وينبني على هذا أن المطلوب يحصل بتحقق جميع أسبابه، وانتفاء جميع ما يمنع من حصوله، والمسلم مأمور في ذلك أن يبذل كامل وسعه وجهده وطاقته لتوفير الأسباب وإبطال موانع حصولها، وتبقى بعد ذلك النتائج على الله تعالى، الحكيم الخبير العدل .
وفي هذا يقول الإمام الزحيلي في تفسيره المنير: " السنة في الماضين واللاحقين هي أن من سار على منهاج الطائعين المؤمنين الموفقين حظي بالسعادة والنصر والفلاح ، ومن سار في طريق العصاة المذنبين كانت عاقبته خسرا ودمارا وهلاكا، ففي أحوال المسلم أن من سار على الأصول المطلوبة والنظم العلمية والخبرات المعروفة في شؤون الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها ، نجح وظفر بمراده ، وان كان ملحدا أو وثنيا أو مجوسيا، وإن جانب المعقول، وخرج عن المألوف، كان من الخاسرين وإن كان صالحا تقيا، ثم يقول: " ومن سار في الأرض، وتعقب أحوال الأمم، وتدبر التاريخ ، وعرف الأخبار، يجد مصداق تلك السنن الإلهية الثابتة، وهي الفوز لمن أحسن، والخيبة لمن أساء ".
2- سنة الله تعالى في نصر المؤمنين وهزيمة الكافرين: قال تعالى: ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون َ)، على أنه يجب أن يُعَلم أن سنة الله تعالى في النصر قد تتأخر في المنظور البشري ، ولكنها في علم الله تعالى تأتي في وقتها المناسب المحدد ، الذي لا يصلح أن يكون في غيره، وعليه ينبغي للمسلم الواثق بوعد الله تعالى بالنصر أن لا يستعجل هذا النصر، بل عليه أن يحقق أسبابه ويعمل بمقتضاه ثم يترك الأمر لله يفعل ما يشاء ويختار.
ولابن عاشور رحمه الله في تحريره وتنويره " ... لو أن قوماً غير مسلمين عملوا في سيرتهم وشؤون رعيتهم بمثل ما أمر الله به المسلمين من الصالحات بحيث لم يعوزهم إلا الإيمان بالله ورسوله لاجتنوا من سيرتهم صوراً تشبه الحقائق التي يجتنيها المسلمون ، لأن تلك الأعمال صارت أسباباً وسنناً تترتب عليها آثارها التي جعلها الله سنناً وقوانين عمرانية، سوى أنهم لسوء معاملتهم ربهم بجحوده، أو بالإشراك به، أو بعدم تصديق رسوله يكونون بمنأى عن كفالته وتأييده إياهم ودفع العوادي عنهم، بل يكلهم إلى أعمالهم وجهودهم على حسب المعتاد" وعلى المسلمين اليوم أن يدركوا أكثر من أي وقت مضى، أن للنصر أسباباً يجب عليهم أن يباشروها، وأنهم مؤاخذون إن هم قصروا في امتلاكها، وأن النصر إنما يكون مع الإيمان والعدل، ولا يكون مع الظلم والطغيان والقهر.
2- سنة الله تعالى في التدافع والصراع بين الحضارات: أعتقد أن الحديث اليوم جار عن التدافع بين الحضارات ، وما يتبعها من غزو فكري ثقافي منظم، وما يراد للإسلام في هذا الصراع من أن يكون موجها لصالح الفكر الوضعي الجديد المنسلخ عن عقيدة الأمة، وبالتالي إلى تغييب الإسلام كدين حضاري عن عالم اليوم، في مجال الحركة والتطبيق، والاكتفاء بأن يكون على مستوى القناعة والشخصنة، ويمكن أن يُخلص هنا إلى أن الدفع فيه معنى المغالبة على أمر أو الصراع عليه بين اثنين، سواء كان بين شخص وشخص أو بين أمة وأمة، أو حتى بين حق وباطل، وبين خير وشر، ليتقرر أحدهما ولو بالقوة، فهو " صراع وقتال بين الناس " وما نقصده هنا هو الحديث عن هذه السنة الإلهية التي تقرر أن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى أن يشاء الله تعالى، وأهل الحق مطالبون وفق هذه السنة أن يدركوا ما عليهم تجاهها فيما يفيدهم في إدارة دفة الصراع لصالح الحق الذي يحملون، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) 39/الحج.
و في بحر العلوم: " انه لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض بالجهاد وإقامة الحدود وكف الظلم؛ ودفع المشركين بالمؤمنين، لغلب المشركون فقتلوا المؤمنين" (للسمرقندي ج:3/163)، وأخيراً نستحضر قول الإمام النسفي في التدافع فيقول: " ولولا أن الله تعالى يدفع بعض الناس ببعض، ويكف بهم فسادهم لغلب المفسدون وفسدت الأرض وبطلت منافعها من الحرث والنسل، أو ولولا أن الله تعالى ينصر المسلمين على الكافرين لفسدت الأرض بغلبة الكفار وقتل الأبرار وتخريب البلاد وتعذيب العباد " .
الفصل الثاني
استشراف مستقبل الأمة كما يصوره القرآن الكريم
1): استشراف مستقبل الأمة السياسي: لأن الإسلام منهج حياة، فالجانب السياسي جزء أصيل منه ولاشك، لأن تحكيم منهج الله وشريعته، لا تتم من غير سياسة، ولهذا يحاول أعداء الدين حربه من خلال إبعاد السياسة عنه، فتسقط كثير من أحكامه، لأنه لا سند لها من قوة سياسية ومادية، قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) 65/النساء.
1- وهذا يتطلب تحرير وفهم معنى الأمة: ومفهوم الأمة يرجع إلى حرفي الألف والميم، (أم)، وتعني: الأصل- المرجع- الجماعة- الدين، ويذكر الخليل: أن العرب تسمي ما يضم إليه ما يليه: ( أما) أم الرأس (الدماغ)- والقرن من الناس- واتباع النبي أمة- والجيل- والجنس من كل حي، ووردت بالقرآن بمعنى: ( دين- والرجل الإمام- وفترة زمنية- وجماعة – وأهل الإسلام)، قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)110/ آل عمران، وقوله: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)52/المؤمنون.
2- تحرير وفهم معنى سياسة: من (سوس) بمعنى فساد، وبمعنى(طبع)، وسائس عند العرب من يقوم على رعاية الخيل وترويضها وإصلاح أمرها، ولهذا يقال: (القيام على الشيء بما يصلحه) ولها لفظة أخرى وهي: (الإيالة: بمعنى الإصلاح والسياسة)، وتعرَّف بأنها: (فن إدارة المجتمعات الإنسانية)، وهي عند الإمام النسفي: (حياطة الرعية بما يصلحها)، وعرفتها هيئة علماء العراق بالمادة 23"السياسة هي الرعاية بالحفظ والاهتمام والنظر في أعقاب الأمور وما تؤول إليه، والسياسة الشرعية هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً بالإسلام، وتكون من قبل الدولة متمثلة بالحكومة، ومن قبل الأمة متمثلة في الناس مواطني بلاد الإسلام، فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً، والأمة هي التي تحاسب الدولة عن طريق أهل الحل والعقد، أي عن طريق أهل العلم والدراية والخبرة " وقال القرضاوي وردت معاني كلمة السياسة في القرآن بلفظ: (الملك، و الحكم، والولاية، وبمعنى التمكين، والاستخلاف).
ويقول ابن القيم: " من له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالاتها، وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها، وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها، وحسن فهمه فيها؛ لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة ".
والسلطان الذي ينفذ السياسة في المنظور الإسلامي خليفة الله تعالى في أرضه، ويجب أن تكون هيبته كما يذكر الإمام الغزالي " بحيث إذا رأته الرعية خافوا ولو كانوا بعيداً، وسلطان هذا الزمان ينبغي أن يكون له أقوى سياسة وأتم هيبة، لان أناس هذا الزمان ليسوا كالمتقدمين، فإن زماننا هذا زمان ذوي الوقاحة والسفهاء، وأهل القسوة والشحناء، وإذا كان السلطان منهم ضعيفاً أو كان غير ذي سياسة وهيبة فلا شك أن ذلك يكون سبب خراب البلاد ".
والقرآن يدعو لتحكيم شرع الله، ويخلص إلى أن من لم يحكم بما أنزل الله إما أن يكون فاسقاً أو ظالماً أو كافراً ، وعليه فان الأمة مدعوة إلى معرفة أوامر الله تعالى ومراده في قرآنه العظيم، وبالتالي تجلية هذه الأوامر، وصياغتها على شكل قرارات وأوامر، المراد منها التنفيذ والتطبيق والتحكيم، حتى تكون السيادة للأمة الإسلامية باسم الله تعالى أولا وآخراً ، إن هي أرادت الخروج مما هي فيه من ذل وهوان، بعد أن كانت سيدة الأمم وقائدة الناس، يقول الله تعالى: ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ).
قال تعالى: ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )، بين الله أن وراثة الأرض مرهونة بأمرين كما توضح الآية الكريمة :
أولا: الاستعانة بالله تعالى ( اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ ) والتي تتطلب الأخذ بكل الأسباب الممكنة، والتي تقع ضمن قدرة الإنسان وطاقته، ونحن نقر بها ونقرأها في اليوم 17 مرة في (إياك نعبد وإياك نستعين).
ثانيا: الصبر ( وَاصْبِرُوا )، فالأمر يحتاج إلى كثير من الجهد والمعاناة، وهو بالتالي يحتاج إلى مزيد من الصبر والمصابرة الإيجابية.
يقول الإمام الالوسي رحمه الله معقبا على هذه الآية بان القهر والغلبة ستكون لمن صبر واستعان بالله، ولمن وعده الله تعالى توريث الأرض، وأن ذلكم الموعود الذي وعدكم الله تعالى به هو النصر وقهر الأعداء ووراثة الأرض، وفي الآية السابقة أمرين، وبشارتين، وفراعنة اليوم ليسوا بأكثر حظاً من فرعون الأول، إذا التزم المؤمنون بأمر الله، وإن قصة ذي القرنين المذكورة في سورة الكهف نبراس مضيء وواضح، للحاكم الذي يطبق حكم الله تعالى، الذي يطبق أوامر الله تعالى، ويأخذ بالأسباب المقدور عليها ويحسن استعمالها وتوظيفها، وشراكة الرعية بالحكم يدل عليها قوله تعالى: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ)، ووعد النصر من الله: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ)5/ القصص، وساسة الغرب يدركون تماماً أكثر من كثير من مسلمي اليوم، أن الإسلام قادم وأن الصولة والجولة له ولاتباعه المخلصين قادمة لا محالة، لذلك اتخذوه عدوا، وألصقوا به كل الاتهامات التي تنفر الناس منه، وما محاولاتهم البائسة تلك إلا جهود ضائعة، لا يستفيدون منها بشي، بل إن الله تعالى قد قرر مسبقا أن الذين كفروا سوف يبذلون كل جهد ممكن من أجل طمس معالم هذا الدين، ولكنهم وكما ذكر القرآن الكريم سينفقون أموالهم ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون.
2): استشراف مستقبل الأمة الاقتصادي: يتعلق بما لخصه رسول الله في قوله: " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا " وهي تتعلق بالأمن السياسي، والأمن الاقتصادي، والأمن الصحي، والاقتصاد جزء من هذه المنظومة، والارتباط شديد بين الاقتصاد والسياسة.
والاقتصاد لغة: من " قصد" بمعنى اقتصد، وهي بمعاني كثيرة منها: إتيان شيء- وكسر وانكسار- واكتناز الشيء- وتوسط – واستقام – قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إليهم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ) 66/المائدة،" وقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) 67/الفرقان.
فالإمام الشنقيطي رحمه الله تعالى يرى في أضوائه مثلاً، أن لعلم الاقتصاد أربعة أصول لا بد منها تتمثل فيما يلي :
" الأول: معرفة حكم الله في الوجه الذي يكتسب به المال الحلال، واجتناب الاكتساب الخبيث، إن كان محرماً شرعاً.
الثاني: حسن النظر في اكتساب المال بعد معرفة ما يبيحه خالق السماوات والأرض، وما لا يبيحه.
الثالث: معرفة حكم الله في الأوجه التي يصرف فيها المال، واجتناب المحرم منها.
الرابع : حسن النظر في أوجه الصرف، واجتناب ما لا يفيد منها، فكل من بنى اقتصاده على هذه الأسس الأربعة كان اقتصاده كفيلاً بمصلحته، وكان مرضياً لله جل وعلا، ومن أخل بواحد من هذه الأسس الأربعة كان بخلاف ذلك " .
وقد عرف علماء الاقتصاد علم الاقتصاد بأنه " العلم الذي يدرس الإنسان في عمله اليومي، وهو يبحث في ذلك الجزء من عمل الفرد والجماعة، الذي ينصب على الحصول على الحاجات المادية وطريقة استعمالها لتوفير الحاجة والرفاهية"، والاقتصاد الإسلامي يتميز بأنه يراعي الأهداف الكلية للحياة الدنيا ويربط ذلك كله في المستقر الأبدي بالآخرة ، ومنه قوله تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إليك وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)77/القصص، وهناك عشرات الآيات في القرآن تتعلق بالاقتصاد وأخلاقيات ممارسته، وتدل هذه الآية الكريمة كذلك على أن الرخاء والرفاه الاقتصادي الحقيقي له طريق واحدة وهو طريق الإيمان والتقوى، وما يفسر غنى الكفار اليوم وفقر المسلمين قوله تعالى: (كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً * انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) 20/الإسراء.
