خلاصة كتاب "الوجود الحق" د. حسن الهويدي

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

خلاصة كتاب "الوجود الحق" د. حسن الهويدي

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

تلخيص كتاب "الوجود الحق" د. حسن الهويدي
مقدمة
هذا البحث أصل في كل حقائق الوجود والموجود، وإثبات الخالق والمخلوق، والبداية والنهاية، والخير والشر، والسعادة والشقاء....الخ من منظومات ومفاهيم الحياة، بينما عدمية وعشوائية الكفرة تنسف كل ما توصلت إليه البشرية من حقائق، هذه الحقائق التي تعتبر نقيضاً لإنكارهم ولا أدريتهم، قال تعالى: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) 32/ يونس، ويبقى البرهان على وجود الله الحق ساطعاً كالشمس التي لا يمكن إنكارها في رابعة النهار والسماء صافية نقية.
الوجود
حينما نذكر الوجود، نذكر ما يقابله وهو العدم، فإما أن ننفي العدم فيثبت الوجود، أو نثبت العدم، فنكون قد أثبتنا حقيقة، وهذا يجعل العدم المطلق محال، ولهذا إذا أثبتنا أو نفينا فقد ثبت الوجود، وهذا ما توصل إليه " ديكارت" بقوله: " أنا افكر، إذن أنا موجود" وقد سبقه ابن سينا بقرون في هذه الحقيقة، والوجود بعد إثباته نوعان: مطلق وإضافي، والعدم كذلك منه: المطلق، والإضافي، فالمطلق من الوجود: ما لا بداية له ولا نهاية: (الأزلي)، والإضافي ما اقترن ببداية أو نهاية، وعرضة للتغير، أما إدراك الحواس للموجودات، فهو محدود بعتبة دنيا وعتبة عليا، قاصرة عن رؤية ما عداهما، ولهذا لا يمكن للحواس الإحاطة بكل الموجودات، وتلحقها النسبية، ولهذا فمن ينكر ما لا تدركه حواسه، يقع في الجهل، لأن العقل يكمل إرشاد الحواس، كما يكمل الوحي إرشاد العقل للصواب والحق، واللاأدري ينقض نفسه بلا أدريته، لأن الحكم على الأشياء بلا أدري، هو أدرية بالنفي، وهي حكم وحقيقة ولو كانت سلبية، مما يجعل الأدرية المطلقة منتقضة بذاتها، فالريبية حقيقة سلبية، وهي مجرد حيلة نفسية للتهرب من مسؤولية الالتزام بالحقائق، تشبهاً بالسوائم والبهائم، ولو قيل لأحدهم ادخل ناراً مشتعلة لامتنع، لعلمه بحقيقة إحراقها وضررها، ومثله: التعامل مع السم، والقذر، والضرر، فيفضحه امتناعه عنها.
السببية
منذ أن وُهِب الإنسانُ قوة الإدراك بنور العقل، وهو يتساءل عن مبدئه ومنتهاه، من أين جاء؟ وإلى أين المصير؟ وإدراكه لخروجه من رحم أمه وصلب أبيه، لا يقنعه، لأنه يتساءل عن المبدأ الأول له ولأبيه ولجميع الأسباب في هذا الوجود: كالمطر، والثمر، والشجر، والحجر، وبالتتبع لجميع الموجودات ندرك أن وراءها أسباب سابقة، تصل إلى مسبب الأسباب وهو الوجود المطلق (الخالق) الذي لا بداية له ولا نهاية، لأنه لو اتصف بإحدى هاتين الصفتين، لما كان وجوداً مطلقاً، ولكان شبيه الموجودات السببية الإضافية، وهذا يؤدي إلى العدم والعدمية، ولا يوجد شيء من العدم، ولانتفى الوجود والموجودات كلها، ووجودها عين الحقيقة الدالة على الأزلية، وهذا ما أدركه الأعرابي بفطرته: " البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، أفلا تدل على الصانع الخبير؟! وهذا ما جعل جميع العقلاء في العالم قديماً وحديثاً، يؤمنون بهذا المبدأ، وهو " مبدأ السببية" وهو من أول مبادئ العقل المديرة للمعرفة، مختصره: " لا بد لكل حادث من محدث" قال تعالى: ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) 35/ الطور، وهذا ما سماه ابن سينا: "واجب الوجود" لاستحالة أن ينبثق الموجود من العدم، ولهذا لا بد للمخلوق من خالق (القاعدة 1).
