خلاصة كتاب آكثر من رائع لمحبي القراءة.

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

خلاصة كتاب آكثر من رائع لمحبي القراءة.

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

فن التفكير لأرنست دمنيه
ترجمة د. محمد عبد الفتاح الغمراوي/ الإسكندرية

الفصل الأول: فن التفكير:
عقلنا لا يشبه حجرة ساطعة الإضاءة، منسقة على أكمل وجه في أثاثها، بل تشبه الغرف المكتظة بالأثاث المبعثر، الذي قد يحوي كثير من الهوام والحشرات التي لا نراها بسهولة، خاصة في حال أن الأضواء خافتة، وأفكارنا في هذه الحالة تشبه الأثاث المذكور، وما نكاد نفتح الباب لنراها جهاراً حتى تختفي هذه الهوام الداكنة، وإذا حاولنا تنظيف زاوية من غرفتنا بعمق وإتقان (عقلنا)، أعيتنا الحيل وأصابنا الإرهاق، حتى نجد في النوم راحة، لنكتفي بما تعودنا عليه، لكن إذا حالفنا الحظ والاهتمام في معاودة هذه الفلترة والتنظيف والترتيب والتمحيص لأفكارنا، فإننا نشعر بسعادة غامرة في قدرتنا على التحكم والتحلي بالعلم والحكمة، فإذا استعنت بأحد كتب فن وطرق التفكير، فلا شك أني سأتقدم خطوات في تمحيص أفكاري ومعتقداتي، لأثبت الصالح منها، وأحذف غير المجدي منها، بغض النظر عن صلاحها أو فسادها.
الغوص الباطني في عقولنا هو الذي يكشف لنا عن نشاطه المضطرب بخليط من المعوقات التي تحجب بعض الإنارات التي تحتويه، وتحريكها والتأكد من تعويقها للإنارة الداخلية فيه، هو الذي يجعلنا نكبس أزرار إضاءة أقوى، وإطفاء أزرار إضاءة ملونة مشوشة للرؤية السليمة لأفكارنا ومعتقداتنا في الحياة، حتى نرى صورنا الذهنية التي خزنَّاها بوضوح، إذا كانت تستحق أن تكون لوحات خالدة من القيم والمبادئ والأفكار تعرض في متحف الفكر والعقل العالمي (كما خلقه الله).
1- عملياتنا العقلية غير منفصلة عن الصور الذهنية (واللغوية)، 2- هذه الصور ترتبط بمرغبات أو منفرات لرغباتنا، 3- وجذور أفكارنا ترتبط بقيمنا الأخلاقية، حتى أنها أهم من هذه الأفكار. 4- وبعضها يتعلق بقيم منطقية وفلسفية ورياضية تؤكد ما تبنيناه منها فيما سبق، 5- وربما ارتبط بعضها بمنتجات أسلافنا الفكرية والعقلية الفطرية، من خلال قاموسه الذي كونه عبر خبراته الحياتية، وعلاقاته الاجتماعية، 6- وكثير من الأدوات الفكرية اللغوية تحتمل معانٍ كثيرة تؤدي أغراضاً تفكيرية للحصول على وضوح الصورة الذهنية، نظر: (رأى)، رؤية، (بصيرة)، بصر، (تراءى)، وهكذا....7- قراراتنا الأخيرة تتضمن عشرات الصور الذهنية المؤيدة، أو النافية لما نريد تأكيده، أو نفيه، حتى لو كان مجرد شراء منزل.
حينما نفكر في التاريخ، نستحضر من حقبه شخصيات تاريخية، وجغرافيا، وأحداث، وأفكار، وبيئة، وقيم، وعادات وتقاليد، وانتصارات وانكسارات، وعلم ومعرفة، ومواقف يتخذها عقلنا ومشاعرنا من حيث تقييم هذه الأمور، والوقوف منها على ناصية القبول أو الرفض والاعتراض، وربما كانت حججنا (أشعة أكس) الطبية، وهذا ما يمكن أن نحتاجه لمعالجة فن التفكير وبرامجه في عقولنا، لا مجرد فلسفة سحرية، نغطي بها على جهلنا بحقيقة الأمور والأشياء.
الفصل الثاني/ كيف يقوَّم الفكر
مقاييس التقويم للفكر الحقيقي لإنسان ما عبر ثلاثة أمور، أولها: صوره الذهنية المتكررة، وثانيها: ضروب الحب والبغض المتعلقة بهذه الصور، وثالثها: طاقته العقلية التي ترشدنا إلى القرائن بما ذكرناه، فنصل إلى نجاح أكثر أو أقل.
