إمام الحرمين أبو المعالي الجويني والسياسة

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

إمام الحرمين أبو المعالي الجويني والسياسة

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

بسم الله الرحمن الرحيم
خلاصة كتاب "غياث الأمم في التياث الظلم" للجويني (419-478هـ)

من أقواله: " الإمام القائم بالحق الواجب، على الخلق طاعته"واشترط لتولية الإمام اتصافه بالنجدة، وفسرها تلميذه أبي حامد الغزالي: " المراد بالنجدة: ظهور الشوكة، وموفور العدة، والاستظهار بالجنود، وعقد الألوية والبنود، والاستسكان (أظنه يقصد الاستقرار ) بتظافر الأشياع والاتباع، من قمع البغاة والطغاة، ومجاهدة الكفرة والعتاة، وتطفئة ثائرة الفتن، وحسم مولِّد المحن؛ قبل أن يستظهر شررها وينتشر ضررها".
قال الجويني: " الإمامة ليست من قواعد العقائد، ومعظم القول في الولاة والولايات العامة والخاصة مظنونة" أي سبيلها الاجتهاد.
" وأن عقد الإمامة هو اختيار الإمام؛ من أهل الحل والعقد، وهم الأفاضل: المستقلون الذين حنكتهم التجارب، وهذبتهم المذاهب، وعرفوا الصفات المرعية فيمن يناط به أمر الرعية، والبيعة تصير بحصول عدد من الأتباع والأنصار والأشياع، يحصل به شوكة ظاهرة، ومنعة قاهرة".
تأثر به وبكتابه ابن تيمية وابن القيم، والغزالي، وابن جماعة، وكان شجاعاً لا يمالئ الحكام، بل يقول ما يراه حقاً، وذكر ان المعتبر في الشريعة (نقلتها: رواتها)، والمستقلون بأعبائها (حملتها: أهل الاجتهاد)، العارفون بغايات الشرع (مقاصده)، ومتخلقون بشرف التقوى والسداد، فإذا خلا منهم الزمان، فعليك بشيمة الأناة والارتياد، فكيف إذا بُليَ المسلمون (بعالم لا يوثق لفسقه)، و (زاهد لا يقتدى به لخرقه)، أيبقى بعد ذلك مسلك في الهدى؟ أم يموج الناس بعضهم في بعض مهملين سدى، متهافتين على مهاوي الردى".
" عمَّ من الولاة جورها واشتطاطها، وزال تَصوُّن العلماء واحتياطها، وظهر ارتباكها في جراثيم الحطام واختباطها (الخوف على الرواتب والمناصب)، وانسل عن لجام التقوى رؤوس الملة وأوساطها، وكثر انتماء القراء إلى الظلمة واختلاطها، فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة! فقد جاء أشراطها".
"لا نص في تعيين الإمام كما تزعم الشيعة، لأن هذا الأمر يتعلق بالمسلمين جميعاً، فلا يثبت بخبر آحاد عقلاً ولا شرعاً، فيكون الإجماع على أن أهل الحل والعقد هم الذين يختارون من يؤم الأمة، كما فعل أبوبكر وعمر وباقي الصحابة يوم السقيفة، ومستنده الإجماع، لأنه يشعر بوجود الدليل، مع اختلاف آراء المجمعين على كثرتها، وتتابع الولايات في الإسلام من خلال عقد البيعة، دون نكير من أحد، فاستمسكوا بها ولم يترددوا في الاختيار".
صفات أهل الحل والعقد:لا دليل معتبر على التحقق الجازم من هذا الأمر، فيبقى الاجتهاد والدليل الظني هو المقبول لهذه المسألة، واستبعد (في زمانهم): 1- النساء، 2- والعبيد، 3- والعوام، 4- وغير المسلم، من الاختيار، واشترط البعض توفر أهلية الاجتهاد، ونفاه الباقلاني، اكتفاء بالعقل، والكيس (الفطنة)، والفضل، والبصيرة، مستدلاً باكتفاء كل صاحب اختصاص بعلم ما في اختصاصه، ومثل بالحكَم بين الزوجين، الخبير بأصول المعاشرة الزوجية، (المرشد الأسري)، ويعقب الجويني قائلاً: " من لا يوثق به في باقة بقل، كيف يُرى أهلاً للحل والعقد؟! وكيف ينفذ نصبه على أهل الشرق والغرب؟! ومن لم يتق الله لم تؤمن غوائله، ومن لم يصن نفسه لم تنفعه فضائله، ولا يشترط لعقد البيعة إجماع الجميع، والمهم حصول الشوكة بها، ومعظم مسائل الإمامة عرية عن مسالك القطع واليقين.