ومن يزعم أن هذه النتيجة مستندة إلى القول بحدوث العالم، ويفترض أن العالم قديم، يرد عليه الإمام الغزالي بالقول: " إن العالم كله في حركة، وهي إما شفع، أو وتر، وفي كلتا الحالتين، تكمل عدداً وليس صفراً، وهذا يعني أنها في محدودية، وهي صفة الحادث، فمن أحدثها؟ سوى الله غير الحادث، ولو زعم الملحد أن العالم هيولى طرأ عليه الحركة والصفات، فمن رجح هذا؟ إنه الله، المختلف عن هذا، لأنه لا يصح له وفيه هذا، وهذا اعتراف بالخالق سبحانه، وما ينطبق على الحركة والسكون، ينطبق على الحرارة والبرودة، ولو كانتا منذ القديم، لانتهيتا، بالتعادل المطلق منذ القديم، وهذا يجعل (المادية الجدلية) تنهار ولا تثبت، وسقوط الاتحاد السوفييتي معقل الإلحاد في العالم، أكبر برهان على سقوط النظرية المادية التي حاولوا أن يناصروا باطلها، فانهارت وانهاروا معها إلى غير رجعة.
الخالق العظيم
الصفات التي تعرِّف بالخالق العظيم: منها صفات رئيسة، ومنها مكملة، وأهمها أنه خالق، قال تعالى: (أفي الله شك؟ فاطر السموات والأرض) 10/ إبراهيم، وكما أثبتنا أن الكون حادث، وحدوثه ينطلق من وجود الله الأزلي، وبأمره وقدرته وكماله، فهذا يدل على أن الخالق قادر على كل شيء، ولا يعتريه حدوث أو تغير، لأن ذلك من صفات الوجود الإضافي الممكن، وليس الواجب، وهو المخلوقات، ولو اتصف واجب الوجود بالحدوث لسبقه العدم، والعدم يستحيل أن يكون أصلاً للوجود، كما يستحيل أن يكون الحادث أصلاً للحادث، لأن التسلسل باطل، لأنه يقود إلى اللانهائية، وهذا محال في الكون بدلالة ازدياد العدد ونقصانه، في الحركة والسكون، كما قال الإمام الغزالي، لأن الوجود الكوني ينتهي ببداية، كما ينتهي بنهاية، بدلالة السبر والنظر والاستقراء، وهذا يوصل الكون إلى نقطة العدم في البداية والنهاية، مما يجعل وجوده انبثاق وأمر من وجود واجب، لا يسبقه حدوث ولا عدم، وهذا ما أدركه أرسطو بقوله: " تنتهي الأسباب المتسلسلة إلى سبب وحيد نهائي هو الله الخالق" وأضاف بعض الفلاسفة القول بان سلسلة الأسباب تنتهي على استقامة، بالخالق، لاستحالة اللانهائية، وتنتهي بالخالق على الدور الدائري، لاستحالة الدور، بأن يكون الحادث عين المحدث، لأن هذا يجعل الخالق محدثاً سبقه العدم، وهذا مستحيل، لأن العدم لا يكون أصلاً للوجود، لأن الموجد للموجودات (الخالق) منزه عن الحدوث، والعجز، والأفول، بمعنى أنه يتصف بالكمال المطلق (قاعدة 2).
معرفة الخالق لا يحاط بها: دعا رجل رجلاً آخر للإيمان وهما على ساحل بحر، فقال الثاني للأول: " أرنيه " فقام الأول بحفر حفرة قريبة من الشاطئ وأخذ ينقل ماء البحر إليها، وهي تطفح، فقال الثاني: ماذا تصنع يا رجل، قال: " أنقل ماء البحر لأضعه كله في هذه الحفرة، فقال له: " هل أنت مجنون؟ كيف تسع حفرة؟ ماء البحر؟ فقال الأول: وكيف يسع عقلك الإحاطة بمعرفة الله أو رؤيته؟! وأنت لا تستطيع أن تحيط بما في عقلك، أو قلبك؟ فسكت الرجل، قال تعالى: ( لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير) 103/ الأنعام، ونقص المخلوق ومحدوديته تمنعه من رؤية الخالق والإحاطة به، فهو يُعرَف ولا يُحَاط به (قاعدة 3).
3- والسؤال عن خالق الخالق: خطأ في صيغة السؤال ومضمونه، لأن الخالق لا يُخلق، لأنه لو كان كذلك، لكان حادثاً، والحادث لا يَخلق، لأنه في الأصل كان عدماً، والعدم لا ينتج الوجود، والمخلوقات خُلقت من واجب الوجود، وليس من حادث ممكن الوجود، فالسؤال غير صحيح.
