غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

مختصرات خمسة عشر كتاباً في كتاب
(1):خلاصة كتاب
" " جذور الانحراف في الفكر الإسلامي الحديث لمؤلفه: د. جمال سلطان:

مقدمة: كتاب قيم يستحق القراءة، يبحث في بدايات تأثير المستعمرين في فكر النخبة من أبناء بلادنا المستعمرة، أثناء احتكاك الغرب بالشرق حديثاً مع بدء الحملات الاستعمارية الحديثة، واختار الكاتب مصر، لقربها ووضوح التأثير في أعلامها ذلك الزمن، وسأختصر عوامل التأثير والانحراف في هذا الملخص بالتالي:
1- الخطأ الأول: مقابلة التنور الأوربي وتقدمه ونهضته، بالحقائق الإسلامية وقيمه الإنسانية، والمقاصد الشرعية في تكريم الإنسان وحريته ومساواته بها، وهذا ما فعله (الأزهري رفاعة الطهطاوي).
2- الخطأ الثاني: الدعوة إلى تطبيق التجارب والقوانين الغربية على واقعنا، وجعلها قبلة المثقفين، وتجاوز القرآن والسنة وجعلهما في الحديقة الخلفية لتفكيرنا، ومنح العصمة لقوانينهم، وهذا ما فعله (الكواكبي في طبائع الاستبداد).
3- الخطأ الثالث: النقد الشديد للتراث، دون تفريق بين الأصيل الغض منه والموروث المتأخر الجامد المحنط، والإعجاب مع الثقة بالمستعمرين في قدرتهم على انتشالنا من كسلنا وتخلفنا، وهذا ما فعله (الشيخ الأزهري محمد عبده) وأتباعه في حزب الأمة، وسعد زغلول.
4- الخطأ الرابع: الانبهار الشديد بالنهضة الأوربية، وتحرر المرأة في الغرب، والظن بأن طريق النهضة والتقدم واحد عند كل الشعوب والأمم، وتقليدهم في الفصل بين الديني والدنيوي في سياساتهم، دون مراعاة اختلافنا معهم في حضارتنا وقيمنا وتفكيرنا ومشاعرنا، وهذا ما دعا (قاسم أمين) إلى اعتبار المرأة الأوربية هي النموذج.
5- الخطأ الخامس: انجرار مفكرينا وراء دعاوى وتحليلات المستشرقين لتراثنا وقيمنا، وتبني النظريات والمصطلحات الغربية في الشرق أو الغرب، رأسمالية أو اشتراكية، مما أدى إلى انقسام حاد في صفوف الأمة بين مشرِّق ومغرِّب، متناسين مدرستنا الثالثة أو الأولى في حضارتنا الربانية الأصيلة الإسلامية المتميزة.
6- الخطأ السادس: خفوت أثر الصدمة من احتكاك الغرب الناهض بالمشرق الإسلامي النائم أو المتخلف، وحاجته إلى التجديد، واعتبار الغرب هو منارة تحقيق رغباتنا في النهوض، واعتماد قشور ما لدى الغرب أساس، دون اللباب العلمي والتنظيمي الإداري، وهذا ما فعله (عميد الأدب العربي: طه حسين).
7- الخطأ السابع: استبعاد سبب نهضتنا الأولى ومسبب كياننا النفسي والفكري والاجتماعي (الإسلام)، من أن يكون هو الحل لمشكلاتنا، بعلمانية غربية نجحت في بلادهم، لانسجامها مع أهلها ومنبتهم اللاتيني الروماني الوثني، دون إدراك وفهم للفوارق بين الأمم وقيمها ومنبتها وكيانها المذكور أعلاه.
8- الخطأ الثامن: (بعثرة الرؤية) بالغفلة الغبية عن التحدي الحضاري بيننا وبين من كان أحد أسباب استعمارنا وصراعنا وتدافعنا، في الأحوال التي رغبنا فيها بالقيام من كبوتنا، للنهوض من جديد، وتقليدهم في القشور دون اللباب، وعدم التفريق بين ما نحتاجه لديهم وما لا نحتاجه، والمطالبة بأن نكون نسخة كربونية عنهم، وحتى هذه يبخلون بها علينا، لتستمر هيمنتهم.
9- الخطأ التاسع: اعتبار الواقع لا الإنسان، هو أساس التحضر والنهضة، والظن بأن النهضة سوق غربي تستورد منه بضائع القوم لإنتاج أمة أخرى مشابهة، وغياب القيمة العليا والغرض الأساسي الذي يلتم عليه شتات الأمة وشعوبها ويلتئم؛ لتحقيق نهضتها، وهذا ما نصح به طه حسين، وكمال أتاتورك، والطهطاوي، وأحمد لطفي السيد، ومحمد هيكل، وغيرهم من عبيد الغرب وتلامذته.
10- الخطأ العاشر: استناد العاجز عن القدرة على الفعل والتغيير، إلى غيره (رجل تاريخي) وجعله صنماً، كفعلٍ من أحلام اليقظة والسحر والتمني، بسبب ثقافتنا المبتورة، القائمة على نوع من الغيبيات غير المشروعة، منتقاة من التحريف أو الاستدلالات المغلوطة، وهكذا قدس (أصحاب السر) في الدين والدنيا، واجتمعا على استغلال السذاجة والأمية الثقافية، للتحكم في رقاب الناس وأموالهم وإراداتهم.
11- الخطأ الحادي عشر: تقديم التدين المزاجي على التدين المؤصل، وتفسير الحاكمية دون التعرف على شروطها التطبيقية، وربط المبادئ بالأشخاص، حتى لو كان نبياً أو رسولاً، دون النظر إلى مقاصد الشارع الخالق سبحانه، ومقارنة ذلك كله بالقوانين الغربية، المفصلة على مقاييس أهلها، ورؤوسهم وأجسامهم وشهواتهم وأقدامهم.
12- الخطأ الثاني عشر: اعتبار الدعوة الإسلامية قضية شخصية لا حياتية اجتماعية، والوقوف موقف الدفاع عن اتهامات الأعداء، تجاه جزئيات إسلامية مجتزأة، والشك في صلاحية ديننا لنهضتنا أبداً، والخلط بين التقني والقيمي لدى القوم، وتقليدهم فيما لا حاجة لنا فيه من قشورهم، أو مما تخلوا عنه بعد مراحل من تقدمهم وتعلمهم ونهضتهم المادية الدنيوية، ووحدتهم على أهدافها ومصالحهم حصراً .


محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(2): خلاصة كتاب " آفاق الحرية " د. علي العمري:
إنني فخور جداً عندما أقول إنني (إنسان حر) وإن (الحرية أهم مبادئي) كل ذلك مما أعتز به، وذلك لأن الإسلام خلق كل منا حراً، وذو كرامة، وكتابتي في هذا الموضوع ليس بالأمر اليسير اليوم، لكثرة الإشكالات التي توضع تصنعاً أمام شعور الناس بحريتهم، وعزتهم، وكرامتهم. المحور الأول: ماهية الحرية:
يقول شاعر الحرية سيد عنها:
تيمَتْ كلَّ فؤادٍ في هواها.............واستوتْ من كل نفسٍ في حشاها
مُزِجتْ بالروح في تكوينها..............فهي لا ترضى بها شيئاً سواها
صوروها وتولوا وصفها...................ويحكم يا قوم شوهتم حلاها
فُتِنَ الطفل بها في مهده.....................وغرام الشيخ فيها قد تناهى
سبَّح العصفور شدواً باسمها......................ورآها فتنة لمــأ رآها
هي روحانية في سحرها..................مُزِجتْ بالروح فازداد سناها
وإذا قال ديكارت: " أنا أفكر إذاً أنا موجود، فإنني أقول: " أنا أعبر إذا أنا موجود، وعبر عن معناها سيد بقوله: هي معنىً غير محدود فلا...............تحصروها في حدود تتناهى
اتركوها تسبح الأرواح فيها.................إنكم لن تدركوا يوماً مداها.
اتهام الحرية: بانها تؤدي إلى الفوضى وخلخلة الصف، وانقسام الناس، وكأن الناس لا فوضى عارمة في حياتهم، ولا فساد مستشري، ولا تخلف لأمتنا، التي أصبحت ليس ذيل القافلة الإنسانية فحسب، بل سخرة الأمم وعبيد العدو المستعمر، الداخلي قبل الخارجي، وربما صنعوا في قطار المطالبة بالحرية، بعض الفوضويين المستأجرين، ليكمموا أفواه الناس من خلال الاحتجاج بهم، وهم صنيعتهم، أو جهلاً منهم بآداب التحرر والحرية، مع أن الأصل أن تقود الحرية إلى الحقيقة، والصدق والأمانة، لا أن يبقى المقيدون بقيود العبودية، على منوال: لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم، لا أعلم....الخ الاسطوانة التي يلقنها النظام المستبد لشعوبه، حتى تبقى خانعة يسهل عليه قيادها على مذبح الاستبداد والاستعباد، مع أن الحرية والقوة والشجاعة، لا تنبت إلا في البيئة الطاهرة الصادقة النزيهة.
ولا نريد ان نستشهد على مطالبتنا بالحرية، بأفضل من حديث رسول الله: " إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها" (متفق عليه، وصل الفساد والظلم وانعدام الحرية اليوم، إلى مرحلة ان لا يقبل بالرجوع عن ذلك، إلا بالمنطق القرآني، وهو قانون التدافع الذي شرعه الإسلام في مثل هذه الأحوال، وخاصة السلمي منه، القائم على التزام آداب الشريعة في التغيير نحو الأفضل والأجمل والأحسن.
نبتة الحرية: في اللغة: " الحُر نقيض العبد، والحرة نقيضة الأمة، والجمع أحرار، وحِرار" لسان العرب، وجاء في كتاب الله قوله تعالى: (فتحرير رقبة مؤمنة) 92/النساء، وقوله: (نذرت لك ما في بطني محرراً) 35/آل عمران، يقول التهانوي: " الحر لغة: الخلوص، وشرعاً: خلوص حكمي، في الآدمي، لانقطاع حق الغير عنه، ويقابله الرقيق" (كشاف اصطلاحات الفنون: 1/641)، وهي بمعنى الانعتاق من التبعية، واستحقاق الكرامة، والأحقية بالتصرف، ولهذا قال مخيس بن أرطأة التميمي:
فقلت له تجنب كل شيء..................يُعاب عليك إن الحرَّ حُرُّ.
الثورة والنظام المعرفي الغربي: إن (المواطن) في فكر أرسطو، الإنسان النبيل بالولادة، أما العبيد، والحرفيون، والنساء، فلا يدخلون في دائرة الحرية، وبالتالي لا يدخلون في دائرة المواطنة، التي من مستلزماتها الحق في تولي الوظائف كافة، أما " شيشرون: ولد سنة 106ق.م رأى أن المواطنة تشمل كل سكان الإمبراطورية الرومانية باستثناء الهجناء، والعبيد، والبرابرة، وبدأت تظهر فكرة (العقد الاجتماعي)، مع بروز الدولة القومية في مؤتمر وستفاليا عام 1648م، وترسخ ذلك مع " جان جاك روسو" لتفويض إرادات الناس للنظام الجمهوري، وما فيه من برلمانات وقوانين ودساتير لتحقيق المصالح المشتركة للناس، وهذا ما عرف بالنظام الديمقراطي في الحكم.
المحور الثاني: الحرية بين التصور الغربي والإسلامي
أولاً- في الجانب الاجتماعي:
- وجوب التشاور بين الزوجين المطلقين، لتحديد مصلحة الرضيع عند أمه، أو مرضعة أخرى إذا أبت الاستمرار بإرضاعه، لئلا يرضَّع بالإكراه، قال تعالى: (فإن أراداً فصالاً عن تراض منهما وتشاور، فلا جناح عليهما...) 233/البقرة.
- الفتاة البالغة حرة في قرار اختيارها الزوج أو رفضه، ولا يفرض عليها زوج بالإكراه.
- لا يجبر الزوج على الاستمرار بعقد الزواج إن رأى تعذر العيش معاً، وله حرية فسخ العقد، كما أن المرأة لها الحق في طلب الخلع والفسخ، إذا رأت أنها لا تستطيع الاستمرار في الزواج، وهي مكرهة، لكن هذه الحقوق لا تعني عدم اتخاذ وسائل الصلح والتحكيم مراحله وخطواته. ثانياً- في الجانب التشريعي
- حرية الاعتقاد مصونة لكل إنسان، لقوله تعالى: (لا إكراه في الدين) 256/البقرة، هي لليهودي والنصراني، كما هي للمسلم، على ان لا يستعمل هذه الحرية عبثاً وتلاعباً للإضرار، (وإنما هو اعتقاد حقيقي، بالحق أو بالباطل، ) ويشمل الوثنيين كذلك، والمرتد قناعة، (كما في أحد شروط معاهدة الحديبية)، وهو ما اشترطه سهيل بن عمرو: " أن من جاء منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، فقالوا يا رسول الله: أنكتب هذا؟ قال: نعم، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم، سيجعل الله له فرجا ومخرجا" (ر. مسلم)، وقد منع الرسول صلى الله عليه وسلم قتل المنافقين، ولم يأمر بقتل مرتد إلا لأنه انحاز إلى صف العدو بسيفه ومكره، فهذا تحول من مرتد إلى محارب.
- للمسلم الحق في الصوم أو الإفطار في السفر، أو اختيار القص أو الحلق لشعره للتحلل من الحج أو العمرة، وكذلك اختياراته بين الكفارات، في كثير منها، لممارسة حريته التعبدية.
- حرية الاجتهاد حسب ما يراه من أدلة، دون أن يلزمه أحد بالاتباع أو التقليد، على أن يكون من أهل الاجتهاد، فإن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران، وإن كان معروفاً بالصلاح، فلا ينكر عليه اجتهاده، ولو كان في العقائد.
ثالثاً- في الجانب الاقتصاد:
- للإنسان حرية طعام ولباس وشراب واقتناء ما شاء من المباحات، بالطرق المشروعة للتملك.
- للمسلم والإنسان أن يعقد ما شاء من المعاملات الجائزة، أو يفسخ ما عقد منها، حسب الإجراءات القانونية والشرعية المعتبرة، ولا يكره على شيء منها.
- للمسلم وغيره اللهو واللعب والترفه بما هو مباح في العرف والشرع، على أن لا يتجاوز إلى الإضرار بأحد، أو تضييع حقوقهم.
- المسلم يتحرر من التبعية والاستهلاكية، التي تزري بكرامته وحريته، والتجمل محبوب لدى الله ولدى الناس، " إن الله جميل يحب الجمال".
رابعاً- الجانب الحقوق:
- حفظ الشرع الحق العام لكل الناس، في الشارع العام، بقوله: " أعطوا الطريق حقه..." البخاري.
- ورغب باحترام وتقدير الحق الخاص، في تلبية الدعوة لعرس أو وليمة من الأقارب والأصحاب والجيران، بغض النظر عن المكانة الاجتماعية، لأن هذه حقوق اجتماعية في تمتين الصلات.
خامساً- في الجانب السياس:
- حق ممارسة الشورى: وصف أعطي من الله للمؤمنين، وموجبه يفرض على ولي الأمر حسن اتباع ما ترغب به الأمة من العدالة واتباع السواد الأعظم فيها.
- وحق تقدير المعارضين: بالاستماع إلى آرائهم، وقبول نصائحهم، وإعطاء جانب العدل للجميع، واحترام حرية الاعتراض، وبسط القانون، والارتفاع بمستوى الناس تربوياً، وأخلاقياً، ومهنياً.
- والحرية مصونة لتقدم المجتمع: فكل ما أصاب أمتنا من تراجع وتقهقر ومصائب، كان بسبب غياب هذه الحرية التي هي هبة من الله للإنسان، وصيانتها سبيل اتقان وإبداع أفضل الحلول لكل مشكلات مجتمعاتنا العربية والإسلامية، حتى تخلص عبادة المسلم لربه وحده، وهي من أصول ديننا الحنيف، وبسببها حفظ لأمتنا السمعة الحسنة في الماضي والحاضر، ولكل أهل الأديان.
الحرية في التصور الغربي:
- قال " كوندورسيه" : " كلمة ثورة تنطبق على الحركات التي هدفها الحرية "، ومنها الثورة الفرنسية، للتحرر من قيود العبوديات كافة، وحق المشاركة في تقرير مصير المواطنين، من خلال إدارة شؤون الوطن، بالديمقراطية، والاقتراع، ورقابة السلطات المنتخبة عبرها، والوصول للحرية، هو وصول للإنسانية، والتنازل عنها يهيئ لولادة الاستبداد.
- مرجعية الحرية في الفكر الغربي: عرفها د. عبد الوهاب المسيري، على أنها مرجعية جماعة ما بفكر مؤقت ظرفي، احتاجوا إلى القضاء لتحديد الحكم عليه سلباً أو إيجاباً، (المرجعية النهائية)، ومستند هذه المرجعية، قد يكون اقتصادي، أو سياسي، أو أخلاقي، ونحن كمسلمين مرجعيتنا النهائية فيما يتعلق بفلسطين، مرجعية دينية، والصهاينة مرجعيتهم دنيوية بقالب ديني، وفي موقف الاتحاد السوفييتي الشيوعي من الأثرياء كانت مرجعية (الشرعية الثورية) ومصلحة طبقة البروليتاريا، ومرجعية الرأسمالية الأمريكية رست على (قداسة الملكية الفردية) وما يتبعها من حرية نسبية شاملة، تجعل الداروينية، والأقوى، هي المرجعية النهائية، والنفعية، لكل العالم الغربي، بينما مرجعية النازية كانت (الفلسفة العرقية) لون البشرة، وحجم الجمجمة، و (تفوق العرق الآري)، واندمجت التصورات الغربية في إطار (الإنسان والطبيعة) مادة توظيفية للجنس الأبيض من البشر، والديمقراطية كانت تحسم الأمور من خلال الحصول على 51% من التصويت، فيتحول المقترح إلى قانون، بغض النظر عن المرجعيات المسمات قيم إنسانية، وهذا ما أوصل هتلر إلى سدة الزعامة بموافقة شعبه ديمقراطياً، والغرب اليوم يحكم بنفس طريقة هتلر، (الديمقراطية غير المحددة المرجعية).
- المنحى المعرفي للحرية الغربية: يفتح ويغلق حسب الصراعات المجتمعية فيها، أحزاب وطوائف وتكتلات بشرية، وليس لشيء قيمة إلا بُذل فيه مجهود إنساني، وخاصة (الوصول للحرية)، وفي تاريخنا الإسلامي مشابه وهو (مسألة القدر)، ولهذا قال أرجين: " أن من طبيعة الإرادة الإنسانية أن تختار" وأن العلم الإلهي لا يحدد لها مساراً، وإلا لانعدم الاختيار وتحول إلى جبر، وكأنه يقول على العقل الإنساني أن لا يستكين إلى صوت الدين، إذا تعارض مع (صوت العقل)، وهذه الثنائية (العقل والنقل) لم تصل إلى حد المفاصلة عند المسلمين، كما هي عند ابن تيمية، [ لا يتعارض النقل مع العقل]، وأن أصول الفهم، وقواعد الاستنباط، استطاعت إلى حد ما إزالة إشكال التعارض بينهما في الفكر والاجتهاد الإسلامي.
وأبدع " سبينوزا" في إقراره بحرية الإنسان في الإيمان، واحترام الآخرين فيه أيضاً، وقال في تعريف الإيمان: " أنه الحصول على بعض الأفكار عن الله تؤدي إلى الطاعة، وغيابها يؤدي إلى العصيان" وينتج عنه: أ- الخلاص، لأنه يحث على الطاعة، وهو من غير عمل فكر ميت. ب- والصدق، لأنه ناتج عن الإيمان والخلاص، والحد الأدنى من الإيمان الشامل، يشمل سبع نقاط لتصور الدين الصادر عن العقل: 1- وجود إله خير ورحيم بشكل مطلق، 2- الله واحد لا شريك له، لا ريب في ضرورته مطلقاً، 3- حاضر دائماً، ومطلع على كل شيء، 4- قادر على كل شيء، مشيئته مطلقة، طاعته واجبة، 5- يغفر للتائبين خطاياهم.
- ولا يهمنا بعد هذا معرفة ماهية الله ولا علمه، لأن التبحر بهذا يفسد الإيمان، وإيماننا له وظيفة
شعورية، وهذا بالتصور الغربي للإله، يقول القديس بونافنتورا: " خلق الله الإنسان، وفرض قوانينه عليه، لكن تركه حراً في أن يفرض على نفسه قوانينه الخاصة" ، بينما إسلامنا يلزمنا بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) 208/البقرة، والحقيقة أن الغرب توصل إلى الإيمان بالدين الطبيعي، والحرية النسبية، من خلال اطلاعهم على الحضارة والثقافة الإسلامية، فخلطوا شيئاً منها، بشيء من تراثهم الروماني، لحل كثير من الاشكاليات الإنسانية التي عانوا منها طويلاً، فلم يستوعبوا الإسلام كما هو الإسلام.
- ولهذا نجد حرية الغرب هي حرية الإرادة والفعل، وحرية رفض الخطأ، مع اضطراب في فهم مفهوم الحرية وتحمل مسؤوليتها بشكل دقيق، يقول هيجل: " يشكل الحق والنظام الأخلاقي، والدولة، الواقع الإيجابي الوحيد للحرية" ، ويؤكد " جان جاك روسو" استحالة أن يحكم إنسان، آخر، في المجتمع الحر، لأنه هو صاغ بحريته القوانين التي ارتضاها، سواءً كان معها أو ضدها (بالتصويت).
معضلات في طريق الحرية الغربية
- تعارض حريات الأفراد يقيدها، فمن يفعل التوازن بينها؟
- الحرية الفردية سهلة ويسيرة، - طعام، لباس- أما الحياة المشتركة، فتنظمها الأغلبية، ولكن الحقوق الطبيعية للإنسان أسبق من الأغلبية والمجتمع الذي أنشأهما، وهذه بمقتضى كونه (إنساناً)، والدولة حارسة لحقوقه، واختلف اليسار الشيوعي، واليمين الليبرالي، في تأطير الحرية عملياً، حتى قال أحدهم، ما قيمة أعمال شكسبير لمن ليس له حذاءً يلبسه؟ أو لقمة تسد جوعته؟ فهذا يبين الثغرات الكبيرة الشاسعة في مفهوم الحرية لدى الغرب.
- من مضحكات الحرية الغربية: أن الحرية حولت الإنسان إلى شيء، عبد الدينار والدرهم، وعبد الخميصة والخميلة، (الموضة- والأزياء- والإعلام)، بل فصله عن الأخلاق الإنسانية، لهاثاً وراء الشهوات الآنية، متجاوزة كل ما يتصف به الإنسان من مكرمات، ومن المضحك، اعتداء الغرب والتضييق على المحجبات والمنقبات المسلمات، مع زعمهم بأنهم بلد الحريات!
أقباس تاريخية لخريطة الحرية:
1)- يقول د. عبد الرحمن بدوي: " مرت فكرة الحرية في الغرب بمرحلة ما قبل سقراط، عند اليونان بفكرة المصير والضرورة، الحر في القرن العاشر ق.م من ليس أسير حرب، وبعد عصر هوميروس، الحر ساكن المدينة، في مقابل الغريب والأجنبي عنها، وبعد انتشار الفلسفة، صار الحر من يخضع للطبيعة، وغير الحر من يخضع للقانون، وجاء سقراط فجعلها " فعل الأفضل" والاستقلال عن الآخرين، وعند أفلاطون " فعل الخير والفضيلة" ، وعند أرسطو هي "حرية الاختيار"، وهي اجتماع العقل مع الإرادة.
2)- أما الكتاب المسيحيون، فقالوا مثل " القديس بولس" : ليست الحرية مجرد الاختيار، فآدم اختار الخطيئة، التي تكبله بالإثم، فتفسد طبيعته، واللطف الإلهي يتدخل ليساعد على إصلاحها لفعل الخير، وهنا هي الحرية: " إرادة الخير وفعله"، ويرى " أوغسطين": أن علم الله لا يحيل حرية الإنسان إلى جبر.
3)- ومسألة الجبر والاختيار، كانت لدى الفرق الإسلامية، في باب القدر، الجهم يرى أن الإنسان مجبر، والآخرون اختلفوا فقالوا : الاستطاعة بمقدرة الإنسان مع الفعل، (الأشعرية - والخوارج- والشيعة ) وقالت المعتزلة وآخرون: الاستطاعة في الإنسان مثل الفعل، وقال البعض قبله، وقال آخرون معه، وقال غيرهم أوله، وكثير من هذا بحوث كلامية تخيلية، وتحليلية، لا تستقر إلا بتبسيطها.
4)- في العصر الأوروبي الحديث:
أ- حرية الكائن الحي في العلاقة الخارجية مع محيطه.
ب- حرية الإنسان الفطرية أو المكتسبة، في نوع الفعل أو العلاقة مع الذات وإمكان الإرادة.
ج- حرية الإنسان في الاختيار.
واهتم اللاهوتيون في القرن (16-17م) في تفسير حرية إرادة الإنسان، واختياراته.
وعند اسبينوزا الحرية هي الخلو من القسر في الفعل بذاته، وهي لا توجد سوى عند الله، أما الإنسان فهو بضعة الطبيعة، ولا حرية له إلا عندما يحيل انفعالاته إلى حب الله، وعند (ليبنتز) الحرية أكثر حظاً إذا صدرت عن العقل، وأقل إذا صدرت عن الانفعال، وعند (لوك) هي حرية الفعل أو الترك، وعند (أمانويل كانط) يراها في الإرادة العاقلة أن تفعل مستقلة عن العلل الخارجية، وفي غير العاقل، ليس له هذا الاختيار لخضوعه للعل الخارجية، وعنده الحرية تشريع الإرادة لنفسها بنفسها، وعند (الوجودية) هي انفتاح الموجود على الوجود، وهي جوهر ماهية الإنسان، ويقول (سارتر): " الإنسان محكوم عليه بأن يكون حراً، وهذا ما يجعله مسؤولاً عن كل ما يفعله"
عودة إلى رشد التعريفات
- للحرية أكثر من مائتي تعريف، ولدى علمائنا لها تعريفات بحسب موقعها من الممارسة والحياة، فهي عند الصوفية، " حرية العامة عن رق الشهوات" و " حرية الخاصة عن فناء إرادتهم في إرادة الحق تعالى" وفي علم النفس: " تحقيق الفعل دون خضوع لتأثير البواعث" وفي القانون: " تحقيق الفعل دون الخضوع لضغط خارجي"، وتعريف المؤلف: " الحرية سلوك فطري يتدخل في توجيه سلوك الإنسان" .
- تمثال الحرية جَمَدٌ بلا حرية: في أكبر دولة ديمقراطية اليوم دستورها ينص على أنه يمنع سن قانون لصالح دين أو ضده، أو يمنع حرية الكلام والصحافة والاجتماع السلمي، أو المطالبة بالإنصاف" وأن من حق الشعب أن يغير الحكومة التي تصبح هدامة، وكانت أجواء الحرية والمؤتمرات الشبابية الإسلامية تصدح إلى عام 2001م، وكانت الحكومة الأمريكية تعتذر عن تجاوزاتها وأخطائها ضد الآخرين، إلى درجة تقديم تعويضات عنها، منها (مليار وستمائة مليون دولار) تعويضات لاحتجاز ثمانين ألف ياباني في ظروف حرب بين البلدين.
- لكن تحولت إنسانية أمريكا في الحرية في زمن ما، إلى فجور سياسي وأخلاقي ضد كل شعوب العالم، وخاصة الإسلامي، وحتى ضد كثير من أبنائها، ومن هذه الأساليب الإجرامية:
1- برنامج تموله الدولة لأبحاث تعقيم ربع نساء سكان العالم، لمنع الإنجاب، لحماية مصالحها الاقتصادية، وتدريب عدد من الأطباء على هذه الممارسات، مع الفقراء والمستضعفين في العالم، وبزرع شريحة الكترونية تحت الجلد في الرجال والنساء لمنع الإنجاب، وربما بعقاقير معالجة الأطعمة والأشربة، لتحقيق هذا الغرض، والتحكم بنسبة خصوبة النساء والرجال.
2- ومن صور الإجرام المنافية للادعاء باحترام وتقديس الحرية، قتل علماء الأمم الأخرى، ومنهم عدد من علماء العرب والمسلمين: حسن كامل الصباح 1935م- مصطفى مشرفة 1950م- سمير حبيب 1967م – سعيد السيد قتل عام 1989م – سميرة موسى قتلت عام 1953م وكل هؤلاء تخلصوا منهم، حينما قرروا العودة إلى بلادهم.
الحرية بين المطلق والمقيد
الإغراق في تقييد الحرية وزيادة ضوابط تحديدها، يحيلنا إلى إلغائها وإبطال مفعولها، وقد تصبح ساحة تصفية حسابات بين المفكرين على اختلاف انتماءاتهم، وهذا يشوه الحرية، ومن ذلك مناقشة:
1- كونها مقيد أو مطلقة: مع العلم بأن أصل الحرية صفة فطرية في الإنسان، وأن ممارسة قمعها في الآخرين بالعدوان لا يبرر ولو استشهد المعتدي بالقرآن على عدوانه: (إن الله لا يأمر بالفحشاء..) إذا اعتبرنا الحرية جمال وكرامة آدمية، والحرية مع الخير وهي من فصيلته، فلا يقبل الاعتداء عليها تحت أي ذريعة.
2- والمستبدون يوقفون عمل الحرية بالقانون، وهو تزوير لحقيقة أن الحرية لا تقبل التزوير، قال: " سبينوزا: " ما من مجدف إلا ويستند إلى نص".
3- الحرية لا يقيدها سوى الحق والعدالة والمساواة والأخلاق.
4- ودلالات التعاطي مع الحرية مختلفة بين الشرع والقانون، لأن كل منهما له أدواته في ضبطها لتكون حرية حقيقية بمفهومه القانوني، أو الشرعي، ولهذا حين تكون العدالة محقة ومحترمة لا يقع الخلاف بينهما، ويفصل القضاء النزيه لصالح احترام الحرية قرينة احترام الإنسان، لكن المشكلة عند تزييف القانون، وصياغته بمكر وعنصرية، أما الشرع فلا لأن الله لا يحتاج لأحد، وهو الغني الحكيم.
5- معيارية الحرية بين الحق الطبيعي، والقانون العام، فإن الواقع يفرز مؤيدات للحرية معارضة للقانون، ولا يعتبر ذلك عدواناً على الحرية، لأن من حق الفرد الاعتراض، خاصة حين يكون من الأقلية تجاه القانون الذي أجازته الغالبية، فحرية التعبير، والمشاركة السياسية، والأداء الفني، يضمن لأصحابه حقهم، وللآخرين حقهم، فإن الحرية المطلقة لا وجود لها أصلاً.
المحور الثالث- آفاق الحرية:
- الحرية والاعتقاد: فطرية الإنسان تدله على خالقه فيهتدي إليه، ويزيده الله هدىً، وزيادة المعرفة تزيد في الإنسان يقينه، ويزداد بهذا اليقين حرية، لأن الجهل يدفع للعبودية، من خلال الخوف والتخبط، والضلال، المؤدي إلى الشك والحيرة، ومن هذه الشكوك الغربية:
1- عدم إقامة الكنائس في بلاد الإسلام: وهذا ليس على إطلاقه: فالكنائس موجودة وأجراسها تصدح صباح مساء، لكن في الجزيرة العربية مهد الإسلام، وحياطة بيت الله الحرام، فمنع الكنائس مبرر، لأنه لا وجود لنصارى أو يهود فيها، أما باقي البلدان فلا مانع من وجود كنائس بقدر الحاجة إليها.
2- قتل المرتد: شبهة لا يراد فهمها، مع أن القاعدة الرئيسة في القرآن والإسلام، لا إكراه في الدين، وعشرات الآيات المؤيدة لها فيه، لكن من دخل بالعقد والرضا شريعة الإسلام، عليه معرفة نظمها وقواعدها، التي تأبى أن يتحكم بها هوى أو مزاج شخصي، ومع ذلك فإن الردة إذا كانت حرباً سياسية وعسكرية، بقالب فكري، فإن ثبوت الخيانة عن طريقها، والتعامل مع أعداء الضرار، تحكمه قوانين الحرابة، إذا كانت الردة تعقبها الانحياز لصف العدو، فقتله لا لردته، وإنما لانحيازه للعدو، فيصبح محارباً وعدواً، وما عدا هذه الصورة، فكم من مرتد لم يأبه به الرسول، ولا خلفاء الأمة، حين شاعت الزندقة والفرق الضالة، وهم بالمئات، فنوقشوا بالحوارات الفكرية والمنتديات الثقافية، حتى في بلاطات الحكم، دون إرهاب أو تهديد بالقتل، طالما بقوا أوفياء للنظام الإسلامي العام ودولته الإسلامية.
- الحرية والعقل:
أصول الفقه هو نظام عقلي للفهم والاستنباط، والحرية أحد برامجه، وهو ينطوي على مواجهة الفهم بالفهم، والسؤال بسؤال، وهذا طريق الفلسفة كذلك، والعقل فيه يعتقه من التبعية والتقليد، وحرية العقل في النظر والتفكير تمنحه الحيوية لمعايشة الوحي طبقاً للفطرة، ومنهج الاستمساك بالاجتهاد، وكما قال الغزالي في المستصفى: " خير العلم ما ازدوج فيه العقل والسمع، [ واليوم كُبِّل العقل والسمع بالتقليد، والتقليد الأعمى، حتى أصبحت ترى أشباه عقلاء، ولا عقلاء، مع أننا في قرن المفترض فيه أن يحمل تراث أجيال من المجتهدين العظماء، مع أن غالب شرائع الإسلام تقوم على ميكانيكية الاجتهاد، في الصواب والخطأ معاً، وتنمية العقل هو تطوير لحرية فاعليته، وجموده عرقلة لفاعليته، وهذا يتم من خلال حركة الإرادة وحريتها، مقابل سكونها وجمودها ]م. ن.
- الحرية والشريعة والاجتهاد:
نالت الشريعة الإسلامية من ظلم أبنائها، أكثر مما نالته من جحود أعدائها، وتمثل هذا بوضوح في إغلاق باب الاجتهاد، وإغفال مقاصد التشريع أو إهمالها، بل محاربة هذا الاجتهاد، الذي أدى إلى تعويق مسيرة التنمية الحضارية في الأمة، وكان ممن فطن إلى أهمية الاجتهاد للأمة ابن حزم (ت:456هـ) فقال عنه الحافظ الذهبي: " ابن حزم رجلٌ من العلماء الكبار، فيه أدوات الاجتهاد كاملة" ، خصه الله بالتعمق والغوص على الأسرار في كل ما يقرأ ويسمع ويرى، مستوعباً لحجج المذاهب الأربعة، وغيرهم من العلماء، ولقي ما لقي من السلاطين وبعض الفقهاء بسبب صراحته وصدقه، وإخلاصه وشجاعته، فصبر واحتسب، فسجن واحرقت كتبه ولاقى ما لاقى من ألوان الأذى ممن لا يطيقون الصراحة والجرأة والاستقامة.
ليس من جدوى وراء التساؤل عن أيهما يقدم أو يؤخر، [ لأن فقدان الحرية وتأخيرها، لن يجعل من تقديم الشريعة سوى صورة مشوهة عنها، يجعل من الإنسان والمسلم عبداً ممسوخاً ساجداً أو راكعاً لمتأله بشري هو الحاكم بأمره، يسمح ببعض الشريعة أن يمر، ويمنع بعضها الآخر فيُكفر ويجحد، والناس تظن أنها على دين الله في كثير من الأمور، وهم في حقيقتهم على دين الملك، وهذا ما يسخط الله فيستبدل المسلمين (المسخ) بمؤمنين صادقين، ينصرون الله فينصرهم، ويبوء المستبدلون بأثمهم، في تضييع الأمانة، وهي حفظ حدود الله كما يريدها الله، لا كما يريدها الحكام والفاسدين والمنافقين،] وهذا نجده في المدارس المعاصرة في هذه المسألة:
المدرسة الأولى: تقدم الحرية على الشريعة، عند (الشيخ القرضاوي) و (الأستاذ محمد أحمد الراشد) الراشد)، ومبرر هؤلاء، أن تطبيق الشريعة على الوجه الصحيح لا يتم لدى أقوام مسلوبي الحرية، يحكمهم طاغوت وطغيان، وبدون الحرية لن تصل قناعات الحكم به للناس، لأن الاستبداد يمنع وصولها إليهم، ولهذا لا بد من نشر كل آداب الشعر والنثر التي تتغنى بالحرية، مع نشر البحوث القانونية في حقوق الإنسان، لكسر قيود العبودية على الفكر والتعبير.
المدرسة الثانية: يتبناها: ( الشيخ محمد الحسن الددو) يرى أن لا يتقدم على الدين شيء.
المدرسة الثالثة: يتبناها (الأستاذ راشد الغنوشي) ويرى أن الحرية من الشريعة، ولا فصل بينهما، لأن النقل والعقل مرتبطان ببعضهما، فكذا الشريعة والحرية مرتبطان ببعضهما كذلك.
المدرسة الرابعة: يمثلها (الدكتور حسن الترابي) ويرى أن الحرية هي قدر الله للإنسان، الذي ميزه عن كل المخلوقات.
ولا تعارض بين هذه المدارس، لأن الجميع يبحث عن حرية الإنسان في الالتزام بشريعة الله، وأن الشريعة تحرر الإنسان من كل أنواع العبوديات للشهوات والأوثان والطواغيت، بتقديم أو تأخير فكري يوصل لنتيجة واحدة إذا كان هناك صدق في الاتجاه نحوهما معاً، فالشريعة الحقة تقود للحرية الحقة، والحرية الحقيقية تقود للشريعة الحقيقية، وكلاهما يؤديان للوصول إلى جوهر الإنسان، كما خلقه الله حراً مكرماً، فحريتنا هي نحن، هي ذاتنا، هي المعنى الحقيقي لجوهر الإنسان، هي وجودنا الحقيقي وليس المزيف، فلا نهاب غير خالقنا، ولا نذل لغيره سبحانه، وكلمة عمر التي سبقتها كلمة ربعي بن عامر لرستم، تعبران عن غاية ابتعاث أمتنا في الإسلام، وغاية جهادنا فيه، لتحويل الناس من جور الأديان والنظم، إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ولما سئل أردوغان بعد فوزه: " هل جئتم لتحكموا بالإسلام؟ فأجاب: " جئنا لنمنح الناس الحرية، وللناس أن تختار" .
- الحرية والفن:
كان الفن أداة تعبير الإنسان عن نفسه مع الطبيعة، منذ العصر الحجري إلى يومنا هذا، وهو يمثل أشواق الناس وأمزجتهم، بل أعمق تمثيل للفن هو امتزاجه بالإيمان، والصدور عنه، لأنه يحقق له التوازن بين الجسد والروح، وتعبير عن الخير، والجمال، والوجدان، ولهذا كان الفن الحقيقي ينبع من الدين، والشيوعية حاربته لأنه وسيلة تعبير عن حرية الإنسان التي يستعبدها الفكر الملحد، (علي عزت بيجوفيتش)، ويرى كانط أن الفنون الجمالية تقوم بتوليد نشاط ذهني معبر، وهي تعبير عن حرية الإنسان، حينما يعبر عن حقيقته نفسها، ولهذا رفع أخيراً شعر (الفن للحياة)، ليكون صورة تعبيرية عن صدق الوعي وجماليته، والفن ليس مجرد صورة أو مجسم، بل هو تعبير عن أحاسيس الإنسان وتفاعله مع معطيات الحياة، وزيارة المتاحف تفك أسر الإنسان إلى من قيود جموده وعطالته، وغيبوبة الحضارة في الزمن والتاريخ، وتذوق الجمال يحتاج إلى انعتاق من الإنشداد إلى المادة بدرجة رقي معينة، حتى يحسن هذا التذوق، فيجده في آيات خلق الله، وآيات صنع الإنسان، فيحمد الله الذي أعطى الإنسان هذه النعم في الابداع والتذوق معاً، ويفقد الإنسان هذا حين ينجذب إلى غرائز الحيوان، فتنحط به عن عالم الجمال الحقيقي، والحرية التامة توازن بين حريتي ومسؤوليتي، وحريتي وحرية الآخرين، وغير ذلك ليس سوى عبودية الأهواء والمادة والدنس.
- من لمسة الراشد إلى عقل العقاد:
ربط العقاد بين درجة التحرر في الإرادة والحركة والفعل والتحول والدرجة الحاصلة من الجمال، في الإنسان والحيوان والنبات والحجر الجماد، لأن التغير والتبدل المفيد، وكله في عالم الحياة المتحركة مفيد، فالحجر بوضعية معينة يصبح في قمة الجمال، وهذا كله مرتبط بعالم حرية الحركة، فالهواء العليل والنسيم والصبا في طقس معين يغدو قمة الروعة والسعادة والجمال، وهذا لا يكون من غير اختبار، وضع الحواجز أمام المتسابقين، ليغدو تجاوزها روعة الفوز والانتصار، لكن لا يكون هذا من غير ثمن الجهد والبذل والعرق، ولهذا يكون الجمال هو (تغلب الحرية على الضرورة)، ولهذا يكون الغنى حرية تجاه الفقر، والقوة حرية تجاه الضعف، والصحة حرية تجاه المرض، وهكذا، ولكن يبقى غنى النفس والثقة بها والصبر على المرض من أرفع أنواع الجمال الروحي الذي لا يقاس بكم ومعيار مادي، حين يتحدد معياره الحقيقي هنا وهناك وهو المعيار المعنوي، الذي يعبر عن الجمال الحقيقي..
- الحرية والسياسة:
مع كل ما للحرية من معاني وإشراقات، نجد بعض من طمس الله بصيرتهم، بسبب غبش توحيدهم لله، والظن بأن هذا من الدين، فيجعلون رقاب ومصير أمة بكاملها وملايين من المسلمين والعقلاء، بيد فرد يلزم الكافة بطاعته، وباسم الدين، مع أن هذا المستوى من الطاعة لا تجوز إلا لله وحده، متخطين عشرات النصوص الآمرة بما يبطل مثل هذه الطاعة، بل يبطل شرعية مثل هذا الفرد (السلطان) الذي يستذل الأمة بكاملها، مع أن أقوال كبار العلماء الذين يدينون لهم بالعلم يقولون: " الشريعة رحمة كلها، وعدل كلها، ومصلحة كلها" وهذه النصوص المتعارضة مع الحرية يفندها التالي:
1- حديث عبادة بن الصامت آخره: " وأن لا تنازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحاً.." مع أن أصل الحديث ومقدمته: " بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم" بإسناد صحيح، والزيادات على هذا الحديث جاءت بصيغ متعددة منها، " إلا أن تؤمر بمعصية الله بواحاً، فإن أمرت بخلاف ما في كتاب الله، فاتبع كتاب الله، وفي الحديث عند البخاري ومسلم وأحمد " السمع والطاعة على المرء المسلم، فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" ، وتكررت هذه الألفاظ والتعهدات في بيعة العقبة من أهل يثرب، (ورواية زيادة " إلا أن تروا كفراً بواحاً) لم ترد في كثير من روايات الحديث، وبعضها معلولة بالوقف على الصحابي، وبعضها بدون هذه الزيادة بعينها، كما في البخاري وعند أحمد، وفي روايات أخرى: من خلع يداً – من فارق الجماعة – من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، وزيادة " وإن أخذ مالك وضرب ظهرك" لم تثبت يقيناً، بل فيها علل وإرسال يضعف الرواية، ويخالف الأصل الثابت منها المتفق عليه.
2- حديث: " من رأى منكم منكراً فليغيره...." (مسلم )، وحديث: " ..من جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن.." (مسلم) وحديث: " ...فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" (الشيخان)، وحديث: " ....ما أقام فيكم كتاب الله" (أحمد) وحديث: " لا طاعة لمن لم يطع الله" (أحمد) وحديث: " ....يأمرونكم بما تعرفون، ويعملون ما تنكرون، فليس لأولئك عليكم طاعة" (ابن ماجة وعبد الله بن أحمد...) وحديث: " الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، يوشك أن يعمهم الله بعقاب" (أبو داود – وأحمد) وحديث: " لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً" (أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة)، وفي حديث: " إن أول ما دخل على بني إسرائيل.....ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً" (أبو داود) وحديث: " أعجزتم إذ بعثت رجلاً فلم يمض لأمري، أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري" (أحمد – وابو داود)، وحديث أبي بكر في خطبة ولايته: " ...فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني" (مصنف عبد الرزاق)، وذكره السيوطي، ونستنتج مما سبق ما يأتي:
أ): طاعة الحاكم الشرعي المنتخب بالشورى واجبة، والسمع والطاعة له على كتاب الله واجبة، والخروج على مثل هذا جريمة قانونية شرعية.
ب): أوامر الحاكم ليست كلها واجبة، وإلا صار كلامه وحي، وقد انقطع بختم النبوة، فهي بين المصالح الشرعية المطاعة، وبين الآراء الشخصية التي تحتمل وتحتمل.