ومثال تحليلي: أن الشخص المفعم بالماديات واللذات التافهة، ليس مثل: المفعم بروائع الطبيعة والحياة الجميلة والفنون والمعنويات، ولهذا لا شك أن الفنان الحقيقي، ليس كالذي يجري وراء الهناءة المادية والحسيات، فكل من المذكورين يحمل صوراً ذهنية مختلفة، الأول من النوع السافل، والثاني من النوع المتسامي، الأول زير لذات شهوانية، والثاني مفكر ومصلح اجتماعي إنساني، ولهذا كانت ضروب حبنا أو كرهنا، تماثل صورنا الذهنية المتصلة بها، فتجعلنا نفتخر بالثانية، ولا نبالي بالأولى، ولهذا نشعر بالمرارة إزاء ما نراه من التوافه في حياتنا، وحياة الآخرين فنتضايق منها، بينما نشعر بالاعتزاز والشكر مما يقابلها من حسنات الأخلاقيات والجماليات لدينا ولدى الآخرين، فنشكر هذه فينا وفيهم، وهذه المواقف تعتبر تقويم لا شعوري في فكرنا، وإن كان عن طريق عواطفنا من الحب والبغض، لكن هذا النوع من التفكير يحكمه مصدرين معرفيين هما: وسائلنا الخاصة، وأحاديثنا اللغوية، وهما مرتبطين بأحاسيسنا أولاً، وقدرتنا على النقد تقريظاً أو انتقاصاً، نمارسهما بسرور ثانياً، وثالثها: أن نقارن بين الأشخاص، أو المواقف والتصرفات، فنحكم على طرف دون آخر بحسب الصور الذهنية التي لاحظناها أو استقيناها منهما، وربما كان تفكيرنا كالمرآة العاكسة لما نراه فيها من صور، دون أن ندخل في تحليل العمق الداخلي والخلفية في هذه الصور الذهنية، ومن الأمثلة الصارخة على اختلاط التقويم الفكري العميق لشخصية (متأمركة) بفعل الهجرة إليها، فإنه يخلع كثيراً من عاداته وثقافته القبلية القديمة من الوطن الأصلي، ليصبح أمريكياً بتقليد الأمريكيين حتى ينال الاعتراف النفسي في أعماقه، ويحصل على الدريهمات التي ينالها؛ أجرة على ما يقدمه للمجتمع الجديد، فهنا تختلط الصور الذهنية لتصرفاته الجديدة، بالصور الذهنية المكبوتة في أعماقه، التي قد تظهر بعد ذلك مؤخراً ربما بصورة مشوشة، فيتحول الإنسان وفكره وهويته إلى مجرد لباس، وقصة شعر، وضمة شفاه (لغة محلية)، فيصبح إنساناً آلياً.
الفصل الثالث: التفكير الصحيح
يدخل صاحب سيارة معطلة كراجاً للتصليح، ويتجادل مع صديق له طويلاً في سبب العطل دون جدوى، حتى يصل الفني الخبير، فيتنفسا الصعداء، وبلمسات فنية، وافتراضات متعددة ذهنية؛ يكتشف العطل مبتسماً، لأن عقله أجرى عمليات فكرية متعددة استبعاداً وتقريباً، فوصل للنتيجة الصحيحة، ومريض على سرير المستشفى، حوله طلبة الطب يتفحصونه، ويأتي طبيب الخبرة الممتازة، ليدقق في سائر مواضع جسده، وخاصة الصدر وحركة التنفس، ليكتشف مرضه النادر الحدوث ببعض المؤشرات عليه، وكأنما اخترق فكره وتصوراته صدر المريض ورئتيه، ليستدل بفكره الثاقب مرضه وحالته، منتشياً بفوزه، وعيون الفنان ترى ما لا نرى في الأشخاص والوقائع، ومثل ذلك المفكرون المبدعون تسيطر آراؤهم وأفكارهم على مجموع الناس الذين هم عامة أو عاديون، حتى كأن أفكارهم مراهم لمشكلاتهم وتساؤلاتهم، خاصة إن عبَّر عنها بلغة فصيحة واضحة ودقيقة، ومثلهم الخطباء المفوهون، وكذلك أصحاب النظريات والفلسفة الحياتية الجديَّة، نجد أن أفكارهم وتفكيرهم يصل حدوداً وانتشاراً لم يكونوا يحلمون بالوصول إليه، مع أن بعضهم لغته غير معبرة، وأفكاره غير واضحة، لكن عمقها فيها من الإبداع ما يدركه الناس والمثقفون فيما بعد، (وهذه الموهبة هبة إلهية لأنه هو المبدع الخلاق) من مثل: ديكارت، وتلميذه سبينوزا، وكانت، وكارل ماركس، ونابليون، ويوليوس قيصر، وهذه الموهبة (الفكر والتفكير) تقوم على الرؤية، وهي أن يرى ما لا يراه الآخرون، وفي هذه الحالة يتساوى الآخرون ويتماثلون في سلوكهم وفي رؤاهم، بينما المفكر له استقلال في تفكيره وفكره، وهنا تبرز ميزته العقلية عن الآخرين، ومثال على ذلك ما قرره (جاليليو) و (إنشتاين) و (نيوتن) و (برناردشو) وغيرهم، فيكسر الجدار الصلب من المعارف التقليدية، وخطأ بعض نظرياتها، فيحطم جدار الغباء المعتاد منه التسليم دون برهان مؤكد، والمفكرون يعبرون عن فكرهم حسب اختصاصهم وفنونهم، ويتبعهم كثير من الناس تقليداً في تبني أفكارهم، لكن لا يكونوا سوى بهلوانات السرك، بينما زعيمهم المفكر هو قائد وزعيم.
