خلاصة كتاب " الأمة هي الأصل" د. الريسوني

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

خلاصة كتاب " الأمة هي الأصل" د. الريسوني

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص كتاب الأمة هي الأصل د. أحمد الريسوني

الفصل الأول: الأمة هي الأصل:
المقصود بالأمة هنا مجموع المسلمين، لقوله تعالى: ( وهذه أمتكم أمة واحدة)، وهذا الكتاب يتناول علاقة الأمة بمكوناتها بالدولة ومكوناتها، والأخيرة أشبعت تنظيراً، لكن الأولى وهي الأصل، ومع ذلك مهملة تماماً في الدراسات الحديثة، مع أن الأولوية للأمة، والدولة فرع عنها، لكن عكس الأمر بعد انتهاء المرحلة الراشدية من تاريخنا، مما ضخم السلوك الفردي (الأناني) على حساب السلوك الجمعي (الأمة)، فأصبحت الدولة على قلتها هي الأصل، والأمة على ضخامتها هي الفرع.
أولاً- الخطاب الشرعي بين الأمة والأئمة: خطاب التكاليف الشرعية الاختصاصية فيما يتعلق بإقامة العدل، والجهاد، والحدود، والأسرة، موجه أساساً للأمة قبل أن يوجه للحكومة، وما يتعلق بالخطاب للأئمة فهو من شؤون الأمة، وجماعة المسلمين، ويتحول للحكومة بعد التفويض فيكون التكليف من الأمة للحكومة، والتكليف من الله للأمة، ومن الأمة للحكومة، والنصوص الشرعية هي الحكم في هذا التوجيه، حيث لا يوجد مخاطب من الله اسمه الدولة، أو حتى الخليفة، أو الإمام، وإنما الخطاب لعموم المسلمين، ( يا أيها الذين آمنوا...)، حتى الخطابات التعبدية تأتي بصيغة جماعة المؤمنين.
ثانياً- نصرة الدين وحمل رسالته: قلب مفهومه إلى أنه متعلق بالواجبات الدائرة بين أولي الأمر: (الدولة والفقهاء)، وأقنع الفقهاء أنفسهم بهذه الصياغة، فجعلهم ينتظرون أذن الدولة ومساعدتها، وهذا خطأ فادح، لعدة أمور:
1- خاطب الله عموم المسلمين به: (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله)10/الصف، لأن الأمر للرسول ومن اتبعه.
2- أمانة ثقيلة لحفظ الدين ونشره تعجز عن حملها ثلة محددة من تكوينات المجتمع، بينما تقدر عليها الأمة بمجموعها، مهما كانت الظروف، لأجزاء منها.
ثالثاً- تغيير المنكر ومقاومة الفساد: الفقه السلطاني حصر التغيير باليد في الدولة، ثم حصر التغيير اللساني في الفقهاء (بقيود وشروط) ولم يتبق للأمة منه سوى التغيير بالقلب، وهذا معناه لا تغيير فعلي بمقتضى خطاب الله لعموم المؤمنين، مع أن النصوص (كتاب وسنة) أمرت عموم المؤمنين به، حتى فيما يتعلق بفساد الأمراء: لحديث: " فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" (ر. مسلم)، وقد علق الله التمكين للمؤمنين واستخلافهم بفعل الصالحات ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا التمكين للأمة، كما أن واجب الأمر بالمعروف وإزالة الفساد للأمة، وليس محصوراً بالحكام فعلوه أو منعوه، قال ابن رجب الحنبلي: التغيير باليد لا يستلزم القتال، ونص عليه أحمد في رواية صالح.
رابعاً- حق الشورى بين العموم والخصوص: الشورى ليست من الشأن الخاص بالحكم والإمارة، بل هي شأن عام في حياة المسلمين، والأمة الإسلامية، وترقى من قاعدة الأمة إلى رأس هرم الحكم بدلالة النصوص الشرعية، التي خاطبت بها عموم المسلمين، وارتباطها بصلاتهم، يجعل لها حكماً شرعياً لا يقل عن الفرضية كفرضية الصلاة، وللجماعة حسب تكاليفها ومستلزمات هذه التكاليف تنظمها بما يعطي ثمراتها الصالحة، كلٌ حسب حاجته منها وفيها.
