Re: غياث العرب من استمرار الوهن والجرب الجزء الثاني
مرسل: الأربعاء نوفمبر 24, 2021 3:27 pm
11): تلخيص كتاب "على صهوة الكلمة" د. عبد الله النفيسي
عناية الحركات الإسلامية بالتربية، كان على حساب إهمالها الحركة الفكرية، التي تتضمن المنهج السياسي والاجتماعي للحياة المعاصرة، فجعل ثقافتها حزبية مما سارع في خسارتها الجماهير المقبلة على تأييدها، لفشل التيارات الأخرى.
مقدمة: الثقافة التربوية الحزبية الإسلامية، لا تؤهل التيارات الإسلامية لإحداث التغيير الاجتماعي المطلوب، وفوزها في الانتخابات وشعبيتها ليست دليل مؤهلات ونجاح، مثال: (فلسطين- ومصر)، وتصدر هذا التيار في عدد من البلدان، دون تحضير وإرشاد سياسي – فكري، قد يورطهم في فشل مماثل لفشل من سبقهم من التيارات الأخرى، 1950-2000م.
توطئة: المسلم المعاصر بحاجة لمنطق سياسي – فكري للتعامل مع الظواهر السياسي والفكرية التي يموج بها العالم.
البناء السياسي للحركة الإسلامية: لم يعد ممكناً تجاهل السياسة في واقعنا، لأن القرار الذي تفرضه اليوم يحدد كافة مناحي حياتنا اليومية، في نوع التعليم، ونوع الإعلام، ونوع الصحة، ونوع الطعام، ونوع البيت الذي نسكنه، وقدر الدخل الذي نحصله، ومن الجهل إنكار هذه الحقيقة.
فما تصدره مطابعنا اليوم من كتب إسلامية تركز على العبادة والتعبد أكثر من غيرها من مواضيع الحياة، هي التي تبين مقدار التوازن أو الخلل الحاصل في أذهاننا وعقولنا، فغياب التأصيل السياسي لقضية الحرية والنظام السياسي المطلوب، والتعامل مع الآخر، يشكل عقبة أمام النهضة المطلوبة.
حضارة بلا معنى ولا مذاق ولا هدف: هي حضارة الغرب، (توفلر)، لأن الحياة المتكاملة للفرد، تحتاج منه: 1- الشعور بالانتماء، 2- وضوح المعايير. 3- تحديد معنى الحياة ومآلها. ولهذا لا وجود لهذه الأمور في الحياة الغربية، لأن صراعها مع الماركسية حاربت الانتماء الجماعي، (بالفردية)، وانعكس على المقاييس الفردية فجعلها نسبية (مصلحية)، فأنتجت حياةً بلا هدف.
يدل عليها الأفلام الغربية التي تؤكد على الجنس، والعنف، والشذوذ، والفردية، وتمجد المجرمين والقتلة، والخارج على القانون، لقد نجح الغرب مادياً، وفشل إنسانياً، واجتماعياً، بينما إسلامنا أعطانا من النظم والقيم، ما نحقق به معنى الحياة الحقيقية.
أزمة المسلم المعاصر: يواجه المسلم المعاصر تناقض بين ما يعتقده ويقرؤه في كتابه المقدس، وبين ما تحكم حياته من قوانين وتدابير بعيدة كل البعد عن شريعته، فالوحدانية لله، والاتباع لغيره من البشر، حتى في حياة والديه، ومدير مدرسته، ورب أسرته، تدفعه لخيارات: 1- الانسحاب من مسرح الحياة الحقيقية، إلى مسرح ضيق منزوي في المسجد وتوابعه، لا علاقة له بعمران العالم والتأثير فيه، 2- رفض الواقع ومناهضته دون أدوات متكافئة، تحرض القوى المضادة على وأده وإنهاء وجوده. 3- خيار تحقيق الممكنات إذا سمحت النظم من خلال المشاركة المحدودة، وتذبذب الشعور النفسي بين الانتماء واللاإنتماء.
فهم الغرب وليس الذوبان فيه: كما فعلت اليابان، قال " يا سومازا كورودا الأستاذ في جامعة هاواي: " اليابان مزجت بين الروح اليابانية والتكنولوجية الغربية، لم نتقمص الغرب، بل فهمناه، لنكسب بأقل قدر من التمزق الاجتماعي" فهو بلد وثني، خزعبلاته تملأ مجلدات، والمرأة اليابانية تعتبر بمقاييس الغربيين، متخلفة اجتماعياً، وهذا هو السر الذي حفظ لليابان خصوصيته ونموذجه الذي اختار التعامل من خلاله، وهذا عكس ما يدعو إليه علمانيي العرب، بأخذ الصفقة الغربية بالجملة، دون تجزئة، والتجربة اليابانية تؤكد خطأ تجربتنا العربية في التعامل مع الغرب وخطورتها، ويشير " منير شفيق" إلى إدراك القادة الغربيين، أن تعاملهم معنا ينبغي أن يقوم على تحطيم مقوماتنا الفكرية العقدية، ليتسنى لهم السيطرة الدائمة، وهذا ما قفزت اليابان عليه وأبقت على خصوصياتها الثقافية، فحصلت على ما تريد بأقل الخسائر.
اهتمام المسلمين ببناء المساجد، أكثر من المستشفيات والمدارس: الصلاة نستطيع أن نؤديها في أي مكان، لكن تنفيذ عملية جراحية واستشفاء، لا بد له من مكان وأدوات مناسبة، وعمل الخير ببناء مستشفى أو مدرسة، أجره اليوم أكثر من أجر بناء مسجد، وإهمال المرافق العامة ناتج عن سوء فهم للإسلام، وكيفية فهم قراءة القرآن، ولقضية عمارة الأرض، كل ما ييسر حياة المسلمين فيه أجر عظيم، أول عمل بدأ به رسول الله والحرب مستعرة، هي الاستفادة من العدو في التعلم، ولو تداعى المهنيون في بلادنا لفتح مراكز تعليمية وورشات عمل، لتغيرت حياتنا الاجتماعية رأساً على عقب.
التعذيب آفة العصر: لا يمكن أن ينال المسلم حقوقه في مجتمع يُقبَل فيه قيام السلطات بتعذيب المساجين، والمعتقلين، لا بالضرب ولا بالكهرباء، ولا بأي وسيلة تحط من كرامته، مع المطالبة بحق الدفاع القانوني عن نفسه، والمحاكمات العادلة.
نحيا عصر الأزمة اليوم: أزمة المجتمع الاستهلاكي المتغرب، الذي أجدبه الحصار الثقافي الغربي، فنزع منه خلق الاكتفاء النفسي، فاتجه في استهلاكه إلى الإدمان الميسر، فلم يشبعه شيء لا مادي ولا معنوي، فأصبحت مرارة حياته هي الأزمة، وتفاعلت أربعة تيارات في مواجهتها: الإسلامي، والليبرالي، والقومي، والماركسي، التيارات الثلاث الأخيرة، عجزت عن تقديم تغيير جوهري جذري لهذه الأزمة، مع أن التحدي الأعظم للمسلم اليوم، هو التحدي الغربي الثقافي والاقتصادي والسياسي، والغرب يريد من المسلم أن يقف منه موقف التلميذ الذي لا يستطيع مجاراة أستاذه في شيء، حاجتنا إلى العدالة الاجتماعية، لا تحوجنا إلى الماركسية، وحاجتنا إلى الحرية لا تحوجنا إلى العلمانية، لأن تراثنا يكفينا للتزود بكل أنواع الطاقة والوقود في معركتنا مع أعدائنا ومشكلاتنا، شرط أن نتحرر من عقدة النقص والخواجة، إذا قرأنا التراث قراءة نقدية استثمارية صادقة.
قضية الإسلام: جزيرة نائية في المحيط الهندي سكانها لا يتعدى مائة ألف نسمة، تعلن استقلالها، وتنال مقعدها في الهيئات الدولية، وتعلن تقرير مصيرها، وترفع علمها، وتحيا كما يقرر أبناؤها في لغتهم ومعتقدهم وثقافتهم، في مقابل أكثر من مليار مسلم، ليس لهم استقلالية أن يعيشوا بدستور من صنعهم، وبثقافة من تراثهم، وتتوقف غالبية مؤسساتهم على موافقة الاستعمار المبطن، للقوانين التي تحكمهم، والثقافة التي تدرسها مدارسهم وجامعاتهم، - حتى أسماء ومصطلحات المراحل التعليمية واختبارات الجامعات والمدارس، ترجمت حرفياً من مؤسسة اليونسكو وبإشرافها – فضلاً عن طريقة إدارة المؤسسات الإعلامية والصناعية والعسكرية، والجماعات الإسلامية تحاول كسر هذا الطوق، من خلال فرع دعوي إسلامي، تنشره بين الناس، لكن ينبغي أن يدرك هؤلاء، أن التنسيق أكثر من ضروري اليوم، لأن القوى الكبرى الغربية المسيطرة اليوم، لا تستغني عن هذا التنسيق فيما بينها، فكيف بنا ونحن أحوج ما نكون إليه، سابقاً ولاحقاً، وهو من صلب ديننا الحنيف.
نحن والعمل السياسي: أهم عوامل سقوط الأمة الإسلامية، تركيز الاهتمام على الأمور النظرية في العقيدة والكلام والشعر والفقه، وإهمال الأمور العملية المتعلقة بالحكم والصناعة وعلوم التسلح، وتركوا ذلك لمن يستخدم القهر والتزوير والمداورة والنفاق، فابتعد الفضلاء عن هذه الأمور فكانت الخسارة على الأمة كبيرة جداً، فإذا كانت الحياة الفطرية هي السائدة في تاريخ أمتنا، بحيث تتحكم الشريعة والأخلاق في الناس، دون تدخل من الدولة، فاليوم الدولة تتدخل في تفاصيل حياتنا البيتية، وحتى تعليم أبنائنا في المدارس على ما يريد أصحاب الشأن، والتأثير علينا من المولد إلى الوفاة، ولهذا لا يصح الاعتزال عن صياغة حياتنا كما نريد، طبقاً لشريعة ربنا سبحانه وتعالى.
الإرشاد الثقافي والحضاري للإسلاميين: كثرت مؤخراً الكتابات الإسلامية الداعية للنهضوية، لكن كثير منها يفتقد المنهجية التحليلية المتماسكة، وتفتقد كذلك الأفق الحضاري العالمي، الداعي إلى حوار الحضارات، كما يطالب المفكر المسلم الفرنسي " رجاء غارودي" لكن لا ينبغي علينا أن نلج هذا الباب من بوابة " اعرف عدوك" أو " لتستبين سبيل المجرمين" بل من باب فهم العصر واستيعاب استثمار منجزاته الإيجابية، وعدم النكوص الرهابي في الخوف من الآخر، فنهدر طاقة استشراف المستقبل لإعادة تجديد الإسلام والدين كما أخبر المصطفى في الحديث المشهور بهذا الخصوص.
الموجة الثالثة: كتب "توفلر" كتابه " صدمة المستقبل" وأتبعه بكتاب "الموجة الثالثة" يقول في: " العالم مر بالمرحلة الأولى الزراعية، وتشكلت علاقات الناس والمجتمعات على معطياتها، ثمر مر بالمرحلة الثانية الصناعية، وتشكل العالم والعلاقات على حسب نتائجها، واليوم يمر العالم بالمرحلة الثالثة ما بعد الصناعة [ الرقمية والمعلوماتية] وهذه أصابت الناس بطاعون العزلة والوحدة والفردية والانطواء، الذي تساعد عليه السيارة، والتلفزيون، والانترنت، مما أدى إلى انتشار الأمراض النفسية والمصحات نتيجة لافتقاد الدور الاجتماعي والأسرة، فاقتنصت الجمعيات السرية المشبوهة هؤلاء الناس، فزادت من مآسيهم، وأن العالم الغربي في طريق سقوط نموذجه الإنساني، ولا نستطيع التكهن بما سيحصل في المستقبل القريب.
ضرورة غرس القناعة العامة بحقوق الإنسان: والتعذيب اليوم في السجون، سرطان الانحطاط الإنساني، كان يحدث مثله نموذجاً للمتعة السادية في مدرجات روما وبيزنطة، واليوم ليس للمتعة، وإنما لإرهاب الناس وتطويعهم للرضوخ والسكوت عن مظالم الفساد والحكام، والسيطرة على الشعوب، وأكد عدد من الحقوقيين، أن تدريس حقوق الإنسان ترسخ المطالبة بها والدفاع عنها، وطنياً وإسلامياً، لقوله تعالى: (قل أمر ربي بالقسط)29/الأعراف.
شعبية التيار الإسلامي: لا ينكرها ذو عينين، لكن هذا لا يعني أنهم خلو من الأخطاء والشوائب، التي هي بحاجة ماسة إلى مدارستها، والعمل على تلافيها عملياً وليس نظرياً فحسب، على أن يستمسكوا بالحرية السياسية من المنظور الإسلامي، وليس الغربي، وعلى العلمانيين العرب أن يدرسوا هذه الظاهرة بانفتاح، وليس عبر مسطرة اليسار العربي، بل عبر مسطرة التاريخ المشرف للجميع في منطقتنا والعالم، بإنصاف وموضوعية لاستثمار هذا التيار في تحقيق الأهداف المشتركة للطرفين، إذا حسنت النوايا، وخلصت الوطنية والانتماء التاريخي والجغرافي.
الميكانيكي والديناميكي: في رمضان تظهر تماما اهتمام عامة الناس والجماهير المسلمة من خلال أسئلتها للعلماء وإجاباتهم، بفروع الدين، والفتاوى الشخصية، والعبادات، بحيث ينبئ أن تصورهم عن الإسلام، أنه مجرد دين، وليس هو منهج عمران وحركة وحياة، بينما هو في أسئلتهم، نظام ميكانيكي: أحكام، وطقوس، ومظاهر، مع غياب شبه تام عن عمق مقاصدها الشرعية (المناط والعلل)، ولو استمر هذا الفهم المحدود له، سيأتي زمن يصاب فيه المسلم بالملل، نتيجة روتين الآليات والمفاهيم، إذا لم يطرأ عليها تجديد الفهم والتطبيق، لتحقيق العدل والترابط الاجتماعي، بالشورى السياسية وإعادة صور التكافل الاقتصادي، والاجتماعي، لتحقيق مشاريع النهوض بالإسلام، لتحقيق النهضة والعمران به، لأنه مشروع كبير لتنظيم الحياة، على ضوء تعاليم القرآن وتوجيهاته، ودور العلماء نقل الناس من الأسئلة الروتينية الميكانيكية، إلى الأسئلة الإبداعية الديناميكية، لعصرنة الإجابات والحلول والمشروع المستقبلي للإسلام.
التحليل الماركسي للتاريخ الإسلامي: عندما شعر الماركسيون بالهوة الكبيرة بينهم وبين الجماهير العربية الإسلامية، بدؤا يكتبوا عن الدين من منظورهم الماركسي، فكتب: (طيب تيزيني) "من التراث إلى الثورة" وكتب د. (عابد الجابري) " نحو رؤية تقدمية" ، وكتب (د. عبد الله العروي) " العرب والفكر التاريخي)، وكتب (د. حسين مروة) " النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" وكلها بتفسير مادي ماركسي للدين.
