ملخص كتاب الأبطال - توماس كارليل

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

ملخص كتاب الأبطال - توماس كارليل

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

ملخص كتاب الأبطال
ط : 3/ 1930م – المطبعة المصرية بالأزهر- ترجمة محمد السباعي
توماس كارليل (1795- 1881م).
كلمة المعرب: عرف بالكاتب وذكر عنه نبذة رومانسية بليغة، في تربيته الجادة، وغزله بمن أصبحت رفيقة دربه فيما بعد، لكن بصيغة عالية الوصف والدقة والعاطفة.
المحاضرة الأولى: البطل في صورة إله.
لا شك أن حياة الناس ورقيها مر عبر رجال، أقل ما يمكن أن يوصفوا به لإنجازاتهم وإبداعاتهم بأنهم أبطال التاريخ والبشر، وتاريخ البشرية هو تاريخ أبطالها، وأهم ما في الرجل دينه، وكذلك الأمة، ولا أقصد بذلك ما تعارف عليه الناس من معنى الدين، وهو الانتماء والملة والمذهب، بل أقصد اعتقاده الحقيقي، واعتقاد الأمة الجوهري، وليس الطقوسي الخارجي الشكلي، فدين الأمة هو أهم ما لديها بهذا المعنى، حتى لو كان دين الوثنية والإلحاد، لأنه مرتبط بتفسير فلسفة الحياة والكون، ونسبة الأديان إلى الكذب نسبة ساذجة، لأنها لا تفسر حقيقة دين الناس والأمم، فالكذب لا يصنع ديناً، بل إنه يهدمه من جذوره، لأن الكذب في حياة الناس يهدم الحقائق ويعري الأباطيل، ويدمر العلاقات، لهذا فقصدي من استبعاد الكذب، لا يعني أن الأديان ليس فيها أكاذيب، وإنما الذي أقصده، أن سبب الأديان شيء آخر، أما الأكاذيب والخرافات هي التي تميز بين الدين الحق والدين المختلط، الذي تهدمه وتدمره أكاذيبه، لأنها الأمراض التي تأتي إلى أي جسم سليم في منشئه فتقضي عليه بالموت والهلاك والفناء، والقول بأن الله يرسل بين الفينة والأخرى رجلاً يمثله يهدي الناس، فهذا هو الحق، أما القول بعصمة هذا الرجل وارتفاعه عن مستوى البشر، وأنه يعلم الغيب كله، فهذا هو الكذب والباطل بعينه، لأن أصل كثير من الأديان صحيح، لكن الأكاذيب والجهل يطمس حقائقها.
مصدر معرفة الله والدين الطبيعة الجميلة بكل مخلوقاتها الجميلة، والطبيعة فوق مكانة العلم، لأن العلم صادر عن حيثيات الطبيعة وتراكيبها، أما نسبة الملحد الطبيعة إلى المجهول والصدفة هراء، (لاعتقادي بأن الإلحاد والتفكير لا يجتمعان)، أصل عبادة البدائي والمتوحش للكوكب والنجم، هو البحث عن الله وعبادته، عبر دهشته وإعجابه، وهذا ما يحدث مع كل منا حينما نرى عجائب الكون وأجرامه، وأعظم عجائب خلق الله الإنسان، فهو معجزته الكبرى، ويكون الإيمان بالولاء لنبي أو بطل مقدس، ص16- لا تخرب العصور إلا بفقدان رجل كبير يجمع بين العقل والتقوى، وحين وجوده يكون كأنه شهاب من الله أرسله للبشر والإنسانية، ومن ينتقد هؤلاء من صغار النقاد إنما لترويج سوق الكفر والضلال، كما فعل الفرنسيون مع تقديس " فولتير" بشكل وثني، ظناً منهم أنه البطل الأوحد لفرنسا، ص37- والفكر فكر في أي صورة بدا، لأن ما يحرك الناس ويقودهم هو الفكر، بغض النظر عن أصالته، لأن أصالته في المنشأ والأصل الذي كان وراءه رجل عبقري لديه ما يقدمه للناس من النظم والحكمة، وتاريخ العالم هو تاريخ أبطاله، حتى بعد موته تبقى أفكاره في ذهنية الناس وقاموسهم للحياة، وإن