ونحن مدعوون مع هذا إلى أن نتسلم زمام المبادرة في عمارة الأرض وفق شرع الله تعالى ،وضمن الفهم الخالص لحقيقة الكون وفكرة الوجود، هناك ربط واضح بين السياسة والاقتصاد وأنهما وجهان لعملة واحدة ، وهذا المعنى بات واضحا أكثر في زماننا حيث طغت المادة ، وباتت شرياناً من شرايين الحياة ، والحالة هذه فإن الأمة التي تملك اقتصاداً قوياً أمة مؤهلة لأن يكون قرارها بيدها، وأن الأمة التي تعتمد في اقتصادها على أعدائها يكون مصيرها مرهوناً بيد عدوها، وبالتالي فإن الأمة لا يكون لها مستقبل إلا بما يسمح لها به عدوها، والمشاهد في عالم اليوم يعد أكبر دليل على ما نقول به.
الزكاة ( مثلا ) كمفردة وواحدة من مفردات النظام الاقتصادي في الإسلام، لو طُبِّقت كما أرادها الله تعالى لما بقي هناك فقير وصاحب حاجة، وما عهد سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عنا ببعيد، وذلك لأن أثر الزكاة سيتعدى هذا ليصب في إحياء المجتمعات والشعوب واستجلاب الحياة العزيزة والكريمة، النظريات الاقتصادية الوضعية المختلفة قد عجزت كلياً عن إيجاد الحلول لمشكلات العالم الاقتصادية ، سواء كانت تلك النظريات رأسمالية حرة أو شيوعية اشتراكية مقيدة، وعليه فان المستقبل الاقتصادي للأمة الإسلامية، وللبشرية قاطبة، مرهون كما ذكرت بعودة المسلمين إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وحسن التعامل مع هذه التوجيهات وفق إرادة الله تعالى.
3): استشراف مستقبل الأمة الاجتماعي: العلاقات بين أفراد الجماعات في المجتمع هي التي تحدد البعد الاجتماعي للنجاح السياسي والاقتصادي لأي أمة، قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)157/الأعراف، والقيم الأخلاقية الآمرة والناهية، تحدد صورة المجتمع وسلوك أفراده في هذا الاتجاه أو ذاك.
الاجتماع لغة: تضام الشيء، وجمعه، وهو تأليف المتفرق، وتقريب المتباعد بعضه إلى بعض، ويراه البعض: " دراسة خصائص الجماعات البشرية، وعلاقات أفرادها، عند" ابن خلدون"، و" أوغست كونت"، والفرد والأسرة والمجتمع والأمة والإنسانية، تشكل حلقات واسعة من سلوكيات كل حلقة من هذه الحلقات في إطار تربية معينة، وهوية معينة، وقيم معينة، وهي في القرآن مرتبطة ارتباطاً وثيقاً، بعقيدة الإيمان والتوحيد، وشريعة الإسلام، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) 103/آل عمران، وقال تعالى: ( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً )36/النساء.
إن النظام الاجتماعي الإسلامي يراعي كل ما من شأنه أن يصب في تقوية بناء المجتمع وإنشائه بشكل قوي ومتين، فهو ينظم كل العلاقات بتناسق عجيب وفذ، ولا يدع مع هذا مجالا للخروج عن هذا التناسق، والنظام الاجتماعي كذلك يشمل كل عنصر من عناصر المجتمع، فرداً أو أسرة أو جماعة أو حتى المجتمع بأسره ، كل ذلك برباط متين وعروة وثقى، فهو ينظم علاقة الفرد مع أخيه الفرد، وعلاقة الفرد مع الأسرة، وعلاقة الفرد في المجتمع ككل، ليصل إلى تنظيم علاقة الإنسان مع الكون، وبالتالي مع غاية وجوده في هذه الأرض، مع الله تبارك وتعالى، والأسرة في المجتمع الغربي لا تقل تعاسة عن الفرد فيها، وحالها التفكك والتشرذم، فالأب ليس مكلفاً بأن يربي ابنه إلا تلك التربية التي تضمن له الحياة أية حياة، وهو مسؤول عنه في الغالب حتى يبلغ سناً معينة بعدها يتركه نهباً للحياة وصعوبتها، والأدهى والأمر أن ينطبق هذا على الشاب والفتاة، فترى الفتاة بعد سن معينة ترمى في خضم الحياة دون حصانة أو عناية، فتكون نهبا للغيلان البشرية، ونحن نرى أمريكا اليوم أكبر مثال على هذا الطغيان والتكبر والجبروت، فهي تتدخل هنا وهناك، وتضرب هنا وهناك، لا لشيء إلا لأنها تملك مقومات البطش والدمار، وهي تفرض فرضاً بسلطان البطش؛ ولا يسمح لمن يخالفها بالحياة، بينما في الإسلام الاعتراف بالآخرين منهج حياة، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )13/ الحجرات، إن العلاقة بين الأفراد في المجتمع المسلم قائمة على أسس متينة، فالمسلم في المجتمع الإسلامي لا يظلم أخاه المسلم، ولا يخذله، ولا يعيبه، ولا يتطاول عليه في البنيان فيستر عنه الريح إلا بإذنه، ولا يؤذيه حتى بقتار قدره، ولا يسبه ولا يشتمه، ولا يتكبر عليه، ولا يسلمه للهموم والمشكلات، بل يعينه ويقف إلى جانبه في كل ما يستطيع، بل إنّ الذي يمشي في حاجة أخيه المسلم يمشي الله تعالى في حاجته يوم القيامة، ومن ينفس عن مؤمن كربة ويفرج عنه هما نفس الله تعالى وفرج عليه كربة من كرب يوم القيامة وهما من همومها، ويتميز النظام الاجتماعي الإسلامي بميزات تؤهله للنجاح والبقاء، إذا فعلت القيم التي يقوم عليها كما في القرآن والسنة، ولذلك كان لا بد من دراسة النظام الاجتماعي في الإسلام دراسة شاملة ولا بد من التعمق في هذه الدراسة، حتى توضع الحلول والمقترحات المناسبة لمواجهة المشكلات والتحديات.
إن المجتمعات الغربية، وأقصد هنا – وحيثما وردت - المجتمعات غير الإسلامية، غارقة بكل أسباب الشقاء والتعاسة، ولا يغرنك أيها الناظر من الخارج أنها تعيش في بحبوحة، ويكفي أن نشير هنا إلى أن الإنسان في تلك المجتمعات لا يأمن على نفسه أو أولاده أو عائلته من القتل والسلب والاعتداء إن هو غفل عنهم لحظات، ويكفي كذلك أن أشير مثلا إلى أن السويد والتي تعتبر أغنى دولة في العالم من حيث دخل الفرد فيها، تعتبر نسبة الانتحار فيها من أكثر الدول في العالم كذلك، إن النظام الشيوعي قد مات ودفن في دياره، وان النظام الرأسمالي يلفظ أنفاسه الأخيرة، أو يكاد، فالرأسمالية لم تجلب للعالم إلا الشقاء والتعاسة، ولا يعيش من يدعيها بسعادة كما يدعى، بل يعيش في تسارع وسباق مع الزمن فاقدا للأمن والطمأنينة، حتى يتسنى له العيش والبقاء، والناظر في المجتمعات الغربية يرى عمليا صدق ما نقول، وعليه، فلم يبق إلا النظام الإسلامي وحده بإذن الله تعالى الكفيل بإنقاذ البشرية، ونقلها إلى بر الأمن والأمان.
الفصل الثالث
مقومات بناء المستقبل الإسلامي
1): المقومات الدينية الروحية:
تمهيد: ذكر القرطبي في مفهوم آية الاستخلاف سبع عشرة مسألة، وجعل مزيدا للتفصيل فيها في سورة الأعراف، ومن ذلك أن المقصود بالخليفة هنا هو خليفة الله في إمضاء أحكامه وأوامره، ووهب هذا الكائن الجديد من الطاقات الكامنة، والاستعدادات المذخورة، كفاء ما في هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات؛ ووهب من القوى الخفية ما يحقق المشيئة الإلهية، وقال تعالى: ( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )12/النحل.
ونحن أتباع الهدي السماوي قادرون بإذن الله تعالى على الانعتاق من مستنقع الانهزام والذل، وقادرون بإذن الله تعالى على تجاوز المحن والمشكلات، وقد أثبت التاريخ أننا أمة عصية على الأزمات، ونحن قادرون بما لدينا نحن المسلمين وكما قال الإمام أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى: أن نشعل في العالم الإسلامي نار الحماسة والإيمان، ونحدث في كل وقت ثورة عظيمة على العصر الجاهلي، ونجعل من أمة مستسلمة منخذلة ناعسة، أمة فتية ملتهبة حماسة وغيرة وحنقاً على الجاهلية، وسخطاً على النظم الخائرة .
أما المسلمون اليوم فهم يملكون الحق المتمثل بهذا الدين ، القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنهم لم يمتلكوا القوة التي تعمل على تهيئة الجو المناسب لإيصاله للناس ، وإن كان الامتلاك بالنسبة للأول، وعدم الامتلاك بالنسبة للثاني نسبي ومتفاوت، إلا أننا كمسلمين مدعوون لامتلاكهما معا دون التفريط بأحدهما.
1- الدين الإسلامي: إن الحل الأمثل لمشكلات العصر هو وحده، وليس شيئا سواه، بهذا الدين، قولا وفعلا، عقيدة وشريعة، وعبادات ونظام حياة، وهو بهذا ينعتق من كونه حلا يمكن الاستغناء عنه إلى حل يصل إلى كونه ضرورة بشرية، والدين بهذا المفهوم ليس دين جماعة دون جماعة، ولا شعب دون شعب، بل ولا فرد دون فرد، بل يمتد ليشمل ذلك كله، وهو كذلك لا ينظم جانبا دون آخر، فلا يكتفي بتطبيق العبادات دون النظر إلى المعاملات، وهكذا ، فهو منهج حياة متكامل من حيث العادات والعبادات كما يشمل تنظيم حياة البشر في شتى النواحي، سواء من حيث التعامل والسلوكيات، وحسن الخلق، أو من حيث تنظيم حياة البشر من حيث الاقتصاديات والاجتماعيات.
والمسلمون بما حباهم الله تعالى من نعمة هذا الدين يتوفر لديهم أهم أسباب ومقومات بناء المستقبل، والحل الأمثل لكل احتياجات الحياة، وعندهم التفسير الأمثل لغاية الإنسان من وجوده، وعندهم كذلك، من خلال هذا الدين، ذلك التناسق التام والرائق والرائع بين الحاجات المادية والحاجات الروحية، لكل من الفرد والأسرة والجماعة، وصولا إلى التناسق التام في التشريعات التي تنظم شؤون المجتمع مع منظومة الكون الواسع، والحل الإسلامي الذي ننشد هو ذاك الحل القائم على أساس من التكامل الوظيفي بين الدين، والفلسفة، والعلم ، في شمولية تستوعب كل قضايا العصر، وتجيب على جميع تساؤلات الإنسان، وتكون في مستوى مستجدات الحضارة وطموحات الإنسانية، قال غوستاف لوبون عن طبيعة هذه الأمة وتأثير الدين فيها: (تأثير دين محمد في النفوس أعظم من تأثير أي دين آخر، ولا تزال العروق (الأقوام) المختلفة التي اتخذت القرآن مرشداً لها تعمل بأحكامه كما كانت تفعل منذ ثلاثة عشر، إن الإيمان المفضي إلى النصر والتمكين والاستخلاف، والمنوط بالوعد من الله تعالى، هو ذلك الإيمان الذي يستغرق النشاط الإنساني كله " .
2- العلم: العلم مع الإيمان من أعظم أدوات وأسلحة النهوض بالأمم، أول كلمة نزلت من الرسالة الخاتمة: اقرأ، لها من الدلالة اللغوية في الإعجاز القرآني ما لا حصر له من المعني والدلالات، ليشمل أوجه الحياة بأسرها، وبالعلم تستطيع الأمة أن تطوّع كل ما لديها من إمكانات؛ لتصوغها أدوات قوية تساهم في المستقبل الذي تنشد، ووردت بمعانيها وألفاظها في القرآن أكثر من 484 مرة، وبدلالاتها تصل إلى (750آية) 1/8 من آيات القرآن، والعلم يوصل إلى أن يؤدي الحقوق إلى أصحابها، وان ينشر العدل والحب والتسامح ، فلا مجال في هذا الدين للظلم وإن كان المخاطب هنا أو هناك غير المسلم .
ويرى فوكوياما مثلا، عن مبرر استغلال تطور العلم والتكنولوجيا في تسخيرها للشر؟ والتي يفترض بالأساس أنها تزيد من تقدم ورقي المجتمعات أجاب: بأن قدرة التكنولوجيا على تحسين الحياة البشرية تعتمد على التقدم الأخلاقي الموازي للتقدم العلمي، وبدون ذلك ستتحول التكنولوجيا لخدمة أغراض الشر، وستصبح الإنسانية أكثر سوءا مما كانت عليه في الماضي.
3- التاريخ: قال تعالى: ( قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ )137/آل عمران، وغيرها من الآيات التي تبين أن في الحياة سنن ينبغي دراستها في مصير وتجارب الأمم السابقة، والحاضرة، للاعتبار بها، يقول ابن خلدون رحمه الله في مقدمته:" أن فن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا‏" ، وهو دعامة أساسية من دعائم ومقومات استشراف المستقبل، والقرآن الكريم قد حث المسلم على السير في الأرض، وأمر بهذا السير واعتبره عباده يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، عبادة السير والتفكر في ملكوت الله تعالى، وقد تنوعت أساليب القرآن الكريم في الحض والحث على دراسة التاريخ، ومنها مثلا القصص القرآني، بل أن القرآن الكريم فيه سورة كاملة أسمها سورة القصص، وفي ذلك ما فيه.