الفصل الرابع: استطاعة إيجاد فن للتفكير
ردة أفعالنا في حضرة مفكر، أو امرأة حسناء، يدهشنا ويغمرنا بالإعجاب، حتى أننا نتمنى أن نكون مفوهين لا بكم ومتبلدين، ونعزي في نفوسنا حالتنا الغبية إلى القدر والظروف التي جعلتنا لسنا مثل هؤلاء المميزين والمفوهين، وهذا بحد ذاته على بساطته هو تفكير، بل فن في التفكير، (السببية - والتأويل)، ويظهر مثل هذا التفكير وأكثر منه لدى أهل الأرياف حين تخلب لبهم الطبيعة، لكن لا يستطيعون التعبير عنها، إلا في حالات سماع أغاني رقيقة عن الحب والجمال، فيميلون طرباً لها، وعزلة مسافر وبحار ناجحة في عبور البحر، تجعله ينكفئ على نفسه بصلواته يشكر ربه على ما منحه من صفاء ذهن في رحلته هذه، ومثل هذا الصفاء الذهني لدى الأطفال تحت التاسعة، كأنهم شعراء بالفطرة، ونحن نخطف طلاقتهم الذهنية بتربيتنا البليدة التقليدية، حين لا نكف عن منعهم أو عدم إجابتهم على أسئلتهم الذكية والغريبة، والأطفال أكثر قدرة على التعلم والتفكير من آبائهم والكبار.
الفصل الخامس: الانحصار الفكري أو عقد النقص
تمهيد: معوق التفكير هو البلاهة، لكن هذه البلاهة ليست هي علة أخطائنا، الناتجة عن ضروب من (الحب والبغض، والسوأة العاطفية)، التي تمنعنا من رؤية الحقائق كما هي، والتي ينتج عنها الفكر الخالي من الشوائب.
نشعر بالضعف والفشل حينما نحاول تعلم لغة أجنبية، ونرد ذلك إلى ضعف ذاكرتنا، ونشعر بالنقص حين نقارن أنفسنا بمن يتقنها، فنرمي أنفسنا بعبارات مثبطة مثل: لا أستطيع فعلها، لا يمكنني ذلك، وهذا ما يعطل الفكر لدينا، ويبعدنا عن الثقة بالنفس والبحث عن الحلول والعزيمة، وهذا يمكنه أن يرافق كل عمل أو مهارة جديدة، وقد نكثر من شراء الكتب التي لا نقرؤها، ومع ذلك نخوض في مواضيع لا نتقنها، ولا نعرف عنها حتى أبجدياتها الأولى، وهذا كله من معطلات الفكر والتفكير السديد، بل تجعلنا محنَّطين على أفكارنا التي كوناها لأنفسنا مسبقاً، وهذا الشعور بالقصور يصاب به حتى الأدباء والشعراء، حيث يعتريهم الخوف من عدم إتقان كتاباتهم وقصائدهم، وخوفهم من جمهورهم أكبر، وهذا النوع من التفكير طبيعي لدى كل إنسان يريد عمل واجب أو مهام، لنفسه أو للآخرين، وهذه المشاعر تعرقل تفكير حتى الرجل الموهوب، ونجد البسطاء من الناس والأطفال، والفنانون والمصلحون والرسل، يخلبون لبَّنَا بصراط رؤياهم العقلية المستقيم.
كيف تنشأ الطفيليات العقلية؟
(أ‌) المحاكاة والمعاشرة:
الأطفال أكثر صفاءً في طفولتهم منَّا حين يعبِّرون بطلاقة واضحة جميلة عن مشاعرهم وأحاسيسهم، وبعده يتأثرون بركاكتنا ومشاكلنا فيفقدون هذا البريق التعبيري واللغوي، والتقليد المقيت يصبح سيد الفكر والتفكير من أجل القَبُول الاجتماعي، وإلا فأنت عاقٌّ وبليد، فيفقد الطفل براءته، والحياة في المجتمع الديمقراطي الأمريكي، تصب في تيار المجاملات والاجتماعات الروتينية الجمعية، التي لا تمنحنا سوى التماثل في الفكر والسلوك والتفكير، فنفقد حريتنا من حيث لا ندري، فالمعاشرة الحياتية تفقدنا حرية التفكير المميز.
(ب‌) التربية والتعليم:
يُفتَرَضُ أن التعليمَ يساعدُ على التفكير والتفوق به، لكننا نلاحظ أن التعليم اليوم لا يحقق هذا الغرض من خلال الحشو والتلقين الذي يُعامَل به الطلاب، وكثرة المعارف التي يراد تخزينها في عقول الأبناء، دون تمحيص معتبر، ولهذا تتحول المدرسة من مهمة تعليم الفكر والتفكير، إلى معوِّق لهما بصورة من الصور، حتى ان المهمة الرئيسة في مدارس أمريكا الريفية (الرياضة) والقوة البدنية، أكثر من أي شيء آخر، مع انفصام تام عن الاهتمام بالثقافة، حتى للفتيات، ولهذا يُستَقطَبُون في الجيش، ومع أن المدرسة مكان يهيئك اجتيازه لدخولك الحياة، لكنه لا يؤهلك للحياة، لأن الثقافة بعيدة عن اهتماماتهم، والنزعة النفعية في التربية والتعليم تلحق الأذى بالثقافة، باعتماد السهولة في التعلم، ومن ذلك إثارُ العلوم التي يمكن تحويلها إلى جيب مالي اقتصادي، مع تجنب التعليم الفلسفي لها، ومثل ذلك تجده في صحيفة الحائط المدرسية، حيث تخلو من العبقرية ورواد الأدب الكبار، وإن بدت ظاهرياً بأنها صحيفة متقنة، لأن محتواها وفحواها تستبد به الطفيليات النفعية، أكثر من نوعية التفكير في التفكير الجاد الجمالي والفلسفي للحياة والقيم والمبادئ، على عكس المدارس الفرنسية التي تمجد العقل والتفكير العقلي، والمدرسة الفرنسية تعني: طلاب+ مدرسين+ كتب، وإن اهملَ هذا التعليم تدريبَ الأجساد (بالرياضات) لكنه لم يهمل تدريب العقول، لأن المعلم الفرنسي ألف كتاباً أو هو يقوم بتأليفه، أو هو راغب في تأليفه، وكلمة العبقرية في مدارس فرنسا مألوفة جداً ولا انفكاك عن تردادها في كل مناسبة، ولهذا كان التفوق العقلي بالمدارس الفرنسية لا يقبل التحدي.