شابه افراط في حب ذلك البطل أو تقديسه أو تأليهه، وهذا لأن الله خلق في وجدان الناس هذه المشاعر والانقياد لها، لتنتظم أمورهم وحياتهم، وهذا الوجدان هو عنصر الرجولة الحيوي وروح تاريخ الإنسان في هذه الدنيا، اليوم لا نعبد أعاظم رجالنا، ولا نفرط في إجلالهم، ونقتصد يا للأسف، لكن الأسف الأكبر خلو العالم من العظماء، والوثنيون على علاتهم لهم فضل، أنهم آباءنا قديماً، وأن فلسفتهم للحياة يومها كانت نافعة لهم، وعلينا اليوم أن نشكر الله أننا أصبحنا أكثر فهماً لفلسفة الحياة، وأصح رؤية، ولكن لا نغتر بذلك، لأننا ينقصنا الكثير لفهم مدارك الحياة وأسرارها، والأمر أعظم من أن تناله مدارك إنسان، لأنه يتعلق بكون لا نهاية له لدينا على الأقل، لقد كان الوثنيون يرون العالم بعيون الطفولة، وقوة الرجولة، وسذاجة التفكير، مع شرف في الإحساس والضمير، وشغف وشجاعة الهمة، أما أعظم ما في الأديان وثنيها وسماويها هو الإيمان بعظمة وقدسية الإنسان، وهو العنصر الأهم فيها، لأنه يتعلق بالأطهر والأصفى، مما يتعلق بواجباته الإلهية والأدبية، أما خرافات الوثنيين فهي لاحقة عليهم بعد موت البطل، أو غياب الرمز، أو طول العهد، فيدخل عليهم ما لا عهد لهم به في البداية وهو الإعجاب بالطبيعة، وسر خلقها، والبحث عن صانعها ليعبدوه، وكان في معتقداتهم ثلاثة أمور موجودة في كل الأديان وهي: 1- الإيمان بالمختارين المنتخبين (الأصفياء) 2- الإيمان بالقدر المحتوم 3- الشجاعة، وهذه الثلاثة نجد أنها لا زالت في الأمم كلها بصورة من الصور، وأن الجحيم أو النبذ والطرد لمن يأبى الالتزام بها، وعمار الأوطان بها، في حروبهم وتقدمهم، والشجاعة لب الحياة والقيام بواجباتها على كل فرد، والذين يختارون الموت في ساحات الوغى والحروب أو غيرها، إنما لينتصروا على الخوف الذي يحل بالجبناء وضعاف النفوس، 44- أما شجاعة الحكايات الوثنية فهي ينبوع الرحمة والصدق والشرف والكرم والمروءة والبر وسائر المحامد والمناقب، وقد يعبر عنها بشك فكاهي ومضحك، وآخر عهد بوثنية أوروبا حينما حلت مكانها النصرانية، وذكر "جايتي" أن رجلاً اسمه "مايستر" سأل أستاذه بأي الأديان الثلاثة أنت مؤمن فأجاب: بجميعها، لأن من اجتماعها يتكون الدين الحق".
المحاضرة الثانية: البطل في صورة رسول.
محمد – الإسلام: البطل هنا ليس إلهاً بل رسولا من الإله، وتأليه الرجل العظيم غلطة إنسانية، لكن من العار كذلك أن نظن أن ديناً كالإسلام كان كذباً أو أن رسوله خدَّاعاً، هذا من سخف القول المخجل، ونحن نرى أثره في ملايين المسلمين إلى يومنا هذا، الرجل الكاذب لا يستطيع بناء بيت من الطوب، فكيف بدين يبقى اثني عشر قرناً، وهذه الأقوال فيه كالعملات المزورة، مآلها الانكشاف وسلة المهملات، لأن الرجل العظيم خلقه الصدق والإخلاص، وقد توجد لدى الإنسان الصغير، ولكنها آكد وأوضح في الرجل الكبير العظيم، ولا تطمس عظمته هفواته، فهذا داوود ارتكب أفظع الآثام، لكنه تاب منها وبقي عظيماً، لأن التوبة جزء من عظمة الإنسان، ومن ينسب إلى نفسه البراءة التامة فنفسه ميتة، وهو شرير، وحياة الإنسان سلسلة عثرات، لكن إذا غلفها اللباب والمجاهدات طوتها إلى حظيرة النسيان والتواضع.