قيل أن رجلا سأل أبا حنيفة من خلق الله؟ فقال له عد من الواحد صعوداً ففعل، ثم قال له عد قبل الواحد، فقال ليس قبله شيء، فكان جواباً مسكتاً، لأن الله لا يشبه الحوادث حتى نقيسه عليها، وأنه ليس بناقص أو عاجز، حتى يحتاج إلى غيره، لأن وجوده واجب، وكماله مطلق (القاعدة 4).
وباختصار:
(1): لا بد لكل حادث من محدث، وبالتالي لا بد لهذا العالم من خالق.
(2): الخالق الواجب الوجود كامل مطلق، لا يعتريه عجز أو افتقار.
(3): الكامل المطلق الواجب الوجود لا يفتقر إلى الموجد، لأن الافتقار نقص منزه عنه.
(4): يعرف الكامل المطلق بصفاته، ولا يحاط به، لا برؤية ولا بعلم.
الطبيعة
كثير من وسائل الإعلام المعاصرة، ومثقفي اليوم ينسبون قضايا الخلق والإيجاد إلى الطبيعة، مع أنها ليست سوى مظهر من مظاهر المخلوقات، وأحد مفردات الموجودات، الآفلة والمتغيرة والحادثة والممكنة، والزائلة، التي لم تخلق نفسها، بل خلقها الله القدير.
معناها اللغوي شقين: 1) السجية والخلق، 2) الأشياء من نبات وحيوان وجماد، وهذا معنى غير دقيق، 3) صفات الأشياء وخصائصها: من حرارة، وبرودة، ورطوبة، ويبوسة، وملاسة، وخشونة، وحركة وسكون، وتزاوج، وتوالد...الخ.
أولاً- القول أن الطبيعة خلقت نفسها والكائنات، قول متهافت، لأن الشيء خلق نفسه، فكيف يصبح السبب موجد للمسبب، والعكس، ونحن نرى بطلان التسلسل، وبطلان الدور، عقلاً ومنطقاً.
ثانياً- والقول بأن الخصائص والصفات خلقت الموصوف بها تفسير سطحي غير علمي وغير دقيق، فالقابلية والكمون في الأشياء والنباتات والجمادات، لا إرادة لها ولا عقل ولا وجود مستقل، ولا منهج حتمي، ولا تصميم محكم، فمن وضع هذه القابليات والتصاميم في الأشياء، فتفعل فعلها أو لا تفعل حسب أمر الواضع وقدرته ومشيئته؟ ولهذا ينسب العلمانيون التأثير إلى فعل مبني للمجهول، تهرباً من القول أن الله هو الخالق البارئ المحيي المميت، الفعال لما يريد.
كيف تمتص جذور النباتات والأشجار ما يناسب ثمارها بالمقدار المناسب من التركيبات الحيوية والعضوية من تربة الأرض، مع أن الماء واحد، والتراب واحد، وكل نبتة مصنع عملاق كامل متكامل، فمن يديره؟ والمزارع يغط في نومه العميق، وهو يعمل بقوة خفية على أكبر وأعلم أهل الأرض في الزراعة، أو في البيطرة، أو في الإدارة، إنها الطبيعة التي خلقها الله ويدبر أمرها الله العليم القدير الحكيم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)) الأنعام، ولا يختلف عابد الصنم القديم عن عابد الطبيعة المعاصر، فينسب كل منهما الخلق إلى من ليس بخالق بتاتاً، فيجعل الحداثيون الطبيعة إلهاً يعبد من دون الله تعالى.
التوحيد
بعد تبدد سراب كل الشكوك في وجود الله وعظمته وقدرته، وأنه الخالق الأوحد لكل شيء، مما تدركه أبصارنا وبصائرنا، وتلمسه حواسنا وأيدينا، فمن الواجب التعرف على صفاته تعالى:
- هو الأول: ليس قبله شيء، وهو الآخر: ليس بعده شيء، (لأنه أزلي أبدي)، وهو الحي: الدائم، القيوم، وهو متصف بالإرادة، والمشيئة، (يفعل ما يريد)، وهو السميع، العليم، البصير، القدير، بأوصاف مطلقة، لا يعتريها حدود، ولا يعجزها خفاء أو ظهور.