مع د. حسين مرّوة في كتابه: ومع أساتذته الماركسيين ماركس ولينين، فهم لا يؤمنون بوجود الله، ولا الآخرة، ولا أي غيبية دينية من جنة ونار وملائكة ورسل، وهدفهم الأكبر إشاعة الإلحاد، في أوساط الشباب المسلم، ولهذا هو والماركسيون، لا يؤمنون بالوحي الإلهي، ثم يعتبرون الإسلام مجرد صراع بين من يملك أدوات الانتاج والمال والتجارة والفقراء المحرومين، وكلا الأمرين لا يفسران شيئاً من عظمة الإسلام وقدرته على الخلود والإقناع وتغيير العالم.
إذا أنكر الماركسيون العدالة الأخروية، فإنهم بمنطوق فكرهم، أن العدالة الدنيوية لا تتحقق إلا بالشيوعية، لأن الدولة الاشتراكية هي دولة طبقية يسيطر عليها العمال، والدولة هي شكل من اشكال القهر البرجوازي، لا يتحرر الناس منها، إلا في حال اندثرت الدولة وحلت الشيوعية المشاعية، فيأخذ كلٌ ما يحتاجه، ويقدم كلٌ ما يستطيعه، في هذه الحال لا ظالم ولا مظلوم، ونحن نعلم ان النظرية سقطت وتحللت دولها، قبل الوصول إلى هذا الغرض، فمعنى ذلك ما عابوه على الآخرين، هم منغمسون فيه إلى آذانهم.
من وصم عقيدة الإيمان بالآخرة، أنها لتيسير اضطهاد الجماهير، من القوى الاضطهادية، فإننا نقول ما دليلك على ذلك أولاً، مع اقرارنا بوجود هذا بدرجة ما، ولكن الأحزاب الماركسية في البلاد التي وصلت بها إلى الحكم، ألم تضهد طبقات الجماهير باسم الحزب ودكتاتورية البروليتاريا كذلك، ومارست كل أنواع الاضطهاد الاجتماعي والتعسف السياسي، وقد قتل ستالين في محاكمات (1936-1938) بضعة ملايين من الشعب الروسي، وحتى من رفاقه في الحزب، وما مارسه الحزب الشيوعي العراقي في شوارع بغداد والموصل، من قتل وسحل أيام عبد الكريم قاسم، ومثل ذلك في كل الدول التي استولى الشيوعيون فيها على الحكم.
الإسلام هو التشريع الوحيد الذي شرع كل ما يكفل الفقير والمحتاج، مهما كانت الأحوال والظروف، بحيث يسع مال القادرين غير القادرين، بقوة القانون والقضاء والشرع.
إفراغ الماركسيين العرب الفتوحات الإسلامية من مضامينها الإنسانية: تبعاً لما ذكره المستشرقون الغربيون قبلهم عن هذه الأمور بدافع الحقد الصليبين وليس الإنصاف، وما يدندنوه عن الجزية، غير صحيح، وهي مقدار رمزي جداً عن الفرد القادر لا تتجاوز الدينار أو الدينارين في السنة، مقابل أضعافها مما يجب على المسلم في أمواله من الزكاة.
مالك سيف في كتابيه: يلاحظ الدور الكبير الذي لعبه اليهود في بلادنا في تأسيس الأحزاب الشيوعية وتدريب قادتها العرب، بإشراف (منظمة الأحزاب الشيوعية العالمية) منهم: " حاييم أورباخ سكرتير الحزب الشيوعي الفلسطيني" و " جوزيف روزنثال" المصري مؤسسه في مصر، مع " هنري كورييل" صاحب مكتبة في الزمالك، وتتلمذ عليه "عبد الخالق محجوب" السوداني سكرتير الحزب الشيوعي السوداني، عندما كان يدرس في القاهرة، ومثل ذلك يهود العراق مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي، ولقد وقف هذا بشكل واضح مع تبعيته للاتحاد السوفييتي المؤيد لحق اليهود في فلسطين، ورفض تأييد ثورة الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه، وكان هم الحزب تأييد الاتحاد السوفييتي، في مواقفه ولو عارضت مصلحة العراق والعرب، وأغلب قيادات وعناصر الأحزاب الشيوعية العربية من فئة المثقفين، وليس من فئة العمال، وهذا يبطل الزعم الذي يروج له الحزب فكرياً، فقط مهمته تسويق أفكار بعيدة كل البعد عن ثقافة الأمة وعمالها وفقرائها، كما يزعم.
وكان خالد بكداش رئيس الحزب الشيوعي السوري حريص على عدم ترجمة الكتب الماركسية التي تتضمن الإلحاد، لعدم الاصطدام بالإسلام المتجذر في الشام والأردن ولبنان ومصر، كما كان يعترض على كثرة انضمام اليهود والنصارى للحزب في العراق، لأن هذا يعيق انتشاره.
كيف يفهم الشيوعيون الإسلام: أن ظهوره لأسباب اقتصادية اجتماعية، لا علاقة له بالوحي والنبوة والدين، هذا كلام: "بندلي صليبا جوزي" الشيوعي الفلسطيني، وأن القرآن من وضع محمد وتأليفه، مستشهداً ببعض أقوال المستشرقين، ولهذا ضحك منها شيوعيو العرب ما بعد الاسماعليون والقرامطة، وهذا يبرز مدى سذاجة هؤلاء كعملاء ببغاويون للغرب في منطقتنا العربية.
ولهذا تجدهم يثنون على تمرد البابكية والاسماعيلية والقرامطة في تاريخنا، واعتبارها أول حركات اشتراكية في الإسلام انتشرت في خلافة المعتصم في العراق وإيران وأذربيجان بين الفلاحين، (833-842م) مع أن غرضهم كان هدم الإسلام للعودة إلى الديانة الوثنية الزرداشتية، - كزواج الأخت من أخته – وشرب الخمر – والتحلل من العبادات، مع أن زعيمهم السري – الإمام- أخذ مقام فوق النبوة لديهم، وأعلن غرضه، هدم الإسلام وشرائعه، وأن هذه الشرائع هي تصلح للعميان والحمير في زعمه، وأن أتباعه لا حاجة لهم بها، وساهموا في وضع رسائل " إخوان الصفا " وهم من ساهم في نشر الفلسفة الإلحادية، والتصوف المنحرف.
ويمدح بندلي صليبا الماركسي أبو طاهر الجنابي الذي احتل مكة وقتل الحجيج، ووقوفه على باب الكعبة قائلاً: أنا بالله وبالله أنا .......................يخلق الخلق وأفنيهم أنا ص: 182.
من كتابه (تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام) فكانت دولته أول جمهورية شيوعية في البحرين، في القرن الرابع الهجري، والعاشر الميلادي، وشبه حكمهم في البحرين بحكم الجمهورية الروسية البلشفية، وانهم حققوا العدالة الاجتماعية ولم يبق فقير في البلاد، ثم خرج عليهم السكان والعامة سنة 998م وأخذوا يقتلون بهؤلاء القرامطة، - لو كان كما يزعم هناك عدالة منهم – لما قتلوا فيهم.
التكتيك الشيوعي تجاه الإسلام: 1- يقوم على مقولة ماركس وإنجلز " أن الدين أفيون الشعوب" وأنه زفرة المظلومين نتيجة الإحباط والجهل والفقر، ولما وصل لينين إلى الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، وجد عدد كبير من المسلمين من رعاياه، وحتى لا يدخل في صراع مباشر معهم، طلب من عدد من المفكرين الملمين بالتاريخ الإسلامي، دراسته لتنقيح ما يتعارض مع الاشتراكية والماركسية بزعمه، حتى يتسنى له القضاء عليه بالتدريج، واعتبر ذلك تدبير مؤقت.
2- كما ذكر في مجلة كومونيست الروسية عددها لأول يناير 1964م، وحذرت المجلة من القول بأن الإسلام دين الاشتراكية، لأننا لا نقبل ذلك إلا بتحطيم كل قاعدة يمكن بها بعث التضامن الإسلامي، لأن ذلك تحدي للاشتراكية، واسسوا مجلة خاصة بعنوان: " العلم والدين" وتحذر المجلة من الإسلام خاصة، لما له من مقدرة عجيبة على التطور والصمود، بدليل بقائه هذا الزمن المتطاول، وان رجالاته وأتباعه يتمتعون بنشاط وقناعة وجدانية عميقة تعادل أو تفوق قناعتنا الاشتراكية، وأن السبيل إلى ذلك ليس تحطيم المعابد بالفؤوس، بل تحطيم ما في الضمير بالإلحاد، والعلم المادي، وليس من الضروري الاستهزاء من قصص القرآن والإنجيل، وإنما نعيد تفسيرها بقوالب اشتراكية، فإذا قلنا أن يسوع ثائر يطلب حق الفقراء، بمثل هذا نقول عن محمد وغيره.
3- عملاً بتوصية لينين في مؤتمر باكو 1922م شرع خبراؤهم في تفسير الإسلام على أنه ثورة على قطاع الطرق لحماية تجارة قريش ومن بينها تجارة محمد وقبيلته، " دبروليوبسكي" صحيفة " نوفي فو ستوك" كصراع بين الحضر والبدو، ولاحظ الحزب الشيوعي، أن هذا التفسير سيستفز المسلمين في الاتحاد السوفييتي، فأصدر أمراً بعدم تبني هذا التفسير رسمياً، فخرج " مورزوف 1946 بنظرية أن محمداً ص شخصية وهمية، والقرآن ظهر بعده في القرن 11م فتحرك الحزب ثانية وأوقف هذا التفسير خوفاً من ردة فعل المسلمين، - وكانوا حوالي أربعين مليوناً – وتبنوا بعدها نظرية " تولستوف" أن الإسلام مرحلة من مراحل الصراع الطبقي لإنصاف الطبقة الكادحة، وأن الحاجة إلى الاستعاضة عنه بالفكر الوضعي اللاديني. ص97.
4- وصية لينين كانت لتهيئة الأرضية بين المسلمين للتغلغل الشيوعي، وعدم الاصطدام مع عقائد المسلمين، من خلال ما سماه " الوعي المادي" ليحل مكان " الوعي الروحي" بالتركيز على المنجزات الصناعية والزراعية والعسكرية والعلمية، بالدعاية والإعلان، بحيث تمدح إنجازاتهم ولو لم يكن ثمة إنجاز، ونحن كمسلمين لا نرفض الإنجازات المادية، ولكن نحققها من خلال التصور الإسلامي للحياة السوية المتوازنة، لا كما تفعل الشيوعية.
5- تلقفت المجموعات العربية الشيوعية فكرة لينين لتنقيح الدين لتطبقها على الإسلام، وأمثلها في ذلك ما قامت به " أمانة الدعوة والفكر الاشتراكي في الحزب الوحيد المرخص (الاتحاد الاشتراكي) المصري، وأصدروا " الملحق الديني " لجريدة الجمهورية، في الستينات، من خلال الخطة التالية: أ- احتكروا تفسير الإسلام بالتركيز على عبارة " الدين الصحيح" آلاف المرات، لإيهام الناس أن الفهم المناسب للدين هو التفسير الاشتراكي. ب- الربط بين كلمة الدين والثورة، وهذا ما كان يؤكده الكاتب: عبد الحميد الدواخلي – وجمال الدين الرمادي – ومصطفى بهجت، وأن الثورة قام بها الضباط الأحرار، وهذا هو لب الدين، وأن على الأمة أن ترجع إلى دينها من خلال الالتفاف حول الضباط الأحرار الثوريون بحق، وأنهم هم علماء الأمة الذين فهموا الإسلام بحق، فإنشئ مكتب للشؤون الدينية في الاتحاد الاشتراكي، لربط العلماء بالحزب ومن ثم بالجماهير من خلاله، وكان المسؤول عن ذلك الماركسي الشيوعي " كمال الدين رفعت".
6- سيطر الشيوعيون في مصر على" أمانة الدعوة والفكر" في الاتحاد الاشتراكي –الستينات- لأن المؤسسات الإسلامية من أوقاف ومدارس وجامعات ومساجد تتبع لها، ورئيسها الشيوعي الماركسي "كمال رفعت" ورفاقه وضعوا خطة توظيف الدين نحو الاشتراكية، فقال أحد كبار مسؤولي الأوقاف في الملحق الديني لجريدة الجمهورية 15/7/1966م: " وزارة الأوقاف جامعة مهمتها التطبيق الاشتراكي السليم، وأن رسالة الوزارة ومهمتها اشتراكية بحتة، لتعميق جذور الاشتراكية في مجتمعنا العربي، ليقوم المسجد ببناء الفرد الصالح ليشارك ببناء النهضة الثورية التقدمية الجديدة" وعملت أمانة الدعوة على وضع إدارات للمساجد من بينهم عدد كبير من الشيوعيين لتحقيق هذا الغرض، والغرض النهائي البعيد نشر الإلحاد، وهدم الإسلام.
7- صرح د. محمد وصفي في الملحق الديني لجريدة الجمهورية، بأنه تقرر عقد اجتماعات دورية اسبوعية للعلماء وأئمة المساجد بمكتبه لتمكينهم من التفاعل الثوري مع الاتحاد الاشتراكي، ولهذا كان يطلب من كل واحد منهم أن يحمل كتاب الله في يد، والميثاق الثوري الاشتراكي في يد أخرى، وأعدوا دورات تثقيفية في النظم والمبادئ الاشتراكية للوعاظ، وفرزوا من خلالها المتحمس لها من المعرض، فقربوا الأول وأبعدوا الثاني في الوظائف، وعملوا دورات في الإذاعة المصرية بنفس الموضوعات، وحرضوا علماء الأزهر على للانتساب إلى المعهد العالي للدراسات الاشتراكية، بغرض تطوير وتبديل الدين لخدمة الاشتراكية والماركسية والإلحاد، وزودوا المساجد بكتب لنشر الاشتراكية.
8- أدرك الشيوعيون أهمية وثقل الأزهر في حياة المصريين، على مدى التاريخ، فتصدى لهم الإسلاميون فيه، إلى أن جاءت مرحلة الستينات فتحقق لهم الاختراق فيه من خلال إدخال التخصصات غير الشرعية، فمكن لهم من إدخال الدراسات الماركسية في فرع أصول الدين، باسم التحويل الاشتراكي للأزهر، حتى بدأ شيخ الأزهر يتكلم عن فيتنام ويستنكرها، ولا يتكلم عن حرب اليمن، ولا عن حرب قبرص ضد المسلمين، ولا عن مسلمي كشمير، وكان قلبه مع بوذيي فيتنام، وليس مع مسلمي اليمن وقبرص وكشمير، وذلك بتحالف الشيوعيين مع الحكم المصري.
9- من خلال التزام الشيوعيين بتفسير كل من: " تولستوف و تومار" للإسلام على أنه صراع طبقي، بين الأغنياء والفقراء، ظهر جلياً في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، عثمان ومروان بن الحكم وابن عون ومعاوية حزب اليمين، ويمثل علي، وأبو ذر، وعمار وابن مسعود حزب اليسار، لاختلافهم حول (المال العام والملكية الفردية) واعتبروا الفتنة ثورة اليسار على اليمين، ولهذا أخذوا التركيز على هذه الفكرة اليوم لإنشاء تيار أسموه اليسار الإسلامي، بعد أن فشلوا في احتواء الفكر الإسلامي لدى الشعوب العربية والإسلامية.
