لماذا تفشل الثورات؟ "غوستاف لوبون"

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

لماذا تفشل الثورات؟ "غوستاف لوبون"

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

خلاصة سيكولوجية الجماهير ل غوستاف لوبون
ترجمة هاشم صالح- ط/1 دار الساقي: 1991م بيروت
1- مقدمة: إلى علم النفس الاجتماعي، وهو علم جديد يردف العلوم الإنسانية الجديدة في حياتنا المعاصرة، وهو يدرس الصراع الناشئ بين الفرد والمجتمع، في تمرد الفرد الجمعي (الجماهير) على المجتمع الظالم، وفي بعض جوانبه تحدث عنه ابن خلدون قبل قرون، في نظريته في العمران، وقيام الدول وانهيارها، وتكون العصبية المؤثرة في مسيرة المجتمع وقيام وتكون الدول، وتأثير الايديولوجيات الدينية والسياسية على الجماهير، واليوم بدأت دراسة كيفية تجييش الجماهير لصالح فكرة أو جماعة، أو حزب، والمؤلف عاش (1841- 1931م) في فرنسا، وكتب عن حضارة العرب، وحضارة الهند وغيرهما، وسيكولوجية الاشتراكية ، والعقائد، والثورة الفرنسية، وخمسين كتاباً، أجملها "حياة الحقائق" 1914م، وأشهرها هذا الكتاب الذي نختصره ونقدمه لكم.
الكتاب الأول: روح الجماهير
الفصل الأول: الخصائص العامة للجماهير: والقانون النفسي لوحدتها الذهنية
2- روح الجماهير: تكتل بشري في ظرف ما يشكل روح جماعية مؤقتة تطمس خصائص أفرادها في خصائص جماعية فكرية وعاطفية بما يمكن تسميته سيكولوجية الجمهور وروحه، فتذوب الشخصية الواعية للأفراد في اتجاه التوحد الغامض، بسبب حدث كبير يثيرهم ويستقطبهم، على رغم اختلاف شرائح هذه الجماهير وتنوعها، وحسب قوة المحرضين لها تتوجه مشاعر الجميع باتجاه ما يمكننا تسميته: " القانون النفسي للوحدة الذهنية للجماهير"، وأيا ما تكن شرائحهم يزودهم الانفعال والإثارة بروح جماعية، كالجسد الذي يحرك ملايين الخلايا باتجاه فعل واحد، والأفعال التي تقوم بها الجماهير لا يقودها الوعي إلا بنسبة ضئيلة إلى جانب المحرك اللاواعي في نشاطها، الذي يشكل جزء كبير منه التأثيرات الموروثة عن الأسلاف، المشكلة للهوية ودوافعها المخبوءة المجهولة، وخاصة التوحد في التراث والمزاج العقائدي، الذي يوحد بين الأمير والغفير، ويذوب المختلف في المؤتلف بينهم، وهذا ما يجعل الجماهير تجمع التفاهة، أكثر مما تجمع النباهة والذكاء، لهذه الأسباب.
صحيح أن الفرد الضعيف يكتسب بالتجمع قوة من جماهيره، لكن السبب الثاني: لهذا الاندماج؛ هو العدوى الذهنية التي تجعل الفرد تحت تأثير التنويم المغناطيسي للجماعة، إلى درجة التضحية بمصالحه الخاصة، والشعور بالبطولة الفارغة، والسبب الثالث: ظهور صفات معاكسة لخصوصية الفرد، تنتج كاثر عن الحالة التحريضية، كأفعال المنوَّم مغناطسياً، فيغيب وعيه عن تصرفاته، إلا في حالات الشخصية القوية جداً فيقاوم الانجراف مع التيار، لكنه لا يستطيع إيقافه.