عرب الجاهلية في صحرائهم كان لهم من صفاتها الصمت والشدة، والنقاء والحدة، فإذا كان الفرس فرنسيوا المشرق، فإن العرب طليانها، أقوياء النفوس، إرادتهم احصن سور وأمنع قلاع، مع ذروة الشرف، يضيف ألد أعدائه فيكرمه وينحر له، صامتٌ وإذا تكلم أفصح، وسوق عكاظ منتدى شعرهم، وتدينهم بكل أشكاله من فضائلهم، ومحامدهم، حتى عبادة الكوكب، لأنه رمز الإله، وإن كان خطأً، وكان لهم عدد من الأنبياء، وسفر أيوب أحد أجزاء كتابنا المقدس "التوراة" الثابت أنه كتب في بلاد العرب، ويحتوي أفكاراً سامية، عن العبرانيين، عامة لا يشوبها أي تعصب، مبينة لحياة الإنسان وعلاقته بالله تعالى بأنصع بيان، وأجمل تعابير هي أجمل ما في التوراة من توصيف وترانيم.
والحجر الأسود كان من مقدسات العرب في بناء الكعبة، ذكرها المؤرخ الروماني "سيسلاس" قبل الميلاد بخمسين عاماً، وأنها من رجومات السماء، وهو موجود إلى الآن، بقرب بئر يسمى زمزم، تفجر تحت أقدام هاجر وإسماعيل كما يقول العرب، وهذه الكعبة يصلي إليها المسلمون وتهفو قلوبهم للحج إليها، من قديم الزمن، حتى غدت مركزاً لتجار العالم الإسلامي، وتجاراتهم، يقود قبائلهم العربية قبل الإسلام زعماء من أشرافهم، والحروب بينها سجال، إلى أن ولد في قريش مكة الرجل العظيم محمد (580م) 65 – يتيماً، رباه جده ثم عمه، فشب فيهم (بني هاشم) على أحسن خلق، وأجمل صفات وسمات، إلى أن تزوج بخديجة بعد أن عمل في تجارتها، ص81 - وكانت أول من صدقه وآمنت به وآزرته، والبداية صعبة، حيث آمن به خلال ثلاثة أعوام ثلاثة عشر رجلاً، وكان مع ذلك في حماية عشيرته (بني هاشم) وأذن لبعض أتباعه بالهجرة إلى الحبشة، وانتشر الإسلام في الأنصار أهل المدينة، ومع أنه كان ينشر دينه بالحكمة والموعظة الحسنة، إلا أن قومه أرادوا قتله، وأعلنوا الحرب الضروس عليه وعلى أتباعه، حتى حين هجرهم إلى بلد بعيد، فما كان منه إلا الدفاع عن نفسه، دفاع رجولة، ثم دفاع عربي أبي، طالما أنهم احتكموا إلى السيف، فلا بد مما لا بد منه، لأن الحق الضعيف يفنى ويندثر، ولا يبقى من غير قوة، كما فعل الملك شارلمان بقبائل السكسون، ولا يهم انتصار الحق بأي وسيلة، إنما الحق يكافح ليبقى حقاً، لا يهم أن يكون مع حبوب القمح المزروعة أقذاء وغبار وتراب، فإن القمح وحده هو الذي ينبت كالذهب، الطبيعة تناصر الحقائق وتدفن الزيف في النهاية، ومن شبه الإسلام بالنصرانية أقول له: " أنه خير من النصرانية التي صدعت رؤوسنا" مع ما فيها من ضآلة بعض الحق، وعليه آمن النصارى، بينما أعلنها محمد صريحة نقية: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له" فيها روح جميع الأديان، وصهر جميع الأكاذيب التي اخترعها الناس في الأديان الأخرى، ليعلو حق الإسلام وتعظيم مراد الله في الكون كله والوجود، وخاصة كتاب الله القرآن العربي، الذي أدرك سر إعجازه العرب بسليقة لغتهم وفصاحتها، دون وساطة ترجمة تذهب رونقه لدى قارئيه من العجم، فكانوا خير من عرف قدر القرآن وإعجازه، وكلماته تخرج من أفواههم، لتستقر في قلوبهم النقية كشعلة سراج في مصباح، وهي في النهاية فضل من الله يؤتيه من يشاء، وكان عقل محمد الراجح الحكيم نافذة على الكون والعالم، يطلبون منه معجزة تصديقه، فيخبرهم بأن خلق الإنسان وعقله ورحمته ومراحل حياته وموته أكبر معجزة، وكذلك خلق السموات والأرض وما فيهن من جبال وأشجار وو....، وما تعظموه من العلوم والأشياء إنما هو حجر وخشب يابس، لكن روح العالم والأشياء وجمالياتها هو المعجزة، وإن اتباع الناس لأي دين ليس من أجل ما يبيحه من متاع ولذات، بل لما يثير في قلوبهم من دواعي الشرف والعظمة، وعظمة محمد تقشفه وصبره وحكمته في قيادة أشد الناس (قبائل العرب) خشونة وشدة وأنفة، فأصبحوا طوع بنانه، يموتون بين يديه دفاعاً عن دينهم ودينه، أليس في هذا أعظم نصر يحقق بطل في تاريخ البشرية، ومع هذا بقي رقيق القلب، حين مات خادمه زيد في معركة مؤتة، رأته ابنة زيد يبكي على جثة أبيها، فقالت: " ماذا أرى؟" قال: " صديق يبكي صديقه" مثل هذه الأقوال والأفعال، ترينا محمد أخا الإنسانية الرحيم، أخانا جميعاً الرؤوف الشفيق وابن أمنا الأولى وأبينا الأول".