يقول ابن عجيبة رحمه الله: إن الله تعالى بعد أن حث الناس على السير والاعتبار، وجههم إلى أن ينظروا إلى آثار الذين من قبلهم؛ كيف دمرهم الله، وأخلى بلادهم ، وبقيت دارسة بعدهم ، كعاد وثمود، وغيرهم من الأمم العاتية، والجبابرة الطاغية، حتى كان منهم من يفتل الحديد بيده، ويقلب وجه الأرض بالحراثة، ويستنبط المياه، ويستخرج المعادن، وغير ذلك، وهم كذلك، وفوائد دراسة التاريخ والأمم، التالي:
1): دراسة لسنن الله تعالى في الأمم السابقة، لفهم التاريخ، والاعتبار بها.
2): التاريخ يقرر مجموعة من الخيارات التي يمكن أن تنتهجها الأمم، لصنع مستقبلها.
3): في دراسة التاريخ صورة تطبيقية حقيقية، يمكن أن يستضاء بها.
4): الحملة العنيفة التي يشنها الأعداء على تاريخ هذه الأمة، تخوفاً من تكرار صناعته من جديد.
5): إن دراسة التاريخ تدفع نحو التفاؤل والأمل بإعادة أمجاد الأمة من جديد.
المبحث الثاني: المقومات المادية لصناعة المستقبل
1- صناعة الإنسان الخليفة: إن أي حضارة، لا يمكن أن تقوم بدون الإنسان، فهو مقوم أساس من مقومات البناء، وهو الوسيلة وهو الغاية في الوقت ذاته، ورد ذكره في القرآن أكثر من 56 مرة، وأعطي وظيفة ما أسماه الله " خليفة" ليقوم بما كلفه الله من مهام الحياة، على هدي منهج الله، وهو شريعته الخاتمة، قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)، 72/ الأحزاب، إن دور الإنسان المسلم في العصر العالمي الحديث دور مهم وصعب، مهم باعتبار أن البشرية متعطشة لتغذية روحها بالإيمان الذي يبعث الطمأنينة في كل أرجائها، وبناء الإنسان المسلم الذي يسهم بإظهار الإسلام على انه الدين الخالد، الذي يجب أن يحكم، والذي يجب أن يطبق، الدين الحق الخالد، المؤهل لحل مشكلات البشرية، وهو الدين الذي يقبله الله تعالى خالق الكون ومدبر أمره ، قال تعالى: ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )85/ آل عمران، ولذلك اقتضى اللطف الإلهي تقويم مسير الإنسان على طريق الاستخلاف بالنبوات والرسالات والشرائع السماوية، منذ بدء الرسالات وحتى ختامها بمحمد صلى الله عليه وسلم، وحجم المسلمين اليوم في الأرض يؤهلهم لقيادة البشرية؛ إن أحسن المسلمون استثمار ذلك، في إخراج جيل نوعي يؤمن بدينه ويعتز بإسلامه، ويستوعب واجباته تجاه أمته، والكوكب الذي يعيش فيه، والكون الذي يدور في فلكه.
2- الإمكانات والثروات الهائلة للعالم الإسلامي: 1): الموقع الجغرافي الحيوي الهام، 2): وسطية الأمة يجعلها شاهدة على البشرية في كل ناحية، والشاهد الصادق يشهد بالحق وينصره، 3): حجم الثروات الطبيعية الهائلة التي تتمتع بها الجغرافية الإسلامية، 4): ثقافات الأمم الإسلامية ولغاتها تشمل كل أمم الأرض وشعوبها، 5): الأمة الإسلامية هي الوحيدة في هذا الكون المؤهلة لقيادة العالم.
• والأمر كذلك، فعند الحديث عن المستقبل وبنائه؛ فالحق، والعدل، والحرية، والمساواة، قيم باتت البشرية متعطشة ومتلهفة للاستظلال بظلها، وهذه القيم لا بد لها من قوة توقف أعداء الخير والحب والاستقرار عند حدهم، وتضرب عليهم بيد من حديد، لأنهم أعداء أنفسهم قبل أن يكونوا أعداء أمتهم وقبل أن يكونوا أعداء البشرية، خاصة بعد أن استنزف الغرب مقوماته الإنسانية، وفشل في أن يمنح بحضارته العرجاء السعادة والطمأنينة للناس والبشرية، والإسلام وحده هو الدين الذي يملك كل الخصائص والمقومات التي تؤهله للبقاء والانتصار والانتشار، فهو الدين الإلهي الرباني الذي يشمل في تشريعاته كل ما يصلح البشرية ويسعدها .
الفصل الرابع: معوقات بناء المستقبل من منظور القرآن
1- المعوقات الداخلية: حصرها الشيخ القرضاوي في خمسة عوامل رئيسية: هي جهل الأبناء، وضعف العلماء، و بخل الأغنياء، و جور الأمراء، وكيد الأعداء.
1): تعطيل العمل بأحكام القرآن: يقول الله تعالى في محكم التنزيل: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) 165/آل عمران، وهذا إما لتقصير في تطبيق أحكام الله، أو لفهم منقوص مجزوء لكتاب الله والإسلام، وهذا التعدي هو الذي أخرج الناس مما كانوا فيه من نور وهداية، إلى ما هم فيه من تخبط وضياع، ولقد أشربت أنفس الأمة الانقياد إلى الدين، حتى صار طبعاً فيها، فكل من طلب إصلاحها من غير طريق الدين فقد بذر بذراً غير صالح للتربة التي أودعها فيها، فلا ينبت ويضيع تعبه، ويخفق سعيه، وأكبر شاهد على ذلك ما شوهد من أثر التربية التي يسمونها أدبية – من عهد محمد علي إلى اليوم – فإن المأخوذين بها لم يزدادوا إلا فساداً – وإن قيل أن لهم شيئاً من المعلومات – فما لم تكن معارفهم العامة وآدابهم مبنية على أصول دينهم فلا أثر لها في نفوسهم، وما نشهده اليوم ونشاهده من فتن وآلام في مجتمعاتنا ما هو إلا نتيجة عن ابتعادنا عن ديننا، وتعطيلنا لأوامر ربنا في أكثر شؤون حياتنا.
2): المعوق الثاني الجهل: كما ان العلم اساس البناء، فالجهل أساس الهدم والتخلف والإعاقة، قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) 103/الكهف، وإن الجاهل ليس مؤهلا للبناء ولا للنهوض، وإن نظرة سريعة خاطفة إلى حال أمتنا اليوم، أمة العلم، ليجد الناظر فيها العجب العجاب، فها هو الجهل يضرب في أوصالها وأعماقها، وهو ينتشر انتشار المرض في الجسد، الذي ينهكه ولا يميته، وإن إحصائية للتعلم والتعليم في العالم العربي والإسلامي، وإن كان ليس الموضوع هو المقصود، لتدل على حجم المشكلة التي وقعت فيها أمة العلم، حيث ذكرت المنظمة العربية للثقافة والعلوم أن عدد الأميين في العالم العربي وصل إلى سبعين مليون شخص خلال سنة 2005.
ومن الملفت للنظر أيضا أن مراكز العلم واستشراف المستقبل تكاد تكون معدومة إذا ما قورنت بأعدادها في الدول الأوروبية، في إشارة واضحة إلى بعد مسلمي اليوم عن مراكز العلم والتأثير، والأخذ للأسف الشديد بحظ وافر من الجهل والأمية.
2- المعوقات الخارجية لبناء مستقبل الإسلام:
1): مؤامرات الأعداء: وإمكاناتهم المادية الهائلة: والقتال ليس له صورة واحدة خاصة في هذا الزمن، فهناك قتال بالسلاح وهو المعروف والمشهور، ولا يزال أعداء الله تعالى وأعداء البشرية وأعداء البناء والنهوض والخير، لا يزالون يقاتلون بكل ما أوتوا من أسلحة ومن قوة، وهم ينوعون في طرائق قتالهم وعداوتهم، ولا يقفون عند حد السلاح التقليدي المعروف، بل يتجاوزونه إلى كل الأسلحة الممكنة، من غزو فكري وتخريب للأخلاق، ومحاربة لكل بذور الخير، بإثارة الفتن وافتعال المشكلات هنا وهناك، وفي زعزعة الاستقرار الأمني للناس ومحاربتهم في اقتصادهم، لتجويع الشعوب والحصول من الشعوب المقهورة على التبعية والخنوع، قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) 32/ التوبة، كيد الأعداء ومؤامراتهم المتواصلة لمحاربة هذا الدين وأتباعه، يشكل معوقاً مهماً من معوقات بناء المستقبل والنهوض بالبشرية إلى مصاف الأمن والأمان والاستقرار .
واحصائية أولية لوسائل معوقات الأعداء الخارجية أمام النهوض بالإسلام هي: مثلا أن عدد مؤسسات التنصير في العالم بلغ حوالى ربع مليون مؤسسة تنصيرية تمتلك 100مليون جهاز كمبيوتر تتبع 25 شبكة إلكترونية موزعة على الكنائس الكبرى في العالم، وتصدر 100ألف كتاب و25 ألف مطبوعة صحفية بأكثر من 150 لغة وكلها تخدم التنصير، وهناك 500 قناة فضائية وأرضية جديدة بالإضافة إلى ما سبق ذكره كلها متخصصة في التنصير، وكذلك حوالى 100 ألف من المراكز والمعاهد والمحطات التي تتولى تدريب وتأهيل المنصرين على مستوى العالم الإسلامي، كما حققت الإرساليات الأجنبية دخلاً قدره 90 بليون دولار، ويعمل في خدمة التنصير 82 مليون جهاز كمبيوتر، وصدر 8861 كتابًا و24900 مجلة أسبوعية تنصيرية، ووصل عدد الأناجيل الموزعة مجاناً إلى 53 مليون، كما تبلغ محطات الإذاعة والتلفاز المسيحية 3240 محطة وإذاعة، وقد بلغ ما أنفق لدعم ميزانية التنصير خلال عام 1991م حوالى 181 مليار دولار، والذي زاد بمقدار 30 مليار خلال عامين، حيث كان عام 1989م حوالى 151 مليار دولار.
وهذا الكيد وتلك المؤامرات لن تمنع النور من السريان في أوصال البشرية ولو بعد حين، ولسوف يدرك العالم آجلا أم عاجلا، أنه في أمس الحاجة لأن يسمح لهذا النور بالانتشار، ولسوف يقف بكل ما أوتي من قوة لرد كيد الأعداء وإبطال مؤامراتهم المانعة والمعيقة لعملية البناء والنهوض للوصول إلى مستقبل زاهر للبشرية جمعاء.
2): الخطر اليهودي وتغلغله: فحيث ما كانت فتن أو قتل أو تشريد تجد الأصابع اليهودية هي العامل الأكبر والسبب المباشر وراء ذلك كله، والقرآن الكريم خير من يحسن وصفهم، ويكشف مكرهم، ويبين خطرهم، إن الصهيونية العالمية والصليبية العالمية ما زالتا حليفتين في الحرب على الإسلام، على كل ما بينهما من أحقاد ولكنهم كانوا في حربهم للإسلام كما قال عنهم العليم الخبير: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )51/المائدة، إن الحديث عن المستقبل من منظور القرآن الكريم لا يمكن أن يكون حديثا متكاملاً إلا إذا بينا دور اليهود فيه من حيث الفساد والإفساد، وكونهم، أي اليهود، أداة رئيسية من أدوات الخراب والدمار للمستقبل وأركانه، والمعوق المتمثل باليهودية العالمية يعتبر رأس الحربة في المعركة الأخيرة بين الإيمان والكفر، فاليهود عليهم لعنة الله تعالى في طليعة المناوئين والمحاربين والفاسدين والمفسدين للبشرية كل البشرية.
وباستعراض سريع لتاريخ اليهود عليهم لعنة الله تعالى، نجد وبكل وضوح أنهم وراء كل فتنة، فهم من ألب الأحزاب على الدولة المسلمة الناشئة في المدينة؛ وهم الذين ألبوا العوام، وجمعوا الشراذم، وأطلقوا الشائعات، في فتنة مقتل عثمان - رضي الله عنه - وما تلاها من النكبات، وهم الذين قادوا حملة الوضع والكذب في أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي الروايات والسير، وهم من كان وراء إثارة النعرات القومية في دولة الخلافة الأخيرة؛ ووراء الانقلابات التي ابتدأت بعزل الشريعة عن الحكم، واستبدال الدستور بها في عهد السلطان عبد الحميد، ثم انتهت بإلغاء الخلافة جملة على يدي أتاتورك، وسائر ما تلا ذلك من الحرب المعلنة على طلائع البعث الإسلامي في كل مكان على وجه الأرض، وهم من كانوا وراء النزعة المادية الإلحادية، ووراء النزعة الحيوانية الجنسية، ووراء معظم النظريات الهدامة لكل المقدسات.
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(14): خلاصة كتاب: " إسلام السوق" ل: باتريك هايني
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله مع المحسنين) 69/العنكبوت.
هذا الكتاب: حصيلة حواراتي عشر سنوات في مصر (مركز الدراسات/القاهرة- سيداج)، ورفقة فريق موقع إسلام أون لاين، وصديقي المصري الراحل: حسام تمَّام، (توفي في الثورة المصرية)، وزوجتي العربية.