3- مواصفات الفرد الجماهيري: 1- تلاشي الشخصية الواعية. 2- هيمنة الشخصية اللاواعية. 3- بالتحريض والعدوى يتجه الجميع على خط المجموع. 4- تحول الأفكار إلى أفعال آلية غير اختيارية. 5- يتدنى مستوى الفرد الجماهيري حضارياً، إلى مستوى انقياد غريزي همجي. 6- حتى البرلمانات الجماهيرية تصيبها لوثات الجماهيرية بالانخراط الجماعي، في غير تصرفاتهم الانفرادية، ويمكن في مثل هذه الحالات أن يتحول البخيل إلى كريم، والشكاك إلى مؤمن، والشريف إلى مجرم، والجبان إلى بطل، وهذا حدث يوم 4/8/ 1789م في الثورة الفرنسية، لأن الجمهور أدنى من مرتبة الإنسان المنفرد عقلياً وفكرياً، ولكن في الناحية العاطفية أقوى وأكثر جرأة، وهذا ما قاد الجماهير إلى الحروب الصليبية دون خبز ولا سلاح، لتخليص قبر المسيح في المشرق.
الفصل الثاني: عواطف الجماهير وأخلاقياتها
4- عواطف الجماهير:
1): سرعة الانفعال والخفة والنزق: يتحكم فيها النخاع الشوكي، وليس العقل، بينما في حالة الفرد العادي يتدخل عقله فيبين له تحمل مسؤوليته الفردية، فلا ينصاع لتأثير الآخرين، لكنه في حالته الجماهيرية ينقاد لتأثيرها التحريضي، سلباً أو إيجاباً، إلى درجات عالية من البطولة أو الإجرام. (قاد نابليون مائة ألف مستعدين للموت)، ولولا الضرورات الحياتية العاجلة (كميزان خفي) لما استطاعت الأنظمة الديمقراطية أن تستمر، وكذلك سرعة تقلب الجماهير وعجزها عن الإرادة الدائمة في تفكير منظم، فيكون أقرب إلى الهمجية المدمرة، في حال الانخراط مع المجموع، لأنه يكتسب قوة مضاعفة هائلة لا يمتلكها فردياً، وتأثير ثقافة الجماهير وعرقيته ملاحظ في هذه الحالات، والاختلاف بارز بين شعب وآخر، من هذه الناحية، فشل في (لانغسون) أطاح بالحكومة الفرنسية، وفشل كبير لحملة إنكليزية في الخرطوم، لم ينتج سوى انزعاج خفيف في حكومتها.
2): سرعة تأثر الجماهير وسذاجتها وتصديقها: لأي اقتراح يطرحه المحرض الرئيس عليهم، وينخرط الجميع في تبني المقترح، بغض النظر عن وجاهته، يحركهم اللاشعور المستعد لتلقي الاقتراح الذي يخرجهم من حالة السكون إلى حالة الفعل، لتنفيس المشاعر المضغوطة، التي لا تعرف المستحيل في لحظات الهيجان، بسبب تضخم حالة التخيل والخيال لدى الجماهير، وتبدأ الأسطورة من أحدهم لتنتشر بين الجميع بأكثر مما رويت، وتأخذ صورة الهلوسة المقبولة من الجاهل والعالم معاً في مثل هذه الحالات.
3):عواطف الجماهير: تضخيمها وتبسيطها: لدى الجماهير، سواءً كانت طيبة أو شريرة، نتيجة المغالاة المدعَّمة بالكثرة وسرعة الانتشار، بطريقة بدائية في التصديق، دون تحليل دقيق، عكس ما لدى الفرد العادي من تريث وواقعية وتدقيق، وضخامة الجمهور تعدم شعورهم بالمسؤولية، فيتحرر الأبله والجاهل والحسود من الإحساس بالدونية الكافَّة للفاعلية، فيندفع بقوة التجييش والتحريض، ليفعل الفظائع، ومن يحرضها بذكاء، يدفعها لأعمال متفانية في البطولة المتهورة، وهذا يحتاج إلى عواطف متطرفة، وخطيب مندفع غير عقلاني، كما يحدث في المسارح التمثيلية، ولهذا يمكن للجماهير أن تقوم بأعمال بطولية سامية، كما أنها قادرة على القيام بأبشع الجرائم والسفالات.