ص91- لم يكن محمد ليناً يضيع الحقوق، ولا شديداً يفتقد الرحمة، بل يجمع بينهما كلٌ في حسب موقع الحاجة الصادقة من ذلك، أما ما ذكر عن لذات الجنة الحسية في القرآن، وشدائد العذاب في النار، فهو يعود إلى مسؤولية الشراح والمفسرين، لكن القرآن أشار إليها تلميحاً، وجعل أعظمها معنوياً وهو الأمان والسلام، (دار السلام)، مطمح كل كائن حي، والدليل موجبات شهر رمضان، والشرف الرفيع أن يكون للمرء من نفسه على نفسه سلطان، لقد صاغ الإسلام الإنسان العربي كما الإنسان في شتى بقاع المعمورة، ويحرك لهيب عاطفته ونقائه سماع كلمة: " لا إله إلا الله" وصوت الأذان يصدح في منارات بيوت الله في المشرق والمغرب، والشمال والجنوب، فهبطت شرارة السماء على جزيرة العرب ما بين غرناطة ودلهي.
المحاضرة الثالثة: البطل في صورة شاعر .
ص97- من دانتي إلى شكسبير، كان البطل في صورة إله، والبطل في صورة نبي، مضى زمنهما في العصر الحديث، وبقي البطل في صورة شاعر، وكلما كان الشاعر متلبساً قادراً على ما يقول، كان شعره أصدق تعبير، وكلمات نابليون لا تقل قيمة عن وقائعه ومعاركه الحربية، وبين الشاعر والنبي شبه من حيث أن كليهما ينفذ ببصره إلى سر الكائنات المقدس، الذي أظهره الله للأبطال وأعظمهم الأنبياء، ويتبعهم الشعراء، وأول أسباب شاعرية الشاعر والنبي؛ الإخلاص، يشتركان في إدراك سر الله الجلي، والفرق بينهما، أن النبي يدركه من وجهة الخير والشر، والمحظور والمباح، والشاعر يتناوله من حيث الجمال والحسن والجلال، فالأول يرشدنا إلى ما نفعل، والثاني يدلنا على ما نعشق، ولا يخلو النبي من ذكر الجماليات، بل كل إنسان لديه من الشاعرية لتذوق الشعر وجمالياته، بحسب ثقافته ومواهبه، وربما نجده في إدراك مكنون سر النغمة الكامنة في لباب ما تدركه أذهاننا، من حقائق الحياة، والتعبير عنها هو فكر موسيقي، إذا أحسنا التعبير، والشاعر كاشف لأسرار الوجود بنغماته، ولهذا يستحق البطولة أين يكن إجلال البطولة فيه وفي أعماله، وفي شاعريته، خاصة إذا كان مخلصاً صادقاً، مثل: شاكسبير ودانتي، والنيل من مقامهما الشريف إساءة كبيرة، ولدانتي سيرة غنية بالعطاء، وغنية بالآلام، ومن كلاهما كان عطاؤه، لأن السعادة والشقاء سر من الأسرار يُعْنَى به البشر، وكلهم فيه خابط عشواء وحاطب ليل، ومع ذلك تعرض لفتنة نفي بسببها وجُرِّدَ من أملاكه ووظيفته، لكنه لم يجرد من كرامته، التي اعتز بها إلى أن غادر الحياة، ولما فقد دنياه، توجه إلى آخرته، فكان يرى فيها عالم رائع حقيقي، وأن الدنيا زيف في زيف بجانبها، فأخرج كتابه الشعري مفخرته الخالدة " القصة المقدسة" ومات بعد إنهائه وعمره 56 سنة، ص118- واتقان الرجل وصف