تصدير:
شغل العقل المسلم أخيراً بالتعامل مع الاستبداد، وبحث سبل الخلاص منه، وانخرط كثيرون في الحداثة دون معرفة الدعاة لمواطن خطرها، وأثر فشل الصحوة الإسلامية، لتبنيها قيم السوق، والقيم الأمريكية البروتستانتية، حول النجاح الفردي الدنيوي، الذي تبنته الأجيال الجديدة، منصرفة عن تسويق المفاهيم الكبرى للنهضة والخلاف، انسياقاً مع الثقافة الاستهلاكية، التي تسوقها مشاهد القنوات، ومشاريع المدارس الخاصة الحداثية، برتوش الحجاب واللغة الإنجليزية، سوق إسلامي لمن يدفع ولمن يكسب، مثال: (موضات الحجاب) التابعة لأرقى دور الأزياء العالمية، التابعة للنظام الرأسمالي وفكره، والأثر الفارق بين أخوان الريف وأخوان المدن، وأثر تراجع تحكيم الفقه في القرارات الدعوية والتنظيمية، والسؤال المطروح ما أثر ثبات القيم الإسلامية الأصلية مع ازدياد التحكم الرأسمالي في الحياة والمال. بقلم: هبة رؤوف عزت.
مقدمة: إسلام السوق بعد الربيع العربي
أسهمت الثورات العربية في دفع الإخوان إلى السعي للحصول على السلطة، وتخلي السلفيين عن العزلة السياسية والتشدد، والانخراط في المجال الديمقراطي براغماتياً، وتوسع الظاهرة الجهادية مع اللحظة الثورية، وتعبئة غير الإسلاميين لمناهضة السلطوية الإيديولوجية، في إطار إصلاحي، وسهولة اندماج الجميع في معروضات وظائفية لجهات مدنية عالمية، والجهة الوحيدة التي جندت أعضاء جدد في هذه الظروف هو التيار الجهادي، وتأكدت من سرعة تفاعل العالم العربي مع حركتي الأسلمة، والعولمة في الوقت ذاته، وعجز الإسلام السياسي عن طرح البديل العملي، واكتفاء النموذج التركي والتونسي بالانخراط فيما هو قائم من العلمانية، ودعم الربيع العربي ما أسميه " إسلام السوق".
وإسلام السوق: يعني مزيج النزعة الفردانية المتعولمة، والتخلي عن شعار الإسلام هو الحل، ومراجعة إهمال مسألة الدولة، والانفتاح على العالم، للربط بين الهوية والسياسة والدين بواقعية، وهو يشمل التعبير عن الإسلام من خلال السلوكيات الفردية العفوية، غير المرتبطة بحزب أو جماعة، لشمولها الجميع، وهي ظواهر جديدة في التدين، في كل دول العالم، وهي ليست بديلاً عن الإسلام السياسي، بقدر ما هي ألوان من الانفتاح على العالم بهوية إسلامية جديدة، مثل مفاهيم ألوان التعبير عن الحشمة، والأعمال الخيرية، والأناشيد الثورية، والتحقق الفردي الناجح، منها بطابع صوفي، وعولمي، وهجين، واجتماعي، ومنفتح، متجاوزة المفاهيم الإسلامية الكلاسيكية: الخلافة، والأمة، والجهاد، والدولة، والمراهنة على القيام بالانخراط الاجتماعي دون الحاجة لسلطة وحكم، على الطريقة الأمريكية، في ترك أمور المجتمع للمجتمع، وهذا ما أقصد به " إسلام السوق"، وهذا ما يؤكد عدم التصادم بين الثقافة الغربية، وعودة التدين للمجتمع العربي، وهنا يبرز مشروعية نمط الحياة التعددية.
مقدمة: بعد أحداث 11سبتمبر سيقحم الإسلام لمناهضة العولمة، بتمدد الديني في العالم الإسلامي، مع تكاثر النقمة داخل الحركات الإسلامية على التعصب الطائفي، والتشدد في الخطاب الديني، وثانياً- تضاؤل سيطرة الجماعات الإسلامية، لصالح دعاة مستقلين أكثر انفتاحاً، كتاب، ومنشدين، وداعيات، يتوجهون للفلاح الفردي، متجاوزين الطموح للسلطة، وهؤلاء مغيبون عن الاهتمام الذي يستحقونه من الغرب، فالحجاب أصبح ماركة، والنشيد الإسلامي، أصبح نوعاً من الغناء والرومانسية العفيفة، والزكاة أصبحت إنسانوية، وبدل الإصرار على بروز الهوية، حل محلها الانفتاح على الآخر، وأصبحت المواضيع القديمة: الخلافة – والشريعة- والدولة الإسلامية، مواضيع منسية، لانطلاق الشباب في التدين غير المسيس، كأنها عملية (برجزة) مقابل (الأسلمة) للربط بين الديني والاقتصادي، وسيطر على الشاشات دعاة لهذا النوع من التدين (المودرن)، وهذا ما عنيناه بإسلام السوق، المتحرر من هيمنة أرباب الإسلام المتشدد والسياسي، ويظهر ذلك في:
1- انتشار التدين الفرداني العصري الأقل نضالية، وبترقيع أكثر لروحانيات لا تنتمي إليه، بتفكير إيجابي استهلاكي.
2- واستبدل الإسلام الصارم بأخلاقيات (بروتستانتية) تقدس لاهوت النجاح، الذي ينأى بنفسه عن الاحتواء.
3- التأكيد على روح المؤسسة داخل مساحة الديني، بعقلية برجوازية، بعد فشل تجارب النضال الإسلاموي.
4- تسييس الإسلام من قبل غير الإسلاميين، لإنتاج تدين ليبرالي، قريب من قيم الجمهوريين الأمريكان في الخدمة.
5- إسلام السوق المذكور يتقاطع مع القيم الأمريكية وطموحاتها، في صد الإسلام السلفي الكلاسيكي المقولب.
الفصل الأول: تجاوز الإسلاموية
تراجع السردية الإسلاموية نتجت عن 1- نزع القداسة عن التنظيمات الإسلامية، 2- تحول كثير من المبادئ الإسلامية من المطلق إلى النسبي، 3- ظهور أنواع من التدين المنفتح، الزاهد في الاهتمام بالسياسي والدولة.
1- البند الأول نزع القداسة: يظهر في قواعد شباب الأخوان، بعد الانكسارات المتعددة للتنظيم، والتركيز على ضبط وإخضاع الفرد، لا تعليمه والحوار مع تطلعاته الحياتية، حتى صار في ذهن المنتسب أخيراً مقولة: نعم لله...لا للتنظيم، وعبر بعضهم عن أن الخطاب الإسلاموي فقد بريقه، وجمد الأخوان عند خط ثابت لم يتجاوزوه، توقف الزمن لديهم، على منجزات كمية لا نوعية، لفقدان التخصص الدقيق في التنظيمات،
2- مخيال غير محدود: لدى عناصر ناقمة داخل التيار الإسلامي، وتأبى مغادرتها، مكتفية باستيراد أنماط غربية من الثقافة لأسلمتها، كتعبير مزدوج عن النقمة، وهن الالتزام، بشكل منفتح على العالم والثقافات، وهذا يشكل نوعاً من الاندماج الإيجابي، تحت عنوان " جهاد النهضة" و " الجهاد المدني" و " الجهاد التطوعي" و " والجهاد الإلكتروني" الخالي من التعريف القديم للجهاد [ هذا كلام غير صحيح من الكاتب، لأن الجهاد يشمل كل هذه الأمور حسب الحاجة] حتى أن خطاب حزب الوسط، يجعل الدين يشمل الأقلية القبطية المصرية كذلك [ وهو كذلك من عهد الوثيقة النبوية]، وكانت استاذة جامعية إسلامية، تعظ في المساجد، وأسست محل بيع أعشاب للعلاج الطبي والنبوي، وفي إندونيسيا دمجت فرقة إسلامية بين الترفيه والتعليم، من خلال الموسيقى الدينية الدعوية، وهناك فرقة أفريقية أوروبية إنشاديه ترفض هذا الدمج، واتجه فريق من الشباب الإسلامي والإخوان إلى مناهج ودورات التنمية البشرية لإقحامها فيما يتعلق بشتى جوانب حياة سيرة الرسول، كبدائل عن المتطلبات السياسية في الإسلام.
3- العودة إلى إيقاعات العالم: يتعرض المشهد الإسلامي للتفكك من الداخل والخارج، بثقافة الاستهلاك والنمو الفردي داخلياً، وبالانفتاح على الحداثة والغرب خارجياً، يمثلها بوضوح الأغنية الدينية، بعد أن كانت أنشودة دينية صارمة، ظهر ذلك في فرق إندونيسية وماليزية، وأردنية ومصرية، وأمريكية وأوروبية، بقالب صوفي، أو شعر عربي، تتغنى بالإيمان والإسلام، وهذا نوع من المصالحة بين الإسلام والموسيقى والثقافة، وتجاوز للإطار السلفي المتشدد، كما ظهر شيء من هذا عند شباب أمة الإسلام السود الأمريكية، وظهر من ذلك فرق الإنشاد المؤيدة للكفاح الفلسطيني، وحفلات الأعراس الإسلامية.
4- استهلاكية الحشمة الإسلامية: تعرض الحجاب إلى ما تعرض له الإنشاد الإسلامي من تطوير كذلك، فانتقل من الأصل المجرد (كالنقاب)، إلى الأشكال الاستهلاكية المنفتحة على الثقافات الغربية، كما في حال الاتراك في تركيا، ويرى البعض هذا انحراف لصالح النظام الغربي والرأسمالي، وتصاب بالدوار حيت تتصفح أنواع الحجاب داخل أكبر متجر له في القاهرة، فتجد منه: الحجاب الفرنسي، والحجاب التركي، والإيراني، والباكستاني،...الخ، من اختلاف المرجعيات التي يستند إليها كل حجاب، وبعضهن لا يرين في ليبرالية الحجاب غضاضة، بل لا ترى رقصها في حفلة وهي محجبة أمر مستنكر، ولم يعد مستنكراً أن تجد دور أزياء للمحجبات في باريس أو واشنطن، وما يبرز منه هو ما يتعلق بالسحر والجمال، وليس الأمر الديني، وهذا شعار شركة ملابس إسلامية (SATR ) ومثل ذلك التطور قد تجده في مقاهي إسلامية في اسطنبول.
5- زمن الدعوة العصرية: إسلام الغد يبنى من الأسفل، بنزع السياسة عن الرموز الرئيسية في مسار إعادة الأسلمة، والانفكاك عن الجماعية التي تجسد الإسلام المتنصل من السياسي، لإبراز التدين المرح والتنافسي في حالة (البرجزة)، مثال الداعية الآسيوي " عبد الله جمنستيار" و " عمرو خالد" المصري، المطبعان بقوة لإسلام اللحظة الحاضرة، من غير لحية، وبلباس افرنجي شبابي، وانخراط مع الرياضة والمعجبين، بخطاب ناعم، وكلاهما يسترشدان ببعض البرامج التبشيرية الأمريكية، يستخدمان أسلوب محبة الله النصراني، وأحاديث بعنوان من القلب، على أسلوب التخويف العقابي السلفي، بتركيز واضح على العاطفة، والتأمل، وعبادة الطموح، لخلق مسلمين فعَّالين، وما يميزهما هو ازدراء التسييس الديني، وهذا يخلق تدين جديد فيه إلغاء للوعي الجمعي، لحساب التحول الذاتي للفرد بتقنيات تطوير الذات، بقالب قريب من التصوف، أو الإسلام البرجوازي، الخالي من الاهتمام بالدولة والسياسة.
الفصل الثاني: تديُّن تحركه قوى السوق
بعد فشل الحركات الإسلامية في تحقيق أهدافها السياسية، أصبح السوق هو خيار تسويق الإسلام البرجوازي، والتعبير عن التدين المتمتع بالمشروعية، من خلال تكييف العرض الديني بين الجماهير المتواضعة المستهدفة، التي تعرف بالمحافظة، لكنها تنبذ التشدد، والابتكار بالعرض سيصل إلى شرائح غير إسلامية تكتفي بالتعبير عن هوية إسلامية محلية تودداً، من خلال تسويق ماركات وعلامات تجارية اقتصادية، خارج الكلاسيكية الإسلامية المتشددة، مثل: الموسيقى الإسلامية والأشرطة الصوتية، واللحوم الحلال، والمدارس العصرية الإسلامية، مبنية على إتقان الأداء، وليس الثأر الجهادي.
عندما يمر التدين عبر الثقافة الجماهيرية: مثل شركة " سندباد" الإعلامية، الأقرب إلى تسويق مفهوم ألف ليلة وليلة، والرسوم المتحركة التي أنتجتها السعودية في الثمانينات، بشراكة مع عمرو خالد عبر شركة المحاسبين العرب، بمساعدة عمه الذي يعمل في بنك " تشيس مانهاتن" وتسويق الدروس الدينية المرغبة بالصلاح الفردي، وليس المرتبط بالمخاوف والعقاب الأخروي، (أشرطة مزخرفة بالورود والقلوب) لتخفيف الدرس الديني السلفي، من خلال سلسلة " إصلاح القلوب" البعيدة عن المجال السياسي، تباع في متجر "كارفور" وفي المواقع الإلكترونية الدعوية، غير الكلاسيكية، تتضمن ما يفرح القلوب، لا ما يحزنها، بحيث تخترق العلمانية المواضيع الإسلامية، والعكس كذلك، للتعبير عن الهوية الإسلامية الجديدة، وقبول الإسلام التعبدي، دون أن ينسحب على كل أمور الحياة، التي تسيطر عليها العولمة وتدفقاتها الثقافية، وهذا يقتضي عدم التطرق إلى القضايا الكبرى للخطاب الإسلامي الكلاسيكي والسياسي، تحت عنوان " الجهاد المدني" وهذا ما نسميه استراتيجية انفتاح لموضعة الديني في فضاء السوق غير الديني، ومن ذلك دور النشر والتوزيع الأوربية لأشرطة الراب والغناء الإسلامي، ومن هؤلاء " عماد أديب" المؤسس لجريدة " نهضة مصر" المعبرة عن تيار ليبرالي اقتصادي، وسياسة أمريكية، ومحافظة دينية.
