أوروبا بحاجة إلى قيم الإسلام

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

أوروبا بحاجة إلى قيم الإسلام

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

مدير معهد الدراسات المغربية والمتوسّطية البلجيكي لإسلام أون لاين ليك كوسنس: أوروبا بحاجة إلى قيم الإسلام
أجرى الحوار:علي بوراوي
قال الدكتور ليك كوسنس Pro. Dr. Luc GOOSSENS، مدير معهد الدراسات المغربية والمتوسّطية في مدينة أنفرس البلجيكية، إنّ وجود الجالية المسلمة في أوروبا، يمكن أن يشجّع الأوربيين على دراسة الإسلام وفهمه، ومن ثمّ استعادة قيم مهمّة تحملها هذه الجالية، مثل التضامن والتكافل والتماسك الأسري، بدل الفردية والروح المادية التي طغت على نمط حياة الأوربيين. وأكّد الأكاديمي البلجيكي في حواره مع "إسلام اون لاين" أنّ واقع الجالية المسلمة في بلجيكا، يحمل خللا اجتماعيا كبيرا تجب معالجته، ومن مظاهر هذا الخلل: تدنّي مستوى المعيشة للجالية مقارنه بالمستوى العام في البلاد، وكذلك ضعف حضور أبنائهم في مؤسسات التعليم العالي. وقال كوسنس، إنّ الخطأ الكبير الذي وقعت فيه أوروبا، ولم تنتبه إليه إلاّ مؤخرا، هي أنّها استقدمت المسلمين، ولكنها لم تهيئ نفسها لاستقبال جالية لها ثقافة ودين مختلف عنها، كما لم تهيّئ المسلمين ليعيشوا في مجمعات تختلف كثيرا عن مجتمعاتهم. وأوضح الأكاديمي البلجيكي أنّ نقاط الالتقاء بين الجانبين أكثر من نقاط الاختلاف. وألحّ على ضرورة المراهنة على التعليم، لإشاعة قيم التسامح واحترام الآخر. نصّ الحوار : - نلاحظ أنّ لبلجيكا سياسة مختلفة عن سياسات دول أوروبية كثيرة، في التعامل مع الجالية المسلمة. فما هي أسباب هذه الخصوصية البلجيكية؟ **من أهمّ أسباب هذه الخصوصيّة، أنّ الجالية المسلمة في بلجيكا، وهي في معظمها من أصل مغربي، هي جالية جديدة وليست قديمة. فقد جاء المغاربة إلى بلجيكا بداية من ستينيات القرن الماضي، تلبية لحاجتها إلى اليد العاملة. فاستقدمتهم من بلادهم لسدّ هذا النّقص. ولم تكن لبلجيكا قبل هذا التاريخ علاقة خاصة مع الدول الإسلامية. بينما كانت لفرنسا مثلا علاقات قديمة مع المسلمين، تعود إلى الحقبة الاستعمارية. السبب الثاني: هو أنّ بلجيكا دولة مركّبة، تتكوّن من مجموعتين ثقافيتين مهمّتين: مجموعة فرانكفونية (تتكلّم اللغة الفرنسية)، ومجموعة فلامانية (تتكلّم اللّغة الهولندية). كلّ مجموعة من المجموعتين تتولّى قضاياها بشكل مختلف عن الأخرى (نظام الحكم فيدرالي). هذا الواقع فرض على أبناء الجالية المسلمة التي تعيش في بلجيكا التعامل مع واقع البلاد، بطريقتين مختلفتين، أي إنّهم يعيشون واقعين مختلفين، رغم أنّهم يقيمون في البلد نفسه. فالمغاربة الذين يقيمون في المنطقة الفرانكفونية، لم يجدوا صعوبة تتعلّق باللغة، لأنّهم تعلّموا الفرنسية في بلادهم ، لغة مستعمرهم السابق، فكان تعاملهم واندماجهم مع مجتمعهم الجديد، أيسر من الآخرين. أمّا الذين يقيمون في المنطقة الفلامانية، فقد اعترضتهم صعوبات تتعلّق بجهلهم للغة الفلامانية، وقد أثّر هذا على درجة اندماجهم في المجتمع، خصوصا بالنّسبة للجيل الأوّل من المهاجرين. لكنّ الأمر تحسّن كثيرا بالنسبة للجيلين الثاني والثالث. -هل تريد القول إنّ الماضي الاستعماري مع فرنسا يسّر للمغاربة التعامل مع المناطق الفرانكفونية، بينما غاب هذا البعد عن المناطق الفلامانية؟ **نعم. الماضي الاستعماري جعل المغاربة يفضّلون المناطق الفرانكفونية، ويحسنون التعامل معها مقارنة بالمناطق الفلامانية.بين علمانيتين - لكن العلمانية الفرنسية ليست حاضرة في بلجيكا، وهو ما يسّر على المسلمين التعامل مع الواقع الاجتماعي البلجيكي. **بالنّسبة للعلمانية، هناك فرق كبير بين بلجيكا وفرنسا. لقد اختارت فرنسا أن تكون علمانية، بينما اختارت بلجيكا أن تكون وطنا متعدّد الثقافات، وهي تعدّدية نشطة، رغم احتفاظها بالعلمانية. ومعنى هذا من حيث المبدأ، أن تعطى لكل ديانة لها أتباع، فرصة النّشاط والعمل بكلّ حرية، بل ويقع التّشجيع على ذلك. هذا ما جعل الدولة البلجيكية تعترف بالإسلام دينا رسميا في البلاد منذ سنة 1974، وتتولّى الإنفاق على حاجات المسلمين الدينية. - لو نعود إلى العلمانية، كيف تفهم علمانية فرنسا التي نجدها في بعض الأحيان غير محايدة، ولكنّها متنافرة مع الدين، ولا تتحمّل حضوره. بل تتحوّل في بعض الحالات إلى معاداة للدّين وليست علمانية. انظر إلى قانون منع الحجاب في المؤسسات التعليمية مثلا، وكذلك منع النقاب، وهو ما لم يحصل إلاّ مع علمانية فرنسا. **لقد عاشت فرنسا معارك قاسية باتجاه العلمانية. المسألة لها تاريخ وأحداث مؤثّرة هناك. لذلك، أستطيع أن أفهم كيف أنّ فرنسا أرادت أن تكون قوانينها وأنظمتها متطابقة مع نظام دولة علمانية، لا علاقة لها بالدين أصلا. بينما نحن في بلجيكا، اخترنا أن نفرّق بين القطاع العام، والدولة والكنيسة. يجب أن نذكّر هنا، أنّ الكنيسة بقيت حاضرة وقوية جدا في بلجيكا، إلى ستينيات القرن الماضي. كانت تقوم بدور مركزي في حياة البلاد. وقع بعد ذلك التفريق بين ما هو ديني وما هو مدني، ولكنّ ذلك لا يعني أبدا التخلّي عن الدين وعدم دعمه. فقد بقيت الدولة تدعم وتنفق على الكاثوليكية والبروتستانتية واليهودية وكذلك الإسلام عندما وقع الاعتراف به رسميا. لقد بقيت الديانات محترمة، ولأتباعها كامل الحقوق في التعبير عن معتقداتهم وحمايتها. من ذلك مثلا، أنّ الدولة تنفق على المدارس الدينية. المهمّ أن تقدّم لها برامج ومقررات تعتمدها المؤسسات المختصّة، فتتولى الدولة تمويلها. الأتراك مثلا نظّموا أنفسهم ووضعوا مدارس. للأسف ليست هناك بعد مدارس إسلامية للعرب، ولكن لو تقدّمت جهة بمشروع وقبلت به الجهات المختصّة، فإنّ الدولة ستتولّى دعمه وتمويله. هنا يبرز الفارق بين فرنسا وبلجيكا في التعامل مع الشأن الديني. وهذا أمر ينعكس على العلاقة بالجالية العربية والمسلمة.عقبات الحوار الديني -هناك اتفاق على أهمية الحوار بين أتباع الأديان المختلفة، وتعميقه. كيف يمكن أن نتجاوز العقبات التي تحول دون ذلك؟ **رؤيتي الإستراتيجية لمعهد الدراسات المغربية والمتوسّطية الذي أتولّى رئاسته، هي أنّ الحوار مع الإسلام، مسألة بالغة الأهمية. لقد انطلق الحوار بين الغرب والمسلمين، ولكن يجب أن نسأل دائما، هل هذا الحوار يجري بشكل بنّاء؟ الخطأ الكبير الذي ارتكبته الدول الأوروبية، هي أنّها استقدمت عمالا مسلمين إلى أراضيها، دون أن تُعِدّهم ليعيشوا في مجتمعات تحمل ثقافة مختلفة جدا عن ثقافتهم. ونسيت هذه الدّول كذلك أن تعدّ الأوروبيين بشكل يستطيعون فيه استقبال هؤلاء المواطنين الجدد بشكل إيجابي وبنّاء. أي إنّنا منذ البداية وضعنا شروطا لسوء التفاهم. ثم انتبهنا بعد ذلك، إلى أنّه كان من الضّروري تهيئة الجانبين. هذا ما دفع معهدنا إلى تنظيم أنشطة، تساهم في تعريف البلجيكيين بالإسلام، ويجب أن يتم وضع عمل مواز مع المسلمين. هذا من المبادرات التي يجب القيام بها لتشجيع هذا الحوار. الخطوة الأولى تتمثّل في تعميق التعارف والتواصل بين الجانبين. لقد انطلق هذا الحوار، ولكنّه سيأخذ وقتاً. أنا أرى أنّ المدن الكبيرة، وكذلك المجتمعات التي تعيش فيها أقليات مختلفة، يجب أن تتضمّن البرامج التعليمية فيها دروسا تعرّف أبناء هذه الأقليات ببعضها: بدياناتها وثقافاتها وعاداتها. وأقصد هنا وجود برامج تعرّف بالمسيحية واليهودية والإسلام. وأرى هذا ضروريا وشرطا مهما للتعايش والتواصل بين أبناء المدينة الواحدة، والمجتمع الواحد. يجب أن يعرف كل واحد أنّ دينه وثقافته وعاداته، ليست وحدها الموجودة في مدينته وفي مجتمعه، وإنّما هناك أيضا ديانات أخرى، وثقافات أخرى وعادات أخرى. -انطلق الحوار بين المسلمين والأوروبيين منذ فترة، ولكنّ ثماره مازالت ضعيفة، وأقلّ من الجهود المبذولة. إلام تعزو ذلك؟ **أرى أنّ كلا من الأوروبيين والمسلمين، يجهلون بعضهم بعضا. لقد عاشوا جنباً إلى جنب فترة وهم يجهلون بعضهم. لم تكن هناك مشكلات مادية تتعلّق بمستوى المعيشة، ولم تظهر إلى العيان المشاكل المترتّبة عن هذا الجهل المتبادل، إلاّ مع الأزمة الاقتصادية العالمية. فظهرت البطالة في صفوف هؤلاء المهاجرين، وطرح البعض مسألة عودتهم إلى بلدانهم، بسبب الأزمة. هذه رؤية خاطئة في رأيي. ثم إنّ الجيلين الثاني والثالث من هؤلاء المهاجرين، وأنا أرى أنّ الجيل الأوّل معهم أيضا، لا يستطيعون العودة إلى بلادهم بعد أن استقرّوا بيننا. لقد اندمجوا في مجتمعاتهم الجديدة، ولم يعد ممكنا عودتهم. أوروبا بحاجة إلى قيم الإسلام - هناك إجماع على أهمية هذا الحوار وضرورته. لكن ثمّة مشكل يتعلّق باستعدادات وحالة كلّ من الجانبين؟ الأوروبيون منظّمون بشكل جيّد، وحاجاتهم واضحة، وصوتهم قويّ يعرفون ما يريدون. لكن المسلمين في وضع مختلف: هم ضعاف، متفرّقون، وحكومات بلدانهم الأصلية متعدّدة ومختلفة، لكلّ منها سياستها وأولوياتها، وهي لا تأخذ برأيهم في سياستها تجاه ملف الهجرة. بينما نجد الحكومات الغربية تعبّر عن حقيقة مصالح شعوبها وتدافع عنها. كيف والحال هذه، يمكن أن يكون الحوار عميقا وجديا ومثمرا؟ **لنأخذ بلجيكا مثلا، فالبلاد تعاني من شيخوخة سكانها، وهي بحاجة إلى استقدام مهاجرين شباب ليعملوا ويعوّضوا الشيوخ الذين يحالون على التقاعد (المعاش). هذا الوضع تعاني منه أوربا كلّها. ومن ثمّ، فهي بحاجة إلى الجالية العربية المسلمة. وحاجتها هذه تقتضي أن يكون شباب هذه الجالية متعلّما متدرّبا على مختلف المهن التي تحتاج إليها البلاد. هذا يخدم مصلحة كلا الجانبين: أوربا والجالية المسلمة. المؤكّد هو أنّ نقاط الاتفاق أكثر من نقاط الاختلاف. المشكلة هي أنّ المواطن الغربي أصبح ماديا وفرديا بشكل مقلق، ومن المفيد جدّا له أن يتعرّف على قيم الإسلام التي يحملها المسلمون، من تضامن وتكاتف أسري. صحيح أنّ المسيحية تدعو إلى التضامن والتعاون، ولكن هذه القيمة غائبة عن مجتمعاتنا اليوم. نجد المسلمين حريصين جدّا على تكاتف الأسرة وتماسكها. وهذا مهمّ جدّا لمجتمعاتنا التي فقدت هذه المعاني. إنّ نظام التضامن الاجتماعي الذي اعتمدته