10- كتب خالد محي الدين الماركسي المصري في مجلة روز اليوسف عدد1 فبراير 1975م : " هل يتعارض إيمان المسلم بالله، إذا اقتنع بصحة بعض الاكتشافات الماركسية، لتطوير مجتمعه، لتحقيق الكفاءة والعدالة " ويقرر إمكانية المزج بين الإسلام والماركسية لتحقيق هذا الغرض النبيل، في حق الإنسان بالعمل، وحقه في عائد عمله، دون أن يستغله أحد، لأن الإنسان أثمن ما في الوجود" متجاهلاً هذا الماركسي، الاختلافات الكبيرة بين شريعة السماء وتجارب البلهاء، وأن من حقنا رفض إيديولوجيتهم المادية السخيفة، كما هم رفضوا ديننا الحنيف، ألسنا بشراً من أثمن ما في الوجود على زعمهم، أتكون الحرية لهم، والعبودية الفكرية لنا حسب زعمهم؟!!
والأمر الثاني: أن العدالة الاجتماعية في الإسلام، تختلف مع الماركسية في: المنطلقات، والوسائل، والأهداف، نحن نريد سلطة تطبيق شريعة الله من الكتاب والسنة، وهم يريدون إقامة سلطة العمال والقضاء على الطبقات الأخرى، ونحن نرى إنسانيتهم المتوحشة في قتل المسلمين في كل البلاد التي حكمتها الشيوعية، فهل ينطلي علينا خداعهم، ونحن نراه ونسمعه ونعيشه.
التكتيك الإسلامي المضاد:
أولاً- بينت من خلال عشرة أعداد من مجلة المجتمع، تكتيكات الشيوعية من ماركس ولينين إلى أعمدة مؤسسي الأحزاب الشيوعية في عالمنا العربي، وتبين لنا ما يلي:
1- أن الإسلام كان ولا يزال العقبة الكبرى أمام الشيوعية العالمية، وأنه المرشح الوحيد فكرياً وجماهيرياً لمواجهة ودحض مخططاتها في عالمنا العربي والإسلامي، وأن كل الأحزاب التي تنتمي إليها، تكفر بالإسلام عقيدة وشريعة، وأنها لم تيأس من مواجهة ومحاربة الإسلام إلى يومنا هذا على رغم كل هزائمها المتكررة، وأن مشروعها لا زال يلقى الدعم من أعداء الإسلام شرقاً وغرباً.
2- إن الحركة الشيوعية منذ لينين إلى يومنا هذا وظفت طاقات ومجلات ومفكرين، بشكل كبير جداً لتفريغ الإسلام من محتواه، ولم تحقق شيئاً ذا بال إلى يومنا هذا، وشباب العالم الإسلامي وجماهيره لا زالوا متمسكين بإسلامهم، ولهذا تحولت الأحزاب الشيوعية لنشر فكرها بين الأقليات، كالأرمن والنصارى واليهود والآشوريين وغيرهم، بالإضافة إلى مرونتهم في التعامل مع الإسلام، من النفي الكلي، إلى محاولة الاختراق ببعض مفاهيم التكافل الاجتماعي والعدالة الاقتصادية.
ثانياً- التكتيك الإسلامي المضاد:
1- قبل أن نبين موقف الإسلام من الشيوعية، كعمل تكتيكي لصدها، ينبغي الاعتراف بغياب " نظرية متكاملة" إسلامية في العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا بسبب إهمال التنظير الفكري المعاصر لتأصيل العقائد والشرائع والاجتهادات، لأن أغلب الخطاب الإسلامي يتناول نظام القيم، خلال الخمسين سنة الماضية، مع أن حاجتنا الملحة اليوم تحديد نظام المفاهيم بشكل علمي وموضوعي، لأن الإسلام دين متكامل هدفه تغيير الحياة الاجتماعية نحو عبادة الله وتطبيق شريعته، وهذا يحتاج اليوم – مع التطور العلمي والمعرفي عالمياً – أن يقوم مجموعة علماء وكفاءات لصياغة النظرية الإسلامية لتوضيح الرؤية الإسلامية في جميع جوانب الحياة، لأن ضباب الرؤية يؤدي إلى تصادم المشتغلون بالعمل الإسلامي وهدر طاقات ودماء وأرواح من غير مردود يذكر يعود على إعلاء كلمة الله بالخير والتقدم خطوة خطوة.
2- الثغرة الثانية: غياب ظاهرة الحوار ضمن إطارات العمل الإسلامي، ومع من هم خارجه كذلك، لأن الكتب والبحوث الكثيرة التي كتبت عن الشورى الإسلامية، لا تؤتي ثمارها دون الحوار مع الداخل الإسلامي، والخارج غير الإسلامي، ولقد سارعت كل الحركات العالمية فيما بينها عبر المؤتمرات العالمية لهذه المسألة، لعرض ما لديهم، والتعرف على ما عند الآخرين، كفكر إنساني عالمي، ونحن أحوج لعرض بضاعتنا على الآخرين ومعرفة طريقة تفكيرهم.
3- غياب ظاهرة النقد الذاتي والتقويم الموضوعي والعلمي للأداء الإسلامي في كافة المجالات، ويكاد أن لا يوجد كتاب واحد في هذا الموضوع لأي حركة إسلامية، مع ان الحركات العلمانية وغير الدينية وظفت جهود نقدية كبيرة لفكرها وكفاحها، مما نقل دعاة الإسلام من وعاظ إلى حالة التقديس، وهي معارضة تماماً للمفاهيم الإسلامية، وخاصة أن القرآن علمنا من ذلك الشيء الكثير ولم نطبقه على دعوتنا المباركة، وإذا أردنا أن نتصدى للتيار الشيوعي والعلماني، علينا أن نتصدى لهذه الثغرات في أدائنا الدعوي ( للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بمعروف.
4- وكذلك التخلص من الرهاب الثقافي: الذي هو الخوف من الآخر والجديد في عالم الحضارة، لأنه يحول دون أن نشعر من فهم العالم واستيعابه، فيتحول الإسلام بهذا الخوف من البرنامج الديناميكي الحيوي، إلى البرنامج الميكانيكي الرتيب، وهذا يدفع بالشباب إلى الرغبة في النكوص والانكفاء على الذات، دون التخطيط والعمل لمستقبل الإسلام، نتيجة تراكمات طويلة من التخلف والاضطهاد، ولهذا لا بد من الخروج من هذه العزلة، إلى الاحتكاك بالناس، ومن يقرأ أدبيات الشيوعية يدرك كم بذلوا من جهود في سبيل اختراق الجماهير والسيطرة والتأثير عليها، مع أن هذا من صلب ديننا، " من يخالط الناس ويتحمل أذاهم، خير ممن لا يخالط الناس، ولا يتحمل أذاهم" والتجاوب مع مصالح الجماهير ومطالبهم، يغني عن مئات المجلدات والخطب الرنانة الوعظية فحسب، لئلا يتحول المسلمون إلى الانعزال في جزر مقطوعة عن حياة الناس وعصرهم، لأن حادثة أهل الكهف فردية وليست مبرراً لتحويل الشعب كله إلى حياة أهل الكهف، وكذلك ثقافة المسلم المعاصر ماضوية فحسب منبتة عن ثقافة العصر، تعجز عن مواجهة العالم بثقافة يفهمها الآخرون، لكن من منظورنا الإسلامي، ولهذا نجد ثقافة جميع الأنبياء كانت تفاعلية مع ثقافة أقوامهم.
5- المسلم مثقل بالأهداف الكبيرة التي يريد تحقيقها في أسرته، ومجتمعه، وسياسة بلده، لكنه قلما ينجح فيما بعد أسرته، إن نجح فيها بسبب كثرة الضغوط عليه وعلى الناس، في طريق الذوبان مع التيار، لكنه إما أن يستمر بإيجابية من خلال تغيير وسائله، أو أن ينكفئ بسلبية وينسحب، أو يتحول إلى العدوانية على المجتمع أو الانفصام عنه، أو الركون إلى التبريرات التآمرية من قبل كل العالم على الإسلام فنستسلم، ونظرية المؤامرة لا تقدم ولا تؤخر، إذا استطعنا إثبات وجودنا على أرض الواقع بالكفاءة المطلوبة.
6- معظم الثغرات في العمل الإسلامي نابعة من التخلف الثقافي الفكري، لأن ضبابية الفكر وعدم وضوح الرؤية الآنية، ينعكس سلباً على الأداء الذي يهدر الطاقات الهائلة في معارك جانبية في غير ساحة الصراع مع الأعداء والمناوئين، ومن يظن أن الثقافة العقائدية وحدها تحصن المسلم، دون وجود ثقافة موضوعية واهم، لأنه سوف يحاصر نفسه بنفسه، وهذا انهزام بحد ذاته، حتى تنفرد به وسائل الاتصال الأخرى فتقتنص الروح الحيوية ثم العقائدية بشكل ناهم بهدوء وتدرج، له أو لأسرته فرداً فرداً، ويصبح الشارع يتحكم به الآخرون الذين فهموا اللعبة وأركانها، من خلال الانفتاح الثقافي، فيصبح المسلم جندي من جنود الآخرين بحكم السيطرة الموضوعية للمقتحم على المنكفئ، شاء أم أبى.
7- تيار في خدمة الناس: تفيد الدراسات في علم الاجتماع، أن الجمهور لا يتحمس لمساندة تيار إلا بشرطين: الأول: أن يفهم مقاصد الدعوة وأهدافها، والثاني: أن يجد لديها حلاً لمشكلاته الحقيقية، وتخفيف معاناته، وهذه مهمة الدعاة مساعدة الجماهير من خلال تحريك المجتمع، على حل مشكلاتهم، وهذا ضروري لتفهيم الجماهير بشكل لطيف وغير معقد أهداف الدعاة، التي تستوعب كل الجماهير، وإفهامه أنه تيار خرج من رحم الأمة الإسلامية، وليس مستورداً، وأنه في خدمة الناس، فإذا لمست الجماهير صدق الدعوة والتنفيذ، فإن دعاية أعدائهم الشيوعيون والعلمانيون ترتد إلى نحورهم، وينبغي أن تكون القضايا المطروحة واضحة ومعاصرة، وتحاشي الخلافات الماضوية والفقهية، لأن إصلاح الحاضر والمستقبل لا يقوم على ما مضى من خلافات، لأن الحاضر مشكلاته مختلفة عن مشكلات الماضي بشكل كبير جداً، من مثل الحديث عن: التموين – والمواصلات – والمدارس – والمستشفيات – والفقر – لأنها مفاتيح دخول قلوب العامة والجماهير، والتأثير فيهم.
8- تطوير الطرح الإسلامي: يموت سنوياً ما لا يقل عن خمسين مليون نسمة جراء الجوع والجفاف والأمراض، غالبيتهم من المسلمين، (منظمة الفاو)، ويولد مئات الملايين من الأطفال في أفريقيا وآسيا، سنوياً، دون أن يكون لهم أمل في مدرسة، أو رعاية صحية، أو طعام مناسب، والدول الكبرى الصناعية تصنع من السلاح سنوياً ما يعادل قيمته (450 مليار دولار) ويتربص بنا العالم الليبرالي (الأوربي الأمريكي) و (الروسي والصيني والهندوكي) باتجاه العالم النامي وغالبه (إسلامي)، والجميع يروننا سوقاً استهلاكية لبضائعهم، ومواد الخام التي لدينا، ولهذا يمولون الحروب المحلية لاستنزافنا، وإبقائنا على ما نحن عليه، وهناك جيوش من الباحثين لدى الغرب والشرق لتحقيق هذه المهمة في ديارنا وعقولنا، ولهذا لا ينبغي أن نبقى في خطابنا الإسلامي على منهج الوعظ القيمي والأخلاقي والعقائدي المذهبي، لأن تأثير الأخلاق على السجين المحاصر محدودة، ومن هنا ينبغي أن نأخذ العبرة من الحربين العالميتين، فنجدد خطابنا لتحديد هويتنا أولاً، ومنهجيتنا ثانياً، وأساليبنا ثالثاً، بحيث يستوعب آمال الجماهير الإسلامية في الاستقلال الحقيقي، وتحقيق الحياة الكريمة لشعوبنا المسلمة، من خلال فهم الطروحات التي يحتاج المسلم إيضاحها حتى يتفاعل معها بفاعلية وقناعة تامة، بدل اجترار صراعات مذهبية لا نهاية لها، قبل قليل كنت مع فيديو شيخ ينتقد ويضلل سلطان العلماء العز بن عبد السلام، وأنت الآن تهاجم شيوخ آخرين خدموا الإسلام اجتهاداً خاطئاً أو مصيباً، فلهم أجر أو أجرين، ولكن البقاء على هذا المنوال، يحطم قلوبنا التي بحاجة إلى مشاريع دعوية تجمع وتحقق المقاصد الشرعية، والمطالب الشعبية، لأمة منهكة من التخلف والخلاف.
9- لماذا يثور الناس؟ عنوان كتاب د. تيد روبرت غور في جامعة برنستون، 1970م وهو دراسة عن ظاهرة العنف السياسي، الفصل الأول: يبين قابلية الناس موجودة للعنف السياسي، والفصل2 أن الحرمان النسبي باعث له، والفصل3 يبين حدوده، والفصل4 الجذور الاجتماعية للحرمان، والفصل5 محددات العنف، والفصل6 آفاقه السياسية، الفصل7 إيديولوجية العنف، الفصل8 ميزان ضغط وكبح العنف، الفصل9 معالجة العنف، الفصل10 أنسقة العنف.
10- لماذا يثور الناس؟: بسبب فشل الأنظمة الاجتماعية المعاصرة في تلبية حاجات المجتمعات الأدبية والمادية، ويدعو غور إلى دراسة موضوعية لمسببات ودوافع العنف، بأقيسة رقمية، وأن طموحات ورغبات الناس المشروعة والممكنة إذا حرموا منها وكبتوا عنها، وأهمها حرمانه من العمل الشريف، والكسب الشريف، والدور الاجتماعي الشريف، ويقول: يتم علاجه بالارتقاء إلى تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص والبعد عن التظالم، والمجتمع المليء بالتظالم هو بيئة باعثة على ظاهرة العنف، ويزيدها الشعور باليأس والجهل.
ثالثاً- بين ما هو سياسي وما هو ديني:
1- ليس هناك فصل تام بين جوانب الحياة الإنسانية: بل التداخل بيت هذه الجوانب وتأثيرها في بعضها كبير، وروعة الحياة في تشابك جوانبها تلك، وهذا ما قرره وأدركه قديماً أفلاطون، في العلاقات المتبادلة بين شرائح المجتمع ومنافعها، ونظرة المتدين الخاصة بالعالم الأخروي فقط، فهم قاصر لا ينطبق على الإسلام، وهذا ما أدركه الصحابة، فأبدع كلٌ في مجال خدم به المجالات الحياتية الأخرى، التاجر عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، والسياسي المحنك، كعمرو بن العاص والفاروق عمر، والزاهد الفقيه كعلي بن أبي طالب، ومصعب بن عمير، والسفراء المحنكون والكتبة، وكلهم تخرجوا من مدرسة واحدة، مدرسة النبوة، ولم يحجروا على الإسلام في مسجد، أو كتَّاب.