4): تعصب الجماهير واستبدادها ونزعتها المحافظة: تجعلها تقبل بالأفكار جملة، أو ترفضها جملة، كحق أو باطل، وهذا ما يظهر في الانتماءات الدينية، ولهذا يظهر استبداده بحجم تعصبه، ولهذا إذا صدر ما هو مرفوض من خطيب، اعترضوا بقوة وعنف على موقفه، وهنا تظهر ثقافة العرق، كما هي الحدة في العرق اللاتيني، عكس الاستقلالية المتطورة لدى العرق الأنغلوساكسون، وهذا ما يفسر تمرد الجماهير على السلطة الضعيفة، والانحناء للسلطة القوية، بهيئة " القيصر".
5): أخلاقية الجماهير: غير مهيأة لاحترام النزعة الأخلاقية، إلا إذا عنينا بها صفات التفاني والإخلاص والتضحية والعدالة، فإنها قادرة على أرفع الأنواع الأخلاقية فيها، والانحطاط المعروف عنها يتبلور في صورة هيجان الانفلات من تحمل المسؤولية الفردية المكبوتة عبر السنين، في إطار الانخراط الجماهيري الكبير، الذي لا يخشى عواقب أفعاله، والعمال المضربون عن العمل، يضحون من أجل المجموع وكرامة العمال؛ أكثر من كونهم يفعلوا ذلك من أجل زيادة الرواتب فحسب، حتى الأوغاد يتحلوا بأخلاقيات صارمة حين ينخرطوا في ثورات الجماهير، ولهذا قام الثوار الذين هاجموا قصر تويلري 1848م فإنهم لم يسرقوا أي تحفة ثمينة من مقتنياته، وهذا يؤكد تحلي الجماهير أحياناً بدرجة عالية من الفضائل، لا يتحلى بها أعظم الفلاسفة والحكماء، ولو أن الجماهير حكمت مصالحها الفردية، لما بقي على سطح الأرض حضارة أو تاريخ.
الفصل الثالث: أفكار، محاجات عقلية، في مخيلة الجماهير
6- أفكار الجماهير: تطور الشعوب هو تطور أفكارها، الفئة الأولى: منها، ما تقدمه البيئة والتراث والدين، والفئة الثانية: الأفكار العابرة الطارئة التي تنتجها المتغيرات، ولا تصبح مؤثرة إلا بشرط تبسيطها للجمهور بشكل صور رمزية معبرة، الثابت منها هو الموروث، واللحظي منها هو الطارئ، والمثقف قد يجمع بينهما من غير مبررات منطقية، كالهندي الدارس في جامعات الغرب، ولا تتحرك الجماهير بها، إلا إذا لبست ثوب التبسيط والتسطيح، فالأفكار الديمقراطية والمسيحية والاجتماعية، بائسة كفاية، ومع ذلك دورها كبير في حياة المجتمعات، خاصة بعد دخولها منطقة اللاوعي لدى الجماهير، وبشكل عاطفي متبلور، يستدعي البواعث العميقة لهويتنا الأصلية، وانغراس فكرة ما في روح الجماهير يأخذ وقتاً طويلاً حتى تستقر في وعيه الجماهيري، بحيث يحطم كل القيود المعيقة لها، ولو أدى ذلك إلى سيل من الدماء والتضحيات، كما حدث في أوروبا عصر الثورات، [ وفي بلادنا العربية عصر الربيع العربي] بالتجييش والتعبئة الثورية، أكثر مما حصل أيام تيمورلنك وجنكيز خان.