وبرامج " منى عبد الغني" الممثلة والمطربة التائبة، ومن ذلك البرامج الدينية في المحطات والقنوات العلمانية، ومن هذه البرامج: برنامج " الهاتف الإسلامي" والخط الساخن" الذي يملكه " موبينيل المسيحي" ويعرض فيه مضامين إسلاموية، ومن ذلك شراء محطة (LBC ) المسيحية اللبنانية في شهر رمضان برنامج " ونلقى الأحبة" لعمرو خالد.
السلفية عالم الأعمال والهجرة البرجوازية: في فرنسا اتجهت لتأكيد الهوية الإسلامية عبر تطوير نشاطات مستقلة في سوق العمل، يقول أحدهم: " نحن لم نعد تحت سلطة من يمنعنا من الصلاة، نحن ننتج للمجتمع، والتجارة بركة"، وهذا ما أتاح لبعض السلفيين انطلاقة اقتصادية عبر التجارة الصغيرة، في مطاعم الكباب، ومحلات الهاتف النقال، والسوق الحلال، والألبسة الإسلامية، ولكن مع الإثراء من هذه الأنشطة، لا يخفي رغبته في مغادرة أرض الكفر، إلى البلاد الإسلامية، ومنهم من تجنده القاعدة إذا كان يسكن الضواحي، وهجرته المرغوبة تكون إلى الإمارات أكثر من السعودية، حيث يتعانق الحلم الأمريكي والحلم العربي، وتاجر آخر مغاربي يختار ماليزيا، وآخر سباك جزائري يحلم بدبي، حتى مكدونالد لم تمنعها حركة المقاطعة من الاستقرار في السعودية، والأناضول، وفي إندونيسيا يلعب ماكدونالد على الوتر الديني، واستخدام مسوقين مسلمين بلقب " الحاج".
تشفير الهوية الدينية: التأكيد على الهوية الإسلامية يميل إلى الاندماج والاختراق، من قبل الرؤى العالمية للحداثة، لإحداث القطيعة مع المخيال السلفي للهوية الإسلامية، لصالح جذب الزبائن من كل أطياف المجتمع الإسلامي وغير الإسلامي، من خلال مفاهيم العلامات التجارية، الفضفاضة في العلاقة بالمسألة الدينية.
وخلال مؤتمر اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا عام 2005م، ظهرت عروض شرق أوسطية لحجاب من حلب أو المغرب، وتوابل، وأشرطة لدعاة كلاسيكيين عرب، وألبسة وأشرطة، ومن ذلك شركة اللاعب الرياضي المسلم الفرنسي " أوليفييه سان جون" ونسخ التسويق بالألوان، وفلة بديلة باربي، مما يؤدي إلى تغيير في مفهوم الهوية الإسلامية، وشعار شركة شباب مسلمين للكمبيوتر (أناقة – شباب- احترام) ، وكان شعار الفرنسي التونسي " توفيق المثلوثي" على شركته لمشروب (مكة كولا): الذي لاقى رواجاً في عدة دول غربية: " لا تشرب كالأحمق..اشرب ملتزماً " وإحداهن أسست شركة لباس إسلامي راقي، ووضعت شعارها " آملين " وحرف M الذي يشير إلى كلمة مسلم، ومخيال الملبي الإسلامي الجديد، تجاوز التركيز على الحجاب، وأخذ بالاندماج العالمي يراعي الهاجس الأخلاقي، أكثر من الخصوصية الدينية، في شعار الماركة، وهي كلمة (دعوة وير) [ لباس دعوي] مع استهداف الفئة العمرية التي يتوجه إليها عمرو خالد (15-35) ، وغيرهم من غير المسلمين كذلك.
في معنى الحد الأدنى من السياسة الأخلاقية: مغادرة النواة الصلبة للسلفية، بالاهتمام بالمجال الموسيقي، لتحقيق الإعجاب، وليس إبرازاً لفريضة حقيقة مستقلة، بدعم المغنين الإسلاميين، مثل: " سامي يوسف" ومتعهدي الملابس الإسلامية، لتصفية المكونات الدينية، عبر الوجهة الإنسانية العامة، ولو بمجرد التعاطف مع الحركة الإسلامية، لإنشاء علاقة ما ليست متناقضة بالضرورة بين الأسلمة والعلمنة، لتحقيق انتشار القيم الأخلاقية، بتقليل التركيز على الديني، وهي الحد الأدنى من الإسلام، فيبقى من البعد الإسلامي شعار " الستر" ويبقى الرفض المتاح (الملبس الضيق، وتشيئ المرأة)، تقول مصممة أزياء إسلامية: " شعارنا: ليس جسد المرأة هو ما يجعل الملبس ذا قيمة، بل الملبس هو ما يجعل المرأة ذات قيمة"، في إطار الحشمة، وتقول: " نحن لا نريد صنع ملابس للمسلمين فقط، بل طموحون أن نبيع ملبس إسلامي للجميع، كباقي الشركات والماركات، لتلبية متطلبات السوق، والحرب مع العدو يمكن أن يكون سلمياً وبالتجارة والسوق، مثل مشروع مشروبات إسلامية، مثل: مشروبات شركة" مكة كولا"، لمقاومة الرأسمالية المادية المتوحشة، وبعض أرباحها تخصص لفلسطين، ومثلها " عرب كولا" وقبلة كولا" في كندا وأمريكا، لمقاومة فكرة صراع الحضارات.
فخر المتشبثين بالنجاح: كثير من الأمور التجارية لا يشترط أن تمر عبر الشعارات السياسية، ويمكنها أن تمارس عبر الأداء الاقتصادي، بتلبية رغبات وحاجات الناس، مثل قولة مدير شركة (أمين Amine ) للخروج من تنميط المسلمين ووصفهم بالسلبية والتخلف، فنثبت لهؤلاء العكس بأعمالنا وإنجازاتنا، وأننا لسنا مجرد عمال خدمات للفرنسيين، بل لنا استقلالنا وقدرتنا على الإنجاز والإبداع، وهو مفهوم " المسلم الطموح"، وكثير من هؤلاء الناجحين المسلمين في البلاد الغربية وغيرها يسندون نجاحهم لإسلامهم، وإلهام الإيمان لهذا النجاح، وهذا ما يمنح هؤلاء قدرة على مواجهة فكرة الجبرية الإسلامية.
الفصل الثالث:
إسلام السوق: حركة إصلاح للذوات الدينية
يشكل النجاح الفرداني للمسلم شعوراً بالاعتزاز، ذو فعالية اقتصادية، تدفعهم إلى التدين المنفتح البرجوازي، الأكثر تنافسية.
عندما تفرض البرجوازية منطقها: استفادت من الانفتاح التركي على الاقتصاد والعالم، ومثله حدث في مصر أيام السادات، وفي أندونيسيا أيام سوهارتو بتحالفه مع القوى الإسلامية الحداثية، وهذا يزيح الفكر الجبري في الإسلام التقليدي، من خلال تجار ورجال أعمال لا ينتمون لحركات إسلامية، لأنهم يعتبرون الفقر مصدر كثير من الشرور، والغنى يساعد على السير في الطريق المستقيم، وهذا ما ينعش ما سميناه إسلام السوق، وكما قال أحدهم: " الكسل والخمول يقود إلى المعاصي، وإن كانت بعض النماذج الاستهلاكية تنتسب إلى الترف، والحشمة البرجوازية، وفي تركيا نجد فندق خمس نجوم "كابريس" على ضفاف بحر إيجة، يعلن عن تقديم خدمات إسلامية، حتى في الترفيه، على نمط الكشافة الإسلامية، الذي يتقنه المغاربة، ومثل ذلك مقاهي إسلامية في اسطنبول، تستهدف " تقوى الجمهور"، ومثله فلسفة مطعم (دلروبا) في اسطنبول، على النمط العثماني، بينما هاجم أحدهم المنظمات الإسلامية في فرنسا لأنها تحولت إلى مسوق تجاري للإثراء والنجاح الاقتصادي، متجاهلة قيم مناصرة الفقير والمعدم، وهذا هو التطرف الليبرالي بعينه، (الرأسمالية المتوحشة).
لاهوت النجاح: الإسلامي يركز على مفاهيم الثروة والنقود، ويستشهد بتجارة الرسول صلى الله عليه وسلـم قبل الإسلام، وغنى بعض أصحابه، وأن الغنى تعبير عن فاعلية المسلم في الحياة، وإمكانية التأثير الكبير فيها وفي الناس، وأن الجهاد المالي أحد أدوات الجهاد بالنص القرآني، وهذا ما يمكن الأمة من اعتلاء المكانة التي تليق بها، وتذهب البرجوازية التركية القريبة من حزب العدالة، أن الثروة مبدأ إسلامي بالأساس، شركة (الموصياد)، ويقول أن فكرة كراهية الغنى وضعها أعداء الإسلام، لأن الصراع مع الغرب، اقتصادي سياسي، وهذا ما يقوله مهندس مصري من الأخوان، قائلاً: " السيارة في عصرنا ضرورتها ضرورة الفرس أيام الرسول صلى الله عليه وسلـم، وقال أحدهم: " أريد أن أكون مثل عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، ليكون لي التأثير الإيجابي المناسب، وقال أحد رجال أعمال (الموصياد التركية) أن الإسلام اليوم أصبح دين الفقراء والأميين، بينما يفترض البعض أن الأغنياء والمتعلمين لا علاقة لهم بالدين، هذا الوضع بدأ يتغير الآن" .
القطع مع الذهنية الاستسلامية: التي غرسها الفكر الاتكالي الجبري، لأن الإسلام يؤمن بالتدين النشط، والثقة بالنفس، وهذا من أهداف شركة الموصياد: في إصلاح معتقدات الإسلام الشعبي في الأناضول، وأن الإسلام يأمر بالعمل الصالح مدى الحياة، وتوجيه منافعه في وجوه الخير، وهذا ما طبقه الرئيس (مهاتير محمد ) بقوة في ماليزيا كلها، ومفهوم البركة عند المغاربي الصوفي (رشيد بن رشد) يتداخل مع مفاهيم روح الرأسمالية الغربية، بينما يرى آخرون أن السلبية في التفكير تقود إلى غياب الحلم، وغياب الطموح، وبالتالي غياب النجاح.
الطوبيا الإدارية الجديدة: بدأ في العالم العربي أوائل الثمانينات، وبعد مشكلة حرب الخليج في الكويت، قدوم دعاة الثقافة الإدارية الجديدة القادمين من أمريكا والغرب، بطروحات العلوم الإدارية المستفزة للنجاح والتميز والتفوق والحيوية على يد: طارق سويدان، ومحمد أحمد الراشد، وهشام الطالب، ومحمد التكريتي، ونجيب الرفاعي، وعلاء الحمادي الإماراتي، وكتاب صناعة الحياة " لمحمد أحمد الراشد، وأسهم كتاب الشيخ القرضاوي" العبادات في الإسلام" في بلورة فهم جديد ناشط للجهاد والدعوة، ومحمد عبد الجواد ألف أكثر من ثلاثين كتاباً في هذه الاتجاهات، وكتاب "الوقت في حياة المسلم" وكذلك كتب " محمد الغزالي" وهو في خانة المعتدلين، كتابه " جدد حياتك" ونجح كتاب " ستيفن كوفي" العادات السبع الأكثر فعالية " في الانتشار بين صفوف الإسلاميين، في التسعينات، وأثنى عليه أحدهم بأنه يشبه ما في القرآن من دعوة لجدية تحمل الفرد مسؤوليته. وأول شركة مصرية " سلسبيل" طورت برنامج لقراءة القرآن كانت مملوكة للأخواني القيادي (خيرت الشاطر)، وكان رجل أعمال استثنائي، توزع عمله التجاري لشركته في دول الخليج، عبر مئتي موظف، وتبع ذلك (شركة: المستشار- ومركز المستقبل- ومركز آفاق- ومركز نماء- ومركز مهارات)، وبهذه الأعمال صار التوجه من العمل الجماعي الحركي، إلى العمل الفردي الذاتي) وبهذه الأمور بدأ الكثيرون الانفكاك عن التنظيمات من أجل النجاحات الذاتية، وفي دول الخليج يعتبر: طارق سويدان أفضل من يمثل نموذج الداعية الذي يجسد هذه الرغبة في الجمع بين الدعوة وبين إصلاح الذات، اعتماداً على أدبيات التحقق الذاتي الأمريكية، وتحول من مهندس بترول، إلى دكتوراه إدارة، وقاد عدد من الشركات إلى النجاح، ونشر عدداً كبيراً من الكتب، والأشرطة، والبرامج التلفزيونية، (قصص الأنبياء) في إذاعة القرآن الكريم، وقناة اقرأ، وتلفزيون قطر، وبعضهم تخصص في مواضيع محددة، كالأسرة، وعالم الأطفال، وكان من دواعي اللجوء إلى هذه الوسائل والعلوم الإدارية في اندونيسيا وغيرها أن الأقليات غير المسلمة كالصينيين، والهنود سيطروا على الاقتصاد والشركات في هذه البلدان، والغالبية المسلمة فقيرة وجاهلة كذلك، فكان لابد من تطوير الخطاب الإسلامي، والاعتماد على العلوم الإدارية الحديثة لتحفيز المسلمين تجاه الإيجابية في تطوير حياتهم، وأن يكون لهم موقع محترم في أوطانهم وحياتهم، خاصة أن الإسلام يؤيد ذلك بقوة، وقد رحب الداعية " عماد الدين عبد الرحيم" من حزب (Masyumi ) القريب من الإخوان، بهذه التغييرات في نشر التفكير الإيجابي للتحديث والتطوير، لمحاصرة نفوذ الأقلية الصينية، بعد أن قضى عدة فترات في السجون، وسافر إلى أمريكا وحصل دكتوراه في " الموارد البشرية" عاد بها 1986م إلى إندونيسيا لتطوير العمل الدعوي والإداري، ومثله صنع " توتو تاسمارا" الذي سجن ثم حصل دكتوراه في العلوم الاقتصادية، وصمم برامج عدة في التطوير الذهني والإداري والتنمية البشرية، واستخدم المحفزات الدينية والوصايا الإلهية في برامجه، و" الأخ جيم" أسس عائلة الطلبة المقاولين المسلمين" وهو لايزال طالباً في الجامعة، وبعدها " دار التوجيه" في مدينة باندونغ ومن مشاريعها: تنظيم رحلات الحج، ودار نشر، وهاتف إسلامي، ومواضيع إدارة المشاعر والتحكم في الذات، حتى أن البنك الوطني، ووزارة المالية دفعت بكوادرها للتدرب في مؤسسته، واستقطبت " علوم الإدارة" الحديثة، الإسلاميون المتشددون الأتراك، الذين كانوا مهمشين في الدولة العلمانية، فتهيكل الحقل الاقتصادي التركي، وتحول من طبقة العلمانيين وسيطرتهم، أيام الكمالية، إلى عهد " تورغوت أوزال" الذي كان ليبرالياً غير معادي للدين، لأنه من الأرياف والطريقة النقشبندية، ومتدين، فساهم في انتشار المساجد، وقبول طلاب المدارس الشرعية في الجامعات، وسمح بنمو قطاع مالي إسلامي، حيث كانت علاقته بتاتشر وريغان جيدة، وشجع على إجراءات التصدير، مما أتاح لنمور الأناضول الاقتصاديين، وهم متدينون من التقدم إلى الصدارة، مع الموصياد وجماعة جامع اسكندر باشا، وفتح الله غولن، ومنهم حركة النورسيين، وانفتح بهؤلاء السوق الإسلامي التركي، على النموذج الإداري الحديث، ومدارس النورسيين أكثر من ثلاثمائة مدرسة داخل وخارج تركيا، وكان غولن متهماً بموالاة أمريكا والغرب.
