الإسلام وقوة الكلمة

المشرف: محمد نبيل كاظم

أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

الإسلام وقوة الكلمة

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

الإسلام وقوة الكلمة
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، صلوات الله وسلامه عليه، تسليماً كثيراً.
ورضي الله عن ساداتنا، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وبقية صحابته المبشرين بالجنة، وعن سائر الصحابة والتابعين، وتابعيهم وتابعي تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
ألا إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله -وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة - (أي في الدين)- بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد:
أخوة الإيمان والإسلام: موضوع خطبتنا اليوم عن قوة الكلمة في ديننا العظيم الإسلام، وهذا واضح الدلالة في القرآن الكريم في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27))ابراهيم.
وفي الحديث الشريف: «إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم».
قوة الكلمة: في كتاب الله وسنة رسول الله:
لها دلالات تربوية عظيمة، إن حياة المسلم قائمة على معالي الأمور وقيمها العليا السامية، التي تربي الفرد منذ نعومة أظفاره على العظمة والقوة؛ والصدق والجد والكرامة والسيادة، فليس في حيات المسلم إذا رام التفوق والنجاح؛ عبث وهوى، وذلة ومهانة وسبهللية.
مثال1: تبدأ حياة المسلم حين استقبال ولادته بكلمات الأذان، ما أعظمها من كلمات الله أكبر الله أكبر، وتصدح بها المآذن في بيوت الله خمس مرات في اليوم والليلة، ويسن في السفر البدء بالأذان كذلك.
مثال2: ويشب أبناؤنا في بيوتهم على ما يرونه ويسمعوه من آبائهم من الحديث والكلام الذي لا يبعد عن الاقتداء بسيرة المصطفىمع خديجةحين قالت الكلمة المشهورة من الثقة بزوجها وتقديره ومعرفة فضله ومكانته: "كلا، أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
مثال3: وقيل مثلها عند برك الغماد لأبي بكر الصديق من ابن الدغنة سيد القارة: "فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج، ولا يُخرج مثله، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على
نوائب الحق، وأنا لك جار، فأرجع فاعبد ربك ببلدك..".
مثال4:في السيرة النبوية العطرة، حين ساوم كبراء قريش وزعماؤها عم النبي ص أبو طالب على إقناع ابن أخيه محمد أن يكف عن محاربة آلهتهم وأصنامهم ويتركهم على شركهم وعبادتهم الأوثان، فقال لعمه كلمة عظيمة زلزلت الأرض من تحت أقدام المشركين: « ما والله لوْ وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يُظهره الله أو أهلك فيه ما تركتُه) وفي رواية: ما أنا بَأَقدرَ على أن أَدَعَ لكُم ذلك مِنْ أن تُشْعِلوا لي منها شُعْلة (يعني الشمس)، قال: فقال عمه أبو طالب:
واللَّهِ لَنْ يَصِلوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ حَتَّى .............. أُوَسَّدَ في التُرَابِ دَفِينا
فامْضِي لأَمْرِك ما عَلَيْكَ غَضَاضة .......أَبْشِرْ وَقِرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيونا
السؤال عن مصدر الكلمة وقوتها، هي الله سبحانه، حين علم آدم الأسماء كلها، ووهبه العقل يعقل وينطق به من لسانه وقلبه وعيونه وشفتيه، بل تشير أيدينا إلى ما نريد وتعبر عما لا نريد، وكذا اتجاه أرجلنا وتشنيف آذاننا، ونحن الذين نحدد قوة كلماتنا من خلال ما نحملها من عواطف وصدق وأمانة وإيجابية، ولهذا يمكننا اتباع المنهج النبوي في الثبات على الحق والمبادئ والأهداف والعقيدة للوصول إلى النجاح.
أثر قوة الكلمة في دنيانا:
مثال1: باخرة اسمها تيتانيك, أضخم باخرة صنعت في العصر الحديث, في عام 1912م صنعت جدرانها مزدوجة, بحيث لو صار في خرق, هناك إغلاقات عرضية, وكأن الخرق لم يكن، صرح مهندسها بأنها أقوى باخرة على مياه الأرض، القدر لا يستطيع إغراقها،سافر على متنهافي أول رحلة لها من لندن إلى بوستننخبة من أثرياء العالم مع نسائهم،في عرض البحر, اصطدمت بجبل ثلجي فشطرها شطرين, ومثلت قصتها في فلم.
مثال2: تكرر الخطأ ثانية في مركبة فضائية أمريكية أطلقوا عليها اسم اسلنجر (المتحدي) فانفجرت بعد دقيقة واحدة وعشرة ثواني: أصبحت كتلة من اللهب, مات سبعة رواد وامرأة على متنها.