- وهو الواحد الأحد: لا شريك له في الملك، ووجوده متصف بالكمال المطلق، والتفرد الكامل، ولو اتصف معه أحد بربوبية أو الوهية، لانتفت الوحدانية، وصح التعدد من غير حصر، وإن بطل التعدد، ثبتت الوحدانية، ولزم التوحيد، والقول بالتثنية، يفرض ميزة لأحدهما على الآخر، لأن التساوي المطلق يجعل الثاني هو الأول، ومعنى ذلك التطابق التام، وهذا ينفي التعدد، وإذا كانت لأحدهما ميِّزة فهذا يعني فضل أحدهما على الآخر بها، وهذا يجعل المفضول ناقصاً، والناقص لا يكون إلهاً ولا كاملاً، فثبتت وحدانية الله الواحد، والقول بالتثنية يفرض إطلاقين، وهذا محال، لأن الإطلاق محيط بالكل، فتبقى إحاطة وإطلاق أحدهما، والآخر يثبت بطلان إحاطته وإطلاقه، فيبقى واحد هو الإله، والثاني وَهْمٌ لا وجود له، والله القديم الأزلي يثبت به حدوث العالم، ونفي قدمه، لأن القول بقدم العالم يفيد وجوده المطلق، ووجود إطلاقين محال، فيكون العالم حادث، والخالق قديم، وإذا افترض أحدٌ إلهين، لكان أحدهما يحيط بالآخر، حتى يكون إلهاً، لأنه مطلق القدرة، فيثبت عجز الثاني ونقص قدرته، وهذا ينفي كونه إلهاً، فيبقى الواحد الأحد، ويقول الفلاسفة عن هذا (برهان التمانع) أن يريد الأول شيء ويريد الثاني عكسه، فمحال نفوذ الإرادتين، وغلب إحداها يبطل الأخرى، وهذا ما قاله الطبري: " الإله لا يعجزه شيء، والعاجز عن صاحبه ليس بإله " وفكرة التعدد، ليست سوى فكرة بدائية من الوثنية، والجهل، ولو فكر العقلاء بتجرد دون تقليد أعمى، لأقروا بالوحدانية دون تردد، قال تعالى: ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)) الأنبياء.
أدلة القرآن
1- النشأة الأولى: قال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ (36)) الطور، وهذا إشارة إلى قانون السببية، وعجز الإنسان بنفسه، وأن خالقه الله، ابتداءً من النطفة، بل قبلها في أغذية الأرض، تصل إلى الشرايين، ثم خلايا الجسم، وتكوينها للنطفة في الرجل، والبويضة في الأنثى، وكيفية التقائهما وتمازجهما، وتكاثرهما، بعمليات غاية في التعقيد والتصميم، والنشأة الأولى وأطوار الخلق، تجري دون تدخل من الإنسان، ولا دراية، والعصارات وحدها في الجسم والسوائل المتعددة، أعجوبة في جسم الكائن الحي، ولكل دوره ووظيفته، قال تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) 21/ الذاريات، ولو سألت أعلم أهل الأرض، عن دور غدة البنكرياس، والخصية، والغدة النخامية، وغيرها من أجهزة الجسم، لأقر بدورها الكبير الهائل في النمو السليم والطبيعي للإنسان، ولا مقارنة بين ما صنعه الإنسان بالتركيب والتوليف، وبين ما خلقه الله دون وساطة شيء، سوى كن فيكون، نعم استطاع العلماء صناعة الصواريخ والقنابل الذرية المدمرة، وعجزوا أما فيروس أو ذبابة أو حشرة تكتسح العالم، وصحة الناس، لأن سر الحياة لا يملكه إلا الله.
2- النشأة الأخرى: (إحياء الموتى): تُجمِع جميع المؤلفات البيولوجية بأن سر الحياة، ونفخة الروح في المادة أو البدن مجهول ومعجز، وخارج عن قدرة الإنسان في فهم سره وكنهه، قال تعالى: ( يخرج الحي من الميت، ومخرج الميت من الحي، ذلكم الله فأنى تؤفكون) 95/ الأنعام، و (ويسألونك عن الروح، قل الروح من امر ربي، وما أوتيتم من العلم، إلا قليلاً) 85/ الإسراء، وحوادث العودة للحياة تثبت أنها حق: كما ثبت على يد عيسى عليه السلام بالتواتر، والخبر الصادق، وكتب السماء جميعاً تؤكدها، فاغتر النصارى بما فعله نبيهم فالهوه، وعبدوه، وما حدث من معجزات على يد إبراهيم بإحياء الطير المقطع، وعلى عهد موسى أحيا بعضاً بعد إماتتهم، ونطق المقتول بضربه بضلع من البقرة المذبوحة، والخوارق الكثيرة على يد الأنبياء تثبت الإحياء يوم الحساب.
