ملخص كتاب " البدعة الإضافية" د. سيف العصري

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

ملخص كتاب " البدعة الإضافية" د. سيف العصري

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

بسم الله الرحمن الرحيم
تلخيص كتاب " البدعة الإضافية" د. سيف بن علي العصري - دار الفتح ط/ 1/ 2013م
مقدمة الملخص:
لم يكتف البعض بهجمة الغزو الفكري الخارجي لتحطيم حصن الإسلام المنيع، فقام بعض أدعياء حماية التوحيد وأنصار السنة، بزيادة الطين بلة، من خلال إشهار سيف التبديع والتفسيق لعموم المسلمين، ولم يكتفوا بذلك، فصاروا بالتنبيش والتفتيش على أئمة الإسلام الأوائل، ورميهم بالتبديع والفسق والضلال، وربما التكفير، دون أن يكون لديهم أدواة علمية تحصن أقوالهم وأحكامهم الجائرة، بدعوى العودة والاستمساك بالكتاب والسنة، ولهذا رأى صاحب هذا الكتاب، مناقشة موضوع البدعة، ليضع النقاط على الحروف، لرفع سيف التبديع والتكفير والقتل، عن رقاب المسلمين.
ومن أسباب ذلك كما يقول المؤلف:
1- عدم تمييز الأصول عن الفروع.
2- القصور في تصور المسائل بمشرب واحد.
3- البعد عن فقه الأئمة الأوائل، وعدم احترام جهودهم واجتهادهم.
4- ضعف المبدِّعِين، في عدم امتلاكهم أدوات العلوم الشرعية.
5- اعتماد المبدِّعين على ظواهر النصوص، والجمود على اتجاه ضيق في تفسيرها.
6- اتباع الهوى، وغلبة حب الرياسة.
آثار اعتبار ما لم يفعله رسول الله بدعة يؤدي إلى:
1- وقوع التعارض بين الأحاديث، والنصوص.
2- اغفال قول النبي : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد" (أحمد).
3- التعارض مع حديث: " من سن في الإسلام سنة حسنة"، وحديث: " من دعا إلى هدى كان له .." (مسلم).
4- تعميم القول بالبدعة لكل محدَث، يفضي إلى تبديع السلف، الذين فعلوا مثل ذلك اجتهاداً.
5- تعميم القول بالبدعة لكل محدَث، يغلق باب الخير الذي يمكن للمسلمين أن يفعلوه لنشر الخير.
عقبة أسأل الله تسهيلها
أكد المؤلف على صعوبة تأصيل هذه المسألة: ابن دقيق العيد، والشاطبي، وأبو بكر الطرشوشي، ومن ذلك البحث في مسألة الترك، هل هي دليل شرعي؟
الطحاوي: (ليس في ترك النبي الصلاة داخل الكعبة دليل) والجصاص الحنفي: (ليس في ظاهر الترك دلالة)، والسرخسي: ( الترك لا يوجب الاتباع)، وابن قدامة الحنبلي: ( وترك النبي لا يدل على الكراهة)
المبحث التمهيدي
المطلب الأول: الحث على السنة والتحذير من البدعة
حديث: " فمن رغب عن سنتي فليس مني" ( متفق عليه)، وحديث: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين.." ( الترمذي)، يقول الإمام علي القاري الحنفي: ( تحصيل السعادات الحقيقية...منوط باتباع السنة، ...واقتفاء آثار الرسول، ...حتى يلجم النفس بلجام الشريعة..) شرح مشكاة المصابيح.
المطلب الثاني: تعريف السنة
السنة: السيرة، والاضطراد، أو ما أثر عن النبي من أقوال وأفعال وتقرير، ولهذا أمر النبي بها في قوله : " من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها" (مسلم)،
قال ابن دقيق العيد: " أن المحدَث قسمين: ما ليس له أصل في الشرع فهو مذموم، ومحدث بحمل النظير على النظير، فهو ليس بمذموم، فالمنهي ما دعا إلى ضلالة، قال تعالى: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدَث) 2/ الأنبياء، وقال عمر عن التراويح: " نعمت البدعة هذه"
المطلب الثالث: نشأة البدع
بدأت من ذي الخويصرة التميمي، حينما نسب الظلم إلى النبي ، فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟ وقال النبي  لعمر: " دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية...." (البخاري).
المطلب الرابع: بداية التصنيف في البدع
ألف فيها الإمام ابن وضاح (ت: 287هـ) + والإمام محمد بن أحمد العسقلاني (ت: 377هـ) في بدع العقائد + والإمام الطرطوشي المالكي (ت: 520هـ) + والإمام عبد الرحمن الدمشقي أبي شامة (ت: 665هـ) + الإمام الذهبي (ت: 748هـ) + والاعتصام للإمام الشاطبي (ت: 790هـ) + وجلال الدين السيوطي (ت: 911هـ).
وأورد ابن شامة أن البدعة نوعان سيئة مذمومة ما خالفت الشرع، وحسنة محمودة ما لم تخالف كتاباً ولا سنة، ومما اختلف فيه كتَّاب كتب البدعة، صلاة ركعتين تحية المسجد قبل السلام على النبي في قبره، فاعتبرها بعضهم بدعة، مع أنها تحية للمسجد، عند الأئمة الأربعة.
كتاب السنة والبدعة لعبد الله محفوظ باعلوي الحضرمي الشافعي، ذكر في الفصل الثاني من الباب الأول، واحداً وسبعين حديثاً تبين قبول النبي  المحدثات التي توافق أصول الشريعة، وسنته المطهرة، وذكر في الباب الثاني اثنين وسبعين حديثاً فيها إنكار ورد لمحدثات تخالف السنة، وذكر عن الخلفاء الراشدين والصحابة مئة نموذج لمحدثات أقروها لأنها لا تصادم الشرع.
أمثلة مما اختلف فيه المضيقين في مفهوم البدعة، مع أنهم من مدرسة واحدة:
جوز ابن باز عشاء الوالدين (المتوفى) وبدعه ابن عثيمين، وجوز كلاهما دعاء ختم القرآن داخل الصلاة، وبدعه الشيخ بكر أبو زيد، وجوز ابن باز وابن عثيمين القراءة من المصحف في الصلاة، وبدعه الألباني، وجوز ابن عثيمين مشروعية إقامة حفل لحفاظ القرآن، وبدعه ابن باز، وأجاز كلاهما التسبيح بالمسبحة، وبدعه الألباني والفوزان، وأستحب قبض اليدين بعد الرفع من الركوع ابن باز وابن عثيمين، وبدعه الألباني.
الباب الأول
الفصل الأول: تعريف البدعة وتقسيماتها
المبحث الأول: تعريف البدعة لغة واصطلاحاً: اسم هيئة على وزن (فِعْلَة) وهو بدء شئ عن غير مثال، والإبداع هو الاختراع، وهي إحداث سنة جديدة في الخير أو الشر.
البدعة الحقيقية: هي التي لا ترجع إلى الشرع بوجه معتبر، ولا خلاف في إنكارها وردها.
البدعة المحمودة: هي: (ما أحدث مما لا يخالف كتاباً أو سنة، أو أثراً أو إجماعاً) قاله الشافعي، و(ما كان منها مبنياً على قواعد الأصول، ومردود إليها) قاله الخطابي، و(هي ما كان موافقاً لعموم ما ندب الله إليه، أو حض عليه رسوله) أبو السعادات الجزري.
موقف العلماء من تعريف البدعة:
1- ما أحدث بعد النبي خيراً كان أو شراً، كاختراع علم أصول الفقه، والمدارس الفقهية.
2- ما أحدث مما تناوله ذم الشارع ومنعه. بمخالفة الكتاب والسنة.
3- طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، مبالغة في التعبد.
4- طريقة في الدين تضاهي الشريعة في العبادات أو العادات.
5- ما أحدث بعد النبي وشهدت له الأدلة الشرعية بالنص أو الاستنباط، كجمع القرآن ونسخه.
المبحث الثاني
أقوال الجمهور الدالة على تقسيم البدعة
1- الشافعي (ت: 204هـ): البدعة بدعتان: محمودة ما وافقت السنة، ومذمومة ما خالفها).
2- الخطابي: (ت: 388هـ): كل محدثة بدعة: مما أحدث على غير أصل من أصول الدين.
3- ابن عبد البر المالكي: (ت: 463هـ): ما لم تخالف أصول الشريعة، فهي نعمت البدعة كما قال عمر .
4- الراغب الأصفهاني: (ت: 502هـ): كل قول أو فعل مندرج تحت أصل شرعي صحيح، فإنه ليس بدعة.
5- القاضي عياض: (ت:544هـ): البدعة إذا وافقت أصلاً من السنة يقاس عليها فهو محمود.
6- ابن الجوزي الحنبلي: (ت: 597هـ): المحدثات التي لا تصادم الشريعة، فلم يرونها بأساً.
7- أبو السعادات الجزري: (ت: 606هـ): استشهد بحديث: " من سن سنة حسنة، كان له أجرها...
8- أبو العباس القرطبي: (ت: 656هـ): شر الأمور محدثاتها، التي لا أصل لها في الشرع.
9- العز بن عبد السلام: (ت: 660هـ): البدعة ما لم يعهد في عصر الرسول : وهي: حسب الأحكام الخمسة.
10- الإمام أبو شامة: (ت: 665هـ): البدع الحسنة متفق على جواز فعلها، واستحبابها لمن حسنت نيته.
11- الإمام القرطبي: (ت: 671هـ): كل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له: مبدع.
12- الإمام النووي: (ت: 676هـ): كل بدعة ضلالة، عام مخصوص وهي: حسب الأحكام الخمسة.
13- الإمام القرافي: (ت: 684هـ): البدعة خمسة أقسام، بحسب قواعد الشريعة، من وجوب أو تحريم، أو. الخ.
14- الإمام ابن تيمية: (ت: 728هـ): ما خالف النصوص فهو بدعة، وما لم يخالفها لا يسمى بدعة.
15- الإمام أبو سعيد فرج الغرناطي: (ت: 782هـ): البدعة التي تزاحم المشروع ليست بدعة.
16- الإمام الزركشي الشافعي: (ت: 794هـ): البدعة للحادث المذموم، أما الممدوح منها مجاز، تقيد بالشرع.
17- الإمام ابن رجب الحنبلي: (ت: 795هـ): البدعة المذمومة لا أصل لها، والمحمودة ما وافق السنة.
18- الإمام ابن حجر العسقلاني: (ت: 852هـ): البدعة تنقسم إلى الأحكام الخمسة، موافقة للشرع أو مخالفة.
19- الإمام السيوطي: (ت: 911هـ): تنقسم إلى الأحكام الخمسة.