مظاهر الحياة والأشياء يدل على فضل هذا الرجل وعطائه، وضعفه ببقائه في الظواهر، وربما من خسته ذلك الضعف والوقوف عند الأباطيل والأكاذيب، وهذه هي الفوارق بين الإنسان الفاضل وغيره فيكون لديه من آلة الذهن ما يتبين بها الحقائق، والحب الصادق يستدعي رقة الشعور وسداده، وبه تُستَجلى الأمور وأسرارها، ويبصر الجوهري فيها، ولهذا أجاد "دانتي" وصف الجنة والنار، وصف النعيم والجحيم، ومن فيهما من أشخاصه المقربين والبعداء، وجعل بينهما جبل التطهير، وكأنه منطقة الأعراف في القرآن، وهو يعبر بروايته تلك عن الخير والشر في هذا الوجود والعالم، ويمثل مذهب المسيحية فيهما، والخير عنده هو الصالح الفاضل، والفرض والواجب، أما الشر فهو الخبيث المحرم، وكلاهما رمز للعدل السرمدي، وكذلك للتوبة والندم في النصرانية، وكأن الله أرسله لنا شاعراً نبياً، ليصور لنا عشرة قرون من النصرانية ورجالاتها، في القرون الوسطى، في حياتها الباطنية العميقة، ومثله فعل شاكسبير في وصف حياتها الخارجية الظاهرة، دانتي يمثل الرجل العميق الحاد الفائر كالبركان، وشاكسبير الرجل الهادئ بعيد مرمى البصر كالشمس في إنارتها للأرض وظواهر كائناتها، فهذا للظاهر وذاك للباطن، يكمل كلٌ منهما عمل الآخر، لتصوير الحياة والعالم من جميع الجهات والأبعاد، فورقة شجر يابسة على قارعة الطريق هي جزء من العالم بأسره، وكذلك كلمة رجل أو فعلته منشؤها العالم أجمع، وهذا منبع أصل فهمه الدين لأنه روح العمل، والحقيقة الأولى الجوهرية لحياة البشر، ولقد أجمع صفوة أدباء أوروبا ونقادها على أن شكسبير سيد شعراء العالم على الإطلاق، بما اتصف به من فضائل الحكمة والعظة والعبرة والشجاعة والمروءة والصراحة والحلم والعفو والسداد والصدق، والهمة العالية، وعقل يمثل هذه الحقائق كلها، عقله كالمرآة المستوية، وغيره من الشعراء كالمرآة المقعرة والحدباء، وبهذا كان أخو البشر وشقيق الإنسان، وفي الحقيقة كل إنسان هو شاعر إذا كان نظرته ثاقبة، فإذا عبر عنها بقول فهو شاعر، أو فعل فهو كذلك شاعر صامت، وإلا فلتكن إجادته في التجارة أو الصناعة أو الزراعة، وحسبه ذلك ليكون فاضلاً ما أجاد صنعته وأحسن عمله، بشرط أن يكون حلالاً طيباً كريماً، ولا عار في العمل المتقن ما لم يكن خبيثاً، والاتقان نتيجة العقل، وهو أجل النعم، وفقده من أشد المحن، وقيمة المرء بمقدار بصيرته،
لكل داء دواءٌ يستطب به...............إلا الحماقة أعيت من يداويها.
ولهذا كان للبريطانيين شكسبير هو الشاعر الملك الموحد لسائر البريطانيين على اختلاف توجهاتهم ومآربهم وأماكن تواجدهم، حتى كأنه الرمز الأبدي لوحدتهم جميعاً.
المحاضرة الرابعة: البطل في صورة قسيس.