خامساً- بين التمكين للأمة والتمكين للدولة: التمكين للدولة الحقيقي هو فرع عن التمكين للأمة، وحينما يعكس الأمر، يكون ممنوعاً على الأمة وذلك أن " تلد الأمة ربتها" وحينها يكون في الأمة رأس متسلط، وجسد مشلول، كحالنا اليوم، وحين نعكس الأمر المختل، ونعيده إلى صوابه في تمكين الأمة من حريتها وكرامتها وتمكنها، تكون عوناً وقوة أكثر من إضافية للدولة.
الفصل الثاني: الديمقراطية من منظور إسلامي:
أولاً- حكم الشعب نفسه بنفسه: من الذي يحكم الشعب؟ إن لم يكن يحكم نفسه؟ وعبارة أن الحكم لله، محصورة في حال وجود وحي مباشر يتنزل بأمر مباشر إلى رسول يتبعه المؤمنون، فيخبرهم بالنص المحكم ويطبقه الشعب بإشراف الرسول، وبعد وفاته لم يعد هناك وحي، سوى ما تم منه، وهو كتاب الله وسنته، لكن هذا الوحي من يحكم به؟ إن لم يكن الشعب نفسه من خلال ممثليه المنتخبين بالشورى، لكن هذا الحكم له درجتان في القطعية: أو نوعان من النصوص: النوع الأول: الآيات المحكمة التي لا مجال للاجتهاد فيها، فنقول عنها: إنها حكم الله تعالى، ولكن مع ذلك أثناء التطبيق تعترض المشرفين على التطبيق مشكلات الكيفية والصور المستجدة للتطبيق، لأن بعضها هو للفرد المسلم واجتهاده، ونوع توجيه الفقهاء حسب الزمان والمكان لهذا التطبيق الفردي.
والنوع الثاني: هو النصوص غير المحكمة، التي تحتمل الاجتهاد، ورأي الخبراء حسب الزمان والمكان والأحوال والملابسات، خاصة فيما يتعلق بأمور غير فردية، تمس حياة المجتمع أو شريحة منه، أو الأمة ككل، فهذا لا يمكن أن ينفرد فيه فرد، ولا فقيه، ولا حاكم، ففي هذا الحال، هنا يكون ممثلي الأمة وعناصر السلطة والفقهاء معاً، هم الذين يتفقوا على صور تناسب تنزيل النص على الواقع، ففي هذه الحال، من سيحكم بهكذا أمر يمس الأمة إذا لم تكن الأمة نفسها عبر الخبراء والنواب والقادة، وهذا ما يسمى حكم الشعب، وفي مصطلحنا الإسلامي، نقول (حكم الأمة) لما فيه من إجماع ومشاركة واجتهاد، ولهذا نهى النبي قادة جنده أن يعطوا ذمة الله ورسوله في غزواتهم مع المشركين، وأمرهم أن يعطوا ذمتهم، وذمة الأمير الذي يقود التفاوض والحرب، لأنه لأن تخفر ذمة مسلم أهون من أن تخفر ذمة الله ورسوله، بعهد مسلم قد يخطئ أو يصيب.
ثانياً- الحكم بواسطة الأغلبية: هو أساس النظام الديمقراطي، لأنه يستحيل الاجماع المطلق في حياة الناس، فستجد معارضين قلوا أو كثروا، فيبقى الشيء العملي هو الاعتماد على الغالبية، وهذا يسمى الاجماع الوطني في كل دول العالم وحكوماتها، وفي تراثنا عمل بهذا المبدأ في الخروج إلى غزوة أحد، وكذلك في مبايعة أبي بكر خليفة، لم يكن فيه إجماع مطلق، وحتى في الاجتهادات الفقهية عرف القول بأن هذا رأي الجمهور، ويعني رأي الغالبية، وليس الاجماع، ومالك اعتبر عمل أهل المدينة مقدم ومرجح على رواية الآحاد، لما فيه من غالبية شهدت تنزل الوحي وعاصرته.