20- الإمام ابن حجر العسقلاني: (ت: 974هـ): البدعة الحسنة ما وافق شيئاً من الشرع، ولم يلزم منه محذور.
21- العلامة الكرمي الحنبلي: (ت: 1033هـ): قال بما قاله ابن عبد السلام، يعتريها الأحكام الخمسة.
22- الإمام ابن علان الصديقي: (ت: 1057هـ): الضلالة ما لا أصل له في الشرع وتحكمها الأحكام الخمسة.
23- الإمام النفراوي المالكي: (ت: 1125هـ): ما استند إلى دليل أو قياس، أو عمل صحابي فهو دين الله.
24- الإمام محمد اللكنوي الحنفي: (ت: 1304هـ): ما أحدث بعد القرون الثلاثة يعرض على الشرع.
25- العلامة الطاهر بن عاشور: (ت: 1394هـ): البدعة بحسب اندراجها تحت أحد الأحكام الخمسة.
والأمر الجامع بين هذه الأقوال: المحدث الذي يندرج تحت أصل في الشرع أو عموم أو قاعدة صحيحة لا يذم، سواء سميناه بدعة حقيقة أو مجاز، أو لم نسمه بدعة أصلاً، كما عند ابن رجب.
أما من ضيق في البدعة، ومنع أن يلحق بالشرع أي إضافة، ولو كانت النصوص تقبله، والقواعد لا تاباه، فإنه اعتبر ذلك ممنوعاً كما عند ابن تيمية والشاطبي، وخالفوا بذلك جمهور العلماء جميعاً، ومع ذلك لهم في كلامهم ما يوافق الجمهور، إلا أنهم صرحوا بعكسه كذلك.
المبحث الثالث
أدلة الجمهور على تقسيم البدعة
الدليل الأول: قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)) يس.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)) الحديد، أهل التفسير قالوا، أن الرهبان أحدثوا تعبداً لم يكتبه الله عليهم، ثم ضيعوها، (ذم الله عدم رعايتها حق الرعاية، وأعطى الله الصادقين منهم أجرهم عليها) م. ن.
وخالف ابن كثير في تفسيره أقوال من سبقه: فاعتبر أن الله ذمهم على الابتداع، وذمهم على عدم الالتزام به، وهذا مردود من أكثر من وجه، مع وجود آثار نبوية أن فعلهم لم يذم، والذم محصور في عدم الالتزام به.
الدليل الثالث: حديث جرير بن عبد الله حينما جاء بعض الأعراب وعليهم أثر الفاقة، فحث الناس على الصدقة، وقال: " من سن في الإسلام سنة حسنة...." (مسلم).
الدليل الرابع: حديث أبي هريرة : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه...".
الدليل الخامس: حديث عائشة ا: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (البخاري).
الدليل السادس: حديث العرباض بن سارية: " وعظنا رسول الله  موعظة بليغة، ثم أوصانا بتقوى الله...وحذرنا من محدثات الأمور، وقال: عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ".
المبحث الرابع
تعريف البدعة عند المانعين للتقسيم
المطلب الأول: تعريف البدعة عند ابن تيمية: البدعة هي ما لم يشرعه الله في الدين، ولا يدخل في أمر الله ورسوله، فإذا دخل فإنه من الشرع لا من البدعة" (مجموع الفتاوى).
ورفض ابن تيمية تسمية البدعة بالحسنة، للمحافظة على قول النبي " كل بدعة ضلالة".
المطلب الثاني: تعريفها عند الشاطبي: البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، مبالغة في التعبد. وقسم هذا إلى أربعة أقسام:
1- انفراد البدعة خاصته عن العمل المشروع دون قصد إضافتها إليه.
2- الابتداع في تعبد على غير الوجه الذي شرع به، ممنوع. كصيام يوم العيد.
3- ما يخشى أن يعتبر سنة وما هو سنة، الأولى تركه.
4- ما لا يصير الوصف عرضة للانضمام إلى العبادة، بحيث يعتبر جزءً منها.
فإذا نسب الفعل إلى الصحابة في زمن الخلفاء الراشدين، يعتبر بالنص، ومن ذلك كثير.
المبحث الخامس: أدلة منع تقسيم البدع إلى حسنة وقبيحة:
الدليل الأول: عموم النصوص الناهية عنها، وحديث جابر بن عبد الله: " كان رسول الله  إذا خطب...يقول: " أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، كل بدعة ضلالة، (مسلم)، وزاد النسائي: " وكل ضلالة في النار"، وحديث عائشة ا: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (البخاري).
الدليل الثاني: قول الشاطبي: " أن ما عليه دليل من الشرع لا يسمى بدعة أصلاً.
الدليل الثالث: ما ندب الشرع إليه، كالذكر، فليس لنا أن نجعل له هيئات وأعداد لازمة، لئلا يظنها الناس سنة.
المبحث السادس: مناقشة الفريقين
المطلب الأول: مناقشة الجمهور: قوبل عموم النصوص الناهية عن البدع، بالنصوص الحاثة على سن الأمور الحسنة، فتستثنى من الاندراج تحت مسمى بدعة.
تخصيص عموم " كل" بالنصوص الدالة على مدح ما وافق الشريعة، ويندرج تحت أصولها.
المطلب الثاني: مناقشة المانعين للتقسيم: فالشاطبي: " البدعة الحقيقية ممنوعة، والإضافية ما كان لها شائبتان: إحداها مستندة إلى دليل، فتكون سنة أو مباحة، أو بدون فتكون بدعة حقيقية.
رد الجمهور:
1- أن النبي أقر لكثير من اصحابه، أفعالاً قيدوا بها بعض المشروعات، مثل: الصحابي الذي قال عقب الرفع من الركوع: " ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه" (البخاري)،
2- وقوله تعالى: (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه، والله عليم بالمتقين) 115/آل عمران.
3- وكذلك ما كان له أصل فيندرج تحته فرع عنه، وإلا نكون عطلنا الشريعة عن كثير من الخيرات.
4- استصحاب البراءة الأصلية: فالمضاف إلى عبادة مشروعة وصفاً، لم يرد نص بمنعه، لا يعتبر بدعة.
5- استدلال الشاطبي بدليل ترك النبي فعل ما لا يعتبر، لأن الترك ليس دليلاً في الأمر المشروع في أصله.
6- ما زاده المكلف من تقييد بعدد أو زمن، ليس بدعة لأن النبي ذكر مثل ذلك في كثير من الأذكار.
7- ما ذكره الشاطبي بدعة: قسمان، الأول وافقه فيه جميع العلماء، وهو ما خالف الشرع ولا أصل له، والثاني وهو ما خالفه فيه جمهور العلماء عدا علماء مذهبه المالكية، مثل: الجهر بالذكر، والاحتفال بالمولد.
الفصل الثاني: أحكام البدعة والمبتدع:
المبحث الأول: قواعد في موضوع البدعة:
1- لا تبديع في مسائل الاجتهاد: قال الإمام الماوردي: " ما اختلف الفقهاء فيه فلا مدخل له في إنكاره.
2- تفاوت البدع في النكارة يستدعي تفاوت الانكار: قاله الشاطبي.
3- حرمة الرمي بالابتداع إلا ببينة: قاله الإمام ابن دقيق العيد.
4- الحكم على البدعة لا يستلزم الحكم على العامل بها: لأن هذا لا ينطبق على المسائل الاجتهادية أولاً، ولأن الحكم على أمر بأنه بدعة، هو على سبيل الظن، لأنه اجتهاد، (المجموع للنووي).
5- ما يتردد بين الواجب والبدعة والسنة: الواجب أولى بالاتباع، والسنة أولى بالترك من اقتحام بدعة" ( النووي – والسرخسي ).
6- لا يترك المشروع لبدعة عارضة إلا إذا عظمت: قال ابن حجر: " لا تترك القربات إذا لا بستها منكرات، ويزال المنكر قدر الإمكان. (الفتاوى لابن حجر).
المبحث الثاني: البدعة في العادات:
المطلب الأول: تعريف العاديات: قال الشاطبي: " ما لم يعقل معناه على التفصيل من المأمورات أو المنهيات فهو
التعبدي، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي، كالصلوات والطهارات والصيام والحج.
المطلب الثاني: أدلة شمول البدعة للعاديات:
الأثر: 1- القرآن الكريم: قال تعالى: (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم، إلا ابتغاء رضوان الله..) 27/الحديد.
2- ما رواه البخاري عن أنس : " في الثلاثة الذين غالوا في عباداتهم النفلية، ومنها عدم الزواج، وهو أمر عادي.
3- حديث: " من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" وفي لفظ البخاري: " ما ليس فيه".
أولاً- فالابتداع هنا يدخل فيه العبادات والعادات.
ثانياً- الشريعة وجهت الناس إلى تصويب الحياة الآجلة والعاجلة، فهي من منهج الله.
ثالثاً- مقاصد الدين من توجيه الناس في معاشهم وتعبدهم واحد في القواعد القيمية التي وضعها لكل من الأمرين.
المطلب الثالث: أمثلة على بدع العادات: منها: عرض يانصيب خيري (قمار) لبناء مستشفى، فهو بدعة ومعصية.
المبحث الثالث: القياس في العبادات
المطلب الأول: تعريفات: القياس: تقدير الشيء بغيره، أو المساواة بينهما، وفي الاصطلاح: حمل فرع على أصل في
حكم بجامع بينهما، وأركانه أربعة: (الأصل – الفرع- حكم الأصل- الوصف الجامع)، والأمر التعبدي: " ما لم يظهر لنا جلبه لمصلحة، أو درؤه لمفسدة" (قواعد الأحكام للعز).
المطلب الثاني: مجال القياس في العبادات: قال الإمام العز: " العبادات نوعان: معقول المعنى+ وغير معقول المعنى، الأول يقبل القياس لأنه فرع عن تعقل المعنى، والثاني لا يقبل القياس، لأن علته لا تتضح، ووضوحها أحد أركان القياس، والعجز عن التعليل يمنع القياس عليها.
المطلب الثالث: أمثلة للقياس في العبادات: اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة على جواز الاستنجاء بالجامدات غير الحجر، قياساً على الحجر، ومنع ذلك الظاهرية، وأجاز الحنفية إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة قياساً على الماء.
المبحث الرابع: تعريف المبتدع
ضوابط التبديع: البدعة المكفرة:
قال الغزالي: " 1- ما يكون اعتقاده كفراً، كإنكار الصانع، وصفاته، وجحد النبوة، 2- إذا كان اعتقاده يمنع من الاعتراف بالصانع وصفاته وتصديق رسله، من حيث ما يقع فيه من التناقض. 3- ما أنكر مما عرف بالتواتر والضرورة من الشريعة، وما عرف توقيفاً من الشرع بكفره، كعبادة النار، والسجود لصنم، وجحد شيء من القرآن، وإنكار نبوة نبي، واستحلال ما حرمه الله.