لوثر – البروتستانية – نوكس – البيوريتانية: ص 145 – القسيس نوع من النبي ينطوي على نور الوحي، دليل الناس في الدين، وقائدهم في مناهج العبادة، فهو وزيرهم الروحاني، والنبي أميرهم الروحاني، والقسيس يعرج بالناس إلى السماء والجنان عبر الأعمال الصالحات ومراقي الطيبات والخيرات والحسنات، فإذا جرد من هذه الشروط لا شأن لنا معه، وكان لوثار ونوكس قسيسين مصلحين قاما بوظيفتهما أحسن قيام، وكل مصلح يعتبر قسيساً، إذا استغاث من ظلم الظالمين، وجور الجائرين، مؤمن بالأسرار المقدسة، وأعاظم الرجال يبنون الأساليب الشريفة للحياة الدنيوية، والعقائد الحيوية، كما فعل دانتي وشاكسبير، وعكس ذلك من يهدم الأديان، فأما المصلحون منهم يتولوا قيادة الناس بهدوء وسلام، أنا لا أحفل بمسألة الرقي البشري والمدنية، لأنها أمور طبيعية، فكل إنسان متعلم هو كذلك مخترع، يتعلم بما وهبه الله ما صنع السلف يكتشف أموراً جديدة ويبتكر، ولا يخلو إنسان من الابتكار، وكل إنسان يزيد في رأيه بالكون عن رأي جده، لكن المحزن أن تمرض القلوب، فتوهن العقائد، وينخر الشك في عظام اليقين، فتفسد أعمال المرء وتتراكم المظالم، والفتن، إلى حد الثورة، فإذا ضعف اعتقاد الإنسان وجرى خلف الاعتياد والعرف يصبح تبعاً للدنيا العاجلة، وحينها يكون عبد وأسير وبالخطأ يسير، ويكون أحد سواق الفتنة، وحداة الثورة، فتتراكم الآثام حتى يحدث الانفجار الكبير، كما في الثورة الفرنسية، لكن أن نرى الناس جميعاً ضلالاً ونحن فقط المصيبون المبرؤون فهذا عين البلية المضحك، لأن كثيراً من الأمم والناس عبر التاريخ قارعوا الظلم والباطل، ومنهم جهاد لوثرنا البطل الروحاني كأنه نبي أمته وزمنه.
وكلمة هنا مناسبة عن الوثنية التي قارعها محمد (عليه السلام) بشدة الإنكار عليها، رجوعاً إلى غير المنظور مما تمثله رمزاً عليه، وهذا شأن كل إنسان وثني عبد رمزاً، فأنساه الأصل الذي يمثله، ولهذا حرب الوثنية، عودة بالإنسان إلى الأصل التوحيدي والتقديسي للإله الذي ليس كمثله شيء، وهناك فرق بين بداية الوثنية ونهايتها، بدايتها مع الإخلاص نوع من العبودية لله، ونهايتها مع فساد الإخلاص، تجارة بالخشب والحجر، ولهذا نمقتها لإنها لا تدل الإنسان على الله، بل تنسيه إياه، ولهذا كانت ممقوتة عند الأنبياء والرسل والعقلاء، لأنها تؤدي إلى رقدة العقل وشلل النفس، وضياع الإخلاص، ولهذا كسر لوثر الأصنام ومقتها، كما فعل محمد كذلك في آلهة قريش وأصنامها، ولهذا كان لوثر على حق مع تمرده على الكاثوليكية الصنمية، فاستحق أن نسميه نبي القرن 16، فسميت ثورته (البروتستانتية) ، ص 158 ولنذكر أن الرأي الشخصي محترم ما دام فيه صدق التعبير، أما الكاذب فلا نقول له سوى "ويل لك" أما الصادق فنقول له: كن حراً، كن مخلصاً، وكان محمد (عليه السلام) يؤمن بملء قلبه، ودائماً الفوضى نتاج الخطأ والكذب وضعف الإيمان، ولقد أوجد الله أمماً وشعوباً يحركها الصدق والصلاح والبر والفلاح، فتكون أعصرها مباركة وافرة الثمرات.