ومثال علمي على ذلك: سُحِقَتْ خلايا الوجه السفلي لأوراق التنباك، وعرضت لحرارة عالية، حتى زالت جميع آثار الحياة فيها، ثم استنبتت فظهرت الحياة فيها من جديد، (إن الذي أحياها لمحيي الموتى)، والنطفة والبييضة الإنسانية، قبل تكونهما كانتا مواد غذائية في الشرايين، جماد من معادن أو نبات، ثم بعد تكونهما والتقائهما، يتكاثرا عن كائن حي خرج من موات، ومنكر النشأة الآخرة، بسبب نسيان أو تغافل عن النشأة الأولى في الحياة، فهذه مثل تلك، (ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون) 62/ الواقعة، وكما يتولد الجرثوم من ذرة بروتينية، تعود الحياة إلى الرميم، كما كانت أول مرة، مع ملاحظة الأمور التالية:
1- أن ذرة البروتين التي يفترض كونها أصل الحياة والأحياء، تسير في غائية حيوية مطردة مكونة قابلية التحول لكائن حي بقدرة الفاعل الأول والخالق سبحانه، لأنها مجرد سبب، يحتاج لعشرات الأسباب الأخرى، التي تكون كل منها عاجزة بذاتها، لولا تدخل الخالق ينفخ فيها الحياة، ويقدر لها أمر التحول والتوالد والتكاثر.
2- فرضية دارون: (لم تثبت بنظر العلم الحديث): وهي تستند على المزاعم التالية:
أ- تكيف الكائن الحي مع البيئة: الإنسان في القطب البارد سمين، وفي خط الاستواء الحار نحيف هزيل، حيوانات الكهوف المظلمة عمياء، وأفواه الحيوانات وجلودها وأطرافها تتلاءم مع بيئتها ونوع غذائها.
- والرد على هذا نقول: أن التكيف ظاهري، لأن الخلية الأم والتصميم الداخلي لها، لا علاقة له بهذا التكيف الظاهري، لأن الخلايا الأم، لا تتبدل إلى نوع آخر، ولم يثبت هذا التغير في أي نوع أو فصيل، لأن النوع مرتبط بالنطفة الأصل، قبل تأثرها بالبيئة، التي تحدث فيها أثرها، بل يعتبر التكيف معجزة ربانية من الخالق، للكائن، ليكون لديه قدر من الحرية في التلاؤم مع الظروف والبيئة.
ب- تشابه الكائنات الحية: في أطرافها، وأصابعها، وأجهزتها الداخلية، كأنها من أصل واحد.
- والرد على هذه الشبهة نقول: إن التشابه الجنيني الأولي الظاهري، لا يدل على الأصل الواحد، لأن هذا التشابه لا يستمر، وتظهر الفوارق مع النمو والتقدم في مراحل الخلق، مع يقيننا بأن الخلية النباتية أو الحيوانية ليس لديها عقل أو تدبير ذاتي لتكون في حالة غير التي صممت فيها أصلاً، مستقلة عن غيرها من الخلايا والكائنات، وتشابه بعض أعضاء الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، لا يعني أن أحدهما تحول عن الآخر، كالثديين، وغيرهما، ولكن الإعجاز أن يكون الاختلاف مع هذا التشابه، فيكون فاعلية عضو، وضمور آخر، لحكم أخرى، وكونهما أشقاء في الأصل، والخلق الأول.
ج- تطور الجنين في الرحم: عند الحيوانات والإنسان.