أما البدعة المفسقة: ما خالفت أصل من أصول أهل السنة، مما اتفقوا عليه، مما لا يستوجب التكفير، وأخطأ الكثيرون بتنزيل آيات التكفير على مسائل الفروع والاجتهاد، وهذا لا يصح.
وقال الإمام السمعاني: " الاختلاف في حكم النوازل التي غمضت فيها الأدلة، لا يحكم على من أجازها أو منعها بالبدعة، ولا يوجب القطيعة بين المسلمين بسببها.
المبحث الخامس: أحكام المبتدع
المبتدع ليس كافراً لأنه من أهل الإسلام، ويبقى له هذا الانتماء، وإن كان مبتدعاً، فهو مصون الدم ولا يكفر، ولا يظلم، وما يجب في حقه هو التناصح والنصيحة، بالحكمة، وأما من كان صاحب بدعة وله قدم راسخة في خدمة الإسلام، فإن من الظلم إنكار فضائله ومحاسنه.
المطلب الأول: مصير المبتدع: المبتدع مثله مثل صاحب المعصية، يرد إلى مشيئة الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، ثم أدخله الجنة، لأن كل ما سوى الكفر، ليس خروجاً من الملة، وحديث الفرق السبعين، من أمته ، لأن النبي  قال: ستفترق أمتي، يعني سيبقون من أمته، مع تفرقهم واختلافاتهم.
المطلب الثاني: قبول توبة المبتدع: عند جميع الأئمة والعلماء، لأن الكفر أعظم إساءة منها ويغفر بالتوبة الصادقة، فلقد رجع أربعة آلاف من الخوارج عن بدعتهم حين ناظرهم ابن عباس ، وتاب كثيرون من بدع الجهمية، والقدرية، والإرجاء، والاعتزال.
المطلب الثالث: هجر المبتدع: تبع للمصلحة والتأثير، قال الإمام النووي: " يجوز الهجر الدائم " للمصلحة الدينية، ويرى العلامة النفراوي: " أن لا يهجر أصحاب البدع المكروهة، لأن أصل الهجر محرم، فلا يقابل بمكروه".
المطلب الرابع: محبة المبتدع: قال ابن تيمية المحبة والبغض على قدر ما يجتمع في الشخص من صالحات وطالحات، فالإكرام بقدر الطاعة، والإهانة بقدر المعصية. (لمنع الغلو). (مجموع الفتاوى).
المطلب الخامس: الرواية عن المبتدع: اتفق العلماء على رد رواية صاحب البدعة المكفرة، ومستحل الكذب، أما صاحب البدعة غير المكفرة، ولا يستحل الكذب، وهو صادق وصاحب دين، فبعضهم قبل منه روايته.
المطلب السادس: إهانة وترك مجالسة المبتدع: أجاز العلماء ترك الصلاة خلف المبتدع، وترك الرواية عنه، قال أشهب عن مالك: " لا تجالس القدرية وعادهم في الله".
المطلب السابع: الاعتداد بخلاف المبتدع: قال الآمدي: " المبتدع إذا بلغ مرتبة الاجتهاد وكان صادقاً ومتأولاً لا ترد أقواله وفتاواه" (الإحكام للآمدي)، وقال مثله إمام الحرمين الجويني.
المطلب الثامن: تنصيب المبتدع إماماً للصلاة: لا يجوز من ولي الأمر توليته، قاله الماوردي، ونقله عنه ابن حجر، (لأن الصلاة وراءه مكروهة)، عند الجمهور، وهي صحيحة، وقاله الإمام النووي، وقال بعدم صحتها الحنابلة، إلا في جمعة وعيد" (دقائق أولي النهى).
المطلب التاسع: عيادة المبتدع والصلاة عليه: جائزة، لأنه من أهل القبلة، لكن ليس لأهل الفضل، لردعهم، وإن كانت جائزة، للزجر، والنبي  ترك الصلاة على: المدين، والغلول، والمنتحر.
المطلب العاشر: السلام على المبتدع: يترك تأديباً إلا لعذر ومصلحة.
الفصل الثالث: الترك وما يلحق به:
أولاً- التعريف اللغوي: قصد عدم فعل المقدور، والمفارقة، والرغبة عن الشيء، والطرح، والتصيير، (لسان العرب).
- التعريف الاصطلاحي: " عدم فعل النبي  وصحابته والسلف الأمر، مع وجود المقتضي وانتفاء المانع، من غير نهي شرعي عنه" وهذا يشمل الترك المقصود، وغير المقصود.
ثانياً- أنواع الترك وأسبابه: منه غير المقصود، بسبب المرحلة والحالة التطورية في حياة الناس (صناعة المنبر)، ومنه الترك لعدم الاعتياد، (عاف أكل الضب)، ومنه النسيان (كما في مراجعة ذو اليدين)، ومنه خشية الفرضية ( صلاة التراويح - وترك صلاة الضحى).
ثالثاً- حكم الترك: 1- الترك ليس منعاً: إذا كان مجرداً عن القرائن، وليس حجة شرعية، لأنه سلب لا حكم له.
2- حجج الفريق ومناقشتها: استدل العلماء على ان الترك ليس بحجة على المنع بالأثر والنظر:
أ‌- قوله تعالى: (وما ءاتكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا)، وما تركه النبي ليس داخلاً في أيهما.
قال الإمام الألوسي: " وجوب الترك يتوقف على تحقق النهي، ولا يكفي فيه عدم الأمر" (روح المعاني).
ب‌- عن أبي هريرة  قال: " فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" (مسلم).
ت‌- حديث أبي ثعلبة: " إن الله حد حدوداً...وترك أشياء من غير نسيان من ربكم ولكن رحمة منه، فاقبلوها.
وبالنظر: الترك مراتب: الترك المقصود: دون نهي، يدل على جواز تركه، كما أن الترك المجرد لا يدل بدون قرينة على التحريم، أو الكراهة، أو الإباحة.
3- من ذهب إلى أن الترك دليل على المنع: بعض العلماء، وهكذا بدعوا ما لم يفعله رسول الله ، مع أنه ترك أشياء وبين لم تركها، فلا يمكن تحريمها، بسبب وجاهة السبب، في حال ارتفاعه وزواله، فيكون الترك لا يدل على مطلق المنع، ومن ذلك فرض رسول الله الصدقة على الورق (الفضة) الناس قاسوا عليه الذهب، لكن الشافعي جعل ترك الصدقة من الذهب والمعادن دليل على عدم الوجوب، وقال الشاطبي: " السكوت في مقام البيان يفيد الحصر".
4- حجج هذا الفريق: حديث عمارة لما رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال: " قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله  ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعه المسبحة" (مسلم)، واحتج عمارة في هذا الحديث، بعدم رفع النبي  يديه في دعاء خطبة الجمعة، وهو استدلال بالترك، ولهذا كره الجمهور عدا الحنفية رفع اليدين فيها، واستدل هذا الفريق بحديث الرهط الذين تقالوا أعمال الرسول التعبدية، فجاء النبي ونهاهم، لأنه هو مع تقواه لا يفعل ما فعلوه، فيدل أن تركه لما فعلوه حجة عليهم.
حجج الجمهور : (1): صوم الدهر: حديث حمزة الأسلمي سأل النبي عن صومه في السفر، وأنه يسرد الصوم، فقال له: " صم إن شئت" (مسلم)، وحديث أبي موسى الأشعري: " من صام الدهر ضيقت عليه جهنم، " .
(2) ترك الزواج: تديناً لا يجوز لأنه مأمور به أصلاً لا على وجه الوجوب، وإنما تعتريه الأحكام الخمسة، وحالة ثانية أن يترك اختياراً لا تديناً فلا يعتبر بدعة، جمهور العلماء على جواز التبتل وعدم وجوب الزواج.
(3): قيام الليل كله: جائز ما لم يقصر في واجباته، لكن الدوام عليه مكروه عند الشافعية، قاله: النووي، أما أحياناً فلا بأس به، وقال العلامة الحطاب المالكي: " أن مالك كرهه إذا وصل إلى النعاس بسببه، أو فرط في حقوق واجبة.
الرد على من قال الترك دليل:
1- بأن القيام بعبادات لم يشرعها بعينها النبي، يعني اتهام للنبي بالكتمان: الرد هو أن ما يندرج تحت أصل من أصول الشريعة، لا يلزم منه أن يكون النبي عينه بذاته، وإنما العموم يدل عليه، وهذا يكفي، لأن كثير من الأمور فعلها الصحابة اجتهاداً بعد وفاته .
2- إحداث قرب لم يفعلها الصحابة والتابعين، يوهم بان من بعدهم خير منهم، وأهدى: وهذا مردود بما أحدثه عمر والصحابة، ولم يفعله أبو بكر، ثم الذين بعدهم فعلوا أموراً تناسب الأصول ولم يفعلها الصحابة، وهذا لا ينقص مكانة أحد.
3- فتح باب الإحداث تحت مسمى (البدعة الحسنة)، قد يفتح باب تغيير الدين ونشر البدع: وهذا مردود بضوابط الدين، والأحكام الخمسة، في تقييم المحدث، والوقوف أمام ما يتعارض مع الشريعة، في كل الأمور.
5- إنكار صلاة الرغائب من العز بن عبد السلام، دليل أن الترك دليل: والرد أن إنكار العز لها لزيادتها في الدين وليس للترك، لأن من صلى نوافلاً بشكل عام، لا يمنع، ولكن إحداث نافلة بعدد ووقت وتاريخ وتسمية خاصة، صار هذا ابتداعاً غير مشروع.
6- الأصل في العبادات التوقيف، وسن عبادة جديدة مخالف لهذا الأصل: وهذا مردود: بأن إحداث عبادة لا تندرج تحت أي أصل من الشريعة، فروض أو نوافل، مرفوض، ولا يجيزه العلماء، أما زيادة عبادة نافلة، تندرج تحت أصل شرعي، دون إعطائها صفة حكمية كالقول بأنها سنة، أو واجب، فهذا مقبول ولا غبار عليه.
الفصل الرابع: الزيادة على المشروع:
المبحث الأول: حكم الزيادة على الذكر المقيد:
جاءت الأحاديث الكثيرة في فضل ذكر الله تعالى وأجره: منع الزيادة: على المحدود العدد، عقب الصلوات، وهو الثلاث والثلاثون ثلاثاً، (المائة)، منعه القرافي المالكي، وكذلك جعل زكاة الفطر: الصاع، عشرة آصع، فهو سوء أدب مع الله، ومنعه كذلك ابن تيمية، وبرر أن من يفعله معذور اجتهاداً: ويرد على ذلك: بان الله أمر بالذكر الكثير.