ج): يستمد الحاكم طاعته من التزامه شرع الله، وإلا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
د): الحاكم والمحكوم يخضعان لشرع الله، ولهما حرية التعبير عن الحق، وإنكار الباطل بالأسلوب الشرعي السلمي.
هـ): النصوص الشرعية تفهم بتعاضد بعضها مع بعض، وعلى ضوء كليات الشريعة ومقاصدها.
الكفر والضلال والإلحاد لا يعشش إلا حينما تقمع الكلمة الحرة، وصوت الحق، واخيار الله العرب رسل لدعوته الخاتمة، لما تمتعوا به من كرامة الحرية والشجاعة الأدبية، حيث كان يعتبر طفل أحدهم ملكاً من غير تاج.
- الحرية والطاعة للوالدين:
طاعة الوالدين في الإسلام وحدودها، تمثل نظرة الإسلام إلى قيمة الحرية ومضمونها الجوهري، وطاعتهما محددة بحدود الشرع، وبرهما لا علاقة له بعدم طاعتهما في معصية أو غير مصلحة.
- الحرية الشخصية:
الحرية في الإسلام تتجاوز عدم العدوان وعدم التدخل في الشؤون الشخصية، إلى مساعدة الآخرين لتحقيق هذا الغرض، بمنع العدوان منهم وعنهم، لحديث " أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً..." وقد نهى الإمام أحمد رجلاً أن يبلغ عن جيرانه شربهم للخمر، مستشهداً بحديث: " من ستر عورة فكأنما استحيا موؤدة من قبرها" (رواه أحمد)، ومن الحريات: القسم الأول: التقليدية: أولاً- الحريات الشخصية: حرية التنقل- والأمن- والمسكن- والمراسلات- وثانياً- من غير التقليدية: حرية العقيدة- والتعليم- والصحافة- والمسرح- والرأي، وثالثاً- حرية التجمع، والجمعيات- والاجتماعات- رابعاً- الحرية الاقتصادية: تجارة وصناعة.
القسم الثاني: الحقوق الاجتماعية:
حق العمل- وتكوين النقابات- وتحديد ساعات العمل، وكل ما يتعلق بكرامة الإنسان واحترامه.
- الحرية الاقتصادية:
ما يتعلق بضرورة المال للفرد وتملكه بالطرق المشروعة، شرط عدم الإضرار بمصلحة الجماعة، وحق الأمة في ثروات الوطن، ومنع الاحتكار، وتسعير بعض الضروريات، وحفظ حقوق الأجيال، والموازنة بين الفقراء والأغنياء، والمقتدرين وغيرهم، مع التحفظ الشديد من الوقوع في مديونية الفرد أو المجتمع والدولة، لئلا يصبح المدين تحت سلطة الدائن.
- الحرية والتعبير:
الخروج على الحاكم الأعظم (الخليفة) اعتبره الفقهاء تعبير عن الرأي خطأ متأول، حتى في حالة حمل السلاح دون استعماله، قال عنهم علي رضي الله عنه، " أخواننا بغوا علينا" وأفتى الفقهاء بتركهم وعدم محاربتهم، إذا لم يستلوا سلاحهم في وجه أحد، وإذا قبض على أحدهم عفي عنه، بشرط إقراره أن لا يعود لقتال، وهذا عند الشافعية والحنابلة، وعند المالكية والحنفية يطلق سراحهم بالتوبة وإعلان الطاعة، واليوم الذي يخرج ويفارق الجماعة ليس هؤلاء بهذه الصورة، ولكن العكس تماماً، هو الحاكم وزبانيته يخرجون عن الأمة بضرب أبشارها وانتهاب أموالها، وتعذيب أبنائها وقتلهم دون محاكمة ولا جرم سوى أنهم أرادو أن ينصحوا الحاكم ليردوه إلى صوابه، في حفظ بيضة الإسلام، ورعاية واجباته تجاه رعيته، فهو الذي يخرج وينحرف، وفي مثل هذه الحالة، لمن تتوجه الفتوى، للظالم أم للمظلوم، وحينها هل يعتبر الخروج بالكلمة أو غيرها، واجباً أو مستحباً أو مباحاً، شرط أن لا يؤدي إلى فتنة أكبر، وشر أعظم.
لكن فقهاء السلاطين استشهدوا لمنع حرية التعبير بنصوص لا تسلم لهم منها:
1- حديث: " من أهان سلطان الله أهانه الله" سنده ضعيف.
2- حديث: " من مشى إلى سلطان الله ليذله أذل الله رقبته" سنده ضعيف جداً.
3- تناسى هؤلاء الفقهاء المستأجرين ما ذكره الله في آدم والنبي صلى الله عليه وسلـم من عتاب متكرر أكثر من مرة في عدد من الآيات ولم يُرى فيها نقصاً من مقامه صلى الله عليه وسلـم، فهل حكام اليوم أعلى من مقام خير رسل الله.
4- مادة قال (ق. ا. ل) وردت حواريتها في القرآن بتصاريف متعددة 1722 مرة، (قال) 529 مرة، و(يقولون) 92 مرة، و (قل) 332 مرة، و(قولوا) 13 مرة ، و(قيل) 49 مرة، و (القول) 52 مرة، و(قولهم) 12 مرة، وهذا كله من رب العزة باتجاه مخاطبة الصالحين والطالحين، المؤمنين والكفار، العدول والسفلة الظلمة، أليس هذا له دلالة حوارية عالية في تعليم الناس بحقوقهم وواجباتهم تجاه بعضهم، وتجاه خالقهم، وتجاه الكون الذي ائتمنهم عليه، واختبرهم فيه؟
5- الله سبحانه يستحضر حوار الكافرين والملحدين واليهود والنصارى والمجرمين والظلمة بكل احترام، مع أنهم لا يستحقوا هذا لكن الله يعلمنا، وهو الهادي سبحانه، تعالى سبحانه علواً كبيراً، أفيستحق أحد بعد هذا أن يتكبر ويتجبر على خلق الله!
6- يستخدم الله تعالى في كتابه التعبير عن مقولات أعدائه بوصف أنهم الآخر البليغ في كلامه، لا يستهزئ بعباراتهم وإنما يصوغها بأجمل تعبير، سبحانك ربي ما أعدلك.
7- وفي كثير من الأحيان يترك القرآن مقولة الباطل بعد طرحها دون رد، ليرد هو على مقوله نفسه، في حواره مع المؤمنين، تعليماً لنا لنسمع بأنفسنا الرد، ونتعلم فن الاقناع للآخرين دون مصادرة حقوقهم، لأن الدنيا هكذا هي دار امتحان وابتلاء وتدافع، وكل يبوء بوزره أو أجره، وهذا في القرآن قمة التعبير عن حرية التعبير الحضارية، فإذا كان هذا للكافر، فلم يحرم المسلم والمؤمن من هذا من قبل أدعياء الفتوى والعلم باسم الإسلام الذي لا يفقهوه حق الفهم.
- الحرية والشورى:
الشورى الراشدية، أو الديمقراطية الحديثة، لا يهمنا الاصطلاح بمقدار ما يهمنا المضمون الجوهري، تجاوز فقهاء اليوم هذه المسألة الجوهرية في نظام الحكم الإسلامي الراشدي، ليجعلوا سياسة الحكم الملكي الفرعوني حكم فرد مستبد بكل الأمة ومصيرها ومقدراتها، تحت بند ( الشورى غير الملزمة) استحساناً لا وجوباً، وينسب هذا الخطل الكبير الذي حل بتخلف الأمة واستعمارها إلى الإسلام، الذي هو براء من هذه الترهات والمهازل، مع أن كبار فقهاؤنا بينوا عدم مشروعية التفكير في علو إنسان على آخر، لأن كلاهما عباد متساوين عند الله، ومع وجوب الشورى في القرآن على الجميع ومن الجميع قول الله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) 38/الشورى، وهي المنتجة للتوافق في البيعة وعقدها برضا وتوافق، وهو ما طبقوه في الخلافة الراشدة، لخمس خلفاء، وهو مقتضى الشرع والعقل والفطرة والبداهة والمصلحة، وعليه أهل العلم جميعاً في العصر الأول، ومسمى العقد وكالة وتوكيل، وظيفة وتوظيف، ومن يبرم العقد بإمكانه فسخه بالشروط الشرعية المعتبرة، والأمة ممثلة بنوابها الذين هم أهل الحل والعقد، (نقباء – عرفاء – وكلاء – نواب )، وقال الإمام الجويني: " الخلع إلى من إليه العقد" (كتابه الغياثي) وقال مثله القرطبي، (تفسيره: 1/271)، وقال عمر لابن عباس: " اعقل عني ثلاثاً: الإمارة شورى" وقال علي: " إن بيعتي لا تكون إلا عن رضا المسلمين" وأوجب العمل بالشورى الجصاص في تفسيره، والرازي في تفسيره، بل قرنت بالصلاة، وهي أهم العبادات، والشورى أهم السياسات، قال ابن عطية: " الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام" والقرآن لم يجد غضاضة في التعبير عن العدل بكلمة رومية (القسطاس)، أفلا يجوز أن نسمي الشورى (ديمقراطية)، خاصة أنها نظام إداري متطور، ولا مشاحة في الاصطلاح.
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(3): خلاصة كتاب " مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" ل. مالك بن نبي:
الفصل الأول: الإجابتان عن الفراغ الكوني
موقف الإنسان من تفسير وجوده الكوني، إما ينظر حول وتحت قدميه، باتجاه (الأرض)، وإما ينظر ما فوق رأسه باتجاه (السماء)، الثقافة الأولى نفعية مادية، والثانية فكرية روحية، وهذه مصدرها الرسول، والرسالة، والأنبياء، وأوروبا خارج منظومة الرسالات السماوية، والمنطقة السامية (الشرق) مهد الرسالات السماوية، واليونان شغله الإحساس بالجمال والشكل، بينما الشرق الإسلامي ثقافته مزيج الحقيقة والخير، ويمثل الغرب قصة " روبنسون كروز" ويمثل الشرق قصة "حي بن يقظان"، فروبنسون كروز يتغلب على وحدته بالعمل، والتفكير في شيء يصنعه، وحي بن يقظان يستعين على وحدته بخدمة الظبية التي رعته، ولما ماتت بدأ يبحث عن علة الموت في جسدها، فلم يجد ما يدل عليه سوى تخيل روح غير مرئية رحلت من جسدها، وبالتفكير توصل إلى الخالق الذي خلقها وخلق جميع الخلائق، وهو تفكير حول الأفكار، بينما عند كروز تفكير حول الأشياء، بين عالم الاجتماع " سيكار" أن الزمن الصناعي المتتابع في الدول الغربية، لا يدع للإنسان فرصة التفكير في الذات، على غرار الزمن غير المتواصل في دول التخلف، التي تفسح للإنسان فرصة التأمل بالذات والحياة، بينما هو في الغرب يدور حول الوزن والكم والمادية، بينما يدور الفكر الإسلامي حول فكرة الخير واجتناب الشر، وممارسة الأمور المادية في حياة المسلم، ترفق بالفكرة الطيبة، واللفتة الحسنة، مراعاة للروابط الاجتماعية التي تفتقدها الثقافة الغربية.
الفصل الثاني: الطفل والأفكار
الإنسان يتعايش مع ثلاثة عوالم: الأشياء، والأشخاص، والأفكار، بداية الطفل الشعورة أنه جزء من أمه، في فترة الرضاعة، ثم التمييز بعدها بين الأشياء، والتجريد الفكري يكون بعدهما، والنمط الثقافي الاجتماعي هو الذي يحدد للشخص نوع عالمه المؤثر، والفرد يدفع ضريبة اندماجه في مجتمعه، بتأخير عالمه من أجل تقديم عالم الجماعة، لكنه لا يتخلى عن تفرده وتميزه بنمطه في النهاية، لأنه يمثل هويته الشخصية، وكل صاحب حرفة يمارسها في إطار فكر المجتمع الذي ينتمي إليه، ووضع قواعده في ذهنه، والطفل يبدأ متميزاً، ثم ينتهي مندمجاً في بيئته ومجتمعه، من خلال المدرسة والعائلة، وعندما يبدأ بالتساؤل في سن التمييز، يبدأ تعرفه على عالم الأفكار، التي تساعده على فهم مجتمعه، والاندماج فيه، سلباً أو إيجابا، وتعلم الحروف والكتابة والقراءة يساعدانه على اختصار العالم في جمل قصيرة، أو كلمات، ويظهر أثر ذلك على ملامح الوجه، وبريق العينين، ولغة الجسد، وحتى من طريقة لباسه، ومشيته.
الفصل الثالث: المجتمع والأفكار
الذي يميز مجتمع عن آخر اهتماماته بالأشياء، أو الأشخاص، أو الأفكار، ونوعية كل منها وقيمته وأهميته، والمجتمع الإسلامي مر بهذه العوالم قبل وأثناء وبعد قيام حضارته وتوقفها، والحالة الجنينية للإنسان تنطوي على الثلاث مراحل، الشيئية، والشخصانية، والفكرية، وبروزها تدريجياً بعوامل النمو والتربية والمجتمع فيما بعد، ومرور الإنسان والمجتمع بهذه العوالم، متشابك متناوب حسب المرحلة وزاوية النظر، ودرجة التطور، والمجتمع المتخلف مفتقر إلى الأفكار، مع عجز عن صناعة أدوات مواجهة ما يحتاج منها، فالأرض (التراب) يعجز المجتمع المتخلف عن استثمارها لينهض ويقلع، مثال: العراق، وأندونيسيا، والسودان، وكأنهم في مرحلة الوثنية الشيئية لعصر الجاهلية ما قبل الإسلام، تركيز التفكير فيها على الأشياء والأشخاص، (التطير- الأزلام- الأصنام- الأنساب- النوء) و (السيف- الرمح- القوس- السهام- الجمل- الحصان- والخيمة) وكل ما يملكه من أفكار، هو التغني بشعر أيام العرب، وحروبها- وذكرى الحبيبة- وتخليد بطولات فارس هوى- أو كرم حاتم الطائي)، لكن فكرة (اقرأ باسم ربك) في غار حراء، أضاءت للعرب والعالم نور أفكار لا تنضب، غيرت مجرى التاريخ الإنساني بأسره، جمع أيدي المهاجرين والأنصار وغيرهم لبناء مجتمع ودولة وحضارة لا مثيل لها في التاريخ، وتوقف ذلك بعد غلق باب الاجتهاد، وانغماس المسلمين في عالم الأشياء وأدوات الطرب واقتناء الجواري، بديلاً عن اقتناء السيف، والقلم، وسرج حصان، فتحولت الأمة الإسلامية من صناعة الحياة، إلى استهلاك ما يصنعه الآخرون منها، ومن فاتحين، إلى مستعمَرين.
الفصل الرابع: الحضارة والأفكار
مبتدأ الحضارة: فكرة جوهرية متقدة، تحملها للعالم عوالم الروح، ثم تنكفئ على عوالم العقل، ثم تنغمس في عوالم الغرائز، والفكرة المسيحية (للإيمان بالله) أخرجت أوروبا إلى مسرح التاريخ، فتعرفت على عالم أفكار سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وحين تلقفت أثر الحضارة الإسلامية، أنتجت نهضة صناعية واجتماعية متممة لما اكتشفه المسلمون من علومها، والمهمة الرئيسة للحضارة اتاحة الفرصة لكل فرد في المجتمع أن يشارك في انجازاتها، ويندمج مع نهوضها وإبداعاتها، من خلال الانخراط في أفكارها وتشريعاتها وقوانينها، اجتماعياً وأخلاقياً، وقمة صفاء الإنجاز الحضاري، بسيطرة عالم الروح على عالم العقل، ويبدأ الهبوط التدريجي بذبول عالم الروح، وتحكم العقل، ثم السقوط في عالم تحكم الغرائز، (غياب عالم الروح والعقل).
الفصل الخامس: الطاقة الحيوية والأفكار
ضرورة تلبية الفرد لحاجاته الحيوية، ليبقى حياً، وتلبية متطلبات الالتزام بضوابط المجتمع ليرقى به وبنفسه، وانعدام الأولى يفني المجتمع، وغياب الثانية يهدمه، والسلطة التي تنظم هاذين الأمرين، تحتاج إلى غاية وهدف للانتقال بالمجتمع من البدائية إلى التحضر، والسبب في الغالب هو فكرة سامية للرقي الإنساني، والمجتمع المسيحي الغى اشباع الغريزة (طاقة حيوية) بالرهبنة، التي تولد عدد قليل من القديسين، وعدد كبير من الفاسقين، ومثلها في تحريم الخمر أيام الإسلام الأولى، وتحريمها في عام 1919م في أمريكا، نجح الإسلام لأنه يعتمد على الأفكار والعقيدة، وفشل القانون الأمريكي، لأنه اعتمد على السلطة المادية أكثر من ارتباطه بفكرة سامية، فاستمر الإسلام بالتحريم، وتراجعت أمريكا عن التحريم، وأباحت المخدرات للاستعمال الشخصي، وحين تذبل الأفكار وتتراجع القيم، تتفكك روابط المجتمع في الالتزام بقيمه العليا.
الفصل السادس: عالم الأفكار
في المرحلة البدائية توجد أفكار موجهة متوارثة تقليدياً، نجدها في المخزون الأخلاقي، والعملي منها هي وسائله المادية لتطبيقها، وفي حالات التحول الكبرى يتبدل تفكير الإنسان بناء على فكرة محركة، تسمى الكائن الأعلى، والذي يستطيع تحريك المجتمع بها يصبح البطل الإله، (نابليون)، هذا ما ملك "بلالاً الحبشي" طاقة التحدي للظلم والجاهلية، والفشل يتم حال التناقض بين منطقية الأفكار، وفساد علاقات الأشخاص، وتخلف تقنية التطبيق، أو أي من هذه العوامل الثلاث، فيضطرب التقدم باتجاه التحضر، والحضارة، وفي مثل هذه الأحوال يتحول المجتمع إلى ظاهرة صوتية، أو مكب نفايات، أو كلمات كبيرة فارغة المضمون، ليس لها حدود مضبوطة، سوى الهيام في عالم أشبه بالسراب، فتلتبس الأفكار مع الأشياء مع الأشخاص، بخليط غير قابل للفرز أو الدمج.
الفصل السابع: الأفكار المطبوعة والأفكار الموضوعة
الأفكار المطبوعة المتوارثة، يضاف إليها وينميها الأفكار الموضوعة من قبل الأجيال في طريقها، وتختفي هذه الأفكار بالتدريج بخفوت وذبول الأفكار المطبوعة والرئيسة، البداية كانت كالعاصفة التي يعقبها مطر منبت ومعشب، ذابت فيها الموارد القبلية والفردية، واختلطت بأفكار الأخوة الواحدة، وفي سبيل الله الواحد الحد، وأصبحت طاقة المجتمع الجديد خلاقة مبدعة، حتى كان نشيد الصحابة والجزيرة العربية بأسرها تحاصرهم في الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا...........على الإسلام ما بقينا أبداً (البخاري عن أنس)
لم تغير الأفكار الجديدة (الإسلام) الناس من الخارج فحسب، بل غيرتهم في العمق داخل نفوسهم وضمائرهم، يا رسول الله فعلت....يا رسول الله طهرني.......يا رسول الله احملني.......الخ.
وبعد أن جفت أوراق وأغصان الأفكار الرئيسة، لم يعد شيئاً منها موجوداً ذا أثر سوى الجذور المدفونة في الأرض والأعماق، وأصبح جسد الأمة ما سمي (الرجل المريض) المستسلم لمبضع الجراح العدو اللئيم (المستعمر)، الذي نقل إليه أعضاء مزروعة (غريبة عنه لإنعاشه بالوهم والمسكنات) غير قابلة للحياة.
الفصل الثامن: جدلية العالم الثقافي
إن من أسباب ومعوقات إقلاع المجتمع الإسلامي، جدلية العلاقة بين عالم الأشياء، والأشخاص، والأفكار، والماديون يرون أن تعديل البنية التحتية، ينعكس على تعديل البنية الفوقية، والنشاط الإنساني عادة حصيلة تفاعل العوامل الثلاث المذكورة سابقاً، وغلبة عنصر من الثلاثة، إفراط أو تفريط، لخلل في التوازن، بسبب التخلف الحاصل، لكن النقد البناء هو الذي يحدد مسيرة التخطيط الاستراتيجي الذي ينبغي اعتماده للنهوض والإقلاع، وغالب التأخر فيه عن طغيان الرضوخ للأشياء أو الأشخاص، وحتى الأفكار تكون تبع لهذين الأمرين وبطريقة ساذجة، أو مخادعة.
أ‌- على الصعيد النفسي والأخلاقي: تحتل الأشياء المساحة الأكبر من الفكر والاهتمام، فمثل عبارة: (الحكومة وشعبها)، أصبح الشعب شيء تملكه الحكومة، بديل عن أن الشعب لديه
حكومة، وهذا من الفكر الشيئي.
ب- وعلى الصعيد الاجتماعي: الشيئية تجعل للأثاث أهمية كبيرة في دوائر المؤسسات، إلى درجة نفوق بعضها دون أن يستعمل، لأن الغاية التي اشتريت منها لا وجود لها، سوى الأبهة الفارغة، والدائرة التي تحتاج موظف تجد فيها خمسة، والعمل يكفيه واحد، فالهدر سمة الشيئية.
ج- على الصعيد الفكري: تتحول الأفكار إلى كم وليس إلى نوع، بعدد صفحات الكتاب الذي يحويها، والمضمون لا يسأل عنه، بمقدار ما يسأل عن الشهادات وسني الدراسة، وصفحات التقرير، تتحول الأفكار إلى أشياء وكميات، دون التطرق إلى النوع والإبداع والجوهر.
د- على الصعيد السياسي: يطغى طغيان الأشخاص على الخطط والقيم، ونجعل الحلول في استبدال الأشخاص بآخرين، وبين القرآن هذا بقوله: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل..)144/آل عمران، وتتحول الأفكار بإسنادها إلى أشخاص، إلى شخصانية الفكرة، فتموت بعدم أهليته، واتخاذ الأشخاص، مهما كانت مكانتهم أبطالاً (اصناماً) يدمر الأفكار، ولهذا تنسب الهزائم إلى أشخاص، مع أنها بأسباب غير الأشخاص، ولهذا يراوغنا الاستعمار باستبدال شخص بآخر من صنعه، لأننا شخصانيين، ولسنا أفكاريين، والطغيان مرض يتقمصه حتى المثقفين، ولهذا يغرق مثقفونا في الكتب، بدل أن يغرقوا في الواقع من خلال صناعته.
الفصل التاسع: جدلية الفكرة والشيء
الطغيان قد يكون في الأشياء، أو الأشخاص، أو الأفكار، لندرته أو كثرته، في البلد المتخلف أو المتقدم على السواء، وهو ما يولد انعدام التوازن، بالحيازة الزائدة أو القناعة الزاهدة، وكلاهما يصرفان العاقل عن الحلول السليمة للإشباع والاستغلال، في ذهن الشبعان، أو الجائع، (يذكر المؤلف تقرير جزائري، عن تعطل وحدات تقنية طب أسنان بنسبة: 57/60 أدوات وثروات لا تعمل بسبب الإهمال، ووضعها في أيدي طلاب السنة الأولى، )، لأن الكلية قامت على فكرة تخريج قالعي أضراس وليس أطباء بالمعنى الدقيق، وأسند إلى أ. د أسنان إعطاء دروس في الأمراض البولية.
وفي الانتخابات العمالية الأوربية كثيراً ما يكون وعد المرشح للعمال بعلاوات وأشياء تحسن معيشته، وليس تطبيق أفكار، لهذا يصوت العامل للأشياء وليس للأفكار، ونشرت دراسة عن (العالم الروحي لإنسان اليوم) في جريدة البرافدا السوفييتية، عام 1959م، بآراء الشباب، فقالوا إذا كان غرض الحياة الرفاهية فتكون السويد هي النموذج والمثال، وإذا كان الهدف الانصراف كلية إلى العمل والإنجاز، فتكون أمريكا هي النموذج، وهذا ظهر في الماركسية بعد سنوات من تطبيقها، الذي لم يشبع أعماق الإنسان السوي، فبدأ يبحث عن أفكار أخرى في صورة أشياء، نتيجة التخبط النفسي والفكري، وصراع الفكرة والشيء كما في البلاد العربية الثورية، يأخذ منحى دغدغة العواطف القومية والانتصارات الوهمية، بخطف طائرة، أو معركة مصطنعة مصغرة مع عدو، (تضخم إعلامياً إلى أبعد حدود صناعة الأحلام الوهمية بنشيد شعري وطني فارغ)، وقد فصل عقيل بن أبي طالب بين الفكرة والشيء، بدقة قائلاً: " إن صلاتي مع علي أقوم، وطعامي عند معاوية أدسم" هذه كانت البداية، حتى حصل الانحدار أخيراً فأتى على كل معالم المجتمع والدولة الإسلامية، بغزو التتار، أو الصليبيين، أو الأوربيين العالم الإسلامي، بسبب فقدان التوازن بين الشيء والفكرة.
الفصل العاشر: صراع الفكرة – الوثن
حين تتجسد الفكرة في شخص تصنع له هالة من القدسية والكمال المزيف، تموت الفكرة في أذهان الناس والشعب، قبل ن تموت في أحضان الزعيم البطل، وتصبح الفكرة وثناً، في شخص وثن، غير قابلة للتطوير، ولا قابلة للنقد عبر التطبيق السيء، كما في شخصية هتلر ، وشخصية موسوليني، ومثل ذلك في الشعر الجاهلي، ووثنية العرب قبل الإسلام، ومثل ذلك في الإسلام القباب التي تصنع لأولياء صالحين أو مزعومين، فتتخذ سيرتهم صورة الوثن أو الخرافة، وتصبح سيرتهم وأقوالهم هي الشرع، ففي غياب الفكر يحضر الأوثان، ولهذا بدأ الزلزال الذي يخسف هذه الأضرحة بعد المؤتمر الإسلامي 1936م ، لكن علماء المؤتمر نتيجة الشعور الانهزامي والإنسحابي في عصرهم، سلموا قيادهم للسياسيين أصحاب (الكرافيتا – واللباس الإفرنجي) فأصبح هؤلاء أولياء بديلاً عن أولياء الأضرحة، أوثاناً جديدة، مرضية عند أسيادهم المستعمر الأوروبي، بقليل من الدعاية الإعلامية المخادعة، صنعوا منهم أبطالاً، وهم خواء من كل فكر حر ووطني حقيقي، لأنهم أدوات للاستعمار عندها قابلية أن تأكل في كل المعالف، وتبيع الوهم للشعب الغلبان، لكن العز بن عبد السلام بصدقه ومصداقيته، استطاع أن يبيع الوثن (الأمراء المماليك) في السوق، ليحرر الشعب من عبوديتهم لهذه الأصنام، فتحقق نصر موقعة عين جالوت ضد المغول، لأن الشعب وأمرائه أصبحوا أحراراً.
الفصل الحادي عشر: أصالة الأفكار وفعاليتها
الأفكار الأصلية تحتفظ بأصالتها أبد الدهر، لأنها حقيقة مستقلة عن التاريخ، وذات طبيعة قدسية، لكن فعاليتها مرتبط بتاريخ وظروف، وقد تكون أفكار ذات فعالية، لكنها ليست أصيلة، بل هي باطلة، تنشأ وتكون ذات فعالية بظروف معينة، تكون فعاليتها نتيجة، لكن ليس لها الدوام الأبدي، بعكس الأصيلة، فمثل فكرة العلم والتقدم والحضارة بالمفهوم الغربي، كان لها فعالية سمحت لها بالسيطرة على العالم، ولكن قوالب التطبيق ليس شرطاً أن تجعل منها حقائق صحيحة، كما صنعت الحروب المدمرة، والفكرة الإسلامية وأصالتها كان لها فعالية عالية أول انطلاقتها، حتى عصر المأمون، الجدل الهرطقي شكك في أصالتها، لكنه لم يشكك في فعاليتها، إلى أن انحسرت فعاليتها، فانقسم الناس تجاه أصالتها مؤمن وجاحد، أما فعاليتها فهي منسية عملياً، دون أن تكون منسية نظرياً، في عصرنا هذا، وفلسفة الغرب ترجيح الفعالية على الأصالة، طالما أن الفعالية مسيطرة، (نوع من الواقعية)، ولهذا تخرجت أجيال من الدارسين المسلمين في جامعات أوربية، لا يفكرون بالأصالة، بمقدار تفكيرهم بالفعالية، وهي غير موجودة، فتاهت عقولهم بأشياء الغرب، فتشيؤا، وتناسى هؤلاء الاتباع المقلدين، أن أساتذتهم نسخوا الفعالية ونسلوها من أصالة الشرق وأفكاره وحضارته، وحولوها إلى فلسفة مادية ماركسية، انتهت بعد أن أدت دورها في فترة زمنية من التاريخ، وعلى العالم الإسلامي ليثبت أصالة فكره، عليه أن يستعيد فعاليتها، وإلا فإنها تصبح ساحة مصارعة غير متكافئة.
الفصل الثاني عشر: الأفكار وديناميكا المجتمع
نجاح الفكرة يمنحها قوة مصداقية، مشاكلنا هي مشاكل منهجية وليس سلوكية فحسب، النجاح مرتبط بالفعالية، أكثر
من ارتباطه بالوفرة، إثبات صحة الأفكار اليوم مرتبط بالعمل والنجاح، وليس بالقناعات الوجدانية فقط، إعلان قدسية قيمنا الإسلامية، لا يكفي بديلاً عن تزويدها بالقدرة على المواجهة والنجاح، أعلن الرسول صلى الله عليه وسلـم عقب غزوة من الغزوات الرمضانية، أن أجر صاحب الفعالية (المفطر) يفوق أجر المتمسك بالأصالة (الصائم)، وعليه فإن إشباع المسلمين أبناءهم وجياعهم يفوق في الأجر أداء النوافل من الصلاة والصوم، لأن المسئولية التكافلية فرض (عيني أو كفائي) أما المسؤولية الفردية التنفلية سنة، انطلقت اليابان بأفقر الإمكانيات ونجحت، وانطلقت إندونيسيا بأوسع الإمكانات ففشلت، لاختلاف منهج الانطلاق في كلا البلدين، والنجاح مرتبط برأسمال الأفكار، وليس برأسمال الأموال، هذه الأفكار التي كانت تعشعش في أذهان جميع أفراد الشعب الألماني، والصين أقلعت بظروف صفرية، لكن رأسمال الأفكار كان كبيراً، وظروفها شبيهة بظروف العالم الإسلامي، وهي تنقسم إلى قسمين:
أ- مرحلة اقتصاد الكفاف. (الاكتفاء).
ب- مرحلة اقتصاد التطور. (الإقلاع).
وللعلم فإن مفجر طاقات المجتمع الإسلامي غيره في البلاد الأوربية، ويمكننا تأطير القاعدة القائلة: 1- كل الأفواه يجب أن تجد قوتها، 2- وجميع الأيدي يجب أن تعمل. ولهذا لسنا بحاجة إلى الدفاع عن أصالة الإسلام، بل حاجتنا إلى إعادة فعالية قيمه المجتمعية.
الفصل الثالث عشر: الأفكار والاطراد الثوري
الثورة ليست كل شيء في عالمنا العربي والإسلامي أو غيره، لأن المتسلقين أو الراكبين موجتها
ليسوا على فهم واحد، أو ضمير واحد لخدمة أهدافها، فيسهل اختراقها وإفشالها، خاصة من الاستعمار
أو أذنابه، الحاكمين باسمه، (الدولة العميقة ) بمصطلح العصر، وهؤلاء لأنهم ممارسين يعلمون ردة
فعلنا، ونفسيتنا، ويتبعهم الاتباع المخدوعون بحسن نية أو بسوء نية، لكن المشكلة في عالمنا الإسلامي
اتباع الأشخاص وليس الأفكار، وشخصية الرئيس في بلادنا تصنع على عين المستعمر، أدرك هو ذلك أو لم يدرك، خاصة مع اغلاق نوافذ النقد البناء، والمحاسبة المقننة، ويستبدل انتصار الشعب بأفكاره، بانتصار شخص ما يجعل رمزاً للتسليم والاستسلام والركود، (جميلة بوحيرد – عبان رمضان- ياسر عرفات...)، تقديس الأشخاص بديل عن تقديس الأفكار والمبادئ.
الفصل الرابع عشر: الأفكار والسياسة
الحرب سياسة في أعلى مستويات الأفكار السياسية، شرط أن تكون الثقة متبادلة بين العسكريين والسياسيين، وتصرف أبي بكر الصديق بعد وفاة رسول الله وارتداد بعض العرب، وردع هؤلاء عسكرياً كان قمة في الوعي السياسي، وبعد انتصاره، لم يتوقف عن تسيير الجيوش إلى فارس والروم، لإشغال العرب عن التفكير في التمرد، إلى إشغاله بالطاعة والجهاد، فكان مصيباً وحازماً وذكياً معاً، والثقة أعلى مصادر وعوامل النجاح والتقدم، والكفاءة مقدمة على النزاهة حين التعارض، والثقة بين الحاكم والمحكومة لحمة هذه الثقة والكفاءة، والسياسة تحتاج: الأخلاقية، والجمالية، والعلمية، وحرمان السياسة الإسلامية الحوار والنقد، جعلها قواقع مغلقة على أي تصويب، مع نظام الحسبة الإسلامي، هو نظام تصحيحي بمفهومي: (التوبة- والحنيفية) لا مثيل له لو فعل بصدق وأمانة.

الفصل الخامس عشر: الأفكار وازدواجية اللغة
تأثير اللغة الأجنبية في البلاد المستعمرة وغير المستعمرة، تأثير سلبي في موارده الثقافية، وخاصة السياسية، ويصل إلى عمق الثقافة الفكرية، بما فيها الدينية، على رغم تمسك الملتزمين باللغة الفصحى والأصيلة، لكن التأثير المر أكثر مع المنخلعين من الالتزام، المضادين له، كالكماليين في تركيا، والمصالية، والبربرية، والتقدميين، والماركسيين، كل هؤلاء رموا بأفكار متناقضة غير قادرة على توحيد الشعب الجزائري، فلا أصالة، ولا فاعلية، فأنى لشعب هذا حاله أن ينهض؟
وفي هذه الحالة انقسم الشعب الجزائري إلى جماعة الأصالة، ودون أي تجديد سوى بالعادات والتقاليد، ومجتمع الحداثة، الذي يسترسل في استيراد التقدم الغربي شكلاً استهلاكياً ليس غير، وكبار الكتاب العرب " توفيق الحكيم" نموذج، تأثر مع استرجاعه الأصالة بالغرب في مناقشته شجاعة " العز بن عبد السلام" وأخطأ الأديب الحكيم حين ترجم كلمة الشريعة وما لها من دلالات إلى كلمة القانون وهو مصطلح غربي، معدوم الظلال في ثقافتنا، وهذا يعتبر خيانة وطنية، أن تقدم لغة المستعمر، والأجنبي، على لغتك الأم التي لا مثيل لها في كل لغات العالم، كتعبير عن الانهزام الداخلي، والازدواج الثقافي القاتل.
الفصل السادس عشر: الأفكار الميِّتة والأفكار المُمِيتة
هواة الأصولية في عالمنا العربي متنطعين بالشكل دون المضمون، ويحسبون أن غلق نوافذ عقولهم عن الغرب أو الشرق يحصنهم من الانحطاط الذي هم غارقون فيه أصلاً، وكأنه جهبذ زمانه في التحذير من الأفكار الغربية المميتة على حد زعمه، متناسياً أنه يحمل كذلك أفكاراً ميتة حنطها التخلف، منذ فقدت مجتمعاتنا الفاعلية، ويحسب أنه في جنة الخلد، مع أنه جائع، وعار، وشقي، ومتعب، بينما جنة الخلد لا جوع فيها ولا يعرى، ولا يظمأ فيها ولا يشقى، فأي جنة يريد هذا إدخال أمة الإسلام فيها؟
إن ثورة مصدق الإيراني للتخلص من الاستعمار واحتكاراته القاتلة، لم يقض عليها سوى اخوانه من علماء الدين المحنطين في إيران، بتهمة الشيوعية، وحيلة أمريكية، والشعب المغيب المستعمَر فكرياً لا عسكرياً، قضى على مخلصه الصادق " مصدق" واستبداله بالكذوب " الكاشاني" عميل الغرب في بلاد فارس، وباسم الله والدين، مع الأفكار المميتة، يوجد لدينا منها الكثير، بالتمحيص الدقيق، وعدونا (الغرب) لا زال حياً ومتفوقاً، فلماذا نركز على أخلاقه الميتة، ولا نركز على أخلاقه الحية، التي لا زالت تقدم للبشرية نظماً واختراعات وحرية متقنة، كأننا الغراب الذي على شكله يقع، الخاوي، يتجه إلى الخاوي إما ليستورده ويقتنيه، وإما ليحاربه ويفنيه، وهو غير قادر بالنهاية على تجارة رابحة في كلا الأمرين، والسبب أنه لا يملك المصفاة الدقيقة والميزان الحساس للوزن السليم، كما فعل الفيلسوف الهندي الشاعر المسلم محمد إقبال.
اليابان والعالم الإسلامي احتكا بالغرب بعد الحرب العالمية، لكن الأولى صارت إلى ما صارت إليه، لم يوقفها شيء، ونحن لم نستفد من الغرب سوى مزيداً من التشرذم والانحطاط، والسبب نوع العلاقة التي ارادها كل من اليابان والعالم الإسلامي مع الغرب، الأولى علاقة تحرر، ونحن اخترنا علاقة التبعية، والذنبية، لأننا جعلنا على عيوننا كمامات تمنع الرؤية الهادفة المثمرة.
الفصل السابع عشر: انتقام الأفكار المخذولة
الفكرة الميتة: هي التي خذلت أصولها، فأصبحت شكلاً من غير مضمون عملي.
الفكرة المميتة: التي فقدت هويتها الأصلية بالترحيل والاستيراد، فكانت براقة من غير جذور.
والأمراض الاجتماعية، شبيهة بالأمراض العضوية، وجميع التغيرات الخارجية تسبقها تغيرات داخلية، وما حدث بعد مرحلة الراشدية كان نتيجة لبعض ما سبقها من تغييرات لم تستوعبها المرحلة، فجاء جيل جديد، على غير ما سبقه من جيل الصحابة، ونشأت مدرسة جديدة بعد المدرسة النبوية الراشدية، وهذا ما أدركه ابن عباس فقال للحسين، يثنيه عن خروجه: " هؤلاء الناس سيخذلونك كما خذلوا أباك، لا تصدقهم، فإن قلوبهم معك، وسيوفهم مع يزيد" ، إن خذلان الأفكار الأصيلة لن يمر دون انتقام من استقرار المجتمع الذي يدين لها، وكذلك الأفكار السيئة التي تشكل نفايات الغرب، كذلك لها انتقامها الخاص، بأسوأ النتائج لأنها في بيئة أخرى لا تصلح مكب نفايات الآخرين، وحشرات بيئتنا لا تحسن التعامل معها كذلك.
الخاتمة
العالم الإسلامي اليوم تتقاذفه منذ مائة سنة بعد الحرب العالمية، أفكار متناقضة، ولم تؤصل فيه المواجهة بالنموذج السلفي أو غيره، مع وجود عدد لا بأس به من المصلحين، الذين أدلوا بدلائهم في مسيرته القرنية، وفشلت محاولات جره إلى الشيوعية أو الرأسمالية، لأن هذه أفلست كذلك في عقر دارها، ولهذا نحن بحاجة إلى توليد طرق وأفكار تنبع من أصالتنا، وتطبيقها بلغة عصرية، ووسائل عصرية، وأدوات عصرية، لأن ما تجاوزه العصر يعتبر تحفة في متحف التاريخ، لا ينبغي أن نحسبه مائدة السماء لكل العصور، لكن مصدر هذه المائدة لكل العصور، لأنه تشريع صالح لكل زمان ومكان، ولكن هذه الأزمنة والأمكنة ظروف متغيرة، نختار ما يلائم مائدة السماء منها ليكون الإناء الجديد لطعام قديم، عليه مسحة من بهارات اليوم وزخرفاته، وروح المعاني الخلاقة السامية لا يختلف، ولكن الدعوة إلى إنزالها على أرض واقع الناس وظروفهم هو الذي يختلف، لأن الله جعل شرعته هكذا قابلة للتجدد والمحتوى واحد لا يتغير.
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(4): ملخص كتاب " العبودية المختارة"
إتيان دو لا بويَسي " مرافعة قوية ضد الطغيان" ترجمة صالح الأشمر

" الحل الإنساني لمشكلة السلطة"
تطرح العبودية المختارة مسألة شرعية الحكام الذين يسميهم الكاتب:" أسياداً، أو طغاة" مهما كانت طريقة وصولهم إلى السلطة، سواء بالقوة أو الوراثة أو الانتخاب" وموضوع خضوع الشعوب غير المفهوم لشخص واحد، دفع هذا الفتى لأن يكتب هذه المقالة وهو في السادسة عشرة أو الثامنة عشرة من العمر، عام (1547م) وأصبح كاتباً وقاضياً فرنسياً "وعين مستشاراً في برلمان بوردو، من قبل الملك هنري الثاني، ونشرت عام (1576م) من قبل الكتبة البروتستانت، الذين كانوا يعارضون الملكية المطلقة، وذكر المؤلف فيها أسباب خضوع الناس لشخص لا يملك من القوة إلا ما أعطوه، وهي تصف أحوال الطغاة وحاشيتهم في العهد اليوناني والروماني، وكتب هذه المرافعة، أثناء الحرب الأهلية بين البروتستانت والكاثوليك، والانتفاضات التي قامت في المقاطعات الفرنسية المحرومة، وما تتعرض له من تعسف ضريبي وقمع دموي من قبل القوات الملكية، وتبين أن استمرار الخضوع سببه العادة والاعتياد، وليس الخوف أو قوة الطاغية، ويأتي الدين، يوظفه الطغاة لبقاء تسلطهم، ومعه قلة من المتملقين من الشعب نفسه، يمارس الطغيان بأمر المستبد، باستخدام خمسة منهم مثلاً، يخضعون خمسمائة، والخمسمائة يخضعون خمسة ملايين، حتى يصبح الجميع تحت سياط الجلاد الأول الفرد الواحد، ولهذا تجده في حالة خوف دائم، لو انتبه لها الشعب، لكفوا يده وأنهوا طغيانه بأن لا يمدوه بما يعينه على ظلمهم واستعبادهم.
صالح الأشمر.
تقديم
يوضح الفتى في العبودية المختارة أن موافقة المستَرقِّين، لا قوة الطاغية هي التي تؤسس الطغيان، وإن قبول الشعوب باسترقاقها، المتأتي من رغبتها، ومن أنانيتها، ومن طمعها، هو الذي يتيح لواحد، تعضده شبكة هرمية متضامنة معه، يرضخ لها الجميع، وأن هذه الخصال المذمومة ليس أفضل من الفضائل اللاهوتية – الإحسان- في التخلص منها.
قال أحد أبطال اليونان: " لا أرى خيراً في تعدد الأسياد، كفى سيد واحد، وملك واحد" ومن البؤس الذي ليس كمثله بؤس، هو خضوع المرء لسيد لا يمكن أبداً الاطمئنان إلى صلاحه، لأن بمقدوره دائماً أن يكون شريراً متى أراد، وما تعدد الأسياد إلا مكابدة أقصى البؤس مراراً بعدد هؤلاء الأسياد.
أما الآن فكل ما أريده هو أن أفهم كيف أمكن لكثير من الناس، والبلدات، والمدن، والأمم، أن تتحمل أحياناً، وطأة طاغية وحيد، لا يملك من القوة إلا ما أعطوه، ولا قدرة له على أذيتهم إلا بقدر ما أرادوا أن يتحملوا منه، ولا يستطيع أن يوقع بهم مكروهاً، إلا لأنهم يفضلون أن يعانوا منه الأمرين على أن يعارضوه، ومن المحزن أن ترى الملايين من الناس، يخدمون على نحو يرثى له، والنير في أعناقهم، لواحد، من دون أن يكونوا مكرهين على ذلك، يرهبون سطوته، مع أنه يعاملهم معاملة لا إنسانية وبوحشية.