- مردود بالقول: أن هذا التشابه ظاهري أولاً، ثم اختلاف الحياة في الرحم، عندها في كائنات أخرى برية، أو مائية، والنطفة غير البييضة، وغيرهما في الحيوانات الأخرى، فالتباين واضح والقياس فاسد، وولادات الكائنات مختلف بشكل كبير جداً، ثم لا دليل على انقلاب النوع، إلى نوع آخر، صحيح أن جميع الكائنات خلقت من أصل واحد، كما ذكر القرآن بقوله: ( والله خلق كل دابة من ماء) 45/ النور، فوحدة الأصل، لا يعني التطور من بعضها، وحتى لو فرض هذا لا بد من تصميم نراه، حتى يحول الماء إلى كائن بهذا الشكل أو ذاك، فالاحتياج إلى القدرة والتصميم ومشيئة خالق، لا يمكن إنكارها في أي كائن أو مخلوق، لأننا لو وضعنا اليوم قطرة ماء في حيز مئات السنين، فهل لديها القدرة على التحول إلى شيء آخر غير الماء؟ وتشابه الجماجم تبين أن الادعاء به غير سليم علمياً، وأن الأحافير ليست حقيقية، لاختلاف التركيب الداخلي الجيني للقرود عن الإنسان، وأن تشابه العظام ليس دليل على الحقيقة الداخلية للتركيب العميق المادي والنفسي.
د- ادعى دارون أن حافز التطور والترقي في الكائنات داخلي، وليس من الخارج، والبقاء يكون للأصلح والأقوى، في الصراع بين عناصر الحياة والأحياء.
- نقول: إن الحافز الداخلي، يفترض فيه الغائية والتصميم، وهذا لا يكون لغير العاقل، والأحياء من غير الإنسان غير عاقلة، وحتى الإنسان حوافزه الداخلية ليس لها قوى إدراكية، فمن يوجهها؟ ولو وجهها الإنسان لاختار أقوى ما في الحياة والتطور، وهذا غير موجود، لأن المصمم للحياة بأسرها هو الله، وإذا كان هناك شيء من ذلك، في الأحياء، فهو بالسنن الإلهية التي صمم الكائنات عليها، لا تملك خيارات غير التي صممت فيها، فبعض البذور لها أجنحة تطير آلاف الأميال، حتى تجد الماء ليبقى نوعها، وبعض أنواع البعوض مسلحة بأكياس هوائية تمنعها من الغرق ليبقى نوعها، ومثل هذه الظواهر كثيرة لا يحصرها عد، في سائر الكائنات، تدل على التدبير الحكيم، وليس الأقوى هو الأبقى، حيث نجد العصفور الصغير، مع الصقر الجسور، والنسر الكبير، والحصان والحمار، والأسد والغزال، ونجد طفل الأرقى وهو الإنسان أضعف من سائر الحيوان، فيحتاج إلى سنوات لحضانته، ونجد سائر الحيوان موجود بتوازن كماً ونوعاً دون طغيان أحدها على الآخر.
وهذا كله يثبت بطلان نظرية (دارون) وتناقضها، الذي أقر به علماء البيولوجيا أخيراً في كثير من
جامعات العالم اليوم، بل ذكروا اعتراف دارون نفسه بوجود حلقة مفقودة في نظريته، وهي وجود حيوان مرحلة وسطى بين القرد والإنسان، وهذا ما لاوجود له.
المصادفة
القول بوجود العالم والكائنات مصادفة، قول يأباه العقل والعلم، وهو قول يتخذه الجاهل تكئة لتغطية
جهله بالسبب الحقيقي، وتبين حقائق الرياضيات أن احتمال ترتيب عشرة أرقام متتابعة، هو 1/10 أس 10، أي 1/10 مليارات مرة، أي احتمال الخطأ في الترتيب، هو عشرة آلاف مليون مرة إلا واحدة، فإذا علمنا أن العرى الملونة، (الكروموزومات) في تركيبة أي حيوان على وجه الأرض، ثابت، لا يتغير لكل نوع وجنس من الإنسان أو الحيوان، وهذه العرى بالملايين، التي تشكل كل مجموعة منها في التوالد أحد أعضاء الكائن الحي، وهي بالمليارات في الحياة والأرض، وبحساب دقيق لا يخطئ، مما يستبعد وجود المصادفة أصلاً في الخلق، فكيف إذا كانت تتعلق بجميع الكائنات من جماد وحيوان ونبات، وماء، ومطر وقوانين الجاذبية، وتركيب الأجرام السماوية ودورانها، ولو حدث خلل في هذا لولدت المرأة حيواناً ولولد الحيوان إنساناً وهذا لم يحدث البتة، ولو اختلت النسبة في الأكسجين والآزوت لعمت الحرائق الأرض كلها، ولو اختلت نسبة الهيدروجين والأكسجين في الماء، لما صلح للشرب، ولقتل الناس عطشاً، ولو اختلت قوانين ودرجة الجاذبية على ما هي عليه، لاستحالت الحياة، وقضي عليها، قال تعالى: ( إنا كل شيء خلقناه بقدر(49)) القمر.