والقول الثاني: لا ما نع من الزيادة: عند الجمهور: النووي، وزين الدين العراقي، وابن حجر، والزرقاني،
والشوكاني، والبرلسي، والطبلاوي، وآخرون، واستدلوا بان النبي حث على الزيادة، وكذلك القرآن، مدح الإكثار.
المبحث الثاني: حكم إضافة ألفاظ إلى اللفظ المشروع: منه مشروع محدد لا يجوز تغييره إلا للمضطر الأعجمي، ومنه ما هو غير معين لفظه بالتحديد، فيجوز استبداله بما هو من جنسه، لأن الفرق هو أن منها ما هو متعبد بلفظه كالفاتحة، ومنه ما هو متعبد بمعناه، كدعاء القنوت، ومما يجوز التغيير في الصيغة لذكر المعنى (الصلاة على النبي )، أو يأتي بلفظ المعين من الأذكار ويزيد عليها ما في معناها، وقد فعلها الصحابي رفاعة الزرقي  خلف النبي  فقال له: " رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول" (البخاري).
المبحث الثالث: حكم التزام عدد معين في الأذكار: كان لأبي هريرة تسبيح يومي 12000 تسبيحة، (الإصابة)، وورد عن جمع من الصالحين كان له آلاف قراءة سورة الإخلاص، ومنهم أبي القاسم الجنيد، (ابن كثير)، وذكر ابن تيمية لابن القيم أفضال بعض الأذكار عليه، (يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت، برحمتك استغيث).
المبحث الرابع: الزيادة في الفعل: (المعلم الفذ الذي يعلم تلاميذه على المبادرة بعد أن يحسن تعليمهم، حتى تكون عقولهم وتفكيرهم على حسب القواعد التي علمهم إياها، فلا يخطئوا، وإذا أخطأوا عرفوا كيف يدركوا خطأهم ويصوبوه) م. ن.
من ذلك ما أحدث بلال من صلاة بعد كل وضوء، (وعرف النبي  إحداثه الخير بصوت دف نعليه في الجنة) (البخاري)، وذكر ابن حجر هذا بأن بلالا استنبط هذا بالاجتهاد، (فتح الباري)، وما فعله أحد أصحابه من افتتاح كل سورة يؤمن بها الناس في الصلاة بسورة الإخلاص، فأخبروا النبي فسأله فقال إني أحبها، فأخبره : " حبك إياها أدخلك الجنة" (البخاري)، كما أحدث عثمان في زمنه لما كثر الناس أذاناً ثالثاً لصلاة الجمعة.
الفصل الخامس: ضوابط رد المحدثات
الأول: أن لا يكون أصل العمل قربة: روى البخاري عن ابن عباس: " بينا النبي  يخطب، إذا برجل " أبو
إسرائيل" قائم، ولا يستظل، ولا يتكلم، وهو صائم، (نذراً) فقال النبي : " مره فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه" . فنهاه النبي عن ما لا أصل له ولا سند وليس عبادة، سوى الصيام.
الثاني: أن يترتب على القربة تفريط في حقوق أخرى: الحديث المشهور في الحوار بين سلمان وأبي الدرداء، الذي قال في آخره: " فأعط كل ذي حق حقه، وعقب النبي على وصايا سلمان بالقول: " صدق سلمان" (البخاري).
الثالث: أن يكون الفعل تشديد يجر إلى الملل والانقطاع: يدل عليه أمر النبي بحل حبل بين ساريتين، كانت تتمسك به زينب حال تعبها لتكمل القيام، وقال: " ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد" (البخاري)، قال النووي: فيه النهي عن التعبد مع الفتور" (شرح مسلم للنووي).
الرابع: أن يكون الدافع للطاعة اعتقاد فاسد: ترخص النبي  في أمر فكرهه بعض أصحابه، فخطب بهم وقال: " أنا أعلمكم بالله، وأشدكم له خشية" (البخاري).
الخامس: أن يصادم الفعل توجيه الشارع: نهى النبي  جويرية بنت الحارث ا، عن إفراد يوم الجمعة بصيام وحده، إلا إذا كان في سياق صيام أكثر من يوم، " (البخاري)، (وفتح الباري).
السادس: أن يكون الفعل إحداث مخالف للمعهود في جنسه: كمن يصلي ويتشهد في كل ركعة، فهذا مخالف للمعهود، ويجوز التشهد في ركعتين أو أربعة، أو ستة.
السابع: أن يعتقد بالفعل أنه سنة على الخصوص: وهو الصلاة على النبي في الدعاء، إلا إذا مجد الرب قبله ثم صلى على النبي ، ثم دعا وذلك خارج الصلاة" (الطبراني) (فتاوى ابن حجر).
الثامن: أن يصير الفعل شعاراً للمبتدعة: كره الحنابلة تسطيح القبر لأن أصبح شعار أهل البدع (والروافض)، لكن لم يوافق عليه الأئمة الثلاثة الآخرون، لأن التسطيح سنة، كذلك لا يقال للرجل العزيز الجليل، فلان عز وجل، لأنه أصبح مختصاً بالله تعالى، ولا يقال صلى الله على فلان، لأنه مقالة مختصة بالأنبياء كذلك، وهي مكروهة، لأنها مشابهة لما يفعله أهل البدع (الروافض) مثلاً.
التاسع: أن يصير الفعل شعاراً مضاهياً للمشروع: مثال صلاة الوتر جماعة في المسجد في غير رمضان، كأنها
صلاة سادسة، منهي عنها، أو الجهر بالفاتحة السرية ممنوع لأنها مخالفة لسنة الإسرار بها، وكذلك إحياء ليلة النصف من شعبان على غرار قيام رمضان ممنوع لعدم الورود فيها من شيء، سوى الانفراد وفي البيوت.
الباب الثاني: تطبيقات فقهية على طائفة من المسائل
الفصل الأول: بدع العقائد
المبحث الأول: تأويل صفات الله: وأهل العلم في هذه المسألة أربع طوائف:
1- طائفة منعت التأويل: وقالت بظواهر الصفات الخبرية لغوياً، وهم المجسمة.
2- طائفة منعت الخوض في المعاني: لتنزيه الله عن الظواهر وهم المفوضة.
3- طائفة توسطت بين التأويل والتفويض، إذا كان النص يوهم التشبيه وهم الأشعرية.
4- طائفة توسعت في التأويل كثيراً، وهم المعتزلة.
المطلب الأول: تعريف التأويل: في اللغة: أوَّلَ أمرك أي جمعه – وفي الدعاء: رد الله عليك ضالتك – الطلب: تأوَّلتُ في فلان المساعدة – تفسير الكلام المختلف في معانيه – والتدبر: والفهم – المصير: آل الأمر إلى كذا وصار إليه – نبت علف خاص بالبهائم – (المعاجم اللغوية).
وفي الاصطلاح: اختيار معنىً للفظ له معاني مختلفة، بحجة ودليل.
قال الآمدي: " حمل اللفظ على غير مدلوله الظاهر، باحتمال له دليل يعضده" (الإحكام)،
المطلب الثاني: نشأة التأويل: أول ظهور له كان في زمن الصحابة، ثم التابعين، وتابعيهم، أول ابن عباس+ مجاهد+ سعيد بن جبير+ قتادة+ وغيرهم، الساق في قوله تعالى: ( يوم يكشف عن ساقٍ ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون (42) ) القلم، = بالشدة، وروى الحاكم وصححه في المستدرك، ووافقه الذهبي، عن ابن عباس ، أنه سئل عن الآية السابقة فقال: " إذا خفي عليكم شيء من القرآن، فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر: أصبر عناق إنه شر باق.....قد سن قومك ضرب الأعناق....وقامت الحرب بنا عن ساق = هذا يوم كرب وشدة (فتح الباري، والمستدرك، والبيهقي)، وذكر هذا التفسير: عامة المفسرين: الطبري، والقرطبي، والبغوي، وابن عطية، والماوردي، وأبو حيان، وابن الجوزي، والنسفي، وابن كثير، والرازي، والسيوطي، والشوكاني...الخ.
وتأويل قوله تعالى: ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة، أو يأتي ربك، أو يأتيَ بعض آيات ربك (158)) الأنعام = يأتي الأمر بالإهلاك والعذاب والانتقام، قاله: ابن عباس+ والضحاك+ كما في قوله تعالى: (وسئل القرية 82)) يوسف = يعني أهلها، وقوله: ( وأشربوا في قلوبهم العجل( 93)) البقرة = حب العجل، ومن ذلك تأويل قوله تعالى: ( وجاء ربك (22))الفجر= جاء الأمر والقضاء، قاله الحسن، (معالم التنزيل للبغوي)، وقال الإمام أحمد = مجيء القدرة، وفسر مجيء سورة البقرة وسورة تبارك يوم القيامة بالثواب، (البيهقي وابن كثير)،
وفسر ابن عباس  الأيدي في قوله تعالى: (والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون (47)) الذاريات = بالقوة، + مجاهد+ قتادة+ وسفيان+ ونقله الطبري، والبغوي، وابن الجوزي، وسائر المفسرين واللغويين. (زاد المسير لابن الجوزي).
وفسر النضر بن شميل القدم الواردة في حديث: " لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد، جتى يضع رب العزة فيها قدمه..." أي من قضى عليه بأنه من أهل النار" (قالوا: أن العرب تسمى جماعة الجراد رجلا، وجماعة الظباء سرباً، وجماعة النعام خيطاً، وجماعة الحمير عانة،" فلا يمنع تسمية أهل النار رجلاً، (1) النضر بن شميل: إمام في الحديث واللغة، من علماء القرن الثاني الهجري، يروي عنه أهل الحيث، (تذكرة الحفاظ للذهبي)، وأول الطبري الاستواء= بعلو السلطان، وقال: " قل: علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال" (تفسير الطبري).
المطلب الثالث: ضوابط التأويل: وشروطه ذكرها الآمدي في (أصول الأحكام):
الأول: أن يكون المتأول إماماً متأهلاً لذلك، وهي الشروط التي ينبغي توفرها في الفقيه، والمفسر.
الثاني: شروط صحة التأويل، قابلية اللفظ له، بنقل المعنى من الظاهر إلى المعنى المحتمل.
المطلب الرابع: موقف ما بعد القرون الثلاث من التأويل: قال النووي: حديث: " ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا" مذهب السلف وبعض المتكلمين: " بأنها على ما يليق بالله تعالى، وظاهرها غير مراد، مما يوحي بالانتقال والحركة، مما هي سمات الخلق" (التفويض).