وبسبب ما ذكرنا فإن الفرنسيين يحتقرون ساستهم وإن صبروا عليهم، بسبب استقلاليتهم الفكرية، بينما الأمريكي والإنجليزي إذا شعر بالخطر من تصرفات ساستهم، يسارع للحلول العملية وليس للتنظير والمناقشة، ولهذا تجد الطفل في بلادهم هذه فارع العود مفتول العضلات والرغبات، أما في فرنسا فهو مفعماً بحب الاستطلاع الفاحص وتعجز الفلسفة عن الإجابة عن أسئلته، وكله ذهن وتفكير، لكن كلاهما الطالب الفرنسي والأمريكي استمد فكره من بيئته ولم يتدرب على الاستقلالية المنتجة.
الفصل السادس: الفكر تضعفه الحياة
( أ ) حياة الفكر: أو فكر الحياة التي نحصلها من واقعنا بشكل دروس تحوي قيم وقوانين فشلنا ونجاحنا وننعتها بالخبرة والحكمة، وأفعالنا تنتج الفكر والإبداع فيه، خاصة على يد الشباب، فضلاً عن خبرة بعض الشيوخ في عزلتهم الرتيبة، وما أنتجوه فيها: (سبينوزا + وديكارت + وبوسيه + وباستير +وأديسون +والفنانون والرهبان).
( ب ): ضروب الحياة غير المفكرة: أصحابها أشبه بالعبيد، أغنياء وفقراء، يستغرقهم العمل من أجل المال، أو من أجل لقمة العيش، ومن اتعبته الحياة لا يشترط أنه أرهقه العمل، بل ربما أرهقه أنه لا يجد عملاً يقوم به، ومن يشغله الفراغ والملل بسببه، مثل الذي يشغله الانشغال بالملذات والماديات على حد سواء، فهما معاً لا يهتمون بما هو فكر وتفكير وقيم عليا تشغلهم، فهم تعساء من هذه الناحية سواء كانوا فقراء أو أغنياء.
( ج ): الضياع الهائل: افتقاد عادة المطالعة والقراءة، قال "دانجو" وهو يتناول طعاماً على مائدة الملك "لويس الرابع عشر" : " إن المطالعة تصنع لعقلي، ما تصنعه لحوم دجاجاتك الشهية لوجنتي"، والقراءة لها أساليب كثيرة قديماً وكانت مرتبطة بالكهانة أو الأديان، وكانت الكتب قليلة، وجمع منها "اسبينوزا" 60 مجلداً، بينما جمع "كانت" منها 300 مجلداً، وكانت المطالعة المبكرة تصنع من شباب العشرينات رجالاً بكل معنى الكلمة، والطباعة يسرت نشر الكتب، حيث يطبع منها في فرنسا سنوياً 11 ألف مجلد مقابل 70 منها زمن "لويس الرابع عشر، واليوم في أمريكا وغيرها تبث الطباعة ملايين من الأفكار تبهر ملايين القراء وغير القراء، وتمحيص كل هذا يصعب على الناس، إلا من تسامى مع روحه وعقله، ويغلب على الناس قراءة القصص، وقليل من يستفيد من موضوعاتها وعبرها، لأن كثيراً منها [تافه وخيالي] والبعض يقولها بصراحة: أقرأ لقتل الوقت، وهذه العبارة تدنِّس المقدس من (الوقت)، حتى أنها تكون بغرض " عدم التفكير" المختفي خلف القراءة.
وقراءة الصحف: تكاد تكون للتسلية، والبعض الجاد منها، يبقى على طيته على الأريكة والمنضدة، دون مساس، لأن قراءتها يحتاج خلفية ثقافية عالية، وهي غير موجودة عند كثير من الناس، والبعض يقرأ كل ما تقع عليه عينه من الصحيفة، ولكن دون اكتراث لأي هدف أو معنى أو غرض، فكأنه لم يقرأ إلا لتمضية الوقت، ودفع الملل، وهذا ما يشكل طريقة (عدم التفكير) حتى تصبح عقولنا هلامية مع السنين، والمطالعة بهذه الطريقة تنتزع شخصية الإنسان بعد إفساده بأفكار لا معنى لها ولا غرض، ونهايته بهذا الشكل سوداوية، بعد أن كان فطرياً خالياً من الأوهام وعقد النقص، فيدمره التعليم والأدب غير الجاد والرخيص.