7- المحاجات العقلية للجماهير: ممكنة ولكنها في أدنى مستوى عقلي، وأوهن ترابط نسقي، يوحي بالاستنتاجات السطحية للإنسان البدائي، وهذا ما يمكن خطباء الجماهير من التأثير الانفعالي عليها، الموهم بالعقلانية، مع أنها سطحية جداً، وتأثير الأفكار في الجماهير هو تأثير الفوقية عليها، أكثر من تأثير المحاكمة العقلية المجردة، شرط ملامسة هذه الأفكار تطلعاتهم وخيالاتهم، خيال الجماهير عادة شبيه بخيالات الحالم وأحلام يقظة، فإذا فكر بعمق تبخرت أحلامه، لكنه لن يفعل، حتى يبقى خياله محركاً له وللآخرين حوله، مما يتعلق بشخصية، أو حدث، أو مطلب، مهما كان مستحيلاً أو أسطورياً، على أن تكون الفكرة بشكل صورة جذابة، باعثة على الفعل والتغيير، ولهذا يستخدم الخبز والدرهم والمحسوسات في المسرحيات المؤثرة، التي يختلط فيها الواقعي باللاواقعي، وهذا التأثير هو عنصر الحشد الجماهيري الذي استخدم في البوذية والمسيحية والإسلام والإصلاح اللوثري والثورة الفرنسية، و[ الربيع العربي]، وهذا ما تلون به نابليون حسب الحاجة إلى جماهير مختلفة لها لون مختلف، ومن عباراته: لم استطع الاستقرار في مصر، إلا بعد تظاهري بالإسلام، ولو أتيح لي حكم اليهود، لأعدت من جديد معبد سليمان، والجماهير تتأثر بالأمور والأحداث الكبيرة، أكثر من مئات وآلاف الأمور الصغيرة المتكررة، لأنها تحرك مخيلة الجماهير، ليست الوقائع هي التي تحرك الجماهير بمقدار ما يحركها طريقة عرضها والهالة التي تحاط بها الأحداث والوقائع.
الفصل الرابع: الأشكال الدينية التي تتخذها كل قناعات الجماهير
8- الجماهير تحول ما تؤمن به إلى ما يشبه العبادة: والنفور من شيء يتحول إلى حقد، ويتحول حال الجماهير سلوكياً إلى ما يشبه العاطفة الدينية، بخصائص: الاتجاه إلى إنسان خارق لتقديسه. 2- والخوف منه كذلك.3- والخضوع الأعمى لأوامره. 4- استحالة مناقشة طروحاته. 5- والرغبة في نشرها. 6- اعتبار من يرفضها عدو. كل ذلك يتحول إلى ما يشبه الجوهر الديني، المليء بالأسرار، وكل ذلك بتعصب شديد، كما فعل (اليعاقبة في الثورة الفرنسية- والكاثوليك في محاكم التفتيش الوحشية) فعبادة نابليون الذي زج بالملايين إلى الموت، لم يشبهه سوى هتلر، وذكر " كولانج": الأمبراطورية الرومانية لم تستمر خمسة قرون إلا لأن الأمبراطور جسد في أذهان الرومان عظمة الإله إلى درجة العبادة، من الممالقون وغيرهم معاً، الناس لا تقاد وتخضع بالعقل وحده، بل هو صراع بين العقل والعاطفة أبدي، وإذا لم يعد الناس يتقبلوا الأصنام وعبادتها، والإله والدين، فإنهم استبدلوهم بعبادة البطل، ورفع صورته في كل مكان.
الكتاب الثاني: آراء الجماهير وعقائدها
9- آراء الجماهير وعقائدها تشكلها عوامل بعيدة وأخرى قريبة: القناعات القديمة هي التي تمهد الطريق لتبني الجديد، وتؤدي إلى تمرد شعبي، وتبديل حكومة بأخرى، وهذا ما حدث مع الثورة الفرنسية، بنقد الكتاب والمفكرين للنظام، وذكر تجاوزاته، فجيش الشعب ضده، ولما قاوم النظام إصلاحات زهيدة ومطالب شعبية ثار الناس عليه فاقتلعوه من جذوره، والعوامل البعيدة هي:
1): العرق: وهو ما يعتبر هوية شعب ما، بكل مكوناته التاريخية، اللغوية والدينية والثقافية، وظروفه اللحظية.
2): التقاليد الموروثة: هي أفكار وعواطف الماضي، كالجينات للكائن الحالي، ولا يمكن لقائد أن يغير من شعبه إلا باستدعاء تقاليد ماضي هذا الشعب لينجح، بعد ترميمه وإصلاحه بإضافات وتطويرات جديدة.
3): الزمن: قالوا: " إن النملة تستطيع أن تزيل الجبل الأبيض، لو امتلكت الزمن الكافي" والعقائد تتطور وتموت، على نار بطيئة، وعندما تزهر يكون الزمن قد هيأ المجال لتفتحها من جديد، بشروط جديدة.
