كيرلا.. قصة نجاح للتعليم الديني في الهند

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

كيرلا.. قصة نجاح للتعليم الديني في الهند

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

كيرلا.. قصة نجاح للتعليم الديني في الهند
د. يوجيندر سيكاند
ترجمة وتحرير - د.عزت زيان و د.عاطف معتمد 21-02-2010
مسلمو كيرلا الأعلى تعليما بين مسلمي الهند
كيرلا هو الاسم الهندي المحرف عن الأصل العربي "خير الله"، اسم لمنطقة تعد جنة الله في جنوب الهند، الأرجح أن الاسم أطلقه التجار العرب على هذه المنطقة معبرين ببلاغة عن تباين البيئة الصحراوية المعدمة التي أتوا منها والأرض التي شغفت عقولهم وأبصارهم بطبيعتها الموسمية المليئة بالخيرات من ثمار وزروع وغابات وفاكهة.
يسكن كيرلا نحو 40 مليون نسمة، ويمثل المسلمون في هذه الولاية ما بين 25 إلى 30% (نحو 10 -12 مليون نسمة). ويحتفظ التراث المحلي بولاية كيرلا في جنوب غرب الهند بقصة رويت زمن بعثة الرسول (صلى الله عليه وسلم) تقول القصة إن شيرومان بيرومال، حاكم المنطقة الساحلية من كيرلا، قد شهد حادثة معجزة، وهي انشقاق القمر، وفسر التجار العرب الزائرون للملك هذه المعجزة بأنها كانت علامة على أن الله أرسل نبيا إلى العرب، وبعد ذلك مباشرة، سافر شيرومان بيرومال إلى الجزيرة العربية واعتنق الإسلام، وفي طريق عودته إلى الهند مات أمام ساحل ظفار في جنوب شبه الجزيرة العربية، حيث تحول قبره لاحقا إلى مزار شهير. ويقال إنه عندما كان في فراش الموت كلف بعض مرافقيه العرب بالعودة إلى مملكته لنشر الإسلام وأسسوا عدة مساجد هناك.وبغض النظر عن حقيقة القصة، فهناك أدلة صريحة على استقرار تجار مسلمين من الجزيرة العربية عل ساحل مالابار قبل وبعد بعثة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، حيث كانوا يحظون بترحيب الملوك المحليين بسبب الدور العظيم الذي لعبوه في التجارة الخارجية المربحة، ومن خلال جهود الدعوة السلمية التي قام بها التجار العرب انتشر الإسلام في المنطقة، خاصة بين الطوائف "الدنيا" المنبوذة.وعبر قرون من الدعوة وانتشار التعليم الإسلامي أصبح لدينا اليوم نحو ستة آلاف مدرس يدرسون اللغة العربية في المدارس الحكومية في جميع أنحاء كيرلا، وحوالي نصف مليون طالب معظمهم مسلمون يتعلمون هذه اللغة، ويوجد في كل من "مجلس الولاية للبحوث التربوية والتدريب" و"مديرية التعليم العام" قسم مستقل للإشراف على تعليم اللغة العربية في المدارس الحكومية في الولاية، كما عينت حكومة الولاية لجان خبراء تتكون من دارسي اللغة العربية البارزين، فقامت بإعداد كتب دراسية حديثة لتدريس اللغة العربية، وتقوم بتحديثها بانتظام.
جذور التعليم الديني في كيرلا
انتشر الإسلام في كيرلا من خلال المسجد الذي أقام "مدرسة" يتجمع فيها الطلاب في حلقات للذكر، وكان نظام الحلقات يعتمد أساسا على التعليم الشفهي، ونادرا ما كان الطلاب يستطيعون الكتابة بالرغم من مرور عدة سنوات في الدراسة، وكان المنهج يتكون أساسا من مجموعة من العلوم، تشمل العلوم "النقلية" بالإضافة إلى علوم أخرى مثل الهندسة والرياضيات والفلك والمنطق والتاريخ والطب، إلا أن الأمر اقتصر منذ القرن التاسع عشر على القرآن والحديث والفقه.