ثالثاً- فصل السلط: السلطة التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، تعارف العالم الحديث عليه اليوم، لكنه بدأ في إسلامنا بالتدريج، حيث أصبح لوظيفة القضاء مسمى قاضي، وللتشريع فقهاء وإداريون، وللسلطة التنفيذية الأمير والوزارات، والولاة، وهذا أمر بدهي، في أن يتخصص بعد الناس بتخصصات يتقنوها بعلومهم وخبراتهم وممارساتهم، والسلطة التشريعية هي التي لم تتبلور بعد غياب الحكم الراشدي، مع أن في أيامهم، كان يجمع الناس ذوي الرأي للأمير لمشاورتهم في اتخاذ التشريعات أو القرارات المناسبة، لكن بعد أن تحولت الخلافة إلى ملك عضوض، أصبح يتوزع هذه المهمة الحكام والفقهاء، فلم تتبلور عن طريق ممثلين للأمة كما هو المفترض، الذي كان النبي يفعله، في حدث بيعة العقبة، وإرجاع سبي هوازن يوم غزوة حنين، فقال صلى الله عليه وسلـم: " ارجعوا إلى عرفائكم، لنعلم من رضي ممن لم يرضى" ولهذا يمكن اليوم تشكيل هذا الفريق من نواب الأمة على أن يتضمن فيهم فقهاء، فيكونوا سلطة تشريعية، مع وجود محكمة عليا، لضمان عدم تخطيهم الدستور والشريعة، في قراراتهم.
رابعاً- بعض الإشكالات المرتبطة بتطبيق الديمقراطية:
1- الإشكال الأول: أن أصل الديمقراطية نشأت في بيئة اليونان الوثنية، ثم تنصرت، ثم تحولت اليوم إلى اللادينية، والإلحاد، فكيف نحن نأخذها بهذه اللوثات؟ ولدينا نظام الشورى!
والرد على هذه الشبهة نقول: أن الديمقراطية لا دين لها، ولهذا تتقلب بين كل الجهات حسب أحوالها، مما يجعلها مجرد أداة تنظيمية لا بد منها، لإدارة البلاد والعباد، والديمقراطية الغربية أو الشرقية ليست واحدة، وإنما هي وسيلة لاستخراج ما في عقول الرعية التي تدير شؤونها بها، ولهذا لا مبرر بأن الديمقراطية لا تصلح للمسلمين، طالما أنها صلحت لكل الأمم والشعوب على اختلافاتها العميقة والكبيرة، وهي حمالة ما يريده الناس، والمسلمون يريدون منها ما يدير شؤونهم، ويعبر عن تطلعاتهم الشرعية والدينية والحضارية، سميناها ديمقراطية أو شورية، لا خلاف على الاصطلاح، إنما الخلاف على كيفية التطبيق، والإسلام أضفى عليها القداسة، حين أمر الله بها نبيه وعباده وربطها بالصلاة.
2- الإشكال الثاني: إعطاء هذه السلطة التشريعية سلطة التشريع التي تمكنها من تحريم الحلال وتحليل الحرام.
الرد على هذه الشبهة: يكذبه الواقع العملي الذي دائماً كان يأتي لصالح الالتزام بتطبيق الإسلام، في كل فرائضه، ليس هناك شعب مسلم إلا وهو يستمسك بإسلامه، والاستبانات كافة تأكد ذلك، وليس هناك دولة إسلامية جرت فيها انتخابات وحرية، إلا وكانت مع نصرة الإسلام، وحرب الإسلام تتم من خلال استعباد الشعوب وإلغاء مشورتها في تطبيقه، والتاريخ القديم والحديث يؤكد ذلك، ويمكن تحديد ذلك ببند واحد في الدستور، أن لا يعارض أي حكم تشريعي الشريعة الإسلامية، وكفى الله المسلمين الجدل والقلق.