الفصل الرابع
فاعلون لتحجيم الدولة
فكرة إسلام السوق تؤيد خطاب إسلامي لتكوين " الحد الأدنى من الدولة".
الإسلام بالمشاريع: أصبح نموذج " المؤسسات الصغيرة" التي تحقق فكرة صناعة الحياة، تجمع بين وظيفة الدعوة، وعلوم الإدارة، لتحويل الإسلام من الفكر إلى الفعل، لوضع حد للسلبية الاتكالية الانعزالية، لحمل الشباب والجمهور على تطبيق قيم النجاح، التي اختزلها رسول الله صلى الله عليه وسلـم، في حديث: " الدين النصيحة" وهي أن يكون المسلم إيجابياً، كمشروع " مكافحة المخدرات" و" الامتناع عن التدخين" و " مكافحة النارجيلة" و" مساعدة المحتاجين" و" جمع الملابس" وقد يكون روادها، مجموعة مدرسين في سوريا، وعمداء جامعات في مصر، أو لجان في ليبيا، لتعزيز ثقة المسلم بذاته، كخطوة أولى في طريق النهضة، مع تجاوز تدخل الدولة، واستطاع " الأخ جيم" الأندونيسي تعبئة مليون متطوع في أحد حملاته عام 2004م، وهذا ما نسميه إسلام السوق، أو " إسلام المشاريع" من أجل نجاح الفرد ونهضة البلد، دون الاهتمام بمسألة الدولة، التي هي بؤرة تفكير الإسلاميين، بينما إسلام السوق هو الاندماج مع الفكرة الليبرالية، لتشكيل نمط حياة فردي إسلامي شكلاً، لا مضموناً، وهذا يحقق الثروة والتطور دون مواجهة مع السلطة.
أيديولوجيا للتكيف: أعلن جورج بوش الأبن مقولة: " المبادرات القائمة على الإيمان" لمنح فرص للمنظمات الدينية تقديم خدمات اجتماعية وحكومية، وهو لتخفيف أعباء الدولة، بما يعرف بالخصخصة، لأنها أجدى من نظائرها العلمانية والحكومية، وهي فكرة حزب الوسط الإسلامي المصري، وسبق بها حزب العدالة والتنمية التركي، لأن مهمة الدولة ينبغي أن تنحصر في الخارجية، والدفاع، والعدالة، والشرطة، ومهام المجتمع التربية والصحة والتكافل الاجتماعي، ودور الدولة التحفيز والضبط فقط، أما الاجتماعيون فيضمنون نجاحهم في الانتخابات، ليمثلوا الجمهور، ويحرسوا الحريات، ويناصروا القيم الإسلامية، ويمنعوا الكحول والشذوذ، ويدعموا الاقتصاد الحر الموجه، تحت شعار" المحافظة والعولمة" .
إجماع الأتقياء: يلاحظ إلى حد ما أن المخيال الديني الجديد هو سياسي في العمق، وأن الأجيال الشابة تضغط على العلماء والحرس القديم لأجل تحقيق الحرية الاقتصادية والسياسية معاً، من خلال دعم القطاع الخاص والمدني، فيقترب من التيار الإنساني الأمريكي، مثال الجبهة السودانية القومية في السلطة، مع شعار " الاكتفاء الذاتي، المدعوم من الجماهير التضامنية الإسلامية، ودعم الأوقاف في مصر يستخدم ذات الأساليب، من رجال أعمال ورجال سلطة، لتنمية وإحسان توزيع الزكاة والوقف، وتفعيل دور المسجد، وبمساعدة رجال أعمال خليجيين، بإشراف أعوان البلديات، لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بمشاريع خيرية، وهو قريب من مفهوم "شبكة الأمان" لمؤسسات "بريتون وودز" الأمريكية، بألوان محلية، وقال نادى بمثل هذا المفكر المصري " محمد شوقي الفنجري" 1992م، أخذا بأعمال مؤسسة فورد الأمريكية، ومثله رجل الأعمال من الحزب الحاكم المصري " حسام بدراوي" وهو عضو في الغرفة الأمريكية للتجارة، أسس "جمعية رجال الأعمال للرعاية" لثلاثين منهم، للاهتمام بالرعاية الاجتماعية، بطابع ديني، وفكر سوقي، واتجاه ليبرالي لا يعارض الدين، لتحقيق الاستقرار في المجتمع، الذي ينشط الاقتصاد، وهذا دور المؤسسات المدنية، وليس دور الحكومة، وهذا ما أدركه الإسلاميون، من أن الوصول للناس بخدمتهم، ومساعدتهم، وهو ما عرف بتركيا برأس المال الأخضر، لنمور الأناضول الإسلاميين، في أعمال: جامعة أرسييز" وبعض المدارس الخاصة، ومراكز صحية، وموائد شعبية، وبعض رجال لأعمال في مصر يمولون: المستشفيات، والمدارس، والحدائق، وحتى مراكز شرطة، ويدفعون أحياناً جزءاً من ديون الدولة، زيادة على الزكاة التقليدية للمعوزين، في المنيا والإسكندرية، واستخدمت كثير من مدارس رياض الأطفال لدروس تقوية لطلاب الثانويات، حتى وجدت مستشفيات تابعة للمساجد بإشراف الإسلاميين، لتأمين الاحتياجات الروحية والمادية للطبقة الوسطى من الناس كذلك، وبعض الأطباء ليسوا إسلاميين، وهذا يؤكد التحول الإسلامي في العالم باتجاه نشاطات السوق، كبديل عن فكر المواجهة الذي نظَّرَه المودودي، وسيد قطب، ومصطفى السباعي، باتجاه مخيال إسلامي قريب من أمريكا المحافظة.
خاتمة: محور الفضيلة
أعلن "غاي سورمان" أن الأمريكيين أضحوا بتدينهم العميق غير أوروبيين، الذين أضحوا بعد انهيار الشيوعية، متجهين لحركات الأنسنة العلمانية، والنسوية، وحقوق الشواذ، هذه الشرور التي تجب محاربتها، وهناك في الجنوب وكلاء جدد يقودون حركة الأسلمة، أقل ارتباطاً بالأسلموية، بل هم أمريكيون على نحو متزايد، لتخفيف النسق الفلسفي العلماني، لصالح سياسة قائمة على الفضيلة، والأعمال الخيرية، لاستعادة الديني في الفضاء العام، بعيداً عن تغول الدولة، للتواؤم مع شكل ما من الإسلام، مثل الدعاة الإنجيليين المحاربين للشذوذ والإباحية والانحلال، من خلال قيم الطهرانية الأخلاقية، في إطار فكري تعاوني رحيم بنزعة محافظة، تؤمن بمحبة الله دون رغبة في الانتقام من المذنبين، فتجتمع صورة المسيح الغني الأمريكي، وصورة محمد التاجر الرحيم، وما صرح به وزير خارجية تركيا " عبد الله غول" : نحن مستعدون لقبول علمانية أمريكا المتصالحة مع الدين، ونرفض علمانية فرنسا المحاربة للدين، وقال " هنري بلوشير" المنبهر بقوة المعتقد الإسلامي: " أن البروتستانتية الإنجيلية والإسلام الفرنسي قد يجتمعان في بعض معارك الصحة الأخلاقية" وضد العلاقات خارج إطار الزواج، والدفاع عن العائلة، وما يتعلق بمحاربة الشذوذ، والإجهاض، والبعض يعتقد أن إسلام السوق سيقود إلى التحول الديمقراطي وانتصار الإسلامويين، وسيسرع هذا مشاريع الإصلاح في الشرق الأوسط، لدعم فكرة انبثاق إسلام مدني وديمقراطي، كما جاء في تقرير مؤسسة راند " التواصل مع العالم الإسلامي" ، من خلال الصوفية، والإخوان، لاشتراكهم معنا في مفاهيم: (التقليد – مسؤولية الجماعة- والأخلاق) ولهذا تدخلت السفيرة الأمريكية في المغرب، لتأجيل محاكمة نادية ياسين (كريمة المرشد العام لجماعة العدل والإحسان المغربية) التي تجرأت بالقول: أن النظام الملكي لا يناسب المغرب، ولهذا بشر " لويس ماسينيون" بتحقق التفاهم مع الإسلام لمحاربة الأنسنة العلمانية، التي يرفضها الفكر الأمريكي.
من إسلام السوق، إلى فضائل السوق، وإلى الحد الأدنى من الدولة، يشترك فيه الأمريكان مع الإسلام، لمواجهة فكر الأنوار الأوروبي، وهذا يمكن تسميته الحرب الفلسفية.
ملحق
أسلمة علوم الإدارة في قيم التحقق الفردي عند الإسلاميين
وهذا يؤطر لنموذج المتدين الناجح الطموح، والمرن، الذي يتجاوز الهرمية المشيخية، دون أن يخل بمبدأ الطاعة، ويجمع بين سرعة البديهة، وروح المرح والتعطش للنجاح، والانتماء الطوعي، بتأثره بأدبيات علوم الإدارة، دون التراجع الهوياتي، فيفتح المجال للعولمة بقالب إسلامي،
التوجه الاقتصادي الجديد لحركة الأسلمة: لفتح المجال بين الديني والاقتصادي، لتدريب الأفراد للتوفيق بين العملي والنظري من قيم الإسلام، خاصة بعد الانكسار الذي حققته الدولة بالسيطرة على النقابات، معقل الإسلام الحركي، ورغم شيخوخة قادته وتيبس شعاراتهم، التي لم تعد مقبولة لدى قواعدها، لم يحدث انشاق معتبر، وإنما تحول إلى أعمال منتجة ومؤسسات اقتصادية تعتبر الحركة خزان موردها ومستهلكيها معاً، حتى الأزهر دخل هذا المعترك، بإنشاء قناة اقرأ بتمويل السعودي "صالح كامل" وقال: " علي يوسف" ينبغي أن نبرز الإسلام كمنتج ملموس، وليس كفكرة عقائدية فحسب، وكذلك العرض المكتبي للمكتبات الإسلامية ومسابقاتها بطريقة جديدة، يتداخل فيها المعنوي بالمادي والاقتصادي.
حماس إسلامي لإدارة الأعمال: (منجمنت): انفتاح أدبيات علوم الإدارة، وانتقالها من كليات الاقتصاد، إلى الجمهور كتفاعل اجتماعي مع الديني، وهذا ما جلبه بعض الدارسين في أمريكا، كطارق سويدان، ومحمد أحمد الراشد، ومحمد التكريتي، ما بعد حرب الخليج وتحرير الكويت، ونُشِر كتاب " صناعة الحياة" و "دليل التدريب القيادي" وبعدها حدث اعتقالات أكثر من 100 من كوادر هؤلاء أمام المحاكم العسكرية، مما دفع الإسلاميين، إلى التفكير في أعمال أخرى غير حركية، كالتنمية والجودة، مما نشر أدبيات التحقق الذاتي الحياتي، المنتج من الأدبيات الأمريكية، للكاتب " ستيفن كوفي" وتطورت هذه الأمور وازدادت مكاتب التطوير والإدارات، والتنمية البشرية.
