تأملات في آية قرآنية

''

المشرف: محمد نبيل كاظم

قوانين المنتدى
''
أضف رد جديد
محمد نبيل كاظم
Site Admin
مشاركات: 776
اشترك في: الأحد نوفمبر 15, 2020 1:55 pm

تأملات في آية قرآنية

مشاركة بواسطة محمد نبيل كاظم »

(قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ)51/التوبة
ما الذي يجعلنا نشعر بالطمأنينة حين قراءة هذه الآية؟ الجواب:
1- فلنقف على كلمة (قل): إذا اضطرتنا أحداث الحياة ومفاجآتها إلى مواجهة حدث أو مصيبة ما، مهما يكن صغيراً أو كبيراً، فللوهلة الأولى نشعر بضعفنا ومحدودية إمكانية مواجهته، مهما كنا نملك من أدوات ووسائل، لأن حاجتنا إلى المساندة والمؤازرة بحد ذاتها أمام أي حدث صغير ولو شوكة أو لسعة بعوضة، أو حدث كبير لا سمح الله، هو إظهار لضعفنا البشري أمام المتغيرات غير المرغوبة، والمؤذية والضارة، وفي هذه الحالة التي تستدعي المساندة، يأتينا محامي عنا ومدافع من غير أي مساومة أو أجر، ليقول لنا عبدي لا تخف، أنا مولاك وخالقك وناصرك، لن يؤذيك أحد أو يتسلط عليك تجبراً دون إذن مني، فلا تخف، أنا معك وبجانبك وبيدي إيقاف الشر الذي تخافه، أنا الله الكبير، فقط أطلب منك أن ترفع صوتك بلا خوف ولا وجل، أمام أعدائك ومن تخافهم، فقط عليك أن توكلني بدور المحاماة عنك ودور الحماية، وذلك لا يتطلب منك سوى كلمة إقرار لي بأن أحامي عنك، وأن توكلني بذلك فأكون محاميك وكذلك القاضي الذي يحكم لك، إن كنت تخاف قضاة غيري، فقل: ما يلي:...
2- (لن): بعد توكيلي بالدفاع عنك، أطلب منك أن لا تجعل لأي مخلوق أو حدث، سلطان خوف على قلبك، لئلا تشعر بالضعف أمام ما هو ضعيف من مصائب الدنيا، لأنها مخلوقات مقننة بسنن محددة لا تقهر عبداً إذا استسلم لي وسلم بقدرتي المطلقة، فأنت عبدي المكرم، والأحداث والحوادث مهما تكن فهي شظايا الابتلاء، يردعها حفظي وملائكتي عنك وعن إخافتك، إذا قويت عزيمتك بي وبجبروتي، لن ولن تفعل شيئاً لإذلالك أو قهرك إذا كنت معي بقلبك، فقل هذه الكلمة السريعة القوية: لن...فإنها ستغلق باب قلبك أمام الانهيار، وتجعلك في رحاب العزة والاستظهار، وأنا ظهيرك وناصرك، فاثبت.
3- (يصيبنا): لأني أنا الله محاميك وطبيبك وشافيك ومعينك ورازقك...أطلب منك أن تستبعد أثر المصيبة عليك بمفردك، لأنك لست وحدك، ولست فرداً، أنت عبدي وأنا معك، فاجعل نداءك جمعاً لأنك لست ذرة في مهب ريح الحياة، أنت عبدي بسمعك وبصرك ويداك ورجلاك ورأسك وقدميك وقلبك وكبدك، فأنت جمع الجمع، ولست خلية أحادية التركيب حتى تخيفك حوادث الحياة وشراذمها، أنت الجمع، والأذى مفرد غير مركب، أنا معك، فارفع صوتك بكل جوارحك، واجعلها تنطق بلغة الجمع والفريق: (لن يصيبنا)....