دول أوروبا، ساهم بدوره في إشاعة الفردية وتعميقها، على حساب دور الأسرة وإشعاعها. كذلك مسألة القناعة والرّضى وعدم السّقوط في المادية المغرقة. فعندما أزور بلدا مسلما كالمغرب مثلا، ألاحظ أنّ الناس يعيشون سعداء، رغم أنّ مستوى المعيشة عندهم أقلّ كثيرا ممّا عندنا. نحن غرقنا في الماديات وجمع الأموال، وغير راضين دائما عن حياتنا، الإحساس الدائم بالسّعادة والرّضى، قيمة مضافة، جاء بها المسلمون معهم إلى الغرب. إنّ وجود المسلمين بيننا في أوروبا، يقدّم لمجتمعاتنا قيمة مضافة نحن بحاجة ماسّة إليها، وربّما يدفعنا هذا إلى دراسة الإسلام وفهم قيمه، وربّما استعادتها في حياتنا. - كيف يمكن أن نعمّق هذا التعايش ونجني ثماره في مجتمعاتنا؟ ** الخطوة الأولى والأساسية هي أن نتعارف بشكل أفضل وأعمق. يجب أن يجتهد كلّ منّا في دراسة دين الآخر وعقيدته. يجب أن نشجّع النّاس على هذا التعارف، وأن نضع له قنوات ووسائل مؤثّرة، مثل المقررات المدرسية. هذا يساعد في شيوع ثقافة التسامح وتفهّم الأخر. كما أنّ تقليص التفاوت في مستوى المعيشة، بهدف القضاء عليها بين مكوّنات المجتمع، أمر مهمّ جدا. فمستوى معيشة الجالية المسلمة حاليا، ضعيف ويحتاج إلى معالجة، لأنّ هذا التفاوت في مستوى المعيشة، يخلّف الضغينة بين أبناء المجتمع الواحد، ويهدم جهود الحوار التي نجتهد في تثبيتها ودعمها.الرهان على المواطن - نلاحظ أنّ السياسيين، وخصوصا الزعامات الحكومية وقادة الأحزاب السياسية، غالبا ما يتدخّلون في هذا الحوار، ولكن لخدمة أغراض انتخابية أو سياسية عاجلة. ألا ترى أنّه من الأفضل أن يتصدّى لهذا الحوار غير هؤلاء، حتّى ننأى به عن المزايدات، ويكون أكثر جدية؟ ** سؤال صعب، ولكنّي أرى أنّه من واجب كلّ مواطن أن يساهم في هذا الحوار. أرى أنّ الرهان على المواطن، هو أساس نجاح هذا الحوار، ومن ثمّ فإنّ مساهمة العدد الأكبر من أبناء المجتمع، يساعد في تعميق فهم الآخر، واحترام رأي غيره وخياراته. بهذا الشكل يكون الحوار بنّاء، لأنّ السياسيين يبحثون عن النتائج السريعة، وخطبهم تبحث دائما عن نتائج يجنونها في أقرب انتخابات يخوضونها. في حالة مجتمع كمجتمعنا البلجيكي حاليا، ونحن نعيش أزمة سياسية، فإنّ السياسي يبحث أن يكون شعبيا في الفئات التي يريد الوصول إليها. المهمّ في رأيي المراهنة على قاعدة بشرية أوسع، من خلال التعليم، لأنّ التّعليم يمرّ به جميع أبناء المجتمع، وهو المجال الأفضل لمناقشة مثل هذه القضايا بهدوء وعمق. كما أنّ الجامعات عندما تتجنّد لخدمة هذا الغرض، فإنّ ذلك يقدّم خدمة كبيرة للمجتمع. والذي أراه حاليا بصفتي أستاذا جامعيا، هو أنّ المسافة مازالت شاسعة بين الجامعات وأبناء المهاجرين. معظم الأسر المهاجرة تعتبر الجامعات والدراسات العليا، مخصّصة لغيرهم، لأبناء البلاد الأصليين، وليست لهم. لقد أنشئت الجامعات والمدارس العليا للجميع. لذلك، فإنّ على الجامعات بذل جهد مضاعف للإسهام في هذا الحوار، أي أن يجد فيها أبناء المهاجرين مكانهم كاملا غير منقوص. بالنّسبة لنا هنا في جامعتنا، عندما يجد أبناء المغاربة والأتراك مكانهم، فإنّ ذلك يضمن مستقبل الجالية، لتكون حياتهم مستقبلا أفضل من الحالية. هذه معركة يجب خوضها، وهي تفرض علينا التزامات تستحقّ التّعب والجهد لتترسّخ.


أضف رد جديد

العودة إلى ”الحوار والفكر التنويري“