إن نقطة ضعفنا البشرية هي أن يتوجب علينا الخضوع الدائم للقوة، وأن لا نكون نحن الأقوياء، وقد يكون لهذا ما يبرره في حالة خسارة حرب أمام عدو آخر، لكن مع ذلك في هذه الحالة ننتظر حظ أفضل للمستقبل، ومن الطبيعي أن نحب الفضيلة والبطولة، ممن يدافع عنا ويكرمنا، فننقص من راحتنا لراحته، وهذا ما يصنعه الناس مع وجهائهم وحكمائهم، إذا ما خدموا شعوبهم ودافعوا عن كرامتهم، فتكون هذه الامتيازات لها مقابل، أما أن تعطى له ليصنع بهم شراً وبؤساً، ويضطهدهم نساءً وأطفالاً ورجالاً، فلعمري هذا هو البخس والظلم عينه، وأن يجبن واحد أو أربعة عن الدفاع عن أنفسهم أمام واحد يمكننا القول أنهم يفتقدون الشجاعة، أما أن يجبن مئات الآلاف، بل الملايين عن الدفاع عن أنفسهم، أمام واحد يعامل أفضلهم معاملة القن والعبد، هذا لا يمكن تسميته جبناً، هذا يمكن تسميته بعدم الشعور بمعنى الحرية، لأنهم لو كانوا يشعرون بأنهم أحراراً لفعلوا، لأن الشعور بالحرية هي التي تدفع الإنسان أن يسمو بنفسه وقدراته، من أن يُذَل ويُهَان على ملئٍ من الناس.
ولا حاجة لمحاربة الطاغية، فهو مهزوم من تلقاء ذاته، إن لم ترضَ البلاد باستعباده لها، كما لا يتعين انتزاع شيء منه، بل يكفي الامتناع عن إعطائه أي شيء، وما من داعٍ لأن تجهد البلاد نفسها لتفعل شيئاً لمصلحتها، شريطة أن لا تفعل شيئاً ضد مصلحتها، فالشعوب إذاً هي التي تسلس القياد لمضطهديها؛ لأنها لو كفت عن خدمته لضمنت خلاصها، إن الشعب يَستَرِق نفسه بنفسه، لأنه قرر أن يتخلى عن حريته، ويكون عبداً باختياره، وكان بإمكانه أن يعيش في ظل قوانين جيدة، وفضل بالرضا والسكوت، أن يُرضِي الطاغية، ولو كنا حينما نرى بؤسه وناره، أن لا نلقي بالحطب عليها لانطفأت من نفسها، والطغاة إذا لم يعطهم الناس شيئاً، ولم يطيعوهم، فمن دون قتال يصبحون عراة ومهزومين.
أيتها الشعوب المسكينة البائسة، المتمسكة بما يضرها ويسلبها خيراتها، بقبول من يُحكِم سيطرته عليكم، ليس له سوى عينين، ويدين، وجسد واحد، ولا يملك أكثر مما يملكه أقل واحد منكم، في مدنكم الكبيرة، وأنتم أعطيتموه ما يدمركم به، كل ما تزرعوه يحصده هو لقتلكم به وسجنكم واستعبادكم به، ثمار، وأبناء يقودهم إلى المجزرة، أنتم تشقون ليرتع هو في مسراته وملذاته، تضعفون أنفسكم ليزداد قوة عليكم، أوقفوا عونه سترون أنفسكم أحراراً بعدها، طاعة الوالدين نداء الطبيعة، والعقل يتعهدنا بالفضائل، والطبيعة وزيرة الله وحاضنة البشر جعلتنا على هيئة واحدة لنتعارف كأخوة، ويساند بعضنا بعضاً، ونحافظ على حريتنا، حتى الحيوان يأبى أن يوضع في قفص العبودية، ويدافع عن حريته بكل أسلحته ومخالبه.
الطغاة ثلاثة: واحد انتخبه الشعب، وآخر حكم بقوة السلاح، وثالث بالوراثة، الثاني والثالث مفهوم طغيانهم لأنهم رضعوه منذ البداية، أما الأول: يبدأ متواضعاً للشعب حتى إذا تمكن منح القوة لأبنائه فيصنعون ما صنع أقرانهم الآخرين، فالمنتخبون يعاملون الشعب كأنه ثور ينبغي تذليله، والعسكر كما لو أنه غنيمة لهم، والوارثون، كما لو أن الشعب عبيد ملك يمين، ولو ولد جيل جديد لا يعرف العبودية، فلن يختار سوى مقتضى العقل الحر على أن يُكره على طاعة فرد واحد، ما لم يكن هؤلاء بنو إسرائيل، الذين أقاموا عليهم طاغية من دون أن يكونوا مكرهين على ذلك، ويتملكني الغيظ من تاريخهم فأفرح بما حاق بهم من ويلات، والناس ترضخ للعبودية إما مكرهين، أو مخدوعين، حيث ينصبون من يخلصهم من أزمة وعدو، فيرتقي على رؤوسهم وأكتافهم، إلى ملك، ثم إلى طاغية. ويستغرب المرء كيف ينسى الشعب حريته ولا يستعيدها بعد فقدانها، حتى كأنه يشعر أنه ربح عبوديته، ويأتي جيل جديد يولد في هذه العبودية، لا يعرف ما معنى ولا طعم الحرية، فيعتبر أن ما هو فيه، هو الأمر الطبيعي جداً.
لا يمكننا أن ننكر أن فطرتنا تقول لنا هذا خير، وهذا شر، لكن لا بد من الاعتراف بأن سلطتها – الفطرة- أقل من سلطة العادة التي تحكمنا من غير وعي تام، فتصبح هي الحكم، خاصة إذا غذتها التربية فتصبح هي طبيعتنا، ويضعف تأثير الطبيعة الأصلية، كالأشجار الطبيعية إذا طعمت ببراعم ثمار أخرى، فتنتج الثمار المطعمة، بدل الأصلية، ولهذا أهل مدينة البندقية لا يقبلون التطعيم لفقد الحرية بتاتاً، ولو حرموا ثمار الدنيا، لا يستبدلوا بالحرية شيئاً، عكس أراضي [ سلطان الإمبراطورية العثمانية]، حيث يولدون ليخدموا السلطان، هل يتساوى سكان البندقية، مع سكان زريبة بهائم ( يظهر الحقد على الإسلام في هذه العبارة) م. ن.
وحده الإسبارطي كان يقول ما ينبغي قوله، لأنه لا يحتمل العبودية بعد أن تربى وذاق طعم الحرية، أما الفارسي لا يمكن أن يأسف على الحرية التي لم يمتلكها يوماً، ولهذا الذين ولدوا والقيد في أعناقهم هم أهل الرثاء، ولا يأسف العبد على حرية لم يملكها ولا ذاق طعمها قط، ولذلك كانت العادة هي السبب الأول للعبودية المختارة، وهناك من يولدون بفطرتهم لولم يعرفوا الحرية لتخيلوها بعقولهم والتذوا بتذوقها، لأن لهم طبيعة متمردة على العبودية، لا يتقبلوها مهما زينت لهم، وهذا ما أدركه سلطان الترك، أدرك أن الكتب والعقيدة هما ما يعطي الناس الإحساس والفهم ليتعارفوا ويكرهوا الطغيان، وأن اراضيه خالية من أهل العلم والمعرفة، (هنا يظهر حقده على الإسلام مرة أخرى) م. ن، وأن الأحرار لا تنفع حريتهم دون تواصل، وعمل، وحرية تعبير، وحرية تفكير، وتعاون، وما من جماعة تريد تحرير بلادها بنية صافية مخلصة وصادقة من الجور إلا كتب لهم النجاح، وساعدتهم الحرية في إثبات حضورها.
السبب الأول لقبول الناس بالعبودية طواعية: هو أنهم يولدون مستعبدين، وينشأون على ذلك، ويضاف إليه تحول الناس تحت وطأة الطغاة إلى جبناء ومخنثين، ولا ريب في أن الحرية إذا ذهبت تذهب معها الشجاعة، ويفقدون معها الحيوية في كل شيء، وقلوبهم ضعيفة ورخوة، عاجزة عن كل أمر عظيم، ويزيد الطغاة الرعية خوراً على خور، ويستخدموا الأجانب في الحرب، ويدفعون لهم أجورهم، لأنهم لا يجرؤون على وضع السلاح بأيدي رعاياهم، الذين آذوهم، ولا يطمئن أبداً إلى استتباب سلطانه، ما لم يصل به الأمر إلى القضاء على آخر رجل ذي مكانة ونباهة في رعيته، أو أن يفعل ما فعله كسرى فارس بمدينة الليديين، بعد أن فتحها وثارت عليه، فعمد إلى حيلة ماكرة، وهي أمر بفتح مواخير وحانات للدعارة وشرب الخمور وبألعاب شعبية، فانغمس هؤلاء بهذه الأمور، فكفته أن يخنعوا وينسون مصالحهم وحريتهم، والطغاة لا يصرحوا بأنهم يريدون تخنيث رعاياهم، كما فعل ملك فارس، ولكنهم يسعون إلى تحقيق هذا خفية، والعامة من سكان المدن يرتابون ممن يحبهم، لكنهم سذج حيال من يخدعهم، بمجرد دغدغة مشاعرهم، وما دور التمثيل والمسارح والألعاب والأوسمة سوى طعوم لإبقاء الشعوب في فخ العبودية، بتنويم الشعوب بهذه التسالي، وكان الرومان يفسدون الدهماء بموائد الطعام العامة، وقليل من النبيذ ليصيح هؤلاء يعيش الملك، يعيش الملك، وينسى هؤلاء الرعاع أن هذا من أموالهم وقوتهم، وليس من مال الملك أو قوته، ومع كل ما فعله نيرون كالوحش بالناس، فإنهم حزنوا على وفاته، وتذكروا ولائمه التي كان يصطادهم بها، وهذا ما فعلوه مع يوليوس قيصر بعد موته، أقاموا له نصباً تذكارياً، كتب عليه " إلى أبي الشعب" مع أنه ألغى القوانين وأبطل الحريات، كأقسى طاغية، وبعض طغاة أشور، يختفون حتى يظن تابعيهم أنهم من عالم علوي سماوي، ومثلهم فراعنة مصر، إذا ظهروا، ظهروا بطقوس غريبة توحي أنهم ليسوا كباقي الناس، ويضع هؤلاء الطغاة الدين أمامهم ليحتموا به، ولو استطاعوا اقتباس شيء من الألوهية، لإسناد حياتهم الشريرة، لم يقصروا في ذلك، ( الملهم- المعصوم- العظيم- الفخامة- العظمة- القائد- الفذ) وتكفل الشعراء والمتملقين بهذه الصناعة المخادعة، ولا يكتفي الطغاة بخدمة الشعب لهم، بل يعملون على أن يخلص لهم كل الإخلاص، فليس الحرس والنبالة وحملة الأقواس، ولا الخيالة، أو كتائب المشاة، هم من يحمي الطاغية، وإنما عدد من الأشخاص بعدد أصابع اليد، واليدين، من خلَّص أعوانه، هم من يقود المئات والآلاف والملايين لتكون خاضعة للطاغية، وهم الطغاة الصغار، الذي يستعبدون من دونهم، حتى يكون الجميع مطأطئ الرأس للفرعون الكبير، وأعجب لمن يتقرب إلى الطاغية، فلا يحصد سوى الابتعاد عن الحرية، واحتضان العبودية بالذراعين، وإني أجد الفلاح والحرفي المسكين أكثر حرية من المتزلفين للطاغية، لأنه ما أن يدفع ما عليه، يعود بينه وبين نفسه وأهله حراً كريماً، ما أتعس من يبيع نفسه لطاغية، وقد ينقلب عليه في أي لحظة فيخسر حياته مع ما خسر من إنسانيته وكرامته، والحظوة عند سيد شرير لا تشكل ضماناً، حتى لو كان من الأقرباء، لأن الطاغية لا يُحِب، ولا يُحَب، لأن الصداقة الحقيقية تديمها الحياة الفاضلة، وتقيمها المساواة.
لنتعلم إذن لمرة في عمرنا، أن نحسن التصرف، ولنرفع أعيننا نحو السماء، صوناً لكرامتنا، أو حباً بالفضيلة ذاتها، أو إذا تكلمنا عن علم، وعلى وجه اليقين، حباً بالله الكلي القدرة وإجلالاً له، وهو الشاهد الذي لا يغفل عن أفعالنا، والقاضي الذي يحكم بالعدل على أخطائنا، أما أنا فأعتقد ولستُ بمخدوع، أن الله الغفور الرحيم، لما كان الطغيان أبغض شيءٍ إليه، قد أعد للطغاة وشركائهم عقاباً خاصاً في الدار الآخرة.
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(5): خلاصة كتاب " كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد؟
هشام حافظ – جودت سعيد – خالص جلبي

الكتاب تعقيب على ما كتبه شاب فرنسي عبقري يدعى " لابواسيه" حوالي عام 1562م، ونشرها أصدقاؤه عام 1835م، تحليلاً وانتقادا لمن يقبل العبودية، حتى دون اكراه، بل يقوم بخدمة المستبد والعمل على طاعته، ومده بما يلزم من أدوات تمكنه من جلد وظلم هؤلاء الذين رضخوا إليه، وكأنهم يَجْلَدُونَ بسياط من صنع أيديهم، فتباً لشعب صنع سجَّانه وجلاديه، مع أن هذا السجان والجلاد بدون فعلهم هذا، من أجبن وأذل الناس، ويكفي وصف المتنبي له:
وأسود مشفره نصفه...............يقال له أنت بدر الدجى
فما كان مدحاً لــــه.................ولكــــن كان ذم الورى
ووصف عبيد بن الأبرص (الأسدي) أحد طغاة صحراء نجد "حجر بن الحارث" - الذي أذل من خرج عليه من بني أسد، فقتلهم بالعصي – مستعطفاً له فقال:
أما تركت تركت عفواً ....................أو قتلت فـــلا ملامة
أنت الملك فوقهــــــــم ...................وهم العبيد إلى القيامة
ذلوا لســـوطك مثلمــا..................ذل الأشيفر ذو الخزامة.
وقد تبعه المتنبي بقوله:
فما في سطوة الأرباب عيب............وما في ذلة العبدان عار.
لكن العلم والطب اليوم يخبرنا أن من حرم التغذية السليمة والبروتين الحيواني في طفولته، يحول ذلك بين أن تنمو خلايا المخ نمواً سليماً، فيتضاءل ذكاؤه، ولا يعوضه التغذية في الكبر، وهذا ما يفسر فقد الجرأة وانطماس الكرامة في الاعتزاز بالحرية، فالفاقة والجهالة تؤدي إلى تطبع صفات العبودية والعبيد في الناس، وقد يتحول إلى الانفجار بانقياده بروح القطيع، إذا وجد من يقوده بدهاء، وهذا ما أشار إليه شوقي بقوله:
أثَّر البهتـــــــان فيه .............وانطلى الزور عليه
يا له من ببغـــــاء ..............عقلـــــــه في أذنيــه.
وتنتقل صفات العبودية من جيل الآباء إلى جيل الأبناء باعتماد نفس الوسائل والطرق التي خضعت لها الأجيال السابقة، فهي تقدس القوي الغني الظالم المستبد، لا لشيء إلا لأنها تشعر في قرارة نفسها بأن ذلك يمنحها استبعاد مخاوف تحمل مسؤولية التمرد على الظالم، التي قد تؤدي إلى بعض الأضرار التي تخشى عدم قدرتها على تحملها، خاصة أنها لا تفكر في الفوائد الجمة التي تستمتع بها في حال العزة والكرامة والانصاف، بل هي لا تشعر بأنها مطالب إنسانية عالية القيمة، فتبقى في دائرة الاهتمام بمطعمها ومشربها وأمنها، ليس إلا، كما هو عادة القطعان في الفيافي والبراري، وهذا ما تعودت عليه شعوبنا المقهورة بإرادتها اليوم.
والذي يساعد على بقاء هذا الحال في الشعوب، هو استخدام فئات منه في وظائف الدولة، ومنح بعضهم علاوات متابعة الجماهير وتحصيل الضرائب منهم، والعمل على خدمة المستبد باسم خدمة الدولة، وهذا يتم من خلال مناهج تعليمية وتدريبية شديدة الإحكام، في الجندية، ومصلحة الضرائب، وكل أنواع الشرط التي تخدم من غير وعي، لأنها لا ترى مصلحة لأبنائها ولا لنفسها، ولا لوطنها، ولا لأمتها، بمقدار ما تدربت على الطاعة العمياء للأوامر بغض النظر عن فحوى ومضمون ونتائج هذه الأوامر، فهو يخدم ويطيع كما هي الصلاة، مع أن الصلاة تحرر الإنسان وتنهى عن الفحشاء، لكن صلاته تعلمها عادة من العادات، وليس عبادة من العبادات، وهذا ما يفسر لنا ضعف تأثير الثقافة الإسلامية على تكوين السلوك التحرري النبيل، كما هو لدى جيل الرعيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلـم، وهذا ما يفسر لنا خضوع غلمان وعبيد ثقيف لسادتهم، حينما كانوا تبع لهم، في الاستجابة لهم دون تفكير في إيذاء النبي ورميه بالحجارة، بمجرد ما جاءتهم إشارة أسيادهم، بأن يجروا وراء هذا الغريب المجنون، ففعلوا للتو، ورموا رسول الله صلى الله عليه وسلـم، لأنهم تحت تأثير السيطرة والانقياد، وما أكثر هؤلاء فينا اليوم، ممن يرجمون كل حر نبيل مخلص يريد خلاصهم من أسر العبودية والذل والفاقة والهوان، بمجرد أن تأتيهم الإشارة من أسيادهم بفعل ذلك، وهو فعل شبيه بفعل ترويض واستئناس الحيوان لأعمال السرك، أو السباق، ثم ذبحها إذا انتهت مهامها المحددة، وما يقع على المستأنَسِ من جور قد يحسبه فخراً لسيده فكأنه هو هو، فيزهو به، وهذا ما أدركه المتنبي بقول:
قد تعيش النفوس في الضيم حتى..........لترى الضيم أنها لا تضام.
ويفسر لنا هذه الحالة تماماً نفسية الحاجب في المحكمة الذي يرفع صوته عالياً قبيل نطق القاضي بالحكم، (محكمة) ليقف الناس، فيزهو بنفسه وصوته، بغض النظر إذا كان الحكم ظالماً أو عادلاً، رحيماً أو قاسياً، فهو لا يخطر في باله هذا المضمون، لأن عقله مغلق عن التفكير في مثل هذه الأمور، وكثير من موظفي الدولة هم في هذا الوصف، ولو فكروا في المضمون لما بقوا في وظائفهم شهداء زور على الظلم والعدوان الذي يتعرض له كثير من الناس، ويعبر عنه بما يشبه التحية العسكرية للرتبة الأعلى، ولو من غير مبرر فكري معقول، لأن المبرر غير المعقول أصبح هو الأساس لهذا الاعتزاز الذليل، في قالب مصطنع (اعتزاز عزيز) كما يتحول الأبيض إلى أسود في بصيرة الأعمى، فهما عنده سواء لعدم التمييز بين النور والظلام، بعض الأسود والنسور لا تتناسل في الأسر والقضبان، ولكن البشر تزداد تكاثراً في الأسر، لخدمة الأسياد بكثرة العبيد والخدم، والكثرة منهم تقاوم رسل الإصلاح، ورسل الأنبياء، وتقف مع جلاديها في محاربتهم، إلا من رحم الله، وهؤلاء عادة يكونوا مع قلتهم أتباع الرسل، ودعاة إصلاح الشعوب وتحريرها من الطغيان إن صبروا ودفعوا ثمن هذه الحرية العظيمة، وأولوا العزم من الرسل غيروا تاريخ البشرية، بصفحات مضيئة في الحرية والعبودية لله وحده دون سائر خلقه من الطغاة والفراعنة والظلمة، ولكن الإنسان سريع النسيان مع الأسف الشديد.
فقد المناعة: شعر:
يتسلل الطاغوت إلى عقلي، لأمجد الشيطان، في كل وسائل الإعلام، فاستخدم التلاعب بالألفاظ، لأصيب الناس بفقد المناعة، بلادنا الإسلامية تغتصب في وضح النهار وفي الليل يهرب منها إلى بلاد عبيد الشهوات، الأذكياء، لئلا يركبهم فيها السادة الأغبياء، ولئلا يستمعوا إلى أبواق الكهنة الأدعياء.
الزعيم: يتأبط شراً، يتلوى ويبعثر ثروات الأمة على ملذاته في كل القارات، قزم يزعم تحرير فلسطين، وجنوب السودان، من خلف المذياع، يحاكي نمر الغابة لكن أمام المرآة، بطل على شعبه، وهر أمام الأعداء يتعثر، يكبو يزحف يبكي يضحك، لا تعرف لوجهه لون أو علامة، ولا لفكره طعم أو لون غير الملل والسآمة، صورته في كل الساحات، تكبر وتكثر في كل المرات والممرات، حتى على بوابات الحمامات، ولا تنسوا معها صورة وريثي الذي أذكركم به ملايين المرات، فهو سيدكم القادم بعدي، فأنا لا أموت، بل ارحل، لأعود إليكم مع وريثي من جديد، ألم يخبركم المصفقون على الدوام، عاش الملك، عاش ولي العهد الأمين، ولو كان من أكبر خونة العصر والوطن!
العبودية المختارة " لابواسييه": تعقيب جودت سعيد على الكتاب:
هذا الكتاب والنص كتب في منتصف القرن السادس، ولم ينشر إلا بعد مائتي سنة من كتابته، ولم يترجم إلى العربية إلا بعد مائة وخمسين سنة أخرى من نشره، وهذا يوضح لنا جانباً من بروز وتحقق آيات الله في الآفاق والأنفس، كما قال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم...)53/فصلت، وما يتعلق بالأنفس، هو ما أراده القرآن من تحرير الإنسان من خلال فهمه لنفسه وتقديره لكرامته وحريته، ولو تحقق ذلك بقلم شاب أوروبي بعيد عن موضع نزول القرآن، طالما أنه كتاب للبشرية جمعاء، فهذا الشاب يكاد أن يفسر بكتابه ما ذكره القرآن تعليلاً لابتلاء المسلم وغير المسلم، بقوله: ( قل هو من عند أنفسكم) 165/آل عمران، وهذا ما ذكره المفكر الجزائري مالك بن نبي في تحليله لمشكلة الحضارة، وأطلق عليه مصطلح: " القابلية للاستعمار"، وقد سبق القرآن ببيان أن ظلم الإنسان لنفسه، أسبق من ظلم الآخرين له، قال تعالى: (ما أصابك من سيئة فمن نفسك) 79/النساء، وقد اعترف آدم بهذه القاعدة حينما أطاع الشيطان ونسي أمر الله، فقال: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا) 23/الأعراف، فتحمل آدم مسؤولية فعله، وعلى جميع البشر أن يتحملوا مسؤولية أنفسهم وأفعالهم، وهذا يؤكد أن الإنسان لا يُظلَم إلا برضاه وموافقته وبجهله، وما بنا اليوم من أزمات ومشكلات، حلها ما أخبرنا الله به في قوله: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) 11/الرعد، ومقالة هذا الإنسان الحر تبين بوضوح أن العبودية اختيار، كما أن الحرية اختيار، وإلا فكيف يتقبل العالم اليوم حق الفيتو لخمس دول فقط! وهو أمر ظاهر الظلم والبطلان، ولا يقرره على الناس سوى حكم العادة والإلفة بقبول تحكم سيطرة القوي الغاشم، ولو أنكره الناس بحزم لأسقط وتغير، كما ينادي بذلك كثير من أحرار العالم، مع أن الذي يتمسك به اليوم هم أنفسهم عتاة دعاة الديمقراطية، والفيتو يتناقض معها تماماً، مع أن حق الفيتو هو انتهاك صريح لحقوق الإنسان، والبشرية جمعاء، ونحن نبرره بالقوة، ونتعامل مع العمل لإزالته بالقوة كذلك، فنكون قد ساوينا بين الحق والباطل، وأقررنا للباطل بالاعتراف الشرعي، وهو ليس كذلك، فينبغي أن نزيل حق الفيتو بالرفض وليس بالقوة، لأن انتصار الحق يكون بالاستمساك به والنضال من أجله، وأقوى القوة، هو قوة الحق والمنطق والعدل، إذا نصرناهم بالرأي والفكر والمناصرة برفع الصوت بذلك، و"لابواسيه" يبين لنا كيفية فك سحر السيطرة الظالمة، من خلال التحرر من أسر العادة غير الفطرية، التي تحكمنا بقانون تغلب الظلم في حال الرضوخ إليه شيئاً فشيئاً، فتمسخ الإنسان الذي ولد ليعيش ويحيا حراً أبياً، مع أن الحيوان إذا جار عليه الإنسان يأنُّ من هذا الجور، قال الشاعر:
حتى البقـــر أنَّ تحت النيــــر ............وشكا في أقفاصه الطيــر
والإنسان لا ينساق إلى قبول العبودية، إلا مكرهاً، أو مخدوعاً، بتربية مغلوطة مفادها الرضوخ والاستسلام أمر طبيعي بل يكون أحياناً مبرر دينياً بتبريرات تجديفية ما أنزل الله بها من سلطان، وفي هذه الحال يكون التجديف بالمساواة بين العبودية لله وطاعته، التي تحرر الإنسان من أن يظلم نفسه بطاعة الشيطان، والاستعباد لإنسان طاغوت يمثل الشيطان نفسه، أو يده اليمنى في بني البشر، ليكون هو الشيطان في التحكم ببني الإنسان ظلماً وعدواناً، والدين الحق والعلم الحق والمعرفة الصحيحة تأبى ذلك تماماً، ولكن الجهل والفقر والعوز والخور أرض خصبة للاستعباد والعبودية المختارة، والبعض من الناس يولد عبداً، لأن والديه عبيد، لكن إذا تلقى التعليم السليم فإنه يأبى ذلك، قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) 11/الرعد، فإذا اختار الإنسان العبودية لله فلا يمكنه القبول بالاستعباد للبشر، لأن القرآن بين ذلك بقوله: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) 42/الحجر، (إنما سلطانه على الذين يتولونه)10/النحل، فليس من خيار بين العبودية لله، أو الاستعباد للشيطان، ومعدن الإنسان الفطري هو الذي يحدد إلى أي اتجاه عليه أن يسير، والعقيدة الصحيحة التي لا يسمع بها أحد، تبقى طي النسيان، حتى ينادي بها أحد، فيتجاوب معها من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وحق الفيتو الظالم لم ينكره أحد بحيث يُسمِع به الدنيا، لمحاربته واستبداله بقانون العدالة والمساواة، مع أن أكثر من يستخدمه هم دعاة الديمقراطية على ما يزعمون، مع أنه ضد حقوق الإنسان التي يتشدقون بها، ولكن لا أحد يبين لهم تناقضهم هذا في هذه المسألة لتكوين تيار يناصر الحق وينصره ولو بعد حين، قال تعالى: (تعالوا إلى كلمة سواء..)64/آل عمران، وسبيلها عدم الإكراه وإنما الاقناع الحر الصادق النزيه، قال تعالى: ( لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي) 256/البقرة، الإكراه ينفي الشرعية، عن الدين والرأي والسياسة والاقتصاد والتعامل، والثورة الفرنسية كان مقتلها في استخدام أساليب أعدائها وهي القوة والإكراه والجريمة، فتساوى حقها مع باطل عدوها، فوقعت في نفس حفرة الظالمين، فكانت ثورة ملطخة بالدماء، والبشرية اليوم بحاجة إلى حضارة وثورة من نوع آخر، تقوم على الفكر والرأي والسلمية القوية الإنسانية، وهذا لا وجود له في سوى الإسلام، وهذا ما أنطق الله به " لابواسييه" فقال: "إن من يظن أن الجنود وأبراج المراقبة تحمي الطغاة، يخطئ بشكل كبير، فالحرس تصد من لا حول لهم على اقتحام القصر، مع العلم بأن من قتلهم حراسهم من الطغاة، أكثر ممن حماهم حراسهم" إذا فتحت عيونهم على الحقائق الناصعة، بالإقناع والفكر- وهذا ما فعله رسول الله مع شباب أهل الجاهلية، فانقلبوا عوناً للحق وأهله- نابليون وهتلر لم يوحدا أوروبا مع كل ما قاموا به من فتوحات وانتصارات حربية، لكن برحيلهما اتحدت أوروبا فيما بينها بالإقناع والاقتناع، على مبدأ المساواة بين الجميع، ونحن العرب والمسلمين قادرين على صنع هذه الوحدة بالإقناع والاقتناع، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) / ، وأن ما يأتي به الإكراه لا شرعية له على الإطلاق، ويظهر عوره عاجلاً أو آجلاً، والشرعية والرشد تقوم على السنن والإقناع، وهذا ما يبينه القرآن في كثير من آياته وقصصه، ومثال سقوط الاتحاد السوفييتي، من داخله، أكبر حجة لها مصداقية أن الفساد يصل إلى طريق مسدود في النهاية، (الم تر كيف فعل ربك بعاد..) 1/الفجر، لأن الحقيقة الناصعة في الحرية، واستعادة الإنسان إنسانيته لا تكلفه إلا الرغبة والتمتع بها في أعماق قلبه وفكره، وهي بالمجان، قال عيسى عليه السلام: "أخذتم مجاناً وتعطونه مجاناً" مثلها مثل الإيمان، لا يفرط به لمن استقر بقلبه ولو في مقابل حياته، أو مال الدنيا، وهذا مشاهد في سلوك التائبين والعائدين إلى الله ودينه وهديه.
وما سبق يبين خطأ مقولات مثل: " إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب"، والبيت الشعري الذي يقول:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى..........حتى يراق على جوانبه الدم.
وللحرية الحمراء بــــــــــــــــاب...........بكــــل يـــدٍ مضرجة يـــدقُ.
وليس من الضروري إزالة الظلم بالظلم، أو القوة بالقوة، خاصة في المجتمع الواحد، وحتى في المجتمعات المختلفة فإن القوة العادلة، ليست لإزالة القوة الظالمة، وإنما للإقناع بتحييد القوة من الطرفين في التحاكم إلى الحق والعدالة، وهذا أسلوب قرآني واضح بقوله: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله، وعدوكم)60/الأنفال.
كشف المجهول ييسر التعامل معه، فالأمراض قديماً تفتك بالناس، ولا رادع له، واليوم بعد كشف المسبب، صنع له العلاج واللقاح المناسب، فقل تأثيره، ومثل ذلك اليوم في ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، هو جزر وقارات غير مكتشفة، فإذا كشفت حقائقها، سهل علاجها، وحل مشاكلها، لأن الحروب الأهلية تحدث في بلاد ملوثة فكرياً، والجراثيم الفكرية، مثل الجراثيم المرضية، ما أن تكتشف طريقة تكاثرها، حتى يسهل البحث عن طرق الوقاية والعلاج قبل استفحالها، وإذا وصلنا إلى هذه الاكتشافات ربح الجميع دون أن يخسر أحد، والأنبياء جاءوا ليعلموا الناس الصحة النفسية والفكرية، قبل أن يعلموهم الصحة الجسدية، (إلا من أتى الله بقلب سليم) 89/الشعراء، ولهذا علينا أن نفرق بين المرض فنكرهه ونحاربه، والمريض فنحبه ونعالجه، ومن نجاحات المصلحين والأنبياء المرسلين نستلهم الأمل في القدرة على إصلاح الإنسان السوي، على أن ندفع الثمن المطلوب ليكون سوياً ومحقاً، من خلال الوعي والتوعية، والله تعالى ينبهنا إلى مخاطر تنكب هذا الطريق، بقوله: ( يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) 23/يونس، وحق الفيتو لا ينبغي تبديل أو إضافة قوى ودول إليه، وإنما المطلوب إلغاؤه بالكلية، لأن الناس متساوون، ولا يناسبهم أي استكبار من ظالم أو مظلوم، وإحصاءات الأمم المتحدة، أن 20% من سكان العالم يستهلكون 80% من ثروات العالم، وأن هذه الحقائق ينبغي أن يعرفها الفقراء المستَغَلُون، وأن يلتزموا وصية القرآن: ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً، أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) 36/النحل، وأن دعوة التوحيد لا تعول على قتل الطاغوت، كما في تاريخ الدعوة الإسلامية، وإنما اجتنابه وتحييده، وهذا مكسب للجميع، وهو منهج نبوي، قليل التكاليف كثير الفوائد، لإبطال حق الفيتو كذلك في تطبيق القانون على الفقراء في البلاد العربية والإسلامية، وهذه انتكاسة تشبه انتكاسة الثورة الفرنسية والأوربية في تطبيق العدالة للرجل الأبيض فقط، وبهذا ستسقط الدول الاستعمارية التي تدعي الديمقراطية المزيفة، لقوله تعالى: (وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون)59/القصص، ومنافسي أمريكا وأوروبا يسلكون طريقهما في الاستكبار، واليوم يعطينا الاتحاد الأوروبي درساً في إمكانية استخدام الحوار لتحقيق المصالح المشتركة، وحل النزاعات المشتركة، وعلى العرب الاستفادة من هذا الدرس الكبير، (اتحاد الولايات العربية) بديلاً عن حرب داحس والغبراء، إن اتحاد بلدين عربيين فعلياً يرفع أسهمهما عالمياً، وتنازع بلدين عربيين، يهبط بأسهمهما عالمياً كذلك، (فاعتبروا يا أولي الأبصار) 2/الحشر، ألم نرى كيف فعل ربنا بهتلر، وموسوليني ونابليون والاتحاد السوفييتي؟ التعاون والحرية لا تتحقق بالقوة، ولا بالعنف، ولا بالبطل الخالد، وإنما بالوعي والإرادة الحازمة العازمة على تحقيق الحرية والكرامة بالاقتناع، كرسالات الأنبياء تماماً، وهذا هو الأسلوب القرآني والنبوي، الأسلوب الذي يربح فيه الجميع هو الأسلوب الأمثل، والأقل خسارة، والأيسر، العالم اليوم كله يسير باتجاه عالم قوة العضلات، مع أن المطلوب هو عالم قوة الأفكار، إن القنبلة النووية دفعت كل من يملكها إلى استخدام أسلوب الحوار بديلاً عن أسلوب الدمار الذي يحطم الخصمين معاً، وبالحوار يكسب الخصمان معاً، والحربين العالميتين علمتا أوروبا درساً لا ينسى، وعلينا – نحن العرب- أن نعي هذا الدرس كذلك، قال تعالى: (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون) 121/هود.
خلاصة جودت سعيد في 1998م.
عندما تنطفئ الحضارة تنتج الإنسان المريض:
(1): في عام 1198م طرد (ابن رشد) واضطهد، بعدها بأعوام تهاوت دولة الموحدين تباعاً في الأندلس، الانفكاك بين العلم والتقوى، تورث انفكاكاً بين الإنسان والحرية، قال عقيل بن أبي طالب بعد انتهاء الراشدية في الحكم: " إن صلاتي خلف علي أقوم لديني، وإن معاشي مع معاوية أقوم لحياتي" مع أن الأصل والمثال الأعلى للإسلام هو : ( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) هذا الانفصام والانفصال بين المثال النموذج، وبين الواقع المتراجع عنه، فينتج إنسان بثلاث مستويات: الأول: إنسان مستلب الإرادة ممسوخ الكرامة أشبه بالعبد المطيع، والثاني: محرر الإرادة منغلق على ذاته، يشعر بالخوف والقصور عن الفعل والتأثير، والثالث: كامل الكرامة حر مؤثر إيجابي منتج محقق لذاته نافع للحياة والأحياء، مشارك مع الجماعة والأمة في التغيير الإيجابي الصاعد، الذي يقف في وجه الطغيان رافضاً أن يستخدم أداة للظلم والفساد (كلا لا تطعه واسجد واقترب).
(2): إرادة العبودية وآلية الطغيان: حين يتنازل الناس عن حريتهم وكرامتهم لصالح الزعيم القائد، تكون البداية من أجل قيادتهم نحو تنظيم رفاههم وتحقيق انتصاراتهم على فرقتهم وأعدائهم، لكن هذا الزعيم يستولي على حرية الجميع وكرامتهم، فيضيفها إلى حريته حتى تتضخم، وتصبح في حالة تأله، وتربب، فيصبح هو الكل، ويضمحل الكل الأصلي، لتكون كلمته هي العليا، وهي المقدسة، ولا قداسة إلى أي قداسة، بجانب قداسته، حتى تصبح الإساءة إلى الله لا شيء بجانب الإساءة إلى الملك المعظم، فهو يحيي ويميت ويرزق ويمنع ويحارب ويسالم، ويبيع الوطن أو يشتريه، ولا كلمة لأحد سواه، في بلاد العبودية المختارة، مع أن الله والقرآن أنزل شريعة تحرير الإنسان من أن يتلوث بالوثنية، الشرك محرم في دين التوحيد، ومع ذلك العلمانيون يستبدلونه بالشرك الأكبر والأوسط والأصغر، حتى لا يتبقى لكرامة الإنسان ما يتمتع به حتى حيوان الغابة والبرية.
(3): الطبيعة البشرية والطغيان: لا يوثق بإنسان دون مراقبة وحسبان، لأن الطبيعة فيه ليست كاملة، وكلما عظمت سلطته، عظمت مفسدته، ما لم يحاسب ويراقب، وذكر عن فرعون المفاسد الكثيرة، في القتل والفساد والتزوير، وتحول البشر إلى مستكبرين ومستضعفين، يحول دون تحقيق العدل والانصاف والأمن والأمان، وينتشر السوء في الرعية بتقليد الكبار، فيدخل الظلم كل بيت، فيكثر الفراعنة، ويصبح كل من يملك سلطة مطلقة فرعوناً، رب الأسرة، ورب العمل، وشيخ العلم، وشيخ المهنة، ورب المال، وصاحب الجند، ومفاسد هؤلاء، كمفاسد سيارة من غير فرامل، كلما تحركت دهست وآذت، لعدم وجود الكوابح، بينما أمرنا الله أن نستعمل حنيفية إبراهيم عليه السلام، والنقد الذاتي بواسطة " النفس اللوامة" لتستقيم تصرفاتنا على الدوام، كلما مال بها الحيف أو الجور عن حد الاستقامة، ولقد تجاوز الغرب طغيان الكنيسة والملوك والإقطاع، من خلال المشاركة الجادة في الحكم، وتوازن الحاكمين والمعارضين، من خلال الحرية والاستمساك بمجتمع يجمعهم بأمان من الجوع والخوف، ونحن في عالمنا العربي والإسلامي، على رغم ما لدينا من هذه القيم والقواعد، إلا أننا لم نفعلها منذ سقط الحكم الراشدي، وانتهت حضارة النور الإسلامي، منذ قرون، وتحولنا إلى ما كان عليه الغرب والشرق من طغيان، ألبسنا لباس الجوع والخوف، فحولنا إلا أشباه الصم والعميان، بسبب هيمنة الاستعمار والاستبداد.
(4): عبادة الذات الفانية: في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، عام 1956م قال خروتشوف: " إنه من الغريب عن روح الماركسية أن ترفع شخصاً واحداً – ستالين- تحوله إلى سوبرمان، يملك صفات مماثلة للإله، يرى ويسمع ويفعل كل شيء، بالنيابة عن الجميع، كأنه قائد الإنسانية، في الوقت الذي كان يقدم الوجبة الواحدة من الإعدامات اليومية بأكثر من ألف إنسان، وكثير منهم نخبة المجتمع، وطبع أكثر من 600 كتاب، في عشرين مليون نسخة، في تقديسه وتمجيده خلال خمس سنوات، حتى قال مؤرخ الشيوعية "ميدفييف: " إن ستالين عمل على خلق دين اشتراكي، أما إله ذلك الدين الجديد الكلي القدرة، الكلي المعرفة، والكلي القداسة فكان ستالين نفسه" ووصف ماو تسي تونغ في الصين بنفس هذه الصفات وأكثر، بل صرح أتباعه بعبادته، ونقل "نديم البيطار" أن صور الآلهة الصينية استبدلت بصور الزعيم، في كل مكان، ومثلها في عالمنا العربي طولاً وعرضاً، ولهذا منذ أول يوم في انتصار الإسلام في مكة على الوثنية والشرك، طمست جميع الصور التمجيدية، وعلماؤنا حرموا على الناس صورهم الشخصية، ولو كانت تقتنص ساعة فرح، من أيام وشهور حزن وضنك وشقاء، فإذا كانت الصورة للملك المعظم، في كل الدوائر الرسمية، بما فيها دوائر الافتاء، صمتوا صمت أموات القبور، مع أن فكر الجاهلية في العرب ينفي القداسة عن كل ذي أنف وعينين، ولسان وشفتين، حتى أصنام العرب لم تكن لها هذه القدسية التي عند الشعوب الأخرى، لأنهم إذا احتاجوا للصنم استعملوه، وإذا بغضوه غيروه، وما يفسر الحالة العربية ما قاله "برتراند رسل: " التعليم الصارم يخلق طراز ذليل مستعبد من الناس، وآخر طراز متغطرس مستبد، والعلاقة بينهما: أحدهما يصدر الأوامر، والثاني يطيعها وينفذها" وهذا ما يصنع التخلف الذي يحكمه الطغيان، ويدرك الشاعر الفيلسوف محمد إقبال عظمة ختم النبوة، هو الحاجة إلى إلغاء العصمة بعدها، ليحل العقل والبرهان بديلاً عن العصمة، ليقود الناس الحياة أحرار متعاونين، ولهذا أبطل القرآن الرهبنة، وأبطل وراثة النبوة، وأبطل وراثة الملك، وركز بشدة على إعمال العقل والتفكير للوصول إلى الرشد الإنساني، ولهذا أكد القرآن على العلم والعقل.
(5): أخطر مشكلة في التاريخ نظام الحكم: لأن الحكم يشكل طبيعة حياة الناس، والديمقراطية ليست هي النموذج، وإنما أقلها سوءًا، وكما أن دماغ الإنسان هو الحكومة التي تدير جميع جسد الإنسان وجوارحه، فإن الحكومة هي بمثابة دماغ المجتمع والأمة، والجسد والأعضاء هي الشعب، يقول برتراند رسل، جربت البشرية كل أنواع الحكومات، ولم تصل بعد إلى الحل الأمثل، والمشكلة الرئيسة في الحكومات هي عسكرة القوة المسلحة، عند الجندي والشرطي ورجل الأمن، لكن الحقيقة الغائبة عنا هي: " أنه لا يمكن ركوب رقبة شعب يتمتع بالوعي والإيجابية، وبغيابهما يصبح كمعزة تجر بحبل، أو قطيع يقاد بكبش وجرس، (1) ولو بعث أرسطو وزينون ولما وجدا تقدماً في مجالسنا السياسية عن حرية التفكير والإنسان، (2) من المؤسف أن خيرة أبنائنا ذكاءًا يدرسون الطب والهندسة، ويتركون التفكير والإنسانيات للمستويات الأدنى من الذكاء، فالطبيب قد ينقذ إنساناً، لكن المفكر ينقذ أمة، وهذا ما بينه القرآن بوصف إبراهيم ( أنه أمة)، وهل نتذكر عباقرتنا (كابن خلدون – والكواكبي – ومحمد اقبال – وعبد الرحمن بدوي) الذين اكتشف عبقريتهم الغرب، ونحن نسينا حتى منجزاتهم وفكرهم المبدع.
يقول الكواكبي: " المستبد لا يخشى من علوم اللغة، ولا علوم الدين التعبدية، لكن ترتعد فرائصه من علوم الحياة، والحكمة، والفلسفة العقلية، والحقوق، والسياسة، والتاريخ المحقق، فالمستبد يخاف من العلوم الإنسانية التي تبين حقيقة الإنسان وكرامته وحقوقه، فإذا عرفها زال جهله، وباد خوفه، ورفع صوته، وطالب بحقوقه.
يقول محمد اقبال: " تراثنا كتب في ظروف غبشية الحكم غير الراشدي، ومع أن القرآن حفظ تماماً، وتكفل الله بحفظه، إلا أنه لم يسلم من ثلاث: توظيفه من قبل السلطان، وكتم حقائقه الجوهرية، وتفسيره الرديء، القرآن كان يلعن فرعون، ولكن فراعنة الأمة كانوا في القصور، بحماية جيوش الفتح والجهاد، وفتاوى الضرورة، وقبول التغلب والسكوت عن الشورى، مقلدين الحكم البيزنطي والكسروي، فعلينا أن نغربل الدخيل ونحيي الأصيل، ونوظف مكتشفات العصر، لندخل حلبة التاريخ مرة أخرى من جديد.