ولو على فرض أن حدث مثل هذا التخوف، فلماذا نبقي الأمر يستفحل سراً في الأمة، ونحن كسالى عن الدعوة ونيام، فيكون هذا الأمر فرصة لليقظة، لتجديد أساليبنا في إطار هذه الحرية، لإقناع الناس وزيادة جرعة تدينهم، والتصاقهم بالفقهاء والصلحاء والدعاة والنواب الصالحون، لأن هذا المتخوف منه سيقع إن لم يكن هناك وسيلة لردعه وتغييره، وواقعنا المتردي اليوم الذي يحكمه المستبدون هو أكبر دليل على ذلك، وليس من الحكمة إجبار الناس على شيء لا يرغبون به، والدليل من السيرة، في مكة قبل الهجرة، وحكم النجاشي للحبشة وقومه نصارى، ويوسف عليه السلام في مصر مع ملك مصر، الدعوة شيء والحكم شيء آخر.
الفصل الثالث: حرية الرأي والتعبير في الإسلام: المجالات والضوابط:

هذا الأمر مرتبط أشد الارتباط بالشريعة الإسلامية وكلياتها وفروضها وضوابطها، حرية التعبير نتيجة للشعور بالكرامة والعزة وحرية الذات والتفكير والشعور، لأن هذا هو الأصل المعنوي الذاتي المنبثق عن الشعور بالآدمية، التي هي هبة ربانية يوم خلق الله الإنسان حراً من العبودية لأحد غير الله خالقه، وهذا هو الذي جعل عبيد أسياد مكة كبلال وصهيب وآل ياسر، أحراراً في أعماقهم، يوم حررهم الإسلام، فقالوا لأسيادهم أحد أحد، وهذا معنى " منفكين" في القرآن، أي متحررين من عبادتهم لغير الله وشركهم.
أولاً- الحرية حين تكون فريضة وعبادة: لا تعني الاختيار بين أن تفعل أو لا تفعل فقط، وإنما هي حين يجب التعبير للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يحكمه الواجب الكفائي أو العيني، والنصوص الشرعية المؤكدة لهذه الأحكام أكثر من أن تحصر، في القرآن والسنة، منها: " ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يأمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل". رواه مسلم وشرحه النووي، ووضعه تحت عنوان " باب النهي عن المنكر من الإيمان" وكان النبي يبايع المسلمين على الإسلام.....والنصح لكل مسلم، واعتبر من أفضل أنواع الجهاد: " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"، بل هدد الله من لا يفعل : ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون..) 159/البقرة.
ثانياً- الرسول يدرب الصحابة على حرية الرأي والتعبير: فهذا رسول الله لا يجد غضاضة في مراجعة نسائه له، حتى عرف ذلك في نسائه، ولما علم عمر بالأمر، ذهب إلى ابنته، وقريبتة أم سلمة، وعائشة رضي الله عنهن، فسألهن عن هذا الأمر، فأقررن به وتجرأت عليه عائشة فقالت: ما لي ولك يا ابن الخطاب، عليك بعيبتك. (أبو داود)، حتى ان إحداهن جادلت رسول الله في زوجها، فسمع الله جدالها، وأنزل قرآناً يتلى فيه، وقال عمر لبعضهن وكن يرفعن أصواتهن عند رسول الله، - احتجَبْنَ منه- : " أتهبنني ولا تهبن رسول الله، قلن: نعم، أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلـم. (ابن سعد- الطبقات)، وحديث أسماء بنت عميس وحوارها الطويل مع عمر في فضل الهجرة إلى الحبشة، وإخبارها النبي بمقالته، وتأييد النبي لها، مما أفرح مهاجري الحبشة بهذا الحوار، وموقف أسماء من الحجاج بعد أن قتل ابنها عبد الله ابن الزبير، وكيف أنها جابهته وقالت: حدثنا رسول الله أن في ثقيف كذاباً ومبيراً، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه، فقام عنها ولم يراجعها" . (تفسير ابن كثير.).
ثالثاً- حرية الرأي والتعبير في المجال العلمي: حيث بين رسول الله أن المجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر، ودليل آخر هو موقف الإمام مالك بن أنس، حين رفض اقتراح الخليفة أن يلزم الأمصار والناس بكتابه الموطأ، لأن الناس والعلم والأحاديث انتشرت وتنوعت في الناس ولا تقتصر على ما في الموطأ فحسب، ليكون للناس والعلماء الحرية في اجتهاداتهم، وهكذا كان علم الجرح والتعديل، في تقديم العلم وتقديره عند العلماء والرجال.