الباب الثالث: معينات الفكر
الفصل السابع: إحساس المرء بحياته
( أ ) العزلة الظاهرية: نجدها لدى كثير من المفكرين، والذين يريدون أن يفكروا بذواتهم من خلال مصاحبتهم لروائع بعض الشعراء والمؤلفين والمفكرين، وكثير من الدنيويين يسأمون من الخواء الذي يسيطر على حياتهم، وكثير منا ينفر من فكرة الفراغ، لأننا نجد أنفسنا بعزلتنا، حيث كنا نهملها ككلب حراسة لنا، دون اهتمام بها، وعزلتنا تجعلنا نهتم بذواتنا، ونبهج بإدراكنا الواعي لها على السجية، وهذا ما فعله " ديكارت " باكتشافاته، ومثله صنع كثير من الأدباء والأديبات.
( ب ) العزلة الباطنية: هي التركيز على فكرة ما واستبعاد جميع صورنا الذهنية التي لا تتعلق بها، كفعل العشاق والفنانين والشعراء، ولو كانوا وسط الناس، وبعضهم يود لو يبوح بأعماله أو جزء منها لأي شخص ينصت له، والرسل والمصلحون أقدر على الغرق في التفكير فيما يهمهم من أمور، وطلاب المدرسة يهيمون فيما يصرفهم عن الانتباه لمعلمهم الممل، والتركيز عادة أكثر منه موهبة، للغوص في أغوار أرواحنا، والأنانيون يركزون على منافعهم العاجلة، والمثاليون يركزون على أفكارهم، وخمس دقائق أمام شخص يتحدث ندرك اهتماماته ونبله، إذا كان بعيداً عن المصالح الرخيصة، وفن التفكير يغذي عقلنا بالغبطة والرضا، بينما الإرهاق يبدد التركيز، وخلل النوم، والإفراط في الأكل أو الألعاب العنيفة، بينما شرب كأس من الشاي عند النافذة يقربك من أفكارك، كما أن الاهتمام بالإصلاح والسلام يهيئ لنا ظروف استدعاء الذاكرة القوية وبيئة التفكير الجاد، على أن يكون بيدنا قلم وورقة للكتابة عليها خواطرنا وقصتنا، وهذا ما يفعله قلة من الناس أصحاب الفكر، بينما معظم الناس يموتون دون أن تتكشف لهم غوامض الحياة والموت والدِّين، وقيم السجايا الأخلاقية في السياسة أو الفن، أو طرق تربية صغارهم، وكنه حياتهم، ونحن يصيبنا شيء من هذا حين نفكر في موضوع، مع أننا لا نفكر إلا في التفكير به، ولا نصل لنتيجة ما، نتيجة تشتتنا بضغوط الحياة.
والتركيز يقتضي منا أن نكون في آرائنا بتَّارين كالسيف، من أن نكون كريشة في مهب الريح، لأن الجائع كثيرا ما يموت من الجوع، مع أن الخيرات مكدَّسة على قاب قوسين أو أدنى منه.
( ج ) تدبير الوقت: لا وقت لدي؛ من أكبر الخدع التي يحتج بها الفوضويون، هل يستعبدنا جهاز الهاتف وأمثاله، تقديرك للوقت وأهميته هو الذي يمنحك المزيد منه لتملأه بالمفيد، وتنتج فيه ما تندهش لعظمته وأهميته وفائدته، وأن تحمل كتيباً في جيبك يرافقك في حلك وترحالك، لا انتظار ممل بعد اليوم وأنت ترافق كتاباً في جيبك على الدوام، والتبكير من النوم ساعة، يمنحك فرص عمل أشياء كثيرة لأهدافك في الحياة، لا نسيان بعد اليوم (يضيع عليك وقت التذكر) إذا كان لديك كراسة مفكرة، فالتبصر والنظام يوفر الوقت لك، مع كنز من سيرتك الذاتية، واوراق أخرى مقروءة، طريقها إلى سلة المهملات، لئلا تضيع وقتي بإعادة قراءتها المتكررة، وهناك فرقاً واضحاً بين الأناقة والنظام، وكذلك التردد مضيعة للوقت، بينما البدءُ هو تحقق نصف الشيء المطلوب.
الفصل الثامن: كيف نحيا بمستوى أعلى؟
( أ ) الصور المنتجة للفكر: صورنا الذهنية تمثل سليقتنا العقلية، وكل إنسان يكاد أن يكون عقله مخزن صور تمثل اهتماماته وما يفكر فيه، فالسِّكير المدمن، وزير النساء، والبخيل عاشق جمع المال وتحصيله، والمتسلق الاجتماعي الطامح بالمناصب، والمرأة المغرورة بتوافهها، تكون حصيلة صورهم الذهنية متحفاً للصنف الذي يمثله، وكلمة حانوتي عجوز بائع في قريتي حينما قال وهو يستمع إلى ثرثرات بناته وزوجته: " تفاصيل تافهة، تفاصيل تافهة" أيقظتني لأدرك ما ينغمس فيه كثير من الناس دون جدوى يلحقهم بما يسمى (تفكير)، مع أن تفكيرنا يرافق تنفسنا كل لحظة، وأن بإمكاننا أن نفكر بمستوى رفيع بما ارتقى إليه رجالات الأدب والتاريخ في الأمم والشعوب، كما بإمكاننا أن نستنشق الهواء النقي من غابات الصنوبر، ولو سألني شاب عن ما يمكن أن يقرأ عنه، لدللته على أعظم شخصيات التاريخ المؤثرين والمبدعين، بدل توافه ما تتحدث عنه الصحافة اليومية، مما لا يزيد الإنسان إلا اشمئزازاً ودونية، فيخسر العظمة التي ينبغي أن يتعرف عليها في قراءاته، حتى يتأثر بها فيعايشها بنفسه ويتقمصها عظمة في نفسه وكيانه وروحه، فيصبح متألقاً بالروائع والجمال.