في أوائل القرن العشرين ظهرت أولى محاولات تطوير التعليم الديني بين مسلمي كيرلا، والتي كان من أهدافها إصلاح نظام التعليم الإسلامي، وكان مولوي شاليلاكات مون محمد حاجي أحد الرواد في مجال إصلاح التعليم الإسلامي في كيرلا. ففي 1909 تم تعيينه ناظرا لمدرسة "تنمية العلوم" في فازاكاد في المالابار الخاضعة آنذاك للحكم البريطاني في شمال كيرلا؛ فأعاد تسمية المدرسة باسم "مدرسة دار العلوم العربية"، وكان يريد تحويلها إلى مؤسسة حديثة تجمع بين تدريس العلوم الإسلامية والمعاصرة في آن.
وكما يشير اسم المؤسسة الجديد، كان هناك تفكير في بنائها على نموذج الكليات الذي جاء به الحكم البريطاني، وقام حاجي بالترتيب لإعداد الكتب الدراسية للعلوم الجديدة، وأدخل استخدام المناضد والمقاعد والسبورات في الفصول، مما كان يعتبر ابتكارا ثوريا في عصره، وبادر العديد من خريجي الكلية بتبني تجارب مماثلة في أماكن أخرى من ساحل المالابار.
وفي نفس الوقت تقريبا، بدأت جهود لإصلاح نظام الحلقات التقليدي في جنوب كيرلا، حيث أسس فاكام محمد عبد القادر (1873- 1932) سلسلة من المدارس الحديثة في ولاية ترافانكور، ورتب كذلك لقيام المدارس الحكومية بتدريس اللغة العربية للطلاب المسلمين، وكذلك قام سناء الله ماكتي تانجال والشيخ محمد ماهين تانجال بفتح عدد من المدارس التي كانت تجمع في تدريسها بين العلوم الإسلامية والعصرية معا.
وتواصل عمل هؤلاء المصلحين بإنشاء منظمات تهدف إلى إصلاح نظام التعليم الإسلامي التقليدي، فأسسوا "الجمعية التعليمية لمسلمي المالابار" (1911)، و"اللجنة المحمدية سانجام" (1922)، و"جامعة العلماء كيرلا" (1924)، وجمعية "هداية المسلمين سانجام". ( تعني كلمة سانجام في اللغة المحلية جمعية" أو "اتحاد").إحدى المؤسسات التعليمية التابعة للجماعة الإسلامية بكيرلاوقابل العلماء المحافظون المشروع الإصلاحي بتوجس نظرا للنقد الكبير الذي كان يوجهه الإصلاحيون للعادات الشعبية المرتبطة بطقوس زيارة الأضرحة، كما أن تشجيعهم للاجتهاد قد ساهم في تقويض سلطة الكثير من العلماء التقليديين، ولذلك شن هؤلاء العلماء حملة على الإصلاحيين تعرضوا من خلالها للمقاطعة الاجتماعية في أماكن عديدة، وأصدر بعض العلماء المحافظين فتاوى تكفير ضدهم، وحرضوا على عدم التزاوج معهم، وأنكروا عليهم حق الدفن في قبور المسلمين.
ولما فشلت جهود التقليديين في النيل من زيادة نفوذ النهج الإصلاحي لم يجد المحافظون بدا من محاكاة منافسيهم، فبدأ التقليديون بعد فترة ليست طويلة في إنشاء مراكز تعليمية مماثلة لمواجهة تحدي الإصلاحيين، وأنشئوا منظمتهم الخاصة بهم المعروفة باسم "جامعة العلماء ساماستا كيرلا". (تعني ساماستا في اللغة المحلية "عموم").