2- التغريب مدخل مناسب للقضية الإسلامية: العدوان على شخصيتنا التاريخية الإسلامية اليوم بفعل الاستعمار الغربي شملت جميع الجوانب الحياتية لأمتنا، ومن يظن أن قضيتنا الإسلامية واضحة كالشمس في رابعة النهار، واهم لأن شمسنا تحجبها غيوم ورياح وغبار تكاد تطمس حقنا في هذه الشمس المغيبة، بحيث نحتاج إلى محام بارع لبيان أحقيتنا في إسلامنا ومنافعه، فإذا كان المحامي فاشلاً أو غير متحمس للدفاع عنه بذكاء وكياسة، فقضيتنا ستكون خاسرة في الميزان السنني الكوني، وهذه تحتاج إلى عمليتي رفع الحجر عن أسلمة مجتمعاتنا، وإزالة العدوان عن أوطاننا، سياسياً، واقتصادياً، وتعليمياً، وعسكرياً، وإعلامياً، ليتم بذلك البناء السليم للحقوق المسلوبة، كل أنواع الحقوق، من خلال هدم النموذج الغربي في عقول أبنائنا، وفسح المجال لنموذجنا الإسلامي، مثال: الحجاب لا يعد مسألة فقهية محدودة (بالفقه القديم) بل يطرح ضمن مفهومنا الكامل عن المرأة المسلمة وحقوقها كاملة، وأحدها الحجاب، في مقابل تعرية النموذج الغربي التسويقي الاستهلاكي للمرأة، وما يجره عليها من مظاهر الظلم والهوان والاحتقار، وقس على ذلك طرح القضايا التغريبية الأخرى بنفس المنوال، للتحرر من الهيمنة الغربية الاستعمارية.
3- ظاهرة التمييز ضد المرأة: في الصين عمل المرأة يتجاوز 60% في بعض القطاعات، و%36 في قطاعات أخرى، ولا يوجد وزيرة أو نائبة وزير أكثر من 11 امرأة في مقابل 200 وزير في الحكومة الصينية، وهذا التمييز ضد المرأة ظاهرة عالمية في كل دول العالم، المتقدم والمتخلف على حد سواء، مع فروق في نوع ودرجة هذا التمييز، ولا علاقة لهذا في بلادنا بموروثات القيم العربية أو الإسلامية.
4-دور المرأة رؤية إسلامية: أن لا تقع في خطأ مفهوم (رجال ضد النساء)، وهذا ما تطرحه المتغربات، كنوال السعداوي وأمثالها، وتزعم أن أحكام الإسلام تظلم المرأة، مع أن الطرح السليم، هو العمل على التكامل بين المرأة والرجل في التحرر والتنمية والمشاركة، لأن منهجها يصدم المرأة والرجل والمجتمع، فتصبح الأنثى ضد الأنوثة، وهذا ليس لصالح المجتمع ولا المرأة.
5-هل التعليم وحده كافٍ ليحل قضية المرأة؟ التعليم الذي يحل إشكاليات الحياة، هو التعليم من منظور إسلامي، بينما تعليم اليوم غربي في مدخلاته ومخرجاته، يركز على الفردية والمنفعية الذاتية، ولا يخدم النهوض الحقيقي للمرأة، والتركيز على الابتعاث إلى أمريكا فقط، لا يخدم المنطقة العربية، ويكرس التبعية للنموذج الأحادي الأمريكي.
6- دور المرأة الفاعل لا ينحصر خارج البيت: ومن خطأ الإحصائيات العربية في القوى العاملة، استثناء ربة البيت التي تقوم بدور فاعل هائل في تربية الابناء ونجاح الزوج، ثم لا يحسب عملها شيء، أمام من يعتبر راقصة من القوى العاملة في المجتمع، لأن العائد الاجتماعي للأم عائد إيجابي، بينما عائد الراقصة الاجتماعي سلبي، بالمقياس الشرعي، والسبب اتباعنا النموذج الغربي في المقاييس والاعتبار، مع أنه لا يحقق للإنسان متطلبات الفطرة السوية.
7- اتجاهات جديدة لعمل المرأة الغربية: بدأ في أمريكا بعد أن انخرطت ما نسبته 55% من النساء في العمل خرج البيت لأكثر من 100سنة، واليوم بدأ التراجع عنه من كبريات دعاة تحرر المرأة، والرجوع إلى العمل المنزلي، كربة بيت سعيدة، مثال: (ديبورا فالوز) تنازلت عن مديرة جامعة، لتكون مديرة منزل، في كتابها " عمل أم" لخدمة زوجها وأطفالها الأربعة، ونفسها، والثانية: (سيلفيا هوليت) في كتابها " أسطورة تحرير النساء في أمريكا" والثالثة: (باتريشيا ماكبروم) في كتابها " الجنس الثلث" تقول: عمل المرأة أفرز جنساً ثالثاً، شكله الخارجي امرأة، وتكوينها وتصرفاتها ومزاجها أصبح عدوانياً وشبيه بالذكور والذكورية، فهل المرأة العربية تجرؤ على طرح مثل هذه الأمور، التي تهم المرأة والرجل والمجتمع العربي.
8- تقييم تجربة المرأة الكويتية: التصرف الطبيعي الحكيم هو أن يراجع الإنسان تصرفاته وأفكاره بين مرحلة وأخرى من عمره، وما ينطبق على الفرد ينطبق على الجماعة والمجتمع، لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها هو أحق بها، ولقد كان من أثر ظهور البترول في بلدنا وكثرة الوافدين الأجانب (الأوربيون) وبعض المبتعثات للدراسة في الغرب، أن رجعن وهن يحملن فكراً مناهضاً للتراث، وخاصة الإسلامي، فقمن بمظاهرة في الخمسينات خلعن العباءات وحرقن الحجاب، وظنن أن هذا هو التحرر الصحيح، [ لكن بعد خمسين سنة من هذه التحولات، وخروج المرأة إلى العمل، ما أثر ذلك على أبنائهن وبناتهن وازواجهن، وأنفسهن، وهن يرون أن قدواتهن الغربيات رجعن إلى بيوتهن، وكفرن بهذه الحرية التي خسرن بها أزواجهن وأولادهن وأنفسهن] وأصبحت الخادمة هي الأم الحقيقية في البيت لدى الأبناء، فهل المرأة العربية أو الكويتية قادرة على مواجهة آثار التنازل عن دور أمومتها وتغيير سلوكها وطريقة حياتها بما يصحح الأوضاع النشاز في حياتها وحياتنا؟
9- ما كو مهر بس هالشهر والقاضي نذبه بالنهر: هذه الهتافات التي هتفت بها مظاهرة نسائية شيوعية في شوارع الرشيد ببغداد، بعد سيطرة الحزب الشيوعي على الحكم في العراق، ولا نحتاج إلى ذكاء خارق لمعرفة المراد من الشعار الذي رددنه النساء الشيوعيات، ( وهو أن من أراد الزواج أو النكاح فلا حاجة إلى قاضي وشهود وإجراءات، وعقد) كل شيء ببلاش، وهذا ما صرح به البيان الشيوعي 1848م ومختارات ماركس وانجلز طبعة موسكو 1970م " بأن المرأة الزوجة هي قن دائم كعاملة (بروليتاريا) ، من قبل الرجل الزوج (البرجوازي) ولا فرق بين العاهرة بالتقسيط والمياومة، وبين الزوجة العاهرة بالجملة على التأبيد، ولهذا الشيوعية تحرر المرأة لتكون كما تريد ليس مع رجل واحد، وإنما مع من تشاء في أي وقت تشاء، والرجل له ذلك، والأبناء تربيهم الدولة والمجتمع المشاعي الاشتراكي كما كان في الحياة البدائية.
10- الغلو والتطرف الشيوعي مع المرأة: كتب أوغست بيبل (1840-1913م) شيوعي ألماني، اعتبره لينين من الرواد، يقول: " كما أنه لا أحد يتدخل في طعامي وشرابي ولباسي، فإن مضاجعتي لأي امرأة لا يحق لأحد التدخل فيه، لأنه شأن خاص.
11- فشل مقولة الشيوعية حول المرأة: أصدر الحزب الشيوعي عام 1917م قراراً بعدم اعتراف الدولة بعقد الزواج في الكنيسة والمسجد (وكان عدد المسلمين يومها لا يقل عن 40 مليون مسلم)، فظهرت نتائج مدمرة على مستوى المجتمع مثل جرائم الأحداث، والعزوف عن الإنجاب، - لو استمر سيؤدي إلى الانقراض – وكثرة الإجهاض، وقل الزواج، فتدخلت الدولة ووضعت شروطاً للطلاق أشبه بالطلاق الكاثوليكي، وأصدرت قوانين عام 1936م مخالفة للنظرية الشيوعية، مثل مسؤولية الأسرة عن احتياجاتها، وعدل عام 1944م بلزوم تدوين العلاقة الزوجية في جواز السفر، وعللت ذلك بالقول: " بات ملحاً إعطاء احتفال الزواج هيبته المعنوية" وهذا يعتبر ردة عن التفسير المادي للعلاقات الإنسانية، التي كانت تعتبرها علاقات اقتصادية.
12- المشروع الإسلامي للمرأة: من وحي الكتاب والسنة وصدر الإسلام، أن المرأة كائن مستقل كالرجل، وليس تابعاً لأحد، وتعطي البيعة على الإسلام كما يعطيها الرجل، في النص القرآني: (...فبايعهن واستغفر لهن الله...)12/الممتحنة، ولهذا أسلمت فاطمة بنت الخطاب، وأخوها عمر كان كافراً، وأسلمت حبيبة بنت أبي سفيان، وأبوها كان كافراً، وأسلمت زينب بنت محمد، وزوجها أبو العاص بن الربيع كان كافراً، وأول شهيدة في الإسلام سمية بنت الخياط، قتلها أبو جهل، والفروض الركنية يتساوى التكليف بها بين الرجل والمرأة على السواء، وذكر ابن حجر: " للمرأة أهلية مثل ما للرجل، فلها أن تخطب الرجال مشافهة وكتابة، ومن ذلك ما كتبته أمامة بنت أبي العاص، وأرسلته إلى المغيرة بن نوفل: " إن كان لك بنا حاجة فأقبل" (الإصابة لابن حجر)، وفي البداية والنهاية لابن كثير: " ثم نهض عبد الرحمن بن عوف يستشير الناس فيهما – أي عثمان وعلي – مثنى وفرادى ومجتمعين سراً وجهراً، حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن"
13-عدم الخلط بين الإسلام والتقاليد في شأن المرأة: لأن المرأة في صدر الإسلام تحررت من التقاليد التي تتعارض مع استقلاليتها كإنسان حر مكلف، فاصبح لها تصرفها المستقل ورأيها المستقل، ضمن الضوابط التي تحكم الرجل والمرأة على السواء، ولما بدأت حرية المسلم تخضع للضغوط، باسم طاعة الحاكم، أصبحت حرية المرأة تخضع للضغوط باسم احترام التقاليد، وينبغي أن لا نخاف من إرجاع الأمور إلى نصابها، بحجة الخوف من الانحلال الغربي وتقليده، فذاك شأن، ولنا في تحرير المرأة المسلمة، من مخاوفها - لتكون أكثر فاعلية في نهضة الأمة على نهج قرآنها – شأن آخر.
14- ما يكتب ويقال عن التيار الإسلامي: في مراكز البحوث والصحافة العالمية شيء كثير، ومن منطلقات بحثية أو عدائية، ونحن لا نقرؤه، ولا نطلع عليه، لنستفيد منه، أو نحذر، أو نشارك.
15- المسألة الثقافية عند المسلم المعاصر: لا تعني مجرد الانتماء للدين، وإنما هي معرفة فلسفة الدين في كل مسألة معاصرة، وهذه تشكل نظرية إسلامية معاصرة تجاه موضوع معين، ليكون له القدرة على تحليل الأوضاع والأحداث المعاصرة المرتبطة به، على أن لا يكون لديه رهاب ثقافي من الضغوطات الممارسة ضده في ظروف معينة، وبعضٌ منها يحتاج إلى جهود جماعية تشاركية وتخصصية، لانتشال المسلم المعاصر من حيرته الناجمة عن تشابك خيوط ووسائل الهجوم الجماعي على الإسلام وقيمه.
16- الرؤية الفكرية عند المسلم المعاصر: لا بد للمفكرين من المختصين المنتمين للإسلام، من طرح رؤاهم العلمية البحثية على الجمهور لتوعيته بدينه، وتقديم وسائل له ليحلل موقف الواقع والأحداث من فكرته وعقيدته الإسلامية، تحليلاً مناسباً، يقول "هيرمان كان" : إن رسم صورة مقنعة للمستقبل، أمر في غاية الأهمية لروح معنوية عالية، ودينامية في العمل وحركة المجتمع للدوران بسلاسة نحو غاياته وأهدافه" وهذا يفرض على المسلم الدخول في معتركه من أجل تلمس موضع قدمه فيه، ولا يمكنه الوقوف متفرجاً على حركة الحياة والتطور، ولا ينبغي الخوف من هذه المعمعة، طالما أنه يعرف قيمة نفسه وهدفه في الحياة، وواجباته فيها، من خلال مزاحمة الآخرين بالحجة والبرهان والحوار، شرط أن لا يقف منه موقفاً خطابياً عاطفياً، بل متسلحاً بالمعرفة والعلم ومناهج الإقناع والبرهنة.
17- اغتراب المسلم المعاصر: عرَّف (غرودزن) الاغتراب: " الحالة التي لا يشعر فيها الفرد بالانتماء إلى المجتمع" بسبب العزلة وفقدان الهوية، وغياب الأهداف المعنوية، وأن تكون الحماسة صفراً، لا معنى للحياة ولا طعم ولا مذاق، وحتى يتحقق لها المعنى لا بد من توافر: 1- الانتماء لجماعة، 2- وضوح معايير هذا الانتماء، 3- وجود أهداف تستحق هذا الانتماء، ولهذا فقد الإنسان الغربي هذه الأمور الثلاثة، كما ذكرت سابقاً، وهذا ينسحب على البلاد العربية في وقتنا الحاضر، لكن ليس بنفس الدرجة، لاختلاف ثقافة المجتمع العربي الإسلامي عن الغربي، وهنا يحضر المواطن العربي والمسلم، هل هذا هو المجتمع الذي ناضل من أجله صحابة رسول الله وعظماء الأمة؟
وتزداد الهوة يوماً بعد يوم بين المجتمع الذي نحلم به، وبين واقع مجتمعنا اليوم، هذا نابع من السيطرة المفرطة على الفرد المواطن، بحيث يفقد حريته، والقدرة على المشاركة، ومن فقدان السيطرة، بحيث يتحلل من قيم هذا المجتمع بصورة من الصور، فيصبح بين مطرقة الاتهام ( المسلم إرهابي)، وبين مطرقة الاعتزال (وهجر النقد الذاتي)، كرد فعل على سلبية الآخرين، لكن بسلبية معاكسة كذلك، فتقوقع المسلم المعاصر في حالة الدفاع بالحق أو الباطل، فالإنسان لا يحكم عليه من موقف واحد، وكذلك لا يخلو من خير وصواب، وهو ينطبق على الجميع.
18- اغتراب وردة الفعل: لجأ المسلم المعاصر لحماية نفسه ومعتقداته، إلى حالة تقديس ما يحمله، أكثر من حالة استلهام ما ينتمي إليه، وبدأ هذا مع الاستعمار الغربي، لمواجهة التغريب والغزو الفكري، لكن ينبغي أن نفرق بين مقاومة التغريب، ومطلب التحديث، أما الأول فهو خندق الدفاع، وأما الثاني فهو خندق الهجوم، ودعاة التغريب هم وكلاء المستعمر في منطقتنا، ودعاة الاستمساك بالتراث، هم وكلاء حماية ما وصلنا إليه من تخلف، لأن ديدنهم الاعتزاز بالبطل والماضي، دون القدرة على صناعة البطولة وتجديد الحاضر، فكلا الزمرتين يفتخرون، بمن لا يقدم لنا شيئاً ذا بال، لانتشالنا من واقعنا المأزوم، لأننا بحاجة إلى الالتزام الموضوعي وليس الوجداني فقط.