المطلب الخامس: الجامع بين موقف السلف والخلف: قال العلامة ملا القاري، والطاهر بن عاشور: " لا خلاف في تأويل السلف والخلف، لكن السلف تأولوا إجمالاً بصرف المعنى الظاهر، إلى مراد الله اللائق به دون تحديد إجمالاً، أما الخلف، فأولوا النصوص الموهمة بالتشبيه تفصيلاً يليق بالله تعالى" (التحرير والتنوير).
المطلب السادس: سبب التأويل: ظهور أهل البدع المجسمة، الذين حملوا نصوص الصفات على ظاهرها، ولم يراعوا أساليب العرب في لغتهم، ولم يميزوا بين ما يسوغ تأويله، وما لا يسوغ، والأشاعرة والماتريدية ومن سبقهم، لم يخرجوا عن قوانين اللغة، وقاعدة قوله تعالى: ( ليس كمثله شيء 11) الشورى، قال ابن عساكر: " فغذا وجود المؤولة من يقول بالتجسيم، ووصف الله بالمحدثات، كالحدود والجهة، فحينئذ يثبتون التنزيه بالتأويل بأوضح دليل.
المبحث الثاني: التجسيم:
المطلب الأول: تعريف التجسيم: لغة: التأليف والاجتماع: والمدرك (المحسوس)، والجسد، وما له طول وعرض
وسمن، وتعريفه اصطلاحاً: عند أهل الكلام: المؤلف الشاغل حيزا من الفراغ، وله أبعاد، وقال الإمام أحمد: " المسميات مأخذها من الشرع واللغة، وأهل اللغة جعلوا هذا في: كل ذي طول، وعرض، وسمك، وتركيب، وصورة، وتأليف، والله تعالى خارج عن هذا كله، قال الإمام الغزالي: " الله تعالى ليس بجسم، لأن الجسم يختص بحيز، ومركب من جوهر، فيه تركيب وحركة وسكون، وهيئة، ومقدار، وهذه سمات الحدوث، تنزه الله عنها" (الإحياء)، وقال مثل ذلك الإمام القرطبي (جامع أحكام القرآن).
المطلب الثاني: نشأة التجسيم: نشا المذهب لسطحية طريقة التفكير والتصور فيه، فهو يوافق شيوع الجهل والسذاجة، بحجة اتباع الكتاب والسنة، ونبذ أقوال الرجال، والنفرة من الفلسفة، والتمظهر بثوب الزهد والعبادة، عبر عنهم ابن العربي المالكي بقولهم: لا قول إلا ما قال الله وما قال الرسول، وقولهم الأول مردود بالكتاب نفسه، (فاسألوا أهل الذكر) و (لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، وقوله: (لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، (العواصم من القواصم)، والتجسيم هو دين غير المسلمين، اليهود، يقول الرازي: " التشبيه في الإسلام بدأه الروافض، وهشام بن الحكم، والجواليقي، والقمي، والأحول، المدعو: شيطان الطاق، ثم تبعهم بعض المحدثين ممن ليس لهم نصيب من علم المعقولات" (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين)، وأول من أدخل التجسيم على اهل الحديث " مقاتل بن سليمان" البلخي المفسر، قال البخاري عنه: (لا شيء البتة)، روى الخطيب عن أبي حنيفة قوله: " اتانا من المشرق رأيان خبيثان: جهم معطل، ومقاتل مشبه" (تاريخ بغداد)، وذكر تجسيمه ابن الوزير، والحافظ ابن حجر، قال عنه الشافعي: " مقاتل قاتله الله" لما اشتهر عنه القول بالتجسيم" (العجاب في بيان الأسباب لابن حجر)،
المطلب الثالث: أنواع التجسيم: التجسيم الصريح، بنسبته تعالى إلى الجسم، والحد، والممازجة، وغير الصريح: القول بلوازمه، ونفي الجسمية، قال الإمام الكمال ابن الهمام: " من نسب إلى الله يداً، ورجلاً، كما للعباد فهو كافر" وإن قال يد ورجل لا كالأجسام فهو مبتدع لأنه موهم بالشبه، وقال العلامة الدواني: " التجسيم بلا كيف غير مكفر، ومن غير هذا الاستثناء مكفر" (شرح العقائد للدواني).
المطلب الرابع: حكم التجسيم: ذهب الأئمة الأربعة أن التجسيم الصريح كفر، والاستثناء بنفي الجسمية والكيف بدعة وضلالة، وقاله: الإمام النووي، قال إمام الحرمين، وابن القشيري، والأشعري: ترك تكفير أهل القبلة، وقاله: " الإمام الخطيب الشربيني"، (البحر المحيط).
المطلب الخامس: حكاية بعض عقائد المجسمة: قالت الكرامية: " الله تعالى جسم له حد ونهاية، وأنه محل الحوادث، وأنه مستقر على العرش، وجوز في حقه الانتقال، والتحول، والنزول، وفسر الجسمية بعضهم: بأنها قيامه بذاته، ومنهم من أثبت له ست جهات.
المبحث الثالث: الاصطلاح على ألفاظ غير مأثورة في العقائد:
المطلب الأول: حكم الاصطلاح في العقيدة: والألفاظ هي قوالب المعاني، فإذا كانت صحيحة فلا ينبغي إنكاره، قال السيوطي: " لفظ الاتحاد مشترك في معنى مذموم: (وهو الحلول) وهو كفر، ويقصد به الفناء اصطلاحاً صوفياً، واستعمله المحدثون، والفقهاء، والنحاة، فقيل: اتحد مخرج الحديث، واتحد نوع الماشية، واتحد العامل الإعرابي، وقال الصوفية: اتحد العبد بربه: أي فني في طاعته، وليس بالمعنى المتجسد، لأن الله ليس بجسد، وسائر العلوم لها اصطلاحاتها، ولا أحد ينكرها، كما اصطلح المفسرون على ما نزل قبل الهجرة (مكي) وما نزل بعد الهجرة (مدني)، ومصطلحات التجويد، ومصطلحات أهل الحديث، ومصطلحات أهل النحو، ومصطلحات علم الأصول، ومصطلحات الفقه، وعلماء العقيدة ليسوا بمنأى عن ذلك كذلك: كالجوهر، والعرض، والجسم، والجارحة، وكثير من مصطلحات العلوم التي ظهرت في القرن الثاني والثالث.
المطلب الثاني: ضوابط الاصطلاح:
أولاً- أن يكون بين اللفظ والمعنى علاقة حقيقية أو مجازية.
ثانياً- أن يعلم المراد باللفظ المصطلح عند أهل ذلك الفن، ويتم قبوله.
ثالثاً- عدم إحداث اصطلاح جديد في فن تواضع أهله على غيره منعاً للبس والفوضى.
رابعاً- عدم نقل اصطلاح من فن إلى آخر، لأن ذلك يخلط المفاهيم، بين الفقهاء، والأصوليين، وأهل الكلام.
خامساً- صحة المعنى الذي وضع اللفظ بإزائه، (الطبيعة ) عند المسلم، غير (الطبيعة ) عند الملحد، فيبين.
المطلب الثالث: الثمرة من الاصطلاح:
1- تسهيل العلم والمعرفة على المتعلمين.
2- ضرورة علمية لتيسير مناهج العلم والتعليم، وتوفير جهود البيان والشرح.
3- تمثل وحدة فكرية بين العلماء على اختلاف عصورهم، لتيسير نقل معارفهم وعلومهم.
4- اختصار المعرفة والشرح بلفظة واحدة، (الموضوع) عند المحدثين الحديث المكذوب، وفي علم المنطق: الجزء الذي تم الحكم عليه، يقابله المحمول، وهو الجزء المحكوم به، مثل: زيد قائم.
المطلب الرابع: أشهر مصطلحات العقيدة:
1- العقائد: جمع عقيدة، وهي الحكم القلبي المتعلق بأصول الدين. (خير القلائد ).
2- علم العقيدة: علم يُبْحَثُ فيه عن ذات الله تعالى وصفاته، وأحوال الممكنات، في المبدأ والمعاد، على قانون الإسلام. (معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم).
3- الوجود: الحال الواجبة ما دامت الذات غير معللة بعلة. (حقائق التوحيد).
4- القدم: هو سلب العدم السابق على الوجود. (لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية).
5- البقاء: هو سلب العدم اللاحق للوجود. (لوامع الأنوار).
6- المخالفة: هي سلب المماثلة في الذات والصفات والأفعال. (حقائق التوحيد).
7- القيام بالنفس: هو سلب الافتقار إلى المحل والمخصص. (المصدر السابق).
8- الوحدانية: سلب الكم المتصل والمنفصل في الذات والصفات والأفعال. (وإن شئت قلت: سلب المثيل في الذات، والنظير في الصفات، والشريك في الأفعال. (حقائق).
9- القدرة: صفة يتأتى بها إيجاد الممكن، وإعدامه، على وفق الإرادة. (حقائق).
10- الإرادة: صفة يتأتى بها تخصيص الممكن ببعض ما يجوز عليه. (حاشية الدسوقي على أم البراهين).
11- الضروري: ما يدركه العقل بلا تأمل، مثل: أن الواحد نصف الاثنين. (تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد).
12- النظري: ما يدركه العقل بالتأمل، كإثبات القِدَم لله تعالى. (تحفة المريد).
13- الصفات النفسية: أي الذاتية، ما تقوم بالذات دون معنى زائد عليها، وهي صفة واحدة هي الوجود. (السابق).
14- الصفات السلبية: ينتفي بها ما لا يليق بالله: وهي: القدم، والبقاء، ومخالفة الحوادث، وقيامه بنفسه، والوحدانية. (حقائق التوحيد).
15- صفات المعاني: هي الصفات القائمة بالذات غير مستقلة، وهي سبعة: القدرة، الإرادة، العلم، الحياة، السمع البصر، الكلام. (تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد).
16- الحدوث: هو الوجود بعد العدم. (حقائق).
17- المعجزة: أمر خارق للعادة، يؤيد الله بها رسوله، وتوافق دعواه (تحفة المريد).
18- الكرامة: أمر خارق للعادة، لمن ليس نبياً، تكون للأولياء والصالحين. (تحفة المريد).
19- الحكم العادي: هو إثبات الربط بين أمر وآخر، وجوداً وعدماً، بواسطة التكرر، مع صحة التخلف، وعدم تأثير أحدهما في الآخر. (شرح أم البراهين للسنوسي).
20- الحكم العقلي: هو إثبات أمر لأمر، أو نفيه، من غير توقف على تكرر، ولا وضع واضع. (السابق).