ويوجد اليوم في جامعتي كاليكُت (قاليقوط) وكانانور (كانور) أكثر من عشر كليات عربية، ويقع معظمها في إقليم مالابار، وتقدم تسهيلات لتعليم اللغة العربية على مستوى عال، وهناك عدة كليات عربية مشتركة التعليم، وليس نادرا أن تجد نساء يدرسن لطلاب ذكور، وتمنح هذه الكليات شهادة "أفضل العلماء" ومدتها خمس سنوات، ومؤهلها الأساس هو اجتياز المدرسة الثانوية، ويوجد في بعضها تسهيلات لدراسات عليا مدتها سنتان، حيث تركز المناهج على قواعد وآداب اللغة العربية، بالإضافة إلى الدراسات الإسلامية العامة.
وإضافة إلى ما سبق هناك كليات عربية عديدة لديها الآن أقسام لدراسة الكومبيوتر وعدد من الأنشطة الإضافية الأخرى التي تشمل البرامج الثقافية والعمل الاجتماعي الذي يتم من خلال الوحدات المحلية لـ"مشروع الخدمة الوطنية".
ومنذ عام 1980، أعيد تشكيل وتحديث المناهج الإسلامية بدرجة كبيرة، وأصبح تدريس اللغة الإنجليزية إلزاميا على جميع المستويات. ونظرا لأن المناهج تعدها لجنة خبراء عينتها حكومة الولاية، فإنها تخلو من المشاكل والنزاعات التي تسيطر على نظيرتها في شمال الهند.
وبالإضافة إلى الكليات العربية، التي تقوم الولاية بدفع رواتب أعضاء هيئة التدريس فيها، يمول القطاع الخاص والتبرعات المحلية عدد كبير من مثل هذه الكليات في كيرلا لتدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وتتمتع هذه الكليات بالاستقلال في وضع مناهجها، ولكنها تتبع المناهج الموضوعة لدرجة "أفضل العلماء" في جامعتي كاليكُت وكانانور، وتدرس هذه الكليات أيضا العلوم الإسلامية المختلفة، مثل الشريعة وتفسير القرآن، ولدى هذه الكليات أنظمة امتحاناتها الخاصة بها، ولكنها تشجع طلابها على التقدم كمرشحين مستقلين لدرجة "أفضل العلماء" أيضا.
وقد ساعد اعتراف الحكومة بدرجة "أفضل العلماء" على دمج نظام التعليم العربي والإسلامي في الولاية في "الإطار العام". ففي 1980، اعتبرت مناهج "أفضل العلماء" معادلة لبكالوريوس الآداب، واعتبرت الدراسات العليا بعد هذه الدرجة معادلة لماجستير الآداب، وقد ساعد هذا على توسيع مدى الوظائف التي يتطلع لها الخريجون، وأصبح خريجو الكليات العربية في كيرلا مؤهلين للتقدم لعدد كبير من الامتحانات لمختلف الوظائف الحكومية، أو الالتحاق بالدراسات العليا في الجامعات العادية، ويعمل الكثير من هؤلاء الخريجين حاليا كمترجمين وموظفين في الدول العربية، ويقوم الكثير منهم بالدراسة أو التدريس بالخارج، كما يعمل عدد كبير منهم كمدرسين للغة العربية في المدارس الحكومية.مدرسة دار الهدى التابعة لجامعة العلماء ساماستا كيرلاويعتبر نظام كيرلا في الدراسات العليا العربية الأفضل تنظيما في عموم الهند، وكذلك الأمر بالنسبة لنظام تعليم المدارس فيها، وتعتبر مدارس اليوم الكامل الشهيرة في شمال الهند أمرا نادرا في كيرلا، بالرغم من أنها لا تزال موجودة بين المجموعات "التقليدية" التي تسمى "السنية" باللغة العامية، أي أن ما يسمى "المدارس" في كيرلا يماثل "المكاتب" (الكتاتيب) في الشمال؛ فالطلاب الذكور والإناث يحضرون إلى المدرسة لساعتين يوميا، إما في الصباح أو في المساء، مما يسمح لهم بالدراسة في المدارس العادية أيضا.