الاقتباس الإسلامي، أو الرؤى الهوياتية كشرط للانفتاح الثقافي: وانتشرت كتب " أكرم رضا" ومنها " إدارة الذات" وهو ينادي بأسلمة أدبيات تحقيق الذات، وربطها بتراثنا الإسلامي، ومهارات التميز الإداري لقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلـم، وكما استشهد طارق سويدان ودلل على أن العادات السبع للناس الأكثر فاعلية لستيفن كوفي موجودة أصلاً في كثير من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، اكتشفها غيرنا بالعلم والتبحر فيه، وفاتنا أن نكون السباقين لها في العصر، لكوننا أهملنا الترقي العلمي والعملي جهلاً وتخلفاً، وهذا الفهم يمد الجسور بين تراثنا والمعرفة الإدارية الحديثة، كما يراه محمد فتحي، لأن إسلامنا هو دين حيناً، وثقافة حيناً، وحضارة حيناً آخر، وكما أخذ الغرب منا يوماً، علينا أن نستعيد بعض بضاعتنا منه.
إسلام هش كفضاء للعلمنة: يرى المؤلف (كبرا وحسداً) أن إسلامنا في هذه العلوم الإدارية التنموية مجرد ديكور وإطار، لأن المحتوى هو غربي، مما يعني أن الإسلام يتقبل العلمانية، ويضفي عليها التبرير الإسلامي، (وهذا غير صحيح)، ولكن محمد عبد الجواد، لا يقبل هذا التبرير، لأنه يرى أن طبيعة الإسلام أنه يقبل ما لا يعارض قيمه، فلماذا نربطه بآية أو حديث، نحن لا حاجة لنا إلى هذا التبرير، فبينما يرى أكرم رضا أن الإسلام هو الوحيد الذي يؤسس لسعادة الإنسان بحق، ويرى أحمد محمد أن تطلعي للفوز في الآخرة من خلال فوزي الدنيوي، هو الذي يمنحني السعادة والأمل والطمأنينة، عبر الإيمان بالغيب، وهذا ما أدركه " Tom Ruddell " بمقياس: ثنائية (مؤمنون/ غير مؤمنين) و (رابحون/ خاسرون)، وهنا يظهر عمق التدين لدى أحمد وزملائه.
أسباب الحماس الإسلامي للمنجمنت: في عشر سنوات غزت كتب الإدارة والتنمية دور النشر العربية، دار البشير، وغيرها كثير، ويستخدم بعضها الطبيب النفسي الإسلامي " عمرو أبو خليل" في جامعة الأسكندرية، منها كتب صديقه، " محمد عبد الجواد" لقرب محتواها من علم النفس.
1- نلاحظ الحماس الشديد لأدبيات المنجمنت، بسبب قربها من مفاهيم الإيجابية الإسلامية، لارتباطها الشديد بمفهوم جهاد النفس في الإسلام.
2- كونها تقدم إجماعاً توافقياً، لطبقات المسلمين الملتزمين وغيرهم، لتقريبهم من تكاليف الإسلام العملية دون الاصطدام بالسياسي.
3- تمكن الدعاة من عرض بضاعتهم الدعوية بطريقة مختلفة عما سبق من مواعظ كلامية قيمية، بطريقة عملية ذات فاعلية وإنجاز فردي يرقى بالحياة الإسلامية من خلال الأعمال المؤسسية.
4- الداعية الإداري التنموي يمثل مسوق تدريب، ومسوق إسلاميات، يجمع بمهارته بين الأنماط الغربية والمعرفة الإسلامية، كطارق سويدان، المهندس والداعية معاً، في إدارة الشركات، والمؤسسات، وحضوره التلفزيوني، وذكرنا ما قام بمثله من خلال خمس عشرة شركة أندونيسية، " عبد الله جمنستيار" حيث يتآلف الدين والعوة، في "دار التوحيد"، ولا يقل دور الانترنت عن فاعليته في انفتاح كثير من شباب الدعوة، لاستخدامه في نشر الإسلام والأفكار الإيجابية معاً.
في الالتقاء بين الدعوة وتحقيق الذات صناعة الحياة: لأن مفهومها قائم على: " إذا لم تشغل نفسك بعمل الخير، فستنشغل بارتكاب المعصية، ذلك أن الفراغ هو العدو اللدود للطريق المستقيم، لأن مرادفه الفشل، وكلاهما يقود إلى الخطأ"، فالقرآن يؤكد على بذل الجهد 250 مرة، وعلى عمارة الأرض 400 مرة، وعلى استثمار الوقت 5مرات، ولهذا لخص الرسول صلى الله عليه وسلـم الدين بكلمة حين قال: " الدين النصيحة" وهي أن يكون المرء إيجابياً تجاه الأحداث والأشخاص والأشياء، وهناك عشرات الأخطاء والآثام والمشكلات التي يمكن للمسلم صناعة مشاريع لإصلاحها، وكثير منها يمكن مساعدة المؤسسات الحكومية فيها: علاج التدخين – الشيشة – المخدرات – الكسل – الأمية – الأطفال المشردين – الأيتام – مرضى السرطان – الفقر – انعدام النظافة - ....الخ.
في التزاوج بين المحلية والعالمية في عالم اتصالي؛ الإسلام بالمشاريع: لأن الوقت هو المورد النادر بامتياز، وفكرة التغيير كذلك، وهذا ما يفسر الابتعاد عن تيار الإسلام السياسي، والابتعاد عن اشتراط صب الأتباع في قالب واحد، وهذا ما تحققه لطموح الفرد المسلم من الذاتية من خلال ما يمكن تسميته " الإسلام بالمشاريع" والإداري مدرب ووسيط.
الخاتمة
يمثل الإسلام بالمشاريع ابتعاد عن الإسلام السياسي، كما يمثل ابتعاد عن الإسلام التقليدي النمطي، كما يمثل ابتعاد عن العدالة الاجتماعية، على الرغم من الادعاء بأنه يمثل المسلم الناجح التقي. ( هذا الهراء غير سليم من الكاتب).
شغل المؤلف مناصب كثيرة كباحث ومحلل لمراكز دولية غربية وأوروبية، وأخذ جوائز على بعض كتبه وتقاريره.
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(15): تلخيص كتاب: "بداية جديدة للنهضة" د. جاسم محمد سلطان
مقدمة
مرت بنا سنون الشباب، والكل سيعبرها، إما أن يترك أثراً في الحياة ينفع به، أو يمر فلا يترك أي أثر، أو يترك وراءه الجدب والقحط والخواء، والفارق بين الناس ليس في عطايا الله، لكنه في الاستفادة من هذه العطايا واستثمارها، بعض الناس يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، لكنه يعيش حياة فارغة غارقة في التيه والضلال، وآخرون يولدون تحيط بهم الصعاب، ومع ذلك يعبرون الحياة ويتركون خلفهم أثراً مفيداً لا يمحى، وأقول غير قناعاتك يتغير سلوكك، اعرف الله تعرف نفسك، فيعينك الله على تجاوز العقبات الكبرى: " لا أستطيع، وماذا أقدم؟ وما الفائدة؟" وبهذا توقظ وعيك وتجعل من نفسك مشروعاً رابحاً، وتواصل مع من يحمل هم الأمة ويعمل لأجل نهضتها، تكن مساهماً باسهم وافرة من تجارة رابحة مع الله، وهذه خريطة طريق لك فالتزم بها.
ممكنات الإنسان
قصة مليونير زاره رجل أعمال في مكتبه، فكان يدخل عليه مدير أعماله فيخبره بأخبار غير سارة مثل: خسارة بالملايين، وأخرى عن مشكلات في العمل، وما أن يخرج حتى يعود إلى زائره بالحديث والضحك، وحجز له معه في مطعم فاخر، فأحب أن يسأله وهو متأثر بخبر الخسارة المليونية، ما الذي يجعلك تضحك وتدعوني على الغداء وخسارتك بالملايين اليوم؟ فأجاب: لو عرفت مشواري في الحياة فلن تتعجب، إني كنت شاباً أبيع الأشياء بالشوارع والطرقات، وما زال الله يزيدني حتى تراني على ما أنا عليه اليوم، والذي علمتني الحياة إياه، هو الصبر والجلد والأمل، وكل إنسان فيه هذه الصفات، لكن البعض يستثمرها وينميها، وآخرون لا يرونها فضلاً عن أن يستثمروها، وهذه تسمى ممكنات في الإنسان إذا وظفها حقق أهدافه فيها.
قصص كثيرة لشباب طموح تخلى عن كل الإغراءات وهم يمتلكون شهادات تخرج جامعية، وفرص نادرة لبعثة أو ترقية، لكنهم اكتشفوا لأنفسهم أهدافاً طموحة أخرى لا يملكون من موارد تحقيقها شيئاً يذكر، سوى قوة الهدف، ووضوح الرؤية، والإصرار على الوصول بصفر من الإمكانيات، وبعد جهد وبحث وعمل مضني حققوا ما يصبون إليه، بل أكثر مما توقعوه، شرط أن لا يكون هناك يأس أو تردد،
(1) : كثيراً
إلى الشباب: كثير من الناس لهم عقول لا يعملون بها، وعيون لا يبصرون بها، وآذان لا يسمعون بها، هل هناك في الناس من هم كهؤلاء، أو كالأنعام؟ ليس المقصود مجرد الاستخدام الآلي للعقل والسمع والبصر، فهذا يستخدمه الحيوان في طعامه وشرابه وغرائزه، لكن المقصود، أكبر من ذلك وهو الإجابة على الأسئلة الكبرى في حياتنا، من خلقني؟ ولماذا خلقني؟ وما مصيري؟ ملايين من البشر عاشوا وماتوا ولم يسألوا أنفسهم هذه الأسئلة، فما مصيرهم؟
الآليات الثلاث: السلوك، المبررات، القناعات.
1- السلوك: ترى عشرات ومئات التصرفات غير اللائقة من شباب في شتى الأمور الشخصية والاجتماعية، ومع ذلك أصحابها لهم عقول، ولديهم آذان، ويملكون عيوناً مبصرة، لكنها جميعاً معطلة عن الاستخدام الأمثل، ويعيشون في غفلة متكررة، ويندمون أو يلومون أنفسهم بعدها، ولا يتخذوا القرار السليم بالتحدي والتغيير.
2- المبررات: كل الشباب هكذا، أنا حر بتصرفاتي، الله يهدينا، إذا كبرت سألتزم، لا تكن رجعياً، نحن نفرفش، إنها الدنيا والزمان، والجواب: ليس كل الشباب هكذا، هناك المتفوقون والملتزمون، والدعاة والجادون، والمبادرون والناجحون، لأنفسهم وأهلهم ووطنهم، ليس كل الشباب كما تزعم.
ليس ما تفعله حرية: لأن الحرية أنواع منها حرية الجاهل من غير ضابط، وحرية من تجذبه الشرور فتقيده بآثامها، وحرية فعل المنكرات التي تودي به إلى المستشفيات أو السجون، وحرية من يدمر جسده وعقله وروحه، فهل هذه حرية؟ أم أنها قيود يظنها الجاهل سواراً من ذهب، وإذ بها قيداً من حديد، ومن ظن أن الحرية مطلقة فهو في العبودية المطلقة.
لا تقارن نفسك بالأشرار والفاشلين: لأن حسابك انفرادي، ومعياره الواجبات والتكاليف، ومسطرته ما أوجبه الله عليك، وما نهاك الله عنه، فلا تقارن نفسك بأحد، فلن ينفعك حينها أحد، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وابيه..
ليست الدنيا كما ترسمها في مخيلتك: لأنها مدرسة اختبار، ومصير الإنسان فيها ما يختار، معسكر الصالحين فينجو، أو معسكر الفاسدين فيرسو في قاع الهالكين، وكل سنن الله في الكون تعمل وفق هذا الامتحان، فمن أطاع فاز، ومن عصى وأبى خسر وهلك، من يعمل مثقال ذرة خيراً أو شراً يراه في صحيفته يوم الحساب.
الهداية بيدك واسأل الله القبول: بداية الهداية العامة للبشر من الله، وبعدها الهدي النبوي لمن اغترف منه إلى يوم القيامة، حجة الله على خلقه، ثم جهد الإنسان لتلقي الهداية الإلهية، والعمل على الرقي بها، وصبره على مستلزماتها، فيكافأ بالقبول والزيادة، ومن أعرض عن طلبها فلا يلومن إلا نفسه.
لا تسوف ولا تؤجل: لأن التسويف آفة النفس الإنسانية لصرف صاحبها عن الفعل الواجب عمله للتو، وهذا ما يجعل المسوف يغفل عن حقوق اللحظة الحاضرة، بأن يملأها بما يستوجب حسابها له، وإذ به يفرغها من هذا الحق أو الواجب بدعوى أنه سيفعل بعدها ذلك، ولكن بعدها قد لا يأتي، وإذا جاء حقه عمل آخر يجب فيه، ولهذا كان التسويف هو إعدام للفعل المطلوب عمله في هذه اللحظة، وليس ذلك إلا تهرباً من تحمل مسؤوليات الوقت والزمن.
الفرح الحقيقي في الإنجازات الواجبة: السعادة الحقيقية في المباحات والواجبات، وليست في المحرمات والممنوعات، لأن الأولى تورث ذكرى طيبة وراحة ضمير، والثانية ذكرى أليمة وتأنيب ضمير، وفي الأولى أجر وثواب، وفي الثانية ندم وعقاب، ومن يزعم أنه مسرور بمعاصيه واهم مخدوع، وسيلقى عليه عذاب وخنوع.
لا تتضجر من مواعظ الكبار: فإنهم حنكتهم التجارب والأيام، فأرادوا نصحك وإرشادك لتختصر طريق فلاحك.