رابعاً- الخلفاء الراشدون يرسخون حرية الرأي والتعبير: فلا يعترضون على معترض لأفعالهم أو أقوالهم، ويقبلون الحجاج والأخذ والرد على تصرفاتهم، وكانت تلك سياسة أبي بكر ومن بعده عمر بن الخطاب، وفي عهد عثمان بلغت حد المبالغة التي أودت بحياته، وكذلك عهد علي، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم كثير.
خامساً- الضوابط الشرعية لحرية التعبير: مثلها مثل ضوابط أي تصرف يخرج عن حد مقاصده وفوائده، التي شرع من أجلها، وهي:
1- ابتغاء الحق والوقوف معه: حرية التعبير في الإسلام مقترنة بالصدق والأمانة، ومنزهة عن الكذب والخيانة، لأن الوصايا الشرعية والنصائح النبوية ملزمة للفرد بأن يكون مع الحق، ويجتنب الوقوف مع الباطل، حتى لو كان عند أقرب الناس إليه من أخوته أو والديه، فضلاً أن يكون في حزبه وجماعته.
2- حفظ حرمة الدين: هو الأساس الذي أعطيت الحرية على ضوئه بتوسع يقيد من يروم انتهاك أركانه وكلياته وشعائره، لأن الدين في إسلامنا هو الوطن وهو القومية وهو العزة وهو البداية والنهاية في حياة المسلم الحق، فأما من يتخذه تكئة لأغراضه الشخصية، فإن الإسلام حذر من هذه المواقف في كثير من الآيات، والتناصح والأمر بالمعروف وحرية الحوارات المنضبطة كفيلة بمنع هذه الخروقات، التي كانت موجودة حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلـم، وكياسة النبي والصحابة قطعت الطريق على أمثال هؤلاء دون أدنى خسائر أو اضطرابات.
3- حرية التعبير لا حرية التغرير: لأن الممنوعات والمحرمات لا تدخل في إطار احترام الدعاية لها، لأن هذا متاجرة بأصحاب النفوس الضعيفة أو الجاهلة، أو القاصرة، كالصغار والمراهقين، ومن مهام المجتمع حماية هؤلاء من التغرير بهم وانجرارهم إلى الشهوات المحرمة، واللذات المدمرة، فيكون ذلك قيد على حرية التعبير بالنصوص الدستورية والقانونية والشرعية.
4- التثبت والتبين قبل القول والتعبير: الحرية يقابلها المسؤولية، ولذا يصبح الدليل على القول المؤثر مطلوب وواجب، وإلا لكان مجرد القول تخرصاً وثرثرة، مضرة غير نافعة، ونحن نعلم أن ما يقابل الحقوق واجبات، ولهذا حرم الكذب، ووجب التثبت قبل أن يلقى القول على عواهنه، وهذا صريح كثير من الآيات والأحاديث.
5- حفظ حرمات الناس وأعراضهم: ولو في نشر أخبار صادقة، لأن هذا يتعارض مع خصوصيات الناس وحفظ أعراضهم، فلا يجوز نشر هذه الخصوصيات، لأن مجرد الاطلاع عليها ونبش أمرها، إذا لم تمس أمن الجماعة ككل والأمة والوطن، فإن هذا ممنوع بقيم تحريم الغيبة والنميمة والتجسس، وإفشاء الإسرار، وما شابه ذلك مما يتعلق بخصوصيات وأخطاء الناس، التي قد تكون هفوات، أو نواقص في الناس، لئلا يصبح المجتمع مجتمع تنابز وتحاقد وخصومات بتوافه الأمور وخصوصيات الناس، لأن أصل التعامل أن يكون في الإيجابيات، وحسن العلاقات، والغض عن الهفوات والزلات، لأن القاعدة حديث: " كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون".