صفات القوَّام على أهل الإسلام:
السلامة الجسدية والصحية، والقرشية خبر آحاد لا يعيق عدمها إذا تحققت الشوكة، ومن الصفات: الرجولة، والحرية، والعقل، والبلوغ، والشجاعة، والشهامة، والعلم بما يحقق الكفاية، والورع، ولا بد من الورع والتقوى: إذ لا يوثق بفاسق في الشهادة على فلس، فكيف يولى أمور المسلمين كافة؟ وكما أن الأب الفاسق لا يعتمد في مال ولده، فكيف يؤتمن في الإمامة العظمى، لأن من لم ينهض رأيه بسياسة نفسه، فأنى يصلح خطة الإسلام، وأن يتحلى بالنجدة والكفاية، لأن مصالح الناس والدين والأمة متعلقة بهاتين الصفتين.
الطوارئ التي توجب خلع الإمام:الجنون بالإجماع، والخبل والعته بمنزلته، و(الفسق المؤثر) الذي يحتاج إظهار أثره وخلله، والأمر مفوض إلى نظر الناظرين، واعتبار المعتبرين (أهل الحل والعقد)، وإذا أسر بفسقه ولا رجاء في قرب فكاكه، فكذلك يُخلَع، وكل سبب يحتاج في إظهار خلله إلى نظر فهو إلى الناظرين، ونعني بالنظر مزيد فكر وتدبر من أهله، يفيد العلم والقطع باختلال أمور المسلمين، بسبب ما طرأ من فسق أو خبل.
والخلع إلى من إليه العقد (بصفاتهم) من غير إجماع؛ إلا أن الحاجة قد ترهق إلى الخلع، ونعم لا بد في الخلع والعقد من اعتبار الشوكة، وعقد الإمامة لازم لا اختيار في حله من غير سبب يقتضيه.
ولو عين الإمام من ليس على شرائط الإمامة (ولياً له) ولم يكن في حالة التولية على استجماع الصفات المرعية، فالوجه بطلان التولية من جهة أنه أساء في الاختيار، والغرض من العهد تنجيز نظر وكفاية للمسلمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلـم: " بعد أن ولى ثلاثة على جيش مؤتة، فإن أصيب الثالث، فليرتضي المسلمون رجلاً منهم"، وإذا استناب في حياته نائباً، وفوض إليه وسلم مقاليد الأمور كلها، وجعله مستقلاً يوكي ويعزل (بانفراد واستبداد) فهذا غير سائغ، لأن تجويزه يجعلهما إمامين وهذا ممتنع.
أما اتصاف الإمام بالنجدة والكفاية؛ فلا بد منهما وكذلك الورع، فإنه رأس الخيرات وأساس المناقب، ومن لم يتصف به، فجميع ما فيه من المآثر تصير وسائل ووصائل إلى الشر، وطرائق إلى اجتلاب الضر.
الباب السادسوالأكفأ يقدم على الأفضل للمصلحة، لأن الأفضل من غير شوكة لا يحقق المصلحة، وهذا يتبع الظرف الذي تمر به الأمة، ففي حال الاستقرار مع الجهل والابتداع يقدم الأفقه والأعلم، وفي حال الاضطراب والتمرد يقدم العرم الأقوى حزماً وجندية، ليسوس الوقت، وفي حال ضعف سيطرة المركز على الأطراف، يجوز تنصيب نائب له، اضطراراً للمصلحة.
وظيفة الحاكم:
تحقيق مرضاة الله بتطبيق أحكام شريعته، وتوفير بلغة من الدنيا للناس، وحجز الناس عن الفساد فيما بينهم، ومن مهامه الكبرى حفظ الدين، ومعالمه، وذلك في خرقين الأول: ما يعد كفراً وردة، والثاني: ما يعد بدعة وضلالاً، وليس عليه حمل الناس على مذهب واحد، ورأي واحد، فيما اختلف فيه العلماء والفقهاء، وأن يبث في الناس العلماء لتوعية المنحرفين، والمبتدعين، بالحكمة والموعظة، ومهمة الإمام حفظ الدين، وحسم البدع ما استطاع.