لا تقل ليس عندي وقت لهذا: لأن كل الناس يملكون 24 ساعة في اليوم، وتأكد من أنك تفكر وتعمل الصواب فيها.
لا تقل لن آخذ من الدنيا شيء: هذا ينطبق على كثير من الأشياء، سوى العمل الصالح، لأنه الذخيرة الوحيدة في الآخرة، والعملة الوحيدة المقبولة، وما عداه زيف وهباء.
3- القناعات: قال تعالى: (بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره) القيامة.
خلف كل الأعذار حقيقة خافية يعرفها صاحبها، وهي منظومة القناعات لديه، قد تكون نظرته للحياة من زاوية الشهوات، وكلما أشبعها قالت: هل من مزيد، أو من زاوية المال، أو التفاخر الأجوف، ...الخ، وبالطبع قد يخدع الناس بظاهره، لكنه لا يستطيع أن يكذب على نفسه، ولهذا على المرء أن يجلس مع نفسه ليحدد قناعاته، ويدونها، حتى لا تسجنه إحداها على حساب مصالحه وتوازنه، وليبدأ من الأعلى، من خلقني؟ ولماذا؟ هل الدراسة هدف كبير لديك؟ ولماذا؟ وكيف تحققه؟ ولا تتسرع بالإجابة، حاور نفسك، وضع النقاط على الحروف لمعرفة مصيرك المرحلي والنهائي، حدد معنى حياتك الذي تريد، كل تصرفات الناس نابعة عن نظام قناعاتهم الشخصية، ويحدد ذلك رؤية الذات، وكيف تنظر إلى الكون والعالم، ويتبع القناعات القيم المؤيدة والداعمة المستقرة أو المحببة إلى نفسك، وأولها الإيمان بالله، والرسالة التي أنزلها على رسوله، والتأمل العميق بما منحك الله من نعم كثيرة لا يحصى عددها، ولا يحاط بكنه جوهرها وقدراتك في التمتع بها، أكبر دليل على عظمة المانح الخالق الكريم سبحانه.
محطات التزود: ليست لوقود السيارات فحسب، بل لوقود روحك التي بين جنبيك، من صلوات، وصدقات، وأذكار، ومعرفة، وخرائط للسير على الطريق الصحيح المؤدي للوصول بالسلامة والأمان، والصحبة الصالحة، والأهم من ذلك أن يكون القلب حاضراً موصولاً بالاتجاه الصحيح، وبالله المنعم سبحانه.
(2): اعرف نفسك
شباب واهتمامات: طالب عربي يدرس في أمريكا، لم يكن لديه هدف سوى النجاح بأي مستوى يكون، ولو على الحافة، وباقي الاهتمامات تسجية أوقات الفراغ في اللهو والتسلية، إلى أن جاء وقت ظهور النتائج، فنجح على الحافة ما عدا مادة تحتاج إعادة، ولما كان يراجع مشرفه الأمريكي لهذا الأمر، قابل طالبان يهوديان عنده، يسألان عن أعلى درجة في المواد ولماذا انخفضت إحداها شرطة صغيرة، وعن السبيل للوصول إلى إلغاء الشرطة في الامتحان القادم، بينما هو لم يسأل عن الأعلى بل عن الوصول لأدنى النجاح، فاستغرب الدكتور، أن هذا الطالب لم يسأل عن سبيل تحسين مستواه، وقال: هذان الطالبان (اليهوديان) حريصان على المستوى الأعلى لخدمة إسرائيل، أنت ليس لديك من تخدمه بالتفوق، فكانت عبارته كالصاعقة عليه، خرج وجلس على أقرب كرسي منكسراً محطماً يحدث نفسه، من أنا؟ ولماذا؟ وما هدفي وقيمتي في الحياة.
بداية الرحلة: شكوت إلى صديق لي على الشبكة همي وغمي ومشكلتي، فنصحني أن أبحث عن أصدقاء جدد ، لأن أصدقاءك السابقين كانوا على شاكلتك، والآن ترغب في التغيير، وهؤلاء لن يفيدوك في شيء مما تبحث عنه، ابحث عمن له قضية مثل قضيتك، قلت له: ثم ماذا؟ قال اقرأ ثم اقرأ، فقلت ماذا أقرأ؟ قال: اقرأ عمن تريد نفعهم، أهلك، أسرتك، وطنك أمتك، أي كتاب من عنوانه يدلك على الطريق الذي تريد، واقترح عليك كتباً لمحمد الغزالي، عن واقع الأمة اليوم، قرأت كتابين له في ليلتين، كأنما عطشان وقع على ماء بارد زلال، تعرفت على ذاتي من خلال القراءة، ومن خلال الأصدقاء المهتمين الجادين، تغيرت وأصبحت إنسان آخر، والدراسة كأنها سيف أحارب به لأنتصر.
لحظة صراحة: تغيرت قناعاتي فتغير سلوكي ونظرتي للحياة، وأصبحت سعيداً بذلك، خمسة قيم يعرضها القرآن في مقاطع مجملة تشكل خلطة النجاح وسر الفلاح: الإيمان – والوقت- والعمل الصالح – والتواصي بالحق- والتواصي بالصبر.
كم يضيع من ساعات عمرك هدراً؟ وهل تعرف من أين أتيت وإلى أين مصيرك؟ سلوكك يجيب عنك بوضوح، فلا تبخل على نفسك بالمصارحة، وثلاث عقبات أمامك: لا أستطيع، وماذا أقدم؟ وهل لذلك فائدة، فانظر الأجوبة:
لا أستطيع: تعطيك تقييماً متدنياً للذات، مع أن خالقك ومانحك الحياة هو الله، معلم أبيك الله، أرسل لك رسول الله، خصك بكتاب الله ومخاطبتك به، سخر الكون لك، حملك أعظم الأمانات، وجعلك مآلك إليه في جنة عرضها السموات والأرض، وكلف الملائكة بحمايتك، وستقف بين يديه يوم الحساب فرداً لا تتبع لأحد، وتقول هذه!؟ وجعل لك العقل دليلاً للقيادة، والحواس الخمس، أدوات للمعرفة، وجعل الكون أمامك كتاباً مفتوحاً منشوراً لحواسك، ولا يعقل أن تملك هذه الملكات كلها ثم لا يكون همك وهدفك إلا أن تأكل وتشرب وتنام ثم تموت، فهذه الغاية للحيوان فحسب، أما أنت فأعظم مخلوق في هذا الكون البديع، فاعرف قدر نفسك واجعل لحياتك معنى، واعمل بهذا القدر العظيم، وهذا المعنى النبيل، فإن أمتك وأسرتك، ووطنك، وأهلك والإنسانية بحاجة إليك، بالقدر الذي تملكه من مواهب وعطايا الملك العظيم مالك يوم الدين.
ماذا أقدم؟ البداية السليمة اكتشف ذاتك، وابدأ بإصلاح نفسك، وتغيير خريطتك الذهنية عن نفسك، ثم سلط الضوء على ما تتمتع به من قدرات ومواهب وبصمة، فنمها، واستخدمها في الوظيفة التي خلقت من أجلها، ورسالتك في الحياة التي ترتضيها، وأمامك مئات الاختيارات لتختار ما ينفع، لنفسك وأسرتك ووطنك ودينك وأمتك.
هل لذلك من فائدة؟ نعم، صلاح الأمم بصلاح أفرادها، وأنت لبنة في البناء، كما كان قال النبي صلى الله عليه وسلـم عن نفسه، أنا اللبنة التي أتمت البناء وأنا خاتم النبيين، فمحلك هو محل الإعراب الذي تملؤه.
خارطة الطريق: سبع خطوات تحدد ما يجب أن تفعله: تيقظ – افهم – انتمي – تبنى – كن – تواصل – شارك – وستنجح بإذن الله القدير، لا تستهين بفسيلة تغرسها ولو كانت القيامة قاربت على الوقوع، وصية المعلم العظيم رسول الله، ولا تستقل صدقة بشق تمرة لجائع أو محتاج تقدمه من عرق جبينك، يغرس لك بها شجرة في الجنة يسير في ظلها الراكب مائة عام، فالعمل التطوعي والإحسان لو ساعة في الأسبوع يصلح حياً أو قبيلة أو مدينة، أو جماعة من الأيتام والأرامل والمحتاجين، ولا تنسى فكرة الثوب المنشور الذي يشارك بحمله معك من أطرافه أصدقاء وأخوة ومواطنين، لتكون أنت أمة كما فعل النبي في حل نزاع قريش على من يتشرف بوضع الحجر الأسود في مكانه، فكانت فكرة المشاركة بحمل الجميع أطراف ثوب وضع فيه الحجر الأسود، فقالوا جميعاً رضينا بالأمين رضينا بالأمين، إنها أعجوبة فضل المشاركة وفائدتها.
سبع خطوات لطريق النجاح
(1): تيقظ: بإزالة القناعات الخطأ من ذهنك، والأفكار العائقة المثبطة، وضع مكانها قائمة السلامة والكرامة وعوامل النجاح، بأن تقول لنفسك مع استيقاظ الصباح، أنا لها، أنا لها، وحدد مسار يومك وغدك، فاليقظة هي وعي الذات والفطنة بقدرها ومعرفة غرض الوجود في حياتك، كما قال ربعي ابن عامر لرستم الفرس، " أخرجنا الله لنخرج العباد من ضيق الدنيا إلى سعتها...." فبعد أن كانوا تبعاً لفارس والروم والأحباش، أصبح هؤلاء تبعاً لهم، يرشدوهم إلى قيم الإنسانية السامقة التي أحياها الإسلام العظيم.
(2): افهم: واقعك جيداً، وارسم خريطتك لطريق العبور إلى النجاح، وشارك مع آخرين من خلال الشبكة في برنامج بوابة الشباب للنهضة، سوف تجد من يرشدك ويساعدك على بلوغ غاياتك النبيلة.
(3): انتمي: إلى مشروعنا ومشروعك النهضوي على الموقع المذكور، وستجد آلاف الشباب مثلك يحققون أحلامهم في نهضة أمتهم، من خلال النهضة بذواتهم واشخاصهم لنفع الأمة والإنسانية التي هي بحاجة إلى الصالحين المصلحين.
(4): تبنى: فكرة غرس الفسيلة: هي فكرة الأمل، لمقاومة اليأس، وفكرة التمرة: هي عدم استقلال الخير مهما كان قليلاً وصغيراً، لأن الأنهار العظيمة تتشكل من قطرات المطر الهاطلة على الأرض، أما قيل في المثل، حصوة تسند جرة، وهذا حقيقة علمية، وكما سئل عامل بناء (حجار ) في ورشة بناء ماذا تعمل فقال: " أشارك في تشييد أكبر مستشفى لعلاج مرضى كذا .......، بينما آخر محطم داخلياً أجاب: " أما تراني أكسر الأحجار في هذا العمل الشاق، فلم يرى لنفسه ما يرفع معنوياته، مع أن العامل الأول والثاني يعملان نفس العمل، فهي زاوية النظر إلى الذات وتقديرها.
(5): كن:
- كن مشروعاً خاصاً: وتميز به في التفوق والاتقان في أي مجال من مجالات الحياة أو الدراسة، لتسد ثغرة ناقصة في مجتمعك وبيئتك وأمتك، يكون لك بصمة في هذا المجال، ولا تتشتت في أمور لا تسمن ولا تغني من جوع أو...
- كوِّن مشروعاً في فريق عمل: هناك مساحات كبيرة للعمل المشترك الجماعي في شتى مجالات الحياة، تقوده وتفسح مجال لآخرين لمساندتك ومشارتك فيه، سواءً في أندية، أو مزارع، أو جامعات، أو مدارس، أو مؤسسات خيرية، المهم توظيف الطافات الممكنة في عمل فردي أو جماعي، وهو هنا جماعي مع فريق عمل.
- ادعم مشروعاً: بمساندته وتقديم خبراتك وجهدك ومالك وفكرك لإنجاح أو توسيع مشروع قائم، ودورك التطوعي أو المساهمة في مثل هذه المشاريع يزيد الأمة ثروة انتاجية مادية أو معنوية لتحقيق مكانتها التي تستحقها بفعلك أنت وغيرك، لأن ساعات العمر تمضي دون توقف، فاجعلها منتجة بالخير، ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره.
(6): تواصل: مع شباب طموح يريد ما تريد، ويفكر كما تفكر، في الإيجابية والفاعلية، فتفيد وتستفيد من خلال تبادل الخبرات ونقل المعلومات، وشحن الطاقات المادية والوجدانية، وكون علاقات بناءة، تشجع وتتشجع، على عمل الخير، وتسديد خطوات الطريق نحو المستقبل المشرق المنشود لخير أمة أخرجت للناس.
(7): شارك: في مؤتمرات أو ندوات، أو ملتقيات، أو دورات، أو محاضرات، أو رحلات، أو مساهمات الكترونية على الشبكة، للتزود بوقود الهمة والنجاح، وكن بطلاً مع الأبطال، فالمسؤولية الكبيرة تصبح هينة يسيرة بالمشاركة، فيد الله مع الجماعة، ولا تبخل بجهد أو نصح أو إرشاد، كما قال الشاعر:
إذا قال قوم من الفتى خلت....................أنني عني فلم أكسل ولم أتبلد
وأخيراً:
لا يسعني سوى أن أشكر لك قراءتك الكتاب، وأرجو أن تكون أحد الذين نجحنا بفضلك ومشاركتك، ولن يترك الله عملك، وأجزل الله لك ثواب ما قمت به أو ستقوم به، والحمد لله رب العالمين.
أضف رد جديد

العودة إلى ”الحوار والفكر التنويري“