ولد لوثر عام 1483م في جرمانيا من أبوين فقيرين، ومرت عليه أيام شقاء، لكنه أصبح قسيس كنيسة القديس أوجاستين، ولما ذهب إلى روما وقابل البابا، ذهل من حجم المخالفات والفسق والفجور والغفلة والغرور، فتركها راجعاً إلى بلاده، وصب جام ثورته على ما رأى من الموبقات، لكن البابا لاحقه إلى قريته، يبيع صكوك الغفران بالمال، فلم يرضخ لوثر لهذه الأكاذيب والضلالات فكتب يفندها ويبطلها، فسارت وانتشرت بين الناس، انتشار النار في الهشيم، ولما لم ينفع معه التهديد والوعيد، جرت مناظرة بينه وبين معارضيه حضرها علية القوم وكبرائها، فأفحم خصومه لا بكلامه الصائب وإنما بكلام الله في كتابه، وكانت شجاعته لا ينقصها تسامحه ولا تواضعه، 183- وترجم الكتاب المقدس بشروحات لوثرية، فانتشر في سائر البريطانيين، 184 وأصبحت شروحات الإنجيل ملهمة للشعب الإنجليزي في تغيير آراء الجماهير نحو روح جديدة لفهم الحياة والأخلاقيات الدينية، وأصبح الأدب يزخر بمفاهيم الورع والتقوى، والتواضع والمساواة بين الفقراء والأعيان، فبدلت البروتستانتية (البيوريتانية) أخلاق الناس وسلوكياتهم، لكن بدأ بعدها التشدد يزحف إلى هؤلاء، وأصبح التدين والورع هو المقياس، فماتت فيهم فضيلة التسامح في أصغر الأشياء، حتى أصبحت (البيوريتانية) مزيجاً من النقص والفضل، وخليطاً من السخف والنبل، وعدد من الدول الغربية وأمريكا كذلك أصبح الناس فيها أكثر سمواً والتزاماً بالتقوى والتدين بسبب هذه النحلة الجديدة التي أخذ بها بعض القسس المخلصين الخائفين من غضب الله ونقمته، إن غرقوا في آثام الدنيا ولهوها وسوءاتها، وهذا ما بدل أمة كاملة (الاسكوتلاندية) فأصبح سكانها كأنهم قسس ورهبان، ومثل ذلك انتشر في جميع انحاء الدولة البريطانية، وكان بطل هذا التغيير والجهاد لنصرة التغيير والحق " نوكس وكرومويل " وكان مذهب "نوكس": سيادة الكنيسة على الحكومة، ورئاسة القسوس على الملوك، وإن لم يستطع تحقيقها، إلا أنه جعل للدين مكانة عظيمة في أمته، وأراد تحقيق حلم نوكس: "هلدبراند" وحاولها "كرومويل" وبلغها " محمد" (صلى الله عليه وسلم)، وهذه أمنية الأتقياء والأنبياء.
المحاضرة الخامسة: البطل في صورة كاتب.
جونسون – روسو – بارنز: الآلهة والأنبياء والشعراء والقسوس، صور بطولية ماضية، لم يعد لها وجود الآن، لكن البطل الكاتب هو نتاج عصرنا الحالي، وآخر صور البطولة بقاءً، وصنعة العيش من الكتابة حديثة العهد بعد انتشار الطباعة والصحافة، منذ مائة عام تقريباً، والكاتب نوعان: أحدهما أنه من طينة الحق، وهو دور الأبطال السابقين في صورة إله أو نبي أو شاعر أو قسيس، ومهمة الكاتب إدراك ما وراء الظواهر والماديات، ليري الناس الجواهر والمعنويات، وهي الحقائق الإلهية، والمعاني المقدسة، وكِتَاب الكاتب كنيسة مستمرة العطاء تعلم الناس أن الله موجود، والكاتب الثاني: الكاتب الكاذب ولا يكون بطلاً، (كما قال فيشتي) وأعظمهم القرن الماضي "جيتا" الألماني، الذي أدرك أعماق السر المقدس في الحياة والكون، مع انتشار الإلحاد في زمنه، وضلال الجيل عن أقواله ومواقفه، وفي زمننا كما ذكرت في أول محاضرتي هذه، كانوا فقراء في حياتهم، وهم الآن أغنياء تحت التراب، والكتب مستودع حكمة الغابرين والمعاصرين، ولهذا تبادلت الكتب والجامعات الأدوار، فمرة للأخيرة ومرة للكتب، وبعض الكتب قراءتها عبادة، الأصل أن الأمة محكمة بكل ذي لسان من أبنائها، بعض الأفكار المسطرة في الكتب تتحول إلى طوب وحديد وخشب وقصور ومركبات ومصانع، وكانت آفة القرن الثامن عشر الإلحاد والكفر، والإلحاد مع أنه موت للأذهان، فهو موت للأخلاق، وفيه كافة أنواع الكذب والضلالات، والبطولات روح لا تنتعش إلا بنسيم الإيمان والتقوى، إن آراء الوثنيين على ما فيها من خرافات، أفضل من آراء الجهلة المتمدنين، أصحاب المذهب " المكني" أي الحياة الميكانيكية، فالوثنيون مؤمنون لديهم قيم، أما الكفرة المعاصرون قيمهم لا مشاعر فيها ولا قيم، والمادية بطولة عمياء، ص 230- ما أشنع أن يتجرد الإنسان من المعاني الإلهية، لأنه بذلك سيخطئ في فهم وتفسير جميع الأشياء، والإيمان هو صنع العقل الراجح، والذهن الصحيح، والعاقل يكشف معالم الحق الصراح، وأملي أن يدبر الإلحاد والكفر ورسومه، حتى تورق دولة الإيمان ويخضر عودها، وتثمر أزهارها يانعة، وليست الثورة الفرنسية على ما فيها من بعض الحق، متلفعة برداء من نار جهنم، أما روسو فكانت أثرته (حب الذات) مصدر شقائه وتعاسته معاً، وأفضل كتبه " العقد الاجتماعي" وكانت ثورية وأمنية روسو أن يضرب أعناق ملوك الأرض.