(6): باسم الشعب: تحمل الشعارات في توابيت يسير الشعب وراءها لدفنها في مقابر خاصة بوابتها مكتوب عليها باسم الشعب، باسم الشعب يقتل الشعب، وباسمه تقطع الألسنة، وباسمه تصادر ثرواته، فباسم الشعب اليهودي حكم على نبي الله عيسى بالصلب، (فرفعه الله إليه)، فباسم الشعب رفعت المصاحف على أسنة الرماح، ليتحول الحكم الراشدي إلى ملك عضوض، وباسم الشعب الفرنسي قطع رأس عالم الكيمياء الحديثة "لافوازييه" وباسم المجمع اليهودي حكم على "سبينوزا" باللعن والطرد، وباسم الشعب أرسل ستالين ستة ملايين فلاح إلى المقابر، و35 ألف ضابط من الجيش الأحمر، وقضى على رفاقه فرداً فرداً حتى أقرب المقربين إليه، وكتب الفيلسوف "عبد الرحمن بدوي" : يئست من الشعوب العربية أن تستيقظ، لأنها مسلوبة العقل والإرادة، حتى المثقفين أصبح الغالبية منهم مطبلين انتهازيين للحكام، ومهما جاء حاكم متحمس في اليوم الأول، لا يمضي عليه أسابيع حتى تصبح كلماته (توجيهات سامية) تنفر منها العقول المبدعة مهاجرة إلى الغرب المتقدم، وإسرائيل العدوة اللدود، تستقطب العقول المخترعة لأبناء ملتها من كل العالم، لتوظفهم فيما يبدعون من اختراعات وتوجيهات، ونحن يكفينا رجل واحد في قد يكون في قمة الغباء، (توجيهاته سامية)، ويتحول الوطن إلى معتقل كبير للجميع صغاراً في مدارس متخلفة، وكباراً في وظائف وجامعات ومؤسسات خسائرها أكبر من أرباحها، وتراجعها أكبر من تقدمها، إنها وطن القائد العظيم الفرد الصمد والعياذ بالله، وهنا لا بد لهذا المتأله الذي خضع له الجميع من الاسترخاء، وتراكم الأخطاء التي تهدم قصره على رؤوس ساكنيه، ويتحول الأمر لأنه لا بقاء ولا خلود لما هو مخالف للسنن، حتى يعي أهل الوعي إلى أن شروخ الوطن لم يعد فيها تماسك للإبقاء على سقفه، فيسقط السقف، عند أول زخة مطر قوية، أو رياح عاتية، لتبدأ الحياة بدورة جديدة لها.
(7): المعرفة والسلطة: الحرية هي الخير الأكبر، وفقدانها تتبعه كل أنواع النكبات، ولقد أحسن الكواكبي في وصف الاستبداد للتعبير عنه بقوله: " أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضرر، وخالي الذل، وابني الفقر، وابنتي البطالة، ووطني الخراب، وعشيرتي الجهالة" أما " لابواسييه" فيصف ذلك بقوله: " ما هذا يا ربي؟ كيف نسمي ذلك؟ أي رذيلة تعيسة أن نرى عدداً لا حصر لهم من الناس يحتملون السلب والنهب وضروب القسوة، لا من عسكر أجنبي، بل من واحد لا هو بهرقل، ولا شمشون، إن لكل رذيلة حداً تأبى طبيعتها تجاوزه، فأي مسخ من مسوخ الرذيلة هذه، لا يستحق حتى اسم الجبن ولا يجد كلمة تكفي قبحه، والذي تنكر الطبيعة صنعه، وتأبى اللغة تسميته؟" بينما يفسر القرآن هذه الظاهرة، (بما كسبت أيديكم) , (قل هو من عند أنفسكم)، ولهذا كان العلاج السليم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ولهذا لا يمكن لظالم أن يقعد على رقبة شعب واعٍ لحقوقه وقدره، والمرض لا ينهك الجسد إلا إذا تلاشى الجهاز المناعي فيه، فإذا كان الجهاز المناعي ضعيفاً، فإن الجسد يعيش حياته مريضاً كذلك، وبالاعتياد على المسكنات يظنه الإنسان أمراً عادياً لا فكاك منه فيستسلم للعبودية ليريح باله من ألم المقاومة، وهذا ما يفسر لنا تأكيد القرآن على هجرة الأنبياء والدعاة، البيئة القاهرة، ريثما تتغير الظروف، لئلا يحكمنا الرضوخ للعادة والاستسلام للطاغوت، وقصة أهل الكهف هجرة الميؤس منه، وهجرة موسى مع بني إسرائيل من مصر في هذا الإطار، وأغلب الأنبياء هاجروا لرفض قبول الظلم، إذا صعب تغييره، المهم عدم الرضوخ كذلك، لئلا تموت القلوب الحية، ولهذا استبدل شعب بني إسرائيل الذي اعتاد الرضوخ للفرعونية، بجيل آخر لا يعرف سوى الحرية، وأمراض شعوبنا العربية والإسلامية اليوم هي: 1- تقديس الأبوية، 2- تأليه القوة، 3- عدم تقدير العلم، 4- عدم الشعور بالمسؤولية، 5- تقبل الغدر على أنه قوة، 6- تقديس النص بعيداً عن الواقع، 7- تقديس الجهاد دون تحرير شروطه، 8- رفض الديمقراطية والاستكانة للاستبداد، 9- تمكن العقل الخوارقي، في مقابل العقل العلمي، 10- الظن بأن تطبيق الأحكام ثابت الصورة ولا يتغير بالاجتهاد، مع ان " لابواسييه" لم يطرح الخروج بالقوة على الحاكم الظالم، بل طرح فكرة عدم طاعته، وعدم مده بأسباب القوة والتحكم، إن رصيد تمكين المستبد هو الجهل، ورصيد طاعة الشيطان هو الاتباع.
(8): جدلية تطور المجتمع: حكم على سقراط بتجرع السم بزعم أنه يسمم أفكار الشباب، والمسيح حكم عليه بالصلب بدعوى مشابهة، وحاولت قريش قتل النبي الخاتم؛ على زعم أنه يفسد دين الآباء والأجداد، وقتل الحجاج الشجاع الحر سعيد بن جبير، وانتهت حياة العالم الجريء ابن تيمية بين جدران سجن قلعة دمشق، وسجون البلاد العربية انهت حياة عشرات ومئات الأحرار بين قضبانها، والمعارضات الشكلية روضت بالمشاركات الصورية، أو بشراء الذمم، أو الثالثة الموت خلف القضبان، والفرق بين الأفكار الدخيلة الجديدة، والأجسام الدخيلة الجديدة على الإنسان مختلف، حيث أن عقله من المفترض أن يستفيد من النافع منها ليتغير ويغير، أما الثانية وهي الميكروبات والأعضاء الجديدة، فإن آلية رفضها لا يتحكم بها العقل ولكن يتحكم بها الجسد بآلية خلقية من سنن الله، وإلا لكان الإنسان مزرعة لجميع الكائنات والأعضاء التي تدمره أو تجعل منه شيء آخر غير الإنسان السوي، وبعض الناس تتعامل عقولهم مع الأفكار كما تتعامل أكبادهم مع الجراثيم والفيروسات، فيصبح بآلية حيوانية مركبة، لا إنسانية، لأن جسده يتحكم به الكبد والأجهزة الداخلية، فترفض الغريب عنه، أما عقل الإنسان، قد يقبل كل أنواع الأمور الغريبة بالاعتياد، ولهذا على الإنسان أن يفرق بين عمل جسده، وعمل عقله، فالأخير قابل للمناقشة والتغيير من خلال الوعي والتفكير، فيقبل الجديد إذا كان مبرهناً، خاصة في المجتمعات المتحررة من الخوف والاضطرار والقمع، أما المجتمعات المصابة بهذه الآفات تصبح مترهلة، تلفظ الجديد ولو كان في مصلحتها، فيتوافق العقل والجسد في الاستسلام للأمراض والعادات، بينما استطاع الرسول صلى الله عليه وسلـم وثلة من أصحابه الأطهار تغيير واقع الجزيرة العربية والعالم القديم بأسره في فترة وجيزة، من خلال التغيير، واليوم مع ما وصلنا إليه من تحنط وتخلف، لم نستطع أن نوظف هذا الإسلام نفسه، في الخروج من قوقعة التحنط والموات والتخلف الظاهر البين، لأن نفوسنا بما فيها من عقول محنطة لم نستوعب ما يتضمنه الإسلام من قدرة على انتشالنا مما نحن فيه، بقليل من التغيير والتجديد والتطوير والفاعلية الإيجابية، فأصبحنا مجتمعات مغلقة على الإصلاح والإبداع منفتحة على الفساد والاستسلام، مع أن كسر العادة السلبية ليس صعباً البتة، وإنما يمكن باستبدالها بعادة إيجابية تحل محلها، أو الهجرة من مجتمع الطغيان، كما ذكر القرآن، إلى مجتمع الحرية والإيمان، وهذا ما فعله كثير من الأنبياء والدعاة، مفضلين الهجرة على الذل والاستسلام.
(9): أثر التعليم في التحرر: فتحت دعوى الحفاظ على الأمن تتغول الدولة وأجهزتها القمعية، وتصادر حريات شعوبها، والمستبد يعجبه أن يحمل المتمردون عليه السلاح، ليبرر قمعه وسطوته على الجميع، ومن ثم تنتقل عدوى الاستبداد إلى المتمردين أنفسهم، فيقمعوا كل من حولهم، لأن القوة أصبحت قاعدة الظالم والمظلوم، فتساووا في جريرتها، ولهذا حذر النبي المصطفى فقال: " القاتل والمقتول – من المسلمين- في النار" وسبقه عيسى عليه السلام إلى ذلك فقال: " من أخذ السيف بالسيف يهلك" دمرت اليابان وأفغانستان في الحرب، لكن الفرق بينهما أن قيادة وشعب اليابان كانوا يفكروا في كيفية إعمار بلدهم، وكيفية التعامل مع عدوهم، بينما قادة أفغانستان وشعبها كانوا يفكروا في كيفية الثأر من عدوهم والتنكيل به بالموت والدمار، وآخر شيء يفكروا به هو الإعمار، والنتيجة واضحة اليوم في الشوط الذي قطعته كل من اليابان وأفغانستان مع مجريات الأمور، حتى أن مجاهدي أفغانستان قتلوا من بعضهم البعض، اكثر بكثير مما فعله السوفييت بهم، والسبب أن بوصلة كل من الشعبين مختلفة، وشعوبنا العربية اليوم استدعت تجارب معارك صفين والجمل التاريخية، ولم نستفد من دراسة التاريخ وعلم الاجتماع القرآني، قال تعالى: ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) 105/الأنبياء، فهل نحن صالحون؟ وقال: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) 38/محمد، واليابانيون أسسوا لنجاحهم منذ عهد بعيد قبل الحرب، عام 1852م حين اعتلى العرش امبراطور وطني اسمه " موتسو هيتو/ الميجي" حين حدد في الفقرة الخامسة من عهده: " سوف يجري العمل على جمع المعارف من شتى أنحاء العالم، وعلى هذا النحو سوف تترسخ الإمبراطورية على أسس متينة" التعليم – وحوار الجماهير- وإدارة الحكومة بمساواة- والمدني والعسكري في الاحترام سواء، والتخلي عن التقاليد المعيقة لتقدم الإنسان والمجتمع – وإقامة العدالة.
(10): أهمية الفكر السلامي: فشلت كل ثورات الخوارج القائمة على السيف والقوة، وكذلك فشل القوميون في المسار نفسه، فلم يصنعوا الحضارة المنشودة، وجرب الخوارج الجدد المسار القديم، فحصدوا فوضى عارمة وقلدوا من ثاروا عليه بظلم أشد وأنكى، والدول التي أخذت بالسلم والحرية والاستقرار للتغيير والتقدم ارتفع دخل الفرد فيها أضعافاً مضاعفة، وبلادنا العربية انهارت عملاتها إلى الحضيض، ولم تحقق أياً منها أي تقدم سوى ارتفاع سهم الاستبداد والفقر والتخلف والتمزق.
ولو أردنا الخروج من مأزقنا علينا: 1- أن نخرج فكرة العنف من عقول شبابنا، 2- غرس فكرة المقاومة الفكرية بالوعي وتحديد أهداف الوطن، 3- اعتماد الأسلوب النبوي في التغيير بالتربية المنزهة عن الاستضعاف، والاستكبار.
(11): قوانين تغيير الاستبداد: 1- الشعور بالحاجة إلى التغيير، 2- التدرج المخطط في التغيير، 3- صناعة البدائل عن التخلف، وكما أن أفضل مكان لإيداع جثث الموتى هو المقابر، فإن أفضل مكان لإيداع الأفكار الميتة هو شطبها من عقولنا، واستبدالها بالجديد، والضروري، وكما قال مالك بن نبي: " كل من يدخل العصر، ولا يدرك إضافات المعرفة الإنسانية فيه لن ينجو من سخرية التاريخ" .
(12): قصة تشاوسيسكو رومانيا: سئل قبل أربعة أيام من سقوطه، وقد ثار الشعب عليه، عن موقفه منه، فقال: " إذا تحولت أشجار البلوط إلى أشجار تين يمكن أن تتغير رومانيا، ولكنه سقط بأسرع مما يتوقعه كل الفراعنة في التاريخ، وكان أزلامه مائة ألف رجل أمن، اختفوا في لحظات، كل طغاة الشيوعية زعموا أنهم أتوا ليحرروا شعوبهم فزادوا من استعبادهم وتفقيرهم، والطاغية لا يسيطر بمفرده، وإنما يعتمد على أربعة أو خمسة أشخاص حوله، هم من يذلل له الشعب والصعاب، فإذا ند أحدهم، أو خمستهم انقلبوا عليه، كما انقلب هو سابقاً على رفاق دربه وانقلابه وسيطرته، وقد يكثر الصغار الظلمة لخدمة الظالم وظلمه حين تنتكس ضمائرهم ووطنيتهم، وأخلاقهم فيتحولوا إلى حثالة، ولو ازدراهم الشعب من أول يوم لارتدعوا ورجعوا، ولكن يكثر النفاق بالتفريخ الاصطناعي.
(13): ثورة سلمية في مكان غير متوقع: لا بد له من وعي، ونشر لهذا الوعي، وإيصاله إلى الغالبية، والشخصيات المؤثرة، (مؤسسات + أفكار+ أشخاص) والاستبداد طاعون لا بد من تحصين الشعب منه ومن آثاره، مع إيجاد البديل الجامع المناسب.
(14): الدولة والعنف: تنشأ الدولة في البداية لتأمين أمن المجتمع البشري، ومع الأيام تتحول إلى كابوس لتحمي الدولة أمن الدولة من شعبها، فتصبح هي العدو الداخلي والخارجي معاً.
(15): لماذا يهاجر المواطن العربي؟ استقبلت القاضية الكندية ثمانين مهاجراً من ثلاثين دولة في قاعة كبيرة فقالت: " أيها السيدات والسادة، نحن نعلم الرحلة الصعبة التي قطعتموها من أوطانكم الغالية إلينا، طمعاً بمصير أفضل، لتستقروا في هذا البلد الرائع، نحن فخورون بكم، دخلتم هذه القاعة مهاجرين، وتخرجون منها مواطنين مثلي لا أتميز عنكم بشيء، ادخلوا هذا البلد آمنين، واعتنقوا الدين الذي به تؤمنون، وتنقلوا واعملوا في أي مكان تحبو، وادخلوه وغادروه في اللحظة التي ترغبون، تعلموا قول الحق والعمل به، لا تخشون لومة لائم، علموا أولادكم ذلك، وكونوا حريصين على محاربة كل ألوان التمييز العنصري والجنسي، والآن اختم بأن تقوموا وتسلموا على بعضكم فقد أصبحتم مواطنين أخوان بعض، بعد أن سلم كل واحد منهم وثيقة مرسوم الحقوق والمواطنة، وتهنئة على منحه الجنسية الكندية. (فبكى كثير من الحاضرين من الفرحة).
(16): حصان الثورة الإيرانية: كل حصان قابل للترويض، إلا الحصان العسكري، فإنه يجمح على عدوه، ويدق عنق فارسه كلما جنح، وهذا ما جرى مع القوميين والإسلاميين على السواء، بما فيها الثورة الإيرانية التي بدأت سلمية، وانتهت بإعدام عشرات الآلاف ممن اعتبرتهم خطر عليها وعلى الدولة غير الإسلامية، ولم يتعظوا بمقولة النبي يوم فتح مكة: " اذهبوا فأنتم الطلقاء".
(17): صراع داوود وجالوت: يقول صحفي إسرائيلي " آفينيري" ليس دائماً النصر فيه بركة، وإنما أحيان كثيرة إذا كان الانتصار ظلماً وعدوان، يتحول إلى لعنة، كما كانت لعنة قميص نيسوس المسموم لهرقل، فلو أن إسرائيل حققت دولة تأوي الفلسطينين، وتريحنا منهم ومن كل العرب الذين انتصرنا عليهم جميعاً، لسلمنا ونعمنا بالأمان على الأقل لفترة طويلة، بدل الانتصارات المسمومة، في المناطق المحتلة الجديدة، التي تأرقنا ليل نهار، إن إسرائيل والغرب يتحدث عن السلام وهو لا يريده، ولو أردنا السلام لأبرمناه مع الفلسطينيين والعرب، على رغم ما يرغبه تجار السلاح.
(18): القابلية للاستبداد: تشكلت تحت قباب قصور القيروان ودمشق وبغداد، ومن ثم اجتيحت هذه العواصم وغيرها من بلاد الإسلام، والقرآن الكريم إشارة إلى السبب الرئيس في هذا الاستلاب الفكري الممهد للاستعمار، وهو مصطلح (ظلم النفس) قال تعالى: ( ولكن الناس أنفسهم يظلمون) 44/يونس، ولهذا أمر القرآن بالتغيير من منطلق الذات، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)11/ الرعد، وتقزيم الظالم وردعه يحتاج من الناس: الوعي- والتنسيق- والتضحية.
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(6): ملخص من كتاب " النظام العالمي" لوزير الخارجية الأمريكية " هنري كيسنجر".
الحركة الإسلاموية والشرق الأوسط - عالم في عين الفوضى
الشرق الأوسط مهد الأديان الثلاثة، ومنها خرج الغزاة الفاتحين والأنبياء الطموحين، لتشييد إمبراطوريات كبرى، اكتسحت ما حولها، ولا زالت النداءات تخرج منه للإطاحة بالنظام الإقليمي والعالمي معاً، لرؤية كونية شاملة، وهو اليوم معلق بين أحلامه تلك، وعجزه عن التوحد مجدداً، للحاق بركب الأسرة الدولية أو الكفاح ضدها.
النظام العالمي الإسلامي: خرج من رحم غرب الجزيرة العربية، برؤية النبي محمد (ص) حيث أنهكت الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية كل منهما للآخر، فاكتسحهما الإسلام لينشر دينه إلى أقصى الشرق في الصين وأقصى الغرب أسبانيا وجنوب فرنسا، عبر التجار والغزاة معاً، بشكل لا يكاد العقل يتصوره، خاصة أنهم خلو من أي تحضر مؤهل لمثل هذا الاجتياح الكبير، في خلال قرن واحد تغير شكل العالم على أيدي هؤلاء الذين يدينون بصلوات خمس يومياً، من خلال واجب مقدس ليس فيه سوى ثلاث خيارات للشعوب المواجهة: الإسلام – أو الوصاية – أو الاجتياح (الفتح)، وتقدم الإسلام بدعوى توحيد البشرية من أجل السلام، من خلال كونه: ديناً أولاً – ودولة متعددة الإثنيات ثانياً – ونظاماً عالمياً جديداً ثالثاً. كل ذلك باسم الجهاد. لكن هذا كما يكون بالقلب، يكون باللسان، وباليدين، أو بالسيف، ومرت العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين بفترات تعايش مثمر، عبر الأنماط التجارية، والمعاهدات الدبلوماسية لتحقيق أهداف مشتركة، والمفهوم الثنائي للدولة يبرز في دستور إيران التي تستنفر الأقليات في عدد من الدول: لبنان – سورية – العراق – ليبيا – اليمن – أفغانستان – باكستان – ومثلها إيديولوجيا (داعش) كذلك.
والمسيحية أقدمت على غزو وهداية الناس قسرياً عبر الحروب الصليبية، (وقضى الأسبان على حضارات الأمريكتين ) لكنها خبت بعد ذلك بالتطور، وأصبحت علمانية في إطار منظومة دولية، لكن العالم الإسلامي لا زال مسكوناً بمفهوم دولة الخلافة الكونية إلى عهد قريب من الإمبراطورية العثمانية، وآخرين بعد انهيارها فاصلين بين الالتزام الديني في الداخل، والسياسة الخارجية المتوائمة مع النظام الدولي من جهة أخرى، ودعاة وجهتي النظر لا زالت شخصياتهم معروفة في الاتجاهين خلال التسعين سنة الماضية، والمؤمنون بالإيديولوجيا الدينية ساعون في فرض تصوراتهم المستندة إلى النصوص المقدسة، وهم في حالة مجابهة مع العالم الخارجي.
معاهدة عدم الاعتداء – معاهدة الحديبية – كانت ذرائعية من أجل التقاط الأنفاس، وتحقيق تراكم القوة، بحيث لا تدوم أكثر من عشر سنوات، قابلة للتجديد، وكان الإسلام ينظر للدول الأخرى أنها غير شرعية، استناداً إلى شرعية سماوية للدولة الإسلامية، لكن كثير من الأراضي التي ضمت إلى دار الإسلام خرجت منها فيما بعد مثل: أسبانيا -صقلية – جنوب إيطاليا – الهند – إسرائيل – روسيا الجنوبية – تركستان الصين – وكثير من الأراضي بقيت إلى يومنا هذا في حظيرة دار الإسلام.
ما من مجتمع منفرد: بسلطة عالمية كونية، إلا وتشظى إلى دول ودويلات بعد ذلك، حتى الإسلام أصبح سنياً وشيعياً، وبعد ضعف الدولة المركزية في العهد [العباسي] نشأت كيانات فارسية – تركية – مغولية – منفصلة، مع ارتباط إسمي بالنظام الإسلامي، وأصبح لكل منها سياسته الخارجية المستقلة، وتوقف الزحف الإسلامي بصده من قبل الدفاع البيزنطي والأوروبي عام 732م في معركة بواتييه، وتتطور الدفاع إلى هجوم بالحملات الصليبية على القدس عام 1099م فاستولت على ممالك فيها لقرنين من الزمن، واسترجعت غرناطة وإسبانيا عام 1492م ، وتمددت الدولة العثمانية الصغيرة لتستولي على القسطنطينية 1453م وتوغلت في البلقان، والبلاد العربية والقفقاس، واستعادة هيمنة الأمبراطورية الإسلامية على أيدي العثمانيين على النظام العالمي، ودفعهم إلى ذلك القوة والجغرافيا الشاسعة، مما دفع فرنسا عام 1526م للاستنجاد بالسلطان العثماني ضد أعدائها، وكان أعداء فرنسا (آل هابسبورغ) قد حرضوا الشيعة الصفوية ضد الدولة العثمانية في فارس.
الإمبراطورية العثمانية: رجل أوروبا المريض: أواخر القرن الثامن عشر انعكس الأمر لصالح الأوربيين والروس في مهاجمة العثمانيين، من جهات متعددة، وذلك حين سيطرت - فئة الأصوليين المتزمتين التقليديين الرافضين لأي تحديث في الحياة – على البلاط الإمبراطوري، حتى غدت ما يعرف بالرجل المريض، فقطعت من أطرافها أقطار ذات وزن كمصر والبحر الأسود والبلقان، والبلاد العربية، وأصبحت الدول الأوربية تستخدم العثمانيين لحل صراعاتها وإيقاف تمدد بعضها على بعض، وجاءت الحرب العالمية الأولى فدخل العثمانيون مع ألمانيا في هذه الحرب ضد الدول الأوروبية، وانشغل المسلمون في الهند عن مساندة العثمانيين بسبب سعيهم للاستقلال، وكذلك في الجزيرة العربية استغلوا الظرف للانتفاضة على العثمانيين لتحقيق تطلعات وطنية وقومية، وانتهت الحرب بخسارة الألمان والعثمانيين 1918م.
النظام الوستفالي والعالم الإسلامي: اتفاقية سايكس بيكو 1916م قسمت البلاد العربية تحت الانتداب الفرنسي والبريطاني، ومعاهدة سيفر 1920م انهت الأمبراطورية العثمانية في حدود الأناضول، واستخدمت دول الانتداب الجماعات الطائفية الاثنية للتمكن من استعمار البلاد العربية، واستخدام التوترات فيما بينها من أجل حروب وصراعات لاحقة، وأعطيت فلسطين للحركة الصهيونية بمقتضى وعد بلفور 1917م، مع وعد غامض لشريف مكة بالمنطقة ذاتها، وتحولت تركيا 1924م إلى دولة علمانية، ولحق بها تيار عربي من دعاة " الوحدة العربية" لتكوين كيان سياسي موحد ثقافي مدني، في مقابل تيار آخر " الإسلام السياسي" لاعتماد الدين هوية حديثة، عبر عنها تنظيم " الإخوان المسلمين" الأكثر شيوعاً، وهم أشخاص رفيعي المستوى التعليمي، يسعون للحاق بالتطور العالمي دون الانتساب إلى الغرب.
ظهرت قوة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية، وأطيح بالحكومات الإقطاعية والملكية في مصر – والعراق – وسورية – واليمن – وليبيا – عن طريق مؤسساتها العسكرية، فأقامت حكومات علمانية، من خلال رفع شعارات شعبوية قومية غير ديمقراطية، بزعامة " جمال عبد الناصر – وصدام حسين – وحافظ الأسد (استاذ الدهاء والتشدد) واستخدام هؤلاء شعارات الوحدة والقومية العربية بديلاً عن الطابع الإسلامي، واستخدموا القسوة والتطرف والرعب والأقليات لمناصرتهم وإحكام قبضتهم، وتصدى الإسلامويون لتجاوزات هؤلاء، بحجج من النصوص المقدسة، لذم الغرب والاتحاد السوفييتي بالتساوي، وتعاملت الحكومات مع هذه الحركات على أنها تخريبية سداً لباب أي تغيير يمكن أن تؤدي إليه تحركاتهم ومطالباتهم.
وتذبذبت ولاءات الدول العربية بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وكان محرك هذه الولاءات حجة مقاومة إسرائيل، مما سبب أربع حروب خاسرة، وانتصار للسلاح الإسرائيلي، ولم يحقق الولاء إلى هذه الجهة أو تلك أي من تطلعات الجماهير العربية، ولهذا خسر الاتحاد السوفييتي ولاء مصر بعد استلام السادات وعمل السلام مع إسرائيل مقابل استعادة سيناء، وبقي التخلف على حاله مما دفع السكان إلى اليأس من الإصلاح، فتكونت جماعات متطرفة تعد بالحل على أساس الدين، منهم الإخوان وحماس والقاعدة (سنة) وحزب الله اللبناني (شيعة).
الحركة الإسلاموية: المد الثوري- تفسيران فلسفيان: في ربيع 1947م أرسل حسن البنا الناشط الديني العصامي (واسع الاطلاع) رسالة بالغة اللباقة المتقنة إلى الملك المصري فاروق، يدعوه إلى محاربة تأثيرات النفوذ الأجنبي العلمانية، وكانت جماعته وتضم عشرات الآلاف معادية للهيمنة البريطانية، ودعمت ثورة 1937م في فلسطين وكسبت احتراماً إقليمياً، ودعا إلى إقامة نظام عالمي إسلامي جديد، بسبب فقدان النظام الغربي مشروعيته الأخلاقية، وانتقد منظمة عصبة الأمم وإخلافها في مواثيقها، ودعا إلى ولاء المسلم لوطنه ثم لكل المسلمين في العالم، ثم إلى إمبراطورية إسلامية شاملة (الخلافة)، وركز على أهمية التعامل مع غير المسلمين باحترام واعتدال، ما استقاموا في تعاملهم مع المسلمين، إلا أن سيد قطب في سجنه كتب " معالم في الطريق" وهو بيان حرب على النظام العالمي القائم، وأصبح نصاً تأسيسيا للحركة الإسلامية الحديثة، لإقامة نظام يقوم على تطبيق القرآن، ورفض الولاء لغيره، مع أن كثيرين لم يقبلوا طروحاته، إلا أن بعض الأتباع الملتزمين بدؤا بتشكيل نواة ما حلم به.
لكن هذه الأفكار بقيت لدى بعض من يستنفر الناس من الأصوليين، كحقائق، مثل: حماس – حزب الله – الطالبان – حزب التحرير – بوكو حرام – جبهة النصرة – داعش – قتلة أنور السادات – وكثير من هؤلاء يرفضون أي نظام عالمي علماني، لأن دار الحرب يجب تغييرها والهيمنة عليها.
الربيع العربي والزلزال السوري: أنعشت انتفاضة الربيع العربي أواخر 2010م منطلقة من تونس ومصر آمال الشباب العربي، وأيدت أمريكا والغرب رسمياً هذه الثورة ضد الاستبداد؛ باعتبارها مطالب محقة لتحقيق الديمقراطية والحرية، لكن الولايات المتحدة لم تجد من هؤلاء من يؤسس لهذه الممارسة، خاصة أن الإخوان غير ديمقراطيين على الإطلاق، وبرهن الجيش ودين الأرياف أنهما أكثر تنظيماً من طبقة المدافعين عن الديمقراطية، وانزاح المشهد عن استبدادية الجيش، وتسلط الإيديولوجيا الإسلاموية، والمغازلة بين النزعة الوطنية والأصولية طغى على المشهد، وانتخب د. محمد مرسي رئيساً لمصر، وبوصوله للحكم، غض الطرف عن تصعيد الإسلاميين إزعاجاً للنساء، والأقليات، والمعارضين، فتتدخل الجيش وأسقط هذه التجربة، والولايات المتحدة ليست ملزمة بدعم انتفاضة شعبية لا تحقق الديمقراطية الحقيقية، وهذا يحكم العلاقة الأمريكية مع دول الخليج، كحلفاء مؤقتين، إلى أن تتطور مظاهرات شعبية، تدفع باتجاه إيجابيات إصلاح ليبرالي، ولقد ساهمت أمريكا في الثورات من خلال: دانت – عارضت – أزاحت حكومة مصر الاستبدادية، لكن التراث الغربي يشترط، أن يتمخض ذلك عن الحفاظ على المصالح الأمنية للغرب، دون أن تمس مشروعية الأنظمة الإنسانية، بالهيمنة الدينية، لأن ذلك يعتبر كارثة ومخاطرة مباشرة.
والثورة السورية لم تكن بعيدة عن أختها المصرية، ولهذا صرح أوباما آب/2011م بإزاحة الأسد، لتمكين الشعب السوري من نيل حقوقه الكونية، لكن عارضت روسيا بالفيتو، وكذلك لم يتوفر في المعارضة عناصر كافية ديمقراطية ومعتدلة، خاصة أن دولاً إقليمية أغرقت سوريا بالأسلحة، وتحول الصراع بين طوائف وداعمين خليجيين وإيرانيين، وليس بين مستبدين وديمقراطيين، والقوى الجهادية تقاتل وكأنها تبشر (بسفر الرؤيا، والرؤيا القيامية) ورفضت أمريكا ترجيح أي الكفتين، ودعت إلى تجنب الأسلحة الكيميائية، وكانت روسيا والصين تخشى انتقال عدوى الحرب السورية، إلى أقلياتها الإسلامية، ورات في جهاديي السنة الأكثر مهارة وتفانياً خطراً محدقاً عليها، ومع انزلاق وتشظي المعارضة، رأى النظام الإقليمي والدولي، احتواء الكارثة، ولكن بغداد انزلقت بدوافع طائفية في المقابل، ولولا ذلك لكان بإمكانها وقف الحرب الكارثية.
القضية الفلسطينية والنظام الدولي: استمرا في التشنج مع العملية السلمية مع إسرائيل، وما من جماعة إسلامية أو جهادية إلا وتحس بالإذلال والإهانة من سلب الأرض لإسرائيل باعتبار قبوله كفراً بالدين، مع محاولة الفلسطينيين والعرب الإقليميين، كسب حكم ذاتي فلسطيني، كانوا رفضوه عام 1947م، وحاول البعض القبول بنظام (وستفاليا) كما فعل ( السادات)، ولقي مصرعه على أيدي إسلامية في الجيش، ومثله كذلك قضى ( إسحاق رابين) اغتيالاً، ويوجد في لبنان وسورية وغزة وإيران (متطرفون) يدعون لإزالة إسرائيل، والأكثرية العربية تسعى لتدمير إسرائيل، وحتى بعض من يقبل بالتفاوض، فهو يريد هزيمتها على مراحل، واليوم تنشغل المنطقة بالخطر الإيراني، (الصراع السني/ الشيعي).
إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، من رعاة النظام العالمي (الوستفالي) لكن البلاد العربية تنظر إليها على أسس المنظور الإسلامي، جغرافياً وتاريخياً، لكن يشدها الخوف من الجهاد من ناحية، ومن معالجة بعض اسبابه من ناحية أخرى.
المملكة العربية السعودية: بين حلفاء الأنظمة الغربية حليف مختلف وهو شريك يتمتع بالهدوء، وحاسم خلف الكواليس، في جل المشروعات الأمنية الإقليمية الكبرى، منذ الحرب العالمية، أعني المملكة السعودية، وهي بيئة عربية إسلامية تقليدية، تحكمها عائلتان توحدتا في دعم متبادل منذ القرن 18م، في تراتبية سياسية لأسرة آل سعود، ورعاية الشؤون الدينية لآل الشيخ، يجمع بينهما خادم الحرمين مكة والمدينة، باعتباره " حامي العقيدة" ، وموحد مهد الإسلام في الجزيرة على نمط الحماس الديني ونشوته الأولى بحرب مقدسة، على غرار الحكم الديني المطلق، والجرأة العسكرية، والحنكة السياسية المفعمة بالذكاء، كونت مملكة قلب العالم الإسلامي ومركزيته، بعد زوال (إزالة) الحكم التركي، بنظام قبلي أبوي محافظ (متطرف في المحافظة)، يذوب في هذه البوتقة فسيفساء من كل البلاد الإسلامية، يوحدهم رابط الإسلام، خاصة في شعيرة الحج، ومع ظهور البترول، أصبحت بلداً ثرياً جداً، لا نظير لها، مع سعة مساحتها، ووجود أقلية شيعية محايدة في منطقة إنتاج النفط الرئيسية، يتعايش حكامها مع (ضيق عين – طمع) جيرانهم في ثرواتهم، مع حذر من التحديث المتسرع، الذي قد يؤدي إلى خطورة في التغيير غير المعتاد، حفاظاً على الاستقرار.
أما سياستها الخارجية بقيت دائماً بعيدة عن الأضواء، في حيادية حذرة، مغطاة باللايقين تجاه الغرباء، كما في حظر البترول 1973م والجهاد ضد السوفييت في أفغانستان (1979- 1989م) بحيث يسرت العملية السلمية، وتركت المفاوضات للآخرين، مع الصداقة للولايات المتحدة، بالولاء العربي، بنوع من التفسير الطهري للإسلام، ووعي بجملة المخاطر الداخلية والخارجية، إلا أن عداءها لإيران ظل مكشوفاً.
ما من دولة شرق أوسطية كانت أكثر تعرضاً لتمزيق الانتفاضة الإسلاموية، وصعود إيران الثوري من السعودية، المشدودة إلى ولائها الرسمي (للمفاهيم الوستفالية) من ناحية والنقاء الديني الذي تتمتع به، من ناحية ثانية، ومناشدات النزعة الإسلاموية التي تفسد تلاحمها الداخلي من ناحية ثالثة.
عاد ابن لادن عام 1989م من أفغانستان محبطاً، واستلهم كتابات قطب، وأسس القاعدة لممارسة الجهاد ضد الدول الكرتونية المسيرة من الغرب على حد زعمه، لتأسيس خلافة إسلامية جديدة، وبدأ بسلسلة تفجيرات أخطرها في 11سبتمبر على مركز التجارة العالمية في واشنطن، وخطأ الأسرة السعودية الاستراتيجي، منذ الستينات، توظيف الحركة الإسلاموية الراديكالية في الخارج، ظناً منها أنها لن تتعرض للمخاطر داخلياً من جراء ذلك، ولكن الأسرة السعودية رأت مصالحها مع الغرب من خلال المشاركة في الاقتصاد العالمي، لكنها لا تطيق أي انحراف عن الأصولية الإسلامية، مع كونها حليف الولايات المتحدة، إلا أنها بقيت تروج لصيغة إسلامية منطوية على تمويل مدارس دينية باتجاه سلفي للتبشير به خارج المملكة، فأثمر تياراً جهادياً كاد أن يهدد الدولة السعودية نفسها.
وبقيت السعودية في حالة النأي بالنفس حالما كانت الدول السنية تقاد بدكتاتوريات عسكرية، لكن بظهور القاعدة وإيران، وتهديدات الإخوان في مصر، أصبح على السعودية مجابهة جبهتين سنية وشيعية، كل منهما ترغب بتقويض كيانها، والتنافس الشيعي السني حول الشرق الأوسط إلى ساحة زخم تدميري مهول، والموقف من السعودية وإيران يحسب في سياق صراع مذهبي سني شيعي من عشرة قرون، وأي تغيير داخل المملكة سيجر العالم الإسلامي، والنظام العالمي إلى مضاعفات خطيرة، قد تلجئ السعودية – إذا انسحبت أمريكا – إلى الصين أو الهند أو روسيا، وفي هذه الحالة لن تفرط أمريكا في جائزتها المحورية، التي يستهدفها الجهاد السني والشيعي على السواء.
انحطاط الدولة: يتم من خلال تفكك الدولة أو الدول بسبب الحروب الأهلية والميليشيات التي تلقى الدعم من طوائف أخرى عابرة لحدود الدولة، كما في العراق وسوريا، وهذا يفكك الدول إلى وحدات قبلية، وعشائرية، وطائفية، ومذهبية، وعند ثورة أو تغيير حكم، دون التوصل إلى سلطة جديدة شرعية مقبولة، سوف تواصل الميليشيات اشتباكاتها، ولا تستطيع الدولة المركزية في هذه الحالة السيطرة عليها، كحزب الله اللبناني، والقاعدة، وداعش، وطالبان، كما في سورية والعراق وليبيا والباكستان، ولا ترغب أمريكا بالحلول القسرية لحل هذه المعضلات، وقد تلجأ إلى خلطة تجمع بين الأمن من ناحية، والأخلاق من ناحية أخرى، لكنها لن تكون ناجحة مئة بالمئة.
انحل نظام صدام حسين الهمجي الخاضع لهيمنة السنة، فانقسمت العراق بين الطوائف، وما حدث في ليبيا - التي لم تعش تاريخاً مشتركاً إلا في ظل الاحتلال الإيطالي، بعد الإطاحة بالقذافي الدكتاتور- أن سارعت القبائل والأقاليم إلى ما يشبه الحكم الذاتي، من خلال الميليشيات، التي لم تستطع الحكومة المركزية من لجمها في الاندفاع نحو قلب أفريقيا مدججة بأسلحة ترسانة القذافي، لممارسة التطرف والجهاد، وهذا حدث في كثير من الدول الإسلامية عبر العالم، من مالي ونيجريا إلى الباكستان وأفغانستان، (ذكر المؤلف 15 دولة) منزلقة خارج النظام الدولي، وهذه الحروب المليشياوية يصبح الدين سلاحاً لها، وفي حال عجز الدولة يصبح الإمساك بالسلطة يتم عبر إغفال كلي لرخاء الإنسان وكرامته.
النزاع الحالي مذهبي وصراع جيوسياسي بين كتلة سنية: السعودية ودول الخليج، ومصر وتركيا، تواجه كتلة شيعية بقيادة إيران، وهم يستنجدون بأمريكا من جهة وروسيا من جهة أخرى، لكن من المغري لأمريكا ترك هذه الانتفاضات تستأنف مساراتها، لكن لن نؤيد الانزلاق للإقليم نحو طائفية شاملة، لأنه يعتبر تهديد لاستقرار العالم، الذي تقوده أمريكا وبلدان أخرى بوجهة نظر عالمية.
(النظام الوستفالي): اتفاقية سياسية بين الدول الأوروبية عام: 1648م، على حل مشاكلها وخلافاتها بالحوار، وليس الحرب].
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(7): خلاصة كتاب " المهانة في عهد الذلقراطية" د. المهدي المنجرة:
تقلد مناصب دولية عالمية متعددة، منها نائب منظمة اليونسكو
القوى العالمية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة؛ تمارس الإذلال لبلدان العالم الثالث، التي تنصاع لها دون أي اعتراض، وتنبع الإهانة من إرادة واعية في التعدي على كرامة الآخرين، وليس فقط الهيمنة، ورضوخ أولياء الأمر في البلد الذليل لهذا الذل، يحول طاقة الانتقام فيهم إلى إذلال شعوبهم والاستهانة الصارخة بهم كعملية إعادة توازن، ودكتاتورية أمريكا قائمة أساساً على القوة العسكرية والأسلحة الفتاكة، وهذا أثر على السيطرة الاقتصادية في كثير من البلدان الفقيرة، فأصبحت أكثر فقراً وتخلفاً، وأكبر حجم إهانات عدداً وكيفاً وضحايا وقع على العالم الإسلامي، في أكثر من أربع وعشرين دولة، عدد ضحايا هذا الإذلال خلال عشر سنوات تجاوز العشرة ملايين ضحية، وبعضها كما في فلسطين بشكل يومي.
الخوف هو الحدث الأبرز الذي تعيشه الولايات المتحدة والغرب في حالتها مع الإسلام، ويعيشه المندوبين عنها في بلادنا، كهاجس مخيف، والسبب الأبرز لهذا الأمر؛ هو ضعف خيوط التواصل مع الإسلام وأهله، فهماً واحتراماً متبادلاً، كأنهم لا يرغبون بما يزيل مخاوفهم، لأنه يوقف مشاريع الحرب الحضارية بين الغرب والإسلام، وأصبحت المنظمات العالمية والإقليمية، بما فيها العربية والإسلامية، تخدم مصالح الرهاب الغربي من الإسلام، وتحمل رايته وتؤيد مشاريعه، وتشارك في حروبه، التي تدمر كل ما هو إنساني وجميل ومحترم في العلاقات الإنسانية، متناسين أن هذا الإذلال والمهانة له حد من التحمل والإشباع، بحيث يصل بعدها إلى حد الورم القابل للانفجار؛ من أجل استعادة الكرامة التي لا يبرر وجود الإنسان على وجه الأرض بدونها، وهو ما أسميه " الانتفاضة".
إن تعليق شعار " نحن مؤمنون بالله" في كثير من المدارس الأمريكية، وطبعها على الدولار، وكذلك في النشيد الوطني البريطاني عبارة " ليحفظ الله الملكة" من القرن 18م، ومع ذلك يتعمدون إهانة الإسلام في رموزه وشعائره وشعاراته، دون أدنى تحرج أو خجل، والحرب المعلنة على العراق وأفغانستان والبلاد الإسلامية لا تجد أي اعتراض من الأمم المتحدة، أو المنظمات الدولية والإقليمية، وكأن معنى شجب واستنكار إذلال الضعيف والمظلوم غير داخل في قواميس اللغات، أو دساتير الدول، وحتى ليس في ثقافة من كان أجدادهم يقدسون الحرية يوماً ما، ولو بأن يتخلوا عن كل منجزات الحضارة، ليعيشوا في الصحراء أحراراً أباة، وهذا هو الفارق بين عرب الأمس، وعرب اليوم.
نهاية الامبراطورية الأمريكية (1)
مقابلة صحفية مع " أسبوعية الصحيفة: عدد/78 الدار البيضاء سبتمبر: 2002م
س1: العالم يسير خلف الولايات المتحدة في حذرها الأمني لماذا؟
ج1: لأن التقديس الذي تغرسه الولايات المتحدة في أذهان البشرية عن قيمتها وأمنها، لا يشمل الآخرين الذي تعرضوا إلى حروب إبادة هائلة، كفيتنام، وأفغانستان، وفلسطين...الخ.
س2: لماذا أمريكا تحاول عسكرة العالم والعلاقات الدولية؟
ج2: إن أمريكا تريد أن تحقق انتصارات بأقل الخسائر أو بدونها، ولهذا تستخدم سلاح الخوف، لجعله هو المهيمن على العلاقات الدولية، وحتى على مستوى الثقافة، باستخدام تهمة " الإرهاب"، وتعميمه على علاقات الحكام بشعوبها، لصرف أذهانهم عن المطالب المحقة بالحرية والتنمية.
س3: هل أحداث سبتمبر مرتبة مصطنعة؟
ج3: ليس لدينا دليل يقيني على هذا الأمر، لكن الأمر اليقيني، هو الدراسات والمخططات الكثيرة والتصريحات والمحاضرات الاستراتيجية منذ أكثر من خمسين سنة، تكشف النوايا المبيتة للسيطرة على العالم أجمع، وبالأخص العالم الإسلامي بدرجة أكبر، لاعتبارات اقتصادية وإيديولوجية وسياسية.
س4: ما هي صورة المستقبل؟ مع زرع هاجس الخوف والحذر الذي تعيشه الولايات المتحدة والغرب.
ج4: الفرق بين الثقة من عدمها، هو بروز هواجس الخوف من المستقبل، وهذا هو بداية سقوط كل الإمبراطوريات والحضارات في التاريخ البشري، وهذا ما صرح به الرئيس الأمريكي " كلينتون" لقناة سي. بي. إس، ديسمبر 1999م، في تخوفه من العملاق الصيني، وهناك ما هو أخطر من هذا؛ وهو تقوقع الثقافة الغربية وعزلتها عن التلاقح لقبول الآخرين من أنحاء العالم، والانكفاء على النمط الغربي الثقافي، الذي ينظر إلى الآخرين بعين عنصرية، ويستبدل المشاركة بالهيمنة، ولهذا يرفض فرقاؤها وحلفاؤها الغربيين هذه الهيمنة، التي ستؤول إلى الانهيار في حال إغلاق الأبواب في وجهها في وقت متقارب.