عناية الحركات الإسلامية بالتربية، كان على حساب إهمالها الحركة الفكرية، التي تتضمن المنهج السياسي والاجتماعي للحياة المعاصرة، فجعل ثقافتها حزبية مما سارع في خسارتها الجماهير المقبلة على تأييدها، لفشل التيارات الأخرى.
مقدمة: الثقافة التربوية الحزبية الإسلامية، لا تؤهل التيارات الإسلامية لإحداث التغيير الاجتماعي المطلوب، وفوزها في الانتخابات وشعبيتها ليست دليل مؤهلات ونجاح، مثال: (فلسطين- ومصر)، وتصدر هذا التيار في عدد من البلدان، دون تحضير وإرشاد سياسي – فكري، قد يورطهم في فشل مماثل لفشل من سبقهم من التيارات الأخرى، 1950-2000م.
توطئة: المسلم المعاصر بحاجة لمنطق سياسي – فكري للتعامل مع الظواهر السياسي والفكرية التي يموج بها العالم.
البناء السياسي للحركة الإسلامية: لم يعد ممكناً تجاهل السياسة في واقعنا، لأن القرار الذي تفرضه اليوم يحدد كافة مناحي حياتنا اليومية، في نوع التعليم، ونوع الإعلام، ونوع الصحة، ونوع الطعام، ونوع البيت الذي نسكنه، وقدر الدخل الذي نحصله، ومن الجهل إنكار هذه الحقيقة.
فما تصدره مطابعنا اليوم من كتب إسلامية تركز على العبادة والتعبد أكثر من غيرها من مواضيع الحياة، هي التي تبين مقدار التوازن أو الخلل الحاصل في أذهاننا وعقولنا، فغياب التأصيل السياسي لقضية الحرية والنظام السياسي المطلوب، والتعامل مع الآخر، يشكل عقبة أمام النهضة المطلوبة.
حضارة بلا معنى ولا مذاق ولا هدف: هي حضارة الغرب، (توفلر)، لأن الحياة المتكاملة للفرد، تحتاج منه: 1- الشعور بالانتماء، 2- وضوح المعايير. 3- تحديد معنى الحياة ومآلها. ولهذا لا وجود لهذه الأمور في الحياة الغربية، لأن صراعها مع الماركسية حاربت الانتماء الجماعي، (بالفردية)، وانعكس على المقاييس الفردية فجعلها نسبية (مصلحية)، فأنتجت حياةً بلا هدف.
يدل عليها الأفلام الغربية التي تؤكد على الجنس، والعنف، والشذوذ، والفردية، وتمجد المجرمين والقتلة، والخارج على القانون، لقد نجح الغرب مادياً، وفشل إنسانياً، واجتماعياً، بينما إسلامنا أعطانا من النظم والقيم، ما نحقق به معنى الحياة الحقيقية.
أزمة المسلم المعاصر: يواجه المسلم المعاصر تناقض بين ما يعتقده ويقرؤه في كتابه المقدس، وبين ما تحكم حياته من قوانين وتدابير بعيدة كل البعد عن شريعته، فالوحدانية لله، والاتباع لغيره من البشر، حتى في حياة والديه، ومدير مدرسته، ورب أسرته، تدفعه لخيارات: 1- الانسحاب من مسرح الحياة الحقيقية، إلى مسرح ضيق منزوي في المسجد وتوابعه، لا علاقة له بعمران العالم والتأثير فيه، 2- رفض الواقع ومناهضته دون أدوات متكافئة، تحرض القوى المضادة على وأده وإنهاء وجوده. 3- خيار تحقيق الممكنات إذا سمحت النظم من خلال المشاركة المحدودة، وتذبذب الشعور النفسي بين الانتماء واللاإنتماء.
فهم الغرب وليس الذوبان فيه: كما فعلت اليابان، قال " يا سومازا كورودا الأستاذ في جامعة هاواي: " اليابان مزجت بين الروح اليابانية والتكنولوجية الغربية، لم نتقمص الغرب، بل فهمناه، لنكسب بأقل قدر من التمزق الاجتماعي" فهو بلد وثني، خزعبلاته تملأ مجلدات، والمرأة اليابانية تعتبر بمقاييس الغربيين، متخلفة اجتماعياً، وهذا هو السر الذي حفظ لليابان خصوصيته ونموذجه الذي اختار التعامل من خلاله، وهذا عكس ما يدعو إليه علمانيي العرب، بأخذ الصفقة الغربية بالجملة، دون تجزئة، والتجربة اليابانية تؤكد خطأ تجربتنا العربية في التعامل مع الغرب وخطورتها، ويشير " منير شفيق" إلى إدراك القادة الغربيين، أن تعاملهم معنا ينبغي أن يقوم على تحطيم مقوماتنا الفكرية العقدية، ليتسنى لهم السيطرة الدائمة، وهذا ما قفزت اليابان عليه وأبقت على خصوصياتها الثقافية، فحصلت على ما تريد بأقل الخسائر.
اهتمام المسلمين ببناء المساجد، أكثر من المستشفيات والمدارس: الصلاة نستطيع أن نؤديها في أي مكان، لكن تنفيذ عملية جراحية واستشفاء، لا بد له من مكان وأدوات مناسبة، وعمل الخير ببناء مستشفى أو مدرسة، أجره اليوم أكثر من أجر بناء مسجد، وإهمال المرافق العامة ناتج عن سوء فهم للإسلام، وكيفية فهم قراءة القرآن، ولقضية عمارة الأرض، كل ما ييسر حياة المسلمين فيه أجر عظيم، أول عمل بدأ به رسول الله والحرب مستعرة، هي الاستفادة من العدو في التعلم، ولو تداعى المهنيون في بلادنا لفتح مراكز تعليمية وورشات عمل، لتغيرت حياتنا الاجتماعية رأساً على عقب.
التعذيب آفة العصر: لا يمكن أن ينال المسلم حقوقه في مجتمع يُقبَل فيه قيام السلطات بتعذيب المساجين، والمعتقلين، لا بالضرب ولا بالكهرباء، ولا بأي وسيلة تحط من كرامته، مع المطالبة بحق الدفاع القانوني عن نفسه، والمحاكمات العادلة.
نحيا عصر الأزمة اليوم: أزمة المجتمع الاستهلاكي المتغرب، الذي أجدبه الحصار الثقافي الغربي، فنزع منه خلق الاكتفاء النفسي، فاتجه في استهلاكه إلى الإدمان الميسر، فلم يشبعه شيء لا مادي ولا معنوي، فأصبحت مرارة حياته هي الأزمة، وتفاعلت أربعة تيارات في مواجهتها: الإسلامي، والليبرالي، والقومي، والماركسي، التيارات الثلاث الأخيرة، عجزت عن تقديم تغيير جوهري جذري لهذه الأزمة، مع أن التحدي الأعظم للمسلم اليوم، هو التحدي الغربي الثقافي والاقتصادي والسياسي، والغرب يريد من المسلم أن يقف منه موقف التلميذ الذي لا يستطيع مجاراة أستاذه في شيء، حاجتنا إلى العدالة الاجتماعية، لا تحوجنا إلى الماركسية، وحاجتنا إلى الحرية لا تحوجنا إلى العلمانية، لأن تراثنا يكفينا للتزود بكل أنواع الطاقة والوقود في معركتنا مع أعدائنا ومشكلاتنا، شرط أن نتحرر من عقدة النقص والخواجة، إذا قرأنا التراث قراءة نقدية استثمارية صادقة.
قضية الإسلام: جزيرة نائية في المحيط الهندي سكانها لا يتعدى مائة ألف نسمة، تعلن استقلالها، وتنال مقعدها في الهيئات الدولية، وتعلن تقرير مصيرها، وترفع علمها، وتحيا كما يقرر أبناؤها في لغتهم ومعتقدهم وثقافتهم، في مقابل أكثر من مليار مسلم، ليس لهم استقلالية أن يعيشوا بدستور من صنعهم، وبثقافة من تراثهم، وتتوقف غالبية مؤسساتهم على موافقة الاستعمار المبطن، للقوانين التي تحكمهم، والثقافة التي تدرسها مدارسهم وجامعاتهم، - حتى أسماء ومصطلحات المراحل التعليمية واختبارات الجامعات والمدارس، ترجمت حرفياً من مؤسسة اليونسكو وبإشرافها – فضلاً عن طريقة إدارة المؤسسات الإعلامية والصناعية والعسكرية، والجماعات الإسلامية تحاول كسر هذا الطوق، من خلال فرع دعوي إسلامي، تنشره بين الناس، لكن ينبغي أن يدرك هؤلاء، أن التنسيق أكثر من ضروري اليوم، لأن القوى الكبرى الغربية المسيطرة اليوم، لا تستغني عن هذا التنسيق فيما بينها، فكيف بنا ونحن أحوج ما نكون إليه، سابقاً ولاحقاً، وهو من صلب ديننا الحنيف.
نحن والعمل السياسي: أهم عوامل سقوط الأمة الإسلامية، تركيز الاهتمام على الأمور النظرية في العقيدة والكلام والشعر والفقه، وإهمال الأمور العملية المتعلقة بالحكم والصناعة وعلوم التسلح، وتركوا ذلك لمن يستخدم القهر والتزوير والمداورة والنفاق، فابتعد الفضلاء عن هذه الأمور فكانت الخسارة على الأمة كبيرة جداً، فإذا كانت الحياة الفطرية هي السائدة في تاريخ أمتنا، بحيث تتحكم الشريعة والأخلاق في الناس، دون تدخل من الدولة، فاليوم الدولة تتدخل في تفاصيل حياتنا البيتية، وحتى تعليم أبنائنا في المدارس على ما يريد أصحاب الشأن، والتأثير علينا من المولد إلى الوفاة، ولهذا لا يصح الاعتزال عن صياغة حياتنا كما نريد، طبقاً لشريعة ربنا سبحانه وتعالى.
الإرشاد الثقافي والحضاري للإسلاميين: كثرت مؤخراً الكتابات الإسلامية الداعية للنهضوية، لكن كثير منها يفتقد المنهجية التحليلية المتماسكة، وتفتقد كذلك الأفق الحضاري العالمي، الداعي إلى حوار الحضارات، كما يطالب المفكر المسلم الفرنسي " رجاء غارودي" لكن لا ينبغي علينا أن نلج هذا الباب من بوابة " اعرف عدوك" أو " لتستبين سبيل المجرمين" بل من باب فهم العصر واستيعاب استثمار منجزاته الإيجابية، وعدم النكوص الرهابي في الخوف من الآخر، فنهدر طاقة استشراف المستقبل لإعادة تجديد الإسلام والدين كما أخبر المصطفى في الحديث المشهور بهذا الخصوص.
الموجة الثالثة: كتب "توفلر" كتابه " صدمة المستقبل" وأتبعه بكتاب "الموجة الثالثة" يقول في: " العالم مر بالمرحلة الأولى الزراعية، وتشكلت علاقات الناس والمجتمعات على معطياتها، ثمر مر بالمرحلة الثانية الصناعية، وتشكل العالم والعلاقات على حسب نتائجها، واليوم يمر العالم بالمرحلة الثالثة ما بعد الصناعة [ الرقمية والمعلوماتية] وهذه أصابت الناس بطاعون العزلة والوحدة والفردية والانطواء، الذي تساعد عليه السيارة، والتلفزيون، والانترنت، مما أدى إلى انتشار الأمراض النفسية والمصحات نتيجة لافتقاد الدور الاجتماعي والأسرة، فاقتنصت الجمعيات السرية المشبوهة هؤلاء الناس، فزادت من مآسيهم، وأن العالم الغربي في طريق سقوط نموذجه الإنساني، ولا نستطيع التكهن بما سيحصل في المستقبل القريب.
ضرورة غرس القناعة العامة بحقوق الإنسان: والتعذيب اليوم في السجون، سرطان الانحطاط الإنساني، كان يحدث مثله نموذجاً للمتعة السادية في مدرجات روما وبيزنطة، واليوم ليس للمتعة، وإنما لإرهاب الناس وتطويعهم للرضوخ والسكوت عن مظالم الفساد والحكام، والسيطرة على الشعوب، وأكد عدد من الحقوقيين، أن تدريس حقوق الإنسان ترسخ المطالبة بها والدفاع عنها، وطنياً وإسلامياً، لقوله تعالى: (قل أمر ربي بالقسط)29/الأعراف.
شعبية التيار الإسلامي: لا ينكرها ذو عينين، لكن هذا لا يعني أنهم خلو من الأخطاء والشوائب، التي هي بحاجة ماسة إلى مدارستها، والعمل على تلافيها عملياً وليس نظرياً فحسب، على أن يستمسكوا بالحرية السياسية من المنظور الإسلامي، وليس الغربي، وعلى العلمانيين العرب أن يدرسوا هذه الظاهرة بانفتاح، وليس عبر مسطرة اليسار العربي، بل عبر مسطرة التاريخ المشرف للجميع في منطقتنا والعالم، بإنصاف وموضوعية لاستثمار هذا التيار في تحقيق الأهداف المشتركة للطرفين، إذا حسنت النوايا، وخلصت الوطنية والانتماء التاريخي والجغرافي.
الميكانيكي والديناميكي: في رمضان تظهر تماما اهتمام عامة الناس والجماهير المسلمة من خلال أسئلتها للعلماء وإجاباتهم، بفروع الدين، والفتاوى الشخصية، والعبادات، بحيث ينبئ أن تصورهم عن الإسلام، أنه مجرد دين، وليس هو منهج عمران وحركة وحياة، بينما هو في أسئلتهم، نظام ميكانيكي: أحكام، وطقوس، ومظاهر، مع غياب شبه تام عن عمق مقاصدها الشرعية (المناط والعلل)، ولو استمر هذا الفهم المحدود له، سيأتي زمن يصاب فيه المسلم بالملل، نتيجة روتين الآليات والمفاهيم، إذا لم يطرأ عليها تجديد الفهم والتطبيق، لتحقيق العدل والترابط الاجتماعي، بالشورى السياسية وإعادة صور التكافل الاقتصادي، والاجتماعي، لتحقيق مشاريع النهوض بالإسلام، لتحقيق النهضة والعمران به، لأنه مشروع كبير لتنظيم الحياة، على ضوء تعاليم القرآن وتوجيهاته، ودور العلماء نقل الناس من الأسئلة الروتينية الميكانيكية، إلى الأسئلة الإبداعية الديناميكية، لعصرنة الإجابات والحلول والمشروع المستقبلي للإسلام.
التحليل الماركسي للتاريخ الإسلامي: عندما شعر الماركسيون بالهوة الكبيرة بينهم وبين الجماهير العربية الإسلامية، بدؤا يكتبوا عن الدين من منظورهم الماركسي، فكتب: (طيب تيزيني) "من التراث إلى الثورة" وكتب د. (عابد الجابري) " نحو رؤية تقدمية" ، وكتب (د. عبد الله العروي) " العرب والفكر التاريخي)، وكتب (د. حسين مروة) " النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" وكلها بتفسير مادي ماركسي للدين.
مع د. حسين مرّوة في كتابه: ومع أساتذته الماركسيين ماركس ولينين، فهم لا يؤمنون بوجود الله، ولا الآخرة، ولا أي غيبية دينية من جنة ونار وملائكة ورسل، وهدفهم الأكبر إشاعة الإلحاد، في أوساط الشباب المسلم، ولهذا هو والماركسيون، لا يؤمنون بالوحي الإلهي، ثم يعتبرون الإسلام مجرد صراع بين من يملك أدوات الانتاج والمال والتجارة والفقراء المحرومين، وكلا الأمرين لا يفسران شيئاً من عظمة الإسلام وقدرته على الخلود والإقناع وتغيير العالم.