21- الواجب: هو ما لا يتصور عدمه، كذات الله تعالى وصفاته. (السابق).
22- المستحيل: هو ما لا يتصور عقلاً وجوده، كالشريك لله، أو الزوجة والولد. (السابق).
23- الجائز: ما يتصور وجوده وعدمه من الممكنات. (السابق).
24- الاتحاد: بتصيير ذاتين ذاتاً واحدة، وهذا منافٍ للتوحيد، قال السيوطي: " العلماء ومحققوا الصوفية يؤكدون بطلان القول بالحلول، والاتحاد، وفساده وضلاله" وأنه إلحاد وكفر. (الحاوي للفتاوي للسيوطي).
25- الجوهر الفرد: ما لا ينقسم حساً، ولا وهماً، ولا عقلاً. (الغنية في أصول الدين للنيسابوري).
26- الجوهر: هو المتحيز القائم بنفسه. (السابق).
27- الحادث: الموجود المسبوق بعدم. (شرح أم البراهين للسنوسي).
28- الحيز: الفراغ المتوهم الذي يشغله شاغل كالجسم، أو غير جسم، (كالجوهر الفرد) وهذا فيه إشكالية ؟؟؟!!
(معجم مقاليد العلوم للسيوطي).
29- العالم: ما سوى الله واجب الوجود. (الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة).
30- الكافر: من جحد ما علم من الإسلام بالضرورة. (روضة الطالبين وعمدة المفتين).
31- الجوارح: هي الأعضاء والأركان.
الفصل الثاني: بدع العبادات
المبحث الأول: عدد ركعات التراويح: هي سنة لم يستمر عليها إلا ثلاث ليال، ولم يرد فيها عدد محدد ثابت، ولهذا تعتبر من البدع المشروعة الإضافية.
المطلب الأول: نشأة هذا التحديد: ثبت صلاة النبي  بها عدة ليالٍ دون حد معروف، وتركها خوف افتراضها عليهم، فصاروا يصلونها فرادا، وجماعات أوزاع، فلما رآهم عمر في خلافته، جمعهم على قارئ واحد، (أبي بن كعب) ثلاث وعشرون ركعة. (الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار).
المطلب الثاني: انتشار التحديد واستمراره: استمر العمل بهذا التحديد، وزاد عليها أهل المدينة زمن التابعين إلى ستاً وثلاثين ركعة، كما في زمن عمر بن عبد العزيز، وزمن مالك بن أنس، (القرن الأول)، ولما أراد أمير المدينة إنقاص العدد، رفض الإمام مالك، قال الإمام الشافعي: " رأيتهم بالمدينة يقومون بتسع وثلاثين، وأحب إلي عشرون، لأنه روي عن عمر " (الأم للشافعي).
المطلب الثالث: مذاهب العلماء في ذلك: الجمهور على أنها عشرون ركعة، والقول بأنها ست وثلاثون عند المالكية، ولهم قول آخر بالعشرين، ويعتبر هذا سنة لأن المهاجرين والأنصار والخلفاء الراشدون وعلماء التابعين من بعدهم، الجميع أقر بهذا فيعتبر سنة، وما روي عن عائشة من أن القيام في رمضان وغيره لا يزيد عن ثلاث عشرة ركعة، لا يتعارض مع ما فعله الصحابة وعمر، لأنها نافلة قابلة للزيادة والنقصان حسب الرغبة وطول القراءة، لأن النبي  كان يقوم بالركعة الواحدة بالبقرة والنساء وآل عمران، وعلل بذلك ابن تيمية، والنووي، وغيرهم.
المبحث الثاني: التلفظ بالنية في العبادات:
المطلب الأول: الفرق بين الجهر والإسرار بالنية: الجهر يسمع الآخرين بها، والسر بالتلفظ يسمع نفسه، قال العلامة القاري الحنفي: " أن الجهر بها غير مشروع، والتلفظ الخافت جائز" (مرقاة المفاتيح)، وقال النووي: " الأذكار في الصلاة، ومنها النية، لا يعتد بها إلا بالتلفظ بها يسمع نفسه" (الأذكار للنووي).
المطلب الثاني: أقوال العلماء بالتلفظ بالنية:
1- استحباب التلفظ بالنية عند الشافعية، والحنفية، والحنابلة، قال الحصكفي: الجمع بين نية القلب وفعل اللسان سنة، ومنهم من كرهه. (الدر المختار).
2- التلفظ بها جائز، ولا يستحب إلا في حق الموسوس، قاله: الدردير (المالكية)، وفي الأمر متسع.
3- قول ثاني للحنابلة بكراهة التلفظ بالنية، سواء في الصلاة، والوضوء، والغسل، وغيرها من العبادات.
المطلب الثالث: مناقشة الأدلة: لمذهب مشروعية التلفظ بالنية: حديث أنس: " سمعت رسول الله  يقول: لبيك عمرة وحجا" (مسلم)، وحديث عائشة: " دخل النبي  علي ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا، قال: إني إذا صائم" (أحمد)، وحديث أبي سعيد الخدري: " أن رسول الله  ضحى بكبش أقرن، وقال: " هذا عني، وعمن لم يضحِّ من أمتي" (أحمد).
المبحث الثالث: تلقين الميت: بصورتين:
الأولى: تلقين المحتضر: أن يذكَّر بقول لا إله إلا الله، قال النووي: أجمع العلماء على ندبه لقوله : " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" (مسلم)، والمذاهب الأربعة على ندبه، والظاهرية على وجوبه، ويستحب عدم الإلحاح أو التكرار، إلا بعد فترة، والصورة الثانية: تلقين الميت في قبره: بصيغة التذكير بكليات الدين وأركانه، لإجابة الملكين بها.
المطلب الثاني: أقوال العلماء فيه:
الأول: أنه مشروع ومستحب: عند جماهير فقهاء المذاهب الأربعة: وغير مفيد عند المعتزلة لاستحالة الإحياء في القبر. واستشهد بعضهم بقوله تعالى: ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) واستحبه القرطبي، والثعالبي، روى أبو داود في السنن: عن عثمان: " كان رسول الله  إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه وقال: " استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل" (أبو داود).
القول الثاني: أن التلقين مباح: قاله الإمام أحمد، وقال عدد كبير من العلماء بأنه مباح أو مستحب، أو مكروه، والقول بحرمته بدعة.
القول الثالث: أنه بدعة مكروهة: اختاره العز بن عبد السلام، من الشافعية، ونقلت الكراهة عن مالك أيضاً.
المطلب الثالث: أدلة المسألة: 1- حديث الطبراني عن أبي أمامة في تلقين الميت، ( معجم الطبراني الكبير)، وفيه ضعف، يعمل به في الفضائل، 2- سماع الميت عند الدفن ثبت في الصحيحين، وسمع قرع نعال مشيعيه، وتلقيته.
3- التلقين يدخل تحت أصل عام وهو التذكير، ويشهد لذلك أحاديث سؤال الله للميت التثبيت، كما ذكر النبي ،
4- جريان العمل به في العهد الأول كما ذكر الإمام أحمد عن أهل الشام، وابن العربي، عن أهل المدينة، وقرطبة كذلك، وهذا ما قال به أكثر علماء المذاهب الأربعة، واستحبوه. ومن كرهه لم يبدع فيه ولم يحرم، واعتبره فقه فروعي ليس أكثر.
ومن الإسراف المذموم ما قاله: (صالح الفوزان: من أن التلقين بدعة، ويجب إنكاره، ولا يلقن الميت كما يفعل هؤلاء الجهال، ) – موقعه الالكتروني- فهل هؤلاء الأئمة الأعلام، وإمام مذهبه أحمد وابن تيمية وابن القيم من الجهال؟؟؟؟!!!!. عجباً.
المبحث الرابع: الذكر الجماعي:
المطلب الأول: حقيقة الذكر الجماعي وصوره:
الأولى: اجتماع طائفة من الناس في مجلس واحد، ويقوم أحدهم بتذكيرهم ووعظهم، وتعليمهم الأحكام الشرعية.
الثانية: اجتماع طائفة في مجلس، وكلٌّ يذكر الله منفرداً، بما يريد سراً أو جهراً.
الثالثة: اجتماع طائفة تردد ذكر واحد، منفردين سراً أو جهراً.
الرابعة: اجتماع طائفة يذكرون الله بصوت واحد جهراً دون قائد لهم.
الخامسة: اجتماع طائفة تردد خلف أحدهم بصوت واحد جهراً.
الصورة الأولى لم يمنعها أحد، وأجازه الجميع، ولم يعتبروها ذكر جماعي، وإنما ذكر عام، كما حبذته السنة.
والصورة الممنوعة، هي الذكر الجماعي المغنى، الذي فيه تحريف لآيات القرآن، وتغيير للمعاني والألفاظ ممنوع اتفاقاً، قاله النووي: (فتاوى النووي)، واعتبره السيوطي غناءً لا ذكراً.
المطلب الثاني: العلماء والذكر الجماعي:
أولاً- الاستحباب: لأن قراءة القرآن بصوت واحد يفيد جواز الذكر بصوت واحد، لأن القرآن أعظم الذكر.
ونص كثير من الحنفية على استحبابه: الرملي، والقاري، والدهلوي، واللكنوي، لحديث: " من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه" وحديث: " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون حلق الذكر" وحديث: " وما جلس مسلمون مجلساً يذكرون الله فيه إلا حفت بهم الملائكة، ..." وبعض المالكية كرهه.
ومن الشافعية النووي: قال: لا كراهة في قراءة الجماعة مجتمعين، بل هي مستحبة، وقراءة المداورة، والأحاديث ذكرت ذلك ولم تفرق بين الفردي والجماعي، وهي أحاديث صحيحة، وكان يفعله أفاضل السلف.
ثانياً- الكراهة: عند بعض المالكية، والحنفية، والحنابلة، قاله الإمام الحطاب: " كره مالك القراءة جماعة، والذكر جماعة، وأنه بدعة مكروهة" (مواهب الجليل)، ونص ابن الحاج على هذه الكراهة، حتى في تلبية الحج، وبعضهم ذكر أن الاجتماع على الدعاء يوم عرفة في الأمصار، إذا لم ينظروه كسنة لازمة فلا بأس. (الدسوقي)،
ثالثاً- أدلة من كرهه: 1- عدم وروده في العصر الأول من السلف، 2- ما يؤدي إلى تحريف الكلام، والتغني فيه، والتشويش، والرقص، 3- ما قام به عبد الله بن مسعود من زجر من فعلوه.
