صفحة 1 من 1

عوامل نهضة فرد أو مجتمع.

مرسل: الجمعة نوفمبر 18, 2016 3:47 pm
بواسطة محمد نبيل كاظم
عوامل نهضة مجتمع

الثروة:
هل الثروة ضرورية لازمة للبدء بنهضة بلد ما أو مجتمع؟
سؤال لا بد من طرحه على جميع المستويات، حكومية أو مجتمعية أو أسرية أو فردية، في عالمنا العربي خاصة، في هذه الظروف التي نشتكي فيها من كل شيء، ومناقشته مناقشة جادة للوصول إلى إجابات محددة واضحة، عن ضرورة وجود المال والثروة والإمكانات المادية حتى يبدأ فرد ما أو أسرة أو مجتمع أو دولة بالعمل للنهوض بالحياة ومتطلباتها وسبل العيش الكريم.
والجواب بالإيجاب ينقضه الدراسة المتأنية التي يمكننا طرحها من خلال المقارنات أو التحليل الجاد السليم لعوامل نهوض الفرد أو المجتمع، فلو أن الفرد في غابة لأمكنه العيش من خلال أشجارها، ولو كان في صحراء لأمكنه العيش من خلال الصيد، ولو كان على شاطئ بحر لأمكنه العيش من خلال صيد الأسماك، ولو كان في مدينة أو قرية لأمكنه العيش والنهوض من خلال استخدام قوة العمل التي يملكها، والتفكير التجاري الذي قد يفكر فيه.
والأمثلة كثيرة جداً اليوم، ليس على مستوى نهوض فرد ما في بيئة أو مجتمع - دون ثروة مالية أو مادية - وإنما على مستوى دول وحكومات، كانت في الحضيض من قديم الزمن، ومع ذلك لم تفنى ولم تندثر، ونهضت حينما قررت النهوض، دون أن يكون لديها أي ثروات مالية، أو معطيات مادية، أو خامات بيئية، ومع ذلك نهضت واستثمرت في شيء واحد رئيس وهو الإنسان، من خلال: عقله، وتفكيره، ومشاعره، ولغته، وثقافته، وقيمه.
وقد يقول قائل اليوم: وماذا صنعت بفقرها وعوزها، أقول الفقر في حقيقته هو فقر العقل والتدبير، وليس فقر المال والحصير، ولهذا نجحت دول كثيرة لا تملك شيئاً غير الإنسان، كاليابان وسنغافورة وكوريا وتايوان، حينما استثمرت في طاقات الإنسان الروحية، المتجسدة في الجوانب اللامادية من كيانه الإنساني، التي ذكرناها في الفقرة السابقة، مستخدمة العلم والتخطيط والتعاون والثقة والتآلف والتعاضد والبذل والتضحية والصبر والإرادة والحزم والنظام والتنظيم والإصرار والنظرة الثاقبة للمستقبل، واستشراف النتائج قبل وقوعها، ووضع ذلك كله من خلال دمج الناس جميعاً في مشروع وهدف كبير يستوعب تطلعات الناس وطموحاتها، بل وأكثر من طموحاتها، متجاوزة كل ما يعرقل هذا النهوض من سلبية أو معوقات.
وقصة نجاح سنغافورة ونجاح اليابان ونجاح كوريا، ودول كثيرة أخرى، أكبر أمثلة واقعية لما نقول، بل إن نموذج نجاح أفراد من كل المجتمعات الفقيرة، حينما قرروا النهوض والنجاح، واتخذوا الوسائل الصحيحة لهذا النجاح نجحوا، ولو كانوا مقطَّعي الأوصال، أو فاقدي الأطراف، أو فاقدي البصر، أو في حالات إعاقة كبيرة، ومع ذلك ينطبق عليهم المثل القائل: "كل ذي عاهة جبار"، ونحن جميعاً لدى كل منا عاهة من العاهات المدركة أو غير المدركة، لو وظفنا قوة التحدي بها بعد إدراكنا لها، لصنعنا المعجزات لأنفسنا وأوطاننا.
مشكلتنا الرئيسة الاتكاء والاتكال على حظ ينزل من السماء، أو ثروة تأتي من الغيب، أو مساعدة تأتي من الآخرين، أو قدر نحن به مستسلمون إليه، أو عوز راضون به، وهذا كله مردود عليه، بمقولات واضحة في ثقافتنا الأصيلة المُغيَّبة، من مثل: قول الله تعالى: [ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ] ومن مثل قولة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): " إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة" ، وقولة عبد الرحمن بن عوف t لأخيه الأنصاري حينما آواه في هجرته: " دلني على السوق"، وأمثالها كثير.
ومشكلتنا الرئيسة هي أننا حبسنا أنفسنا في خرائط ذهنية شكلتها البيئة التي تربينا فيها، أو لقننا إياها الوالدان، أو الأسرة والقبيلة والمجتمع، وكذلك ثقافتنا القديمة المبنية على التقاليد والأعراف، وليس على الحكمة والفكر الحر المؤصل، ونحن اليوم في عالم كبير كثير من امكاناته بين أيدي الجميع، لكن لا ندرك هذه الحقيقة إدراكاً واضحاً سليماً بسبب ما ذكرت من معوقات ومثبطات لا نراها إلا اقداراً حاكمة، وظروفاً راسخة لا فكاك منها ولا خلاص.
وإذا عرفنا هذا كله، فالسؤال المطروح ما هو الحل المناسب الممكن المعقول؟
الحل أن نفكر بعقولنا دون الخرائط الذهنية القديمة التي دخلت إليها، ونتحرر من التفكير الذي اعتدنا عليه، لأن المشكلة التي أنشأها تفكير معين، لا يمكن أن يحلها التفكير نفسه، ولهذا علينا أن نفكر من خارج الصندوق كما يقول مدربي التنمية البشرية، برؤية واسعة الأفق لأمكاناتنا البشرية ومواهبنا الإبداعية، والتلفت يميناً ويساراً إلى البيئة وما فيها من ثغرات ومعطيات قابلة لأن نعمل فيها ونستثمر ونقدم خدمات للآخرين أو المجتمع ككل، وإن لم نفعل نحن ذلك، جاءنا أناس من خلف الحدود والبلاد البعيدة ليملؤوها ويستثمروا فيها، وهذا حاصل في كل بلدان العالم، ونظرة بسيطة في دول الخليج وغيرها من البلدان، تجد آلاف وملايين من العمالة الوافدة تعمل وتعمل، وشباب البلد قد يشتكي من البطالة وفقدان الوظائف، ولو تقدم إلى هذه الفرص لنال منها الكثير بقليل من الإبداع والصبر والشجاعة والتجديد.
وقد توجد الثروة بشكل من الأشكال، في أسرة غنية، أو راتب محترم، أو إعانة حكومية، أو ميراث فقيد في أسرة أو عائلة، أو أرض زراعية في بيئة ريفية، أو سكن بقرب شاطئ غني بالثروة السمكية، أو بقرب مراعٍ عشبية، ومع ذلك إذا لم يكن الفرد على مستوى التفكير الطموح، وقابليته للنهوض والتجديد الاستثماري، فإنه لا يستفيد من هذه الثروة، أو يبددها بما لا يعود بالنفع السليم عليه وعلى أسرته ومجتمعه، فيتحول بالعجز المكتسب من غني إلى فقير، ومن ثري إلى غفير، يحرس عجزه ويحافظ على فقره، ويفوت الفرص التي كان من الممكن أن يصنعها، أو يقتنصها، ولكن الفقر فقر النفس لا فقر المال، وهذا هو سبب تخلفنا وتقهقر بلادنا ومواطنينا وحضارتنا.