( ب ) التسامي شرط التفكير الرفيع: تصعد الأفكار العظيمة من القلب الدافئ المنير، بغض النظر عن نوعية لباسه وطعامه، والحب الأصيل النقي يفتق الذهن ويضفي عليه النبوغ، والأمومة المتألقة تسمو بأذهان أبنائها، والحروب تكشف عن مثل هذه النوعية من القلوب والعقول، لأن عقد النقص تذوب كرقائق الثلج في دفء الحب، فيحرر الروح من قيودها وأثقالها، ويظهر هذا في العمل التطوعي بحماس لجمع أموال للمحتاجين، ولكن حضور المنغصات في النفس البشرية أسرع من حضور المفرحات، والاهتمام بالمصالح الذاتية أسرع من الاهتمام بالإيثار تجاه المعوزين، لكن نستطيع إن شئنا أن نميز بين الكتب الدسمة والكتب الهزيلة، والأفكار الإيجابية والأفكار السلبية، والطيبون يتميزون بالتفكير السليم، شرط أن لا يحاطوا بالخساسة من كل جانب.
( ج ) أفكار رفيعة من الكتب: الكتاب كالمنظر الطبيعي حالة من الإدراك الوجداني، بعض الأفكار الملتقطة لها فعل السحر في تحفيز مخيلتنا لمتعة سمو لا مثيل لها، في أي نوع من العلوم، تستنهض همتنا للتغيير الإيجابي العظيم، والكتاب الذي لا نستطيع أغلاقه هو الذي يمنحنا كنوزاً تبهرنا وتمتعنا وتحفزنا معاً للتفكير الراقي المفيد، ومن العبارات التي تحدد لنا المسار للقراءة الجادة: " لا تطالع الكتب الجيدة، بل طالع أفضلها" لأن حياتنا قصيرة لا تتسع لكل جيد، فلنختر الأجود والأفضل، لكن مع الأسف؛ التعليم والمدرسون لا يراعون هذه المقولة، لأنهم مشغولون بالامتحانات المدرسية لطلابهم، التي تجعل من الكتب المرموقة مملة ومكروهة، ولا ينبغي للقارئ أن ينسى أو يهمل كتب الفلسفة، والعلوم، والتاريخ، والعلوم الأخلاقية، والآداب، وسياسة الحاضر واتجاهات الزعماء المعاصرين، وفلسفة الأديان والعلوم، وعلى الآباء والمسؤولين عن تربية الأبناء أن يرموا بعيداً عن متناول أيديهم الكتب ذات المحتوى التافه، إذا أردنا أن لا يقعوا فريسة التفاهة.
( د ) كيف تقرأ لتفكر؟: عبارة " لا تقرأ...فكر!" أو " لا تفكر...أدرس دائماً" وحينما تطالع كتاباً اقرأه بالصورة التي تمتعك، والوقوف عند الألفاظ يؤدي إلى شرود الذهن، قف على المعاني والمفاهيم، وميز بين ما تريد به زيادة معرفتك، أو زيادة نموك وتكوينك، ولا تزيد على قراءة ما يعنيك ويجذبك ويقنعك، لأنه فضلة حشو لا معنى لها، بعض الكتب يمكن مطالعتها بقراءة فهارسها أو عناوينها الرئيسة، كأنك تحاور مؤلفه، والإخراج الفني للكتاب له أثره في التسويق والانجذاب، والزعماء والملوك كانوا يعرفون كل شيء دون أن يقرؤا أي شيء، من خلال الخلاصات التي تقدم لهم، ومثلهم أبناؤهم، وهو التعليم الشفوي، أو الجمعي الذي يحي اليقظة العقلية لديهم، ويقترح الكاتب أن تعرض خلاصات تعرِّف بالموسوعات المعاصرة لمن بلغ العشرين من أبنائنا، ولا ننسى أناشيد وأغاني الأطفال العذبة، وهم يترنمون بها، فتوحي بوعيهم الكبير على صغر سنهم.
( هـ ) الإدراك والمطالعة الناقدة: الفهم أولاً ثم النقد، هذا النقد بعد الفهم يزيدنا فهماً وإدراكاً، وهذا ما يسمى التحليل الأدبي في التمارين المدرسية، لأن التفهم الواعي نقد، والنقد محاكمة مرادفة للفكر.
( و ) كيف تطالع الصحف؟: بعض الناس يعاملون الصحف باهتمام بالغ لكل ما فيها، وآخرون يرمونها على أنها كلام فارغ، وغيرهم يتعامل معها وبيده مقص وقلم أحمر، يقتطع ما يهمه منها، ليرمي الباقي في سلة المهملات، وبعضاً مما اقتطع (وقص) يشكل محطات تاريخية ووقائع وأحداث تستحق المناقشة والإيضاح، مما يتعلق بالدول الناهضة، والأخرى الساقطة والمتراجعة، وهذا كله مما يعد عقولنا لفهم التفاصيل الهامة وتوسيع مداركنا العقلية.