إذا أنكر الماركسيون العدالة الأخروية، فإنهم بمنطوق فكرهم، أن العدالة الدنيوية لا تتحقق إلا بالشيوعية، لأن الدولة الاشتراكية هي دولة طبقية يسيطر عليها العمال، والدولة هي شكل من اشكال القهر البرجوازي، لا يتحرر الناس منها، إلا في حال اندثرت الدولة وحلت الشيوعية المشاعية، فيأخذ كلٌ ما يحتاجه، ويقدم كلٌ ما يستطيعه، في هذه الحال لا ظالم ولا مظلوم، ونحن نعلم ان النظرية سقطت وتحللت دولها، قبل الوصول إلى هذا الغرض، فمعنى ذلك ما عابوه على الآخرين، هم منغمسون فيه إلى آذانهم.
من وصم عقيدة الإيمان بالآخرة، أنها لتيسير اضطهاد الجماهير، من القوى الاضطهادية، فإننا نقول ما دليلك على ذلك أولاً، مع اقرارنا بوجود هذا بدرجة ما، ولكن الأحزاب الماركسية في البلاد التي وصلت بها إلى الحكم، ألم تضهد طبقات الجماهير باسم الحزب ودكتاتورية البروليتاريا كذلك، ومارست كل أنواع الاضطهاد الاجتماعي والتعسف السياسي، وقد قتل ستالين في محاكمات (1936-1938) بضعة ملايين من الشعب الروسي، وحتى من رفاقه في الحزب، وما مارسه الحزب الشيوعي العراقي في شوارع بغداد والموصل، من قتل وسحل أيام عبد الكريم قاسم، ومثل ذلك في كل الدول التي استولى الشيوعيون فيها على الحكم.
الإسلام هو التشريع الوحيد الذي شرع كل ما يكفل الفقير والمحتاج، مهما كانت الأحوال والظروف، بحيث يسع مال القادرين غير القادرين، بقوة القانون والقضاء والشرع.
إفراغ الماركسيين العرب الفتوحات الإسلامية من مضامينها الإنسانية: تبعاً لما ذكره المستشرقون الغربيون قبلهم عن هذه الأمور بدافع الحقد الصليبين وليس الإنصاف، وما يدندنوه عن الجزية، غير صحيح، وهي مقدار رمزي جداً عن الفرد القادر لا تتجاوز الدينار أو الدينارين في السنة، مقابل أضعافها مما يجب على المسلم في أمواله من الزكاة.
مالك سيف في كتابيه: يلاحظ الدور الكبير الذي لعبه اليهود في بلادنا في تأسيس الأحزاب الشيوعية وتدريب قادتها العرب، بإشراف (منظمة الأحزاب الشيوعية العالمية) منهم: " حاييم أورباخ سكرتير الحزب الشيوعي الفلسطيني" و " جوزيف روزنثال" المصري مؤسسه في مصر، مع " هنري كورييل" صاحب مكتبة في الزمالك، وتتلمذ عليه "عبد الخالق محجوب" السوداني سكرتير الحزب الشيوعي السوداني، عندما كان يدرس في القاهرة، ومثل ذلك يهود العراق مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي، ولقد وقف هذا بشكل واضح مع تبعيته للاتحاد السوفييتي المؤيد لحق اليهود في فلسطين، ورفض تأييد ثورة الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه، وكان هم الحزب تأييد الاتحاد السوفييتي، في مواقفه ولو عارضت مصلحة العراق والعرب، وأغلب قيادات وعناصر الأحزاب الشيوعية العربية من فئة المثقفين، وليس من فئة العمال، وهذا يبطل الزعم الذي يروج له الحزب فكرياً، فقط مهمته تسويق أفكار بعيدة كل البعد عن ثقافة الأمة وعمالها وفقرائها، كما يزعم.
وكان خالد بكداش رئيس الحزب الشيوعي السوري حريص على عدم ترجمة الكتب الماركسية التي تتضمن الإلحاد، لعدم الاصطدام بالإسلام المتجذر في الشام والأردن ولبنان ومصر، كما كان يعترض على كثرة انضمام اليهود والنصارى للحزب في العراق، لأن هذا يعيق انتشاره.
كيف يفهم الشيوعيون الإسلام: أن ظهوره لأسباب اقتصادية اجتماعية، لا علاقة له بالوحي والنبوة والدين، هذا كلام: "بندلي صليبا جوزي" الشيوعي الفلسطيني، وأن القرآن من وضع محمد وتأليفه، مستشهداً ببعض أقوال المستشرقين، ولهذا ضحك منها شيوعيو العرب ما بعد الاسماعليون والقرامطة، وهذا يبرز مدى سذاجة هؤلاء كعملاء ببغاويون للغرب في منطقتنا العربية.
ولهذا تجدهم يثنون على تمرد البابكية والاسماعيلية والقرامطة في تاريخنا، واعتبارها أول حركات اشتراكية في الإسلام انتشرت في خلافة المعتصم في العراق وإيران وأذربيجان بين الفلاحين، (833-842م) مع أن غرضهم كان هدم الإسلام للعودة إلى الديانة الوثنية الزرداشتية، - كزواج الأخت من أخته – وشرب الخمر – والتحلل من العبادات، مع أن زعيمهم السري – الإمام- أخذ مقام فوق النبوة لديهم، وأعلن غرضه، هدم الإسلام وشرائعه، وأن هذه الشرائع هي تصلح للعميان والحمير في زعمه، وأن أتباعه لا حاجة لهم بها، وساهموا في وضع رسائل " إخوان الصفا " وهم من ساهم في نشر الفلسفة الإلحادية، والتصوف المنحرف.
ويمدح بندلي صليبا الماركسي أبو طاهر الجنابي الذي احتل مكة وقتل الحجيج، ووقوفه على باب الكعبة قائلاً: أنا بالله وبالله أنا .......................يخلق الخلق وأفنيهم أنا ص: 182.
من كتابه (تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام) فكانت دولته أول جمهورية شيوعية في البحرين، في القرن الرابع الهجري، والعاشر الميلادي، وشبه حكمهم في البحرين بحكم الجمهورية الروسية البلشفية، وانهم حققوا العدالة الاجتماعية ولم يبق فقير في البلاد، ثم خرج عليهم السكان والعامة سنة 998م وأخذوا يقتلون بهؤلاء القرامطة، - لو كان كما يزعم هناك عدالة منهم – لما قتلوا فيهم.
التكتيك الشيوعي تجاه الإسلام: 1- يقوم على مقولة ماركس وإنجلز " أن الدين أفيون الشعوب" وأنه زفرة المظلومين نتيجة الإحباط والجهل والفقر، ولما وصل لينين إلى الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، وجد عدد كبير من المسلمين من رعاياه، وحتى لا يدخل في صراع مباشر معهم، طلب من عدد من المفكرين الملمين بالتاريخ الإسلامي، دراسته لتنقيح ما يتعارض مع الاشتراكية والماركسية بزعمه، حتى يتسنى له القضاء عليه بالتدريج، واعتبر ذلك تدبير مؤقت.
2- كما ذكر في مجلة كومونيست الروسية عددها لأول يناير 1964م، وحذرت المجلة من القول بأن الإسلام دين الاشتراكية، لأننا لا نقبل ذلك إلا بتحطيم كل قاعدة يمكن بها بعث التضامن الإسلامي، لأن ذلك تحدي للاشتراكية، واسسوا مجلة خاصة بعنوان: " العلم والدين" وتحذر المجلة من الإسلام خاصة، لما له من مقدرة عجيبة على التطور والصمود، بدليل بقائه هذا الزمن المتطاول، وان رجالاته وأتباعه يتمتعون بنشاط وقناعة وجدانية عميقة تعادل أو تفوق قناعتنا الاشتراكية، وأن السبيل إلى ذلك ليس تحطيم المعابد بالفؤوس، بل تحطيم ما في الضمير بالإلحاد، والعلم المادي، وليس من الضروري الاستهزاء من قصص القرآن والإنجيل، وإنما نعيد تفسيرها بقوالب اشتراكية، فإذا قلنا أن يسوع ثائر يطلب حق الفقراء، بمثل هذا نقول عن محمد وغيره.
3- عملاً بتوصية لينين في مؤتمر باكو 1922م شرع خبراؤهم في تفسير الإسلام على أنه ثورة على قطاع الطرق لحماية تجارة قريش ومن بينها تجارة محمد وقبيلته، " دبروليوبسكي" صحيفة " نوفي فو ستوك" كصراع بين الحضر والبدو، ولاحظ الحزب الشيوعي، أن هذا التفسير سيستفز المسلمين في الاتحاد السوفييتي، فأصدر أمراً بعدم تبني هذا التفسير رسمياً، فخرج " مورزوف 1946 بنظرية أن محمداً ص شخصية وهمية، والقرآن ظهر بعده في القرن 11م فتحرك الحزب ثانية وأوقف هذا التفسير خوفاً من ردة فعل المسلمين، - وكانوا حوالي أربعين مليوناً – وتبنوا بعدها نظرية " تولستوف" أن الإسلام مرحلة من مراحل الصراع الطبقي لإنصاف الطبقة الكادحة، وأن الحاجة إلى الاستعاضة عنه بالفكر الوضعي اللاديني. ص97.
4- وصية لينين كانت لتهيئة الأرضية بين المسلمين للتغلغل الشيوعي، وعدم الاصطدام مع عقائد المسلمين، من خلال ما سماه " الوعي المادي" ليحل مكان " الوعي الروحي" بالتركيز على المنجزات الصناعية والزراعية والعسكرية والعلمية، بالدعاية والإعلان، بحيث تمدح إنجازاتهم ولو لم يكن ثمة إنجاز، ونحن كمسلمين لا نرفض الإنجازات المادية، ولكن نحققها من خلال التصور الإسلامي للحياة السوية المتوازنة، لا كما تفعل الشيوعية.
5- تلقفت المجموعات العربية الشيوعية فكرة لينين لتنقيح الدين لتطبقها على الإسلام، وأمثلها في ذلك ما قامت به " أمانة الدعوة والفكر الاشتراكي في الحزب الوحيد المرخص (الاتحاد الاشتراكي) المصري، وأصدروا " الملحق الديني " لجريدة الجمهورية، في الستينات، من خلال الخطة التالية: أ- احتكروا تفسير الإسلام بالتركيز على عبارة " الدين الصحيح" آلاف المرات، لإيهام الناس أن الفهم المناسب للدين هو التفسير الاشتراكي. ب- الربط بين كلمة الدين والثورة، وهذا ما كان يؤكده الكاتب: عبد الحميد الدواخلي – وجمال الدين الرمادي – ومصطفى بهجت، وأن الثورة قام بها الضباط الأحرار، وهذا هو لب الدين، وأن على الأمة أن ترجع إلى دينها من خلال الالتفاف حول الضباط الأحرار الثوريون بحق، وأنهم هم علماء الأمة الذين فهموا الإسلام بحق، فإنشئ مكتب للشؤون الدينية في الاتحاد الاشتراكي، لربط العلماء بالحزب ومن ثم بالجماهير من خلاله، وكان المسؤول عن ذلك الماركسي الشيوعي " كمال الدين رفعت".
6- سيطر الشيوعيون في مصر على" أمانة الدعوة والفكر" في الاتحاد الاشتراكي –الستينات- لأن المؤسسات الإسلامية من أوقاف ومدارس وجامعات ومساجد تتبع لها، ورئيسها الشيوعي الماركسي "كمال رفعت" ورفاقه وضعوا خطة توظيف الدين نحو الاشتراكية، فقال أحد كبار مسؤولي الأوقاف في الملحق الديني لجريدة الجمهورية 15/7/1966م: " وزارة الأوقاف جامعة مهمتها التطبيق الاشتراكي السليم، وأن رسالة الوزارة ومهمتها اشتراكية بحتة، لتعميق جذور الاشتراكية في مجتمعنا العربي، ليقوم المسجد ببناء الفرد الصالح ليشارك ببناء النهضة الثورية التقدمية الجديدة" وعملت أمانة الدعوة على وضع إدارات للمساجد من بينهم عدد كبير من الشيوعيين لتحقيق هذا الغرض، والغرض النهائي البعيد نشر الإلحاد، وهدم الإسلام.
7- صرح د. محمد وصفي في الملحق الديني لجريدة الجمهورية، بأنه تقرر عقد اجتماعات دورية اسبوعية للعلماء وأئمة المساجد بمكتبه لتمكينهم من التفاعل الثوري مع الاتحاد الاشتراكي، ولهذا كان يطلب من كل واحد منهم أن يحمل كتاب الله في يد، والميثاق الثوري الاشتراكي في يد أخرى، وأعدوا دورات تثقيفية في النظم والمبادئ الاشتراكية للوعاظ، وفرزوا من خلالها المتحمس لها من المعرض، فقربوا الأول وأبعدوا الثاني في الوظائف، وعملوا دورات في الإذاعة المصرية بنفس الموضوعات، وحرضوا علماء الأزهر على للانتساب إلى المعهد العالي للدراسات الاشتراكية، بغرض تطوير وتبديل الدين لخدمة الاشتراكية والماركسية والإلحاد، وزودوا المساجد بكتب لنشر الاشتراكية.
8- أدرك الشيوعيون أهمية وثقل الأزهر في حياة المصريين، على مدى التاريخ، فتصدى لهم الإسلاميون فيه، إلى أن جاءت مرحلة الستينات فتحقق لهم الاختراق فيه من خلال إدخال التخصصات غير الشرعية، فمكن لهم من إدخال الدراسات الماركسية في فرع أصول الدين، باسم التحويل الاشتراكي للأزهر، حتى بدأ شيخ الأزهر يتكلم عن فيتنام ويستنكرها، ولا يتكلم عن حرب اليمن، ولا عن حرب قبرص ضد المسلمين، ولا عن مسلمي كشمير، وكان قلبه مع بوذيي فيتنام، وليس مع مسلمي اليمن وقبرص وكشمير، وذلك بتحالف الشيوعيين مع الحكم المصري.
9- من خلال التزام الشيوعيين بتفسير كل من: " تولستوف و تومار" للإسلام على أنه صراع طبقي، بين الأغنياء والفقراء، ظهر جلياً في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، عثمان ومروان بن الحكم وابن عون ومعاوية حزب اليمين، ويمثل علي، وأبو ذر، وعمار وابن مسعود حزب اليسار، لاختلافهم حول (المال العام والملكية الفردية) واعتبروا الفتنة ثورة اليسار على اليمين، ولهذا أخذوا التركيز على هذه الفكرة اليوم لإنشاء تيار أسموه اليسار الإسلامي، بعد أن فشلوا في احتواء الفكر الإسلامي لدى الشعوب العربية والإسلامية.
10- كتب خالد محي الدين الماركسي المصري في مجلة روز اليوسف عدد1 فبراير 1975م : " هل يتعارض إيمان المسلم بالله، إذا اقتنع بصحة بعض الاكتشافات الماركسية، لتطوير مجتمعه، لتحقيق الكفاءة والعدالة " ويقرر إمكانية المزج بين الإسلام والماركسية لتحقيق هذا الغرض النبيل، في حق الإنسان بالعمل، وحقه في عائد عمله، دون أن يستغله أحد، لأن الإنسان أثمن ما في الوجود" متجاهلاً هذا الماركسي، الاختلافات الكبيرة بين شريعة السماء وتجارب البلهاء، وأن من حقنا رفض إيديولوجيتهم المادية السخيفة، كما هم رفضوا ديننا الحنيف، ألسنا بشراً من أثمن ما في الوجود على زعمهم، أتكون الحرية لهم، والعبودية الفكرية لنا حسب زعمهم؟!!