4- (إلا): استثناء في الإدراك يا عبدي: لأن كل ذرات الكون تخدم مشروع عبوديتك لي، ولهذا بعض هذه الذرات والأسباب، تخرج عن سيطرتك حين تتحرك في كوني العريض، بشيء من الخطأ أو انحرف بوصلتك إلي، فتغضب منك، أو عليك، لتردك إلى صواب طريق الصواب، فهي استثناء من السن بسنن، فلا تخف منها، فإنها بقدر مني وابتلاء، وهي ليست سوى استثناء، فكم ضاقت بك الأشياء وأنت صغير أو كبير، ثم رضخت لك واستجابت لتكون مسخرة لك، وهذه التي تشكو منها الآن فهي مأمورة وبقدر، وبقدري.
5- (ما): لغير العاقل من أحداث وحوادث ومصائب، لا تعقل في حركتها تجاهك، وأنت الذي تملك العقل والتحكم، فاجعلها تمر، ولا تضخم الشعور بأثرها، لأن ما لا يميتك لن يميتك، وما لا يضرك، لن يضرك، لأن النتائج محكومة بقدري وإذني، وإذا أردتَ أن تجعل أثرها ضئيلاً، فاجعلها صغائر الحياة، واحسب كم بقي لك من قوة ومن إرادة ومن مال ومن قدرة ومن أهل وعشيرة وملاذ، وانظر إلى منْ يصَّبُ عليه عذابُ الله فيحيط به إحاطة كاملة، لا يستطيع الفرار منه بالكلية، فأنت، وأنت تتنفس ولك بقية حياة، فأنت القوي بما لديك طالما أن الحدث مضى وسيمضي، فاجعل أثره غمضة عين، بما بقي لديك، بقي لديك ومعك الكثير الكثير....
6- (كتب): هذا الذي حدث مكتوب في لوح محفوظ، مقدر مسجل بكل حيثياته السببية منذ الأزل يوم أمِرَ القلم بكتابة المقادير، وهو من علم الله وقدره، فلا تيأس عبدي المبجل، هذا الذي حدث سنة، فابحث عن أسبابه ومغزاه، لعلك نسيت شيئاً من وسائط الوقاية والحماية والمدافعة، فأنا علَّمت أباك الأول في السماء عندما كنت ذرة في ظهره، كل الأسماء والأشياء، ليدفع بعضها ببعض، فلا تصطدم أنت بكوكب أو كويكب، لأن لكل شيء مسار، والحوادث هي انخرام في مسارات المسير، وبعضها يكون من غير فعلك، لكنك حدتَ ومن معك من الناس عن الانصياع لمنهجي، فجاء الحدث ليقول لك ولغيرك كفوا عن هذا الطريق، وقد لا تكون أنت السبب المباشر، لكن أنت مخلوق اجتماعي له أثر وتأثير، وكائنات السمع والبصر والجوارح لديك مشتركة في فعل الأحداث تأثراً وتأثيراً، فاطمئن إلى ما قُدِّر ولا تجزع، إن مع العسر يسراً ومع الضيق فرج بإذني.
7-(الله): اسمي هذا كافٍ أن يجعلك في اطمئنان كامل، إذا نطقت به بقلبك قبل لسانك، لا يشاركني فيه مخلوق، عبدي اجعلني بينك وبين المخلوقات جميعاً، وستجد نفسك في ركن قوي متين، لا تخشى أحداً غيري، مهما عظمت المصائب، فهي أشياء هزيلة إلا جانب ما أنت تتمتع به من قوة الإيمان بخالقك الذي هو أنا الله القادر القدير، واعلم أن روحك لن يصلها مكروه وأنت معي، فروحك علمها عندي وحدي، فهل يصل إليها غيري، حتى لو تحول جسدك إلى غبار أو تراب كما هو أصله، ستبقى روحك في مأمن، لأن لا أحد يصل إلى روحك غيري، حتى لو فارقت الحياة، ستكون روحك في مأمن لدي، لأني كتبت أن لا يعلم سرها أحد غيري، وأنت بروحك لا بجسدك إنسان، وأنت عبدي لوحدي، طالما استصغرت المخلوقات كلها إلى جانب عظمتي وقدرتي، انطق باسمي، أو اجعله في سويداء قلبك وسترى برد اليقين مع كل أحداث الدنيا ومصائبها، لأن المصيبة الحقيقية أن تضل طريق الخلاص إلي، وإلى جنتي التي عرضها السموات والأرض، قل: الله، وكفى....