الحركات الإسلامية الكبرى
تسيطر على المدارس الفكرية في كيرلا ثلاث حركات دينية أساسية:
• "جامعة العلماء السنة ساماستا كيرلا" وتدعو إلى الالتزام المطلق بالمذاهب الفقهية، وتتبنى المذهب الشافعي، وهو الأكثر اتباعا من قبل معظم المسلمين في كيرلا.
• "ندوة المجاهدين" والتي تشبه منظمة "أهل الحديث" في شمال الهند، وهي لا تلتزم بأي من المذاهب الفقهية، وتدعو المسلم إلى اتباع القرآن والحديث فقط، وتأخذ بالمدارس الفقهية حين تتفق فقط مع نصوص القرآن والحديث، ويعترض أتباع "ندوة المجاهدين" على العادات الشعبية خاصة زيارة الأضرحة، التي لا يجدون لها أصلا في الشريعة.
• "جماعة الإسلام" وتعتنق توجها مماثلا لـ"ندوة المجاهدين"، وإن كانت تتميز بأن لديها توجها سياسيا واضحا، إذ تعتبر الدولة الإسلامية أحد أركان الإسلام الأساسية.
ويوجد لدى كل من ندوة المجاهدين وجماعة الإسلام، وجماعات السنة، مجالس التعليم الخاصة بكل منها، وذلك لإدارة المدارس الخاضعة لسيطرتها.
وهناك نحو 500 مدرسة تتبع "ندوة المجاهدين"، و200 مدرسة تتبع "جماعة الإسلام" بينما تتبع "جامعة السنة ساماستا كيرلا" أكثر من 6000 مدرسة فضلا عن 1000 مدرسة أخرى تتبع "جامعة العلماء السنة داكشينا كيرلا" ( وتعني داكشينا في اللغة الهندية "الجنوب").
وبصفة عامة، فإن المجتمع المحلي التابع لأي من هذه الجماعات المختلفة يستطيع أن يقرر إنشاء مدرسة والتقدم إلى مجلس التعليم المناسب للتصريح بها، حيث يقدم المجتمع مبنى صغيرا لهذا الغرض ويجمع المال لدفع راتب معلم، ثم يرسل مجلس التعليم مفتشا، وبعد أن يوافق على المشروع، تنضم المدرسة إلى المجلس رسميا.
ولدى كل مجلس منهج معين ومجموعة كتب دراسية معدة خصيصا لكل سنة دراسية، حيث يرسل هذه المناهج والكتب للمدارس التابعة له، وهذه تتكون من دروس في اللغة العربية والدراسات الإسلامية الأساسية، تعكس الفهم الخاص للإسلام لدى المدرسة الفكرية التي تتبعها هذه المدرسة، وعندما يجتاز الطلاب السنة النهائية، يكون لديهم أساس قوي في العقيدة وفهم جيد لأساسيات اللغة العربية، وترسل المجالس أوراق الامتحان للخارج، مما يضمن الحد الأدنى من المعايير، وهذه مشكلة كبيرة تواجه المدارس "التقليدية" في الأجزاء الأخرى من الهند، حيث لا تخضع لأي سلطة رقابية أعلى.
وقد قامت كل من المجموعات الإسلامية الثلاث الكبرى في كيرلا بتأسيس عدد من المدارس العادية، بالإضافة إلى شبكة المدارس والكليات العربية التي تديرها، وهذه تشبه غيرها من المدارس الخاصة، حيث تتبع المناهج الحكومية، ولكنها تقوم أيضا بترتيبات لتدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية للطلاب المسلمين، وعادة ما تكون مفتوحة لكل المجتمعات، ويوجد في بعضها عدد كبير من الطلاب غير المسلمين أيضا، حيث لا يعتبر التعليم الديني إلزاميا بالنسبة لهم، وهكذا يتضح أن الفجوة بين المعرفة "الدينية" و"الحديثة"، وبين العلماء التقليديين والمسلمين المتعلمين "حديثا" -والتي تعد فجوة واسعة نسبيا في شمال الهند- قد ضاقت كثيرا في كيرلا اليوم.


أضف رد جديد

العودة إلى ”المدرسة والمدرسون“