ص252- روبرت بارنز الاسكوتلاندي الفلاح الفقير، يعمل مع والده مالك سبعة فدادين فحسب، ومع سوء تعلمه كان يسترق كتب الفحول فيهضمها ويلون كلماتها بفطرته الريفية مع قوة الشخصية مع قوة موهبته الربانية فيطرب كل من كانت تصله كلماته في أنحاء المملكة البريطانية، على قلة ولادة فحول الكتاب في زمنه القرن الثامن عشر، وكان نثره أقوى من شعره، وكان حديثه ضحك الجذلان، وزفير الولهان، ورنة الثكلان، وإيجاز المجتزئ، واطناب ابن المقفع في يتيمته، مع صمت طويل، وإفصاح جميل، يطير بقلوب الأميرات قبل قلوب الساهرات العاملات، ويشبهه ميرابو مع فوارق بينهما، واتحاد في البديهة والفكاهة، والقلق والنشاط، والجد والإخلاص، ومع هذا أهملته الحكومة وقالت له عليك بالعمل ولست من أهل الفكر والتفكير، ولم ترى في صراحته وإخلاصه وبراعته مزية، مع أن الحق أن يذعن العالم والحكومات للكاتب البطل، لأنه جوهرة الوطن وكنز الأمة لو عقل الناس وأنصفوا، وعلينا أن نعتبر كلام هؤلاء الأبطال رسالة الله إلى العالم.
المحاضرة السادسة: البطل في صورة ملك.
كرومويل – نابليون: بطولة الأمير والملك تجمع فيها سائر ميزات البطولات الأخرى، وليس ذلك على الله بمستنكر، الحاكم ينبغي أن يكون أعقل الناس، ومشكلة الأمم والحكومات تولية الرجل الخسيس السافل الدنئ الكاذب، وهو بالتالي يولي حوله أمثاله في الخبث والدناءة، فينهار النظام سريعاً، ويثور الناس على النظام عاجلاً أو آجلاً، ويسقط البنَّاء والبِنَاء، وادعاء أن للملك حقوق مقدسة إلهية لا تمس من قبيل الماضي الذي عف عليه الزمن، لكن مع ذلك لا بد أن نذكر حسنات الملوك وسيئاتهم لنتعرف على ما لديهم من بطولة بوجود بعض ما يستحقه هذا الوصف للإنصاف والعلم والتاريخ، أصبحت معايير اختيار الأكفاء ألعوبة، وتحولت كنيسة الله أكذوبة، وتراكمت الأخطاء والمظالم إلى حد انفجار الثورة الفرنسية، التي كانت جحيماً على أهلها، حتى ظن الإنجليز والعالم أن الفرنسيين أصابهم الجنون، والثورة الثانية ومذابحها عام 1830م ارتداد للثورة الأولى، وينبغي أن نستنبط من الثورة الفرنسية قدر الله وسننه في الأرض والبشر، وكذلك مفهوم التعرف على البطل وتقديره، أما مذهب " الحرية والمساواة" فلن نناقشه لأنه من بدهيات الحياة الفطرية الطبيعية كما أرادها الله تعالى، ولكن الثورة على الأنظمة الفاسدة وإن كانت حق، بحيث تهدم فكرة النظام والرئاسة والتسلط والملكية والإمارة، لكن السنن الطبيعية تقول أن الأمم تعود إلى فكرة النظام بعد التغيير الصحيح أو الخطأ، بل تعود إلى تقدير وتقديس وعبادة الأبطال الذي يأخذون زمام الأمور بملكاتهم الفائقة في أي فن من الفنون ومنها الإدارة والقيادة، كما فعلت فرنسا، بالانصياع لنابليون حتى ملك زمام البلد وأقام حروبه، وأصبح ملكاً أو كالملك، ثم دالت عليه الأمور والتطورات فعزل وسجن في جزيرة من الجزر، انتهت أيامه فيها، وبقي ذكره عند الفرنسيين، وغير الفرنسيين كبطل تاريخي.

انتهى تلخيص الكتاب 2/9/2023م.


أضف رد جديد

العودة إلى ”كتب وكتَّاب“