س5: هل من رابط بين عسكرة الإعلام ضد الإرهاب، والحملة الشرسة ضد التوجهات الإسلامية للتحرر؟
ج5: الحرب الصليبية ضد الاسلام لم تتوقف، وإنما كانت تأخذ أشكالاً متنوعة، وتسميات مختلفة حسب الخطط والظروف التي يتحكم بكامل خيوطها من له مشاريع استعمارية، متغيرة الألوان والأشكال، في مقابل دول سميت بأنها متحررة من الاستعمار، وهي ليست كذلك، وليس لها مشاريع تنموية ولا تحررية، وإنما جل مشاريعها تحكمية لضبط السيطرة.
س6: ما نتائج نزعة الخوف والحساسية المفرطة التي تبديها الولايات المتحدة ضد خصومها؟
ج6: أول نتائجها زعزعة ثقة المواطن الأمريكي بعظمة بلده، وزرع الخوف يجعله مؤيداً لتكثيف صناعة واستخدام السلاح، وهذا بحد ذاته خطر على المجتمع الأمريكي، يفقدهم الشعور بالأمن والسلام، وينعكس على كل السلوكيات الحيوية اليومية؛ ومنها ثقافة الخوف بدل ثقافة السلام.
س7: كيف تفسرون رفض كثير من البلدان الغربية الحرب على العراق؟
ج7: لأن هؤلاء يعلمون أن الحرب على العراق، ليست سوى غطاء للحرب على الإسلام والدول الإسلامية، على الأرض العربية والإسلامية، ولكنهم صامتون تجاه هذا؛ لأنهم لا يريدون أن يفقدوا حصصهم من كعكة الهلال العربي الإسلامي.
س8: هل يمكن للمثقف الأمريكي أن يدرك أبعاد تورط بلاده في حرب وتدمير الآخرين، فيقول: لا؟
ج8: هذا يحدث بالتدريج، بعد برودة الأحداث الساخنة، ولهذا نجد الحكومة تسخن الأحداث المثيرة تباعاً، لكن لا تستطيع أن تستمر طويلاً في هذا الأمر، كما حدث في التخويف من الشيوعية، إلى أن أدرك الشعب أخيراً أنها لعبة إعلامية، المراد منها تجييش الناس لأهداف السيطرة والهيمنة، وتبرير الحروب.
القمع الخفي " ما بعد الاستعمار"
س:1 لماذا اخترت مصطلح "الحرب الحضارية" بديلا عن مصطلح (هانتنغتون) " صراع الحضارات، أثناء حرب الخليج؟
ج1: كنت معنياً من خلال وظائفي الدولية خلال 20 عاماً، بالثقافات العالمية، وأدركت أن عماد السلام فهم اختلاف الثقافات واحترام قواعدها، فإذا تغيب هذا وقع النزاع، بينما هانتنغتون يوجه الصراع، وأنا أوجه إلى منعه.
س2: متى تنتهي حروب ارتدادات 11 سبتمبر؟
ج2: لم تكن هذه الأحداث سبباً لهذه الحروب حتى تنتهي، وإنما ذريعة، ولقد سقط فيها ألفي شخص في الولايات المتحدة، وسقط أكثر من عشرة ملايين عقبها في بلادنا المتباعدة، دون أن يكون لأحدها علاقة بما حصل، وهذا يدل على الغطرسة الغربية الظالمة، التي ستؤدي بالنهاية إلى الانفجار الكبير.
س3: هل تشن أمريكا حروباً دون أن تخسر من جنودها ضحايا؟
ج3: نعم، لأن التكنولوجيا اليوم تستطيع أن تدمر عن بعد أولاً، وأن الآخرين يمكنهم أن يقاتلوا ويتقاتلوا من أجل تحقيق أغراضها بالوكالة ثانياً، ولكن هذا لا يعني أننا سنيأس، مع بقاء الأمل، في قلوبنا وثقافتنا ثالثاً.
س4: هل إسرائيل هي أمريكا مصغرة؟
ج4: إن الظلم المتراكم في فلسطين يمثل النموذج الغربي في التعامل معنا، ولولا الإسلام التحريري لبقيت جميع بلادنا مستعمرة، ويسمون المحرر لبلده إرهابي متطرف، وهذا ما دفع المثقفين للمطالبة بحقوق الإنسان وحرية الأوطان، ومع بداية التحرر من المستعمر، بدأ وكلاؤهم في حكم بلادنا يخافون هذا الإسلام التحريري، فحاربوه وقصوا أجنحته، لئلا يطال عروشهم الانتدابية.
س5: هل سينتهي التدخل الأمريكي في العراق؟
ج5: لا، ما دام البترول العراقي يشكل أكبر مخزون طاقة في العالم، وهذا ما صرح به بوش الأب بقوله: " إن حريتنا وطريقة عيشنا في خطر كبير لو سقط هذا المخزون في يد غيرنا".
س6: ما أثر العولمة على واقع الصراعات الدولية اليوم؟
ج6: العولمة أغنت الغني، وأفقرت الفقير، ورسخت ظلم الظالم، ليزداد ظلماً على ظلمه، وهي شكل جديد من العجرفة، وهي نتيجة لصراع القيم المختلفة، وليست سبباً لها.
س7: هل التواصل الثقافي يحقق السلام؟
ج7: أنظر الصفحات الأولى للمجلات والصحف العالمية، ستجد أن التخويف من الإسلام، وربطه بالإرهاب، وتشويه مضامينه وقيمه، هي الحرب الحقيقية، وهذا لا يوجه إلى أي دين في العالم سوى الإسلام، والتعليم والتواصل الثقافي الحقيقي بين الشعوب، على المدى الطويل يمكنه أن يوقف ويمنع هذه الحرب الظالمة.
الحرب الحضارية الثانية (3)
بدأت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، حيث تمرد التلميذ: ابن لادن، على استاذه المخابرات الأمريكية، التي دربته ليقاتل الروس في أفغانستان، وبعد انتهاء مهمته، التفت إلى أساتذته بالعصا التي حمَّلوه إياها، مع أن الإشاعة المستخدمة أن ابن لادن هو بطل أحداث 11 سبتمبر، لكن لم تقدم أمريكا دليلاً واحداً على أنه وجماعته الفاعل، لكنها إشاعة مفيدة للغرب، كما هي مفيدة لأنظمة الشرق الاستبدادية، لاستدامة التحكم والسيطرة، من خلال صناعة الخوف من الإرهاب الإسلامي، عبر السيطرة الإعلامية، والحشد الذي صوب تجاه أفغانستان والعراق، قال عنه بوش: " الحرب الصليبية" والفرصة الذهبية، ولم يستغرق اقرار مجلس الأمن بحق الدفاع ضد الإرهاب سوى جلسة سريعة بالإجماع، طالما أن الأمر يتعلق بالإسلام والمسلمين، وتبعتها قرارات الأمم المتحدة بنفس الاتجاه، وتبعها في ذلك بالتبعية الذليلة: جامعة البلاد العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي كذلك، وهل يقبل الله التفريق بين حرمة دم الأبرياء في أمريكا، وأبرياء البوسنة والهرسك، والشيشان، والعراق، وفلسطين، والصومال، وأفغانستان، والصومال؟ ومن قبلهم أبرياء شعب فيتنام؟ إن المستقبل للإسلام الذي سيشكل 40% من سكان العالم عما قريب، شاء المجرمون والظلمة أو أبو، والتشبث بالباطل لن يدوم لأن من سنن الله نهاية الظالمين والمستبدين لا محالة قادمة.
الانتفاضات حتمية (4)
عادة مع استمرار المرض، تبدا عملية تحلل الذات والجسد، ولهذا بلادنا بحاجة لتكون في حالة غير مرضية، أن يكون لها دستور من القواعد الشعبية، وليس من هرم السلطة، وإلا فوزارة الداخلية تلعب بالانتخابات تزويراً وصناعة، وكذلك لا ينبغي أن نربط بالسماء، ما ينبغي صناعته في الأرض، لأن هذا نوع آخر من التلاعب بالعقول والقلوب، كثيراً ما تكون مشاركة الأحزاب في الحكم، من أجل أن تتحمل مسؤولية كبت الشعب من التعبير على سجيته في مصيره ومصير قضايا الوطن، فتكون مشاركة الأحزاب نوع من الرشوة من الحاكم لها، كثير من مشاكل بلادنا لا تحل في إطار ثنائي، بل لا بد من حشد تكتل دولي وعربي لنيل حقوقنا، كما يفعل الآخرون للوصول إلى أهدافهم، ولكن العدو لا يريدنا أن يكون لنا موقف وخطط وتكتل، والتعفن على مستوى الإعلام رهين بإرادة الدولة، وتغييب إرادة الشعب عنه، والمستقبل يُصْنَع ولا يُقْرَأ، والحرية المزعومة في بلادنا العربية غائبة.
قصف العراق قادم (5):
كنا في مرحلة الاستعمار للبلاد العربية، واليوم نحن في مرحلة ما بعد الاستعمار، التحرر الشكلي لا يعني الاستقلال، في مقابل مقتل ألف أو ألفين في أحداث 11سبتمبر، قتل من المسلمين حوالي عشرة ملايين خلال عشر سنوات، في البوسنة، والسودان، والشيشان، والفلبين، وكشمير، والعراق، وسوريا، والصومال، وأفغانستان، وتايلاند، حتى أن بوش صرح بذلك وقال: إنها حرب صليبية، وكل ذلك يغطى عليه باسم الإرهاب للتمويه، والمعلن غير المخفي محاربة العقيدة الإسلامية، حتى داخل حصونها وبلدانها، عبر الاضطهاد والسجون، والنفي والتهجير، وقد تبدو العملية في كثير من جوانبها، هو تحالف بين الجيش الأمريكي وغيره، وبين صانعي الأسلحة، وتجريبها والتجارة بها على أجسادنا ودمائنا، وبيوتنا، ويبين ذلك ميزانية الدفاع الأمريكية عام 2003م: 360مليار دولار، أمريكا صرفت 6 مليار دولار لتأسيس طالبان، وكم قبضت وكسبت لإسقاطها؟ ومن المضحك، أن الجامعة العربية جمعت 75 مفكر عربي، لمناقشة صورة الإسلام عند الغرب، من أن كثير من هؤلاء تعرفوا على إسلامهم، من الغرب نفسه، ولم نسمع عن غربي تحدث عن إرهاب كاثوليكي، أو بروتستانتي، أو مسيحي، وفقط المطلوب من المسلم أن يقر ظلماً وعدواناُ أن في الإسلام إرهاب، بل هو الإرهاب، وهذا فخ محاك بعناية ودهاء، وظهر إلى العلن بعد إحصاء قام به الفاتيكان عام 1976م عن تفوق المسلمين عددياً على الكاثوليك في العالم، وصيغ مصطلح إسلامي، لإحداث الرعب في نفوس مستخدميه، وتمييزه عن كلمة مسلم، والحسابات المالية تقول: بعض القنابل ثمنها مليون دولار، وبعدها يتحدثون عن تكاليف الإعمار، وهو أقل بكثير من تكاليف الحرب والتدمير، وهذا من المفارقات، والإعلام العربي غير موجود، لأنه تابع ومسير ومحكوم بالصوت الرسمي الأحادي، والأفلام المسيطرة عالمياً كلها أمريكية، وهذه ترتبط بالتكنولوجيا وتقدم العلوم كذلك.
س: عن التحدي الثقافي؟ الجواب: لا قيمة لثقافة لا تتمتع بأجواء الحرية، لأنها تكون أصلاً ثقافة ميتة، وأعظم تحدي هو تحدي المرء لنفسه وذاته، ولم يكن التنوع مشكلة في ثقافتنا، لكن الغرب جعل منه مشكلة لتقسيمنا وإضعافنا، الثقافة بحد ذاتها جميلة أين كانت، لكن حين تتحول إلى سياسة تصبح عنصرية مقيتة واستغلال، ولم تعد ثقافة، وبالطبع الثقافة المؤثرة الحية، هي المتطورة، والمتمتعة بالحرية كذلك، والفرق بين الحر والعبد من المفكرين، هو الارتزاق، أو الاعتزاز، والحضارة الحقيقية هي التي تعرف ما يجب أن ترفضه، دون انغلاق عن ما يمكن الاستفادة منه، والحج كان من أكبر المؤتمرات للتبادل الإنساني المعرفي والثقافي، واليوم حُنِّطَ على فقدان هذا الأثر وتغييبه، وأكبر مثال مادي: حجم التبادل الاقتصادي بين الدول العربية لا يتجاوز 5%،
السير من أجل فلسطين (6)
ما يحدث في منطقتنا هو الحرب الصليبية التاسعة، ومسلسل مدريد، وأوسلو، خيانة وراء خيانة، وحركة الشارع العربي مضبوطة من قبل وزارات الداخلية، والمنظمات الدولية فاشية جديدة بالقانون، والمؤتمرات العربية والإسلامية حفلات غداء أو عشاء، والسؤال ماذا يمكننا أن نعمل؟ جوابه، لا حاجة إلى السؤال إذا كانت الشعوب ممثلة وحرة، وحكوماتنا العربية تخشى من تحرر شعوبها، وتحررها مرهون بتطبيق الديمقراطية الحقيقية، والتجارة بين البلاد العربية وإسرائيل بازدياد مطرد، ولو كان المواطن العربي على وعي ومعرفة بصادرات إسرائيل لقاطعها من نفسه، دون الحاجة لقرار، ومفهوم الجهاد أساسي، لكن عمق فهمه هو المثمر، فيمكن أن يكون حسب الحال خطة مقاصد شرعية للتحرر الحقيقي، ولا يعني عملية الهدم القتالي، لأن المقصود به الإعمار السلمي، وذاك لحمايته في آخر المطاف، وعمقه التوجه لله وحده، لتحرير حكامنا من مخاوفهم من كل شيء، خوف من حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، ومن النقابات، ومن الشباب، ومن حاملي الشهادات والأكفاء، مع أن هؤلاء جميعاً ذخيرة لهم وللوطن، وأصبح الإرهاب اليوم مصطلحات تشمل التصدي لكل ما هو نبيل ووطني وقيمي.
الذل الذي يفرض علينا ننفذه مرتين، الأول الركوع لقياداتنا، والثاني لأعدائنا، مع أن الجهاد الحقيقي هو إعمال الفكر العقلاني، واجتناب الفكر الشخصاني.
الإشكالية العربية إشكالية أخلاقية (7)
أطروحة د. المهدي المنجري للدكتوراه: كانت حول خدمة الجامعة العربية للاستعمار القديم، واليوم تقوم بخدمة الاستعمار الجديد، وبين المنجري كيف تحول الشرق الأوسط ملحقاً بالمخابرات الأمريكية، وأن زيارات المسؤولين العرب لأمريكا ليست لتغيير موقفها، بمقدار ما يكون هدفها هو التأكيد على الولاء، المخالف لكل متطلبات شعوبها، ولكن ضغط الشارع سيدفع الشعوب بعد سنوات للانفجار، وكلما تأخر ازدادت تكاليفه، والشعب يرى ويعرف أن من يسقط منه بالاضطهاد والتعذيب، أضعاف ما يسقط منه في محاربة العدو، فحتى يكون لحياة المواطن العربي قيمة معتبرة، حينها يمكن أن تتفاءل بالكرامة والعزة والأمل، وخاصة إذا بدأنا نتحدث عن المسؤوليات وليس الأشخاص، وكلمة اعتدال أصبحت مبتذلة، لأنها تعني عند العدو أن نستسلم، فإذا رفضنا الاستسلام عندها عدوك يجبر على مناقشة مطالبك، وإذا اتبعتها بمقاطعات حقيقية مدروسة، ستؤثر قطعاً، والاستثمار الحقيقي في الانسان العربي والمسلم، لأنه صاحب حق وكرامة، إذا استمسك بهما أثمر خلقاً وسلوكاً نبيلاً.
الميغا إمبريالية (8)
سأله صحفي ياباني – من وكالة "كيودو نيوز" عن رأيه باحتلال أمريكا للعراق، قال: هي إحدى نتائج انهيار الاتحاد السوفييتي، وانفراد أمريكا بالعالم، وهي حرب حضارية أولى، عام 1991م ولن تتوقف، ولن تكون بالحرب فقط، والحرب الحضارية الثانية في أفغانستان عام 2001م أعقاب أحداث 11 سبتمبر، للتأكيد على عولمة العالم، ووضعه تحت السيطرة، كما وضع الشرق سابقاً حسب اتفاق سايكس بيكو، وسيتعزز دور إسرائيل في هذا المخطط، وأكبر خاسر في المنطقة السعودية، وأن التغيير في المنطقة لن يكون بقوالب ديمقراطية على الإطلاق، ولم يعد مجلس الأمن سوى سوق بورصة للبيع والشراء، أما المنظمات الدولية الأخرى فهي منظمات ورقية ليس إلا، ودور اليابان غائب.
الليبرالية الجديدة والمخزن الجديد (9)
أوروبا تركت لنا بعض المؤسسات القانونية في الحكم، لكن كان التطبيق ملغماُ بالعملاء، الذين هدموا هذا الإرث، وتركوه عن طريق العسكر حبراً على ورق، استخدام الجهل للسيطرة، وأمية النساء، تفرز جهل في الأبناء، وغياب الدستور، وموت الحلم، كل هذه الأمور، طردت أذكياء البلد خارجه، فاغتربوا، ولم يعد في الوطن سوى الكذب، والغش، والتخلف.
المغرب يعتمد سياسة الخنوع (10)
بعد أن كان المغرب مسيطراً على البحار، حتى أن أمريكا سالمته بمعاهدة لتأمين مصالحها في البحر، ولا حرية لدولنا إذا لم تستند إلى جماهيرها.
ويمكننا اختصار الأمر بما يلي:
1- قوة الولايات المتحدة تكمن أساساً في ضعفنا: وهذه مع تصريحات بوش: " إنها حرب صليبية"
2- نهاية الولايات المتحدة واضحة، وتحتاج إلى شرارة التمرد عليها، وسقوط برجي التجارة العالمية أسقط ثقة الأمريكان بأنفسهم، وأسقط هيبتهم عالمياً،
3- سقوط الديمقراطية في البلاد القائمة على أساسها، أكبر مؤشر على انتهاء صورة العالم المتناغم السلمي، أو المستقر، والشعوب تدفع ثمن الإهانات التي تتعرض لها من داخلها ومن خارجها.
ساعة الحقيقة تدق (12)
الحرب على العراق أساسه الخوف من الإسلام، وحتى المسيرين لبلداننا الذين لا يحظون بالمشروعية الديمقراطية يخافون الإسلام أيضاً، وما يعرف من مظالم في بلادنا العربية رسخ عند الغرب الصورة التي ترسمها عن الإسلام، بأنه دين التسلط والإرهاب، ولهذا أيد أغلب هؤلاء ضرب أمريكا للعراق بالتبعية الذليلة.
من أجل محكمة دولية للجرائم الثقافية (13)
200 ألف قطعة أثرية كانت في المتاحف العراقية سرقت، وحرقت كتب ومخطوطات نادرة، بفعل وحشية التصرف الأمريكي، إنها حرب ضد الحضارة وضد الفن وضد الأخلاق، وضد الإبداع، وضد القيم الإنسانية، إنها الهمجية بعينها، ولأنهم لا حضارة ولا تاريخ لهم، لم يقدروا هذا الإرث الحضاري، لأنهم لا يعرفوا قيمته.
اليونسكو تستحق التوبيخ لعدم مساعدة ملكية ثقافية إنسانية في خطر (14)
صدام حسين أحضره الغرب لغرض معين هو حرب الإسلام وحرب الإيرانيين، ولتدمير العراق بعدها بديكتاتوريته، وأمريكا جاءت لهدم حضارة، ومحو دين، أمريكا رصدت مليار ونصف مليار دولار لشراء الإعلام العربي، والصحفيين العرب، ضاع في حرب 1991م عشرة آلاف قطعة أثرية عراقية، لم يرجع منها 5% في هذه الحرب ضاع 200ألف قطعة أثرية، وكنت نائب رئيس منظمة اليونسكو، ولم نستطع أن نحمي هذا التراث العالمي الإنساني، حتى قال شيراك عنها: " إنها جريمة إنسانية بشعة" والحرب تكلفتها من جيوب دول الخليج، مع بترول العراق كذلك، وسيصيب سوريا ما أصاب العراق، بسبب إسرائيل، لتكون في مؤمن مستقبلاً، وأي دولة عربية لها قليل من الكرامة عليها أن تنتظر تأديباً من إسرائيل وأمريكا.
هل هناك أمل؟ أولاً ليس لدينا إحباط، وإنما الإحباط صنعه الإعلام المتأمرك، وكلما كبرت المصيبة، كبر الانكشاف للمسببين لها الكذابون، ولدينا الآن عناصر التحليل لهزيمتنا كاملة، لأننا أمة حضارة راسخة، لا تعرف اليأس ولا الذوبان.
عولمة فاشية:
الحرب هي حرب ضد كل ما هو غير يهودي مسيحي، وليس شرطاً بالتواجد في عين المكان، طالماً يوجد أدوات وتقنيات وتكنولوجيا مراقبة عن بعد، والأقمار الصناعية تصور باللحظة أي متغيرات، ومسؤولو العالم المتخلف لا يفكرون في سوى الأربع وعشرين ساعة المقبلة، لأنهم يمسون وهم في هاجس، هل سيبقون في الحكم أم لا؟ صعقت حينما جاء سفير أمريكي سابق إلى المغرب، يتحدث بكل وقاحة، عن المغرب بعد عشرين سنة أمام الصحفيين، لم يكف أن يمتلكوا ماضينا وحاضرنا، بل ومستقبلنا كذلك، حرب العراق مخطط لها منذ زمن، وكان في المنطقة من الأمريكيين أكثر من 500 ألف شخص مسبقاً، ومخابراتهم تعاونها الدول العربية وغيرها، لرصد جميع المعطيات المتعلقة بذلك، واختزل الأمر بصدام تمويهاً، واستخدم فيها كل أدوات الحرب النفسية، والتقنيات العلمية، ومن أزال ومحا حضارة 20 مليون هندي، في إبادة كارثية، وملايين الأفارقة اقتلعتهم من جذورهم، لا يهمه أن يبيد حضارات أخرى، لأنهم لا يقدرون معنى شيء اسمه حضارة، ولهذا ستكون أمريكا إذا لم تردع كارثة على البشرية جمعاء، وأظن أن بداية نهاية أمريكا بدأت، وأنا لا أتحدث من فراغ، فلقد قضيت عشرين سنة في الأمم المتحدة، وكتب كتاباً عن نهايتها، لأنها لم تعد لها مصداقية، سياسية ولا إنسانية، إن مثقفي البلاد العربية نموذج فاشل متخلف، لأن الأسس الأولى للتحضر لدينا لا تعرفها شعوبنا بالإجمال، وهذا يؤدي إلى تكرار الهزائم، عولمة اليوم فاشية لا تختلف عن نازية هتلر في شيء، الحل ليس الديمقراطية وحدها التي يمكن التلاعب عليها، مع أنه حتى هذه ممنوعة في بلادنا، ولكن الحل هو المشاركة الاجتماعية المنظمة عبر نظام دستوري صارم، يستبعد كل الخونة والمنافقين، الذين يقبلون بيع أنفسهم كسلع قابلة للبيع والشراء، لأن العنصر البشري هو الحاسم في الثورات والحضارات.
أحداث الدار البيضاء، نهاية الاستثناء المغربي (16)
أمريكا دفعت ملايين الدولارات لتربط بين مفهوم الإرهاب والإسلام، مع أن الإرهاب جاء من الدول الكبرى، ومن فرنسا حين استهدفت طائرة بن بيلا، وهو قادم إلى الملك محمد الخامس، وهو إرهاب الدولة في العراق وأفغانستان وغيرهما...الخ، الإرهاب الصهيوني في فلسطين، والإرهاب الروسي في الشيشان، عولمة العنف صناعة لتسويق الدمار والسلاح والحروب، في بلاد الآخرين، لينعم المسوق بالأمان والرفاه على زعمه، ومن لا يمتلك الأخلاق ولا يحترم القانون، كيف سينعم بالأمن والأمان، والبلد الذي يظن أنه استثناء لا يطاله – مع عوره – الاضطراب والمشاكل وغياب الأمن؛ واهم، واهم.
الحرب الحضارية ومستقبل العالم الإسلامي (17)
الغرب ليبرر حربه على الإسلام، قام على زعمه بالتفريق بين المسلمين، والإسلاميين، حتى يغطي على عنصريته، وصفق له كثير من المسلمين في العالم الإسلامي غباءً أو مكراً، هذه بدعة اخترعها الغرب، حين نبش في تاريخنا فوجد اقتباس لها على غير المراد الذي قصده، وفي المغرب كانت تطلق على اليهودي الذي أسلم، لبيان أنه متحول للإسلام، يمكننا أن نستلف المال من الآخرين، ولكن لا نستلف الثقافة، كثير من الدول الصغيرة تحررت من الاستعمار حقيقة، إلا في عالمنا الإسلامي، لازلنا نعيش حالة الاستعمار غير المباشر، وهذا لا يحتاج إلى جيوش، لأن الجيوش المحلية تكفيه مؤنة السيطرة، والمخابرات المحلية، والكتاب المحليين، يقومون بالدور المنوط بهم، وطروحاتي عن خبرة داخل هذا الغرب، حيث هاجرت إلى الغرب وعمري 15سنة، وأربع سنوات الدكتوراه في إنجلترا، وعشرين سنة موظف في الأمم المتحدة، يمزقوننا ليتحدوا، ومع أننا لا نجد حرجاً في التعامل مع إيجابيات الحضارة الغربية، إلا أنهم لا يقبلون التعامل مع حضارتنا إلا بروح الإخضاع والسيطرة، لقد تركت الأمم المتحدة واليونسكو، بعد كتابتي لتقرير حول العلوم الاجتماعية، وأن لا بد من تحديد القيم المشتركة، والمختلفة، ليصار إلى نجاح التعاون الإنساني، ولما شعر الغرب بقوة حضارة الآخرين (الإسلام) فأراد هدم تراثها، ليبقى الوحيد الذي تتوجه الأنظار إليه، قيمنا كالكائن الحي يتنفس وينمو بالاجتهاد، لكن الثوابت (الأركان لا تمس)، والشورى هي التي تتكفل بالتجديد، ولا ينبغي قبول كلمة دين بالمعنى المعاصر، لأن هذا قد ينطبق على العقيدة، أما ما عداها فهي فلسفة حياة، تشمل الأخلاق والمعاملات، لأن الدين بمفهوم الغرب هو سلطة البابا (إله الأرض) حتى مفهوم العلمانية عندنا كمسلمين، لا نقبل المفهوم الغربي له، ونحن بحاجة إلى ثورة لغوية في مفاهيم المصطلحات، وعلى رأس ذلك احترام ذواتنا، من لا يحترم ذاته، لا يحترمه الآخرون، بعد أن نفرز المرتزقة من مثقفينا، الذين يرضون أن يكونوا أجراء عند الآخرين، ضد أوطانهم وثقافتهم وحضارتهم، ولا نسمح لمرتزق أن ينصب نفسه مختص في الأسرة والمرأة، (موظف من جهة غربية)، الجامعة العربية مؤسسة إنجليزية، واليوم أصبحت أمريكية، يجب تحرير منظماتنا للمجتمع المدني من التبعية للسلطة، أو الأجنبي، أما العولمة فيجب أن نرفض ما يملى علينا منها، لأن هذه عولمة سيطرة وأمركة، وليست عولمة مشاركة، وفرق كبير بين المفهومين، والمسوق منها اليوم هو لتلبية حاجات الولايات المتحدة، وليست حاجات دولنا الإسلامية، أسِّسْ دولة تتمتع بالقوة الذاتية، وادخلْ نادي الدول العلمانية، ليكون لك كلمة فيها، أما أن تكون تابع فلا معنى لهذا المصطلح، والأديان كلها كانت عولمة، لأنها تخاطب الجنس البشري أين ما كان، ما يعطيك الله إياه من موارد وشرائع هو امتحان، إذا أحسنت الاستعمال جاءك الخير، وإن أسأت فلا تلومن إلا نفسك، لسوء استخدامك ما وهبك الله إياه، ستبقى الأمية في بلادنا وآثارها السيئة إذا لم نفعِّل أول آية نزلت: (اقرأ باسم ربك)، لأن كثير من مثقفي بلادنا لما قرؤا، وظفوا قراءتهم لغير اسم ربهم، فأصبحوا جزء من معضلة الحكم.
مشكلة نخبنا المثقفة البعد عن الجمهور، عكس النخب الأوروبية، لأنها تحتاج إليهم في أصواته، بسبب الدمقرطة، تقديس السلطة وتهميش التنمية سبب جوهري في هذا الانفصام، الغرب تجاوز مسألة الحرية، ونحن لا زلنا ممنوعون منها، مع أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلـم لا نبي بعده؛ حتى يشوش علينا، لكن مشكلتنا لا نقرأ سيرته جيداً، حتى نشكل رؤية حديثة لواقعنا وعالمنا، وغالب رؤانا ارتزاقية آنية تحكمها عقدة النقص، ومشاكلنا تحتاج فرز لمعرفة الأولويات من غيرها، وهي غامضة لدى المجموع: سلطة، ونخبة، ومعارضة، وجمهور.
معرفة أنفسنا طريق لتعددية تفكيرنا وانتماءاتنا، في اللغة، والدين، والمذهب، والتفكير، ومن ثم الاتفاق على الأولويات والمشتركات، كنا سابقاً نفكر بالمحافظة على الهوية، لكن اليوم نفكر بالمحافظة على الوجود والبقاء، لنخرج أنفسنا من الغرق، ثم نحدد إلى أين نسير، قلتُ سابقاً أن الإسلام هو دين البشرية مستقبلاً، لأنه سيشكل قريباً 40% منها، ومسلمي اليوم ليسوا على مستوى قوته وتحضره وسموه، ونحن لا نمثل قيمه الحقيقية، ولا فعاليته السامية، فإذا وُجِد المسلمون الذين يمثلوه حقيقة؛ سيتغير وجه العالم، والوضع العلمي لبعض رجالاته مشرِّف في الغرب، لكن ممنوعون من خدمة بلدانهم، والميدان المعرفي أكبر ميادين خدمة الإنسان والإسلام، خاصة أنه طريق مستقبلي، وليس طريق رجوعي، وكلمة ذكرى وذكر وردت في القرآن 168 مرة، والعمل مرتبط بالإيمان، وهذا نابع من المعرفة، وهذا ما يطبقه الياباني، الذي يعمل يومياً 15-16 ساعة، ويمرض إن لم يفعل، والتفاؤل سيد الوصول للنجاح، وقد يبدأ بعد خمسين أو ستين سنة.
انتهى زمن الأنبياء (18)
بعد انتهاء الاستعمار تحالفت النخبة مع مصالح الاستعمار من جديد، بشكل سري وعلني، ومراكز الثقافة الأولى كانت لفرنسا والمستعمر، والفقر ازداد مع الأيام بعد الاستقلال، لأن نسبة الأغنياء ازدادت إلى 10% من السكان، كثيراً من مرافق البلد الرئيسة تباع لأشخاص وجهات، وما من مرض في عضو، إلا وله علاقة بصحة الجسد ككل، والشعب هو جسد البلد والأمة والوطن، إن أوضاعنا لا يمكنها البقاء على ما هي عليه، والإصلاح تجاوزه الزمن بسبب تشابك المشكلات، ولم يتبق سوى التغيير الجذري، عبر الشفافية والمصداقية، وأنا أتوقع الانتفاضات في العالم العربي، مما يدفع الحكام إلى الاستنجاد بالآخرين للبقاء في الحكم، وهذا ما سيكون من نتائج أو مقدمات الحرب الحضارية الثانية، حينما تكثر الخروق لا ينفع غير التغيير الكامل، وهذا ما صرح به بوش " شرق أوسط جديد" وحذر من توابعه " صامويل هنتجتون" فقال: " إن الخطر سيأتي من العالم غير اليهودي المسيحي"،
أحداث 11 سبتمبر استعملت لمحاربة مفتوحة ضد الإسلام، وهذا ما دونته في كتابي " الحرب الحضارية الثانية" وصدر في اليابان.
لا يوجد بلد عربي وإسلامي مستقل (19)
حرب العراق ستستمر سنوات، وهي صراع حضاري، عبر عنه بوش الأب بقوله: " لا يمكن لأحد أن يمس بنوعية حياتنا وقيمنا" لهذا سيطرتهم على قراراتنا ومقدراتنا لا تنكر، وهذا بسبب ضعفنا واستسلامنا، سيناريو ضرب العراق وضع من أيام " ريغان" ونفذه بوش، وما كان يخيف الغرب وإسرائيل من العراق، أن بحوثه في التقدم العلمي زاد عن الحد المسموح به كذلك، لقد توقعت الضربة قبل وقوعها بخبرتي الاستشرافية، لكن جماعتنا لا يثقون إلا بما جاء من الأجانب.
الإهانة المزدوجة (20)
اليابان استثمرت في المعرفة فتفوقت، ونحن نستثمر بالتجهيل لنبقى على ما نحن عليه، اليابانيون محو الأمية تماماً في غضون ربع قرن، وترجموا العلوم إلى لغتهم الوطنية، وحافظوا على قيمهم، وتبنوا روح الابتكار في التعليم، نحن نحارب المعرفة، ونقدس اللغة الأجنبية، وقيمنا نفرط بها يوماً عد آخر، فماذا بقي لنا من نجاح اليابان؟ لا شيء، هل يعلم المواطن العربي، أن إصلاح التعليم لدينا يتم بضغوط غربية، وضغوط سفاراتها! ليحققوا الإفساد التعليمي باسم الإصلاح التعليمي.
الثلاثاء الأسود والدفاع عن الكرامة (21)
حالنا يؤكد حالة الاستلاب التي تبتلع كياننا بالكلية، الذات، والهوية، والقيم، وأغلب الدول الضعيفة تفكر بعقلية اللحظة واليوم، وليس بعقلية المستقبل، لكن الضغط المستمر على الشعوب سيوصلها لحد الانفجار " الانتفاضة" وما نراه من أخبار وصور في الإعلام لا تتحكم به الدبلوماسية، وإنما الاستخبارات، ولا ننسى مقولة " كرومويل " حين دخل البرلمان البريطاني وفي يده القرآن وقال: " ما دام هذا الكتاب يُحْتَرم ويقدَّس في مصر، فلا مستقبل لنا فيه" ونجد اليوم فئات ترتزق بالقرآن والإسلام، وبعضها مجاز من السوربون، ومهمتهم محاربة الإسلام الانبعاثي التنويري.
اليابان واحتلال العراق (22)
اليابان على رغم قوتها لا زالت تخضع للهيمنة الأمريكية، في سياستها الخارجية، خاصة أن ما تحتاجه من بترول تتحكم به أمريكا، وهي تدرك ما يتعرض له العرب والمسلمون من إبادة، لأنها ذاقت طعمها في الحرب العالمية بالسلاح النووي، ومع ذلك أجبرت على إرسال بعثة عسكرية إلى العراق دون سند قيمي أو قانوني، مع أن 90% من الشعب يرفض هذا التدخل، لقد زرت اليابان 16 مرة، كمحاضر وكاتب، وتحدثت مع مفكرين منهم رافضين لهذا التدخل.
أمريكا ستفشل في العراق (24)
إن عالم المستقبليات المغربي " د. المهدي المنجرة" مشبع بقناعة أن عهد الذل ديمقراطي سينتهي لا محالة، لأن الشعوب سيزداد وعيها، وإذا حصل لا تستسلم لمن يسلبها هذا الوعي، ولا نستغرب أن يحارب العراق الدول الشقيقة، لكن حتماً ستفشل أمريكا في تغيير العراق كما هي تتوهم، لأن هوية العراق آلاف السنين، وهوية أمريكا لا تتعدى ثلاثمائة سنة فقط، ولهذا حاولوا محو ذاكرة العراقيين، بتدمير تراث متاحفهم، ونعلم أن ألمانيا واليابان قامت من حربها وتقدمت وتطورت، وإن كان من خطورة بعد الحرب، هو تتبع علماء العراق وتصفيتهم، وتفتيت العراق وتقسيمه من الأهداف القريبة لأمريكا في العراق، خدمة لإسرائيل، وترتيب أوضاع كل من إيران وسوريا والسعودية قادم لا محالة.
حرية التعبير(25)
منع د. المهدي من إلقاء محاضرة حول موضوع آفاق الاستعمار الجديد، ومنع أحمد السنوسي من الظهور في الإعلام الرسمي، ومنعت جمعيات مدنية حقوقية من استخدام قاعات عمومية، وقد منع خمس مرات، مع أن الدعوات من منتديات بحثية وشبابية، والمنع يهتك حق التعبير، للحجر على عقول الناس، والوصاية على مداركهم، لأنهم لا يحبذون من لا يخضع إلا لله، ولا يريدون أن تشيع المعرفة في بلداننا وهم – الأمريكان – يراقبون ملياري مكالمة أو كلمة دفعة واحدة عبر التقنيات الحديثة، ليرصدوا حركة العالم كله لصالح سيطرتهم، ونحن نمنع محاضرة عن عشرات الناس لا أكثر، هم يسيطرون على المعرفة، ونحن نمنعها من التنفس، قال مدير مخابرات أمريكا الأميرال "نايت" علينا أن نجمع بين تكنولوجيا القنابل، والتأثير على القناعات والأذواق لتتقبلنا الشعوب، ولهذا بدأت تصرف مليارات لتحقيق هذا الغرض، على الكتب والصحافة والقنوات والمثقفين لزيارة أمريكا، لتحقيق هذا الغرض، وصارت مهمة السفارات الأمريكية إقامة علاقات مع النخب والمجتمعات، وليس مع الدول فقط.
تحالف دولي من أجل الدمار الشامل
للحياة والذاكرة والبيئة والقيم (26)
مقال نشر في خمسين صحيفة يابانية 2004م عن تحالف الحصار والإبادة الجماعية للشعب العراقي المسلم، لمدة ثلاث عشرة سنة متواصلة، قتل فيه قرابة 2 مليون إنسان، مع تخريب الإرث الثقافي للعراق، وضد القيم الإسلامية لهذا البلد، والكنيسة الانجلكانية وأتباعها 500 مليون في العالم تحمل أفكار متطرفة مع كره مناصريها العميق للإسلام، وتقرير ياباني يبين أن 200 ألف قتيل وجريح في سنة واحدة من العدوان على العراق، وجردت منظمة الأمم المتحدة من كل ما تبقى من أخلاقياتها، ووسائل الإعلام التابعة لأمريكا تسوق ديمقراطيتها القاتلة، باسم الشرق أوسط الجديد من المغرب إلى الباكستان، دون مراعاة كرامة أحد، وغُيِّرَ دستور اليابان ليشارك أمريكا في هذه الحرب، التي سيكون السلام والكرامة الإنسانية والتعدد الثقافي هو الخاسر الأكبر فيها، وهذا ما يجعلني أؤكد أنها حرب حضارية.
(27): تعريف بسيرة المهدي بن عبود
الطبيب الإنسان الفيلسوف المناضل والمؤسس المتنور
لم يمنعه الطب من البحث في الفكر والفلسفة وتفاسير القرآن، واللغة العربية، مع اتقانه للإنجليزية والفرنسية، من تأسيس حزب الاستقلال المغربي في أمريكا، وإدارة مكتب " تحرير المغرب" في أمريكا، مع شفافية ووطنية وإيمان وإخلاص.
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(8): خلاصة كتاب "من الصحوة إلى اليقظة" لد. جاسم سلطان.
الفصل التمهيدي
مقدمة: الأولوية التي تسبق الحضارة والنهضة، للفهم ومن ثم تنظيم هذا الفهم، وهو ما يعرف بالخريطة الذهنية المعرفية للفرد والجماعة. (كما هو الحاسوب أو الموبايل ).
أصناف الناس:
1- محب ينقصه العلم والفهم، وهذا عبء على الدعوة والدعاة.
2- محب لا ينقصه العلم، لكن ينقصه الفهم الذي يوجده البحث والتمحيص، وهؤلاء عبء أيضاً.
3- محب عامل عالم ناقد باحث مطور: به تتحقق النهضة والتقدم.
4- عالم منظر لكنه بعيد عن الواقع وفهمه، فيشوب عمله المثالية غير المنتجة.
ولذا كانت الحاجة ماسة إلى علم باحث وعمل منظم، وهذا الكتاب يبين فلسفة النهضة ومستلزماتها.
النهضة مشروع، بمعنى أنها مشروعة لغوياً، وفي المصطلح الإداري: " أنشطة متتابعة مصممة للوصول إلى مخرجات محددة، من خلال ميزانية محددة، ومدى زمني محدد".
وفي المصطلح السياسي " يقصد بالمشروع الايديولوجيا الساعية للهيمنة" ، كما هي العلمانية والليبرالية، وكلمة النهضة وردت إلينا من الغرب الناهض بين عام 1490- 1560م وعرفت بأنها: " تدفق من الحيوية الإنسانية الأوربية انتجت حضارتها ونهضتها الحديثة".
وقامت هذه النهضة على تطورات ثورية فكرية ودينية وسياسية وأخلاقية واقتصادية لتنقية الماضي وتشكيل حاضر جديد منه، دون التنكر إليه، قام على يد رواد من الصفوة من حملة مشاعل الاستفادة من الماضي لبناء حاضر ومستقبل جديد، على رغم المقاومة والاضطهاد الذي تعرضوا له من الجامدين.
التنمية: "مصطلح اقتصادي غربي لزيادة نمو الانتاج الوطني ومتوسط دخل الفرد فيه، من خلال تغيير هياكل الانتاج ووسائله، بينما يمكننا جعله أشمل من ذلك إسلامياً، من خلال زيادة ونمو الجوانب المجتمعية والمعنوية والإنسانية لحضارتنا ونهضتنا".
الحضارة: " هي نهضة مادية وتنمية قيمية أخلاقية روحية، ولذا يحلو للبعض بتسميتها النهضة المدنية العمرانية والثقافة الأخلاقية الإنسانية الروحية".
ولقد مرت الحضارة الإسلامية بثلاث مراحل: الأولى عهد البعثة والدولة والخلافة الإسلامية، والثانية: عهد الاستعمار والحملات الصليبية، والثالثة: سقوط الخلافة، فنتج عن ذلك ثلاثة عناوين: 1- طلب النهضة لمواجهة التخلف، 2- التحرر في مقابل الاحتلال، 3- الوحدة في مقابل التمزق والانقسام. وهي شعارات جميع التيارات النهضوية: ( الوحدة والحرية والتقدم)، مع اختلاف السبل والطرائق والوسائل بين الإسلاميين والقوميين.
المصطلحات الأربعة:
1- ما وراء الأيديولوجيا: وهي النصوص المرجعية: في الإسلام الكتاب والسنة، ولدى الغرب: فكر هوبز ومونتسكيو وجان جاك رسو وغيرهم، وفي الشرق ماركس ولينين وإنجلز، وهذا يأخذ بيدنا إلى أن ما وراء أي نهضة هو قال وقال.
2- الأيديولوجيا: رؤى وأفكار ونظم مترابطة بمستوى من الفلسفة السياسية لإحداث تغيير منظم لإنتاج نظام تقوم عليه الحياة التشريعية والتنفيذية والقضائية، لتحقيق هيمنة عالمية لتحقيق نموذج مستقبلي منشود، يشمل الدولة كما يشمل المجتمع.
3- البارادايم: مجموع مفردات المنظور الشامل لنظرية أو رؤية تشمل جوانب الحياة من منظورها، وخطورته أنه يغلق آفاق العقل على رؤية أحادية الواقع والتفسير.
4- الاستراتيجية: هي الخطة المستندة إلى دراسة وتحليل وأهداف وقيم تفصيلة محددة في بيئية معينة وزمان محدد، مع وضع حلول بديلة للمعوقات وترتيب مرحلي مجدول للتنفيذ.
مقولة: " حسبنا كتاب الله وسنة رسول الله" : صحيحة إذا فقهنا أن كتاب الله بين لنا في العلم نص وإشارة، أما النص فهو محدود للغاية في الثوابت المطلقة، وأما غيرها فبالإشارة إلى أهل الذكر- أهل التخصص والتعلم والنظر والتجربة والخبرة- ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) 7/الأنبياء، والخلط بينهما هو الذي أوصل الأمة إلى التخلف والسقوط فريسة للطامعين والأعداء والجهل والفقر والمرض، لأنه حرم الأمة من التوكل الحقيقي، والأخذ بالأسباب والمجاهدة.
مواصفات القادة:
1- الرؤية: وهي تصور الأهداف بناء على ما ذكر من المصطلحات الرئيسة الأربعة، في إطار الإمكانات والممكنات.
2- الالتزام: هو تسخير الجهود والطاقات والأوقات مع الانضباط لتحقيق الأهداف والخطة.
3- المهارات الإدارية: في حشد الناس والآخرين للقيام بالمهام المؤدية إلى تحقيق الخطة.