والأمر الثاني: أن العدالة الاجتماعية في الإسلام، تختلف مع الماركسية في: المنطلقات، والوسائل، والأهداف، نحن نريد سلطة تطبيق شريعة الله من الكتاب والسنة، وهم يريدون إقامة سلطة العمال والقضاء على الطبقات الأخرى، ونحن نرى إنسانيتهم المتوحشة في قتل المسلمين في كل البلاد التي حكمتها الشيوعية، فهل ينطلي علينا خداعهم، ونحن نراه ونسمعه ونعيشه.
التكتيك الإسلامي المضاد:
أولاً- بينت من خلال عشرة أعداد من مجلة المجتمع، تكتيكات الشيوعية من ماركس ولينين إلى أعمدة مؤسسي الأحزاب الشيوعية في عالمنا العربي، وتبين لنا ما يلي:
1- أن الإسلام كان ولا يزال العقبة الكبرى أمام الشيوعية العالمية، وأنه المرشح الوحيد فكرياً وجماهيرياً لمواجهة ودحض مخططاتها في عالمنا العربي والإسلامي، وأن كل الأحزاب التي تنتمي إليها، تكفر بالإسلام عقيدة وشريعة، وأنها لم تيأس من مواجهة ومحاربة الإسلام إلى يومنا هذا على رغم كل هزائمها المتكررة، وأن مشروعها لا زال يلقى الدعم من أعداء الإسلام شرقاً وغرباً.
2- إن الحركة الشيوعية منذ لينين إلى يومنا هذا وظفت طاقات ومجلات ومفكرين، بشكل كبير جداً لتفريغ الإسلام من محتواه، ولم تحقق شيئاً ذا بال إلى يومنا هذا، وشباب العالم الإسلامي وجماهيره لا زالوا متمسكين بإسلامهم، ولهذا تحولت الأحزاب الشيوعية لنشر فكرها بين الأقليات، كالأرمن والنصارى واليهود والآشوريين وغيرهم، بالإضافة إلى مرونتهم في التعامل مع الإسلام، من النفي الكلي، إلى محاولة الاختراق ببعض مفاهيم التكافل الاجتماعي والعدالة الاقتصادية.
ثانياً- التكتيك الإسلامي المضاد:
1- قبل أن نبين موقف الإسلام من الشيوعية، كعمل تكتيكي لصدها، ينبغي الاعتراف بغياب " نظرية متكاملة" إسلامية في العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا بسبب إهمال التنظير الفكري المعاصر لتأصيل العقائد والشرائع والاجتهادات، لأن أغلب الخطاب الإسلامي يتناول نظام القيم، خلال الخمسين سنة الماضية، مع أن حاجتنا الملحة اليوم تحديد نظام المفاهيم بشكل علمي وموضوعي، لأن الإسلام دين متكامل هدفه تغيير الحياة الاجتماعية نحو عبادة الله وتطبيق شريعته، وهذا يحتاج اليوم – مع التطور العلمي والمعرفي عالمياً – أن يقوم مجموعة علماء وكفاءات لصياغة النظرية الإسلامية لتوضيح الرؤية الإسلامية في جميع جوانب الحياة، لأن ضباب الرؤية يؤدي إلى تصادم المشتغلون بالعمل الإسلامي وهدر طاقات ودماء وأرواح من غير مردود يذكر يعود على إعلاء كلمة الله بالخير والتقدم خطوة خطوة.
2- الثغرة الثانية: غياب ظاهرة الحوار ضمن إطارات العمل الإسلامي، ومع من هم خارجه كذلك، لأن الكتب والبحوث الكثيرة التي كتبت عن الشورى الإسلامية، لا تؤتي ثمارها دون الحوار مع الداخل الإسلامي، والخارج غير الإسلامي، ولقد سارعت كل الحركات العالمية فيما بينها عبر المؤتمرات العالمية لهذه المسألة، لعرض ما لديهم، والتعرف على ما عند الآخرين، كفكر إنساني عالمي، ونحن أحوج لعرض بضاعتنا على الآخرين ومعرفة طريقة تفكيرهم.
3- غياب ظاهرة النقد الذاتي والتقويم الموضوعي والعلمي للأداء الإسلامي في كافة المجالات، ويكاد أن لا يوجد كتاب واحد في هذا الموضوع لأي حركة إسلامية، مع ان الحركات العلمانية وغير الدينية وظفت جهود نقدية كبيرة لفكرها وكفاحها، مما نقل دعاة الإسلام من وعاظ إلى حالة التقديس، وهي معارضة تماماً للمفاهيم الإسلامية، وخاصة أن القرآن علمنا من ذلك الشيء الكثير ولم نطبقه على دعوتنا المباركة، وإذا أردنا أن نتصدى للتيار الشيوعي والعلماني، علينا أن نتصدى لهذه الثغرات في أدائنا الدعوي ( للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بمعروف.
4- وكذلك التخلص من الرهاب الثقافي: الذي هو الخوف من الآخر والجديد في عالم الحضارة، لأنه يحول دون أن نشعر من فهم العالم واستيعابه، فيتحول الإسلام بهذا الخوف من البرنامج الديناميكي الحيوي، إلى البرنامج الميكانيكي الرتيب، وهذا يدفع بالشباب إلى الرغبة في النكوص والانكفاء على الذات، دون التخطيط والعمل لمستقبل الإسلام، نتيجة تراكمات طويلة من التخلف والاضطهاد، ولهذا لا بد من الخروج من هذه العزلة، إلى الاحتكاك بالناس، ومن يقرأ أدبيات الشيوعية يدرك كم بذلوا من جهود في سبيل اختراق الجماهير والسيطرة والتأثير عليها، مع أن هذا من صلب ديننا، " من يخالط الناس ويتحمل أذاهم، خير ممن لا يخالط الناس، ولا يتحمل أذاهم" والتجاوب مع مصالح الجماهير ومطالبهم، يغني عن مئات المجلدات والخطب الرنانة الوعظية فحسب، لئلا يتحول المسلمون إلى الانعزال في جزر مقطوعة عن حياة الناس وعصرهم، لأن حادثة أهل الكهف فردية وليست مبرراً لتحويل الشعب كله إلى حياة أهل الكهف، وكذلك ثقافة المسلم المعاصر ماضوية فحسب منبتة عن ثقافة العصر، تعجز عن مواجهة العالم بثقافة يفهمها الآخرون، لكن من منظورنا الإسلامي، ولهذا نجد ثقافة جميع الأنبياء كانت تفاعلية مع ثقافة أقوامهم.
5- المسلم مثقل بالأهداف الكبيرة التي يريد تحقيقها في أسرته، ومجتمعه، وسياسة بلده، لكنه قلما ينجح فيما بعد أسرته، إن نجح فيها بسبب كثرة الضغوط عليه وعلى الناس، في طريق الذوبان مع التيار، لكنه إما أن يستمر بإيجابية من خلال تغيير وسائله، أو أن ينكفئ بسلبية وينسحب، أو يتحول إلى العدوانية على المجتمع أو الانفصام عنه، أو الركون إلى التبريرات التآمرية من قبل كل العالم على الإسلام فنستسلم، ونظرية المؤامرة لا تقدم ولا تؤخر، إذا استطعنا إثبات وجودنا على أرض الواقع بالكفاءة المطلوبة.
6- معظم الثغرات في العمل الإسلامي نابعة من التخلف الثقافي الفكري، لأن ضبابية الفكر وعدم وضوح الرؤية الآنية، ينعكس سلباً على الأداء الذي يهدر الطاقات الهائلة في معارك جانبية في غير ساحة الصراع مع الأعداء والمناوئين، ومن يظن أن الثقافة العقائدية وحدها تحصن المسلم، دون وجود ثقافة موضوعية واهم، لأنه سوف يحاصر نفسه بنفسه، وهذا انهزام بحد ذاته، حتى تنفرد به وسائل الاتصال الأخرى فتقتنص الروح الحيوية ثم العقائدية بشكل ناهم بهدوء وتدرج، له أو لأسرته فرداً فرداً، ويصبح الشارع يتحكم به الآخرون الذين فهموا اللعبة وأركانها، من خلال الانفتاح الثقافي، فيصبح المسلم جندي من جنود الآخرين بحكم السيطرة الموضوعية للمقتحم على المنكفئ، شاء أم أبى.
7- تيار في خدمة الناس: تفيد الدراسات في علم الاجتماع، أن الجمهور لا يتحمس لمساندة تيار إلا بشرطين: الأول: أن يفهم مقاصد الدعوة وأهدافها، والثاني: أن يجد لديها حلاً لمشكلاته الحقيقية، وتخفيف معاناته، وهذه مهمة الدعاة مساعدة الجماهير من خلال تحريك المجتمع، على حل مشكلاتهم، وهذا ضروري لتفهيم الجماهير بشكل لطيف وغير معقد أهداف الدعاة، التي تستوعب كل الجماهير، وإفهامه أنه تيار خرج من رحم الأمة الإسلامية، وليس مستورداً، وأنه في خدمة الناس، فإذا لمست الجماهير صدق الدعوة والتنفيذ، فإن دعاية أعدائهم الشيوعيون والعلمانيون ترتد إلى نحورهم، وينبغي أن تكون القضايا المطروحة واضحة ومعاصرة، وتحاشي الخلافات الماضوية والفقهية، لأن إصلاح الحاضر والمستقبل لا يقوم على ما مضى من خلافات، لأن الحاضر مشكلاته مختلفة عن مشكلات الماضي بشكل كبير جداً، من مثل الحديث عن: التموين – والمواصلات – والمدارس – والمستشفيات – والفقر – لأنها مفاتيح دخول قلوب العامة والجماهير، والتأثير فيهم.
8- تطوير الطرح الإسلامي: يموت سنوياً ما لا يقل عن خمسين مليون نسمة جراء الجوع والجفاف والأمراض، غالبيتهم من المسلمين، (منظمة الفاو)، ويولد مئات الملايين من الأطفال في أفريقيا وآسيا، سنوياً، دون أن يكون لهم أمل في مدرسة، أو رعاية صحية، أو طعام مناسب، والدول الكبرى الصناعية تصنع من السلاح سنوياً ما يعادل قيمته (450 مليار دولار) ويتربص بنا العالم الليبرالي (الأوربي الأمريكي) و (الروسي والصيني والهندوكي) باتجاه العالم النامي وغالبه (إسلامي)، والجميع يروننا سوقاً استهلاكية لبضائعهم، ومواد الخام التي لدينا، ولهذا يمولون الحروب المحلية لاستنزافنا، وإبقائنا على ما نحن عليه، وهناك جيوش من الباحثين لدى الغرب والشرق لتحقيق هذه المهمة في ديارنا وعقولنا، ولهذا لا ينبغي أن نبقى في خطابنا الإسلامي على منهج الوعظ القيمي والأخلاقي والعقائدي المذهبي، لأن تأثير الأخلاق على السجين المحاصر محدودة، ومن هنا ينبغي أن نأخذ العبرة من الحربين العالميتين، فنجدد خطابنا لتحديد هويتنا أولاً، ومنهجيتنا ثانياً، وأساليبنا ثالثاً، بحيث يستوعب آمال الجماهير الإسلامية في الاستقلال الحقيقي، وتحقيق الحياة الكريمة لشعوبنا المسلمة، من خلال فهم الطروحات التي يحتاج المسلم إيضاحها حتى يتفاعل معها بفاعلية وقناعة تامة، بدل اجترار صراعات مذهبية لا نهاية لها، قبل قليل كنت مع فيديو شيخ ينتقد ويضلل سلطان العلماء العز بن عبد السلام، وأنت الآن تهاجم شيوخ آخرين خدموا الإسلام اجتهاداً خاطئاً أو مصيباً، فلهم أجر أو أجرين، ولكن البقاء على هذا المنوال، يحطم قلوبنا التي بحاجة إلى مشاريع دعوية تجمع وتحقق المقاصد الشرعية، والمطالب الشعبية، لأمة منهكة من التخلف والخلاف.
9- لماذا يثور الناس؟ عنوان كتاب د. تيد روبرت غور في جامعة برنستون، 1970م وهو دراسة عن ظاهرة العنف السياسي، الفصل الأول: يبين قابلية الناس موجودة للعنف السياسي، والفصل2 أن الحرمان النسبي باعث له، والفصل3 يبين حدوده، والفصل4 الجذور الاجتماعية للحرمان، والفصل5 محددات العنف، والفصل6 آفاقه السياسية، الفصل7 إيديولوجية العنف، الفصل8 ميزان ضغط وكبح العنف، الفصل9 معالجة العنف، الفصل10 أنسقة العنف.
10- لماذا يثور الناس؟: بسبب فشل الأنظمة الاجتماعية المعاصرة في تلبية حاجات المجتمعات الأدبية والمادية، ويدعو غور إلى دراسة موضوعية لمسببات ودوافع العنف، بأقيسة رقمية، وأن طموحات ورغبات الناس المشروعة والممكنة إذا حرموا منها وكبتوا عنها، وأهمها حرمانه من العمل الشريف، والكسب الشريف، والدور الاجتماعي الشريف، ويقول: يتم علاجه بالارتقاء إلى تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص والبعد عن التظالم، والمجتمع المليء بالتظالم هو بيئة باعثة على ظاهرة العنف، ويزيدها الشعور باليأس والجهل.
ثالثاً- بين ما هو سياسي وما هو ديني:
1- ليس هناك فصل تام بين جوانب الحياة الإنسانية: بل التداخل بيت هذه الجوانب وتأثيرها في بعضها كبير، وروعة الحياة في تشابك جوانبها تلك، وهذا ما قرره وأدركه قديماً أفلاطون، في العلاقات المتبادلة بين شرائح المجتمع ومنافعها، ونظرة المتدين الخاصة بالعالم الأخروي فقط، فهم قاصر لا ينطبق على الإسلام، وهذا ما أدركه الصحابة، فأبدع كلٌ في مجال خدم به المجالات الحياتية الأخرى، التاجر عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، والسياسي المحنك، كعمرو بن العاص والفاروق عمر، والزاهد الفقيه كعلي بن أبي طالب، ومصعب بن عمير، والسفراء المحنكون والكتبة، وكلهم تخرجوا من مدرسة واحدة، مدرسة النبوة، ولم يحجروا على الإسلام في مسجد، أو كتَّاب.