يوم الحساب
اعتراضك على من ينزع عنك حقك، أو يظلمك، مطالباً إياه بأن يكون عادلاً معك، هو الأساس الأول للقيم الأخلاقية، وكذلك التمييز بين العدل والظلم، ومن العدل ينشأ الصدق، والأمانة، والوفاء، ويتولد منها ومن نواقضها، مفهوم الخير والشر، وعلى أساسهما مع ما سبق، تقوم النظم الاجتماعية، والمجتمعات الإنسانية، ولو حكمت هذه الأمور النسبية، فإنها لا تهدم الأصول التي بنيت عليها، وحتى اللصوص يقيمون العدل فيما بينهم، لقسمة المسروقات، وحتى من ينكر مفهوم الأخلاق، لا يستطيع التنكر لقيم العدالة في استقرار الدول والمجتمعات، ومن يفوته العدل في الدنيا، لا يفوته العدل السماوي، لأننا أثبتنا أهمية وجود العدالة وضرورتها، وهذا ليس خيالاً، بل واقعاً يجمع عليه كل البشر، قديماً وحديثاً بالفطرة، ومن أنكر الجزاء الأخروي، إنما هو إنكار لما يشعر بالحاجة إليه ضرورة، وتهرب من تحمل مسؤولية أفعاله الشائنة، وجهله المطبق، وما أثبتناه من وقوع النشأة الأولى، والنشأة الآخرة، يثبت الحاجة إلى يوم يحاسب فيه الناس على أعمالهم، وليس بإمكان أحد إنكار وجوب المحاسبة الدنيوية، والأخروية هي تتمة لها وتأكيد لوجوب مفهومها، ولهذا نجد جميع البشر، لا يقبلون بأن يعتدي عليهم أحد، حتى الطفل الصغير، لو آذيته صرخ وبكى، والكبير إذا ظُلِم قاوم واشتكى، وبعض الناس افترضوا جهلاً أن عقاب الظالمين، يتناقض مع رحمة الله المطلقة، ونسوا أن هذا العقاب هو من رحمة الله، لإقامة العدل، وردع الظالم المعتدي.
[ ويذكر بهذه الفقرة، أن الشيوعية أول ما قامت في الاتحاد السوفييتي ألغت عقود الزواج، واعتبرتها من مفاهيم الأنظمة البرجوازية التملكية، وهي ألغت الملكية الفردية بالنظام الاشتراكي، والعلاقة الزوجية اشتراكية وحرية ومشاعية، لكن فوجئت الدولة والنظام بكثرة الأطفال اللقطاء على أبواب المستشفيات ومكاتب الحزب، وجرائم الأحداث، مما أربك النظام، في كيفية رعاية شعب كامل بهذه الطريقة الفوضوية، فتراجعت، وطلبت من كل زوجين، أن يسجلا زواجهما في دائرة خاصة للزواج، ويلتزما بما ينتج عنه من مواليد، في رعايتهم وتربيتهم، مما بين أن الإلتزام وتحمل المسؤولية من ضروريات الحياة، وهذا تأكيد لمفهوم العدالة والمحاسبة، في مجتمع لا يؤمن بوجود الله، ويتبنى الإلحاد في مدارسه وجامعاته، ومع ذلك لم يستطع التملص من كامل القيم الدينية، التي ينكرها، ويحاربها] المختزل.
وذكر النفيسي في كتابه" على صهوة الكلمة ما خلاصته:
[ فشلت مقولة الشيوعية حول المرأة: حيث أصدر الحزب الشيوعي عام 1917م قراراً بعدم اعتراف الدولة بعقد الزواج في الكنيسة والمسجد (وكان عدد المسلمين يومها لا يقل عن 40 مليون مسلم)، فظهرت نتائج مدمرة على مستوى المجتمع مثل جرائم الأحداث، والعزوف عن الإنجاب، - لو استمر سيؤدي إلى الانقراض – وكثرة الإجهاض، وقل الزواج، فتدخلت الدولة ووضعت شروطاً للطلاق أشبه بالطلاق الكاثوليكي، وأصدرت قوانين عام 1936م مخالفة للنظرية الشيوعية، مثل مسؤولية الأسرة عن احتياجاتها، وعدِّل عام 1944م بلزوم تدوين العلاقة الزوجية في جواز السفر، وعللت ذلك بالقول: " بات ملحاً إعطاء احتفال الزواج هيبته المعنوية" وهذا يعتبر ردة عن التفسير المادي للعلاقات الإنسانية، التي كانت تعتبرها علاقات اقتصادية].