6- منع التدخل في النيات والبواطن: حتى يكون النقد بناءً لا هداماً، وبحب لا ببغض، وبرقي لا بإسفاف، وبنصح لا بتناكر وتدابر، وتقديم للمصلحة، لا مجرد البحث والتفتيش عن المفسدة، لأن هذا يعطي فرصة للإصلاح والرجوع.
الفصل الرابع: الإسلام والفنون:
1- يتبادر إلى الأذهان من هذا العنوان بعض الفنون الدارجة، حقيقتها أكبر من ذلك بكثير، لأنها تشمل جميع جوانب الحياة والعلوم، لكن مع ذلك يمكننا أن نبقى في إطار الدارج منها، وهو الغناء والموسيقى.
2- أدرجها بعض الفقهاء في باب العيدين، أو باب الزواج والأعراس، أو باب اللهو المباح أو المحرم، ويمكن إدراجه في قسم التحسينات، بعد باب الحاجات والضرورات، وهذا محلها المناسب، ويمكن النظر إليها من باب الوسائل لتحقيق أغراض مباحة أو محرمة، وهذه كلها عناوين يمكن النظر إليها من خلالها:
أ- الفنون باعتبارها نوعاً من أنواع اللهو والمرح واللعب:
-موقف الإسلام من اللهو واللعب: الأصل أن حياة المسلم جد وليست هزل، وأن مقاصد الحياة تعبدية وجادة، لكن هذا لا يمنع من وجود ما ينشط أداء هذه الواجبات بحيث لا يمل المسلم ولا يتعب بوتيرة الصرامة الدائمة، لأن الإسلام فطرة، وهذا يعني وجود المرح واللعب يلازم وجود الجد من أجل التوازن في النفس والمشاعر، ولهذا وجدت النصوص التي تبيح مثل هذا في الأفراح والأعراس وما شابه ذلك، بل أكد النبي وجوده لدى الأنصار، وأمر عائشة به يوم زفاف إحدى قريباتها، وكذلك أباح لعب الأحباش في ساحة المسجد يوم العيد بالحراب، بل حضهم عليه بقوله: " دونكم بني أرفدة " وجعل عائشة تنظر إليهم وهم يرقصون، كما في نص الحديث.
-الفنون باعتبارها شهوات وملذات: القول على إطلاقه بأن الشهوات مذمومة غير صحيح البتة، فإن أعظم الشهوات – النكاح - فإن الله تعالى غرسها في الإنسان، وجعلها جاذبة للجنسين، ليتم من خلالها الإنجاب وتحمل تكاليف أعباء قيام الأسرة والنفقة والتربية والعمل، بل ذكر الله عنها قوله: ( زين للناس حب الشهوات) من النساء والمال، وتوقف نمو الحياة واستمرارها عليها، وكذلك شهوة الطعام والشراب، والمال، وحب الرفعة والمنصب، والمكانة، لكن كل ذلك ضبطه الإسلام بضوابط وقيود شرعية لئلا تبتعد هذه الشهوات عن مقاصدها الشرعية، التي هي عمار الأرض، وسعادة النفوس، وطاعة الله، وذلك حين يتحول الإنسان إلى مقود لها، بدل أن يكون هو القائد المتحكم بها زماناً ومكاناً ومقداراً وكيفية وشروط، حتى تؤتي ثمارها المشروعة، ويجتنب أضرارها الممنوعة، فليست محرمة على الإطلاق، ولا محللة على الإطلاق، قال القاضي أبوبكر العربي: " إن الباري سبحانه ببديع حكمته لما خلق لنا ما في الأرض جميعاً، قسَّمَ الحال فيه، فمنه ما أباحه على الإطلاق، ومنه ما أباحه في حال من دون حال، ومنه ما اباحه على وجه من دون وجه، فأما أن يكون في الأرض ممنوع لا تتطرق إليه إباحة في حال، ولا على وجه، فلا أعلمه الآن".