2- التغريب مدخل مناسب للقضية الإسلامية: العدوان على شخصيتنا التاريخية الإسلامية اليوم بفعل الاستعمار الغربي شملت جميع الجوانب الحياتية لأمتنا، ومن يظن أن قضيتنا الإسلامية واضحة كالشمس في رابعة النهار، واهم لأن شمسنا تحجبها غيوم ورياح وغبار تكاد تطمس حقنا في هذه الشمس المغيبة، بحيث نحتاج إلى محام بارع لبيان أحقيتنا في إسلامنا ومنافعه، فإذا كان المحامي فاشلاً أو غير متحمس للدفاع عنه بذكاء وكياسة، فقضيتنا ستكون خاسرة في الميزان السنني الكوني، وهذه تحتاج إلى عمليتي رفع الحجر عن أسلمة مجتمعاتنا، وإزالة العدوان عن أوطاننا، سياسياً، واقتصادياً، وتعليمياً، وعسكرياً، وإعلامياً، ليتم بذلك البناء السليم للحقوق المسلوبة، كل أنواع الحقوق، من خلال هدم النموذج الغربي في عقول أبنائنا، وفسح المجال لنموذجنا الإسلامي، مثال: الحجاب لا يعد مسألة فقهية محدودة (بالفقه القديم) بل يطرح ضمن مفهومنا الكامل عن المرأة المسلمة وحقوقها كاملة، وأحدها الحجاب، في مقابل تعرية النموذج الغربي التسويقي الاستهلاكي للمرأة، وما يجره عليها من مظاهر الظلم والهوان والاحتقار، وقس على ذلك طرح القضايا التغريبية الأخرى بنفس المنوال، للتحرر من الهيمنة الغربية الاستعمارية.
3- ظاهرة التمييز ضد المرأة: في الصين عمل المرأة يتجاوز 60% في بعض القطاعات، و%36 في قطاعات أخرى، ولا يوجد وزيرة أو نائبة وزير أكثر من 11 امرأة في مقابل 200 وزير في الحكومة الصينية، وهذا التمييز ضد المرأة ظاهرة عالمية في كل دول العالم، المتقدم والمتخلف على حد سواء، مع فروق في نوع ودرجة هذا التمييز، ولا علاقة لهذا في بلادنا بموروثات القيم العربية أو الإسلامية.
4-دور المرأة رؤية إسلامية: أن لا تقع في خطأ مفهوم (رجال ضد النساء)، وهذا ما تطرحه المتغربات، كنوال السعداوي وأمثالها، وتزعم أن أحكام الإسلام تظلم المرأة، مع أن الطرح السليم، هو العمل على التكامل بين المرأة والرجل في التحرر والتنمية والمشاركة، لأن منهجها يصدم المرأة والرجل والمجتمع، فتصبح الأنثى ضد الأنوثة، وهذا ليس لصالح المجتمع ولا المرأة.
5-هل التعليم وحده كافٍ ليحل قضية المرأة؟ التعليم الذي يحل إشكاليات الحياة، هو التعليم من منظور إسلامي، بينما تعليم اليوم غربي في مدخلاته ومخرجاته، يركز على الفردية والمنفعية الذاتية، ولا يخدم النهوض الحقيقي للمرأة، والتركيز على الابتعاث إلى أمريكا فقط، لا يخدم المنطقة العربية، ويكرس التبعية للنموذج الأحادي الأمريكي.
6- دور المرأة الفاعل لا ينحصر خارج البيت: ومن خطأ الإحصائيات العربية في القوى العاملة، استثناء ربة البيت التي تقوم بدور فاعل هائل في تربية الابناء ونجاح الزوج، ثم لا يحسب عملها شيء، أمام من يعتبر راقصة من القوى العاملة في المجتمع، لأن العائد الاجتماعي للأم عائد إيجابي، بينما عائد الراقصة الاجتماعي سلبي، بالمقياس الشرعي، والسبب اتباعنا النموذج الغربي في المقاييس والاعتبار، مع أنه لا يحقق للإنسان متطلبات الفطرة السوية.
7- اتجاهات جديدة لعمل المرأة الغربية: بدأ في أمريكا بعد أن انخرطت ما نسبته 55% من النساء في العمل خرج البيت لأكثر من 100سنة، واليوم بدأ التراجع عنه من كبريات دعاة تحرر المرأة، والرجوع إلى العمل المنزلي، كربة بيت سعيدة، مثال: (ديبورا فالوز) تنازلت عن مديرة جامعة، لتكون مديرة منزل، في كتابها " عمل أم" لخدمة زوجها وأطفالها الأربعة، ونفسها، والثانية: (سيلفيا هوليت) في كتابها " أسطورة تحرير النساء في أمريكا" والثالثة: (باتريشيا ماكبروم) في كتابها " الجنس الثلث" تقول: عمل المرأة أفرز جنساً ثالثاً، شكله الخارجي امرأة، وتكوينها وتصرفاتها ومزاجها أصبح عدوانياً وشبيه بالذكور والذكورية، فهل المرأة العربية تجرؤ على طرح مثل هذه الأمور، التي تهم المرأة والرجل والمجتمع العربي.
8- تقييم تجربة المرأة الكويتية: التصرف الطبيعي الحكيم هو أن يراجع الإنسان تصرفاته وأفكاره بين مرحلة وأخرى من عمره، وما ينطبق على الفرد ينطبق على الجماعة والمجتمع، لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها هو أحق بها، ولقد كان من أثر ظهور البترول في بلدنا وكثرة الوافدين الأجانب (الأوربيون) وبعض المبتعثات للدراسة في الغرب، أن رجعن وهن يحملن فكراً مناهضاً للتراث، وخاصة الإسلامي، فقمن بمظاهرة في الخمسينات خلعن العباءات وحرقن الحجاب، وظنن أن هذا هو التحرر الصحيح، [ لكن بعد خمسين سنة من هذه التحولات، وخروج المرأة إلى العمل، ما أثر ذلك على أبنائهن وبناتهن وازواجهن، وأنفسهن، وهن يرون أن قدواتهن الغربيات رجعن إلى بيوتهن، وكفرن بهذه الحرية التي خسرن بها أزواجهن وأولادهن وأنفسهن] وأصبحت الخادمة هي الأم الحقيقية في البيت لدى الأبناء، فهل المرأة العربية أو الكويتية قادرة على مواجهة آثار التنازل عن دور أمومتها وتغيير سلوكها وطريقة حياتها بما يصحح الأوضاع النشاز في حياتها وحياتنا؟
9- ما كو مهر بس هالشهر والقاضي نذبه بالنهر: هذه الهتافات التي هتفت بها مظاهرة نسائية شيوعية في شوارع الرشيد ببغداد، بعد سيطرة الحزب الشيوعي على الحكم في العراق، ولا نحتاج إلى ذكاء خارق لمعرفة المراد من الشعار الذي رددنه النساء الشيوعيات، ( وهو أن من أراد الزواج أو النكاح فلا حاجة إلى قاضي وشهود وإجراءات، وعقد) كل شيء ببلاش، وهذا ما صرح به البيان الشيوعي 1848م ومختارات ماركس وانجلز طبعة موسكو 1970م " بأن المرأة الزوجة هي قن دائم كعاملة (بروليتاريا) ، من قبل الرجل الزوج (البرجوازي) ولا فرق بين العاهرة بالتقسيط والمياومة، وبين الزوجة العاهرة بالجملة على التأبيد، ولهذا الشيوعية تحرر المرأة لتكون كما تريد ليس مع رجل واحد، وإنما مع من تشاء في أي وقت تشاء، والرجل له ذلك، والأبناء تربيهم الدولة والمجتمع المشاعي الاشتراكي كما كان في الحياة البدائية.
10- الغلو والتطرف الشيوعي مع المرأة: كتب أوغست بيبل (1840-1913م) شيوعي ألماني، اعتبره لينين من الرواد، يقول: " كما أنه لا أحد يتدخل في طعامي وشرابي ولباسي، فإن مضاجعتي لأي امرأة لا يحق لأحد التدخل فيه، لأنه شأن خاص.
11- فشل مقولة الشيوعية حول المرأة: أصدر الحزب الشيوعي عام 1917م قراراً بعدم اعتراف الدولة بعقد الزواج في الكنيسة والمسجد (وكان عدد المسلمين يومها لا يقل عن 40 مليون مسلم)، فظهرت نتائج مدمرة على مستوى المجتمع مثل جرائم الأحداث، والعزوف عن الإنجاب، - لو استمر سيؤدي إلى الانقراض – وكثرة الإجهاض، وقل الزواج، فتدخلت الدولة ووضعت شروطاً للطلاق أشبه بالطلاق الكاثوليكي، وأصدرت قوانين عام 1936م مخالفة للنظرية الشيوعية، مثل مسؤولية الأسرة عن احتياجاتها، وعدل عام 1944م بلزوم تدوين العلاقة الزوجية في جواز السفر، وعللت ذلك بالقول: " بات ملحاً إعطاء احتفال الزواج هيبته المعنوية" وهذا يعتبر ردة عن التفسير المادي للعلاقات الإنسانية، التي كانت تعتبرها علاقات اقتصادية.
12- المشروع الإسلامي للمرأة: من وحي الكتاب والسنة وصدر الإسلام، أن المرأة كائن مستقل كالرجل، وليس تابعاً لأحد، وتعطي البيعة على الإسلام كما يعطيها الرجل، في النص القرآني: (...فبايعهن واستغفر لهن الله...)12/الممتحنة، ولهذا أسلمت فاطمة بنت الخطاب، وأخوها عمر كان كافراً، وأسلمت حبيبة بنت أبي سفيان، وأبوها كان كافراً، وأسلمت زينب بنت محمد، وزوجها أبو العاص بن الربيع كان كافراً، وأول شهيدة في الإسلام سمية بنت الخياط، قتلها أبو جهل، والفروض الركنية يتساوى التكليف بها بين الرجل والمرأة على السواء، وذكر ابن حجر: " للمرأة أهلية مثل ما للرجل، فلها أن تخطب الرجال مشافهة وكتابة، ومن ذلك ما كتبته أمامة بنت أبي العاص، وأرسلته إلى المغيرة بن نوفل: " إن كان لك بنا حاجة فأقبل" (الإصابة لابن حجر)، وفي البداية والنهاية لابن كثير: " ثم نهض عبد الرحمن بن عوف يستشير الناس فيهما – أي عثمان وعلي – مثنى وفرادى ومجتمعين سراً وجهراً، حتى خلص إلى النساء المخدرات في حجابهن"
13-عدم الخلط بين الإسلام والتقاليد في شأن المرأة: لأن المرأة في صدر الإسلام تحررت من التقاليد التي تتعارض مع استقلاليتها كإنسان حر مكلف، فاصبح لها تصرفها المستقل ورأيها المستقل، ضمن الضوابط التي تحكم الرجل والمرأة على السواء، ولما بدأت حرية المسلم تخضع للضغوط، باسم طاعة الحاكم، أصبحت حرية المرأة تخضع للضغوط باسم احترام التقاليد، وينبغي أن لا نخاف من إرجاع الأمور إلى نصابها، بحجة الخوف من الانحلال الغربي وتقليده، فذاك شأن، ولنا في تحرير المرأة المسلمة، من مخاوفها - لتكون أكثر فاعلية في نهضة الأمة على نهج قرآنها – شأن آخر.
14- ما يكتب ويقال عن التيار الإسلامي: في مراكز البحوث والصحافة العالمية شيء كثير، ومن منطلقات بحثية أو عدائية، ونحن لا نقرؤه، ولا نطلع عليه، لنستفيد منه، أو نحذر، أو نشارك.
15- المسألة الثقافية عند المسلم المعاصر: لا تعني مجرد الانتماء للدين، وإنما هي معرفة فلسفة الدين في كل مسألة معاصرة، وهذه تشكل نظرية إسلامية معاصرة تجاه موضوع معين، ليكون له القدرة على تحليل الأوضاع والأحداث المعاصرة المرتبطة به، على أن لا يكون لديه رهاب ثقافي من الضغوطات الممارسة ضده في ظروف معينة، وبعضٌ منها يحتاج إلى جهود جماعية تشاركية وتخصصية، لانتشال المسلم المعاصر من حيرته الناجمة عن تشابك خيوط ووسائل الهجوم الجماعي على الإسلام وقيمه.
16- الرؤية الفكرية عند المسلم المعاصر: لا بد للمفكرين من المختصين المنتمين للإسلام، من طرح رؤاهم العلمية البحثية على الجمهور لتوعيته بدينه، وتقديم وسائل له ليحلل موقف الواقع والأحداث من فكرته وعقيدته الإسلامية، تحليلاً مناسباً، يقول "هيرمان كان" : إن رسم صورة مقنعة للمستقبل، أمر في غاية الأهمية لروح معنوية عالية، ودينامية في العمل وحركة المجتمع للدوران بسلاسة نحو غاياته وأهدافه" وهذا يفرض على المسلم الدخول في معتركه من أجل تلمس موضع قدمه فيه، ولا يمكنه الوقوف متفرجاً على حركة الحياة والتطور، ولا ينبغي الخوف من هذه المعمعة، طالما أنه يعرف قيمة نفسه وهدفه في الحياة، وواجباته فيها، من خلال مزاحمة الآخرين بالحجة والبرهان والحوار، شرط أن لا يقف منه موقفاً خطابياً عاطفياً، بل متسلحاً بالمعرفة والعلم ومناهج الإقناع والبرهنة.
17- اغتراب المسلم المعاصر: عرَّف (غرودزن) الاغتراب: " الحالة التي لا يشعر فيها الفرد بالانتماء إلى المجتمع" بسبب العزلة وفقدان الهوية، وغياب الأهداف المعنوية، وأن تكون الحماسة صفراً، لا معنى للحياة ولا طعم ولا مذاق، وحتى يتحقق لها المعنى لا بد من توافر: 1- الانتماء لجماعة، 2- وضوح معايير هذا الانتماء، 3- وجود أهداف تستحق هذا الانتماء، ولهذا فقد الإنسان الغربي هذه الأمور الثلاثة، كما ذكرت سابقاً، وهذا ينسحب على البلاد العربية في وقتنا الحاضر، لكن ليس بنفس الدرجة، لاختلاف ثقافة المجتمع العربي الإسلامي عن الغربي، وهنا يحضر المواطن العربي والمسلم، هل هذا هو المجتمع الذي ناضل من أجله صحابة رسول الله وعظماء الأمة؟
وتزداد الهوة يوماً بعد يوم بين المجتمع الذي نحلم به، وبين واقع مجتمعنا اليوم، هذا نابع من السيطرة المفرطة على الفرد المواطن، بحيث يفقد حريته، والقدرة على المشاركة، ومن فقدان السيطرة، بحيث يتحلل من قيم هذا المجتمع بصورة من الصور، فيصبح بين مطرقة الاتهام ( المسلم إرهابي)، وبين مطرقة الاعتزال (وهجر النقد الذاتي)، كرد فعل على سلبية الآخرين، لكن بسلبية معاكسة كذلك، فتقوقع المسلم المعاصر في حالة الدفاع بالحق أو الباطل، فالإنسان لا يحكم عليه من موقف واحد، وكذلك لا يخلو من خير وصواب، وهو ينطبق على الجميع.
18- اغتراب وردة الفعل: لجأ المسلم المعاصر لحماية نفسه ومعتقداته، إلى حالة تقديس ما يحمله، أكثر من حالة استلهام ما ينتمي إليه، وبدأ هذا مع الاستعمار الغربي، لمواجهة التغريب والغزو الفكري، لكن ينبغي أن نفرق بين مقاومة التغريب، ومطلب التحديث، أما الأول فهو خندق الدفاع، وأما الثاني فهو خندق الهجوم، ودعاة التغريب هم وكلاء المستعمر في منطقتنا، ودعاة الاستمساك بالتراث، هم وكلاء حماية ما وصلنا إليه من تخلف، لأن ديدنهم الاعتزاز بالبطل والماضي، دون القدرة على صناعة البطولة وتجديد الحاضر، فكلا الزمرتين يفتخرون، بمن لا يقدم لنا شيئاً ذا بال، لانتشالنا من واقعنا المأزوم، لأننا بحاجة إلى الالتزام الموضوعي وليس الوجداني فقط.