8- (لنا): عبدي وأنت جمع الجمع في جوارحك كلها، كتب وسيكتب لكل منها نصيبه من العمل منها وفيها، في هذا الكون الكبير المسخر لك ولها، فلا تنظر إلى ما يحدث منك ومنها وفيك وفيها، على أنه خسارة أو فشل، بل هو لك ولها فلاح ونجاح بالصبر على لأواء الحياة وتصاريفها، ليكون دورك معها دور الراصد للمخالفات السننية، لتحيد عن طريق التقصير والهروب من تحمل مسؤولية الأمانة التي كلفتك بحملها في هذه الدار – الدنيا – التي هي صغيرة بكل المقاييس المادية الكونية، والكبيرة بكل المقاييس الأخلاقية الروحية، لتعبر منها وبها إلى دار المقر والإقامة الدائمة ودار السلام، فسجل كل ما يعتريك من مصائب، إذا لم تكن متسبباً فيها أو مقصراً، في سجل حسناتك، وإن كنت كذلك فلا تحزن فإن باب التوبة لا يغلق في وجهك أبداً فسارع بتوبتك، لتغيير رصيدك من الحدث إلى صالحك، حيث تبدل السيئات إلى حسنات بالرجوع عنها والتوبة، فتصبح في سجل حسناتك وعملك، حيث يجزى الصابرون برفقة الصبور، والتائبون برفقة التواب سبحانه، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فلا تجزع، فهي لك، ولجوارحك، ولهذا قل: لنا...لنا، والله المعين التواب لمن تاب، والأواب لمن إليه آب.
9- (هو): عبدي إذا واجهتك الدنيا بأسرها، والكون بكل ما فيه، من سطوة وسلطة، فلا تنسى أني خالقك وموجدك، وحاميك والمدافع عنك، ويكفيك ان تقول لكل هؤلاء مشيراً إلي " هو" الذي خلقني ووهبني الحياة والوجود، وهو الذي رزقني ويرزقني، بل كل ما لدي مما أخاف عليه فإنه في يد مالكي، وهو قدري بتقديره وعلمه، كلمة هو العائدة إلى الله، تختزل نداء العابد للمعبود، ونداء الضعيف للقوي، ونداء الخائف إلى من لا يخيفه شيء بجنابه وحضرته وحضوره، إنه هو وكفى.....
10- (مولانا): وما أعظمه من تلطف من الصانع بمصنوعه، الذي صنعه بيديه، وأسجد له أعظم مخلوقاته بعد الرسل الملائكة الكرام، والمولى: المحب، والنصير، والوكيل، والناصح، والمدافع، ونسبته إلى نا المتكلم، يجعله في إطار الحب الذي لا يوازيه أي علاقة بين مخلوق وآخر، كما هو بين الله وعبده الذي تكفل له بالحماية والعناية والتكريم، تجعل العبد وهو يعبر عن هذا الحب اللصيق بقلبه حباً يحمل معانٍ متعددة من الولاء من العبد لمولاه، حتى أنه في قمة مشغلته بمصيبته، لا ينسى أن ينادي منقذه وحاميه ورازقه بهذه الكلمة الودودة مولانا، ليكون ولاء جميع جوارحه وكيانه بكل مفرداتها من سمع وبصر وجوارح ونعم وممتلكاتٍ تنادي بلسان صاحبها بالنيابة عنها جميعها (مولانا)، فما أعظم هذا الولاء، وما أجمل هذا الحب، وما أروع هذه العبودية.
11- (وأخيراً): دار القضاء، ومحكمة السماء، لا تظلم عبداً طائعاً أو مذنباً، لأنها محكمة إلهية، وعدالة سماوية، ورحمة ربانية، لا تفرط في حق محق، ولا تظلم مظلوماً ولا ظالماً، والكل في رحابها سواء، ومن يتقدم إليها بطلب صادق للرحمة والعدالة لا يخيب له رجاء.
تأملات بقلم: محمد نبيل كاظم.


أضف رد جديد

العودة إلى ”القرآن والسنة“