4):المؤسسات السياسية والاجتماعية: فكرة أن تقدم الشعوب ناتج عن اكتمال دساتير وقوانين حكوماتها، استندت إليه الثورة الفرنسية، ولكن فيها كثير من الوهم، لأن المغير الحقيقي للواقع هو الشعب وليس الحكومة أو القوانين.
5): التعليم والتربية: التعليم أكبر وسيلة لتحسين أوضاع البشر واصلاحها، لكن التركيز على الحفظ والاستظهار والإيمان بمعصومية الأستاذ، يعطل التفكير العقلي النقدي المفيد، ويجعل الطفل يتقزز من بيئته، وينفر المهنيون من مهنهم، وبدل تحضير رجال المستقبل بهذا التعليم، لمواجهة الحياة، فإنه يحضرهم للوظائف العامة لخدمة الدولة.
وهذا يدفعنا إلى المطالبة بتغيير كتبنا المدرسية الغبية، والإكثار من التعليم المهني الذي يعيد الشبيبة إلى الحقول والمصانع والشركات الاستعمارية المهجورة اليوم ( الكاتب أوربي في زمن الاستعمار)، وتعليمنا يخرج ناقمين وفوضويين وفاشلين.
الفصل الثاني: العوامل المباشرة التي تساهم في تشكيل آراء الجماهير
10- عوامل تشكيل آراء الجماهير:
1): الصور، والكلمات، والشعارات التي تبهر الجماهير: مستقلة عن معانيها الحقيقية، مثل: ديمقراطية- اشتراكية- مساواة- حرية- مع ما فيها من غموض، هي في مخيلة الجماهير أشبه بطلاسم السحر والسحرة، والكلمة المناسبة هنا المعبرة عن هذه الطلاسم تمثل كبسة زر الإنارة في المناطق المظلمة، شرط أن تتنفس معانٍ جديدة، وحتى القوانين والدساتير الجديدة المطلوبة، ينبغي إلباس ما شابه القديم منها ثوباً جديداً، فكلمة ديمقراطية عند اللاتين غيرها في أمريكا تماماً، هناك تعني التحكم، وفي أمريكا تعني الحرية والمبادرة.
2): الأوهام: كثير من هياكل المعابد وعروش الملوك والثورة الفرنسية، قامت على أوهام وتشنجات سببت التحول إلى أوضاع حكومات وحضارات جديدة، ما لبثت عادت أدراجها إلى ما سبق بقوالب جديدة، تحت شعارات تحقيق سعادة الناس وتقدم الأجيال، ولو بلغة الكذب والتحايل والتآمر.
3): التجربة: واقع الثورة الفرنسية وتاريخها تجربة حية على ما يمكن توقعه في الثورات، وكذلك ما حدث في الحربين العالميتين، وغيرهما كثير، كل هذه تجارب حية قاسية، ومع ذلك لم نتعلم منها سوى القليل، وتبقى التجربة أكبر برهان.
4): العقل: دوره في التأثير على روح الجماهير سلبي، لأن الخطباء لا يحركون جماهيرهم بالمخاطبات العقلية، بقدر ما يخاطبونهم بعواطفهم، مع أن عقل المبدعين منهم هم الذين أسسوا لأعظم الإنجازات وهل يمكننا أن نتخيل عرب الصحراء (المسلمون) أن تحتل الجزء الأكبر من العالم اليوناني والروماني، وتؤسس امبراطورية أكبر من امبراطورية الإسكندر؟ فالعاطفة- هي التي قادت البشر إلى التفاني وحب المجد وكان الباعث لتشييد أعظم الحضارات.
الفصل الثالث: محركو الجماهير ووسائل الإقناع التي يمتلكونها
11- محركو الجماهير ووسائل الإقناع:
1):عليهم أن يعرفوا التكوين العقلي للجماهير: لهم والدوافع التي تحركهم، والقائد في هذه الحالة من التجمهر يصبح النواة التي يلتفوا حولها، وليس شرطاً أن يكون من رجال الفكر، ولو كان كذلك لتعثر وتردد وتشكك، ولهذا ينبغي أن يكون نصف متعلم، شرط أن يكون مليء بالإيمان والعاطفة لفكرته، التي تمس مزاج الجماهير، وتجعلهم عبيداً لأحلامهم، بالإيمان الذي يزحزح الجبال، والأديان كلها انتصرت بالإيمان وليس بالمنطق، والقادة الحقيقين هم الذين لا تختلف عليهم حياتهم الخاصة والعامة، هم القادرين على الاستمرار في التأثير الدائم.