مستلزمات نجاح المشروع:
1- الإحاطة بالمبدأ (واضحاً) والإيمان به (التصديق والثقة) وتقدير للمشروع ( بالبذل والتضحية).
2- معرفة مسار المشروع وخطوطه العريضة.
3- التطوير المستمر للمشروع ليكون على الدوام (..أحسن عملاً).
4- توسيع دائرة الشورى والمناصحة بشكل دائم، ليشمل أغلب شرائح المجتمع.
وسورة العصر نبراس في فهم آليات إنجاح هذا المشروع الإسلامي العظيم.
أطوار حركة النهضة: تمر بمراحل:
1- الصحوة: المرحلة الأولى في البعث الحضاري، تؤدي إلى الإحساس بالذات والهوية، للدفاع عن النفس
وهويتها أمام الأعداء، يبدؤها النخب والمثقفون، لحشد الجماهير حول إسلامهم وقيم الأمة، وهي تيار عارم تحكمه العاطفة ويفتقد الخبرة والمناهج والخطط المناسبة.
2- اليقظة: مرحلة وعي تالية على الصحوة، تنتقل بها من العاطفية والعشوائية، إلى العقلانية والعملية، للتخطيط للإنجازات والمشاريع المؤدية إلى النهضة الشاملة.
3- النهضة: حالة الاندفاع للعمل والبحث والاكتشاف والإنجاز المحقق للأهداف وصناعة القوة بالإبداع والعمل المصحوب بنشوة الإنجاز والشعور بقيمة الوقت.
4- الحضارة: انبثاق النموذج المنشود في الأمة المعبر عن قيمها وأفكارها وسلوكها (هويتها) بعمران صناعي ومعماري وفني متقدم، بعد رسوخ واستقرار إنجازات المراحل السابقة.
أهداف مرحلة اليقظة واحتياجاتها: تنظيم الجهود العملية وفق رؤية استراتيجية تجمع طاقات كل الطامحين للنهضة، بزيادة مساحة البحث لاستخدام وسائل جديدة في التجديد والتطوير.
احتياجاتها:
1- التحضير الفكري الشامل: لتوضيح الرؤية ورسم الطريق وفتح مسارات العمل الملائم للمرحلة.
2- إيصال المشروع وإقناع النخب المؤثرة والحاكمة للدخول في تنافسية مشروعة لتنفيذه.
3- إيجاد مشروعات تشاركية لكل تيارات الوطن والأمة مؤداها عمراني وقوة مادية ومعنوية.
سياسات مرحلة اليقظة:
1- العلمية والبعد عن الارتجال.
2- الانطلاق من القواسم المشتركة.
3- اجتناب رفع اللافتات المدرسية والمذهبية والحزبية.
4- عدم إقصاء أي جهد نافع مؤثر مخلص من الحكام والمحكومين والمستقلين.
الفصل الأول
العلم قبل القول والعمل
المشهد الراهن: كثرة المتحمسين والفاعلين في مشروع النهضة لبواعث قاهرة قوية في نفوسهم، إلا أنهم لا يملكون الأدوات الموضحة والمبينة لهذه البواعث، ولو فعلوا للحق بهم الجماهير العامة المحبة والمؤيدة لهذا المشروع النهضوي الإسلامي، وهذه البواعث منها ما هو في النصوص المرجعية، ومنها ما هو في ثقافة العصر ومستلزمات القوة والتمكين للنجاح.
1- الباعث الأول: مبدأ شمولية الإسلام:
لكن هذه الشمولية تحتاج إلى توضيح لأنه يسهل قبول وتأييد العامة والأمة، والقاعدة الأولى فيه هي عقيدة التوحيد: والقاعدة الثانية فيه هي العبادات اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية والعمرية المؤكدة للتوحيد والآصرات المجتمعية، والقاعدة الثالثة هي الأخلاق والتزكية، المؤكدة لما سبق، والقاعدة الرابعة الجهاد والجيش الحامي للحدود والقاعدة الخامسة المحكمة الدستورية العليا المنظمة للعلاقات بين قوى المجتمع والدولة والأمة، والقاعدة السادسة نظام الحسبة، وديوان المظالم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- الباعث الثاني: التحديات الكبرى:
الأول: الضعف والتخلف: الذي كشفه الغزو الأوربي (نابليون) في احتلاله لمصر، عام 1798م.
الثاني: الهيمنة الغربية: واستغلال مقدرات الأمة ومواردها لصالحهم دون أصحابها المسلمون.
الثالث: اسقاط الخلافة: الإسلامية وتمزيق العالم الإسلامي إلى دويلات هزيلة وطوائف متناحرة.
ولهذا كانت الحلول المطروحة ما يقابلها من نهضة وتقدم وتحرر وتحرير ووحدة جامعة وتوحد، واختلف المسلمون في المرجعية التي ينبغي مواجهة التحديات بها، أهو الإسلام أم الشيوعية أم الرأسمالية الغربية؟
نظرية الاستعمار:
1- النهضة الأوربية بدأت في القرن الخامس عشر بالتحول المعرفي العلمي العقلي في المجتمعات الأوربية، أعقبه تحول اقتصادي رأسمالي، وتحول اجتماعي فأدى إلى هذه النهضة.
2- ظهور العلمانية: وبروز أ- روح الفردية: ب- وظاهرة الإلحاد: ج- والاقتصاد الربوي. د- والتفكك الأسري والإباحية،
3- تشكل الأيديولوجيا: والسعي إلى نشر المنظومة الغربية بمفاهيمها وقيمها على العالم بأسره.
4- إنشاء الدول الرديفة: (التابعة) لخدمة مشروع الرجل الأبيض في تصدير الحرية والليبرالية بزعمهم، من خلال حاجة هذه الدول الضعيفة للمساندة المالية، عبر الاستدانة، وتكون نتيجة الديون سيطرة الغرب الدائن لإملاء شروط بنك النقد الدولي، ومن ثم التدخل في إزاحة أي قيم دينية أو حضارية معارضة لمشاريعهم ومصالحهم، عن طريق – المستغربين المحليين- فيزداد تمكن الغرب من السيطرة على موارد البلاد والتخلف لاستدامة الاستغلال الاستعماري المبطن.
5- انتشار المشروع الغربي: المعزز للحالة الاستعمارية، فيقسم العالم إلى دول الشمال (المستَغِل) ودول الجنوب (المستَغَل) فتغيب قيم الحرية والعدالة والتعاون الحقيقي، مما ينشأ صراعات وطغيان مدمر وغير مثمر.
الفصل الثاني: البواعث الكبرى للنهضة الإسلامية ص85
لتتحقق النهضة المنشودة لا بد من تذكر المخلصين لها أمرين هامين يشكلان الباعث للنهضة وهما: 1- نموذج الإسلام الشامل دون البقاء في فرع وجانب من الاسلام، 2- ونموذج التحديات الكبرى لهذه النهضة وأولويات المجابهة.
التحديات: التخلف ويقابل بالنهضة، والاستعمار- بالتحرر، والتفرقة بالوحدة، ولا بد من التفهم والوعي للمرجعية المدافعة أهي إسلامية أم قومية أم وطنية أم إشتراكية؟
والمشروع الغربي يجابهنا بالتغريب والعلمانية والأيديولوجيا المادية والدول الرديفة الضعيفة والسيطرة والهيمنة، مع أن مطالب الأمم هي: الحرية والعدالة والتعاون.
الفصل الثالث: قضية التخلف ص111
التعصب والتحزب والعاطفة الجياشة تحول دون رؤية المشهد الراهن على حقيقته، بسبب جدب الأفكار وإقفارها حتى لدى أبناء الصحوة الإسلامية، لقلة القراءة والتعلم الواسع، وقلة الدراية بالتاريخ وعمق الاجتماع الإنساني، وجهل بالنماذج الناجحة عالمياً وإسلامياً، (والاكتفاء بالعموم دون بحث وتحليل ونظر علمي)، والاكتفاء باجترار الماضي والتفاخر دون فرز وتمحيص، والاهتمام بالشكل لا بالمضمون، وآخرين يرفضون أي تغيير، وآخرون مقلدون ما يقع تحت سمعهم ويخبرهم به شيوخهم، دون أي محاولة في نقد الذات ومراجع الخسائر المتكررة والفشل الدائم، حتى لو أدت إلى تكرار الأخطاء وإسالة الدماء وضعف البلدان، مما خلق صحوة مسطحة أو مغالية، ولو أدعى أصحابها حسن النية وسلامة الطوية.
تغيير الواقع كيف؟:
أجب على الأسئلة التالية: 1- كم كتاباً قرأت في العام؟ 2- ما نوعية هذه الكتب؟ 3- هل قرأت عن تجارب الأمم للنهوض؟ 4- هل اطلعت على آراء المجددين في الإسلام؟ 5- كم كتاب في العلوم الإدارية قرأت؟ 6- هل تستخدم القلم والقرطاس لتلخيص أفكارك (أقسم الله بهما) 7- هل تجيد استخدام الكمبيوتر والانترنت؟ 8- هل تدون العبر مما اطلعت عليه؟ 9- هل تكتفي بنقل الأفكار أم تجدد مثلها؟ 10- هل تسائل قدوتك وشيخك عن البرهان فيما يقول؟ 11- هل تجدد أم أنت أسير التكرار؟ 12- هل تعتقد أن القادة يعلمون كل شيء؟ 13- هل تركز على الفكرة أم على قائلها؟ 14- هل تتطلع إلى منجزات معاصرة ومستقبلية؟ والآن قارن بين ما لدينا وما لدى أعدائنا من خطط وتفكير ومنجزات وتطلعات؟.
نقطة البدء في التغيير:
ما هو التخلف؟: البعض يربطه بالاقتصاد، لكن الواقع يجعله نسبياً بين الدول، وينبغي تحديد معنى التقدم أولاً، وأن التخلف له أسباب متعددة، واليوم يقاس بالمعايير التالية:
1- السياسي: بتحقق (الشورى) الديمقراطية، ورعاية حقوق الإنسان.
2- الاقتصادي: بحجم الناتج القومي ودخل الفرد وحسن استغلال الموارد.
3- الاجتماعي: مدى تجانس شرائح المجتمع ودرجة التراضي.
4- الصناعي: القدرات التصنيعية والتكنولوجيا.
البعد التاريخي التراكمي: التخلف حدث بالتدريج، بعد اكتشاف الغرب طرق بديلة للتجارية العالمية (رأس الرجاء الصالح)، فحرم العالم الإسلامي من الوفرة المالية فتأثر كل ما يتعلق بها من علم وصحة وقوة سيطرة، بسبب تحلل قوة الأمة وضعفها، فلم تواجه ذلك بأي بديل، وكان سبب ذلك: المعضلة السياسية، والإثنية، والجغرافية، وتراجع المدينة العربية، وحكم من لا يفقه الإسلام، وجهل نخب السلطان، والغفلة عن حركة الأمم، وضعف الدافع العقدي، وإهمال العلوم، وتخلف الاقتصاد، والتعصب المذهبي والسلطوي.
العوالم الثلاثة: 1- اضطراب عالم الأفكار ونماذج القيم وطريقة التفكير أصبحت مجدبة مقلدة، 2- وتقديس الأشخاص مقدم على تمحيص الأفكار فاختلت العلاقات الاجتماعية وانعدم العدل، 3- وعالم الأشياء تراجع في أمتنا بعد أن كنا نصدر إنجازاتنا، أصبحنا نستورد إنجازات الآخرين.
من أين يبدأ الإصلاح؟: من عالم الأفكار لأنها الأساس الذي ينبني عليه عالم العلاقات ومن ثم الأشياء، فطالب العلم يذهب إلى المدرسة، وطالب الزراعة يحدد نوع النبات المطلوب وهو كذلك عالم أفكار، وطالب العلاقات كذلك مرتبط بفكرة معينة لدى شخص معين، مما يعني أن الأفكار تحدد العلاقات ومن ثم الأشياء المرغوبة بهذا الترتيب، ومن تغير طلبه لا بد من تغير فكرته ليغير علاقته ومن ثم الشيء الذي يبحث عنه، ولهذا كان أي مشروع صغير أو كبير تافه أو قيم يبدأ بدراسة الأفكار الموصلة لعلاقات معينة تنجز الشيء المطلوب.
وهكذا بدء الإسلام: بتصويب أفكار الجاهلية التي كانت تفكر بآبائية تقليدية، معطلة العقل عن التفكير وإنتاج الفكر الصحيح، معطلة كل الحواس عن العمل الموصل للحقائق والفكر الحر الموثوق، فوجه القرآن العرب إلى التفكر، والتعلم، ووسائله المادية والمعنوية، تأمل وقلم وقرطاس، وتجربة، وإعمال للحواس من سمع وبصر وفؤاد، وترك الظنون للوصول إلى اليقين والثبات، لأن الأمم لا تتقدم من غير قراءة وتفكير وبحث، وتاريخ الأمم ينبئ عن انتصار الأمم التي تكون أكثر قراءة على غيرها، الرومان ثم المسلمون ثم الأوربيون اليوم، وهكذا كان القرآن يخاطب أصحاب العقول وذوي الألباب، لتصحيح الأفكار، ومن ثم الإقبال بشغف على العلم، ومن ثم اجتناب الظنون والتخمينات غير المبرهنة بوضوح.
عالمنا المعاصر:
ما يشل الصحوة الإسلامية اليوم:
1- الخلط بين المبدأ والمنهج: المبادئ في القرآن ثابتة ومحددة، لكن الوسائل إلى تطبيقها جواب على سؤال: كيف (المنهج)؟.
2- سوء تعريف التربية: القول بان التربية مقدمة على أي عمل مشروع، يحرم الصحوة من جهد أتباعها، ( جهاد أبو محجن الثقفي)، وقصة من (يحب الله ورسوله).
3- التفكير النمطي: يكلس الفكر ويحرم صاحبه المعرفة الجديدة اللازمة للتقدم والتطور المعاصر المنشود.
4- الميل للمجاراة: تتجاوز التقليد الفقهي المدلل بالبرهان، ليشمل كل جوانب الحياة السلوكية الآبائية، دون مراعاة الزمان والمكان والأشخاص والبيئة، فينتج أبناء نسخ مكررة عن الآخرين.
5- اعتماد العادات: حلولاً لمشكلات مستجدة، وهذا ما يكرر الفشل لتبدل الظروف ومعطيات العصر.
6- مقاومة التغيير: هو في حقيقته مقاومة للتجديد، مع أن التجديد يحتاج بعد فترة إلى تجديد آخر، لتلافي آثار البقاء على ما جدد، لإنتاجه آثار لم تكن في الحسبان، أو لتغير الظروف والمعطيات من جديد.
7- عدم التوازن بين التنافس والتعاون: الحاجة ملحة للمزج بين التنافس والتعاون بين الأفراد والجماعات والمؤسسات، لأن التركيز على أحدها يحرم الصحوة من المشاركة في الإنجازات والإبداعات.
8- الانسياق دون التثبت من دليل أو برهان: عقلية الاتباع للأشخاص والمعظمين دون التثبت يجمد العقل.
9- الأفكار المتواضعة تقتل الهمة: فتتمحور السلوكيات حول فرعيات على جلالة قدرها وفرضيتها، لأن الصحوة تحتاج إلى تغيير النفوس، كما تحتاج إلى تغيير الواقع والمجتمع، وقد بين القرآن أن الجهاد العام، لا يعفي منه بناء المساجد ولو كان بيت الله الحرام، وسقاية الحاج، (ولقد وعد رسول الله أصحابه بكذا وكذا).
10- التركيز على القائل لا على المقول: حزبية أو تعصباً، (كما أراد المشركون من الطفيل بن عمرو) فسد أذنيه، ثم أدرك سذاجة ذلك الفعل فأنصت وحلل واستجاب.
11- التحفز للرد على فكرة المقابل الآخر: بغض النظر عن التعرف على إيجابياتها أو بيان حدود سلبياتها.
12- المغالاة في الثقة بعلم وقدرات القائد: يغلق العقل عن التفكر والإبداع، وتقديم فكر جديد، كما فعل (الحباب بن المنذر مع رسول الله في غزوة بدر)، و(كما فعل نعيم بن مسعود في غزوة الأحزاب) وهو حديث الإسلام، وكما فعل موسى طلب من الله أن يعينه بأخيه هارون).
13- ترك نقد الذات ومراجعة المسار: (الحنيفية): والرد على تساؤل الصحابة عن سبب هزيمة أحد (قل هو من عند أنفسكم)، قال تشرشل: " لا يكفى أن نقوم بعمل ما نستطيع، بل علينا فعل ما هو مطلوب"، وفي المؤسسات الأمريكية توجد ملفات للأخطاء للاستفادة منها.
14- المبالغة في تهوين أو تهويل الأمور: عاطفياً دون بحث استقصائي، على المستوى الفردي والمؤسساتي.
عالم الأفكار المطلوب: لأن مصابنا في تعثر نهضتنا هو غياب القيم اللازمة لها:
1- قيمة الوقت: تحدد مصير النجاح والنهضة، وخطأ تصورنا له في عمر نوح الطويل، لكن ذلك نسبي لأنه شهد فيه النهاية المنتصرة، ورسولنا صلى الله عليه وسلم حقق حلم الانتصار بزمن قياسي، وكذلك فعلت اليابان والمانيا والصين، وإدراكنا لقيمة الوقت يحدد سرعة انتصارنا من عدمه.
2- مفهوم الإيمان: عندنا توحيد الله، والنبوة، ويوم الحساب، وفصص العباد والزهاد والنساك، ولكنه ليس هذا فحسب، بل هو العمل والحركة والإيجابية، وما يتبع ذلك من: أ- التحرر من الخوف: وهذا ما فعلته قريش والعرب بعد إسلامها، ب- وضوح القضايا الغيبية الكبرى كالبعث والخلق، ج- تسخير الكون والإحسان فيه، بعد أن كان يستولي على عقولهم الخوف من الجن والشياطين والسحرة والحسد والعين، وهذا ما حرر الصحابة فانطلقوا في العالم فاتحين مكتشفين مرشدين ومعلمين.
3- فلسفة العمل الصالح: لم تقتصر عند السلف على العمل التعبدي المحض، وعمارة المساجد، على صحته، وإنما انطلقت في العمل المنتج والمؤثر، كما في قصيدة التابعي عبد الله بن المبارك إلى العابد الفضيل بن عياض، وفيها:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا .....لعلمت أنك بالعبادة تلعب.
من كان يخضب خده بدموعه.....فنحورنا بدمائنا تتخضب.
وأيكم أحسن عملاً، مفسر عند العلماء بواجب الوقت، وأحاديث النبي تؤكد ذلك، من غزا أو خلف غازياً، وهنا يبدأ العمل من تربية ورعاية الأطفال في رياض الأطفال، إلى رعاية البحث العلمي في الجامعات والمعاهد الأكاديمية، ومساندة المصانع وكل شرائح المجتمع المنتجة، أو لتكون منتجة، بما فيها الأعمال الاجتماعية، لضمان التماسك والتعاون المجتمعي لنجاح النهضة المطلوبة.
4- قيمة العمل في فريق: لأن النجاح فيه يفوق أثر العمل الفردي، لما فيه من تعاون وتناصح وتكامل والتنوع والتركيز واجتناب أخطاء الفردية.
5- رعاية الحقوق والانصاف: مع الله والنفس والناس والآخرين، ومن حاد عن هذا ظلم نفسه ومجتمعه.
6- الصبر والتأني: لا في المصائب فحسب، بل في الدعوة والدراسة والبحث العلمي وخدمة المجتمع، وكل ذلك بإيجاز في سورة العصر.
أثر الأفكار القاتلة: قد تكون في الدين وقد تكون في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والفن، ولهذا استفاد الغرب من كل ما في ماضيه الروماني والمسيحي من إيجابية، وبنى عليه مستقبله المنشود.
وبالنسبة لنا العودة للكتاب والسنة مطلب جوهري، وكما بدآ بتغيير أفكار المجتمع الجاهلي المنهزم المنغلق على نفسه عالمياً، فتغير نمط تفكير أصحاب النبي في المعبود الخالق، وعالم الغيب وعالم الشهادة، فتحركوا باتجاه نهضة حضارية عالمية انتشرت في كل بقاع الأرض.
المشهد المستقبلي:
نحو التنفيذ: على جميع الجماعات والمؤسسات والهيئات المعنية بالتربية والتعليم والتوجيه والإعلام تغيير أنماط التفكير المعيق لدى الناس، لتربية نشء جديد وفكر جديد، لرسم خارطة ذهنية سليمة: تتجاوز ما ذكرناه من مثالب الصحوة المعاصرة المضطربة اليوم، حسب المبادئ والقيم المذكورة فيما سلف من كتابنا.
الفصل الرابع: أهمية دراسة التاريخ ص 172
عاملون كثيرون للإسلام لا يرون فيه سوى الأعمال الهينة اللينة السهلة، والبعض منهم يظن أنه لا يحتاج إلى أي بحث أو جهد عقلي لنجاحه، وبعض القادة منهم يكتفون بالبلاغة اللفظية والوجاهة العلمية أو بدونهما مكفياً بالعمل دون تأصيل أو تمحيص أو استشارة، والبعض يكتفي بالإشادة بمن سبق من المجاهدين والناجحين دون أن يكون له يد طولى بمثل ذلك، فهم يريدون نجاحاً بارداً لا كلفة فيه من علم مكين أو عمل مخطط دؤوب، مكتفياً بادعاء الحكمة والتواضع والصبر.
والأسئلة التالية تحدد عقلية المسؤول حسب إجابته:
- كم كتاب تاريخ قرأت؟ وما نوع هذه الكتب والعصر الذي تتحدث عنه؟
- هل قرأت كتب من التاريخ الإسلامي فقط؟ أم من التجارب التاريخية للأمم الأخرى.
- ما الذي تبحث عنه في قراءة كتب التاريخ؟ وما الذي ترغب في الاستفادة منه؟
- ما عوامل نجاح قادة الماضي؟ وما هي عوامل نجاح قادة المستقبل؟
طرق تفكير القادة:
1- طريقة المنظر: الذي يستخرج القواعد من التجارب التاريخية: لتلبية احتياجات الحاضر ومواجهة المستقبل،
فإذا افتقر إلى ذلك، كرر أخطاءه وأخطاء غيره ممن يقلدهم، بانكسارات وخسائر متكررة، كما يفعل الطبيب مع المرض، والتاجر مع السوق، وتحمل المسؤولية في كل هذا.
2- دراسة التجارب التاريخية: تعطي القائد بعد استراتيجي استنتاجي لفهم النواميس الربانية، وسنن الله في خلقه، لمعرفة سنن النجاح وسنن الفشل، لتحقيق التغيير والتمكين.
3- النماذج الشائعة في عقول طلاب النهضة: غير كافية لاستخلاص عِبَر النجاح وقواعده، لأن عِبَر الفشل في التجارب الفاشلة ربما كانت أكثر أهمية في عصرنا لتكرر الإحباطات والفشل في كثير من تجارب الدعاة.
4- التاريخ أداة وعي للقادة: لفهم المستقبل المتوقع، وأداة لإقناع الآخرين، ولرفع الروح المعنوية، ولاستخراج النماذج الإيجابية والسلبية، وتجارب الأمم المعاصرة في انهزاماتها ودمارها ومن ثم قيامها ونجاحها، ولهذا أهمل الغربيون في كتابة تاريخهم لطلابهم أي ذكر للحضارات الأخرى، لئلا يرفعوا معنويات شعوبها بذكر أثرهم الإيجابي، ولذا كان ذكر التاريخ سلاح ذو حدين، لرفع معنويات أقوام، والحط من معنويات أقوام آخرين.
5- ما يجب أن يدرسه طلاب النهضة: الحد الأدنى من نهوض الأمم سواء كانت إسلامية من السيرة والسِّيَر، أو الثورات والحركات النهضوية في الأمم المعاصرة، والأمم المضطهدة، وكذلك رسم خريطة معرفية ذهنية عن الحركات الإسلامية التغييرية أو التدميرية، لمعرفة النجاحات والأخطاء، ومنها طريقة قيام الدولة العباسية.
6- كيفية تناول التجارب التاريخية: لحركات أو دول، بدراسة ما قبل التمكين، واختيار شريحة البدء، والقيادة، والمنهج، وكيفية الإدارة، وما بعد التمكين، والبدائل والمرونة، والسياسات والشرعية، والاستراتيجيات والتكتيكات، سواءً كان في مراحل النبوات، أو ما بعدهم، ودراسة الاضطرابات الأولى وغير الأولى، وكيف ينشأ الاستقرار، وكيف يهتز، وأسباب النصر، وأسباب الانكسارات والهزائم، والفتن، ولا يكتفى بالدراسة السطحية القائمة على المظاهر الخارجية لهذه الحركات أو التجارب، إن ثقافة النماذج التاريخية ثروة وثقافة للمجتمع حتى يسير نحو أهدافه وتحقيقها بنجاح.
7- قراءة المسار التاريخي: لأن نهضة أي مجتمع لا تمر في مسار مستقيم، وإنما لا بد أن تواجهها سلسلة من الانكسارات، في مقابل سلسلة من النجاحات، ومن ذلك دراسة السيرة النبوية وكذلك تجارب الدول السبع الحديثة، وكذلك تجارب الأمم المضطهدة، وخط النجاح والاستقرار والتنمية فيها.
الفصل الخامس: أهمية رفع الواقع
إن كثيراً من العاملين في الدعوة، ثقافتهم لا تقارب المؤشرات الإحصائية، اكتفاءً بالمهارة السطحية الخطابية العاطفية، ولهذا تجد إدارات الحركات وحتى الدول العربية تفتقد ثقافة ومراكز المعلومات، وهذا يحرمها الكفاءة المطلوبة والرؤية الواضحة، ومؤشرات القياس الحساسة، ولا تعاون بين هذه المراكز إذا وجدت وبين العاملين والقيادات، مما يجعل الجهود المبذولة لا يعرف الفارق الذي تحدثه.
الأسئلة التالية تحدد الأثر:
1- هل أنت تتعامل وتهتم بالأحصاءات الرقمية؟
2- هل تقرأ إصدارات مراكز البحوث؟
3- كم مرة وضعت خططك بناءً على هذه المؤشرات الإحصائية؟
4- هل قمت بأي عمل إحصائي لأمر ما في الساحة الدعوية؟
5- هل قيمت أحد أعمالك بمؤشرات تحدد درجة النجاح أو الفشل؟
مستلزمات عملية التغيير: يستلزم تحديد وتوصيف الحالة الحاضرة، ويستلزم تحديد الحالة المطلوب بلوغها، وتستلزم قياس الحالة بعد بلوغ نهاية الجهد لفترة محددة، ومتابعة المتغيرات على الحالة بعد تلك الفترة، ولتحقيق ذلك لا بد مما يلي:
1- تحليل الواقع إلى قضايا وملفات كبيرة وفروع هذه القضايا.
2- إيجاد نظام متابعة دائم لإحداث التدخل المناسب في التوقيت المناسب.
3- معرفة نتائج التدخل وأثره، وإعادة تكرار العملية بأساليب جديدة.
التحديات الكبرى أمام تطوير الحالة الإسلامية: تحديات كبيرة ومتنوعة وكثيرة، في الإمكانات وفي الكفاءات، وعدم وصول نتائج البحوث إلى العاملين في الميدان، وذلك لأن هذه الثقافة هي من معطيات البلدان المتقدمة، ونحن لا نطمح إلى الوصول إلى مثل ذلك سوى بالخطب الرنانة والعاطفية، والمطلوب تدريب الكوادر على التعامل مع مثل هذه الأمور.
الإسلام ورفع الواقع: الإسلام يوم بدأ كدولة في المدينة بعد الهجرة، أمر رسول الله إحصاء عدد المسلمين فيها، وكذلك عدد من يحسنون القراءة والكتابة، بل واستفسر رسول الله عن عدد جيش قريش في بدر، وعدد الأبل التي تنحر لطعامهم، ونحن اليوم بعد أربعة عشر قرناً نفتقد العقلية المعلوماتية وكيفية الاستفادة منها.
المشروع القائد: هو تجربة لمشروع مخطط بالإحصاءات في منطقة ما ندرب الكوادر على هذه الأمور.
الملفات الكبرى في المشروع الإسلامي:
1- الملف السياسي: ويشمل الهيمنة الاستعمارية الغربية بكل الجوانب على مقدرات بلادنا في كل النواحي، والتشتت الحزبي والفرقة والطائفية والقبلية في بلاد يفترض أنها أكثر بلدان العالم توحداً.
2- الملف الاقتصادي: يتصدره موضوح هيمنة التعاملات الربوية وسيطرة الشركات الأجنبية، والبطالة والفقر، وكيفية التعامل مع هذه الملفات؟
3- الملف الفكري: مضطرب أيما اضطراب في منطقتنا الإسلامية بسبب الفوضى والحزبية والتعصب والجمود الفكري الاجتهادي، وهذا يحوجنا إلى تنظيم العلاقة بين الاعتقاد والإيديولوجيا، وبين الواقع والتعايش، وبين الرحمة والتنمية، وهذا يقف عائق أمام التنمية والوحدة والتحرر، لأنه يستدعي الأجنبي أن يكون حكماً.
4- الملف الاجتماعي: أكبر مهدداته الإباحية والتقليد، عبر تفكيك الأسرة وتحطيم سلم القيم والأخلاق، بغزو فكري وإعلامي وتلفزيوني، فنشأ حجر آخر باسم سد الذرائع للقضاء على الحرية والاختيار، وكلاهما ضرر محض.
5- الملف القانوني: يشهد صراعات حول قضايا المرأة والأقليات والطفولة، بحق أو باطل لهدم المجتمع.
6- الملف التعليمي: تحت دعوى التجديد المحقة يراد محاربة الإسلام واللغة العربية والقيم الأخلاقية.
7- الملف المعنوي: محاولة تيئيس الأمة والشباب من النهوض ببلدانهم، والحل نشر بحوث إحصائية في مجلات دورية تنشر على الجميع لتوعية الناس بكيفية إحداث تغيير وفارق بخطط معينة، تكون وسيلة لاستخدامها في خطط جميع أفراد المجتمع.
الفصل السادس: دلائل النهضة الأربعة
1- محاربة اليأس بمعول علم الاجتماع: وكسر قالب التفكير الجمعي اليائس بالدعوة الرشيدة، وقراءة تاريخ الانتصارات والتغيرات العلمية والعسكرية، وكذلك بقراءة علم التاريخ، ومعرفة مصير دول ودعوات قبل وبعد، وكيف تحققت الانتصارات والنجاحات بعد الفشل الذريع، والتجربة النبوية وما كان يملكه من معطيات نجاح؟ وكيف تحقق له النصر الكاسح بعد ذلك! مع أن المعطيات كانت صفرية لديه ولدى قومه والعرب.
2- التجربة الصينية والمعطيات الصفرية: كانت لا تمتلك شيئاً من أدوات الوحدة والقوة والنهضة، ووقعت تحت الاستعمار والغزو البريطاني والياباني، بالإضافة إلى مليون مدم مخدرات ومشكلات اقتصادية لا حصر لها، ثم بدأت عن طريق طلابها بقيادة ماو تسي تونج، فغير ذلك كله، لكن ليس من غير ثمن نضالي وثقافي وحركي، وشواهد تاريخية أخرى: كاليابان التي دمرت في الحرب العالمية بالنووي ثم نهضت بشكل لا مثيل له، وكذلك المانيا المدمرة في حربين عالميتين، الآن أين وصلت في نهوضها وكيف؟ ومثلها المستعمرة البريطانية (الهند) أين كانت وأين وصلت الآن في غزو الفضاء.
3- المعول الثالث المنطق: لأنه يقول كما أخبرنا الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
4- المعول الرابع المبشرات: من القرآن وهي كثيرة للمؤمنين العاملين الصابرين المخلصين المجاهدين، والأحاديث النبوية الكثيرة المبشرة بالانتصارات والفتوحات والدولة ما بعد الجبرية على منهاج النبوة.
وهذا يحتاج منا نشر ثقافة الأمل، وإعادة دراسة السيرة النبوية بشكل جديد، وفهم نهوض بعض الدول الحديثة الفقيرة، وكذلك الاهتمام باختراعات المخترعين من شباب بلاد الإسلام، وتعزيز الجانب الروحي في حياتنا، وحياة الأمة، والثقة بنصر الله لعباده ذوي الأيدي والأبصار.
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(9): خلاصة كتاب "الجغرافيا والحلم العربي (جيوبوليتيك)" د. جاسم محمد سلطان
مقدمة
تنقسم دراسة الجغرافيا إلى: 1- الجغرافيا الفيزيائية: للأرض وتربتها ونباتها وتضاريسها، وموقعها.
2- الجغرافيا البشرية: سكان ومجتمع وثقافة واقتصاد وسياسة: وهي قسمان: جغرافيا سياسية، الدولة وسيادتها، والعلاقة بين الحكومي والمدني. والثاني: الجيوبوليتيك: علاقة الدولة بمحيطها المحلي والعالمي.
ودراسة الجغرافيا من هذه الزاوية يبين لنا المعطيات التالية: 1- معرفة صناعة القرار الدولي مرتبط بالجغرافيا السياسية، 2- تم تشريد ملايين الناس من العرب وتعطلت التنمية وقامت حروب بسبب ذلك، 3- الصراعات الدولية تعيد صياغة العالم حسب مصالح القوى القوية، 4- الدولة القطرية اليوم لا تستطيع حماية نفسها بدون فهم آلية الصراعات وعلاقتها بالجغرافيا، وهي ذات أبعاد ثلاثة: الإنسان + الأرض+ الزمن.
والجغرافيا السياسية تقدم فهم للمشكلات الاستراتيجية للدول، خاصة المخنوقة منها من غير موانئ وبحار تتنفس منها، مثل روسيا وأفغانستان، وسويسرا، وتعتني كذلك بالمعلومات والاحصاءات للموارد والأنشطة الاقتصادية، وهذا يبين عناصر القوة والضعف في حاضرها ومستقبلها، وهذا مفتاح السياسة القومية للدولة.
مناهج البحث في الجغرافيا السياسية:
1- المنهج الإقليمي: يدرس البيئة الجغرافية وتأثيرها على الشعور القومي، وأهميته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومتعلقات هذه الأمور مع المحيط والعالم.
2- المنهج التاريخي: دراسة تأثير البشر وثقافتهم وجغرافية بلدهم على تاريخهم ونشاطاتهم.
3- المنهج الشكلي: يدرس شكل البلد من خلال شكل الإقليم والاستنتاجات المتعلقة بذلك.
4- المنهج الوظيفي: يدرس أثر القرارات السياسية على الطبيعة والسكان والتفاعل بينهما.
5- المنهج التكيفي: يدرس كيفية تكيف السكان مع البيئة الطبيعية، وأثره على حاضرهم ومستقبلهم.
الجيوبوليتيك: (الجغرافيا السياسية): تدرس طموحات الدولة ومستلزمات استقرارها ونموها وتطورها، من خلال نظرة شمولية أكبر من مجرد المعطيات المحلية، في ضوء المحيط والعالم، لتحفظ كيانها وتقاوم تحطمه، وهذا مرهون بفهم طبيعة العلاقات العالمية والإنسانية، من خلال فهم سياسات الدول، وفهم معاني القوة المؤثرة، التي تشكل الخرائط الثقافية والاقتصادية والسياسية.
القسم الأول: المقدمات النظرية لهذا العلم
الفصل الأول: طبيعة العالم
- الثابت الوحيد في هذا العالم سياسياً: هو التغير الدائم: فهم العالم هو فهم السياسة والسياسات، لأن ذلك هو الذي يشكل شكله النهائي، ودور الصراع بين القوى العالمية، ومفاتيح النجاح والفشل في هذا الفضاء، لأن سنن التدافع بين الأمم هو القانون الحاكم لتصرفاتها وعلاقاتها، تقدمها أو تخلفها، والخطأ في التقدير كارثي للبعض، وانتصار للبعض الآخر، وينتج هذا عن:
1- المستوى المعرفي للأمم، والقدرات التنظيمية والتخطيطية، والإنتاجية.
2- قدرات المجتمع والدولة الاقتصادية في كل المجالات يحدد قدراتها على المواجهة.
3- القدرات العسكرية والأمنية لمجتمع، محصلة لما ذكر في الفقرات السابقة.
- أسباب التدافع: رغبات الإنسان غير المحدودة، ونموها المستمر ينعكس على بيئته ومجتمعه ودولته، فيتحول من ضمان الوجود، إلى تحقيق تنمية الموارد، حتى يشعر بالاستقرار والأمان، وتحول الإنسان من صياد، إلى مزارع، وإلى تدجين وتربية الحيوان، ثم استخدم سلاح الصيد للدفاع عن نفسه، وتجمع في قبائل لزيادة قوته أمام المخاطر المحدقة، وبالتالي تكون لديه الشعور بالهوية وتحقيق الذات، من خلال ثلاثية:
التجمع والتنظيم + التسلح + الحركة والتنقل (من البدو إلى الحضر)، ومن الصحراء إلى المدن، وأصبح العيش البسيط تخلف، والعيش المركب تقدم وحضارة، استدعت: الكتابة + التاريخ + الهوية، وأصبح إحداث الفارق بين الأمم والدول، سبيل للهيمنة والتسلط والحروب، وشهد العالم أخيراً فارقاً بالمعرفة بين الأمم وفارقاً بالسلاح والقوة والاقتصاد، فغير المشهد العالمي، في أوروبا والعالم، بثورات في فرنسا وأمريكا وروسيا.
عصر الدولة القومية: تبلور من خلال وجود مشتركات ثقافية وتاريخية بين مجموعات بشرية جمعتها ظروف وقيادات شكلت منها دولاً حديثة ذات طموحات تقدمية انعكس على واقعها من خلال التطور المعرفي والإنتاج الاقتصادي، فانعكس على طموحاتها وتطلعاتها في القوة والهيمنة، فاندفعت إلى استعمار الدول الضعيفة والممزقة، فحول الغرب العالم إلى أسواق، ومستعمرات، وأسواق نخاسة، يتنافس الغرب عليها، مما أدى إلى الصراعات البينية الأوربية، فاشتعلت حربين عالميتين بسبب هذا الأمر، فتغيرت خريطة العالم، وتولد صراع جديد: الشيوعية والليبرالية، ثم انهار الاتحاد السوفييتي والشيوعية، واليوم سيطرت أمريكا على العالم، لكن دوام الحال من المحال.
الجاهزية لمفاجآت الجغرافيا: على الدول العربية وصناع القرار، الاستعداد للأسوأ والجاهزية للمفاجآت واقتناص الفرص للخطو نحو الأمام.
الفصل الثاني: نظريات العلاقات الدولية ومتخذ القرار
كيف يفكر عالم القوة؟ 1- نظرة الفرد إلى واقعه والآخر، ونظرة الدولة إلى مصالحها والآخر، يعتبران محددات العلاقات الدولية، فنظرة أمريكا – المسيطرة – تنظر إلى العرب مهدداً لأمن إسرائيل وبالتالي لأمريكا والغرب.
2- وترى أن ضمان مصالحها تأمين النفط العربي، ومكافحة الإرهاب الإسلامي، ومن العرب من التوحد والتسلح والنمو. 3- وتنظر إلى المؤسسات الدولية – وميزانيتها منها – على أنهم مجرد موظفين برواتب.
نظريات العلاقات الدولية: يسار ويمين، لكن هذا لا يمنع تحالف هذا مع ذاك من أجل المصالح، فيبقى الانتماء نظري، ولا يمنع الليبرالي من التعصب الديني تجاه الآخرين، لتبرير السيطرة والاستغلال، بحجة المصالح المتغيرة، وهذا ما يظهر في العلاقات الدولية والعلاقة مع المؤسسات الدولية.
الليبرالية: نظرياً: تؤمن بالديمقراطية، والانتخابات، وحرية الإنسان، والتجارة الحرة، وحرية الاعتقاد.
الليبرالية الجديدة: هي أقصى اليمين، ورأسمالية بامتياز، وأبدعت فكرة العولمة، والشعور بالتفوق الغربي والأمريكي، وجدارة القوة، والميل للمسيحية التبشيرية والصهيونية، والسيطرة على العالم باسم الرب، وأن أمريكا وصية على الناس، وينبغي أن تبقى متفوقة، مع اختلاف طفيف بين فترة حكم رئيس وآخر، لصالح فئات أو آخرين من المجتمع الأمريكي.
الواقعية: التعامل مع العالم من خلال التفكير في المصلحة، بغض النظر عن المبادئ والإيديولوجيا، لتحقيق مصالح قومية ونفوذ، والقوة هي الحكم، والسياسة والسياسات صراع من أجلها، والدول تفكر بمنطق الفرد ومصالحه، وموجهها في ذلك فلسفة مكيافيلي، هاجم أو سالم للمصلحة، ويحكمها:
- الأفراد يصارعون للبقاء.
- الدولة تصارع من أجل مصالحها والقوة.
- النظام الدولي صراعه مستمر لهيمنة الأقوى، والأخلاق تقاس بنتائجها المصلحية، والمعاهدات مجرد مهادانات.
الواقعيون الجدد: يؤمنون بتوازن القوة، وتحددها بنية النظام، وفاعلية المعايير فيه، وتركز عليهما.
نموذج: العلاقات الأمريكية السوفييتية في الحرب الباردة بينهما: نفذت من قبل أمريكا بسياسة الاحتواء، وتطويق تمدد الشيوعية، في دعم الصين وباكستان، وآخرين.
المنظور اليساري الجذري: يراه ماركس واليسار، في صراع الطبقات، والبرجوازيات، والمنظمات الدولية، وان النظام العالمي الرأسمالي والبرجوازية هو المتحكم في السيطرة، والتغيير لا يتم بغير الثورة عليه، والأفراد هم نتاج طبقتهم الاقتصادية.
نموذج: السوفييت في الستينات اتجهت لتكوين أحزاب شيوعية في كل أنحاء العالم، لقلب أنظمة الحكم، وحققت بعض النتائج في عدن – وأنجولا – وفيتنام – وكوبا – وعدد من دول أوروبا الشرقية.
مواقف بعض الدول: - (الاستقلالية): مثل الصين – الهند – تركيا. و(التبعية): كوريا الجنوبية – اليابان – بريطانيا – الدول العربية. و(التمرد): إيران – كوريا الشمالية – كوبا.
(المناورة): من بعض الدول تبع لحجم الأهداف التي ترغب في تحقيقها، و(التبعية): لا أهداف لأصحابها سوى الكرسي الذي يجلسون عليه، ونجد أن محددات دول العالم المركزية ثلاثة أمور: 1- فجوة قوة المعرفة والعلم.
2-اختراع الآلات وأدوات الحرب. 3- فكرة تفوق الرجل الأبيض الغربي.
الفصل الثالث: حلم السيطرة على العالم
نموذج جنكيز خان: قال: " يا أبنائي أترك لكم مهمة استكمال فتح العالم وإخضاعه"
من الفرقة إلى الوحدة: عام 1155م ولد "جنكيز خان"، على ضفاف نهر اوتون جنوب سيبيريا، من أب مقاتل شرس ضد التتار، سيد لقبيلة قيات، ولما مات الأب تعرضت أسرته للإذلال من قبائل أخرى، فلجؤا للجبال، وبرزت خصال الغلام في الشجاعة والوفاء والعدل، فأحبته قبيلته وآخرون، فنصبوه "خاناً أعظم" فبرزت خصاله التنظيمية ودهاؤه السياسي، وحسن اختيار قادة الجيش، فأحرز انتصارات باهرة، وكبرت أهدافه، مع تعاظم انتصاراته، فأخضع الصين لحكمه ودخل بكين 1215م ، وتمرس على فهم أسرار القيادة الناجحة، بحسن التنظيم، وبراعة الاستراتيجيا، وحنكة التكتيك، ومعرفة الرجال، وحسن اختيار الأعوان ومداراتهم، وحسماً وصرامة مع الأعداء.
الدستور وأسرار الإدارة: نظم للبلاد لائحة دستور مكتوب يحكم العادات، وطلب من (اليغور) تعليم أبناء المغول الخط (الكتابة) فانصهرت القبائل في " الدستور الجديد " (الياسا) ومشروعه الأمبراطوري الكبير، واستعان بالحكيم الصيني " داي " الذي اختاره جنكيزخان وولاه أمو تنظيم الأمبراطورية، فقلل التكاليف، وحفظ الأمن، واتسعت أمبراطوريته عام 1405م إلى حوض الدانوب في أوروبا، وبحر اليابان، وحدود روسيا وفلندة، حتى كمبوديا، في مساحة (30) مليون كم مربع، وسيطر على العالم القديم تقريباً.