الفصل التاسع: تنمية البيانات في العقل
( أ ) فحص معرفتنا: بمراجعة ما خزناه من صورنا الذهنية عن الطبيعة البكر في أريافنا أو أسواقنا وشوارعنا، مما يتقنه الفنانون والرسامون والمصورون، وأكثر من يتقن هذا؛ الذين وقع عليهم السجن في المعتقلات السياسية، فيتبادلون معارفهم وعلومهم وينظمون حلقات لكل نوع من المعرفة، وهذا ما يقوم به كل من يحتفظ بمفكرته أو محفظته قصيدة، أو بعض الحكم والأمثال والأقوال، لأناس مبدعين، كأنه خريج مدرسة يراجع دروسه، لكن بحب وشغف، كأنه يشم باقة ورد، أو قارورة عطر يحبه، وهذا يمتِّع كل من يجد نفسه في مكان ممل صامت كئيب فيسعده، وهذا ما يفعله فينا استعراض حياة العظماء والقديسين وأفعالهم العظيمة.
( ب ) إمعان الفكر: هو معاودة التفكير بانتباه بضع مرات في نفس الشيء، بمعنى التريث الذهني والإدراك الوجداني، لاكتشاف شيء مرضي للعقل، لم يكن موجودا في بادئ الأمر، وهو شبيه بالاختراع العلمي، وحين يكون الحافز سطحياً ينتج ردود فعل وهمية، وحين نفعل التأمل في تفكيرنا ننفض عنا غبار الركود العقلي، وهذا ما يفعله نظام منتسوري التعليمي مع الأطفال، بالتمارين التعليمة، التي تضع شروط عدم الاستعجال بالإجابة، وتحديد فترة زمنية للتخيلات والتصورات والحلول، ويطلب كتابة الإجابات بعد مضي الوقت المحدد.
( ج ) الكتابة كعون للتفكير: في المسائل الأكثر أهمية وحيوية، (الله، الخلود، أساس الأخلاق، الطبيعة، السعادة، المحبة، الزواج، غاية الحياة، التعليم، المبادئ) وهناك فرق بين التفكير والرغبة في التفكير، وحقيقة أمرنا أن الأفكار تملكنا بينما نحن لا نملكها، لأننا لم نفكر بها بعمق مقنع تمام الإقناع، وكتَّاب الصحف من هذا النوع حينما يكتبون مقالات هي في حقيقتها تلخيص ما جمعوه من أفكار وكتابات الآخرين، وليس لديهم الحاسة النقدية والقدرة التفكيرية للتحقق من صحتها وبراهينها، فتكون مقالاتهم بهذا الشكل هزيلة، والكاتب المحترف معرَّض أن يقع فريسة لأوهام فكرية كثيرة، خاصة إذا كان يكتب للناس وليس لقناعته الذاتية.
( د ) محافظة المرء على أفكاره: فالشخص الذي يحرث أرضه ويبذر فيها بذوره، ثم لا يحصد منها زرعه كالذي لا يحتفظ بأفكاره ولا يرعاها، وتدوين أفكارنا وأعمالنا يحفظها لنا من الضياع، حتى قصاصاتنا من الصحف عن الأحداث التاريخية والمعلومات الهامة وخواطرنا، كنز يمكننا أن نستخدمه حين اللزوم، وأن لا ندعها تذهب هباء النسيان، حين ندونها ونحتفظ بها.
( هـ ) أذهاننا طراز نظامنا العقلي: وقد تأثرت بكاتب سياسي، وآخر مؤرخ للأديان كانا على درجة من المصداقية في البحث عن الحقائق ومعرفتها في كتاباتهم الرصينة، فجمعا بين نبل النفس وحصافة الفكر وسلامة العقل والتفكير، وجملة: (الله يعلم كل شيء، بدل أنه تعالى يفهم كل شيء) تبين الفرق بين العبارتين، وإن التمكن من معرفة الملابسات؛ يهيْ للمرء تفكيرا متألقاً مع أنها مجرد معلومات.
( و ) التقرب من الفكر المبتكر: لا يشترط له الذكاء بمقدار ما يشترط له الجد والمثابرة الدؤوب للوصول إلى الإبداع من خلال العمل المتواصل والصبر على الوعي في إدراك الفوارق بين السطحية والعمق الفكري، من خلال: 1- استكمال عمق وجهات النظر في المسائل، 2- المقارنات بين الاضداد والقرائن، 3- مناقشة الأمور بعيدا عن السفاسف. 4- الفكر ليس عقاراً نتناوله، وإنما هو الكتب الجيدة ومطالعة الروائع، التي تستهدفها الصحة العقلية، والعقل اليقظ الابتكاري.
الباب الرابع: الفكر الخلاق
الفصل العاشر: الإبداع
إنتاج شيء من لا شيء، أو حركة من سكون، تبهجنا، كما أن التفكير بالألوهية تدفعنا أن نستبعد اللانهائية والخلود من تفكيرنا، لما يسببانه لنا من عنت وإجهاد، أما عملية تدبر الخلق فنمعن بالتفكير بها دون عناء.
إذا فكرنا بمنجزات العباقرة استصغرنا أنفسنا، وإذا قرأنا سيرهم وحياتهم ضحكنا من التساوي بيننا وبينهم، ومع ذلك فليست كل حياتهم عبقرية، حين يصابون بالنضوب والجفاف، ونحن كذلك تمر علينا لحظات من العبقرية والإلهام والتفوق، فإذا استحضرنا قلة بضاعتنا وصغار أنفسنا، بطل سحر رقيتنا العجيبة، ورجعنا القهقرى، وكثيرا ما يميت النقاد الجائرون روح عبقرية إنجاز السابقين، فينشرون اليأس في روع شباب الجيل، من شبهات أفكار هؤلاء العباقرة والقديسين، فتقل جاذبيتهم.