2): وسائل القادة التأكيد والتكرار: لتحريك الجماهير بمحرضات سريعة مكررة، مؤكدة دون برهنة، فيشكل رأي عام لا يمكن قبول غيره، والتقاليد الاجتماعية لدى الأمم والشعوب، ليست سوى تأكيدات وعدوى مكررة، ومن ذلك عالم الموضة لدى النساء، وأزياء الرجال.
3): الهيبة الشخصية: القوة المذكورة في الأفكار وقيادة الجماهير النصيب الأكبر منها هو هيبة الشخصية التي تطرحها، حتى بعد أن يغادروا الحياة، يبقى لشخصياتهم هذا التأثير والهيبة، وهي نوع من الجاذبية، تشل كل ملكاتنا النقدية، وتملأ أرواحنا بالاحترام، وهي نوعان: مكتسبة بالشهرة والثروة، وذاتية شخصية، والأنبياء والقادة العسكريون يفرضون أنفسهم بما يملكون من هيبة، شرط أن يستخدموا هذه الهيبة في إصرار وثقة ودون تردد، وهكذا قامت وانتصرت الأديان والحضارات والعقائد بفعل شخصيتاها المهيبة، والنجاح يقوي وجود الهيبة، وتختفي مع الفشل، وتضعف مع المجادلة، وينبغي إبقاء مسافة بين ذو الهيبة والآخرين.
الفصل الرابع: محدودية تغير كل من عقائد الجماهير وآرائها
12- محدودية آراء وعقائد الجماهير:
1):العقائد الثابتة: الخصائص التشريحية للكائنات منها ما هو ثابت ظاهر، ومنها ما هو مخفي تعدله البيئة والظروف، وكذلك الخصائص النفسية والأخلاقية لعرق بشري معين، والعقائد الكبرى يحكمها ما ذكرناه عن الخصائص، فمنه الثابت جداً، ومنه ما يعتبر أمراً عابراً يتبناه الجماهير فترة ثم تدعه وتمضي، وتبقى العقائد العامة لأنها الدعامات الضرورية للحضارات، توجه الأفكار وتلهم الإيمان والحس بالواجب.
2): الآراء المتحركة للجماهير: وهي فوق الثابتة وتكون سطحية ومؤقتة، تولد وتموت ويولد غيرها على الدوام، فهي مؤقتة بالمستجدات، وتحمل صفة العرق، فعلى اختلاف أحزاب فرنسا، تحمل بنية الذهنية اللاتينية الرومانية لعرقنا، في فترة الثورة (1790- 1820م) كانت الجماهير ملكية ثم ثورية، ثم إمبراطورية، ثم ملكية، وكاثوليك ثم إلحاد، ثم التأليهية، ثم تطرف كاثوليكي من جديد، جماهير وقادة على حد سواء، ثم خدم أذلاء لدى نابليون، ولهذا نجد كل الأفكار المضادة لعقائد العرق وعواطفه لا تعيش طويلاً، والتحول المؤقت يتم بفقدان بريق العقائد القديمة على نفوس الناشئة.
الكتاب الثالث: تصنيف الفئات المختلفة من الجماهير ودراستها
الكثرة غير المتجانسة بأعراق مختلفة تنصهر في بوتقة واحدة حول الزعيم القائد:
13- تصنيف الجماهير:
1): الجماهير غير المتجانسة: العواطف اللاواعية والعرق لهما الدور الأكبر في حماس الجماهير ومن خلفهما الثقافة العميقة لهذا التجانس الجماهيري، فالجمهور اللاتيني يعشق الوحدة المركزية للدولة، والاستبداد القيصري، أما الجمهور الإنجليزي والأمريكي على العكس، لا يعترف بالدولة، والفرنسيون متعلقون بفكرة المساواة، أما الإنجليز فمتعلقون بفكرة الحرية، فروح العرق تهيمن على روح الجمهور، فتخلصه من القوة المجنونة، وهمجية الهيجان، ولهذا يمكن الفصل بين الجماهير المغفلة – جماهير الشارع- والجماهير الفكرية المسؤولة، فنجعل الثانية تقود الأولى.