وما يتعلق بأصل الدين في دعوة الكافرين به إليه، مسلكان: الأول: الحجة والجدال الحسن، وإرسال العلماء إليهم، على أن يكونوا لطفاء بلغاء حكماء، أما حمل الناس على أداء العبادات، فموكول إلى فقه الفقهاء، ودور الإمام إما طلب ما لم يحصل، أو حفظ ما هو حاصل، ودوره في مصارف المال وجمعه من حله، ومن مهامه تأمين الأمن والعافية، حتى يتسق أمر الدين والدنيا، وأما قتال أهل البغي فينبغي أن يسبقه حوارهم، وتلبية طلباتهم إن كانت حقاً، وإن كانت شبهات أزالها بالبيان.
وما يتعلق بالعقوبات فالحدود مفوضة إليه حسب ما في كتب الفقه، والقصاص لا يقام إلا إذا رفع إليه، وأما ما عدا ذلك من التعزيرات، فهي مفصلة في كتب الفقه، ومفوضة لرأي الإمام تسامحاً أو تاديباً، وفي العفو متسع، وعن عائشة رضي الله عنها: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" (ر: احمد وأبو داود والنسائي)، ولا أدب في تعذيب مسلم، وتؤخذ الزكوات، وتسد بها الحاجات، فإن لم تف بها، فحق على الإمام الاغناء بهم، فالدنيا بحذافيرها لا تعدل تضرر فقير من فقراء المسلمين، وإن ضاع فقير بين ظهراني موسرين، حرِّجوا من عند آخرهم، وإذا كان تجهيز الموتى من فروض الكفايات، فحفظ مهج الأحياء وتدارك حشاشة الفقراء أهم.
فصل: إذا وطئ الكفار ديار الإسلام: قام الكل بمقاتلتهم دون أذن، وإذا خيف ذلك استعد الإمام بالجنود والعتاد لدفع خوف مقدمهم، ولو شغر الزمان عن والٍ تعين على المسلمين القيام بمجاهدة الجاحدين، وإذا قام به عصب فيهم كفاية، سقط الفرض عن سائر المكلفين، إذا عدموا والياً، لأن فروض الكفايات في هذه الحالة لا ينتظر لأدائها مرجعاً وإماماً، وأغنياء كل صقع يبذلوا من المال ما يقع به الاستقلال، لأن المسلمين هم المخاطبون بالأحكام، والإمام في التزام أحكام الإسلام كواحد من الأنام، لكنه مستناب في تنفيذها، وليس في الشريعة مغارم (مصادرة للمال) على اقتحام المآثم.
انخرام الصفات المعتبرة في الأئمةكعدم القرشية لا يمنع من تولية من يتحلى بباقي الصفات، ومن افتقد رتبة الاجتهاد لا يمنع من تولية الشهم ذو النجدة والكفاية، على أن يستفتي فيما يعن له من المشكلات، وإذا لم نجد إلا الماجن الفاسق، الذي لا تؤمن غائلته وعاديته، فلا سبيل إلى نصبه، لأنه إذا استظهر بالعتاد، وتقوى بالاستعداد لزاد ضيره على خيره، ولصارت الأهب والعدد العتيدة للدفاع عن بيضة الإسلام؛ ذرائع للفساد، ووصائل إلى الحيد عن مسالك الرشاد، وهذا نقيض الغرض المقصود بنصب الأئمة.
لكن إذا كان فاسقاً (يشرب الخمر) وكنا نراه حريصاً – مع ما فيه من زلات- على الذب عن حوزة الإسلام، وكان ذا كفاية، ولم نجد غيره، أرى تنصيبه للضرورة – للكفاية والاستقلال- كما أن القرشي من غير دراية ولا كفاية يتقدم عليه عالم كافٍ (يعني ذو كفاية) تقي، اما إذا لم نجد لا هذا ولا ذاك، فيتحقق شغور الزمان عن الولاة، ومن لم يكن ذا كفاية ولا موثوقاً به لفسقه، لم يجز نصبه، ولو نصِّبَ لم يكن لنصبه حكم أصلاً، وثبوت الإمامة - من غير تولية عهد من إمام، أو صدور بيعة ممن هو من أهل الحل والعقد، أو استحقاق بحكم التفرد والتوحد كما سبق - بعيد.
ولا يجوز عقد الإمامة لفاسق، فإذا حُمِلَ أهل الحل والعقد على بيعته، فهذا من المطاولة والمصاولة، وهذا ظلم وغشم يقتضي التفسيق، والإمام ذريعة في حمل الناس على الشريعة، غير أن الزمان إذا اشتمل على صالحين للإمامة، فالاختيار يقطع الشجار، ويتضمن اليقين والانحصار، والمعنى الذي يُلزم الخلق طاعة الإمام، ويلزم الإمام بمصالح الإسلام؛ أنه أيسر مسالك في إمضاء الأحكام، وقطع النزاع، والإلزام.