أخي المسلم:كلامك جزء من عملك, قبل أن تنطق به, فكر: هذه الكلمة؛ هل فيها استهزاء بأحد؟ هل فيها استعلاء؟ هل فيها سخرية؟ هل فيها غمز؟ هل فيها لمز؟ هل فيها طعن؟ هل فيها استخفاف؟ هل فيها كبر أو معصية؟ عشرات الكلمات هي من سخط الله تعالى، تشكل عائقاً أمام قبولنا وتوفيق الله لنا، فضلاً عن سعادتنا ونجاحنا.
مثال1: السيدة عائشة أم المؤمنينذكرت عن أختها صفية –ضرتها-, قالت: ((قصيرة –فقط, ما قالت فوق ذلك- فقال عليه الصلاة والسلام: يا عائشة, لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته)).
مثال2: عن ابن عباس« أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض يعوده فقال له لا بأس طهور إن شاء الله، قال- الرجل- قلت طهور؟ كلا، بل هي حمى تفور أو تثور، على شيخ كبير، تزيره القبور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فنعم إذا». مات الرجل صباحاً، لكن: حرم فضل دعاء النبي بالطهور والتكفير.
مثال3: عنسلَمةَ بْنِ عَمْرو بنِ الأَكْوَعِ ، أَنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رسولِ اللَّه ﷺ بِشِمَالِهِ فقالَ: كُلْ بِيمِينكَ قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ قالَ: لا استطعَت، مَا منعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ فَمَا رَفعَها إِلَى فِيهِ..
النجاح والفلاح: مرتبط بقوة كلماتنا:
مثال1: غزوة الأحزاب والرسول وأصحابه في حفر الخندق، تعترضهم صخرة، فيفتتها النبي بضربة يقول: الله أكبر فتحت كنوز كسرى، وأخرى فيقول: فتحت كنوز قيصر، وتحقق ذلك بعد فترة وجيزة في عهد عمر.
مثال2:غزوة حنين قال بعض الصحابة وقد أعجب بكثرة المسلمين: " لن نغلب اليوم من قلة"، فغلبوا ونزل قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾.
الخلاصة: قوة كلماتنا في نفوسنا وبيوتنا وأوطاننا:
إسلامنا يفرض علينا أن نتفاءل ونسعد ونعمل ونتحرى في أقوالنا وأفعالنا، تجاه أنفسنا وأبنائنا وزوجاتنا وأرحامنا وأصدقائنا والناس جميعاً، لأن الله استخلفنا في الأرض، وهذا مقتضاه إحسان إعمارها، وإحسان أخلاقنا كذلك، ومن هذا حسن الفعال، وهو نتيجة مماثلة لحسن المقال، كما أخبر تعالى: ( وقولوا للناس حسناً) البقرة، أقول ما سمعتم، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانيةالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أيها الأخوة المصلون أخوة الإيمان والإسلام:
كل الذي ذكرناه في خطبتنا اليوم، من ورائه مقاصد شرعية سامية، منها: أن نتحمل مسؤولياتنا كاملة، وأن يثق كل منكم بأنه يستطيع التحكم بمصيره، من خلال التحكم بقوة كلماته التي تحدد المصير الذي نؤول إليه، سعادة أو غير ذلك، وأن كل منكم قادر على إسعاد نفسه وأهله، بشكر نعم الله عليه وما أكثرها، وبالتحلي بأخلاق النبي وما أوضحها، وسبيل السلف الصالح من صحابته وتابعيه وما أنورها، وقوة كلماتنا تحمل في طياتها قوة نجاحنا في النجاح والفلاح، وكما قال النبيفي الحديث القدسي: « أنا عند ظن عبدي بي » ومن كان في معية الله كان الله في معيته، والله في عون العبد ما كان في عون أخيه".
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وحببنا فيه، وأرنا الباطل باطل وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه، اللهم احفظ أوطاننا ويسر أمورنا، واغفر زلاتنا، وارحمنا وارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم احفظ بلدنا هذا وجميع بلاد المسلمين، وانصرنا على أعدائك أعداء الدين، فإنك القوي القادر على ذلك، إنك أنت الغفور البر الرحيم.
1-اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وشكر نعمتك، وحسن عبادتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبيل نجاتنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا.
2- اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
3- اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وأقم الصلاة (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا َتصْنَعُونَ)45/العنكبوت.
بقلم: محمد نبيل كاظم.



أضف رد جديد

العودة إلى ”خاص بخطبة الجمعة“