مناقشة الاعتراضات والردود: 1- وردت أحاديث لاجتماع الصحابة على الذكر، 2- عدم فعل الصحابة له ليس دليلاً، لأن الترك ليس حجة، بل الأحكام الخمسة هي التي تحدد أي حكم منها هو المناسب، 3- أحاديث الذكر بعضها يصرح بأنها التسبيح والتكبير، والتحميد، والتمجيد" وأن مجالس العلم شيء آخر.
رابعاً- أدلة مشروعية الذكر الجماعي: حديث: " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، ....فيسألهم ربهم ما يقول عبادي: فيقولون: يسبحونك ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك...وذكر ملك فيهم فلان قال تعالى: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم" (البخاري ومسلم)، قال النووي: " يستحب الجلوس في حلق الذكر، وحلق أهله" (الأذكار للنووي)، وقد اعتبره ابن تيمية من أفضل القربات (الفتاوى الكبرى).
مناقشة أثر ابن مسعود المانع للذكر الجماعي: لم يصححه أحد معتبر في تصحيحه، وأحد رواته خلط في كبره، وأحد الرواة كان صغيراً (ست سنوات) حين مات من سمع منه، ومن صحح الرواية فإنها من كتب الراوي وليس من مروياته، فالحديث مردود وضعيف ولا يستند عليه.
كذلك كان اعتراض ابن مسعود عليهم، أنهم خصصوا لأنفسهم مسجداً خاصاً بطرف المدينة، فلهذا اعترض عليهم، وكذلك لأنهم ممن يعظمون يوم النيروز، خاصة أنه طلب مرة حسب الروايات من حلقتين، أن تنضم إحداها إلى الأخرى، للنهي عن الفرقة، خاصة أنهم كانوا متحزبين عليهم سيماء الخوارج، وبالفعل كانوا من أهل النهروان، وحديث ابن مسعود وضعفه لا يقاوم الأحاديث الكثيرة الصحيحة التي أجازت الذكر الجماعي.
المبحث الخامس: الاجتماع يوم عرفة للذكر بالأمصار:
المطلب الأول: التعريف بالمقصود: " التشبه بأهل عرفة في الاجتماع في الأمصار"
المطلب الثاني: أقوال العلماء فيه: الأول: الجواز عند الشافعية والحنابلة وطائفة من الحنفية والمالكية، وسبقهم إليه طائفة من الصحابة والتابعين، ذكر كثيرون أن أول من ذكر الناس عصر عرفة في غير عرفة ابن عباس، والحسن البصري، وقال الإمام أحمد: أرجو أنه لا بأس له، وكرهه آخرون، نافع مولى ابن عمر، والنخعي، وحماد ومالك بن أنس، وأجازه الرملي، وبعض الشافعية، قال ابن تيمية رخص به أحمد، وإن كان لا يستحبه، وأجازه الإمام القرطبي،
الثاني: الكراهة: عند الحنفية والمالكية، لكن الحنفية كرهوا أن يصنع الناس كالحج، لباساً وكشف رؤوس، أما مجرد الاجتماع في مسجد والتذكير بذكر الله والعلم والجنة والنار فلا بأس به، إذا لم يعتبر سنة محدثة، وإنما مجرد كسب فضيلة اليوم كما في الأحاديث، فليس به بأس، شرط أن لا يتشبهوا بالحجاج، لأن ذلك لا محل له. (ابن عابدين).
المطلب الثالث: مناقشة الأدلة:
ناقش المجيزون ردود المانعون بما يأتي:
1- امتناع النهي بما ورد عن ابن عباس وعمرو بن حريث وغيرهما أنهم فعلوه.
2- ترك الصحابة لفعله ليس دليلاً.
3- مجلس ذكر يوم عرفة وفضله، مثل أي مجلس ذكر، ومناسبته تؤيده ولا تمنعه.
4- ومن أنكره، يقابل بمن أجازه من السلف، لعدم مخالفته الأصول.
واستدل المجيزون بما يأتي:
1- أن الذكر فضيلة أمرت به نصوص الكتاب والسنة.
2- وذكر يوم عرفة من أفضل الدعاء بنص حديث: " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة.
3- الاجتماع على الذكر فيه نشاط، والأحاديث حثت عليه، دون قيود، ويوم عرفة من الأيام الفاضلة أولى بذلك.
4- ومن قيده بموطن عرفة فقط، غير مسلم، لأن بعض الصحابة فعلوه بغيره.
المبحث السادس: استعمال السبحة في عد الذكر:
السُّبْحَة: آلة وأداة من خرز وغيره، منظوم يسبح به".
المطلب الأول: أدلة المشروعية:
1- حديث سعد بن ابي وقاص : " دخل رسول الله  على امرأة تسبح بالنوى، أو الحصى، فعلمها النبي  نوعاً من الأذكار تقولها، ولم ينه عن وسيلتها" (أبي داود+ والترمذي+ وغيرهما).
2- حديث صفية ا قالت: " دخل علي رسول الله  وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن، فأخبرها النبي بتسبيحة واحدة أكثر مما أفعله قوله: " قولي: سبحان الله عدد ما خلق من شيء" ولم يمنعها من وسيلتها، والنبي لا يسكت على باطل. (سنن الترمذي+ والمستدرك) وصححوه.
3- حديث الصحابية يسيرة بنت ياسر ا، أمرهن بالتسبيح والعقد على الأنامل للعد، وأنهن مسئولات مستنطقات، " ( الترمذي+ والحاكم+ وابن حبان) صحيح.
4- ما نقل عن أبي هريرة ، أنه كان له كيس فيه حصى أو نوى، يسبح به، حتى إذا انتهى جمعتها جاريته في الكيس، وأعادتها إليه. (مسند أحمد+ وأبي داود).
5- ما نقل عن الصحابي المهاجر أبي صفية أنه كان يسبح الصبح بالحصى" (البيهقي+ وابن عساكر).
6- روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء، أن كان له كيس فيه نوى عجوة يسبح بهن " (الزهد لابن حنبل).
7- ما أثر عن سعد بن أبي وقاص: " أنه كان يسبح بالحصى والنوى" (ابن أبي شيبة).
وقد ورد أن أبا هريرة كان يعد اثنا عشر ألف تسبيحة، وأن صفية كانت تعد أربعة آلاف نواة، وذكر النبي  أن من نام عن ورده، في الليل، ثم قرأه بالنهار كتب له كأنه قرأه في الليل" وهذا من السنن، كما قال: ابن تيمية، (الفتاوى).
المطلب الثاني: فتاوى استعماله:
نقل السيوطي اتفاق العلماء على جوازها (الحاوي في الفتاوي)، وأجازها ابن الصلاح (فتاوى ابن الصلاح)، وافتى بها النووي (تهذيب الأسماء واللغات للنووي)، وأجازه جد ابن تيمية، وحفيده ابن تيمية كذلك.
المطلب الثالث: ورد استعمال الصالحين لها:
التابعية فاطمة بنت حسين بن علي، كانت تسبح بخيوط معقودة فيها.
والتابعي أبو مسلم الخولاني: كان له سبحة فلما نام مرة استمرت السبحة بالتسبيح فرأتها وسمعتها زوجته (كرامة)، (ابن عساكر+ وكرامة الأولياء للخلال).
نقل الذهبي عن يحي بن سعيد القطان، (أمير في الحديث)، كان له مسباح في ثيابه يسبح به. (سير أعلام النبلاء).
نقل السخاوي عن شيخه ابن حجر العسقلاني: أنه كان له سبحة تحت كمه يسبح بها، فإذا سقطت من يده تأثر لظهورها. (الجواهر والدرر في ترجمة ابن حجر).
المبحث السابع: الاحتفال بمولد النبي :
المطلب الأول: تعريف بالمولد: هو ولادة نبينا  خاتم المرسلين والأكثرين على أنه كان يوم الاثنين 12 من ربيع الأول، عام الفيل، بعد الواقعة بخمسين يوماً، (عيون الأثر في فنون المغازي والسير)، وأما الاحتفاء بمناسبة هذا المولد بالاجتماع على قراءة القرآن، وإنشاد المدائح، وإطعام الطعام، وشكر الله على اختياره نبياً لنا وللعالمين.
المطلب الثاني: تعظيم يوم المولد شرعاً: إن تعظيم بعض الأزمان الفاضلة، وبعض الأماكن الفاضلة، وبعض الأشخاص الفاضلة، غير مستهجن بل هو ديدن الشريعة ونصوصها.
عن أنس  عن النبي : " افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم" (معجم الطبراني الكبير) وسنده صحيح، ومثل ذلك صنع رسول الله  لما قدم المدينة ورأى اليهود يعظمون يوم عاشوراء، فقال: هذا يوم صالح، فصامه وأمر بصيامه" (البخاري ومسلم).
المطلب الثالث: تاريخ الاحتفال بالمولد: أن النبي أول من احتفى بيوم مولده فصامه، وأصحابه تبعوه فيه، وحديث أبي سعيد الخدري عن معاوية ا : " سأل النبي بعض أصحابه وهم جلوس يذكرون الله، ما أجلسكم؟ فقالوا: نحمد الله على ما هدانا لدينه، ومن علينا بك، فقال النبي: أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة" (النسائي)، وأول من ذكر الاحتفاء بموضع ولادة النبي  ابن جبير في رحلته (رحلة ابن جبير) (539- 614هـ)، وأن الناس تشهد هذا المكان ويفتح في يوم مولده  يزوره الناس في مكة، وهو يوم مشهود، وذكر أبو شامة الحافظ، في حوادث سنة (566هـ) أن رجلاً صالحاً كان وجهاء الناس يأتون إليه يتبركون بعلمه وصلاحه، كان يحتفل كل سنة بمولد النبي ، يزوره الملوك والشعراء، يمدحون الرسول ، وكان ممن يزوره ويستشيره الملك الصالح نور الدين زنكي، (الروضتين في أخبار الدولتين)، وفي مدينة إربل كان الملك الصالح " أبو سعيد كوكبري" ولاه صلاح الدين الأيوبي، يعمل مولد شريف في ذكرى المولد، ويبالغ في الاحتفال بالمناسبة، حتى أن الإمام أبو الخطاب ابن دحية عمل له مجلداً سماه: " التنوير في مولد البشير النذير" أجازه عليه بألف دينار. (ترجم له ابن كثير وأثنى عليه وعلى احتفاله بالمولد الشريف، وأنه شجاعاً عادلاً عالماً).