التفكك والانهيار: الحروب على جبهات متعددة وطول طرق الإمداد، انهك الأمبراطورية، خاصة لتعدد وتباين ديانات شعوبها حسب المناطق المفتوحة، بين وثنية وبوذية وإسلام ومسيحية وغيرها، مع تراكم بعض الهزائم التي أضعفت الروح المعنوية العامة، ونشأ صراع حول السلطات بين النخب، والاستقواء بالآخرين لتحقيق المكاسب، فقوض هذه الأمبراطورية عام 1335م. ولا يختلف عالم اليوم عن عالم الأمس في الطموح للتوسع والسيطرة، لكن للعصر متطلبات قد لا تتقاطع مع هذا الحلم، فيستغله الأقل حظاً لتحقيق مكاسب أكبر لبلادهم وطموحاتهم، فينتج عن ذلك الفشل مرة والنجاح أخرى، إلى أن يظهر قائد محنك جديد يقنع من حوله والعالم بمشروعه فينتصر إلى حين.
الفصل الرابع: الجيوبوليتيك والحلم الأمبراطوري
روح الجيوبوليتيك: أو الجيوستراتيجي، ولا مشاحة في الاصطلاح، وهي ثقافة سياسية مرتبطة بالجغرافيا، وعلاقتها بقوة الدولة وهندسة سياستها الخارجية ونشاطاتها، وروح هذا العلم ولد مع نهوض وتوسع الامبراطورية البريطانية، وخدم أحلامها وطموحاتها، في صناعة القوة، والاستقرار، والتنظيم، والرؤية، حسب النظريات التالية:
1- نظرية راتزل الألماني: (البقاء للأقوى): يصور الدولة ككائن عضوي يكبر وتزداد حدودها كازدياد تمدد جلد الإنسان بنموه وكبر صاحبه، وهذا ما كان يحدث مع ألمانيا وازدياد قوتها واتساع حاجاتها لتلبية طلبات هذه القوة، فبرر لبلده بهذه النظرية توسع الحركة النازية بها وبمطامعها، وهذا ما يحدد حدود الدولة بالقوة والمصالح لا بالخطوط والخرائط. وهذا بدل مفهوم (الحدود البيولوجية): الاستعمارية- ب( الحدود الشفافة): المصالحية بالترغيب أو الترهيب، - بحجة مساعدة أو حماية – أو قواعد عسكرية – أو تحالفات غير متكافئة، مثال: أمريكا/ وجنوب السودان – والصين/ وتركستان- وأمريكا / وكوريا الجنوبية- وفرنسا/ وتشاد – وإسرائيل / وأراضي فلسطين.
2- نظرية ماكندر البريطاني 1904م: (العالم جزيرة كبيرة): وله نقطة ارتكاز (قلب العالم) ، يتحكم فيه عبر الطرق البرية، تجارياً وعسكرياً، وهي أكثر تمكناً من القوى البحرية، وهذا ما سعت إليه بريطانيا في سيطرتها على مستعمراتها، وتطويق مخاطر الدول الطامعة بهذا القلب مثلها، تطويق روسيا، وتطويق فرنسا.
3- نظرية ماهان 1914-1940م: الأميرال البحري ماهان الأمريكي، يرى تفوق القوات البحرية على البرية، في السلم والحرب، لأنها محصنة بالمياه، وتتحكم بطرق التجارة، شرط تحقيق الميزات التالية:
1- التموضع الجغرافي.
2- قرب الموانئ والموارد والمناخ المناسب.
3- اليابسة لأصحابها كبيرة.
4- عدد السكان يسمح بالدفاع عنها.
5- مجتمع مولع بالبحر والتجارة.
6- حكومة راغبة بالهيمنة على البحار. وتبنى ذلك الرئيس روزفلت (1882-1945م).
4- نظرية سبيكمان (1893-1943): (ضبط حركة العالم): عبر مسارين:
أ‌- إيجاد نظام عالمي لتوازن القوى، كالأمم المتحدة.
ب‌- السيطرة على الهلال الداخلي في قلب العالم، للتحكم بعدها بالعالم كله، والهلال هو:( قارة أوروبا+ العالم العربي+ إيران وأفغانستان+ الصين + جنوب شرق آسيا وكوريا).
الخلاصة: نظريات الجيوبوليتيك تفسر لنا محاولات الدول الكبرى المتمتعة بالقوة –العسكرية والاقتصادية- للسيطرة على العالم من خلال التحرك حسب هذه النظريات، و(منظمة الأمم المتحدة )غطاء لتنفيس ما يقع على الصغار من الدول والهيئات، دون أن تمتلك آليات التنفيذ، [حبر على ورق]، له شكل أخلاقي غير فعال.
الفصل الخامس: الاقتصاد والسياسة والأمن القومي
بنية الاقتصاد العالمي وأثره على السياسة العالمية: كانت الهند والصين (طريق الحرير) للتجارة الدولية إلى البحر الأحمر والمتوسط، ومنه إلى أوروبا، إلى القرن 15م اكتشفت أوروبا طريق رأس الرجاء الصالح، والأمريكتين، وثرواتهما، فتغير ميزان التجارة العالمي لصالح أوروبا، وزاد مع ظهور المطبعة انتشار المعرفة والعلم فيها، فظهرت نتائج ذلك في نهضة أوروبية متسارعة، حرك نشاط الموانئ بشكل ملموس وكبير، فتغير الفضاء الفكري والسياسي في الغرب باتجاه التطور والحرية والأنسنة والفن والإبداع، والصناعة والرفاه، وإصلاح التعليم، والبحوث، والنظريات الكونية الفلكية لغاليليو، ونيوتن، أبطلت مقولات الكنيسة وهيمنتها، وأبدع ديكارت ( ت: 1650م) في شرح سلطة العقل، الممهد للنهضة الحديثة الأوربية في القرن 17م.
أوروبا القرن 18م عصر التحولات السريعة: يسمى عصر التنوير والنهضة، والمفكرين الكبار، [ جون لوك- وتوماس هوبز- مما مهد للفكر الديمقراطي] وانتشار التعليم والجامعات، والمجلات العلمية، حتى على الشعب (مجلة العلوم الشعبية) ، فانتشر العلم على نطاق واسع في كل مرافق المجتمع الأوربي ودوله، حتى تحول إلى صناعات عملاقة خاصة الحربية، فانعكس على قدراتهم التوسعية والسيطرة.
المرحلة الأولى من الثورة الصناعية: (1750- 1850م): تحقق لأوروبا ثورة في الزراعة، والتكنولوجيا، والغزل والنسيج، والمحركات، والعمران، والسكة الحديد، وتشكلت الرأسمالية الصناعية.
المرحلة الثانية من الثورة الصناعية: (1850-1914م): تحقق لها تطور في صناعة الصلب والكيماويات والنفط، والفولاذ، والسيارات، والهاتف، وصناعة الطائرات، وتحقق بالآلات كثافة صناعة الألبسة، وبالصناعة العسكرية احتلت البلدان الفقيرة المتخلفة، وأمنت مواد خام لمصانعها بأرخص الأسعار.
دول القلب أو المركز: أوروبا وأمريكا: تنافست في السيطرة على موارد العالم الثالث، فحقق لها تقدما وقوة اقتصادية غيرت موازين القوى في العلاقات الدولية، تبعه تفوق عسكري لحمايته، وتكونت مؤسسات اقتصادية عملاقة سباقة في جميع المجالات، فحقق لها السيطرة على دول الأطراف الضعيفة الفقيرة بالعلم والتكنولوجيا.
دول الأطراف: كانت ضعيفة هشة متخلفة، تعتمد على الزراعة البدائية، وبيع مواد الخام إذا وجدت، مع خضوع للدول الاستعمارية مباشر أو غير مباشر.
دول بينية: بين دول المركز والأطراف: تتحرك نحو التصنيع والتوازن الاقتصادي، وتلعب دور الوسيط بين الطرفين، أو تلقى الدعم من دولة مركزية.
المناطق الخارجية: هي الدول المتمردة، محاصرة من دول المركز والقوى العالمية، تحاول فكاك نفسها منه، بتحقيق درجة من التطور الصناعي الذاتي، كإيران وكوريا الشمالية، وكوبا، ومن الملاحظ أن أوروبا تحتفظ لنفسها بالتكنولوجيا الدقيقة، وعلوم التصنيع العسكرية، أما مصانعها فتوزع حسب رخص الأيدي العاملة في العالم.
الأمن القومي: يعني محاولة الدولة ضمان وجودها، وقوتها الاقتصادية، والعسكرية والدبلوماسية، أمام الدول المعادية، والمؤسسات الكبرى العابرة للقارات، وحتى الكوارث الطبيعية، والمعلومات الاستخباراتية، والبنية التحتية القوية.
تعريف الأمن القومي: يراه الجيش الأمريكي: حفظ قوة أمريكا من أي تهديدات داخلية أو خارجية، ظاهراً أم باطناً، وتحقيق الأمان للشعب الأمريكي، وحلفائها وقيم احترام حقوق الإنسان، وتحقيق السلام، وهذا يشمل بالدرجة الأولى المصالح الاقتصادية، وتفوقها لقيادة العالم حسب منظوماتها ومصالحها، والهيمنة على موارد الطاقة والمواد الخام، دون اعتبار لحدود الدول ومصالحها، سوى أمريكا والغرب.
القسم الثاني/ الفصل السادس
تطبيقات الجيوبوليتيك في العالم
بنية الاقتصاد العالمي وأثرها على السياسة العالمية: العالم في نظر علم الجيوبوليتيك رقعة شطرنج كبيرة، ومسرحاً للاعبين الكبار والصغار، والقوى اللاعبة تتراوح بين قوى أعظم، وعظمى، واقليمية، ومحلية، وتأثير كل منها يختلف حسب حجم تدخله وقوته، ولو سلطنا الضوء على مورد واحد من الموارد المسببة للتدخل العالمي والصراعات كالنفط: سنجد أن هذه المادة تتعلق بآبارها، وأنابيب مروره، وموانئ تصديره، وممرات الناقلات البحرية، والدول المحتاجة له، وأسواقه، وارتباطه بسلع أخرى، ولهذا ندرك أهميته، وأهمية حماية كل ما يتعلق به مما ذكرناه، وتكلفة هذه الحماية وتداعياتها السياسية والاقتصادية.
الأرض الكبرى: هي جزر توضع فيها البشر، وشكل قواه الكبرى الحالية، وهي: جزيرتي (الأمريكتين) الشمالية والجنوبية، وثلاثة جزر( أوروبا- وآسيا- وأفريقيا)، وجزيرة (استراليا). ترتبط هذه الجزر بمحيطات عملاقة هي: المحيط الهادي، والهندي، والأطلنطي.
روسيا: اليوم كشكل النسر الذي يمد جناحيه باتجاه أوروبا غرباً، وباتجاه الصين والهند واليابان شرقاً، وهي محصورة في حدود برية بعيدة عن البحر المتوسط الدافئ، معبر خيرات العالم ونفطه، (وهو وضع مؤلم لقوة عظمى)، ولهذا تتحالف مع إيران وسوريا، لتصل إلى البحر المتوسط.
الصين( تنين كبير): تشكل صدر النسر الروسي، ولكن يحمي مؤخرته بجبال الهملايا الشاهقة، ويحدها من الشرق المحيط الهادئ الواسع، ليصلها بأمريكا عبره واليابان، وجنوبها دول صغيرة: بورما- وتايلاند- وكمبوديا – والفلبين- وفيتنام، وكوريا، أما من الشرق فحدودها مع دول مضطربة نوعاً ما لحداثتها في الانفصال عن الاتحاد السوفييتي سابقاً، الذي انفرط عقده، وحل محله روسيا فقط.
الهند: مثلث قاعدته للأعلى ينغمس في مياه المحيط الهندي، أسفله يلامس جزيرة سرلنكا، وأعلاه يلامس مؤخرة التنين الصيني، كانت بنغلاديش وباكستان جزءًا منها إلى قبيل الحرب العالمية 1948م [ حيث دبرت لهما مكيدة انفصالهما عنها، ليضعف الجميع] م. ن.
بقية أوراسيا: أطلق عليه الغرب مصطلح الشرق الأوسط (آسيا الغربية +أفريقيا الشمالية) وضُم إليها باكستان وأفغانستان والقوقاز، يستخدم مع مصطلح الشرق الأدنى ( لأوروبا )، ويستخدم في التعبير عن الصراع العربي الإسرائيلي، وهو مصطلح فضفاض صنعه الانجليز، في الصراع مع الروس.
نظرة للجزيرة العربية والخليج: قلة كثافته السكانية، وضخامة مخزونه النفطي والغاز، سبب لمسارعة الدول العظمى في الهيمنة على المنطقة لحماية مصالحها في الطاقة، وهذا ما حدا بالغرب لإقامة التحالفات والقواعد العسكرية فيها، وحصار إيران وتفكيك العراق خوفاً على البترول والغاز.
المحيط العربي وعلاقته بدول الخليج: علاقة ضاربة في القدم والتاريخ واللغة والدين، وهي قوة كامنة محتملة كبيرة، للدفاع عن الجميع، لكنها معطلة اليوم بسبب التشرذم المفروض عليها فرضاً، خوفاً من نهوضه المحتمل.
المحيط الإسلامي الإقليمي ودول الخليج: طموح إيران وتركيا مع التحدي الصهيوني المدعوم غربياً، يشكل عبئاً على دول المنطقة وضغطاً إضافيا مع الهيمنة الغربية الكاملة عليها.
أفريقيا: القارة البكر كأنها مثلث مقلوب، يطل شرقه على البحر الأحمر، وغربه على المحيط الأطلسي، وجنوبه على المحيط الهندي، وشماله على البحر المتوسط، ويتحكم بمضيق باب المندب، ومعبر قناة السويس في مصر، ورأس الرجاء الصالح جنوباً، ومضيق جبل طارق غرباً، [ مليئة بالخيرات والموارد الطبيعية، ويعمل الغرب بكل قوته ودهائه على إبقاءها مخزوناً احتياطياً لمصانعه وحاجاته الحالية والمستقبلية، من خلال المحافظة على عدم حدوث أي تطوير جدي لدى دولها وأبنائها] م. ن.
التدافع العالمي: إذا نظرنا إلى جغرافية الدول بالجملة، نرى العالم والجغرافيا في حالة سكون، منذ قرن مضى على الأقل، في: ( خرائط الدول، وقوانين السلام في هيئة الأمم المتحدة، منزوعة الأظافر، والادعاء بمناصرة الغرب للديمقراطية في العالم وحقوق الإنسان)، ولكننا إذا نظرنا إليه وإليها في حالة الحركة، نجد كل هذه الادعاءات شكلية ومظهرية يكذبها الواقع والممارسة، والدليل الصراعات المميتة والممرضة في واقع الدول الفقيرة والضعيفة في الشرق والجنوب، وهي في أسوء حالاتها، تطبيقاً لقواعد الجيوبوليتيك السياسية المصلحية، دون أي اعتبار للمبادئ والقيم الإنسانية الفاضلة، ونجد تنافس الدول على ما يحتاجون إليه من موانئ، وقمح، وطاقة، ومعرفة، ويد عاملة، وممرات آمنة.
الدول مختلفة التوجهات: دول غير طموحة لشيء، ودول أيديولوجية (بالقومية، أو الدين، أو الفكر)، ودول متصارعة على موارد الطاقة والمياه، وبذريعة الأمن القومي ترتكب كل الموبقات، (بدءً من الوسائل الناعمة الإعلام والدعاية، إلى الحصارات، إلى العسكرة والحرب ) ومنها الصراع الخفي بالاستخبارات، والاغتيالات، والانقلابات، ودعم الثورات، والتلاعب بالمعلومات، وقلب الحقائق.
إذا أردنا أن نرسم شكل الصراع العالمي ونتصوره، يمكننا أن نقول: أنه 1- يشكل النسر الأعظم: رأسه روسيا، وصدر هذا النسر الصين، وقدميه: الهند، وكوريا الشمالية، وجناح النسر الأيمن (ديناصور) أوروبا، وجناحه الأيسر إلى اليابان، في مقابل مثلثين معكوسين كفكي كماشة، الأمريكتين (الشمالية والجنوبية)، والصخرة التي يريد الجميع المتصارع استخدامها وإلقاءها في وجوه بعضهم، هي المثلث المأزوم (أفريقيا الذهب والألماس).
الفصل السابع: مستويات وطبقات دول العالم
المستوى 1: الدول المبادرة: تملك إرادة وطنية، تمتلك قدرات القرار والفعل، مستعدة للتمدد خارج حدودها الجغرافية، كأمريكا، وروسيا، وفرنسا.
المستوى 2: دول القابلية: كالصين، والهند: تمتلك الإرادة والقدرات، لم تلعب خارج حدودها بعد.
المستوى 3: دول الطموح الإقليمي: كتركيا، وإيران: ليست مؤهلة بعد لهذا الدور الذاتي في التمدد، مع تطلعها للطموح الإقليمي، وقدراتها الإقليمية المتميزة بالنسبة لجيرانها.
المستوى 4: دول المسرح: تلعب دول المبادرة في أرضها دور [الشرطي والإقطاعي والتاجر والمغامر] م. ن ، كأفغانستان، وبعض دول الخليج، وليس لدى قادتها رؤية ولا دافع للعب دور مستقل.
المستوى 5: دول الخمول: تمتلك الإمكانات والإرادة، لكن تفتقد دافع التمدد حالياً، لأهداف داخلية، ترضى بالتبعية، كاليابان، وبريطانيا.
المستوى 6: دول الحضور: مستوى جديد رتب له بثقل المستوى الاقتصادي ليكون فاعلاً إقليمياً في خدمة مشاريع الكبار، كدولة قطر والإمارات.
الأسئلة الاستراتيجية للفاعل السياسي كدولة
1- ما هي رؤية قادتها وطموحاتهم؟ كل إمكانات الدول المادية والبشرية والجاذبية الحضارية لا تعني شيئاً دون إرادة تحركها نحو هدف واضح يستحق، قال نابليون: " إن جيشاً من الأسود يقوده أرنب سيخسر، وجيشاً من الأرانب يقوده أسد سينتصر".
2- ما هي قدراتها وإمكاناتها؟ تتفاوت قدرات الدول الاقتصادية والعسكرية والعلمية، وأهمية موقها وتاريخها وعدد سكانها، كمعطيات لتأثير الفعل السياسي وتوابعه.
3- احتياجات الدول ومخاوفها: هي التي تلعب الدور الأكبر في الأسباب الدافعة لها للتحرك خارجها.
4- ما هو محيطها وما علاقاتها به؟ التوازنات الدولية هي المحرك لأي لاعب سياسي، ويقابله حركة آخر.
5- ما أثر تحرك دولي على قوى أخرى؟ كاللعب على رقعة شطرنج وأحجار الدومينو، إما لمعادلة الآخر استراتيجياً، كروسيا وأمريكا، صعود بصعود، واحتلال باحتلال، أو مشاركته استراتيجياً: فرنسا وأمريكا في أفريقيا، أو السيطرة عليه استراتيجياً: كما تم مع ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، أو تقليل الخسائر واحتواء الأضرار: كما يتم مع دول الثورات.

الفصل الثامن: بعض تطبيقات الجيوبوليتيك
-ألمانيا النازية والمنظور الجيوبيوليتيكي: المجال الحيوي لألمانيا النازية، مدد جلدها إلى التهام النمسا، ثم تشيكوسلوفاكيا، ثم بولونيا، ثم لتوانيا، ثم الدنمارك، ثم النرويج، ثم هولندا، ثم بلجيكا، ثم فرنسا، ثم البلقان ( يوغوسلافيا واليونان وكريت ).تطبيق فكرة قلب العالم: سعى هتلر لغزو روسيا، وطوق ليننغراد، وأخذ اوكرانيا، وانكسر عند ستالينغراد، وتوقف مشروعه، ثم تقهقر.
-أمريكا وتطبيقات الجيوبوليتيك: هي روما العصر الحديث، كأكبر قوة اقتصادية وعسكرية وعلمية، مكنها من أن تقوم بدور شرطي العالم اليوم، مما دفعها إلى أن تتحالف مع القوى البحرية العالمية (بالشبه بينهم) كونهم جزر بحرية، بريطانيا واليابان، للسيطرة على الدول البرية قلب العالم التي تمتلك الموارد والمضائق والموانئ، يعينها مع الأسطول البحري، أسطول جوي، وتمكن من شبكات الاتصال الالكتروني.
-أمريكا كفلسفة علاقات دولية: قوتها جعلتها تصوغ العالم على شاكلتها ومقاييسها ومصالحها، فلا تسمح بأي قوى تقترب من شواطئها، وكندا والمكسيك، ملحقات بهيمنتها على المنطقة، أما كوبا فتمردت على التبعية، وبقيت مستقلة، وتبعتها فنزويلا في التمرد، أما أمريكا الجنوبية، فبقيت لعقود ساحة لعب انقلابات واضطرابات لصالح أمريكا، واليوم تفك البرازيل والارجنتين قيود معصمها الأمريكية، كقوى ناهضة وديمقراطية.
-الترتيبات العسكرية الأمريكية للسيطرة على العالم: هناك 13 أسطول أمريكي تجوب بحار العالم، يبلغ وزنها 13 ضعف وزن مثيلاتها في المرتبة، كل أسطول فيه حاملة طائرات، وسفن هجوم برمائية، وغواصات، وسفن صواريخ كروز الموجهة، ومدمرات سفن تحمل طوربيدات بحرية، وفرقاطات حماية، قريبة من كل المناطق، مع سرعة الحركة للتدخل.
القواعد الأمريكية العسكرية: داخل أراضيها [ 6000] قاعدة، و[ 702] قاعدة في أكثر من 130 دولة صديقة، في بريطانيا، وأوروبا، وأفريقيا، والشرق الأوسط، واليابان، وآسيا الوسطى، واستراليا، وآسيا القصوى.، بالإضافة إلى عقود تسهيلات في استخدام أراضي الدول لعملياتها العسكرية، وأحلاف مع دول منها حلف الناتو كذراع عسكري متعدد المشاركة والدول، ودرع صاروخي: دفاعي لحماية أوروبا وأمريكا، موجه إلى روسيا، لمواجهة الصواريخ العابرة للقارات.
حرب النجوم: نظام دفاعي يعتمد على المحطات الفضائية، لتوجيه أسلحة الليزر، لإسقاط الأسلحة البلاستية الموجهة.
التحكم بشبكة الاتصالات: تسيطر أمريكا على شبكة الاتصالات العالمية ، فتصلها كل الرسائل البريدية الإلكترونية أولاً، ثم تمر على دول العالم، فأسرار البشرية لديها بالجملة.
الترتيبات الأمريكية غير العسكرية للسيطرة على العالم
1- الأمم المتحدة: أكبر المنظمات الدولية، لحفظ الأمن والسلام الدوليين، وهي فكرة أمريكية، أعطتها أرض ومبانٍ وتمويل مقرها نيويورك، وضع لها دستور من 14 نقطة الرئيس ويلسون، وترومان من بعده، لمنع الاعتداء، وبعد اربعين يوماً من إقراره ضربت أمريكا هيروشيما بالقنابل النووية.
وكان حق الفيتو في مجلس الأمن، سبباً لتحويل أمريكا الاعتراضات فيه إلى الأمم المتحدة، لتحصل على تصويت الدول في موافقتها على تدخلها، المعارض من أحد الدول الأربعة، ( فرنسا- بريطانيا- روسيا- الصين)، ولهذا تحاول زيادة عدد أعضاء مجلس الأمن، لتمرير وتسهيل تدخلها في أحداث العالم.
2- التحكم في الاقتصاد العالمي: بعد انتصارها الكبير في الحرب العالمية الثانية 1944م صاغت النظام الاقتصادي العالمي بحيث يخدم مصالحها من خلال:
أ- إنشاء صندوق النقد الدولي: (1945م): تساهم فيه مع الدول الكبرى بأكبر حصة، وتفرض شروطها في الاقراض للدول للتدخل في سياساتها المالية، ومراقبتها، وطريقة تقديم المساعدات للدول المحتاجة.
ب- البنك الدولي للإنشاء والتعمير: وهو المسؤول عن القروض التنموية وشروطها للدول.
ج- المنظمة العالمية للتجارة: للتحكم بالاقتصاد العالمي من خلال الحصول على تسهيلات للموافقين، وعقوبات للمعترضين، لصالح أمريكا والكبار.
د- منظمة الجات GATT: منظمة عالمية ذراع اقتصادي لتحرير التجارة العالمية من حمائية الدول النامية والضعيفة.
قوة الانتاج المعرفي والإعلامي والرياضة: أكبر دولة ناشرة للكتب، ومؤسسة لمراكز الأبحاث، وأقوى الجامعات، والجامعات المتميزة، بالإضافة إلى السيطرة على وكالات الأنباء، والفضائيات، وشركات السينما وصناعة الرياضة والترفيه، وبهذا تجمع بين سيطرة القوة الناعمة، والقوة الخشنة معاً.

الفصل التاسع: عالم ما بعد أمريكا والقوى العالمية
- بعد الحرب العالمية الثانية: برز عملاقان كأسياد على العالم، أمريكا رفعت راية إيديولوجيا الحرية والديمقراطية، وروسيا راية الاشتراكية واتحاد العمال، وشهوة كل منهما السيطرة على العالم والتحكم فيه، اهتم كل منهما بالعلم والمعرفة وسيلة للوصول إلى التفوق الاقتصادي والعسكري، لكن السوفييت لم يستطيعوا بنظامهم الاشتراكي من مجاراة أمريكا والغرب في قوة الاقتصاد، وبالتالي القوة العسكرية، على رغم أن السوفييت سيطروا بأحزابهم الشيوعية على بلدان أوروبا الشرقية بالكامل، ودعموا ثورة الصين وفيتنام وكوريا الشمالية، واستخدم الغرب قوة الدعاية والإعلام والسينما والتحالفات، وحدثت أزمات متعددة في برلين، وتايوان، وكوريا الجنوبية، وكوبا، وبراغ، وآخرها أفغانستان التي كانت سبباً في هزيمة السوفييت(1979م- 1989م)، وانهيار الاتحاد السوفييتي، واضمحلال وانتهاء الشيوعية.
تفكك الاتحاد السوفييتي خلَّف 15 دولة في خمس مجموعات: 1- السلاف: (روسيا – وأكرانيا – وبيلاروسيا) 2- البلطيق: (إستونيا – وليتوانيا- ولاتفيا) 3- والأتراك: (تركمانستان- وكازاخستان- وأوزبكستان- وقرغيزستان) 4- والقوقاز: (أرمينيا- وجورجيا- وأذربيجان) 5- وأخرى: (مولدافيا – وطاجيكستان) 6- ومنطقة مضطربة في البلقان الأوربية: ( صربيا- والجبل الأسود- وكرواتيا- والبوسنة والهرسك- وألبانيا) 7- وأخرى مضطربة في شبه الجزيرة الهندية الصينية: ( كمبوديا- ولاوس- وفيتنام- وميانمار- وسنغافورة- وتايلاند) بشكل عام.
- الصين تدخل المعادلة: دخلت الصين بثقلها السكاني الملياري، والدافع القومي الإيديولوجي، والدولة المركزية الحديدية، والتخطيط المرن الاستراتيجي، والتقدم المحسوب ببطء ودقة، واجتذاب الشركات العالمية العابرة للقارات رغبة في التصنيع فيها لرخص اليد العاملة فيها، مع سياسة متحفظة من الولوج في السياسة العالمية إلا فيما يتعلق بمصالحها المباشرة، وهي تركز على التفوق الصناعي، وتثني بالقوة العسكرية للدفاع عن مصالحها فقط، وتوفر مداخيلها للتقدم والنهضة والتعليم والصناعة.
- روسيا تخرج من بين الانقاض: روسيا العملاق الآسيوي، على رغم ما خسرته بتفكك الاتحاد السوفييتي عنها، لا زالت تمتلك الطاقة العلمية، والروح القومية المتوثبة، وحضور تاريخها الشيوعي العالمي، وإن تخلت عن إيديولوجيته اليوم، لكن روح التفوق والشعور بالعظمة لا زال له أثر في الحماس لاستعادته، ولذا هي هاجس الغرب اليوم كما كان في الأمس، وتحاول تنمية اقتصادها، وفك الحصار المفروض عليها منه، وما تحالفها مع إيران، وتدخلها في سوريا، إلا من هذا الباب، ولكن هل يمكنها منافسة الغرب وأمريكا جدياً، نظامها الديكتاتوري يقلل من هذه الفرصة ويضعفها.
- نمور آسيا: حققت كلٌ من (سنغافورة- وماليزيا- وتايلاند- وأندونيسيا- وكوريا الجنوبية) قفزة اقتصادية صناعية كبيرة، خلال ربع قرن الأخير (العشرين) من خلال التركيز على صناعة الإنسان الناجح، بتبني:
1- تشجيع الاستثمارات الأجنبية وتسهيل قدومها. 2- تيسير التعامل مع الدول الغنية. 3- الاقتداء بالنموذج الياباني. 4- غياب البيروقراطية في البنى السياسية والسلطوية.
وحين حدثت أزمة 1997م المالية، في هذه الدول، لم يمضي سوى سنة حتى استعادت حيويتها وتدفق إنتاجها وصادراتها، فشكلت ثقلاً في الاقتصاد العالمي، ونمو بمعدل 9,5% مع سرعة وجدية وصدق في حل المشكلات العارضة الاقتصادية.
- سنغافورة لم تنتظر طويلاً: أفضل تنافسية دولية معرفية في خدمات النقل للأسواق العالمية، فيها 7000شركة متعددة الجنسيات، يخدمها أهم مراكز بحوث عالمية، خصصت لها 2% من الناتج المحلي، وتوثيق العلاقة مع القطاعات الصناعية، يقوم بها 4745 عامل لكل مليون نسمة، علماً أنها في أمريكا النسبة 4484 عامل، وهي الأقل بيروقراطية، وأرشق قطاع وظيفي، وكفاية عالية للوظائف العالية، فراتب الوزير 1,2 مليون دولار، أي ثلاثة أضعاف راتب الرئيس الأمريكي، ولهذا شبه انعدام للفساد الوظيفي فيها، والعمالة السنغافورية تتميز بالمهارة العالية وأخلاقيات العمل، والانتاجية العالية، واستخدام الانترنت 90% من السكان، مع وجود أحدث مستويات وسائل التعليم، التي أهلتها لتصدر الأولمبياد العالمي في امتحانات المواد العلمية لعام 2006م.
لتلافي قلة سكانها (4ملايين) فقط، تشجع على زيادة النسل، مع مستوى عالٍ من المعيشة المرفهة، وحصة الفرد من الدخل يصل 31 ألف دولار سنوياً، شكل القطاع الصناعي 27% من الناتج المحلي، والباقي تجارة وخدمات، ونموها الاقتصادي بلغ في عام 2006م 66% عن السنة التي سبقتها، وكان في الإلكترونيات والكيماويات والهندسة والعلوم الطبية الحيوية، ومنصات استخراج البترول البحري، وصنع الأقراص المدمجة للكمبيوتر، ومركز عالمي لصيانة محركات الطيران.
ماليزيا: الأزمة كبوة جواد: نهضت ماليزيا من كبوتها، التي كانت استراتيجيتها الاقتصادية التحول من الزراعة 40% وعمالتها عام 1957م 61% إلى 14% في حين أن الصناعة كانت 11% بعمالة 6% إلى 33% بعمالة 26% من السكان، هذا قلب ميزان البنية الاقتصادية ونمو الصادرات المصنعة، ورفع مستوى تقنيات العمل، وعملت على إحلال المنتجات الوطنية مكان المستورد، واتخذت سياسة زيادة الصادرات المصنعة، وعمدت إلى تنمية مدخرات الشعب، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وركزت على التخصيص الكفء للموارد، وإشراك مختلف الفئات الاجتماعية في التنمية، ودعم الفقراء، وحفظ قيمة النقد الوطني، وقوته الشرائية، وعملت على التمدين (سكن المدن) 60% والتأهيل المهني وتدريب العمالة الماهرة، وتقليل العمالة الاجنبية.
الخطوة الرئيسة لنهضتها تحسين مستوى التعليم، وتقليل الإنفاق الحكومي على مصروفات الأمن 0,8% والمصروفات على التنمية 16% من الموازنة، والخدمات والبناء 10% وحصة الفرد من الصادرات 4800دولار بينما هي في أمريكا 3100دولار.
كوريا الجنوبية الأكثر نضجاً: كانت ثالث أفقر دولة عالمياً في آسيا في الخمسينات، تحولت إلى ثالث دولة غنية اقتصادياً في آسيا بعد الصين واليابان، والعاشرة عالمياً، صادراتها 40% من النشاط الاقتصادي، نمت في بعض السنوات 30% بدخل 255مليار دولار عام 2005م، أهمها صناعة السيارات، (3ملايين سيارة) عام 2005م، بلغت الإيرادات اليومية 2005م (300) مليون دولار، البطالة لا تتجاوز 4% من سكانها (48)مليون نسمة، وستكون الثامنة عالمياً في سرعة النمو عام 2020م.
تايلاند شرارة الأزمة: تعافت من أزمتها عام 1999م فوصل النمو من 4% إلى 10%، والصناعة 40% والزراعة 11% والخدمات 49%، لإنتاج الأثاث، والبلاستيك، والمجوهرات، والكمبيوتر، والملابس، والأرز، والناتج المحلي للفرد 6900دولار سنوياً وهي تنمو باطراد.
إندونيسيا والتخلف عن الركب: آخر دولة سددت قروض الإنقاذ البالغة 8مليار دولار لكن قبل أربع سنوات من الاستحقاق، فوفرت 200مليون فوائد الدين، وانطلق اقتصادها 2006م بصادرات قدرها (100) مليار دولار، وبلغ احتياطها النقدي (47)مليار دولار، لكن قطاعها البنكي متخلف وضعيف في تعاونه مع مجتمع الأعمال، وتفشي القروض المهدرة، مع تخلف النظام الضريبي، وانتشار الفساد، وثلثا الشعب تحت خط الفقر، ومتوسط الدخل 1300دولار سنوياً، والبطالة 20% تقريباً.
هونغ كونغ: عام 2006م احتفلت بالذكرى التاسعة لانضمامها للصين، تحت شعار بلد واحد ونظامان، تخلصت من ركودها بنمو 3% عام 2003م إلى 7% عام 2004م، و7,3% عام 2005م، و 8,2% عام 2006م، مع أنها من أكثر الدول كثافة سكانية في العالم، ومعدل طول الحياة فيها 78,6 سنة للفرد، ومع ذلك الطلب على عمالتها بازدياد.
ملاحظة: التجربة الآسيوية تطرح تساؤل: كيف أصبح إنسانها أكثر انضباطاً ومهارة وتفوقاً على العامل العربي؟ وكيف تخلصت حكوماتها من مرض البيروقراطية في الإدارة؟ وكيف تحقق لها الشفافية في تقليل الفساد والهدر؟ وكيف وفقت بين ثقافاتها والديمقراطية المنتجة؟ وهل ستتمرد على السياسات الرأسمالية الأمريكية يوماً كأوروبا؟
تركيا تعود للمشهد: ليس مستغرباً دخول تركيا حلبة المشهد الدولي، خاصة أنها كانت لاعب رئيسي فيها من عهد ليس بالبعيد، 1924م تاريخ سقوط خلافتها على العالم الإسلامي، ودورها الدولي، اقتنع الشعب التركي بعد مخاضات وصراعات مع العسكر، أنه لا بد أن يشارك بقوة في التغيير السياسي، ليصار إلى اللحاق بركب الدول المتقدمة اقتصادياً، وكان ذلك أخيراً على عهد حزب العدالة والتنمية، ومصطلح " المنفعة " الذي أطلقه وزير خارجية الاتحاد السوفييتي " شيفر نادزة" تحول مع الزمن إلى مصطلح " المصلحة" المبنية على أساس التنافسية الاقتصادية هي التي تؤدي إلى قوة الدولة ومكانتها، وحققت من خلال ذلك أكبر قوة اقتصادية في الشرق الأوسط، بدخل 600 مليار دولار، وعملت على سد الفراغ في غياب المشروع العربي في المنطقة، بالتنافس مع إيران وإسرائيل.
اللغز الإيراني: تبدو إيران كقوة إيديولوجية غير مستقرة في المنطقة، بلعبها دور ديني أصبح نشازاً في عالم اليوم، خاصة الإحالة على انتظار خروج المهدي الغائب، بعد سقوط الإيديولوجيات الشمولية، وبنفس الوقت تحاول نهضة اقتصادية يعوقها ما تنفقه على التمدد المذهبي في دول الجوار، والمشاركة في حروب بالوكالة لتفتيت المنطقة لصالح إسرائيل والغرب، وتدعي صداقة الجيران وهي تحاربهم سراً وعلانية، مع العلم أن الدولة الإيديولوجية انتهت على يد هتلر وموسليني واستالين وصدام والقذافي، ولن تكون إيران استثناءً!
ويمكن استقراء تطلع دول للنهوض والمشاركة عالمياً كالبرازيل – والمكسيك- ودراسة مستقبل الغرب عموماً في ضوء التغيرات والمفاجآت العالمية.
الفصل العاشر: نحو نظرية جيوبوليتيكة عربية
تقوم على: اقتصاد متوازن زراعي وصناعي وخدمي، وحكومات قوية مخلصة، وقوات مسلحة وطنية، ومؤسسات اقتصادية كبيرة، وعوائد ضريبية مقننة، وتصنيع، ومعلومات، وتكنولوجيا، وعمال مهرة، وعلاقات دولية متكافئة، واستقلال في القرار الوطني.
ودول الأطراف ضعيفة فقيرة، متخلفة، وظلم اجتماعي، وقبلية، وضعف التعليم، وكثرة الأمية، وتبعية للدول الكبرى.
عوائق الفكر: لم يتطور مع دراستنا فكر جغرافي ذو معنى طموحي، يكبر معنا ويساند تطلعات جيلنا الجديد، بينما عرف هذا في كل الدول الاستعمارية التي تحركت لاستعمار بلادنا وبلاد العالم، لتبصير قادتهم بصورة العالم وخيراته ومراكز قوة موارده، ولهذا آن لنا نحن العرب أن نرسم صورة مستقبلنا من خلال هذا العلم الجديد.
بعض حقائق الجغرافيا عندنا: العصر الحديث عصر الكيانات الكبيرة، والعالم العربي رابع أكبر وحدات سياسية في العالم، بعد الصين، والهند، والولايات المتحدة، بتعداد أكثر من (300) مليون نسمة، أما المساحة 10% من مساحة العالم، حوالي (14) مليون كم مربع، وهو في قلب العالم ومكنوز ثرواته، يطل على بحر المتوسط والأحمر والعربي والعرب والمحيط الأطلسي والهادي، ويصل بين قارتي آسيا وأفريقيا. وهو يصل بين أسواق العالم، ويطل على ممرات عالمية متعددة، جبل طارق، وقناة السويس، وباب المندب، ومضيق هرمز، وهو خزان الطاقة البترولية والغاز والطاقة الشمسية، والمنطقة العربية غنية بالمعادن: الحديد والفوسفات والكبريت والنحاس والرصاص، ومع ذلك لا تصنيع لها في بلادنا، ونحن 5% من سكان العالم، لا ننتج من الكهرباء سوى 2% منها، ولا يستغل من الأراضي الصالحة للزراعة سوى الثلث، وبطرق بدائية.
بوصلة التاريخ: ذكره " نيكولاس سبيكمان" مبيناً أن هذه المنطقة دفعت بأمبراطورية إسلامية وصلت تولوز في فرنسا، وحولت البحر المتوسط إلى بحيرة عربية، والثانية الأمبراطورية العثمانية التي وصلت إلى شرق ووسط أوروبا والبلقان، ولهذا يحذر من تكرار التجربة ومعاودتها، والموضوع أكبر من العالم العربي، والإسلامي، لكن كيف يكون دورهما في المعادلة القادمة للسيطرة على العالم، والتدافع الذي يدفع الطامعون والطامحون.
مناطق لقاء الأرض والشعوب: شعوب بلاد الشام والعراق والجزيرة، والفرس والترك والأقباط، صنع خريطة جديدة للعالم بعد ظهور الإسلام، وكيف اتصلت بمنطقة التنين الصيني والهند فكانت بيده طرق التجارة العالمية المؤمنة، واليوم أصبح العرب في دور العازل بين الصين والهند والعالم الغربي، ليس لنا دور سوى اللبن المحلوب، كما صنع الغساسنة والمناذرة قديماً في حماية الروم والفرس.
الإسلام رسالة محورية: ولدت في مكة واحتضنت في المدينة، وناصرها النخبة الأزدية والنخبة العدنانية، وانتقلت من الحصار إلى التعادل الاستراتيجي في الحديبية، ومن ثم الانتصار على المعارضين ودخول مكة لإعلان السيطرة الكاملة للمشروع الجديد العالمي، ومن ثم الانتقال إلى منطقة القلب وهي الشام والعراق، وجناحاها فارس ومصر، واستيعاب أمم المنطقة المجاورة في مشروع واحد موحد، يوحد الأمم الكبرى الثلاث، العرب + الفرس+ الترك= الخلافة الإسلامية، ولهذا لا بد من الأمم الثلاث للمشروع الإحيائي الجديد، ويتبعهم بعد ذلك كل الأمم الإسلامية الآسيوية.
تركيبة العالم المعاصر ورؤية الآخرين للمنطقة: إذا كان ميزان القوة اليوم لصالح الغرب، فإن حركة الموازنات العالمية في حالة تغير دائم، وعلينا مراعاة القوى الصاعدة، وإحسان التمركز وتنظيم العلاقة معها، ليسهل علينا طرح قضايانا الاستراتيجية المتضمنة في مشروعنا العربي، ( بعد أن نخطط لهذا).
هل نمتلك رؤية استراتيجية لوضعنا الجيوبوليتيكي؟ لا يوجد مثل هذا التطلع في مشهدنا العربي الضبابي، على ضوء خبرتنا في تاريخ الجامعة العربية، البعض يرى هذا التفكير ترف سياسي، وآخرين يرونه مسألة مصير، لما يتهددنا من مخاطر، وأن التفكير في هذا الأمر هو الخطوة الأولى على طريق صنع مستقبلنا العربي.
نحو تموقع جديد في عالم الغد: ما تفعله إيران وتركيا من تمركز، وما تفعله إسرائيل على صغر حجمها، وباقي دول العالم، فمن المعيب أن نعجز عن فعل ما يحفظ وجودنا من التلاشي، والأحلام الكبيرة بنات الفكرة والإرادة، التي تشق لنفسها طريق النجاح، من خلال ما يأتي:
1- الرؤية والمهمة كنقطة بداية: لنفرض أن صانع قرار عربي صاغ مشروع جيوبوليتيكي عربي لاستعادة أهمية المنطقة مع جناحيها الإيراني والتركي، للتحرر من ضغوط القوى الكبرى واستئثارها بالقرار، من خلال مهمة واضحة في بلورة دولة قطرية نموذجية معاصرة، تتمتع بالشعور بالهوية الحضارية – وعاشقة للعلم بأبعاده الأمنية والقومية – وسلامة نظمها المتسقة مع الكفاءة والعصرنة وتحقيق العدالة والشفافية – والجدية في تحقيق المنعة الذاتية للوطن، وحشد الأمة وراء هذا المشروع المحرر لها من المأزق الحالي.
2- التحديات والعقبات: في هذا المشروع هو غياب الوعي عن ضرورته والحاجة إليه، سواءً بين النخب الثقافية أو السياسية، مع انخفاض في تقدير الذات تجاه الآخرين، من حيث غياب الإرادة، وعدم رؤية المسار المأمول لمستقبل المنطقة، وغياب الحشد الجماهيري للتحدي في السير نحو أهداف المشروع، وحسن المناورة لنجاحه وتحقيق أهدافه، بالانطلاق بها من دولة مركز تتبنى هكذا مشروع، وتجابه تحدياته التالية:
أ- تحدي الحامل المباشر للمشروع: من خلال فكر طموح قيادي، يضع خططاً استراتيجية لأهدافه، يحشد لها جماهيره والمنطقة متجاوزاً ضرورات البقاء والاستمرار، في إطار المراحل التنموية للبلد والقطر.
ب- تحدي المخيال السياسي: تاريخنا العربي الإسلامي الطويل بعد الفترة الراشدية أسس في تبرير الضرورة لقبول ولاية المتغلب، الذي أوقف حكم الشورى القرآني من الحكم، وجمد حكم حرية اختيار الحاكم الصالح الموكل بإدارة شؤون الأمة، والدفاع عن مصالحها، وصون كرامتها، وأصبحت الحقوق المرعية، كلها للسلطان بعد أن كانت لله والشريعة وللرعية، فضاعت بوصلة حقوق الإنسان وفكرة المواطنة، وكرامة الوطن، وأصبح الحاكم فوق الجميع، فإذا أعدنا النظم والقوانين القرآنية إلى فاعليتها بشفافية، نستطيع عندها أن نضع المشروع الجيوبوليتيكي (الجغرافيا السياسية) على المسار الصحيح.
ج- تحدي النظام السياسي: في معاناة نخبه من فقدان الرؤية لاتجاه العصر ومتطلباته، أسيرة مصالحها الخاصة، وتساهم في تزييف الوعي الجماهيري، من خلال ضيق أفقها وانحصاره في الفئوية والحزبية والجهوية والقومية والعرقية، حتى حين تمكنها من السلطة، تضيق بالتوازن بين الديني والدنيوي، والحزبي والوطني، والطائفي والقومي، مع أن العالم المتمدن انتهى من هذه الأمور منذ زمن بعيد لصالح المشروع الوطني الشامل.