الخلود
الوجود والعدم، مطلق ونسبي، الوجود المطلق هو الواجب، وهو الله (الخالق)، والوجود النسبي هو الموجود الإضافي (المخلوق) بفعل الموجد المطلق، والعدم المطلق محال، لأن واجب الوجود أزلي، والعدم الإضافي، هو غياب أو موت أو فناء الموجود الإضافي (المخلوق)، وكثير من التحولات في الكائنات، تمر بالعدم النسبي، أو الإضافي، مثال تحول الماء بالتبخر من السيولة، إلى الغازية، واحتراق الخشب، وتحوله إلى رماد، وغازات، وحرارة، فالماء تحول ولم ينعدم، وكذلك الخشب، تحول ولم ينعدم، واحتراق البنزين كذلك، تحول وبقي بصيغة أخرى داخل إطار الغلاف الجوي للأرض، واحتراق شمعة لا يفني وجودها، ولا عناصرها المتحولة، وهذا يجعلنا نؤكد قاعدة: (لا فناء لموجود، ولا وجود لمعدوم) إلا ما شاء الله، أما بالنسبة للمادة، فإنها تبقى في إطار الكون مهما تحولت من شكل لآخر، وعدمها يحتاج إلى مؤثر خارجي عنها، ومثله الإنسان، فهو خالد مهما اعتراه من تحول بالموت وتحلل، فإن عناصره باقية في الكون، وعودته إلى الحياة بنشأة أخرى أخبرنا بها الأنبياء جميعاً والكتب جميعاً عن الله الذي أنشأه أول مرة، وذكر الخلود في القرآن أكثر من مرة، في العذاب أو النعيم، حسب العمل إن كان صالحاً أو طالحاً، وخلود الإنسان متعلق بإرادة الوجود المطلق للخالق، والإنسان موجود بالتحول واستحالة الفناء الذاتي، وعودته للحالة الأولى ممكنة، كما أنشأه الله في المرة الأولى، وهذه العودة ضرورية لإقامة ميزان العدل، الذي قامت عليه السموات والأرض، والإنسان يختار أي المصيرين يريد، سعادة أبدية، أو شقاء لا نهاية له.
سبل الضلال
على رغم كل ما أثبتناه من أدلة على وجود الله، وضرورة العدالة، وخلود الإنسان، فإن بعض الناس يضل وينكر ويكفر بسبب:
1- الجهل: لقلة المعرفة والعلم، أو لعدم الاستعداد للمعرفة والعلم.
2- الضلال باتباع الهوى، لأن النفس ميالة للشهوات والملذات القريبة، وأحيانا يكون المال، أو المنصب، أو الجاه، أو الشهوات صارفاً عن الحق، مستبد هواه بقلبه، ينحط به هواه إلى أسفل هاوية فيعميه.
3- الكبر والعناد: يدفعه للإصرار على الباطل، إذا كان هذا الباطل في هواه، فيبالغ في تضخيم تقدير ذاته إلى حد العبادة، فتتحكم به الأنانية المفرطة، ولا يدرك ضعف نفسه إلا في ساعة الغرق وساعة القصاص، والحساب.
4- الخوف: أحد سبل الضلال، لأن الخائف يتوارى عن تحمل مسؤولية موقفه، خوفاً من مخاطر ما قد يصيبه بسبب ذلك، والقرآن مجد الجرأة والشجاعة في الحق، ومناصرته، ( لا يخافون لومة لائم) 54/ المائدة، ( ولا يخشون أحداً إلا الله) 39/ الأحزاب، (خذوا ما آتيناكم بقوة) 63/ البقرة، وقد تمثل هذا بموقف سحرة فرعون، بعد أن آمنوا.
الخاتمة
من تحقق بالكرامة لا بد أن يقر بالحق، ولا يثنيه عن الإيمان به شيء، لأنه ليس كمثله شيء، وهو إله عظيم متصف بكل صفات الكمال، ومنزه عن كل نقص، أو مشابهة للمخلوق، ومن اتبع الحق بعد الإيمان به، وعمل بموجبات هذا الإيمان، كان له أحسن منزلة في نعيم الجنة، ومن عصى وتمرد
وأبى، كان له أسوء منزلة في الجحيم والعذاب، وعلى العاقل أن يحسن الاختيار.
بقلم وتصرف: محمد نبيل كاظم.


أضف رد جديد

العودة إلى ”كتب وكتَّاب“