وأرى أن القيام بما هو من فروض الكفايات أحرى بإحراز الدرجات، وأعلى من فنون القربات، من فرائض الأعيان، فإن ما تعين على المتعبد المكلف لو تركه، ولم يقابل أمر الشارع فيه بالارتسام، اختص المأثم به، ولو أقامه فهو المثاب، ولو عطل فرض من فروض الكفاية، لعم المأثم على الكافة، على اختلاف الرتب والدرجات، والقائم به كافٍ نفسه وكافة المخاطبين الحرجَ والعقاب، وأمل أفضل الثواب، ومضمون ما بلغه المرسلون، الدعوة إلى أسباب الخير، واجتناب دواعي الضير.
وإذا استشعر أهل الخبل والفساد، أنهم من صاحب الأمر بالمرصاد، آثروا الميل طوعاً أو كرهاً إلى مسالك الرشاد، وانتظمت أمور البلاد والعباد، وإن خلا الزمان عن إمام، وخلي عن سلطان ذي نجدة واستقلال وكفاية، فالأمور إلى علمائهم، فإن عسر جمعهم على أحدهم مع استوائهم في العلم، فالوجه عندي قطع النزاع بالإقراع، فمن خرجت له القرعة قُدِّم.
واهم المطالب في الفقه التدرب في مآخذ الظنون في مجال الأحكام، وهذا يسمى: (فقه النفس) وهو أنفس صفات علماء الشريعة، " وإنما بلائي من ناشئة في الزمان شدوا طرفاً من مقالات الأولين، ركنوا إلى التقليد المحض، ولم يتشوفوا إلى انحتاء درك اليقين، ابتغاء ثلج الصدور، فضلاً عن أن يشمروا للطلب، ثم ينجحوا أو يخفقوا، ثم إذا رأوا من لا يرى التعريج على التقليد، ويشرئب إلى مدارك العلوم، ويحاول الانتفاض من وضر الجهل، نفروا نفار الأوابد، ونخروا نخر الحمر المستنفرة، وأضربوا عن إجالة الفكر والنظر، وارجحنوا (لجأوا) إلى المطاعن على من يحاول الحقائق، ويلابس المضايق، وقنعوا من منصب العلماء بالرد على من يبغي العلم والترقي عن الجهالات، والبحث عن حقائق المقالات، وقد ذكرنا أنه ليس للمستفتي أن يتتبع مذاهب الصحابة، والسبب في أن الأئمة المتأخرين أولى بالبحث عن مذاهب المتقدمين من المستفتين، (أظنه يقصد المفتين)م. ن، والأوجه عندي أن يقلد المستفتي مفتي زمانه، وفقيه عصره، أو ما ينقله عن مذهب متقدم مضى، حسب وضوح أدلة النقل، أو الثقة بقدرة فقيه عصره، كلا الأمرين جائز.
لا يخلوا زمان من مفتين أو نقلة مذاهب، وكذا الصحابة، كانوا يعرضون الواقعة على كتاب الله، أو سنة رسول الله، أو (اشتوروا واجتهدوا)، وأرى أن نذكر في كل أصل من أصول الشريعة قاعدة تنزل مرتبة القطب من الرحى، والأس (الأساس) من المبنى، وتوضح أنها منشأ التفاريع، وإليها انصراف الجميع، والمسائل الناشئة منها تنعطف عليها انعطاف تأزر الحية إلى جحرها، وهناك تفاصيل للشريعة لم يعرفها الأصحاب في الزمان الأول، لأنهم لم يتعرضوا لها، ولا غناء عن الإحاطة بالمكاسب، فإن فيها قوام الدين والدنيا، فلو فسدت مكاسب الناس أدى إلى غياب مصالحهم، وهلكوا عامة وجنداً، فيكون فرصة للعدو في أن يغير على بلاد المسلمين.
وإن عموم الحاجة في حقوق الناس كافة، كالضرورة المتحققة في حق الشخص المعين، ولهذا لا يكاد يخفى جواز دفع الظلمة، وإن انتهى الدفع إلى شهر الأسلحة، فإن من أجل أصول الشريعة دفع المعتدين بأقصى الإمكان عن الاعتداء، ولو ثارت فيه زائغة عن الرشاد، وآثروا السعي في الأرض بالفساد، فإذا لم يمنعوا قهراً ولم يدفعوا قسراً، لاستمرأ الظلمة، ولتفاقم الأمر، وهذا يعني ظهوره عن الإمعان في البيان.تلخيص: محمد نبيل كاظم.


أضف رد جديد

العودة إلى ”كتب وكتَّاب“