د- تحديات النسيج الاجتماعي: تنتشر في منطقتنا الأفكار الانقسامية مثل: الرجل والمرأة – العرق والدين – الطائفة والمذهب – الحزب والقبيلة – فتشكل شروخاً قابلة للانفجار عند أي بادرة تغييرية في المجتمع والوطن، وكل مظلوم من هؤلاء تجده مشحون بذاكرة من عاطفة التحدي أو الرغبة في الانتقام أو الحياد السلبي، أو [ الاستنجاد بالمستعمر أملاً أن يناصر الحق وأهله، فيكون كتاجر البندقية المرابي اليهودي في قصة شكسبير، يقرضك المال ليقتطع من لحمك قطعة ]، والحل الاعتراف بهذه المشكلات واختيار حلول مناسبة للجميع.
هـ- تحديات التنمية العادلة: في تحقيق الرخاء والأمن، والتركيبة الاقتصادية العربية غير متوازنة في قطاعاتها المختلفة، وغالبية العالم العربي غالبية زراعية ووظائفية، وقلة من التجار والصناعيين يتحكمون بالاقتصاد غير المتوازن، وهجرة كبيرة من الأرياف إلى العواصم والمدن، بسبب تركز الخدمات فيها، والتعليم كان المأمول أن يكون حلاً للمشكلة أصبح مشكلة، بسبب غياب الارشاد الأكاديمي لاختيار التخصص، وغياب الاستراتيجيات الحكومية التي يقوم عليها ما سبق، فتراجعت الزراعة، ولم تواكب ازدياد السكان، لتحقيق الاكتفاء الذاتي فضلاً عن تحقيق تصدير الفائض بعد تحسين الانتاج، فزاد الفقر والمرض والأمية والعوز ودفع قطاع كبير لمجاراة الفساد والرشوة.
و- التحدي المعرفي والتقني: يحكمه علاقة مشوشة بالإنتاج والاقتصاد في بلادنا، بسبب استيراد تعليم غربي ( استعماري) لإعداد موظفين وكتبة لإدارة الحكومات وليس لإنشاء نهضة ومجتمع متقدم، بينما هو في الغرب له قيمة إنتاجية في سياق المشاريع الوطنية القومية، لإعداد الباحثين والمخترعين وهو مرتبط بسوق العمل الأهلي والحكومي، يمول أبحاثه في الجامعات الشركات والمصانع، ولهذا كان دورها الوظيفي لديهم متعلق بالنمو الاقتصادي والقومي، ولهذا أذكياء العرب من الدارسين لا يجدون فرصاً لهم سوى في الدول الغربية، ولهذا لا بد من تغيير وتصحيح هذه المعادلة وربطها بالاقتصاد وحاجات الوطن الملحة.
ز- تحدي الأمن القومي: فالأمن القومي في الدولة ربط بأمن النظام، ولهذا كانت القوة لحمايته من الشعب، وليس لحماية الشعب، مع أن الأصل فيه هو حماية مكتسبات الشعب الاقتصادية والاجتماعية والغذائية والأمنية، بالإضافة إلى الاعتماد على الآخرين المصنعين للسلاح، مع انكشاف كامل لسماء الدول العربية من الحماية الحقيقية، التي يتحكم فيها هذا الآخر الذي يبطن ويظهر العداوة لنا سراً وعلانية، وهذا يجعل جميع ملفاتنا الأخرى السابقة شكلية بعيدة عن الجوهر الحقيقي الذي ينبغي أن تسده فعلياً لا إسمياً.
تحدي القضية الفلسطينية: نتيجة من نتائج التخلف والتمزق العربي، واجتزاء فلسطين لصالح الدول الاستعمارية المغادرة عسكرياً وشكلياً ومنحها إلى الصهيونية اليهودية كقاعدة متقدمة للغرب، وهو لصالح الدول الغربية أولاً وآخراً، وما صراعنا مع إسرائيل إلا واجهة لصراعنا مع الغرب الصليبي الليبرالي، يربطه خيط التاريخ والجغرافيا معاً، ونجاح مشروع تحرير فلسطين له علاقة وثيقة جداً بمشروع النهضة العربية المرتقبة، وهذه لا تتم في ظروف الإحباطات المذكورة فيما سبق من خلاصة هذه المعرفة الجيوبوليتيكية، ولهذا مرت المشكلة الفلسطينية في مراحل تاريخية وجهادية وسياسية متعددة انتقل فيها العرب والمقاومة من فشل إلى فشل، إلى أن أصبحوا مع مشكلة القضية الفلسطينية، جزءً منها في خدمة المشروع الغربي الصهيوني، وانقسم أهل فلسطين إلى مشروع وطني (منظمة التحرير) ومشروع إسلامي (منظمة حماس)، فأعطى إسرائيل فرصة إضافية في العبث بالقضية وحصار الشعب الفلسطيني، من خلال هذا الانقسام، الذي رافقه انقسام عربي موازي كذلك، في غياب أي مشروع عربي نهضوي أو تحريري، مما هيء لإسرائيل اللعب على جميع الحبال التي لا نمسك بأي طرف من أطرافها، ولا حتى حياكة أي حبل منها على أي صعيد من الصعد التي عادة ما تكون أولوية لمن لديه مشروع نهضوي أو تحريري.
التحديات الكبرى للمشروع الصهيوني: التحدي الديمغرافي في النمو العربي الفلسطيني السكاني، وضيق عرض فلسطين الذي يمكن الوصول إليه بأقصر الصواريخ، يضاف إلى ذلك تحدي المحيط الإقليمي لتركيا وإيران والعرب، القابل للتغير الإيجابي ضد مصالح الكيان الصهيوني في لحظة ما، فيصبح الكيان مكلف جداً للغرب ودافعي الضرائب فيه.
التغيرات العالمية في مراكز القوة: لدى الهند والصين، مع تحفظهما على المشروع الصهيوني، يوفر فرص غير مواتية لإسرائيل ومشروعها، خاصة مع التطورات الجديدة في الساحة النهضوية في كثير من بلدان الشرق الآسيوي، غير المتفاعل مع إسرائيل ومشروعها الغربي بامتياز، مع بوادر ما يشير إليه ربيع الشباب العربي الذي يرى في إسرائيل عنصر قلق واضطراب وتآمر وأذى لكل إنسان يعتبر الحق والعدل ميزان العلاقات الإنسانية والحضارية.
الدور الفلسطيني اليوم: يفهمه كل مواطن عربي وفلسطيني، على أنه مظهر من مظاهر التخلف والتمزق العربي، وعليه يكون الحل بما يعكس هذه المعادلة، من خلال تغيير الأفكار العميقة في الجبر والتقاعس والاتكالية والاستسلام، ( الديني والاجتماعي)، وكذلك تصحيح العلاقة مع العلم من تخريج كتبة موظفين إلى مبدعين منجزين، وتحويل المشاريع من استراتيجية الخدمات الآنية إلى خدمات نهضوية مستقبلية مبشرة.
الدور العربي اليوم: يتوزع وتضبط إيقاعه أكثر من خمس وعشرين دولة، ولخطورته الاستراتيجية الدولية يحتاج إلى مسطرة دقيقة في العلاقات الدولية لتقدمه، والانتباه إلى العنصر المتحول في القوى القادمة: تركيا وإيران إقليمياً، والصين وروسيا وأندونيسيا آسيوياً، والبرازيل والمكسيك أمريكياً، وأن ينظم خارطة احتياجاته المستقبلية وفق نظرة جديدة للعالم، والتعامل مع القضية الفلسطينية من خلال: 1- مساحة الفعل الناعم الإعلامي لاستحضارها في الوجدان العالمي. 2- ترتيب البيت الفلسطيني وصيانته من فيروسات الانقسام. 3- حصار مخططات العدو الصهيوني من التمدد في إطار الممكن.
فرص كبرى للوطن العربي: من خلال ما يتمتع به من قابليات وإمكانيات، منها تحقيق:
1- مفهوم الدولة الوطنية القانونية: وسيادتها الفعلية من خلال نجاح مخططاتها، فإذا فشلت كان ذلك من تقصيرها.
2- استثمار علاقة الوطن العربي الحسنة الإيجابية بالمحيط الإقليمي والعالم، وتوسيع مساحة التفاهمات على قاعدة المصالح المشتركة.
3- وجود نماذج تنموية ناجحة في محيطه والعالم، يمهد له الطريق للدخول في حلبة التنافسية العالمية.
4- يمتلك بعد جغرافي إيديولوجي متقدم في دولة باكستان وتركيا وماليزيا وإيران وأندونيسيا وغيرها، في الصناعة والسلاح والنووي، والبحوث والإدارة والتطوير، ولا يحتاج إلى البدء من الصفر، شرط توفر الإرادة.
السياسات: هي قيود على المشاريع النهضوية من الانزلاق أو الانحراف عن المسار الصحيح للنجاح أو الوصول إلى الهدف بأقل تكلفة وأقصر زمن وأفضل المواصفات، من خلال موازنة السياسة الداخلية والخارجية الناجعة.
الانطلاق والتنفيذ: أساسه الإنسان وإرادته، لأنه أداة النجاح الحقيقية، قبل الخطط والبرامج، ولهذا تنمية الإنسان العربي روحاً وجسداً وعقلاً هو المتطلب الرئيس من متطلبات النجاح والنهضة، وتجارب الأمم الناهضة اليوم تؤكد ذلك، والقيم العليا للاستثمار اليوم هو الوقت (الزمن) والإنسان (العلم) والإنجاز (المشروع)، في سباق الجودة والتحسين المستمر.
الخاتمة: تحركت المياه الراكدة في ثورات ربيع الشباب العربي معلنة سريان روح جديدة في نبض الأمة، يصدع ويصدح بالعزة والكرامة لكسر قيود التخلف وأسوار اليأس، وهذا الكتاب يضع مفاتيح التحرك الممكن في أيديهم وأذهانهم حينما يكون أحدهم في موقع القرار الشخصي أو المجتمعي أو العام.
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(10): خلاصة كتاب " الفكر المقاصدي" ل د. الريسوني
تقديم: عالمنا العربي اليوم يشهد تجاذب وتفاعل واستقطاب بين الفكر الإسلامي، والغربي الحداثي، لكن الإسلام وهو في عمومه لا زال قديماً لم يتجدد، لكنه عصي على الاقتلاع، حتى أنه كلما ازداد الضغط لاقتلاعه، تشبثت به الأجيال، المثقفة وغير المثقفة، لأن فيه من الحيوية وقابلية الانبعاث من جديد ما لا يمكن لأحد إنكاره، لكن لا ينبغي لأهله التدافع في معركة القديم والحديث منه وفيه، وإنما ينبغي التركيز على التكامل والتوازن، بين الأصالة والحداثة، والتجديد والتقليد، بين المحافظة والمراجعة، ولا ينبغي أن يكون الهدف من ذلك منتصر ومهزوم، بقدر ما يكون الهدف التعاون وأن يحسن كل من الصيغتين صيغته، لتكون منطلقاً للتقدم، وليس عصا في عجلة العربة، وكلما اتسعت مساحة القبول في إطار المحافظين والمجددين، كلما كان ذلك لصالح الإسلام، طالما أن هدي الكتاب والسنة مرجعية الجميع، وشجع على ذلك توجه إحياء كتب المقاصد الشرعية، بل أصبحت مادة دراسية في كثير من الجامعات، ولهذا لبيت نداء من طلب مني أن أكتب في هذا الباب، لصالح الإسلام والأجيال.
الفصل الأول: المقاصد والفكر المقاصدي
مقاصد الشريعة معناها ومبناها: الشريعة جملة أحكام الإسلام العملية، من القرآن والسنة، يضاف إليها العقيدة، وتتميز الشريعة بأنها:
1- القانون ينظم علاقات الناس أفراداً وجماعات، والشريعة تزيد على هذا تنظيم العلاقة بين الإنسان وربه في العبادات، وبينه وبين نفسه، والعلاقات مع الناس يدخل فيها جانب العلاقة مع الله، ومع نفسه تضبط له سلوكه بين الحرام والحلال والاعتدال، وهذه لا مثيل لها في القانون.
2- القانون وضع لفض المنازعات، والشريعة وضعت لتحسين المعاملات والعلاقات والآداب.
3- الأمر والنهي يشترك فيه القانون والشريعة، وتزيد هذه الأمر الندبي والاستحبابي والنهي المخفف (الكراهة) والاجتناب الطوعي، ولهذا كانت مقاصد الشريعة أوسع بكثير من مقاصد القانون.
معنى مقاصد الشريعة: الغايات المستهدفة، والفوائد المرجوة، لمصلحة العباد، ومراد الله من تكليف عباده.
مقاصد إجمالية ومقاصد تفصيلية: المقاصد الكلية للشريعة عامة، (أن يتحقق مراد الله في عباده، طاعة له تعالى)، ومن خلال ذلك مقاصد جزئية للأحكام التفصيلية، خاصة بكل حكم، وبعضها وسط بين الكلي والجزئي، يمثل مجموعة من الأحكام، قال الشاطبي: " المقصد الشرعي من الشريعة، إخراج المكلف من داعية هواه، حتى يكون عبدا لله اختياراً، كما هو عبد لله اضطراراً" فهذا مقصد عام كلي، أما أمر النبي الخاطب النظر إلى المخطوبة للزواج، مقصده جزئي، تحقيق دوام المودة واستقرار الزواج بعد العقد، ومقصود الأذان إعلام أهل المحلة والقرية بدخول وقت الصلاة، والنداء إليها، وكل نوع من المعاملات يختص بمقاصد تناسبه.
مقاصد البعثة النبوية: كما هي كل بعثة، هداية الخلق إلى طاعة خالقهم وعبادته، وكذلك تعليم الناس وإرشادهم وتزكية نفوسهم، وكذلك للرحمة بهم من خلال هدايتهم، ودلالتهم على جلب المصالح ودفع المفاسد أو تقليلها، في المعاش والمعاد، ولتحقيق العدالة بين الناس والأخوة الدينية والإنسانية، قال تعالى: ( يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، (المقاصد: ) يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم، والأغلال التي كانت عليهم ) و (ليقوم الناس بالقسط)24/ الحديد، قال ابن القيم: " إن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسفر صبحه بأي طريق، فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره" (أعلام الموقعين: 4/373)،
الشريعة معللة بجلب المصالح ودرء المفاسد: قال الشاطبي: " وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً" وقال ابن عبد السلام: " لو تتبعنا مقاصد ما في الكتاب والسنة لعلمنا أن الله أمر بكل خير دِقِّه وجِلِّه، وزجر عن كل شر دقه وجله، وأجمع آية في ذلك: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) والألف واللام فيهما للعموم والاستغراق.
أنواع المصالح ومراتبها: قال القرضاوي: " إن المصلحة الشرعية هي التي تسع الدنيا والآخرة، وتوازن بين الفرد والمجتمع، والمصلحة الخاصة، والإنسانية عامة، وتشمل مصالح الأجيال" وحديث: " لنفسك عليك حقا، ولجسدك عليك حقاً....فأعط كل ذي حق حقه" وهي ليست في منزلة واحدة من الأهمية:
المصالح الضرورية: هي التي لا يستغني عن تلبيتها الإنسان، وإلا فسدت حياته وصار إلى الضنك، أو الهلاك.
المصالح الحاجية: بتلبيتها تستقيم الحياة ويتحقق التيسير فيها، ورفع الحرج والمشقة، وإن لم تتعلق بها الحياة.
المصالح التحسينية: تحقق الحسن والجمال والكمال في حياة الإنسان، وتقوم بتجميل النوعين السابقين وخدمتهما.
الضرورات الخمس: وهي الكليات التي شرع الإسلام عقوبات الحدود على انتهاك حق الفرد في الحفاظ له عليها واحترامها، حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، والملاحظ في العقوبات على انتهاكها، أنها قليلة، وحاسمة، وذلك لأنها تمس أركان المجتمع المسلم، وما ينضوي تحتها من مقاصد بالآلاف ترك التشريع لرعايته لاجتهاد الفقهاء فيما يسمى بالتعزير، وهذه العقوبات على الضرورات شديدة للردع، لأنها تتعلق بما يشبه الحياة أو الموت، في حياة المسلم، قال الفيلسوف أبو الحسن العامري (ت: 381هـ) المزاجر هي: مزجرة قتل النفس: كالقود والدية، ومزجرة أخذ المال، كالقطع والصلب، ومزجرة هتك الستر: كالجلد وارجم، ومزجرة ثلب العرض: كالجلد مع التفسيق، ومزجرة خلع البيضة، كالقتل عن الردة، (الإعلام بمناقب الإسلام: 125).
مقاصد عامة أخرى: يراها الشاطبي في: ضبط سلوك المكلف عن أن يكون من هواه كالبهيمة، ويراها ابن عاشور: حفظ نظام الأمة واستدامة صلاح النوع الإنساني فيها، وصلاح الطبيعة التي بين يديه" ويراها علال الفاسي: أن المقصد عمارة الأرض، وحفظ نظام التعايش فيها، لقيامهم بما يكلفوا به، على مقتضى العقل والعدل والاستقامة لنفع الجميع، ويراها القرضاوي: في تحقيق الكفاية والأمن، والتكافل والحرية والكرامة.
معنى الفكر المقاصدي: الفكر الذي يبحث عن حكمة وغاية الحكم، وقصده الذي يبتغيه من التكليف، وربما يعم الحياة بأسرها الاجتماعية والعلمية، فيفسر الأحكام وربما التصرفات. ويفهم نصوص الشريعة ويفقه أحكامها.
الفصل الثاني: قواعد الفكر المقاصدي
- المقصود بقواعد الفكر المقاصدي: الفكر المقاصدي ليس حصيلة معرفية، وإنما هو نمطاً في فهم الأمور، ومنهجاً في النظر والتفكير، وليكون هذا النوع من الفكر علمياً، لا بد له من مبادئ وقواعد تؤطره، وتضبط هذا النوع من التفكير المقاصدي.
القاعدة الأولى: كل ما في الشريعة معلل، وله مقصوده ومصلحته: كل ما خلقه الله، له حكمة وغاية، عرف ذلك أم لم يعرف، وكذلك في كل ما شرع، من أمر أو نهي، وما أحله وما حرمه، وكل تصرفات العقلاء، وراءها مقاصد، ومقاصد معقولة، صحيحة أو غير صحيحة، قال تعالى: (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) 2/الفرقان، وأن كل ما شرعه الله علينا له مقصوده ومصلحته، في الفعل أو الترك، الأمر أو النهي، ولأن الله حكيم وهذا من صفات كماله، فلا يصدر عنه ما يعارض أو يناقض حكمته، وهذا ما أكده ابن القيم: " ليس في الشريعة حكم واحد إلا وله معنى وحكمة، يعقله من عقله، ويخفى على من خفي عليه" (أعلام الموقعين: 2/86)، ولهذا أجد أن جميع أحكام الشريعة معللة بمقاصدها ومصالحها. 2- خفاء الحكمة والمقصد على البعض لا يمنع انقداحهما وانكشافهما لآخرين. 3- البحث في الحكم والمقاصد الخفية أو المختلف فيها لا يتوقف، بل لابد أن يستمر ويتقدم.
- هل في الشريعة ما لا يعلل ولا يعقل؟ وقد قسم الفقهاء الأحكام إلى العبادات وهي في الأصل لا تعلل، ومعاملات هي في الأصل معللة بالمعاني والمصالح، وفي كلا الأمرين من العبادات والمعاملات استثناءات في التعليل أو عدم التعليل، مع التأكيد على أن رسالة الإسلام رحمة كلها، ومصلحة كلها وعدل كلها، وهذا يشمل كل ما فيها من تشريعات وأحكام، والعبادات معللة في الجملة ومعقولة المعنى والمصلحة، قال ابن القيم: " وبالجملة فللشارع في أحكام العبادات أسرار لا تهتدي العقول إلى إدراكها على وجه التفصيل، وإن أدركتها جملة" (أعلام الموقعين: 2/107)، وخفاء حكمة العبادات لا ينفي وجودها، وقد ذكر الله لنا مصلحتين عظيمتين في الصلاة: تنهى عن الفحشاء والمنكر، والثانية: إقامتها لذكره، وهذا يحقق مصلحة الطمأنينة والسعادة والرضا.
والزكاة مصالحها المتنوعة يعرفها الخاصة والعامة، الصغير والكبير، ومقاصد الصوم لا تخفى، وذكر منها في القرآن: (لعلكم تتقون)، و(الصيام جنة) وحذف متعلق جنة، لتعميم تكثير المتعلقات الصالحة بالمقام، وأما فريضة الحج، فهي منجم لا يحصى من المصالح الدينية والدنيوية، وهذا كله ينفي نفي المقاصد عن العبادات، فيجعلها معللة بمقاصد كثيرة، وقد لا تنتهي، مثل للمعاملات من مقاصد كذلك.
ولهذا علل ابن بابويه القمي عن الفضل بن شاذان: الوضوء وغسل الأعضاء الظاهرة، وقد عللها ابن القيم كذلك، وإن كان بعضها مجرد اجتهاد، ومع ذلك فإن المقصد الكلي يكفي عن التفصيل، إلا أن يتقدم العلم والراسخون فيه بما يكشف ما خفي منه، مما له الأصل القاعدي الذي يستند عليه، وهذا ما فعله الشاطبي والكاساني، ومع ذلك لا يمكن استيعاب تعليل كل الأحكام وكل العبادات، ويرى الشيخ الشهيد محمد بن عبد الكبير الكتاني أن " قول أهل الفروع: هذا تعبدي، هو عجز منهم عن بيان الحكمة والسر، والشرع كله مكشوف لأهل العلم باللهن ليس عندهم فيه شيء غير معقول المعنى" (ترجمة الشيخ محمد الكتاني الشهيد)، ومقصد الضبط والحسم تتيح رفع الحرج والاضطراب عن حدود الأحكام والجزئيات التعبدية، كما أن الإشارة الحمراء وضعت للتوقف، لإتاحة الفرصة للآخرين بالعبور، وعدم الاصطدام.
قال الشاطبي: " وأما العاديات وكثير من العبادات، فلها معنى مفهوم، وهو ضبط وجوه المصالح، وهو أقرب إلى الانقياد ما وجد إليه سبيل، ومنها مقادير الحدود، والعقوبات، ونصاب الزكاة، والحول"، لما يتيحه ذلك من انتظام ويسر ووضوح في التكاليف، الدينية والدنيوية، وقد يوكل تحديد مثل هذه الأمور في حال غياب نص شرعي، إلى جهة مختصة خبيرة وبصيرة، فيحصل المقصود، وهذا منتهى المعقولية والمصلحة.
القاعدة الثانية: لا تقصيد إلا بدليل: لأن نسبة مقصد إلى الشرع والشارع هو قول على الله بغير علم ولا حق، لأن العلم – أي علم – يقوم على الدليل والبرهان، وفي الشرع والشريعة تزداد المسؤولية في الأمانة العلمية، والعلماء المقاصديون يستخدمون أكثر من طريقة لاكتشاف المقصد، لغة وشرعاً وعقلاً وحساً، والمهم أن لا يكون بالرأي المرسل ولا الهوى والتخمين، وهذه بعض القواعد المتبعة للكشف عن المقاصد الشرعية:
1- لسان العرب: هو المترجم عن مقاصد الشارع: وهذا ما قاله الشاطبي، لأن دلالة لغة العرب، هي دلالة القرآن الذي نزل بلغتهم، والسنة التي هي عربية فصحى، وأول من لحظ ذلك الإمام الشافعي، ولذا قال الإمام الغزالي: " واللفظ إما أن يدل على الحكم بصيغته ومنظومه، أو بفحواه ومفهومه، أو بمعناه ومعقوله" (المستصفى: 180)، قال ابن القيم: " الواجب فيما علق عليه الشارع الأحكام من الألفاظ، أن لا يُتجاوز بألفاظها معانيها، ولا يُقْصَر بها، ويُعطى اللفظ حقه، والمعنى حقه" (أعلام الموقعين: 1/225)، وهنا ينبغي أن نعرف خطأ الاتجاهين: الظاهري الذي لا يتجاوز ظاهر الألفاظ والنصوص، والاتجاه التأويلي المسرف، المتجاوز للغة وحدودها، وفي الأمرين غلو مذموم.
2- مسالك التعليل: من مباحث القياس، التي تحدد علة الحكم ومقصوده، لتقيس عليه في حال توفرها في المقيس والمقاس عليه، وهذه بعض الطرق لمعرفتها: 1- الإجماع: الذي يقر به الفقهاء ويتفقوا على أن الصغر علة الولاية على الصغير، 2- النص: الذي يصرح بها مباشرة، 3- الإيماء والتنبيه: من خلال فهم السياق. 4- المناسبة: أن تكون مصلحة حكم أو أمر واضحة بالعقل دون مجهود، وإن لم ينص على أنها علة، كما في الأمر بالفضائل، والنهي عن الرذائل، يفهم حكمتها كل إنسان، 4- الاستقراء: تتبع المعاني والدلالات قال الشاطبي: " والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد" (الموافقات: 2/6) واعتبره ابن عاشور هو الطريق الأول والأهم لإثبات المقاصد، واستخلاصها
القاعدة الثالثة: ترتيب المصالح والمفاسد: وهذا ميزة الفكر المقاصدي، لأنه يقوم على تفسير الأولويات والتراتبية في الأحكام والأغراض، وهذا واضح في الكليات الخمس، وهذا يدفعنا أن نبحث في ترتيب الوسائل كذلك، وهذا واضح كذلك في مسألة التفاضل والتفاوت بين المصالح والمفاسد، وهي سمة كونية ومظهر إبداع في الحياة، حتى الأنبياء ليسوا بدرجة واحدة في العزم والمسؤولية، كما أن آيات القرآن فيها تفضيل بعضها على بعض، وكذلك الفرائض والنوافل، وحتى الذنوب بينها تفاضل منها ما هو كبائر وصغائر، يقول ابن عبد السلام في قواعد الأحكام، والقرافي في الفروق، " المصالح والمفاسد في رتب متفاوتة، وعلى رتب المصالح تترتب الفضائل في الدنيا، والأجور في العقبى، وعلى رتب المفاسد تترتب الصغائر والكبائر وعقوبات الدنيا والآخرة" (قواعد الأحكام: 1/24)، قال تعالى: (وكره إليكم الكفر، والفسوق، والعصيان) 7/الحجرات، فجعل الله المعصية ثلاث: كفر – وكبيرة – وصغيرة ، وبعضهم قال: الذنب معصية، كبيرة كانت أو صغيرة سواء، وهذا غير سليم، ولهذا بين النبي ص السبع الموبقات، وأكبر الكبائر، ولهذا كانت الأحكام الخمس: (الواجب - المستحب – المباح - الحرام – المكروه ) ، ولذا قيل: ليس العاقل الذي يميز بين الخير والشر، وإنما العاقل من يميز خير الخيرين، وشر الشرين، أي يميز ما فيه مصلحة مما فيه مصلحة أكثر، وما فيه مفسدة مما فيه مفسدة أكثر، فهذا هو منتهى التعقل والرشد، وهو ما جاءت به الشريعة وأرشدت إليه.
القاعدة الرابعة: التمييز بين المقاصد والوسائل: الوسيلة ما يطلب ويتخذ ويستعمل لا لذاته وإنما لتحصيل غيره، فهي شيء أو فعل يتوسل به إلى بلوغ المقصود، فالشرع يأمر بشيء أو ينهى عنه، لأنه هو نفسه مصلحة أو مفسدة، وهو المقصود بالأمر والنهي، وقد يأمر بشيء أو ينهى عنه، لأنه وسيلة للوصول إلى المقصود، أو وسيلة لاجتناب شيء يقود ويفضي إلى ما يقصد الشرع منعه واجتنابه، وهذا نجده في قوله تعالى: ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) 9/الجمعة، فالسعي وسيلة للوصول إلى المسجد، وترك البيع لأنه وسيلة مفضية إلى تأخير أو ضياع صلاة الجمعة، قال الشهاب القرافي: " وموارد الأحكام على قسمين: مقاصد، وهي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها، ووسائل وهي الطرق المفضية إليها" (الفروق: 2/33)، وقد تكون وسيلة هي وسيلة إلى وسيلة، كتعليم أحكام الشرع، فإنه وسيلة إلى العلم بالأحكام، التي هي وسيلة إلى إقامة الطاعات، التي هي وسيلة إلى المثوبة والرضوان، وكلاهما من أعظم المقاصد" (قواعد الأحكام: 1/105)، وبعض الوسائل تكون مقاصد وسيطة، وهي الوسيلة إلى وسيلة أخرى.
علاقة الوسائل بالمقاصد: يقول ابن القيم: " لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، ولهذا فوسائل المحرمات ممنوعة كمنع مقصودها، ووسائل الطاعات مطلوبة كطلب مقصودها، وهو الطاعة، فالوسيلة تكتسب حكمها ومكانتها من مقصودها، ولهذا قال العلماء: " للوسائل حكم المقاصد" ولهذا كانت رتبة الوسائل دون رتبة المقاصد، لأنها لا تطلب ولا تمنع لذاتها، وإنما من أجل مقصودها، الذي هو في الرتبة مقدم عليها، وهذا قد يدفعنا إلى أن بعض الوسائل يمكن تغييرها لحصول المقصود الأهم في المقام الأول، وهذا يتضح تماماً في سيلة ومقصد زكاة الفطر، قال ابن عباس هي: " طهرة للصائم، وطعمة للمساكين" قال الشوكاني: " المقصود من الفطرة، إغناء الفقراء في ذلك اليوم" ذكره رسول الله بالنص، عن ابن عمر، والإغناء بتحقيق الكفاية، وهذا دفع الفقهاء إلى جواز دفع القيمة، ومن ذلك شرع المهر وسيلة للرضا وبيان الجد في الطلب، ولهذا كان المهر بصور كثيرة جداً لأنه ليس مقصوداً لذاته، فجاز بخاتم من حديد، إذا لم يتيسر غيره، وكذا تحفيظ سور من القرآن، وكذا أعداد وسائل القوة المتعددة لإرهاب العدو وإخافته، وهو المقصود من الإعداد وهنا تكون القوة من المقاصد الوسيطة، لتحقيق هيبة الأمة ومنعتها، وإرهاب العدو، وهذا ما بينه ابن القيم: " أن الاستجمار بالأحجار وسيلة، وأن الخرق والقطن أولى منها، وكذلك النص على إحدى غسلات ما ولغ الكلب فيه التراب، فإن الأشنان أولى منه" وهذا ما أكده القرضاوي: " من أسباب الخلط والزلل في فهم السنة: أن البعض خلط بين المقاصد والأهداف الثابتة التي تسعى السنة لتطبيقها، وبين الوسائل الآنية والبيئية التي تعينها أحياناً للوصول إلى الهدف المنشود، لأن الوسائل قد تتغير بتغير البيئة أو العصر أو العرف، أو غير ذلك من المؤثرات" (كيف نتعامل مع السنة: 139).
الفصل الثالث: فوائد المقاصد
المقاصد قبلة المجتهدين: عبارة أطلقها الإمام الغزالي، نقلها عنه السيوطي في كتاب (حقيقة القولين): وقال: " من توجه إلى جهة منها أصاب الحق" (الرد على من أخلد إلى الأرض: 182)، والفرق بين العالم ووعاء العلم، هو معرفة أسرار الأعمال والأقوال، قال ابن القيم: " وقد كانت الصحابة أفهم الأمة لمراد نبيها وأتبع له، وإنما كانوا يدندنون حول معرفة مراده ومقصوده" (أعلام الموقعين: 1/219)، وأول مجال مقاصدي في الشريعة، هو مجال فهم النصوص وتفسيرها، قرآناً وسنة، من خلال ثلاثة اتجاهات: 1- الاتجاه المقاصدي: أن صاحب النص له مقاصد محددة يريد تبليغها للمخاطب، وعلينا الوقوف عندها تماماً. 2- الاتجاه اللفظي: التعامل مع البنية اللغوية لظاهر النص دون التفات إلى قصد المتكلم وما رامه منه، وهذا أسلوب المذهب الظاهري، 3- الاتجاه التقويلي : هو تحميل النص معاني بمحض الرأي على أنها مراد القائل دون دليل سوى التخيل، وذلك من خلال التأويل المسرف، مع أن التأويل الحقيقي له قواعده وضوابطه، وهو من صلب التفكير المقاصدي الذي نتحدث عنه، لهذا قال ابن القيم: " الألفاظ ليست تعبدية، والعارف يقول: ماذا أراد، واللفظي يقول: ماذا قال؟" (أعلام الموقعين: 1/119)، وهذا يفيد المجتهد المصلحي المقاصدي، أن يبحث عن أحكام للحالات والنازلات التي ليس فيها نص خاص، فيكون التعويل على التقدير المصلحي، ومن يدرك أولوياتها ومراتبها والترجيح بينها حال التزاحم والتعارض، وذكر علال الفاسي، أهمية فكرة العدالة في الفكر المقاصدي، تستلهم في مستجدات النوازل والمشكلات، وأنها من صميم الشرع وليست من خارجه.
المقاصد منهج فكر ونظر: وليس مقصوراً على الاجتهاد والفقهاء، فإذا استخدم علماء القرون السابقة علم الكلام للدعاية والمنافحة عن الإسلام، فإن الفكر المقاصدي اليوم يمكنه أن يقوم بدور أكبر مما قام به علم الكلام سابقاً، لسبب بسيط هو أنه لب الشريعة، وفحوى خطابها في الأمر والنهي، وهو يفيد المفكرين جداً، لأنه يوجه بوصلة تفكيرهم نحو جدوى القضايا المطروحة، والمشكلات الحالية، بحيث لا يخرجوا عن الموضوع في متاهات لا تسمن ولا تغني من جوع، وهذا ما نجده في أعظم خطاب على وجه الأرض، وهو الخطاب الرباني من خلال القرآن، يعلمنا هذا النوع من التفكير في ثنايا الآيات القرآنية وعبر القصص التي يرويها لنا بشكل مقاصدي، لأنه يؤكد على ان لا شيء في القرآن، إلا وله حكمته ومقصده وغرضه وفهمه وإرشاده، في التحريم وفي التحليل وفي التأديب وقي الوعد وفي الوعيد، وراء كل ذلك مقاصد رفيعة سامية، وحين يطرح المفكر رؤيته لقضية ما لا بد أن يستحضر المقاصد الشرعية من وراء طروحاته، سلباً أو إيجاباً، وغياب تحديد هذه المقاصد، ووضعها في الحسبان يوقع المفكر في أخطاء قاتلة، كمن يحذر من جنون البقر، ويتناسى ما يتعرض له الناس من جنون البشر، وكمن يدافع عن حرية الفرد، ويتناسى حرية شعب وأمة ووطن، والذين يتحمسون للأوطان ويتناسون حرمة الأديان، علماً أن البشرية بدون الدين لا تعدوا عن كونها حيوانات متطورة، كل هذه الأمور وموازناتها يحققه الفكر المقاصدي، وما يقوم عليه من تراتيب، واستقراء، ومفاضلة، وهذا يجعل عقل المسلم استقرائي علمي، يجمع بين الجزئيات والكليات بتناسق وانسجام، وهذا يحقق للفكر والمفكر خصلتي المرونة والثبات.
فتح الذرائع وسدها: الذريعة هي وسيلة إلى أمر ما، مشروع أو غير مشروع، وهنا تكون الذريعة المباحة ممنوعة إذا أفضت إلى مقصد غير مشروع، وسد الذريعة لأنها تفضي إلى أمر غير مشروع، أو مكروه، وهنا يكون النظر أولاً على الغاية أو المقصد من الوسيلة، لأن ذلك ينعكس على الذريعة بالمنع أو بالسماح، ومن أشهر القواعد التي تضبط هذه المسألة وتتعلق بها:
1- ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب: " الوسيلة إلى المفروض مفروض" الكاساني، مع انها قبل ذلك ليست واجبة.
2- ما أدى إلى فساد غالب الظن فاسد: مثل زواج المسؤول رفيع المستوى بكتابية خوف التأثير عليه وفشو الأسرار.
قال الشاطبي: " من عادة الشرع أنه إذا نهى عن شيء وشدد فيه، منع ما حواليه وما داربه ورتع حول حماه".
3- الخمر لا تمنع عن الكتابيين في بلاد الإسلام لأن تحريمها تعبدي عندنا، ولا إكراه في الدين: لكن إذا أدت هذه الإباحة لهم، بوصولها إلى أيدي المسلمين تحت هذه الذريعة، فلا يسمح بها، يقول ابن القيم: " لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها، معتبرة بها، فالوسائل المفضية إلى محرمات محرمة.
اعتبار مقاصد المكلفين
مقاصد الأقوال والأفعال تقود المقاصديين إلى التعرف على مقاصد المكلفين، وهذا ما حمل الشاطبي على قسمتها إلى قسمين: مقاصد الشارع، ومقاصد المكلف، وافتتحها بحديث: " إن الأعمال بالنيات" والمقاصد معتبرة، في العمل عادة، وفي العمل بنية العبادة، مع أن الوسيلة واحدة، مثل السجود لله عبادة، وللصنم كفر، والناس ليسوا بهذا الوعي في قضية تحديد مقاصدهم من أعمالهم، فاختلف الفقهاء في مراعاة تأثير النيات على الأفعال، مع أن الأصل أن تكون مقاصد العباد مطابقة لمقاصد الشارع فيها، ليتم لهم الأجر والثواب، وهذا ما يجعل كلمة الكفر غير المقصودة لا تعتبر كفراً لأن المقصد غاب عن مطابقة الوسيلة، كما في حديث: " أنت عبدي وانا ربك، أخطأ من شدة الفرح" ولهذا جاءت قاعدة: " الأمور بمقاصدها" .
المقاصد تزيل الكلل وتسدد العمل
والفرق بين الإنسان المقاصدي وغيره، ان غير المقاصدي يقدم على عمل، وهو لا يدري لماذا هذا العمل دون غيره، ولا يعرف النتائج التي يسعى إلي بلوغها، والفوائد التي يجنيها منه، ولا يدري قيمة ما هو فيه، وما جدوى ما هو بصدده، وقد يمل منه أو يعتاد عليه، وقد يتقوى بثقته فيمن كلفه به.
بينما يكون أقوى وأنشط حين يعرف بالتفصيل مقاصد ما يقوم به من اعمال، وفوائدها، وإذا كانت الرؤية تستند إلى علم راسخ، وفهم صائب، ونية حسنة، يكون الاتقان فيه والاطمئنان أكبر، ولهذا جاءت الآحكام الشرعية في القرآن معللة في حال الأمر وحال النهي، وهذا ما يجعلها مرغوبة ومحبوبة معاً.
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلـم يفعل الأمر نفسه، حين يأمر وحين ينهى، في مثال: " الصلوات الخمس والنهر على باب أحدكم" وكذا لما أمر الأئمة بتخفيف صلاتهم، وأن خلفهم الضعيف والسقيم والكبير وذا الحاجة،
فذكر العلل والمقاصد مع الأحكام تفقيه للناس وأسلوب تحفيز وحض على الالتزام والاقتناع، قال ابن عاشور: " وفي الإعلام بالعلة تنشيط للمأمور بالفعل على الامتثال إذ يصير عالماً بالحكمة" ( تفسير التحرير والتنوير: 14/278)، وتساعد على حسن التطبيق، وغياب هذه الأمور عن ثقافة المسلمين اليوم هو أحد أسباب ضعف امتثالهم في تطبيقها، ولو عرفوا المقاصد الشرعية من الأمر بنظافة أفنيتهم وطرقهم، لكانوا آية في النظافة بكل معنى الكلمة، وضعف معرفة مقاصد الشارع من عباداتهم، هو الذي يجعل تطبيقها لها بأقل درجة من التأثير في تغيير ما في نفوسهم، وبأقل درجة من الاستفادة من مسمى إسلامهم، حتى قال برنادشو: " الإسلام أعظم دين، والمسلمون أسوء أتباع".
ويعلق القرضاوي على وصية رسول الله بلعق الإناء وتناول اللقمة الواقعة، أنه التواضع واحترام النعمة وتقديرها، لئلا يكون التبذير والاحتقار لمثل هذه الأمور كبراً يحطم النفس، فهو تربية أخلاقية ونفسية واقتصادية.
المقاصد في خدمة الدعوة
الدعوة على بصيرة: قال تعالى: ( قل هذه سبيلي أدعو غلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) 108/يوسف، بصيرا بالزمان وأهله وقضاياه، ونوع الخطاب والبيئة والوسائل والأساليب المجدية، أو المعيقة، وقبل ذلك أن يكون الداعية بصيراً بدينه ولا تتحقق إلا بمعرفة مقاصده في عقائده وأحكامه وآدابه، قال شاه ولي الله الدهلوي: " وأولى العلوم الشرعية – عن آخرها فيما أرى – وأعلاها منزلة وأعظمها مقداراً، هو علم أسرار الدين، الباحث عن حجج الأحكام ولَمِّياتها وأسرار خواص الأعمال ونكاتها، فهو والله أحق العلوم، بأن يصرف فيه من طاقة نفائس الأوقات، ويتخذه عدة لمعاده بعدما فرض عليه من الطاعات؛ إذ به يصير الإنسان على بصيرة فيما جاء به الشرع" (حجة الله البالغة: 1/21)، قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) 125/النحل، وهذا يقتضي معرفة حكمة الشرع الحنيف، فيما جاء به من الأحكام والتكاليف، وهي المقاصد، وبيان علل الأمور، والمصالح والمفاسد، ونحن أحوج إلى هذا اليوم، لأن عصرنا اليوم فيه منافسة مع الأديان والأفكار والمذاهب بسبب العولمة وسهولة التواصل الاجتماعي والإنساني، فأضحت المعركة حامية الوطيس، وهذا ما التزم به داعية الفقهاء وفقيه الدعاة الشيخ القرضاوي، وأنا فعلت كذلك لأنه: طريقة القرآن والسنة، ولأن المشككين كثر، وأغلب الناس لا يقبلون دعوة دون فهم واقتناع، خاصة فيما هو ليس تعبداً محضاً، وهذه الطريقة تزيل الريبة من المرتاب، وتزيد المؤمن إيماناً.
العقائد والمقاصد: إذا كان الدعاة اليوم يسعون إلى إخراج المسلمين من التدين الجاهل الخامل، إلى التدين الواعي الفاعل، فالمنهج المقاصدي يحقق لهم هذا الهدف، حتى في الجانب العقائدي، الذي هيمن عليه التأثير الكلامي الجاف القديم، الذي خيم عليه الفكر الفلسفي والنزعات المذهبية، دون مراعاة الجانب المقاصدي، فأفقد العقيدة وهجها وبريقها الذي كان عليه السلف الأول، وامتدت هذه السلبية إلى الفقه والتفسير وعلم الأصول، وعقائد الإسلام ليست مادة للتباري والمزايدات، بل هي عقيدة تؤدي إلى معرفة الله كما عرفنا بنفسه، وتعظيمه، وتنزيهه، ومحبته، وطاعته، وما جاوز ذلك من التعمق لا طائل عملي من ورائه.
التوسع والتجديد في الوسائل: رسول الله استخدم كل ما أمكنه في عصره من وسائل مباحة لتحقيق أغراضه في نشر دعوته وإقامة دولة ومجتمع إسلاميين، هذه الوسائل ليست توقيفية، لأنها تأخذ مشروعيتها من مشروعية المقاصد الثابتة، وعليه يجب على مسلمي اليوم أن يستخدموا من الوسائل المباحة ما يحقق هذه المقاصد بأساليب جديدة مناسبة لعصرنا والظروف المحيطة، واليوم مع غياب الشورى الإسلامية، فإن أقرب ما يكون إليها للدخول في متطلبات العصر واستخدام أدواته في الدعوة والدعاية والمكانة والسيادة هي الديمقراطية،1- على صعيد الدولة والمجتمع. 2- على الصعيد التنظيمي الداخلي.
وكل ما يمكن الاعتراض عليه في الديمقراطية وأدواتها يمكننا أن نقول هي وسيلة وليست الهدف، والوسائل تقبل التغيير والتبديل والتركيب، لتلبي حاجات المقاصد منها، وهذا محدود بقدرات وكياسة من يستخدمها ويطبقها، والشورى نفسها وسيلة ويمكن التلاعب بها بنفس اساليب التلاعب بالديمقراطية، ولهذا من يحتاج إلى الشورى او الديمقراطية، العبرة ليست في مجرد التطبيق، وإنما في روح التطبيق والمقاصد من ورائهما، وكما أن التخمين والظن لا يصلح مع الشورى، فهو كذلك لا يصلح مع الديمقراطية، ولهذا التطبيق هو الذي يدفعنا إلى الدقة في الحسابات والوضوح في المقاصد، والإتقان في الوسائل، والله من وراء القصد والسلام.
أضف رد جديد

العودة إلى ”الحوار والفكر التنويري“