الفصل الحادي عشر: أصل الإبداع: الأفكار
أصل الإبداع فكرة تنمو بالتدريج مع التفاعل معها، حتى تولد لديه مشاعر وقناعات بأهميتها وأحقيتها، مثال: من
تأثر بمنظر قطط الشوارع الضالة، مع تولد مشاعر التعاطف تجاهها، فانتهت بإبداع مركز بيت الحيوانات أو القطط الضالة، ومثل ذلك تأثر " أناتول فرانس، وموريس باريه" الفرنسيين، الأول بعظمة السماء وضآلة الإنسان بجانبها، والثاني عند قبر والده وعلاقته بالأسلاف، فكان بتأثيرهما روح سرت في أربعين مجلداً حكمت ملايين الغربيين متأثرين بهما من خلال هذه المجلدات الفكرية.
وهناك مناطق في أرواحنا يكشفها الإلهام، وربما قصاصات من الورق عليها عبارات أعجبتنا تصبح هي البذور الحية للإبداع، شريطة أن نضاعفها ونقويها بمثيلاتها، أو بما يجعلها تزهر ومن ثم تثمر.
الفصل الثاني عشر: كيف نصل لآرائنا الخاصة
بعض الفلاسفة يراودهم الحلم بالتوصل إلى تفسير العالم، فتكون بعض الإشراقات الفكرية هي الأجنحة التي يطيرون بها للوصول إلى ما يراودهم من أحلام وأفكار، فأرسطو، وديكارت، وآخرون يتحدثون عن هذا الإشراق، ويضعون له قواعد مصداقية لقبوله، فالشاعر والواعظ الكنسي، والمتصوف، يشتركون بهبوط الإلهام عليهم حسب اتجاهه المعنوي والروحي الذي يتجه إليه عبر (التأمل)، ونوبات الإشراق العقلي فوق الإشراقات الروحية، ويمنحهم هذا أمران: أنهم يكونون في إهابهم، ومن ثم يلتمسون أنفسهم.
الفصل الثالث عشر: كن في إهابك
إذا لم يكن الشخص هو ذاته التي يفكر بها ويبدع عن طريقها، فإنه لن يكون مبدعاً على الإطلاق؛ إذا كان هو نسخة عن شخص آخر، فإنه لن يأتي بشيء جديد من خلال هذا التقمص لشخصيات الآخرين، وإنما سيكون مجرد حمَّال أمتعة الغير، وهذا لن ينتج إبداعاً، بمقدار هو منتج فن التمثيل، وهم شبيه جهاز الحاكي، وهذا يتنافى تماما مع الثقة بالنفس والإخلاص، وحين تكون لدينا فكرة لها جاذبية من انتاجنا تصبح مسألة خلقية، أن نستخدم مواهبنا العقلية على أكمل وجه لتبنيها وتنميتها.
الفصل الرابع عشر: التمس نفسك
إن أحدنا إذا أسرف في الانتباه خارج ذاته لن يكون مع نفسه، ولهذا عليه ليلتمس نفسه:
1- تلمس مزاجه الخاص: الذي يجد فيه متعته فيما يفكر به، على أن يتجه به هذا المزاج إلى العبقرية، ويمثلها ما نقرأه من كتب تعتبر أسرتنا الخاصة، وتمثلنا في الاهتمام بها سلباً أو إيجاباً، وبيسر غير معهود.
2- اكتب معبرا عن مزاجك وَوِفقَه سواء كنت محباً أو غاضباً، لأن التوتر الحاصل في الحالتين يعبر عنك تماماً، لأن الكتابة الباردة لا تعبر عنك إطلاقاً، فالحرية والفطرة من مستلزمات الإلهام.
3- اعرف قيمة الحدس: الذي ينتج التألق الذهني، والطمأنينة النفسية، المنتجة للاكتشافات الذهنية، وهذا الحدس قد يكون خصيباً، وقد يكون لمحات خاطفة، وقد تكون متتابعة وزرافات بعضها يتبع بعض.
4- معاملة ضروب الحدث برفق: واغتنمها كفرصة لأنها لا تعود، ولو عادت لن تكون كسابقتها.
5- اغرس الأمزجة المستنهضة: حياتنا منجم لأمزجتنا، وأكثر من يدرك هذا الجانب الشعراء.
الفصل الخامس عشر: الإنتاج الأدبي ميسور للجميع
عن طريق اكتشاف المخطوطات، والمراسلات، واليوميات، والمذكرات، والرسائل، والكتابة المتقنة ما كانت بلغة مميزة أو رشيقة، أو مؤثرة، وكل ما هو مكتوب فوق المستوى العادي، أو ما كان يعبر عن مشاعر وجدانية عميقة، والأدب بصيغة مختصرة هو التعبير والإفصاح عن الذات، وهذه الكتابة بهذا الاعتبار تستحق أن تسمى أدباً.
الخاتمة
الرجل الذي يعبر عن ذاته مهما كانت نقائصه هو فكر متجسد، على أن يسعى ليرتقي بما يكتب بحيث يكون بلغة
معبرة ورصينة. انتهى تلخيصه: 15/2/2024م.


أضف رد جديد

العودة إلى ”كتب وكتَّاب“