3- الفنون باعتبارها أنواعاً من التحسينات: الإسلام في رعايته للمصالح وإضفاء المشروعية عليها لم يقتصر على ما هو ضروري أو حاجي فحسب، بل شمل ما هو من التحسينات، والتجميليات، ومن هنا تدخل أنواع من الفنون تحت هذا البند، وهو كثير في اللفتات القرآنية للتأمل بمخلوقات الله في الكون والسماء والطبيعة، فذكر القرآن عبارات من هذا الباب: ( زيناها – بهيج – نضيد – جمال – وزينة ...)، وورد التحذير كذلك من الإنغرار بها ونسيان وجودها الكامل التام في الآخرة، بأن تلهي زينة الدنيا عن الآخرة، فتكون التحسينات وهذه الفنون خادمة للضرورات والحاجيات.
4- الفنون باعتبارها وسائل: قرر الفقهاء أن أحكام الوسائل تابعة لأحكام ما تفضي إليه، وما تستعمل لأجله، وهذا هو المدخل للخلاف بين العلماء في هذه الفنون، ومنها الغناء والموسيقى، خاصة أن النصوص الصحيحة الصريحة فيما يتعلق بهذه الأمور قليلة، ومنها ما قاله النووي، ونقله عن القاضي عياض، في التعليق على غناء الجاريتين يوم العيد في بيته في صحيح مسلم: " ومذهب الشافعي كراهته – أي الغناء – وهو المشهور من مذهب مالك، واحتج المجوزون بهذا الحديث، وأجاب الآخرون بأن الغناء إنما كان في الشجاعة والقتل والحذق في القتال ونحو ذلك، مما لا مفسدة فيه، بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس على الشر، ويحملها على البطالة والقبح، قال القاضي: " إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة،.....ولهذا قالت عائشة: وليستا بمغنيتين، كأنما هو إنشاد شعر، وهذا ما جعل النبي يبيح الحداء، وهذا كله ليس بحرام.
النص الثاني: للشيخ عبد الغني النابلسي، من كتابه إيضاح الدلالات في سماع الآلات قال: " الملاهي المحرمة ما ألهت عن فعل الفرائض والواجبات، واقترنت بالفجور والفسوق والمحرمات، كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك، ومعلوم أن هذه الآلات المطربة وبجميع أنواعها ليست حرمتها من حيث ذاتها وصورتها المنصوصة، ولا من حيث ما يصدر عنها من الأصوات المطربة، ( وإلا لكان كل صوتٍ مطربٍ حراماً، وهو باطل لأن أصوات الطيور والشحارير، ليست بحرام إجماعاً) بل حرمتها لاقتران اللهو بها، ولكونها ملاهي، واللهو بهذا التفسير المذكور يمكن زواله عنها وتعريتها عنه، فتصير خارجة عن كونها ملاهي"، ومثل ذلك الشعر، ليس حراماً بحد ذاته، ولكن ما فيه من غلو وعصبية وجاهلية هو الذي يجعله مستنكراً، ومحرماً، وهكذا ما هو عليه المطربين والمطربات اليوم، لكن يمكن صناعة الاستثناءات بالتحكم بالحيثيات والوسائل والمقاصد والأدوات فيكون في الأمر سعة بهذه الضوابط.
- بعض الضوابط المتعلقة باستعمال الوسائل: من ناحية ملاحظة الوسيلة وأثرها، والنتائج الحاصلة، والمقصد والفوائد منها، ولهذا بعض الوسائل لا تحرم جملة، ولا تباح جملة، بل يكون هناك تفصيل ودراسة وبدائل، بحيث نحصل على غايات نبيلة وآثار جانبية مقبولة، كما هو في فن القصة، والرواية، والمسرح والمسرحية، ولهذا قال النبي عن هذه المقاصد والوسائل إليها: " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيراً وينمي خيراً"، لإيصال فكرة خيرة، أما الكذب لمجرد إضحاك الناس فقد حرمه النبي صلى الله عليه وسلـمن على أن تراعى في الفنون:
1- عدم الإخلال بالفرائض وبالواجبات.
2- عدم الإفضاء إلى المفاسد والمحرمات.
3- عدم الإخلال بالاتزان والتعقل.
4- عدم التفتير والتخدير.
5- عدم الإفراط: يقول الإمام الغزالي: " فإن المواظبة على اللهو جناية".

انتهى تلخيصه في: 10/5/2020م


أضف رد جديد

العودة إلى ”كتب وكتَّاب“