2): الجماهير المتجانسة: المتشكلة من الطوائف، والزمر، والطبقات: كالطوائف الدينية والسياسية، أما الزمرية: فهي أخص من سابقتها، كالعسكر مثلاً، والمهنيون، ورجال الدين، وأما الطبقة فلا يجمعهم طائفة ولا زمرة، ولكن يجمعهم اهتمامات واحدة، كالطبقة البرجوازية، والزراعية، والمعلمين، والعمال.
3): جرائم الجماهير في الثورات: ناتجة عن ضخامة التحريض، كما حدث في اقتحام سجن الباستيل، وهي نابعة من الاندفاع، والسذاجة، والخفة، والمبالغات، وظهر ذلك في مذبحة سجن (سانت برتيليمي) الشهير (1792م) الذي ذبح فيه كل المساجين على اختلاف قضاياهم، وكانوا بالآلاف (إثني عشر ألف) سجين، والقتلة حوالي 300 شخص مختلفي المشارب والمهن، وراحوا بعد المجزرة يطالبون السلطات الجديدة بمكافآتهم.
14- الجماهير الانتخابية:
1): تقاد بالعواطف والهيبة: تنطبق عليها الصفات التي ذكرناها للجماهير من أول بحثنا، والتأثير الذي يحدثه المرشح فيها هو الهيبة الشخصية، ولا يعاض عنها بغير الثروة والغنى، ولهذا تجد العمال والفلاحين لا يختارون واحداً منهم للمجلس النيابي، لفقدان تلك الهيبة المذكورة، ويحتاج الناخب أن يتملق المرشح رغباته وطموحاته، والمرشح المنافس، لا يحتاج إلى تفنيد الاتهامات، بمقدار ما يحتاج إلى هجوم مضاد فحسب، لأن الناخبين يحتاجون ملامسة أوهامهم وأمزجتهم فحسب، وفكرة تجمع الأكاديميين، يجعلهم يتساوون مع تجمع أدنى شريحة اجتماعية في مسألة العواطف الاجتماعية والسياسية، وربما زادت المشكلة بالطغيان الزمري الثقيل، بينما التصويت والانتخاب العام يحقق أحلام العرق، ودوامة الحاجات اليومية، وهذا ما يتحكم بمصائر الشعوب.
2):المجالس النيابة غير متجانسة: لكنها متشابهة في الحكومات والدول، ويعتريها خصائص الجماهير من ناحية التأثر بمن يقود الكتل، وعواطف الشعب عموماً، وأصبح البرلمان المثل الأعلى لكل الشعوب المتحضرة، وأخطاء البرلمانات وأخطاء الجماهير واحدة، وكثيراً ما تعتمد على اللجوء للمبادئ لحل المشكلات الاجتماعية، وأصحاب الهيبة، والقدرة الخطابية والتأثير والجاذبية، مهما كانت أفكارهم تافهة، شرط أن تلامس نفسية وروح الجماهير، وهذا أفضل للشعوب حالاً من الاستبداد، ويتحول الجمهور إلى شعب، عبر محاولات كثيرة تؤدي إلى الوصول للمثل الأعلى، سواء عبادة روما، أو قوة أثينا، أو انتصار الله (أي الإسلام)، يكفي لصهر أفراد العرق في وحدة الفكر والعاطفة، وعندها تولد الحضارة، من خلال ممارسة عمله الخلاق، وفي نهاية الحضارة ونموها، تتوقف عن النمو، وتدان بالانحطاط، وتدق ساعة شيخوختها، ويكون بسبب اضمحلال المثل الأعلى، فيعود جمهورها إلى خصائصه السلبية غير المتماسكة، لا تأثير لهم غير الكم المتناثر الذي ضرره أكثر من منافعه، ويفقد حلمهم الأصلي بريقه وقوته.

انتهى تلخيصه مساء: 24/4/2020م أول يوم رمضان الجمعة.


أضف رد جديد

العودة إلى ”كتب وكتَّاب“