وفي المغرب العربي أول من احتفل بالمولد في سبتة " بنو العزفي" (القرن 7-8 الهجري)، وأن السلطان يوسف بن يعقوب جعله عيدا في بلاده سنة (691هـ)، وكان يحضر المولد الأمراء والقضاة والعلماء والمفتون والشعراء، ويتنافسون في قصائد مدح للرسول ، ثم انتشر في بلاد الحجاز، ومصر، والشام، والعراق، وتركيا، والمغرب، وذكر السخاوي في تاريخه كتاب المولد النبوي للعراقي، وصنف السخاوي بعدها كتاباً في المولد، وذكر العلامة الصفدي احتفاله واحتفال الناس بالمولد الشريف، ويحضره الأكابر، وذكر العلامة المقريزي أن الملك الظاهر برقوق كان يحتفل بالمولد كل سنة، ويحضر معه شيخ الإسلام البلقيني، والقضاة والعلماء، وينشد المنشدون والشعراء قصائدهم في مدح النبي ، يدفع لكل منشد صرة فيها (400درهم فضة)، وهم عشرون منشداً، ويطعم الطعام وتقدم الحلوى بهذه المناسبة، وذكر الإمام المحدث السخاوي أن القرون الثلاثة الأولى لم تعرف الاحتفال بالمولد، لكن عرف فيما بعد في سائر الأقطار. (سبل الهدى والرشاد للصالحي 1/362).
المطلب الرابع: حكم الاحتفال بالمولد: وحقيقة الخلاف في جواز المولد أو حرمته، الخلاف فيه صوري، لأنه حكم في صورتين مختلفتين: الأولى كل ما فيها مشروع، ولا منكرات، ولا محرمات، وصورة أخرى يختلط فيها الحلال بالحرام، والمحرمات، لهذا كان الحكم على الصورة الأولى بالجواز من أغلب الفقهاء، والحكم على الصور الثانية محرم كذلك من أغلب الفقهاء، وتوضيح المسألة يكون بما يأتي:
الأول: مشروعية المولد: أجازه جمهور علماء المذاهب الأربعة: وحضروه بأنفسهم، وألف الإمام أبو الخطاب ابن دحية فيه كتاباً، وحضره قاضي الجماعة الشاطبي، والمفتي عبد الواحد الشريف في خلافة المنصور الحسني، والإمام السخاوي، وشيخ الإسلام البلقيني، والشيخ ابن رفاعة المغربي، وقضاة المذاهب الأربعة، وشيوخ العلم في عصر الظاهر برقوق.
الإمام أبو شامة اعتبر المولد أحسن ما ابتدع في زمانهم لإفراح الفقراء، وتذكير الناس بفضائل نبيهم ، وكيفية الاقتداء به، (الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة ص 23)،
ويقاس عمل المولد على احتفال النبي بيوم نجى الله فيه موسى ومن معه، شكراً لنعمة الله على النجاة والنصر، وجعله في أمته كل سنة صوم يوم عاشوراء، ونقل القسطلاني عن ابن الجوزي: " إذا كان أبو لهب الكافر جوزي بفرحه ليلة مولد النبي  بتخفيف عذابه، فأولى مجازاة المسلم المحتفل به مع الإيمان والإسلام، (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلاني)، وقال العلامة محمد بن عمر الحضرمي الشافعي: " حقيق بيوم ولد فيه المصطفى أن يتخذ عيداً....وتقربوا إلى الله بتعظيم شأن هذا النبي المحبوب، واعرفوا حرمته عند علام الغيوب.." (حدائق الأنوار في سيرة النبي المختار).
القول الثاني: عدم المشروعية: منعه ابن الحاج المالكي: " واعتبره سبب للمفاسد، وإن خلا فهو بدعة بالنية، لأنه ليس من عمل السلف الماضين" (المدخل إلى تنمية الأعمال لابن الحاج)، وقال مثله في التبديع والمنع العلامة الفاكهاني، وأنه غير معروف في العهود الأولى للإسلام (الحاوي للفتاوي)، وقد رد عليهما الإمام السيوطي، في رسالته" حسن المقصد في عمل المولد" رداً كافياً شافياً، وتناقض ابن الحاج في كلامه ظاهر: حين قال: يجب الاهتمام بيوم مولد النبي بعمل المبرات والأعمال الصالحة، فكيف يحرم المولد إذا كان كل ما فيه هو ذاك الذي قاله.
المطلب الخامس: مناقشة حجج المانعين للمولد:
أولاً- قولهم أن أول من أحدث المولد هم الفاطميون: وهذه ليست حجة، لأن اليهود سبقوا النبي إلى عاشوراء، ولم يمتنع من مجاراتهم في المشروع.
ثانياً- منعه بحجة أنه بدعة، لقول النبي : " كل بدعة ضلالة" ، لا يسلم، لأن البدعة قسمان حسنة وسيئة، والاحتفال بالمولد بقراءة القرآن والسيرة النبوية والصدقات لا وجه لجعلها ضلالة، وهي أمور مشروعة.
ثالثاً- المنع بحجة ما يقع فيه من مخالفات: وهذا غير مقبول، لأن خيره كثير، والمخالفات تزال، كما أننا لا نحرم حفلات الأعراس بسبب المخالفات، وإنما نطالب بإزالتها مع بقاء أصل الحل، كما قاله الإمام السيوطي.
رابعاً- المنع بحجة أن يوم مولده هو يوم وفاته: مردود بأننا مأمورون بالعقيقة لمقدم المولود، والصبر يوم فراقه.
خامساً- منعه بحجة أن الصحابة والتابعين لم يفعلوه: ليس كل ما لم يفعله الصحابة والرسول لا نفعله، لأن الأيام تختلف، والقرب والبعد عن العهد الأول له تداعياته، ولهذا نحن أحوج للمولد من العصور الأولى، التي كانت تعايش آثار المصطفى بالسماع ومجالس الحديث، والرواية على الناس من سيرته.
الفصل الثالث: بدع العادات
المبحث الأول: الاحتفال بالأعراس:
المطلب الأول: مشروعية الاحتفال بالأعراس: دخل أبو بكر بيت النبي  وعند عائشة جاريتان تغنيان، فقال: " أمزامير الشيطان فير بيت رسول الله  فقال النبي : " يا أبا بكر إن لكل فوم عيداً وهذا عيدنا" (البخاري)، وكان الحبشة يلعبون بحراب لهم، فقال رسول الله : " العبوا يا بني أرفدة، لتعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة" (أحمد).
المطلب الثاني: بدع الخطوبة: قراءة الفاتحة، والنبي  قرأ آيات غيرها، وقد أجاز الماوردي، والحطاب المالكي، حمد الله والصلاة على رسوله، وقراءة شيء من القرآن، وكل ذلك استحباباً ليس أكثر، أما الخاتم فهو عادة من العادات لا يحرم ولا يجب، أما الخلوة بالمخطوبة، والإمساك بيدها لتلبيس الخاتم، والكلام من غير حدود، كل ذلك بدع محرمة، لا تجوز.
المطلب الثالث: بدع العقد والاحتفال: المغالاة في المهور، وفي ثمن بطاقات الدعوى، وفي الزينة والاحتفالات.
المطلب الرابع: بدع العرس: استعمال آلات الطرب، واختلاط النساء بالرجال، وسفور النساء أمام الرجال، والمغالاة في وليمة العرس، وتكاليف أعرافها من الكوشة والزينة، والطعام والشراب، مما يرهق الشباب فينصرفوا عن الزواج، ومن المحرم دخول الزوج على النساء وجلوسه مع عروسه أمام النساء المتجملات المتكشفات هذا حرام يبدأ به الزوجان أول يوم عرسهما.
المبحث الثاني: الأزياء والزينة:
المطلب الأول: نعمة اللباس وآدابه: للستر، وأن يكون ساتراً، لا غالٍ ولا رخيص، قال أبو الفرج بن الجوزي: أكره لبس الفوط والمرقعات لأربعة أوجه:
1- أنه ليس من لبس السلف، وإنما كانوا يرقعون ضرورة.
2- أنه يتضمن ادعاء الفقر، وقد أمرنا أن نظهر نعم الله علينا.
3- إظهار التزهد، وقد أمرنا بستره.
4- تشبه بالمتزحزحين عن الشريعة، ومن تشبه بقوم فهو منهم. (تفسير القرطبي).
المطلب الثاني: بدع الملابس: البنطلون الساحل الذي يظهر ما دون السرة، أو من الخلف، وهو محرم لظهور العورة، وإلا فمكروه لتقليد الكفار. واللباس الضيق، المحدد لشكل الجسد، للنساء أو الرجال، وضع الصليب على بعض الملابس، تشبهاً بالنصارى، قالت عائشة ا: " لم يكن يترك – النبي – في بيته شيئاً من تصاليب إلا نقضه" (البخاري)، وضع الصور على الملابس، إذا كان باحترام فهو حرام، أما إذا كان من غير احترام كالبساط فمكروه، وربطة العنق: انتشرت في كل الناس، ولم تعد خاصة بالكفار حتى تحرم.
المطلب الثالث: بدع الزينة: لبس الرجال للأساور والحلق والعقود، حرام، قال ابن عباس: " لعن رسول الله  المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال" (البخاري).
المبحث الثالث: الاحتفال بالمناسبات: الشخصية، أو الأسرية، أو القبلية، أو الوطنية، أو الدينية...الخ.
المطلب الأول: الهدف من المناسبة: حسب الموضوع إن كان نعمة من نعم الله، أو انتصار في معركة، أو مناسبة دنيوية.
المطلب الثاني: تسمية المناسبة عيداً: سمى النبي  سبعة أيام أعياداً في أكثر من حديث وهي: ( عيد الفطر+ عيد الأضحى (يوم النحر)+ ويوم عرفة+ وأيام التشريق+ ويوم الجمعة)، أما تسمية غيرها عيداً بالمعنى اللغوي، كيوم فرح وسرور لا حرج فيه، على أن لا يكون له حكم شرعي واجب دينياً، قال الإمام القسطلاني: " رحم الله امرءا اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً، ليكون أشد علة على من في قلبه مرض" (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية)، (ت: 923هـ)، ومثل ذلك يوم الإسراء والمعراج، ويوم بدر، ويوم الفتح، وعيد الأم، وعيد الشجرة، فهذه مناسبات تسميتها عيداً للاحتفاء بالمعنى اللغوي ليس أكثر، شرط أن لا يخالط هذه المناسبات مخالفات شرعية، وإسراف، لأن التذكير بأيام الله ونعمة منصوص عليه بالقرآن الكريم، وقوله تعالى: (فأما بنعمة ربك فحدث).
تم تلخيص الكتاب في: يوم الثلاثاء: 7/6/2022م مساءً. الساعة الخامسة والنصف.
المراجع والمصادر كانت مئات الكتب. (حوالي أكثر من أربعمائة كتاب).


أضف رد جديد

العودة إلى ”كتب وكتَّاب“