والعامل الثاني لتخلفنا الاقتصادي وعوزنا المالي، هو بعضٌ من ثقافتنا القديمة المبنية على مقولات لا تصلح لأحوالنا الحاضرة والمعاصرة، من مثل: " أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، ومقولة: " دبر أو لا تدبر فالله هو المدبر"، والفهم الخطأ لحديث: أنفق بلالاً ولا تخشى من ذي العرش إقلالاً" وعدم وضعه في السياق المناسب لسبب الورود، وأمثال ذلك كثير، مما يجعل القيم التربوية التي ينشَّأ عليها الأبناء في المدارس والإعلام والثقافة، على حافة خطر كبير يتهدد مستقبل الناجحين وحتى المثقفين، حينما يركنون إلى هذه المفاهيم المغلوطة، ولا يحسبون حساباً لتبدل الظروف، أو حدوث المفاجآت، أو قدوم سني التقاعد، فتكون قيم التبذير والإنفاق في سني العمل والنشاط وإقبال رياح النجاح، متهورة ومبذرة فيها عور نحصد آثاره السلبية المدمرة بعد حين من الزمن عاجلاً أو آجلاً، وهذا ما حدا بسنغافورة البلد الصغير الذي لا يتجاوز سكانه أربعة ملايين نسمة، ومن أفقر بلاد العالم، على رقعة صغيرة جداً من الأرض، بعد أن نجح في النهضة والتقدم، لم تبذر الحكومة ولا أفراد شعبها، في الثروة الهائلة التي حصلت عليها من النقد الأجنبي في خزانة بنكها المركزي، التي فاقت فيه كل دول العالم حسب حجمها السكاني، وأحسنت توظيفه من ناحية وادخاره للأزمات والتوقعات المستقبلية من ناحية أخرى، فلما وقعت الضربة المالية، لدول النمور السبع، من قبل لصوص الشعوب والأمم، كانوا مستعدين لتلقي الضربة والرد عليها للنهوض من جديد دون إفراط ولا تفريط.

بقلم: محمد نبيل كاظم.