الإنسان والنجاح الحقيقي

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

الإنسان والنجاح الحقيقي

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

الأنا والنجاح الحقيقي ابتسمت وأنا أحمل بين يدي مجلة مشهورة كتب على غلافها الخارجي (أنجح مائة رجل وامرأة في العالم)، وبالرغم من أنني أشاهد كثيراً مثل هذه العناوين على أغلفة المجلات، إلا أنني أصبحت أراها بغير العين التي كنت أراها بها قبل أن أبدأ رحلتي مع الذات، فقد أدركت أن معايير النجاح التي بنيت عليها هذه التقييمات في عالمنا المادي الرأسمالي هي معايير محددة، وكلها تندرج تحت مفهوم التملك الذي ركائزه الملكية للأشياء ورأس المال والأرباح والسلطة والمناصب والشهرة، عالم تحكمه المادة، ومجتمع محوره الأشياء، ولكن أحقاً بهذا يقاس النجاح؟ أم أن هناك مفهوماً آخر أصح وأعمق وأدق من هذا المفهوم الخاطئ عن الناجح!
إن ما يقابل مفهوم الملكية هو مفهوم آخر يسمى الكينونة، وهو الذي فصل فيه وأبدع المحلل النفسي العميق والفيلسوف الكبير إريك فروم في كتابيه (الإنسان من أجل ذاته) و(الإنسان بين الجوهر والمظهر)، فالسمة الأساسية لنموذج الكينونة هي أن يكون الإنسان نشيطاً إيجابياً فاعلاً، في الاستخدام المثمر للطاقة الإنسانية الداخلية والتعبير عن الملكات والقدرات والمواهب، التي وهبها الله له، أي أن يجد الإنسان نفسه وأن ينمو داخلياً ويتدفق ذلك كله منه شغفاً وحباً وعطاءً.
إن النشاط الإيجابي الفعال هو العمل الذي يقوم به الإنسان متحرراً لا مساقاً بقوة خارجية مثل العبد، أو بدوافع قهرية داخلية مثل القلق والخوف، وبذلك يشعر بالاغتراب بينه وبين فعله، بينما الإيجابية الحقيقية هي نشاطه الذي يعبر عن طاقته، التي تعتبر تجلٍ لقدراته ليصبح هو وقدراته كياناً واحداً بعلاقة موصولة بالشيء الذي يفعله، وعندها فقط يسمى النشاط مثمراً، لأنه أسهم في تحقيق الإنسان لذاته من خلال إمكانياته وملكاته، وعندها يولد شيء جديد في كل أعماله، وعندها يكون حياً، فمفهوم الحياة أعمق من أن يحصر في حياة الجسد والحياة المادية.
النجاح الحقيقي يبدأ بمعرفة النفس وتقدير الذات، ومن ثم تحقيقها؛ كلمة طالما رددها سقراط (اعرف نفسك) ومن هنا يبدأ الإبداع الذي هو وليد تفاعل وتواصل الذات الحقيقية المنفردة المتميزة في كل إنسان مع كل ما يفعل، كما عبر عنها فروم بقوله: (إن مهمة الإنسان الكبرى هي أن يلد نفسه)، ولعدم إدراك الناس لهذه الحقيقة؛ فمعظمهم يموتون قبل أن تكتمل ولادتهم.
يقول الفيلسوف اسبينوزا: ” الفضيلة متطابقة مع استخدام الإنسان قدراته وملكاته، والرذيلة هي الإخفاق في استخدام طاقاته” أليس هذا متطابقاً مع حديث رسول الله ( كلٌ ميسرٌ لما خلق له)، يقول الشيخ العالم الكبير بديع الزمان نور الدين النورسي: ” إن الإنسان هو نسخة جامعة لما في الوجود من خواص، وأن الذات هي الأمانة التي أبت السماوات والأرض أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، أليس هذا متوافقاً مع قول سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه:
دواؤك فيك وما تشعر………. وداؤك منك وما تبصر
وتحسب أنك جرم صغير….. وفيك انطوى العالم الأكبر
ولهذا قال تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) ولم يقل سبحانه (واستعمرها بكم)، ولو أراد سبحانه عمار الأرض بمنأى عن عمار الإنسان لقال (استعمرها بكم)، ولكن كل عمار في الأشياء والحجر لا يسهم في عمار البشر لا يعد عماراً عند الله.
وحين قرأت هذه الآية وفهمت مدلولها أدركت أن النجاح الحقيقي هو أن يتوافق فضاؤك الداخلي مع فضاؤك الخارجي، وأن تحترم ذاتك وأنت تنظر في المرآة، فأعظم الخيانات خيانة الذات، وغاية الحياة حددها قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) ، وبذلك أصبحُ حراً، فالحرية أن أحقق ذاتي الجوهرية (الكينونة ) وأعمرها بما تستحق من وجود مادي ومعنوي، في إطار ما وهبني الله ووهبها من إمكانيات وقدرات، وحينها أدرك أن النجاح الحقيقي أن أملك الأشياء بيدي ولا تجد طريقها إلى قلبي، فأملكها ولا تملكني، وعندها لن أحزن عند زوالها، ولن أفرح عند قدومها علي، وهذا ما جعلني أفهم غياب كلمة النجاح في القرآن الكريم، وأفهم التركيز المتكرر على كلمة ومفهوم الفوز والفلاح، لأنهما النجاح الحقيقي المرتبط بالإيمان والحق والسلام.
د. وليد فتيحي بتصرف.


أضف رد جديد

العودة إلى ”التنمية والتغيير“